انعکاس صراعات الغاز الجديدة على الأمن الإقليمي لمنطقة شرق المتوسط

تعتبر منطقة شرق المتوسط من المناطق الاستراتيجة المهمة فى العالم ، حيث أصبحت منطقة تنافس وصراعات ، حيث اکتسبت هذه المنطقة أهمية کبرى فى الوقت الراهن بعد اکتشافات الغاز الطبيعى على سواحل دول شرق المتوسط ، حيث تصاعدت اکتشافات الغاز فى منطقة شرق المتوسط ، ولقد عزز اکتشاف إسرائيل لحقلى تمار وليفياثان فى عامى 2009و 2010 ، ومن ثم اکتشاف مصر لحقل ظهر فى عام 2015 الى اهتمام الفاعلين الإقليميين والدوليين فى المنطقة ، کما ساعد فى رفع مستوى التنافس الإقليمى والصراع على هذه الثروات وأصبحت عامل يهدد الاستقرار فى منطقة شرق المتوسط .

ومع تزايد الاکتشافات حول الغاز الطبيعى وتسابق الدول وتوقيع اتفاقيات استکشاف مع الشرکات الأجنبية أصبح من مصلحة کل طرف أن يعلن موقفا يرسم من خلاله حدوده البحرية ، وذلک لأن أواخرعام 2018 شهدت تصاعدا کبيرا فى التوتر بين دول حوض شرق المتوسط من جهة ، ولبنان وإسرائيل من جهة اخرى ، وذلک بسبب التنافس القائم بين هذه الدول على استغلال الموارد الطبيعية الموجودة فى هذه المنطقة وعلى رأسها الغاز الطبيعى ، الى أن تم تشکيل منتدى غاز شرق المتوسط ، وهو يعد بمثابة محاولة لهيکلة الاصطفافات الإقليمية فى شرق المتوسط .

المشکلة البحثية

على الرغم من وجود العديد من الأسس القانونية الحاکمة لقانون البحار وترسيم الحدود بين الدول ، إلا أن ذلک لم يمنع من وجود طموحات إقليمية لبعض الدول ، وأنه مع الاکتشافات الجديدة للغاز الطبيعى فى شرق المتوسط بدأت تظهر الصراعات والنزاعات ، ومع وجود الصراعات و النزاعات بسب اکتشافات الغاز ، بات الميل نحو الدخول فى تفاعلات تعاونية أمرا واردا ، لاسيما فى مرحلة تصدير کميات الغاز الطبيعى المستخرجة من حقول شرق المتوسط .

تساؤلات البحث

يطرح البحث تساؤلا رئيسيا يتمثل فيما يلى :-

* إلى اى مدى تؤثر صراعات الغاز الجديدة على الأمن الإقليمى لشرق المتوسط؟

– وينبثق من هذا التساؤل الرئيسى عدة تساؤلات فرعية :

أ- إلى أى مدى ساهمت اکتشافات الغاز فى المياه القبرصية فى تأجيج الصراع بين ترکيا من جانب وقبرص واليونان من جانب آخر ؟

ب- کيف أثرت اکتشافات الغاز قبالة السواحل اللبنانية على التفاعلات بين إسرائيل ولبنان ؟

ج- ما هى القواعد القانونية الحاکمة للتفاعلات بين الدول المتشاطئة ؟

د- هل ستتحول صراعات الغاز فى شرق المتوسط إلى تفاعلات تعاونية ؟

أهداف البحث

أما عن الأهداف التى يسعى البحث الى تحقيقها فيمکن تحديدها على النحو التالى :

– معرفة الأسس الإقانونية الحاکمة لقانون البحار وترسيم الحدود بين الدول .

– کيفية مواجهة الصراعات بين دول منطقة شرق المتوسط بسبب اکتشافات الغاز الجديدة .

– وضع رؤية مستقبلية لمجمل التفاعلات بين دول شرق المتوسط وکيفية تقليل حدة الصراع وتحويله الى تعاون بسبب اکتشافات الغاز .

المنهج المستخدم

يعتمد البحث على المنهج الاستقرائى ، ويستخدم کمنهج رئيسى يسهم فى الوقوف على

أهم المعلومات والدلالات المتعلقة بالموضوع ، بالإضافة إلى الاستعانة بعدد من المداخل :

1- مدخل دراسة الحالة : حيث يسهم هذا المدخل فى تسليط الضوء على التفاعلات والمواجهات بين دول منطقة شرق المتوسط.

2- مدخل المصلحة القومية : حيث يقوم بالترکيز على مصلحة الدولة المصرية فى اطار حفاظها على أمنها الإقليمى والسياسى والاقتصادى ومجالها الحيوى.

3- المدخل القانونى : وذلک من خلال دراسة وتحليل أهم القوانين التى يتم الإستعانة بها داخل البحث.

تقسيم البحث

يتم تقسيم البحث الى ثلاثة محاور :-

المحور الأول : صراعات الغاز الجديدة.

المحور الثانى : الأمن الإقليمى لشرق المتوسط.

المحور الثالث : اکتشافات الغاز والأمن الإقليمى لمنطقة شرق المتوسط.

المحور الأول : صراعات الغاز الجديدة

خريطة توضح منطقة شرق المتوسط

لقد حظيت منطقة شرق المتوسط بأهمية کبيرة على خلفية الأهمية المتزايدة لاکتشافات الغاز ، وتتجلى الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية لهذه المنطقة على النحو التالى :

– احتواءها على 41%من احتياطى الغاز فى العالم .

– المتغيرات المستقبلية على الوضع الجيو-اقتصادى ، والجيو-أمنى التى يحملها الغاز فى تلک المنطقة.

وتتجه کثير من الدول الى استثمار الغاز بصورة أفضل وأکثر ترکيزا من النفط ، حيث أن الغاز يشکل فعليا مادة الطاقة الرئيسية فى القرن الحادى والعشرين ، سواء من حيث الطاقة النظيفة أو من حيث البديل الطاقى لتراجع احتياطى النفط عالميا ، لذا تعد السيطرة على مناطق الغاز فى العالم أساس للصراع الدولى، وفى هذا الإطار سيتم تناول ذلک من خلال :-

أولا : اکتشافات الغاز الجديدة.

ثانيا : الأطر القانونية لاستغلال الغاز فى شرق المتوسط.

ثالثا : الصراع على الغاز فى شرق المتوسط.

أولا : اکتشافات الغاز الجديدة

منذ عام 2009 وصل حجم الاکتشافات فى شرق المتوسط الى قرابة 2100 مليار متر مکعب ، الأمر الذى يجعل من التنافس على حقول الغاز أمرا استراتيجيا .

وفى عام 2010 أجرت هيئة المسح الجيولوجى الأمريکية تقديرات لما يحتويه حوض شرق المتوسط من ثروات طبيعية ، وخرجت بنتيجة مفادها أن الساحل الشرقى الذى يشکل القسم الأکبر من حوض شرق المتوسط ، يحتوى على کميات هائلة من احتياطى النفط والغاز غير المکتشفة والتى تقدر بقرابة 133 تريليون متر مکعب من الغاز.

وکانت أولى الاکتشافات فى منطقة حوض شرق البحر المتوسط فى بداية الألفية ، حيث اکتشفت شرکة بريتس بتروليوم البريطانية حقل (غزة مارلين) على مسافة 3کم تقريبا من قطاع غزة ، وتقدر مخزونه بقرابة تريليون متر مکعب من الغاز.

وبدأت عمليات الاکتشاف فى الازدياد ، ومع توالى الاکتشافات أصبحت دول المنطقة أکثر اهتماما بتکليف الشرکات الأجنبية بأعمال الاستکشاف، لذا نجد أن من مؤشرات الصراع على الغاز أن الاحتياطات الغازية الکثيفة أثرت على تأجيج الصراعات والخلافات بين دول المنطقة حول معايير الاستغلال والتقاسم والتنقيب.

1- اکتشافات الغاز القبرصية فى شرق المتوسط

اکتشفت (نوبل انرجى ) أواخر 2011 حقل افروديت فى المنطقة الاقتصادية الخالصة فى المياه الجنوبية الشرقية للجزيرة ، على بعد 34 کم من حقل ” ليفاباثان”

ويبلغ احتياطى الحقل نحو تسعة تريليون قدم مکعب من الغاز .

ثم تلى هذا الاکتشاف اکتشاف آخر فى عام 2018 ، حيث أعلنت شرکة النفط والغاز الأمريکية (اکسون موبيل ) اکتشاف الغاز الطبيعى فى حقل يقع قبالة ساحل قبرص ، وأکدت الشرکة أن الحقل قد يحوى موارد من الغاز الطبيعى تتراوح بين 170- 230 مليار متر مکعب .

وفى عام 2019 وفى المنطقة الاقتصادية القبرصية أيضا تم اکتشاف حقل “جلاوکسى” باحتياطيات تقدر ب142- 227 مليار متر مکعب من الغاز الطبيعى .

2- اکتشافات الغاز الإسرائيلية فى شرق المتوسط

لقد توالت اکتشافات حقول الغاز الإسرائيلية فى السنوات الأخيرة ، فعلى سبيل المثال ، تم اکتشاف حقل غاز “داليت” وما بين عامى 2009و2010 تم اکتشاف حقلى غازتمار وليفياثان ، وحقل تمار يبلغ احتياطيه نحو 318 مليار متر مکعب ، ويقع قبالة سواحل البحر المتوسط .

وبدأ استغلاله فى 2013 ، أما حقل غاز ليفياثان فيعد أکبر الحقول الإسرائيلية التى تم اکتشافها ، ويتوقع أن ينتج نحو605 مليار متر مکعب من الغاز الطبيعى.

وتم اکتشافه فى يونيو 2010 ، وتم بدء الانتاج منه خلال عام 2016 ويبعد الحقل حوالى 130 کيلو مترا قبالة ميناء حيفا.

حقل داليت : تم اکتشافه فى ابريل 2009 وهو يضم احتياطيات تقدر بحوالى نصف تريليون قدم مکعب من الغاز ، ولکن لم يدخل على الإنتاج .

وفى منتصف ديسمبر 2014 أعلنت إسرائيل عن اکتشاف حقل غاز “روى” على مسافة 93 ميل بحرى من السواحل الإسرائيلية .

وفى ابريل 2019 کشفت شرکة “انرجيان اليونانية ” للطاقة عن اکتشاف حقل غاز “کاريش” الذى يبعد عن السواحل الشمالية الغربية الإسرائيلية 100 کيلو متر ، ويضم حوالى 51 مليارمتر مکعب من الغاز.

وهذه الاکتشافات الإسرائيلية الضخمة من الغاز ، دفعت إسرائيل نحو السعى للتحول لمصدر للغاز الطبيعى لدول الجوار.

وبذلک فلقد أصبح الغاز بالنسبة لإسرائيل يمثل التوجه الإسرائيلى سواء نحو الانخراط فى صراعات مع دول الجوار للسيطرة على مصادر الطاقة لاسيما مع لبنان وفلسطين ، أو حتى الانخراط فى تفاعلات تعاونية مع بلدان أخرى مثل قبرص واليونان ومصر .

أما عن التعاون الإسرائيلى مع دول شرق المتوسط ، فنجد أن شرکة ديليک الإسرائيلية قد وقعت اتفاقيات مع کل من الأردن ومصر لمدها بالغاز الطبيعى .

وإلى جانب مصر والأردن قامت إسرائيل بفتح سوقا للغاز لها فى أوروبا ، حيث تظل أوروبا سوقا حيويا بالنسبة للغاز الإسرائيلى ، کما أن مشروعات أنابيب الغاز التى يتم مدها حاليا عبر قبرص وکريت ، تمثل أهمية کبيرة لأوروبا وإسرائيل معا .

3- اکتشافات الغاز المصرية فى شرق المتوسط

کان التطور الأهم لمصرفى عام 2015 عندما أعلن عن اکتشاف حقل ظهر ، وتم اکتشاف حقل ظهر داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية فى البحر المتوسط على بعد 180الى 190 کيلومترا من السواحل الشمالية المصرية ، وهو ملاصق تقريبا للمنطقة الاقتصادية القبرصية ، وتقدر احتياطيات حقل ظهر حوالى 850 مليار مترمکعب ، وهو ما يجعله أکبر اکتشافات الغاز فى العالم فى السنوات الاخيرة.

وتوجد مجموعة من الحقائق تتعلق بحقل ظهر المکتشف وهى :

*رفع حقل “ظهر” انتاج مصر من الغاز الطبيعى بنحو 10% بما يعادل 6,6 مليار قدم مکعب يوميا .

* سيساهم فى توفير ما لا يقل عن 2 مليار دولار سنويا ، کان يتم استخدامهم فى استيراد الغاز

* تتوزع حقوق التنقيب فى هذا الحقل بين العديد من الشرکات :”اينى الإيطالية” و”روسنفت الروسية” و”بريتش بيتروليوم الإنجليزية” وشرکة “إيجاس” المصرية التابعة لوزارة البترول ، وتحصل شرکة “اينى” على 40%من إنتاج الحقل والمخصصة لاسترداد التکاليف ، وتتوزع النسبة الباقية 60%على الشرکات الثلاثة الأجنبية بنسبة35%منها ،وعلى شرکة “إيجاس”بنسبة 65%.

ومن خلال هذه الأرقام يتضح أن النسبة المستخرجة من حقل ظهر مرشحة للزيادة ، وانعکس ذلک من خلال تنافس الشرکات الأجنبية عليه ودخول الشرکة الروسية معهم.

ولقد أعطى الرئيس عبدالفتاح السيسى إشارة بدء الإنتاج من المشروع فى 31 يناير 2018 ، والذى يهدف الى الوصول بمعدلات الإنتاج الى 3 مليار متر مکعب غاز يوميا .

ولقد ساهمت اکتشافات الغاز فى مصر الى زيادة احتياطى الغاز الطبيعى ،وزيادة إنتاجه اليومى ، مما ساعد على دخول مصر قائمة الدول المصدرة للغاز المسال ، وکذلک تصدير الغاز الطبيعى للدول العربية المجاورة من خلال مشروع الغاز العربى ، وفى الوقت ذاته تعمل مصر على الموازنة بين الطلب المحلى المتزايد والتصدير .

من خلال ذلک يتضح أن هذه الدول التى اکتشفت الغاز فى شرق المتوسط تم نقلها من مستورد للغاز الى مصدر له ، وبدأت هذه الدول تلجأ الى التعاون أو الصراع وفقا لمصلحتها مع اکتشافات الغاز الجديدة وخاصة إسرائيل.

الجدول رقم (1) يوضح أهم اکتشافات الغاز

احتياطيات الغاز المقدرة بالمليار متر مکعب الانتاج الاکتشاف الدولة حقل الغاز

318 2014 2009 اسرائيل تمار

605 2016 2010 اسرائيل ليفياثان

90 ——– 2014 اسرائيل روبى

51 ——— 2019 اسرائيل کاريش

129 2013 2011 قبرص أفروديت

170- 230 ——– 2018 قبرص کاليسيبو

142- 227 ——— 2019 قبرص غلوکوس

850 2018 2015 مصر ظهر

www.marefa. Org: المصدر

من خلال هذا الجدول :اتضح أنه مع هذه الاکتشافات الخاصة بالغاز تتزايد التعقيدات السياسية لهذه الدول فيما يتعلق بمشاکل حول الحدود البحرية لکل بلد وما هى حصة کل دولة من هذه الاکتشافات ، وما قد تملکه من فرص للتعاون الاقتصادى والسياسى الى تهديدات عسکرية.

جدول رقم (2) يوضح محطات تسييل الغاز فى منطقة شرق البحر المتوسط

الطاقة الاسمية (بالمليون طن فى السنة) تاريخ البدء اسم المحطة الدولة

5 2005 مجمع المصرية الاسبانية للغاز (سيجاس) T1 مصر

3,6 2005 مجمع المصرية للغاز الطبيعى المسالT1 مصر

3,6 2005 مجمع المصرية للغاز الطبيعى المسالT2 مصر

1.5 1970 مجمع مرسى البريقة (خارج الخدمة منذ 2011 ليبيا

والجدول رقم (3) يوضح محطات استقبال الغاز الطبيعى المسال فى منطقة شرق البحر المتوسط

القدرة الاستيعابية بالمليون طن فى السنة تاريخ بدء العمل اسم المحطة الدولة

5,7 2017 الشرکة العربيةلانابيب البترول “سوميد” وحدة عائمة مصر

4,2 2015 محطة موغ بالعين السخنة(وحدة عائمة) مصر

5,7 2015 محطة بى دبليو بالعين السخنة (وحدة عائمة) مصر

30 2013 محطة الخضيرة (وحدة عائمة) اسرائيل

4,8 2000 محطة ريفيثوس للغاز الطبيعى المسال اليونان

7,6 1994 محطة مرمرة اريجليس ترکيا

8 2006 الياجا ترکيا

5,9 2016 محطة ايتکس (وحدة عائمة) ترکيا

4,1 2018 محطة دورتيول(وحدة عائمة) ترکيا

ويتضح من خلال هذا الجدول أنه : على الرغم من وجود أکثر من محطة استقبال للغاز الطبيعى لدى ترکيا ، الإ أن ترکيا لديها مشکلتين أساسيتين هما : التناقضات التى ينطوى عليها تعيين حدود المناطق الاقتصادية الخالصة فى شرق المتوسط ، والعلاقات المتوترة حاليا بين ترکيا وقبرص ، فالفرصة حاليا لمصر بالنسبة لمحطات استقبال الغاز المسال فى منطقة شرق المتوسط .

ثانيا : الأطر القانونية لإستغلال الغاز فى شرق المتوسط

توجد مجموعة من القواعد القانونية والاتفاقيات بين الدول يمکن الاستناد اليها فى استغلال الغاز فى شرق المتوسط ومنها :

1- اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982

تضمنت الاتفاقية تقسيم البحار الى أربعة مناطق رئيسية هى : البحر الإقليمى ويحدد بحد أقصى 12 ميل بحرى من خط الاساس وللدولة سيادة کاملة عليه.

، ثم المنطقة الاقتصادية الخالصة والتى حددتها الاتفاقية ب 200 ميل بحرى ، تقاس أيضا من خط الأساس ، ثم منطقة الجرف القارى ، وأخيرا أعالى البحار.

وتلتزم کل دولة بأن تصدر خرائط معتمدة يبدو واضحا عليها شکل البحر الإقليمى والنقط المکونة له وإحداثياتها والتى يبدأ منها الحساب ، وتودع هذه الخرائط لدى سکرتارية الامم المتحدة.

وهناک بعض الدول التى صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 وعددهم حوالى 175 دولة من بينها المجموعة الأوروبية ومصر وقبرص ، والبعض الآخر لم يصدق ومن هذه الدول ترکيا ، حيث أنها لم تعترف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ، ويرجع ذلک جزئيا لأنها ترفض قبول سيطرة اليونان الکاملة تقريبا على بحر إيجه الذى يفصل بين ترکيا واليونان ، وتزداد المشکلة بسبب وجود ” الجمهورية الترکية لشمال قبرص ” غير المعترف بها دوليا الإ من ترکيا .

وإلى جانب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ، هناک مجموعة من الاتفاقيات التى تم إبرامها بين الدول ومنها :

2- اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية القبرصية

حيث تم التوقيع على هذه الاتفاقية فى 2003 ودخلت حيزالنفاذ فى عام 2004 وتم تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بالدولتين وفقا لقاعدة خط المنتصف .

3- اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – القبرصية

تم توقيع هذه الاتفاقية 2007 ، وتم الترسيم وفقا لنقطتين هما 1 جنوبا و6 شمالا ، وألزمت الاتفاقية فى مادتها الثالثة: أن أى طرف يدخل فى تفاوض مع طرف آخر لترسيم الحدود البحرية فى إحداثيات أى نقطة من 1 أو 6 بالرجوع الى الطرف الآخر ،ولکن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز النفاذ

4- اتفاقية ترسيم الحدود البحرية القبرصية – الإسرائيلية

تم التوقيع على هذه الاتفاقية فى 2010 ، ومن خلال هذه الاتفاقية تم تحديد الحدود البحرية بينهما ، لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بکل منهما ، والتى تم تحديدها أيضا وفقا لقاعدة خط المنتصف ، والذى يقع على مسافة 150 کم شمال غرب حيفا .

وعلى الرغم من وجود قواعد القانون الدولى للبحار والاتفاقيات الدولية الموقعة ، إلا أنها لم تحل دون اندلاع خلافات حول حقوق استغلال حقول الغاز التى تقع فى نطاق منطقة شرق المتوسط.

ثالثا : الصراع على الغاز فى شرق المتوسط

يوجد صراع حول الغاز فى شرق المتوسط ، ومن أهم محاور هذا الصراع مايلى :-

1- الصراع اللبنانى الإسرائيلى

خريطة توضح المناطق المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل

تتصاعد التوترات بين إسرائيل ولبنان بسبب احتياطيات الغاز والنفط الهائلةبالقرب من شواطىء البلدين.

ويعد الصراع بين لبنان وإسرائيل متعدد الأبعاد ، حيث لم تقم البلدين بترسيم حدودهما المائية مع بعضهما البعض ،إلى جانب أن إسرائيل لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 ، وبالتالى فلا يجوز مطالبتها بالالتزام بمعايير تعيين الحدود البحرية المتضمنة فيه.

وتصاعدت أزمة الغاز بين البلدين فى أعقاب فشل کافة المساعى للتوصل لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ، وذلک نظرا لعدم وجود اتفاق حول معايير التقسيم .

أ- طبيعة النزاع

يدور الخلاف بشأن “البلوک رقم 19 ” حيث يرى الجانب اللبنانى أن البلوک يقع ضمن المياه الإقليمية اللبنانية ، بينما إسرائيل تزعم أنه يقع ضمن حدودها البحرية .

ورفضت اسرائيل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل وقبرص ، ويرجع هذا النزاع لثغرة ارتکبتها لبنان عام 2007 أثناء توقيعها اتفاق مع قبرص حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين ، حيث تم ترسيم الحدود بخط وسط مؤلف من 6 نقاط ، وهنا حدث الخطأ ، اذ تبين الخرائط تراجع غير مدروس من الجانب اللبنانى عن النقطة 23 جنوب الناقورة.

ويعد اکتشاف الغاز فى حوض ليفانت السبب الأساسى للصراع على الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وإسرائيل ، خاصة بعد أن اکتشفت إسرائيل حقولا للغاز فى المنطقة الغربية من المياه اللبنانية المتمثلة بحقلى تمار وليفياثان ، وعلى الرغم من أن هذه الاکتشافات تعد عظيمة للبلدين ، الا أنها سببت خلافا حول الحدود البحرية ، وذلک لأن هناک تداخل فى الحدود البحرية للبلدين مما أدى الى التنافس بينهما من أجل الوصول الى المناطق التى يترکز بها الغاز الطبيعى.

وبذلک فإن وجود ثروات هيدروکربونية بالقرب من منطقة النزاع البحرى ، قد دفعت الحکومتان فى لبنان وإاسرائيل الى امکانية استخدام قواتهما المسلحة لحماية هذه الموارد.

وفى يناير 2018 أقرت الحکومة اللبنانية منح رخصتين للتنقيب عن النفط فى البلوکين 4 و9 من حصتها فى البحر المتوسط ، ولکن طرح لبنان مناقصة عامة أمام الشرکات العالمية للاستثمار فى البلوک 9 ، أثار العديد من التحفظات الإسرائيلية حيث أن إسرائيل ترى أن البلوک رقم 9 هو ملک لها.

لذا نجد أن الصراع حول النفط والغاز الطبيعى من الممکن أن يؤدى الى استخدام القوة المسلحة لحمايتهما.

2- الصراع القبرصى – الترکى خريطة توضع أماکن الصراع الترکي القبرصي

أ- موقف قبرص

بعد اکتشاف الغاز فى شرق المتوسط ، سعت قبرص لتدوين حقها وتعزيز مکانتها القانونية والدبلوماسية فى شرق المتوسط ، فقامت بتوقيع اتفاقيات الحدود البحرية مع کل من مصر ولبنان وإسرائيل منذ عام 2003.

وبمقتضى هذه الاتفاقيات قامت قبرص برسم حدودها البحرية وقامت بالاستکشاف والتنقيب عن الغاز الطبيعى والنفط فى منطقة تبلغ مساحتها 51 کم فى الجزء الجنوبى من مياهها ، والتى تم تقسيمها الى 13 قطاع، وتستند قبرص بأنها تمنح رخص التنقيب عن الغاز فى مياهها الاقتصادية الخالصة وفقا لمرکز قانونى يترکز بالأساس على الاعتراف الدولى بالجمهورية القبرصية ، والذى يعطى لها حق ممارسة السيادة بما فيها التنقيب عن حقول الغاز الطبيعى .

وفى عام 2011 جرت عمليات الحفر فى أحد القطاعات الخاصة بقبرص ، وتم التأکد من وجود کميات کبيرة من الغاز فى هذه القطاعات البحرية ، لکن ترکيا وقبرص الترکية عارضتا عمليات الحفر وأصرتا على أنه ليس من حق قبرص اليونانية استغلال تلک الثروات.

وبعد ذلک جرت العديد من المفاوضات بين قبرص وترکيا ، الإ أنه لم يتم التوصل الى أى اتفاق، فعلى الرغم من اکتشاف کميات من الغاز الطبيعى فى المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص ، الإ أن ترکيا وجمهورية شمال قبرص الترکية يحدان من سلطة الحکومة القبرصية لاتخاذ قرارات اکتشاف وتنمية المصادر النفطية الموجودة بالمناطق الاقتصادية الخالصة ، حيث تصر ترکيا وجمهورية شمال قبرص الترکية على الاستفادة من هذه الثروات.

ب- الموقف الترکى

اعترضت ترکيا على اتفاقية ترسيم الحدود بين قبرص وإسرائيل ، کما أعلنت رفضها اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر وقبرص ، واستندت فى ذلک الى أنه لا يحق للحکومة القبرصية التوقيع على أى اتفاق دون مشاورة قبرص الشمالية .

وفى عام 2017 صرح وزير الخارجية الترکية بما أنه لم يتم التوصل الى اتفاق وتسوية شاملة ، فلا يحق لقبرص التنقيب عن النفط والغاز فى شرق المتوسط .

وجاء ذلک على خلفية الادعاءات الترکية بأن هذه الاتفاقيات تنتهک الجرف القارى الترکى ، وأن هذه الاتفاقيات تتجاوزالسيادة الترکية ، وأنه لا يحق لأى شرکة التنقيب وإجراء أبحاث فى هذه المنطقة.

وفى فبراير 2018 اعترض الجيش الترکى سفينة حفر “سايبم 12000” والتى کانت فى طريقها من موقع بين الجنوب والجنوب الغربى من قبرص إلى منطقة بجنوب شرق الجزيرة “بلوک 3” ، ولقد هدد الرئيس الترکى باستخدام القوة العسکرية للحفاظ على حقوق ترکيا فى حقول الغاز بمنطقتى 3 و6 الواقعة بينها وبين قبرص ، ولقد تفاقمت التوترات أکثر فى يناير 2020 بعد أن أدانت قبرص استمرار ترکيا فى أنشطة الحفر فى المياه المتنازع عليها .

المحور الثانى : الأمن الإقليمى لشرق المتوسط

يعد مصطلح الأمن الإقليمى حديث نسبيا ، برز خلال فترة ما بين الحربين العالميتين ليعبر عن سياسة مجموعة من الدول تنتمى الى إقليم واحد، وفى هذا الإطار سيتم تناول هذا المحور من خلال :-

أولا : تعريف الأمن الإقليمى

ثانيا : المنطقة الاقتصادية الخالصة فى شرق المتوسط

ثالثا : مصالح القوى الکبرى فى شرق المتوسط

أولا : تعريف الأمن الإقليمى

يعتبر الأمن الإقليمى : هو سياسة مجموعة من الدول تنتمى لإقليم واحد ، وترتبط هذه الدول مع بعضها البعض ، وتقوم هذه الدول على إنشاء تنظيم تعاونى عسکرى لدول الإقليم ، ويمنع هذا التنظيم أى قوة أجنبية أو خارجية من التدخل فى شأن هذا الإقليم.

والأمن الإقليمى فى الموسوعة السياسية : هو نظام تعمل به الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بوحى من ميثاقها بهدف الحرص على الأمن والسلام الدوليين وفض النزاعات بالطرق السلمية ، على أساس أن أمن الدولة وسلامتها الإقليمية من الأمور التى تتضمنها کل دولة.

وتعرف جامعة الدول العربية الأمن الإقليمى على أنه: توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق نظمها السياسية وتحقيقا للتعاون فيما بينها ، وصيانة لاستقلالها وسيادتها مع الحرص على المصالح المشترکة على کافة الاصعدة ، ومنها تحقيق الأمن الإقليمى.

ويعرف الأمن الإقليمى أيضا على أنه : اتخاذ خطوات متدرجة تهدف الى تنسيق السياسات الدفاعية بين أکثر من دولة ، حتى يتم الوصول الى تبنى سياسات دفاعية موحدة لتقدير مصادر التهديد وسبل مواجهتها.

ومن خلال هذه التعريفات نجد أن الأمن الإقليمى الفعال هو ذلک الإقليم الذى تنشط فيه العلاقات الحيوية بمختلف مجالاتها بصورة تحقق تکامل وتعاون شامل يخدم أمن الإقليم بصفة عامة وأمن کل دولة على حدة بصفة خاصة،ومفهوم الأمن الإقليمى لم يعد قاصرا على الطابع العسکرى فقط ، ومن العناصر الجديدة فى مسائل الامن الإقليمى أن تنظيمات التکامل أو التعاون الاقتصادى الاقليمى التى ظلت بعيدة عن مجال التنسيق أو التعاون الأمنى أخذت تدخل فى مجال العلاقات الأمنية من أجل تحقيق هدف استراتيجى يتمثل فى إنشاء جماعة امنية إقليمية.

من خلال ذلک يمکن أن يتميز الأمن الإقليمى بثلاثة خصائص هى :

*أنه مرتبط بشعور جميع الأطراف أن لها مصالح متبادلة داخل الإطار الإقليمى.

* أن المصالح المتبادلة بين أطراف النسق الإقليمى لابد وأن يکون لها صفة الاستمرار.

* لا يمکن لاى طرف أن يفرض إرادته ، وذلک يلزم أن تصون الحلول المشترکة حقوق جميع الأطراف.

ثانيا : المنطقة الاقتصادية الخالصة فى شرق المتوسط

عرفت المادة الخامسة والخمسون من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 المنطقة الاقتصادية الخالصة بأنها : منطقة واقعة وراء البحر الإقليمى وملاصقة له ، يحکمها النظام القانونى المميز المقرر فى هذا الجزء ، وبموجبه تخضع حقوق الدول الساحلية وولايتها وحقوق الدول الأخرى وحرياتها للأحکام ذات الصلة فى هذه الاتفاقية.

فالمنطقة الاقتصادية هى منطقة ذات طابع قانونى خاص ، فهى ليست مياها إقليمية ولا هى مياه من أعالى البحار ، وهى تقوم أساسا على التمييز بين الثروات الکامنة فيها من ناحية ،والاتصالات من ناحية أخرى ، اذ يتم الاعتراف فيها بالمصالح الاقتصادية للدول الساحلية مع المحافظة على مبدأ حرية الملاحة والتحليق ووضع الأسلاک والأنابيب بالنسبة للدول الأخرى ،وبذلک فالمنطقة الاقتصادية تجمع بين خصائص البحر الإقليمى حيث السيادة الکاملة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية فقط فى هذه المنطقة وخصائص أعالى البحار من حيث الحريات المطلقة فى الملاحة البحرية والجوية لکل الدول .

وتقع المنطقة الاقتصادية الخالصة بعد البحر الإقليمى للدولة الساحلية وملاصقة له مباشرة، وأنه لا يجوز أن تتجاوز هذه المنطقة قى امتدادها 200 ميل بحرى.

ومع اکتشافات الغاز الجديدة فى شرق المتوسط ،باتت القضية الرئيسية تتمثل فى المناطق الاقتصادية الخالصة التى لم يتم حلها ، والتى يتم تحديدها وفقا للقانون الدولى حيث أنه أجازاستغلال منطقة الموارد البحرية .

ومسألة المنطقة الاقتصادية الخالصة تؤثر بشکل کبيروواضح على النزاعات ، فعلى سبيل المثال الحالة الإسرائيلية اللبنانية ، حيث لم يتم التوصل بين إسرائيل ولبنان الى اتفاق بشأن تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بهما.

ونظرا لوقوع رواسب الغاز الهامة بجانب ساحل کلتا الدولتين ، فلا يوجد اتفاق حول من يملک هذه الموارد ، وعندما أکدت إسرائيل حقها فى اکتشاف المواد الهيدروکربونية احتجت لبنان على تلک الممارسات .

وأيضا قبرص وترکيا ، حيث تبرر ترکيا موقفها بأن قبرص ليس لها الحق فى الإعلان من جانب واحد عن المنطقة الاقتصادية الخالصة ، حيث أن ترکيا لم تعترف بمسافة 200 ميل بحرى للمنطقة الاقتصادية الخالصة ، ولم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة للبحار 1982 ، وتدعى ترکيا أن المنطقة الاقتصادية القبرصية هى جزء من منطقتها الاقتصادية .

ثالثا : مصالح القوى الکبرى فى شرق المتوسط

مع تصاعد اکتشافات الغاز فى شرق المتوسط ، بدأت القوى الکبرى يکون لها دورا فى شرق المتوسط ويتمثل ذلک فى :

1- روسيا فى شرق المتوسط

تحتل روسيا مکانة کبيرة وعالمية من حيث إنتاج الغاز الطبيعى ، وعلى الرغم من أن غاز شرق المتوسط لا يمثل لها أهمية اقتصادية من حيث الاحتياج الداخلى ، إلا أنه يمثل أهمية استراتيجية لها فيما يخص علاقاتها مع دول حوض المتوسط ، وخصوصا الدول التى برزت بها اکتشافات للغاز فى الآونة الأخيرة ، وأسست روسيا لوجود بحرى دائم لها فى شرق المتوسط ، اذ يوجد لديها 16 سفينة و3 مروحيات بحرية وحاملة طائرات مما يعنى استعدادها لمواجهة أى أخطار محتملة على مصالحها.

2- الولايات المتحدة الامريکية فى شرق المتوسط

لقد أقر المشرعون الأمريکيون تشريعا لتعزيز مواقع الولايات المتحدة الامريکية فى سوق غاز شرق المتوسط ، ونص القانون على تعزيزالعلاقات الأمنية مع اليونان ، ويهدف التشريع الى أن يجعل الولايات المتحدة لاعبا رائدا فى سوق الغاز فى منطقة شرق المتوسط ، وذلک من خلال تعزيز الشراکة مع الحلفاء فى مجال الطاقة والأمن ، کما أن شرکات البترول الأمريکية کان لها دور فى اکتشاف وانتاج المصادر الهيدروکربونية فى شرق المتوسط لاسيما “نوبل للطاقة “.

إلى جانب ذلک وجود إسرائيل من بين الدول الفاعلة فى شرق المتوسط ، والتى تهتم الولايات المتحدة بأمنها القومى ، فالولايات المتحدة تعمل من خلال سياساتها وحلفائها فى شرق المتوسط على خلق بيئة أکثر استقرارا وموائمة لها ولحلفائها فى ظل بيئة تعمها الاضطرابات.

3- الاتحاد الأوروبى فى شرق المتوسط

يريد الاتحاد الأوروبى تعزيز أمن الطاقة لتنويع مصادر الواردات وسيسهم غاز شرق المتوسط فى ذلک ، خاصة بعد توتر العلاقات لأوروبية الروسية فى الفترة الأخيرة ، وذلک لأن غاز شرق المتوسط يخفف من الاعتماد شبه الکلى على الغاز الروسى لاسيما الى دول شرق وجنوب أوروبا .

وأنه بتوقيع مشروع أنابيب شرق المتوسط “ايست ميد” الذى وقعته قبرص واليونان وإسرائيل سيکون له دور فى إمداد غاز شرق المتوسط الى الاتحاد الأوروبى ، حيث قالت المفوضية الأوروبية أن اتفاق “ايست ميد” هو تطور مرحب به ، وأنه يجب أن ينظر الى خط الأنابيب کخيار للاستفادة من غاز شرق المتوسط ، وأبدى الاتحاد الأوروبى اهتمامه بهذا المشروع ، فى إطار سعى الاتحاد الاوروبى لتنويع مصادر إمدادات الغاز باعتباره أمر مهم لأمن الطاقة الأوروبى ، ودعى الاتحاد الأوروبى الدول الثلاث لتقديم دراسات بشأن التکاليف.

المحور الثالث : اکتشافات الغاز والأمن الإقليمى لمنطقة شرق المتوسط

على الرغم من الصراعات الموجودة فى منطقة شرق المتوسط ، إلا أن اکتشافات الغاز من الممکن أن يکون لها جانب إيجابى يتمثل فى امکانية البحث عن مسارات للتعاون بهدف الوصول الى أکبر قدر من الاستفادة من هذه الموارد ، وظهرت ارهاصاته بين کل من مصر وقبرص واليونان، ولقد وضعت اليونان خططا ثلاثية للتعاون مع بلدان شرق المتوسط ولاسيما مصر وقبرص ولبنان ، وتعد هذه الخطط آليات لحوار مثمر ويهدف الى تعزيز العلاقات فيما بين البلدان ، وتحسين الاستقرار فى منطقة شرق المتوسط.

وفى هذا الإطار سيتم تناول ذلک من خلال:-

أولا : الشراکة المصرية- القبرصية – اليونانية

ثانيا : اتفاق قبرص – اليونان –إسرائيل

ثالثا : اتفاق ترکيا – حکومة الوفاق الليبية

أولا : الشراکة المصرية- القبرصية – اليونانية

بعد أن وصل الرئيس عبدالفتاح السيسى للحکم ، بدأت العلاقات بين مصر وقبرص واليونان تأخذ منحنى جديد نسبيا ، حيث سعى الرئيس عبدالفتاح السيىسى لفتح مسار التفاوض بشأن غاز المنطقة مع کل من اليونان وقبرص ، وهو ما تمخضت عنه عقد قمم ثلاثية ومنها:

الاولى : عقدت فى القاهرة فى نوفمبر 2014 وجمعت کل من الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس وزراء اليونان ” أنتونيس ساماراس ” ورئيس قبرص ” نيکوأناستا سيادس ” وتضمن عدة أمور بشأن قضية التعاون فى الغاز فى منطقة شرق المتوسط ، ومن أهمها ما يلى :-

*احترام القانون الدولى والأهداف والمبادىء التى يجسدها ميثاق الأمم المتحدة ، وفيما يخص اکتشاف مصادر مهمة للطاقة التقليدية فى شرق المتوسط .

* التأکيد على أهمية احترام الحقوق السيادية وولاية قبرص على منطقتها الاقتصادية الخالصة.

أما القمة الثانية فعقدت فى نيقوسيا فى 29 ابريل 2015 ، وتم التوصل من خلالها إلى :

* التأکيد على الطابع العالمى لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

*المضى قدما فى مفاوضات تعيين المناطق البحرية التى لم يتم تعيينها.

والقمة الثالثة تم انعقادها فى القاهرة اکتوبر 2016 ، وأبرز ما نص عليه بيان القمة ما يلى:

* تعزيز الامکانيات لزيادة التعاون الثلاثى فى مجال الطاقة .

* التأکيد على أن اکتشاف احتياطات الهيدروکربون سوف يمثل حافزا للاستقرار والرخاء الإقليمى .

* التأکيد على رغبتهم فى مواصلة المفاوضات الجارية بشأن ترسيم حدودهم البحرية المشترکة.

وتم انتظام عقد القمة سنويا بين قادة الدول الثلاث وکان أخرها القمة الثلاثية السابعة فى 8 أکتوبر 2019 بالقاهرة ،ويعکس انتظام عقد هذه القمة سنويا حرص هؤلاء القادة على تنسيق الجهود لإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية والاقتصادية فى المنطقة .

والتوافق المصرى – القبرصى – اليونانى أدى الى :-

1- تزايد التعاون الاقتصادى

لقد تزايد التعاون الاقتصادى بين الدول الثلاث نتيجة التوقيع على عدد من الاتفاقيات ، وکان فى مقدمة هذه الاتفاقيات توقيع مصر وقبرص 18 سبتمبر 2018 على أول اتفاق من نوعه لإقامة خط أنابيب بحرى مباشر لنقل الغاز الطبيعى من حقل ” افروديت ” القبرصى الى تسهيلات الإسالة بمصر فى محطتى ” إدکو ودمياط ” وذلک من أجل إعادة تصديرها الى الأسواق العالمية.

هذا إلى جانب التوقيع على اتفاق منع الازدواج الضريبى بين مصر وقبرص ، ولقد ساهم التعاون المصرى اليونانى القبرصى فى خلق شراکات جيواستراتيجية جديدة فى المنطقة ، وتقوم على تبادل المصالح بين البلدان الثلاث ، بما يدعم العلاقات بينهم على کافة الأصعدة ، بالإضافة الى التعاون فى القضايا المتعلقة بالأمن والدفاع.

2- إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط

فى يناير 2019 تم تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، ويقدم هذا المنتدى على أنه منصة إقليمية للاستفادة من الجهود المبذولة لاستکشاف الغاز وتصديره ، بما ينفع الدول المشارکة فى المنتدى ، وتم وضع مجموعة من الأهداف لمنتدى شرق المتوسط وهى :

* تعظيم الاستفادة من اکتشافات واحتياطيات الغاز الطبيعى بمنطقة شرق المتوسط .

* إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب .

* تعزيز التعاون لإيجاد حوار منهجى منظم وصياغة سياسات إقليمية مشترکة بشأن الغاز الطبيعى .

*تأسيس منظمة دولية تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردها الطبيعية بما يتفق ومبادىء القانون الدولى .

* ضمان الاستدامة ومراعاة الاعتبارات البينية فى اکتشافات الغاز وإنتاجه ونقله .

* مساعدة الدول المستهلکة فى تأمين احتياجاتها ،

* تعميق الوعى بالاعتماد المتبادل والفوائد التى يمکن أن تجنى من التعاون والحوار بين الأعضاء ،وقد تم اختيار مصر کمرکز للمنتدى ، وذلک لأن مصر تعد الدولة الوحيدة بين الدول الأعضاء التى تمتلک بنية تحتية تضم وحدتين لإسالة الغاز ” مصنعى إدکو ودمياط “

ومن خلال أهداف منتدى غاز شرق المتوسط وخاصة مع اتفاق هذه الدول على تکثيف المشاورات لرفع هذا المنتدى الى مستوى منظمة إقليمية ، وخاصة مع زيادة حضور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى أنشطة المنتدى.

ويتضح أنه من خلال الشراکة بين کل من مصر وقبرص واليونان يمکن أن يکون ذلک حجر الأساس للاستقرار والأمن فى منطقة شرق المتوسط ، إلى جانب أن هذه الشراکة يمکن أن تصبح أداة ردع مناسبة لمواجهة الاستفزازات الترکية وخصوصا مع إصرار ترکيا تعطيل أى إنتاج إقليمى للغاز فى شرق المتوسط ، وبذلک أرسى المنتدى خريطة طريق لصادرات غاز شرق المتوسط تستبعد منها ترکيا ، کما أرسى أيضا دور مصر المرکزى لصناعة غاز شرق المتوسط ، والسبب فى توفير الدور الريادى لمصر هو الاکتشافات الضخمة للغاز فى مياهها، بالإضافة الى تنامى أدوارها الإقليمية الفاعلة فى المجال السياسى.

ولقد شهد الاجتماع الوزارى الثالث لمنتدى غاز شرق المتوسط ، الذى عقد فى 16/ 1/ 2020 بالقاهرة الخطوة الرئيسية فى إطلاق الإطار التأسيسى لمنتدى غاز شرق المتوسط ، والذى يرتقى بمنتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة دولية حکومية ويکون مقرها بالقاهرة.

ولقد أسفر هذا التحالف عن اتفاق بين مصر وقبرص يتيح لقبرص الاستفادة من البنية التحتية للغاز الطبيعى فى مصر من خلال إنشاء خط غاز يصل حقل أفروديت القبرصى إلى منصات تسييل الغاز بالسواحل المصرية،ورغم الطابع الاقتصادى لهذا التکتل ، إلا أنه يحمل أهدافا سياسية وأمنية تأتى فى إطار حالة السيولة التى تشهدها الاصطفافات الإقليمية .

ثانيا : اتفاق قبرص – اليونان – إسرائيل

فى 20 ديسمبر 2018 استضاف رئيس الوزراء الإسرائيلى رئيس وزراء اليونان والرئيس القبرصى ، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلى خلال القمة أنه تم الاتفاق على مد أطول خط غاز من شرق المتوسط لأوروبا ، وأکد أن تحالف إسرائيل مع قبرص واليونان هو حجر الأساس فى استقرار منطقة شرق المتوسط.

ووقعت قبرص واليونان وإسرائيل فى 2 يناير 2020 فى العاصمة اليونانية أثينا على اتفاق خط أنابيب شرق المتوسط ” ايست ميد” ، ويهدف هذا المشروع الى أن تکون الدول الثلاث حلقة وصل مهمة فى سلسلة إمدادات الطاقة لأوروبا ، وسيتيح خط غاز شرق المتوسط نقل ما بين 9 و11 مليار متر مکعب من الغاز سنويا من الاحتياطات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان وکذلک إالى إيطاليا ودول اخرى .

ورغم أن هذا الاتفاق بين الدول الثلاث له أهميته حيث أنه سيساهم فى السلام والتعاون فى المنطقة ، الإ أن هذا الاتفاق أثار غضب ترکيا لأنها کانت تطمح لأن تصبح دولة عبور رئيسية لإمدادات الغاز الطبيعى إلى أوربا.

وجاء التوقيع لمد خط أنابيب ” ايست ميد ” بعد أسابيع من إابرام ترکيا وليبيا اتفاقا لتعيين الحدود البحرية فى شرق المتوسط ، فى خطوة عارضتها اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل .

ثالثا : اتفاق ترکيا – وحکومة الوفاق الليبية

بعد أن وجدت ترکيا نفسها فى عزلة إقليمية فى شرق المتوسط ومحاطة بالکثير من الانتقادات ، شرعت فى التوجه نحو فرض سياسة الأمر الواقع ومحاولة بلورة واقع جديد من خلال تغيير خريطة التحالفات القائمة حاليا ،حيت يعد منتدى غاز شرق المتوسط أحد أهم هذه التحالفات ، ولقد اعتبرت ترکيا أن تشکيل دول المتوسط منتدى غاز البحر المتوسط إقصاء متعمد لها ، واعتبرته کما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الترکية “حامى أقصوى” أن تحويل المنتدى إلى منظمة دولية بعيد عن الواقع ، وأضاف أن إنشاء المنتدى جاء بدوافع سياسية لإخراج ترکيا من معادلة الطاقة فى شرق المتوسط .

إلى جانب ذلک جاء توقيع اتفاق خط أنابيب شرق المتوسط فى وقت حاولت فيه ترکيا أن يکون لها الثقل فى المنطقة کجزء من استراتيجية السياسية الخارجية للرئيس الترکى ، وذلک لمحاولة تعزيز نفوذ ترکيا الإقليمى ، والتى کانت أبرز خطواتها توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع حکومة الوفاق الليبية ، والذى اتفق فيه على تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة للدولتين ، حيث أبرمت ترکيا وحکومة الوفاق الليبية اتفاقيتين فى 28 أکتوبر 2019 إحداهما حول التعاون الأمنى والأخرى للتنسيق فى المجال البحرى ، وتعد هذه الاتفاقية بمثابة تأکيد للتعاون العسکرى والأمنى.

ويتضح أن الاتفاق الترکى الليبى يهدف بالأساس إلى قطع الطريق أمام خط الأنابيب المقترح ، وخط الأنابيب المقترح يتمثل فى أن تنقل قبرص وإسرائيل الغاز الطبيعى من حقولهما عبر أنابيب قصيرة ومنخفضة التکلفة نسبيا إلى مصنعى تسييل الغاز الطبيعى القائمين فى دمياط وادکو فى مصر ، ليتم تسييل الغاز الطبيعى من البلدين وتصديره إلى أوروبا عبر الناقلات البحرية .

ومن خلال الاتفاق الجديد بين ترکيا وحکومة الوفاق الليبية فإن خط الانابيب هذا سيمر وفقا للحدود الواردة فى الاتفاق الجديد داخل المنطقة الترکية الخالصة ، وهذا يمنح ترکيا نفوذا للتدخل فى استغلال احتياطيات شرق المتوسط .

وطموح ترکيا من الاتفاق بينها وبين حکومة الوفاق الليبية هو تعزيز موقفها للمطالبة بمناطق بحرية من منافسيها فى شرق المتوسط ، وهذا الأمر أوضحه الرئيس الترکى بالقول ” سيسمح هذا الاتفاق لترکيا بالقيام بعمليات حفر فى الجرف القارى لليبيا بموافقة طرابلس ، وفى ظل هذا الاتفاق الجديد بين ترکيا وليبيا يمکن لترکيا القيام بعمليات استکشاف مشترکة فى هذه المنطقة الاقتصادية التى تم تحديدها،ومن خلال ذلک نجد أن ترکيا تريد من هذا الاتفاق تعزيز موقفها للمطالبة بمناطق بحرية فى شرق المتوسط.

وبعد التوقيع على الاتفاقية بين ترکيا وحکومة الوفاق الليبية أثيرت العديد من التساؤلات حول ترسيم الحدود البحرية فى شرق المتوسط ، إلى جانب أنه کان هناک ردود فعل إقليمية ودولية رافضة للاتفاقية ، وتوالت ردود الفعل المناهضة فأعلنت مصر فى بيان صادر عن وزارة الخارجية إدانتها الاتفاق الترکى مع الحکومة الليبية فى طرابلس ، وذلک لأن ارتباط حکومة الوفاق الليبية بعلاقات مع ترکيا سيؤدى إلى زيادة حدة الاضطرابات فى منطقة شرق المتوسط ، کما أن هذا الاتفاق يدل على أن ترکيا عازمة على توسيع نطاق الأنشطة البحثية عن الغاز والنفط فى المياه الليبية .

وأيضا على الرغم من أن ترکيا أکدت على الشرعية الدولية لأعمالها ، الا أن الاتحاد الأوروبى أدان ذلک، واعتبر أن الاتفاق الترکى الليبى حول ترسيم الحدود البحرية فى البحر المتوسط ينتهک الحقوق السيادية لدولة ثالثة ، ولا يمتثل لقانون البحار ولا يمکن أن تنتج عنه أى تبعات قانونية بالنسبة لدولة ثالثة.

من خلال ذلک يمکن استنتاج نتائج أهمها : أنه فى ظل التوترات التى تشهدها مصر وقبرص واليونان مع ترکيا حول الغاز فى شرق المتوسط ، قامت الدول الثلاث بتنفيذ مناورة ثلاثية ، وفى هذه الحالة نحن أمام سيناريوهين :

السيناريو الأول : احتدام الصراع من خلال رفع وتيرة التوتر والنزاع وشد الأطراف فى کافة مناطق شرق المتوسط ، وذلک لحساسية المواقف وأبعادها وأهميتها.

السيناريو الثانى : عودة شاملة للمفاوضات ، ويکون التفاوض بشأن ترسيم کامل للحدود البحرية لتقاسم المنافع الاقتصادية.

نتائج الدراسة

يمکن إرجاع أسباب الصراع والتوتر فى شرق المتوسط إلى مجموعة من العوامل وهى :

– تسببت الاکتشافات الجديدة للغاز فى منطقة شرق المتوسط إلى زيادة مستوى الصراع بدلا من التعاون.

– على الرغم من وجود العديد من الأسس القانونية الحاکمة لقانون البحار واتفاقيات ترسيم الحدود بين الدول ، إلا أن ذلک لم يمنع من وجود طموحات إقليمية لبعض الدول لاستغلال الغاز الموجود فى شرق المتوسط.

– رغم أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تمثل الإطار القانونى الدولى والتى تحکم کل ما يتعلق بالبحار ، إلا أنه لم يتم تصديق کل من ترکيا وإسرائيل عليها ، رغم تصديق کافة الدول الأخرى فى منطقة شرق المتوسط ، وفى هذه الحالة تتنصل ترکيا وإسرائيل من أى التزام تجاه دول شرق المتوسط.

– عدم اکتمال الأطر القانونية الحاکمة لمسألة تطوير الغاز الطبيعى فى منطقة شرق المتوسط.

– يمکن أن يکون لاکتشافات الغاز فى شرق المتوسط جانب إيجابى يتمثل فى إمکانية البحث عن مسارات للتعاون بهدف الحصول على أکبر قدر من الاستفادة من هذه الموارد وظهر ذلک فى الاتفاق بين مصر وقبرص واليونان.

– يعد منتدى غاز شرق المتوسط نموذجا للاقتراب لتعاونى بين دول المنطقة ، حيث أنه يقدم الکثير لاستفادة الدول الاعضاء فيه من اکتشافات الطاقة وتنسيق سياسات الطاقة وإقامة سوق غاز إقليمى .

التوصيات

– تعزيزالتعاون بين دول شرق المتوسط لابد أن يمثل أهمية قصوى لأنه من الممکن أن يکون غاز شرق المتوسط أحد مفاتيح استقرار المنطقة ورخائها.

– يعد بناء الثقة بين دول شرق المتوسط أمر ضرورى ، وذلک حتى يتم تعظيم الاستفادة من هذه الاکتشافات الهائلة من الغاز الطبيعى.

تحميل الدراسة كاملة

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button