دراسات سوسيولوجية

اوضاع اللاجئين السوريين في لبنان

 

  سبق وقدم مشاركون في مؤتمر حول أزمة اللاجئين في العاصمة اللبنانية بيروت، أرقاماً مثيرة للقلق حول أوضاع النازحين السوريين في لبنان، ليس أخطرها أن 85 بالمئة من الأسر النازحة خفضت إنفاقها على الغذاء، وأن غالبية النازحين يعيشون في أماكن غير لائقة. لبنان وسوريا… بين توفر التنسيق الميداني وغياب التنسيق السياسي بيروت-سبوتنيك. وخصص مؤتمر “أزمة اللجوء العالمي…إلى أين؟”، الذي نظمه “اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية” في أعماله، جاءت جلستي نقاش حول أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان. وتم عرض خلاصة دراسة أجراها فريق من الباحثين الميدانيين على عينة من اللاجئين السوريين في مخيمات لبنانية. وخلصت الدراسة إلى معطيات تشير إلى تردي الأوضاع الحياتية للنازحين السوريين بشكل متفاقم.

  الواقع أن نصف اللاجئين السوريين في لبنان أتوا من محافظة حمص، فيما الثلث من دمشق ومحيطها، و43 بالمئة من هؤلاء يقيمون في لبنان بطريقة غير قانونية، والسبب في ذلك إلى عدم تمكنهم من إيجاد “كفيل” (أحد الشروط التي تفرضها السلطات اللبنانية للحصول على إقامة في البلاد)، أو الخوف من الذهاب إلى دوائر الأمن العام. وحيث أن البحث الميداني يظهر أن أوليات الاحتياجات الأساسية للاجئين تتدرج من الطعام، ثم الصحة، فمصادر الطاقة والمياه، ثم الملبس. وأن غالبية اللاجئين السوريين في لبنان يرغبون في الهجرة الى خارج هذا البلد، لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، أو لأسباب عائلية.

  وأن اللاجئين السوريين في لبنان يمثلون فئة فتيّة، إذ أن 54 في المئة منهم تحت سن العشرين، 18 بالمئة منهم ولدوا بعد الأزمة السورية. وأن اللاجىء السوري في لبنان مهددون بالمبيت في العراء، وأن نصفهم عازب، فيما 46 بالمئة متزوجون، فيما تتوزع أقلية بين مطلقين وأرامل،  والحديث هنا عن مشكلة اجتماعية خطيرة في هذا الإطار تتمثل في الزواج المبكر (29 بالمئة).  

 عن وضع التعليم للاجئين السوريين، إذ كشف عن ارتفاع كبير في معدل التسرب المدرسي، وذلك لأسباب عدة، منها طبيعة المناطق التي أتوا منها (أرياف)، أو عدم تمكنهم من التأقلم مع المناهج التعليمية. وبحسب الأرقام، فإن ثلث اللاجئين السوريين في المخيمات هم دون المستوى الابتدائي في التعليم، فيما خمسة بالمئة أنهوا تعليمهم الثانوي، وأن ثلثي التلاميذ السوريين في صفوف اللاجئين تركوا المدرسة، وحين تم سؤالهم عن السبب تراوحت الإجابة بين “عدم الرغبة في التعليم” والحاجة إلى العمل، والزواج، والصعوبات التعليمية.

 حول الأوضاع الاجتماعية، أظهر البحث الميداني أن 80 في المئة من السوريين يعملون في مجالات حرفية أو دون إدارية، وأن ربعهم يتلقى راتباً ثابتاً، بينما الباقون يتقاضون بدل عمل غير ثابت متوسطه 145 دولاراً. وسبق وكشف مسؤول العلاقات العامة في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ريان قطيش، عن معطيات إحصائية بناءً على دراسات قامت بها المفوضية، بالتعاون مع “برنامج الغذاء العالمي” ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”. وحذر من أن أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان تزداد صعوبة، حيث ارتفعت نسبة من هم دون خط الفقر والفقر المدقع من 49 و29 بالمئة على التوالي في العام 2014، إلى 71 و53 في المئة على التوالي حالياً.

الحقيقة أن شخصاً واحداً فقط من كل أسرة قادر على العمل، وأن 45 بالمئة منهم يعملون لعشرة أيام أو ما دون في الشهر، فيما معدل الأجور لللاجئين السوريين فتراوح بين 115 دولاراً للإناث، و215 للذكور شهرياً. وهناك وجود فارق كبير بين الاستهلاك والدخل يتراوح بين 60 دولاراً للذكور و104 دولارات للإناث، ما يجعل كل أسرة مدينة 842 دولاراً شهرياً.

 نعم لبنان وصل إلى “نقطة الانهيار” جراء النزوح السوري وفي ما يتعلق بالأمن الغذائي، حيث أن 85 بالمئة من الأسر السورية النازحة خفضت إنفاقها على الغذاء، وأن 76 بالمئة من غذائها يشترى بالدين. وفي ما يتعلق بالمأوى، حيث أن 55 بالمئة من اللاجئين السوريين يعيشون في أماكن خطيرة وغير لائقة، فيما المساحة المخصصة للفرد هي أقل من 4.5 أمتار مربعة، في حين يبلغ معدل الإيجارات 189 دولاراً شهرياً. مسبق وقال مدير عام “اتحاد الجمعيات الإغاثية” حسام الغالي إن “الحديث يدور عن مؤشرات مرعبة، وخطيرة للغاية، خصوصاً لجهة معدلات الفقر في صفوف النازحين، ومتوسط أجورهم وهو أقل من نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان”. وحذر الغالي من أن هذا الأمر يعني أنه “لا يوجد أمام اللاجئ سوى خيار من اثنين: إما الثورة أو الانتحار”، مشيراً إلى أنه “في حال بقي الوضع على حاله، فسيتحول اللاجئون إلى التطرف والإرهاب، وهذا ما نسمعه من قبل الكثيرين منهم”.  

 لبنان يتحمل أعباء كبيرة في ملف النازحين، بالنظر إلى عددهم المرتفع جداً مقارنة بعدد سكان هذا البلد، وأيضاً بسبب إمكاناته المحدودة للغاية على المستوى الاقتصادي”. فسبق وقال الشيخ عباس الجوهري، من “مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية”، إنه “ينبغي العمل على ضرورة تأمين عودة اللاجئين إلى أرضهم معززين مكرمين”، مقترحاً في هذا الإطار مساعدة من المجتمع الدولي بهدف “تأمين الحد الأدنى من الأمن الاجتماعي في مناطق محددة” سواء تحت سيطرة النظام السوري أو تحت سيطرة “الثورة السورية”، في إشارة إلى المعارضة السورية. أما الرئيس السابق لـ”لجنة الحوار اللبناني — الفلسطيني”، خلدون الشريف، فرأى أن “المشكلة في لبنان منذ لحظة اللجوء الفلسطيني قبل عقود أن هذا الملف يتم التعامل معه من زاوية أمنية فحسب”. ولكنه أشار إلى أن ثمة تعاطي مختلف ينبغي أن يكون في الملف السوري، لأنه مختلف عن ملف اللجوء الفلسطيني، لأن “الأرض السورية ما زالت موجودة”، ما يعني أن إمكانية العودة متاحة أكثر من الحالة الفلسطينية، وبالنظر إلى الفارق الزمني بين الأزمتين.

 ممثل السفارة الفلسطينية في لبنان جهاد البراق،  سبق وشدد على أن “حق اللجوء إنساني وليس سياسياً”، مشيراً إلى أن الحديث يدور عن “حالة استثنائية” تتطلب بذل جهود مشتركة بين المجتمع الدولي والبلد المضيف. يذكر أن لبنان واحدة من أكثر الدول التي نزحت إليها عائلات سورية على خلفية الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من ست سنوات بين القوات النظامية ومجموعات إرهابية مسلحة أودت بحياة أكثر من 300 ألف فضلاً عن ملايين النازحين داخل سوريا وخارجها. وبحسب بيان صدر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية، عقب لقاء الرئيس ميشال عون والمدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي في لقاء سابق، فإن لبنان يستضيف مليون ونصف المليون نازح سوري.

  وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير حمل عنوان: “بلا حماية بلا حقوق”، جوانب حياة السوريين في لبنان بين التعرّض للعنصرية وخطر الطرد والتسليم إلى النظام السوري. وأكد التقرير تسليم الأمن العام اللبناني ما لا يقلّ عن 56 معتقلاً سورياً إلى المخابرات العسكرية السورية منذ عام 2013، كما اتهم السلطات اللبنانية بسنّ قوانين فاقمت الأزمة وزادت في معاناة اللاجئين.

وقال التقرير إن السلطات اللبنانية اتخذت العديد من الإجراءات للحد من تدفق السوريين إلى أراضيها، وفرضت شروطاً صعبة جداً لإقامتهم، كتحديد رسوم مرتفعة لاستخراج الإقامة ووجود كفيل لبناني، ولم يتمكن القسم الأعظم من السوريين من تحقيق شروط الإقامة. وأوضح التقرير أن تلك الإجراءات أفقدت معظم اللاجئين السوريين في لبنان، الذين يبلغ عددهم نحو 1.7 مليون، صفتهم القانونية في الوجود على أراضيه، مما جعلهم عرضة للتهميش في المجتمع والاستغلال في العمل والإساءة في التعامل والتحرش الجنسي في بعض الأحيان.

وأشار إلى عدم قدرتهم على اللجوء إلى أجهزة الشرطة والأمن في حال تعرضوا لأي اعتداء، حيث فقدوا أشكال الحماية كافة، مما وضع اللاجئين السوريين أمام عجز شبه كامل عن تلبية احتياجاتهم الأساسية في الحياة. وفصل التقرير في تداعيات إيقاف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تسجيل اللاجئين السوريين الجدد بناءً على طلب من حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي.

ورأى أن هذا القرار كانت له تداعيات كارثية على مختلف أوضاع اللاجئين الاجتماعية والاقتصادية، خاصة أن كثيراً من اللاجئين السوريين يستخدم لبنان دولة معبر للجوء إلى أوروبا بطرقٍ نظامية عبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وتناول التقرير شروط الإقامة في لبنان التي كانت سبباً في عمليات اضطهاد اللاجئين السوريين عبر الاستغلال في العمل والاستغلال الجنسي والعنصرية والحرمان من الحماية القضائية والرعاية الصحية والتعليم.

  ولفت إلى تصاعد عمليات الاعتقال التعسفي التي تقوم بها قوات الأمن اللبناني بحق اللاجئين السوريين مع بداية عام 2016، والتي تركزت في مناطق طرابلس وعرسال وبيروت، وهو ما انعكس على حياة السوريين الاقتصادية والاجتماعية، واضطرهم إلى الحد من تحركاتهم وإيقاف أعمالهم لحماية أنفسهم من الاعتقال وربما الطرد إلى سوريا.

من جانبه، أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن القوانين التي سنتها الحكومة اللبنانية أدّت إلى ظهور شبكات مافيا ضد السوريين المقيمين في لبنان.

بدورها، اعتبرت الناطقة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان دانا سليمان أن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة قانونياً عن اللاجئين السوريين في لبنان، والمفوضية تعمل على مساندتها لتقديم المساعدات، موضحةً أن لبنان دولة صغيرة وهو يتحمل أكبر عدد لاجئين في العالم.

يشار إلى أن تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثّق تسليم الأمن العام اللبناني ما لا يقل عن 56 معتقلاً سورياً إلى المخابرات العسكرية السورية منذ بداية عام 2013 حتى نهاية عام 2016، وتعرض ما لا يقل عن 108 لاجئين سوريين لعمليات خطف من قبل مجموعات مجهولة، إما بهدف الحصول على فدية مالية أو لتسليمهم للنظام السوري، وذلك بين مايو/ أيار 2011 وديسمبر/ كانون الأول 2016.

د.محمد عبدالرحمن عريف كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى