دراسات اقتصاديةدراسات سياسية

بترول و جيوبوليتيك

في الواقع و بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح البترول الطاقة المهيمنة، حتى أنه وصل إلى أن يكون المنتج الاستراتيجي بامتياز. خلال هذه الخمسين سنة الأخيرة، أصبح البترول عنصرا ضروريا في الحياة اليومية ، إن كان في الوقود ، البلاستيك و المواد الصناعية. و مع انتشار السيارات في العالم منذ عام 1950 ، ضرب استهلاك البترول بأربع مرات خلال عشرين سنة، ومسألة السيطرة على هذا المصدر الكوني أصبحت و بوضوح مسالة جيوبوليتيكية.
ظهور دول جديدة صناعية في آسيا كبداية ، ثم في أمريكا اللاتينية ، في الربع الأخير من القرن العشرين، دعمت و زادت من الطلب الدولي على البترول ، بينما و في نفس الوقت ، الدول الرئيسية المصدرة نظمت نفسها في ” منظمة الدول المصدرة للنفط ” ، تنظمت من أجل زيادة قدرتها على مراقبة عرض البترول في السوق الدولية و تقوية نفسها في مواجهة الشركات البترولية الكبيرة الأنكلوسكسونية التي بدورها تسيطر وحتى وقت قريب على السوق البترولي الدولي. هذه المنافسة تزداد دائما قوة وخاصة مع الاحتياجات المتنامية للدولة المتطورة، و لكن أيضا للدول الصاعدة في النمو مثل الصين والهند، أيضا المنافسة أسرعت من عملية استغلال البترول ووضع آبار بترولية جديدة في الإنتاج لا سيما في الدول النامية أو في الدول ذات الدخل المتوسط.
ضمن هذا الجيوبوليتيك الجديد للبترول، عدة مناطق من العالم ، كما في خليج غينيا أو الآبار الجديدة حول بحر قزوين، ترى مصالحها البترواستراتيجية تتزايد دائما وتتعمق من خلال ضرورة تنشيط عرض البترول عالميا وذلك لتلبية التزايد الكبير و الضخم على الطلب، بعد أن عرفت فترة من الاستقرار النسبي في أواسط التسعينات. حتى ولو أن هذه المناطق ” الإلدورادية ” الجديدة ليس لديها احتياطي الشرق الأوسط ، فإنها و بسبب عدم الاستقرار المتنامي في الشرق الأوسط ، حتى ولو كانت ثانوية تصبح اليوم أكثر أهمية مما كانت عليه في الماضي.
و من غير أن نتحدث عن الصراع اللامنتهي بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ، الوضع في الشرق الأوسط لا يتوقف عن التراجع و الانحدار و الفرضيات الديمقراطية المستقبلية لن تغير شيئا ، على العكس من ذلك تماما. الحرب في العراق التي بدأت نيسان 2003 و الركود الذي أفسد هذا البلد أفشل فرضيات المستقبل حول ارتفاع سريع للإنتاج البترولي ، في عكس ما توقعه المحللون بعد حرب ربيع 2003. بالإضافة لذلك احتمال إقامة فدرالية في العراق و التي ربما تحدث عاجلا أم آجلا ، فتح الحديث حول تقسيم عائدات البترول بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، أكراد ، شيعة ، سنة ، حتى ولو كان هذا مازال على الورق، فإن اتفاقية مبادئ على قاعدة تقسيم العراق إلى أقاليم و ديمغرافيات مختلفة تم إيجادها ضمن نطاق مشروع الدستور العراقي.
في إيران، و مع انتخاب رئيس جديد، يُعتبر محافظا جدا، في أيار 2005،فإن أزمة جديدة وقعت بين هذا البلد و الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب الأزمة النووية الإيرانية. و يضاف ذلك إلى الحصار الاقتصادي المفروض سابقا من قبل الأمريكان ضد إيران منذ عام 1995 و 1996 و بعد خمسة وثلاثين عاما من التوتر الدبلوماسي بين البلدين، أي منذ قيام الثورة الإيرانية. هذا السياق يخاطر بالتكذيب و
ـ منظمة الأوبك وتضم حسب الانضمام إليها 11 بلدا كالتالي: العربية السعودية، العراق، الكويت، فنزويلا [ وهذه هي الدول المؤسسة في عام 1960]، ثم قطر 1961، اندونيسيا 1962، ليبيا 1962، الإمارات العربية المتحدة 1967، الجزائر 1969، نيجيريا 1971، الإكوادور و الغابون عضوين منسحبين. أما العراق ومنذ الاحتلال الأمريكي في عام 2003 لم يخضع للحصة المخصصة لكل بلد عضو في المنظمة.
الطعن على الأقل ولو لفترة قصيرة بما جاءت وتنبأت به بعض مراكز البحث حول البترول، الأمريكية أو الدولية، بأن إنتاج إيران من النفط سيرتفع من 4،1 مليون برميل في اليوم في عام 2005 إلى 5،4 مليون برميل في اليوم في عام 2010 و 8 مليون برميل في اليوم عام 2020 .
فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية ، فقد أصبحت و بشكل معلن منذ عام 2003 ، هدفا واضحا لأسامة بن لادن و الحركات الإرهابية التي تؤيدها القاعدة، من هنا يأتي التهديد المستمر و المباشر لأول منتج و مصدر عالمي للبترول و البلد الوحيد الذي يفترض انه قادر على حل الأزمات البترولية.إن هذه الدول الثلاث تشكل 43 % من الاحتياطي العالمي للبترول بحصة قدرها 21 %، إذن الاحتياطي هو موجود و بشكل كبير ولكن يجب أن تتوفر الشروط السياسية و التي يجب أن تجتمع مع هذا الاحتياطي.
في مكان آخر من العالم،الأزمات السياسية و الاجتماعية التي تصيب العديد من الدول المصدرة ، كما في فنزويلا و نيجيريا ، تدعم فرضية أنه في المستقبل لن يكون هناك تأكد من مستوى إنتاج البترول على المستوى العالمي، و هذا في الواقع يضع روسيا في المركز الثاني في ترتيب البلدان المنتجة، ليجعل منها دولة مهمة جدا على الصعيد البترولي.
كل هذه التوترات الجيوبوليتيكية، حقيقية أم كامنة ،حتى ولو كان بعضها مبالغ فيه و مستغل من قبل العديد من العمليات، فإنها تشكل، مع ذلك، تهديدات لها وزنها على السوق البترولية الدولية في الوقت الذي يعاني فيه النظام البترولي أزمة بنيوية. ضمن هذا السياق، الاستعانة بالتحليل الجيوبوليتيكي يسمح بفهم أفضل للرهانات حول القضية البترولية،بالأخذ بعين الاعتبار التبعية المتبادلة بين الدول من أجل تفهم أفضل لدور مختلف الفرقاء، و الذي لا يتوقف أو يتحدد على الشركات العالمية أو الوطنية للبلدان المنتجة والبلدان المستهلكة. بل أكثر من ذلك ،المسألة البترولية ، كما الغاز أيضا ،إن استمرارها في جزء منه يتعلق بشكل مباشر بالسلطات السياسية للدول و يؤثر بشكل قوي على العلاقات بينها ، من هنا لا بد من دراسة الجانب الجيوبوليتيكي حيث سيعمق الفهم للأزمة الحالية و المستمرة و التي سنعود إليها.
تعريفنا للجيوبوليتيك يتعلق، إضافة للجانب الكلاسيكي الملازم لدراسة العلاقات الدولية، بالمنافسة بين السلطات و القوى الدولية و علاقات السيطرة و الصراع على إقليم ما، و هذا يعني الصراع بين الدول التي تسيطر على مناطق كبيرة أو صغيرة، و لكن أيضا سلطات متعددة تدخل في تنافس على المستوى الدولي و على المستوى المحلي، من أجل السيطرة ، مباشرة أو غير مباشرة ، على بلد ما أو على جانب في داخل هذا البلد ذاته.
ولأن الإقليم نفسه ،كما هي السلطة، له أبعاد متعددة،فإن التحليل الجيوبوليتيكي يفرض علينا اللجوء إلى مستويات مختلفة من التحليل ذي الأوجه المتعددة في الاتساع و المدى، و ضمن نطاقات متعددة من الاختبار حول نفس الإشكالية الجيوبوليتيكية. هذه المقاربة المنهجية تتم تكملتها من خلال تحليل متعدد المجالات و الفروع و الذي يستخدم بشكل كبير الجغرافية ، التاريخ ، علم الاجتماع وبشكل أشمل و أكبر العلوم الإنسانية . فهذه الفروع المتعددة للعلم تسمح بإكمال الإطار الناقص للعلوم السياسية و الاقتصادية، و التي عليها نستند أحيانا بشكل مفرط في العديد من التحليلات، حيث تقدَّم بلا وجه حق على أنها علوم جيوبوليتيكية. مع البترول، و من خلال استخداماته المتعددة و بطابعه الضروري المتعلق بتوظيف كل أشكال الاقتصاد المتطورة أو غير ذلك و خاصة في النقل والدفاع، نحن نواجه إشكالية جيوبوليتكية ضخمة، و التاريخ المعاصر يذكرنا بأن البترول أيضا هو سلاح سياسي.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى