نظرية العلاقات الدولية

بحث حول النظرية النقدية في العلاقات الدولية

جامعة الجزائر 3 – كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية

مقياس : نظريات العلاقات الدولية

أعمال موجهة تحت إشراف الأستاذ: مهني قاصد.                                               

عناصر الموضوع:

  1. مفهوم النظرية النقدية وخلفيتها التاريخية
  2. – منطلقاتها الفكرية
  3. – أهم إسهامات النظرية النقدية وأبعادها القيمية
  4. – تقييم عام للنظرية النقدية.

أولا: مفهوم النظرية النقدية وخلفيتها التاريخية:

ظهرت النظريات النقدية في أوساط ما يعرف بحلقة “مدرسة فرانكفورت” من أمثال “تيودور أدورنو” و”هربرت ماركيوز” وصولا إلى المفكر الألماني “يورغن هابرماس”. والجانب النظري الذي له صلة بحقل العلاقات الدولية هو تركيزها على دور التطور التاريخي والاجتماعي في إفراز أشكال مختلفة من الهيمنة ، وان العلاقات الدولية لابد أن توجه من قبل سياسات متحررة. وقد نشأت هذه النظرية في إطار توجه فلسفي جديد عرف بحلقة “فيينا” ، ومن أبرز وجوه التوجه النقدي في دراسة العلاقات الدولية عالم السياسة والفيلسوف الألماني “يورغن هابرماس” وهي تركز على النقد الأنطولوجي و الإبستمولوجي للأنظمة الاجتماعية والنظريات السائدة في حقل العلاقات الدولية.

ثانيا: منطلقاتها الفكرية :

تعارض هذه النظرية التوجه النظري التقليدي في العلاقات الدولية الذي يسعى لحل المشكلة أو إيجاد التفسير ؛ بل هي تضع الواقع الدولي (المؤسسات وعلاقات القوى) موضع مساءلة وانتقاد. وتبحث عن المنطلقات والجذور للنظام الدولي ، وإمكانات ومسارات التغير فيه. وترفض النظريات النقدية النظر إلى حقل العلاقات الدولية كمجال علمي مستقل وقائم بذاته بعيدا عن السياق الأعم للعلوم الاجتماعية والإنسانية ، لذلك لا تسلم بوجود حقائق مطلقة وموضوعية في دراسة العلاقات الدولية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى هي تشكك في مدى قابلية الظواهر الدولية وتفاعلاتها للملاحظة والاختبار العلمي الأمبريقي وأساليب القياس الكمي ، لذلك تعرف النظريات النقدية بالنظريات التكوينية عكس النظريات التقليدية التي تدعى بالنظريات التفسيرية والتي تنتمي إلى النسق الفكري والعلمي الوضعي على غرار النظريات الواقعية والليبرالية والمدرسة السلوكية في العلاقات الدولية.

وقد ظهرت النظريات النقدية في حقل العلاقات الدولية كرد فعل على ما يعد نظريات وتوجهات أرثوذكسية لكل من الواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة ، وهي ترى أن  هدف الدراسة في العلاقات الدولية يكمن في تغيير الواقع وليس مجرد دراسته وتفسيره. ويتصور رواد هذه النظريات أنه من خلال منهجية التفكيك المعتمدة ينفتح المجال واسعا أمام التحرر من الأرثوذكسيات الفكرية وتحرير العقل  ، وفتح المجال أمام التغيير الاجتماعي.ولذلك ينتقدون مفهوم الدولة الأمة كمفهوم تاريخي كرسته “معاهدة واستفاليا” ، وكواقع عملي أنشأ الفوضى في العلاقات بين الأمم ، وبالتالي هي تحاول التأسيس لمرحلة علمية جديدة تهدف إلى تفكيك وتغيير الوضع القائم على عكس النظريات التقليدية (النظريات التفسيرية) التي تسعى إلى تكريس وقبول الوضع الراهن.

ولذلك ترمي هذه النظريات إلى نقد الواقع الدولي ككل بغرض تغييره ، ومعرفة إمكانات واحتمالات التغيير الممكنة ، بهدف تأمين الحرية في مجالات المعرفة والممارسة ، ليتمحور مسعاها في محصلته الكلية نحو توسيع مجال العقلانية والعدالة والديمقراطية عبر الدول وصولا إلى كل المجالات الإنسانية. بإعادة النظر في المؤسسات والأوضاع الحالية للنظام العالمي على أساس أن العرفة لها صلة بالأوضاع السياسية ، ولها علاقة بالمصالح. وهذا على حد تعبير “روبرت كوكس” الذي يقول :”تستعمل النظرية لصالح شخص ما ووفق غرض ما”.

 

ثالثا: أهم إسهامات النظرية النقدية وأبعادها القيمية:

تنطلق النظرية النقدية في مجملها من نقد المسلمات الواقعية بخصوص طبيعة الدولة وطبيعة نظام الفوضى الدولية ؛ وحاولت تقديم جملة من الطروحات الفكرية والفلسفية نذكر من أبرزها النظرية النقدية الاجتماعية عند “روبرت كوكس” الذي يرى أن الدولة شكل متميز من الجماعية السياسية ذات وظائف خاصة وادوار ومسؤوليات تم تحديدها تاريخيا واجتماعيا. ويرى من جانب آخر “أندرو لينكلايتر” أن حدود الدولة كجماعية سياسية تشكلت بفعل أربعة عوامل متشابكة هي : عملية بناء الدولة القومية ، العداوات الجغرافية ، التصنيع الرأسمالي ، والعملية الأخلاقية المتمثلة في التنشئة الاجتماعية.

هذا من اجل الإشارة إلى أن الدولة تتخذ عدة أشكال عبر التاريخ وفي العصر الراهن ،  وتتغير أشكالها بفعل الوساطة التي تمارسها بين القوى الاجتماعية الداخلية حسب “روبرت كوكس” وبين النسق الدولي السياسي والاقتصادي ؛ فيرى مثلا أن وظائف الدولة ومهامها الاجتماعية في زمن العولمة أصبحت خاضعة لمنطق السوق التجاري والتي فصلت الاقتصاد عن المجتمع وأنتجت في المحصلة نظاما عالميا يتسم بالتوتر بين مباديء الإقليمية والاعتماد المتبادل.وهناك أيضا طرح تيار ما بعد الحداثة: والذي جاء كرد فعل على طرح تيار الحداثة ؛ وذلك من خلال تحليل العلاقة الشرطية الجدلية بين القوة والمعرفة أو السلطة والمعرفة عبر إعادة قراءة الأفكار والطروحات والنظريات السابقة وصياغتها وفق أطر فكرية وقوالب فلسفية تختلف جذريا عن سابقاتها بالاستناد إلى منهجية فكرية وفلسفة نقدية وتنقيحية جديدة قادها أقطاب المدرسة التفكيكية في الفلسفة الانسانية والسياسية مثل الفيلسوف “جاك دريدا” و”ميشيل فوكو”. ولقد كان لكل من “برادالي كلين” و”مايكل ديلون” و”مايكل شابير” و”ديفيد كامبل” الإسهام الأبرز في مدرسة ما بعد الحداثة في العلاقات الدولية ، فعلى سبيل المثال  قدم “ديفيد كامبل” دراسة حول الأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والتي تستند إلى تطبيق سياسة القوة ، وان مختلف اتفاقياتها المستقبلية قابلة للنقاش ، وأن مختلف نجاحاتها الأمنية ارتبطت بـ “حلف “الناتو” المرتبط بسياق الحرب الباردة ؛ والذي فقد مبررات دوره بعد انتهاء فترة صراع الحرب الباردة ، وبالتالي لابد من البحث عن نماذج وأطر أمنية مستحدثة. بالإضافة إلى إسهامات “يورغن هابرماس” حول طبيعة العلاقة والارتباط بين المعرفة والمصلحة بغض النظر عن شكلها والتي كانت تهدف في المنظورات التقليدية سواء السابقة او السائدة إلى خدمة شخص ما أو مجموعة من الأشخاص ، أو الأشياء المعينة بعيدا عن الموضوعية العلمية حسب تصوره ،إذ تهيمن المنفعة ، والإيديولوجية ، والمعتقدات ، والتنشئة الاجتماعية ، والنفسية كمتغيرات تفسيرية أساسية على أي تحليل.

ولتغيير النظام العالمي يرى “هابرماس”أن هذا لايتم إلا من خلال ثلاثية تتمثل في: عولمة وعالمية المباديء القانونية والسياسية ، وتقليص مظاهر اللامساواة ، والمطالبة بمزيد من مظاهر الاختلاف الثقافي.فهذه الأبعاد الثلاثة ستؤثرفي المحصلة على نمط الروابط والصلات بين السيادة والإقليمية (النطاق الإقليمي للدولة) ، الأمة والمواطنة. فالدولة حسب النقديين لها بعد خصوصي إقصائي وبعد كوني ينتهك خصوصيات وحقوق الأقليات والمجموعات المهمشة ، ولتغيير نمط الجماعية السياسية القائمة فلابد من العمل على تشكيل عدة أبعاد ومستويات من الولاءات والوساطات تتنافس مع الدولة. وفي نفس الاتجاه القيمي النقدي يرى “هابرماس” من خلال ما أسماه بمشروع خطاب الأخلاقيات ، وهي مج من المبادئ التي حدد على أساسها نقد السياسة العالمية القائمة والبدائل الممكنة حولها ، والتي تشتمل على خطاب أخلاقيات يعمل على تقليص الخصوصيات والإقصاء ، وخطاب أخلاقيات ديمقراطي وفق أنموذج المجال العام ، وخطاب أخلاقيات عملي مبني على أساس معايير النزاهة الإجرائية عوض مجرد الحسابات العقلانية النفعية. هذا الخطاب بإمكانه العمل على إعادة بناء العالم السياسي ، بالكشف عن مظاهر القصور والنقص في الممارسة الديمقراطية على المستوى الدولي ، من حيث من يتخذ القرار وكيف وأين يتم اتخاذه ، وفي إطار من الحوار وليس التفاوض ، هذا الخطاب من شأنه العمل على حل الصراعات الراهنة ، ولهذا يرفض “هابرماس” غزو العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بينما أيد التدخل في “كوسوفو”. وهناك أيضا ما يعرف بالنظرية النسوية أو”نظرية الجندر” أو “نظرية الجنوسة ” في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ؛ والتي تركز على ضرورة إعطاء أهمية ودور لمتغير الجنوسة  في ظل هيمنة جنس الذكور على عالم السياسة والعلاقات الدولية علميا أكاديميا وواقعيا. 

رابعا: تقييم عام للنظرية النقدية:

بقيت النظريات النقدية مجرد آراء نقدية ولم تقدم لنا تصورا نظريا عاما منسجما ومتوحدا بين إسهامات رواده ؛ بحيث يمكنه التوقع بتحولات العلاقات الدولية وتفاعلاتها اللاحقة. مع تركيزهم بدرجة أكبر على الجوانب القيمية بما تنطوي عليه من مفاهيم كالهوية والبنى الاجتماعية والإيديولوجية والثقافة والبعد الحضاري ولغة الخطاب الخ..وإهمالهم في تحليلاتهم للجوانب المادية البحتة كالمتغيرات والعوامل الاستراتيجية المتاحة التي تطرحها كثير من النظريات التقليدية التفسيرية في حقل العلاقات الدولية.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى