بحث حول انهيار الوحدة الوطنية في ظل حكم صدام حسين (الجزء الثاني)

المبحث الثاني: حرب الخليج الثانية وتداعياتها

        يقوم هذا المبحث بدراسة الوحدة الوطنية في حرب الخليج الثانية التي كانت نتيجة احتلال العراق للكويت عام 1990، حيث قام تحالف دولي ضد العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، واشتراك حوالي ثلاثين دولة ، وقد أطلق النظام العراقي على المعركة التي دارت بينه وبين قوات التحالف باسم (أم المعارك)، بينما أطلقت الولايات المتحدة عليها اسم (عاصفة الصحراء)، كما تناولتها الكثير من الأقلام باسم (حرب احتلال الكويت)، أو حرب الكويت، أو حرب تحرير الكويت، أو حرب الخليج الثانية، حيث يعزى الاسم الأخير أنها الحرب الثانية التي قامت في الخليج بعد الحرب العراقية الإيرانية، التي أطلق عليها حرب الخليج الأولى، وقد ترتب على هذه الحرب، الكثير من النتائج السلبية على العراق ونظامه السياسي ومجتمعه، واقتصاده بسبب تدمير البنية التحتية له، وخسارته لأرصدته في الخارج، إضافة لما قرره مجلس الأمن من عقوبات اقتصادية، وحصار اقتصادي استمر اثنى عشر عاماً، كان كافياً لإرجاع العراق سنوات طويلة إلى الوراء، فما هي التأثيرات التي أثَّرت على الوحدة الوطنية في العراق في ظل هذه الحرب؟ وما هي تداعياتها من حصار اقتصادي وعقوبات اقتصادية فرضها مجلس الأمن على العراق، بحيث كان لهذه التداعيات تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على الترتيبات التي قام بها النظام العراقي، والدواعي التي دعته لخوض هذه الحرب، والقرارات السياسية التي اتخذها خلال هذه الحرب وتداعياته وتأثير كل ذلك على الوحدة الوطنية.

أولاً : احترام ووحدة البلاد ولغتها الرسمية وثقافتها الوطنية

        كما ذكر سابقاً أن العراق حاول زيادة عائداته النفطية من خلال إقناع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لرفع دخله القومي بعد انتهاء الحرب مع إيران، وأن تحدد حصص جديدة، وقد توجه إلى مجموعة من الدول العربية في الخليج، مثل الكويت والسعودية، لحل مشكلة العراق في حل أزمته الاقتصادية نتيجة تلك الحرب، على أساس تقييد إنتاجها والضغط على الدول الأخرى في الأوبك لأجل ذلك، كما اقترح عليها أن تفي العراق من ديونها تجاهه واعتبارها هبة لا ديناً ، حيث تبلغ قيمة هذه الديون أربعين مليار دولار، كما اقترح عليها مساعدة العراق في إعادة بناء اقتصاده، لكن خاب ظنه بها، مما دفعه في بداية عام 1990 إلى التهديد باستخدام القوة، فكان الهدف المباشر له هو الكويت، أما الهدف غير المباشر فهو الحصول على موارد وتنازلات من دول الخليج كلها بما فيها السعودية، وكانت الإستراتيجية في ذلك هي جعل الكويت ضمن العراق أو جعل حكومتها تابعة له، أو مقايضتها مقابل تنازلات مالية خليجية لتعزيز سلطة النظام العراقي، وجعل العراق القوة المهيمنة في الخليج والرائدة في سوق النفط، لكن رفضت هذه الدول مطالب العراق، وهذا ما أوحى للنظام العراقي أن استخدامه للقوة سيحقق له استعادة حقوقه من خلال الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق الرئيس صدام حسين، الذي أمر في الثاني من أغسطس 1990 باحتلال الكويت، وقد تم هذا الاحتلال خلال أربع وعشرين ساعة، وهرب أفراد الأسرة الحاكمة من آل الصباح إلى السعودية ومعهم ثلاثمائة من أتباعهم، ثم شكَّل العراق حكومة كويتية مؤقتة لإعطاء الانطباع بأن القوات العراقية استدعيت إلى البلاد ؛ لدعم ثورة ضد عائلة الصباح الحاكمة، لكن بعد أيام على ذلك الغزو أعلنت الحكومة العراقية ضم الكويت إليها على أساس أنها المحافظة التاسعة عشرة، وقد صورت هذه الخطوة أنها من الأهداف الوطنية العراقية، لرفع الظلم الذي مارسه الاستعمار البريطاني بفصله الكويت عن الوطن الأم العراق، عند رسم الحدود العراقية، وهي إحدى تحركات حزب البعث لتحقيق الوحدة العربية والاشتراكية، والتوزيع العادل للثروة العربية([1]).

        إلا أن مجلس الأمن والجامعة العربية رفضا ادعاء حكومة العراق المؤقتة التي نصبها العراق بقيادة العقيد (علاء حسين علي)، كما رفضا ادعاء العراق أن له حقوقاً تاريخية في الكويت، ورأيا أن ضمها للعراق هو قرار غير شرعي، وطالبا بضرورة الانسحاب من الكويت، إلا أن العراق رفض هذه القرارات وأكَّد أن الكويت هي جزء لا يتجزأ من العراق، وأنها إحدى محافظاته التي أطلق عليها اسم (كاظمة) وأن عملة الدينار الكويتي قد أصبحت تعادل الدينار العراقي من حيث القوة الشرائية ، ثم عمل النظام على تغيير اللوحات المعدنية للسيارات إلى لوحات عراقية، وتزينت الشوارع الكويتية بالأعلام العراقية وبصور الرئيس الرئيس العراقي([2])، وحتى لا تتوتر العلاقات مع إيران، حيث تخوف العراق أن تستغل إيران احتلال العراق للكويت، لتقوم بمهاجمته من الخلف، لذلك أعلن في أغسطس 1990 استعداده لقبول كافة الشروط الإيرانية، لحل جميع المشاكل العالقة بينهما، منذ توقف الحرب مع إيران وإعلانها قبول اتفاقية الجزائر، وأهم تلك المشاكل هو انسحاب القوات العراقية من كافة الأراضي الإيرانية، ومن نصف شط العرب، والتبادل الفوري للأسرى، وإعادة تخطيط منطقة الحدود واستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتسليم مجاهدي حركة خلق المعارضة لإيران، وكل ذلك في مقابل تحييد إيران في قضية الغزو ومنعها من تأييد الجهود الدولية والقانونية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية المناهضة للغزو، ومساعدة العراق في فتح ثغرة في جدار الحصار الدولي الذي أعلن على العراق، وتنسيق الجهود معها للعمل على مناهضة الوجود العسكري الأجنبي الذي يكبل يد إيران في المستقبل ؛ لكي تكون سيدة الخليج([3]).

        وأصبحت الدعاية العراقية قبيل الحرب مع قوات التحالف تؤكد أن الكويت قد سرقت من نفط حقل الرميلة الذي يقع 90% من الأراضي العراقية، ما قيمته 2.5 مليار دولار، وأنها كانت تريد مهاجمة العراق بحشد قواتها ضده، وأنها تسعى لتدمير العراق عبر خفض أسعار النفط، إلا أنه رغم كل هذه الدعاية فلم يتعاون مع النظام العراقي من الكويتيين إلا القليل([4])، ورغم أن النظام العراقي أخذ يركز على الإسلام في خطاباته وأحاديثه، وعدَّل العلم العراقي بزيادة كلمة (الله أكبر) عليه وربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967 ؛ لإثارة الشارع العربي والإسلامي لصالحه، دون أن يدرك أن هذه الشعوب لا تستطيع أن تفعل أي شىء لصالحه، في ظل وجود حكومات تابعة سياسياً واقتصادياً للدول الكبرى([5])، إلا أن الكثير من الجنود العراقيين كانوا يسخرون من هذه الدعوات، ذات الأيديولوجية الإسلامية التي يدعيها النظام ، حول مفهوم الإيمان بالله ورفض الإلحاد، كون كافة الأجهزة الإعلامية تقف حائلاً أمام ألوهية الله، أو بإشراكه بشخصية الرئيس العراقي، حيث صورته في كل مكان، وأعينه (مخابراته) في كل مكان، ومن يحظى بتقديره برفعه ويعلي من شأنه، أما من يسخط عليه فيكون في أسفل الدرجات، حيث الاحتفال بمولده، وثورته، وحزبه، وانتصاره على إيران([6])، كما أنه لم يحقق العدالة بين جنوده وأبناء شعبه، فكيف سيحققها على مستوى الوطن العربي، فمن ظلم أبناء وطنه ولم يستطيع أن يحقق لهم العدالة، والكرامة وخاصة في الجيش والقوات المسلحة، فلن يستطيع أن يحققها على مستوى المنطقة العربية ككل، حتى لو ادعى ذلك.

        وكانت خطوة الدخول العراقي إلى الكويت، قد لقيت تأييد القوى العراقية المعارضة في الخارج، ليس لأنهم مع النظام العراقي، بل لأن العراق أصبح مستهدفاً، وأصبح كل عراقي في مواجهة مع الذات بمن فيهم الأكراد كونهم جزء من الوطن وتسابقت جبهة كوردستان، لإجراء الاتصال مع نظام الحكم في العراق وإعلان الرغبة في العودة إلى الوطن لمواجهة ما تعرَّض له من تحديات تنذر بالعدوان، وخاصة من جانب زعيم حزب البارتي، مسعود البرزاني، وزعيم حزب الاتحاد الوطني جلال الطلباني، اللذين أعلنا وقوفهما إلى جانب النظام العراقي، ضد أي عمليات مسلحة ضده([7]).

        لقد كانت النتيجة أن هزم العراق في حربه مع قوات التحالف، وأصدر مجلس الأمن في الثاني من مارس 1991، شروطاً لوقف إطلاق النار(*) التي تضمنت وقفاً لكل العمليات العسكرية وإلغاء العراق لقراره بضم الكويت، وقيامه بتزويد الأمم المتحدة بمعلومات كاملة عن الأسلحة غير التقليدية التي يملكها، وإطلاق سراح كافة الأسرى، واعترافه بالمسؤولية عن الخسائر والأضرار التي نشأت عن احتلاله للكويت، وقد قبل العراق بكافة هذه الشروط في 28 مارس 1991، وكان من آثار هذه الحرب، إضافة لتدمير البنية التحتية للعراق، ومقتل حوالي، مائة وخمسين ألف جندي عراقي، أن النظام العراقي قام بإحراق 737 بئراً نفطياً كويتياً، حيث استمرت مشتعلة لمدة تسعة أشهر بعد انتهاء الحرب وسكب ما يقرب من المليون طن من النفط الخام في مياه الخليج، وكان لذلك تأثير سلبي على البيئة والحياة النباتية والمحاصيل لجميع سكان المنطقة ومنهم العراقيين، وخاصة بين الأطفال وكبار السن، وأثر ذلك على التربة بسبب ترسب ذرات النفط المتطايرة على تركيبة التربة وغلق مسامات الطبقة السطحية منها، مما منع عنها التهوية ونفاذ المياه فيها، وارتفاع درجة حرارتها وبالمقابل استعملت قوات التحالف اليورانيوم المنضب، وهو عبارة عن يورانيوم يحتوي على نسبة مختزلة من نظائر عناصر كيماوية لليورانيوم وتسمى بـ (U-235)، وكان استعمال هذه المادة قد أدى إلى ارتفاع نسبة التشوهات الخلقية للولادات، ونسبة سرطان الدم وسرطان الكريات البيضاء في الدم([8])، وهذا يعني أنه لولا خوض النظام العراقي لهذه الحرب، ولو انسحب من الكويت قبل مدة الإنذار التي أنذر بها، لكان تلافي كل هذه الأمور ولما كان قد أوقع الشعب العراقي بهذه الكوارث، بالرغم من دعواته لخوض هذه الحرب كونها حسب نظره مسألة كرامة، وهدفها الإنساني هو لصالح الشعب العراقي الذي يريد توحيد أرضه والحفاظ على ثرواته.

        فكان من أهم نتائج هذه الحرب على الشعب العراقي، هو الشعور بالمهانة نتيجة هزيمة العراق المذهلة أمام قوات التحالف، مما حذا باندلاع ثورتي الجنوب الشيعي، والشمال الكردي، وقد قام الحرس الجمهوري بقمع هاتين الانتفاضتين بكل شدة وقسوة، وأدى ذلك لنزوح جماعي بالنسبة للأكراد، إلى كل من إيران وتركيا، وقد وصل عددهم إلى ما يقرب المليون، مما حذا بمجلس الأمن إلى إصدار القرار 688 في الأول من إبريل 1991، الذي دعى فيه العراق إلى وضع حد للقمع الذي يمارسه النظام ضد شعبه، وهذا مما مهد الطريق أمام الحلفاء لإقامة (منطقة آمنة) للأكراد شمال خط العرض (36) في العراق الذي يمر جنوب أربيل، حيث منع على الطائرات العراقية عبور أجواء تلك المنطقة، وطالب القيادة العراقية بمهلة لإبعاد قواتها ؛ خشية قيام الحلفاء بعمل عسكري واسع، وبالفعل فقد منع دخول القوات العراقية بعد انسحابها من المنطقة الآمنة منذ أكتوبر 1991، فتم إنشاء كيان سياسي كردي بمساعدة الحلفاء، ورسخ البارتي والاتحاد الوطني سيطرتهما على المنطقة الكردية، وأجريا انتخابات حرة نسبياً تحت الرعاية الدولية في منطقة الحكم الذاتي في مايو 1992، وحصل هذين الحزبين على نسبة متساوية من الأصوات، إضافة إلى مجموعة من الأحزاب الصغيرة (الأشورية، والمسيحية، والاشتراكية) التي فازت ببعض المقاعد، وتشكل على أساسها مجلس النواب الكردي في أربيل، وعملت على تقليص علاقة المنطقة الكردية بالحكومة المركزية، مما حذا بالنظام العراقي إلى سحب جميع إداري الحكومة المركزية من المنطقة الكردية وفرض حصار اقتصادي على كامل المنطقة الكردية، فأوقف دفع الرواتب ومنع استيراد البضائع([9]).

        ثم بدأ الحزبان الكرديان من خلال حكومتهما في الشمال، على مهاجمة النظام العراقي على أساس فضح حملاته ضد الأكراد في العهود السابقة، وأخذا ينتقدان تعريب منطقتي كركوك والموصل على أساس أنهما تتعرضان لانتهاكات حقوق الإنسان، وأنهما أراض كردية، كما عملت الأمم المتحدة على مساعدة حكومة كردستان في بناء قرى جديدة للاجئين الأكراد، الذين فروا بسبب الحرب بين الحزبين الكرديين التي بدأت عام 1994 ، بسبب التنافس على موارد كردستان العراق، وظلوا يعانون من سوء التغذية والخدمات الطبية والبطالة وسوء التعليم، بالرغم من أن الحكومة العراقية كانت تعطي مساكن جديدة للسكان التركمان والأكراد قرب قلعة كركوك، وتهدم بيوتهم القديمة المعرضة للسقوط، إلا أن الحزبان الكرديان كانا ينظران إلى هذه الخطوة على أن من أهدافها تهجير السكان غير العرب وتغيير ديمغرافية كركوك، وهذا لم يكن صحيحاً، وليس هدفاً من أهداف النظام العراقي في ذلك الوقت ، بل على العكس أن حكومة كردستان كانت قد اتفقت عام 1995 مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP) على العمل على إنتاج الكهرباء في كردستان، دون إذن الحكومة المركزية في بغداد، وهذا يعد انتهاكاً للسيادة العراقية ولا يتوافق مع وحدة الأراضي العراقية، ودعوة صريحة للانفصال عن العراق، وما زاد في هذا الأمر أن المنطقة الكردية أصبحت مفتوحة الحدود للذين يدخلونها دون جوازات سفر من رجال المخابرات والقوات العسكرية الأجنبية ورجال الأعمال وممثلوا المنظمات غير الحكومية والسياح، حيث يدخلها كل هؤلاء دون إشعار الحكومة المركزية في بغداد، أو الحكومة الإقليمية في المنطقة الكردية، وأصبحت منطقة كردستان العراق، منطقة اجتماع ملائمة لمنظمات المخابرات المهتمة في تنفيذه مخططاتها في هذا الجزء من العالم، فعلى سبيل المثال حافظت المخابرات التركية وحزب الشعب التركي على تمثيل شبه رسمي من خلال تنظيمات الاتحاد الكردستاني الوطني، كما كان للجيش التركي قوات شبه دائمة في محافظة دهوك، واخترقت المخابرات الغربية العديد من المنظمات غير الحكومية التي تقوم بمهمات إنسانية في كردستان، واستمرت المواجهات الدائمة بين القوات العراقية وقوات البيش ماركة على حدود المنطقة الكردية، واستمرت القوات الأمريكية والبريطانية في انتهاك الأراضي العراقية من خلال طلعاتها الجوية من قاعدة انجرليك في تركيا([10]).

        كما تم إنشاء المنطقة الآمنة في جنوب العراق، بقصد حماية الشيعة في الجنوب، بسبب الملاحقات التي يتعرضون لها من خلال الطيران العراقي في الثامن عشر من أغسطس 1992، وقد تضمنت خطتهم قيام الطائرات الحربية التابعة لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بإسقاط أي طائرة عراقية تحاول أن تقوم بطلعات جنوب العراق، وقد جاء هذا التحرك الغربي بعد سنة كاملة من سحق التمرد في الجنوب 1991، وتم تحديد منطقة حظر الطيران في الجنوب بخط عرض(32)، وبمساحة قدرها 140 ألف كم2، أي ما يعادل ثلث مساحة العراق تقريباً، بينما مساحة المنطقة الشمالية حوالي خمس مساحة العراق، وقد أيَّد مجلس الأمن في قراره رقم 688 هذه الخطوة لاعتبارات إنسانية ؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب العراق([11]).

        لقد كان حظر الطيران العراقي عن المنطقة الآمنة في جنوب وشمال العراق، يقصد به إذلال النظام العراقي، وتحدي سيادته على أرضه، لأن الطيران العراقي لم يشكل تهديداً للشحنات الجوية الإنسانية التي قرر الغرب إرسالها إلى الشيعة والأكراد، كما أن هذا البرنامج لا يمنع الحكومة العراقية من تعقب الشيعة في الجنوب دون استخدام الطيران أو تعقب البيش ماركة في الشمال،وهذا ما حصل عندما استعان مسعود البرزاني بالقوات العراقية عام 1996 ضد قوات الاتحاد الوطني ، حيث سيطر على المنطقة الشمالية بالكامل، وعلى هذا الأساس انقسم العراق نظرنا إلى ثلاث مناطق هي: ([12])

الأولى: شمال خط (36) للأكراد.

الثانية: جنوب خط (32) للشيعة.

الثالثة: للحكومة العراقية بين خطين (36 شمالاً و 32 جنوباً)

        لكن رغم ذلك استمر بقاء الجنسية والقوانين العراقية في كل هذه المناطق، كما أنها لم تقم بأي علاقات خارجية سوى من خلال سلطة بغداد.

        وأصدر مجلس الأمن في يونيو 1995 القرار رقم (986) ؛ الذي ألزم فيه العراق بقبول صيغة جديدة تكرس الانتقاص من سيادته لصالح المنطقة الآمنة، حيث أشار القرار إلى السماح بتصدير كميات من النفط العراقي بشرطين هما([13]):

  • أن يتم تصدير النفط عبر أنابيب النفط التركية.
  • أن تخصص حصيلة بيع هذه الكميات ؛ للإنفاق على الأكراد في شمال العراق.

لكن ما يؤخذ على القيادات الكردية أنها استسلمت للدعاوي الغربية، التي تحرَّض على العمل باتجاه إقامة الدولة الكردية في الشمال، من خلال التركيز على التهويل من خطر الحكم العراقي المباشر على السكان الأكراد، وتأكيد الإشاعات التي ادعت أن النظام العراقي قد قام بعمليات قمع رهيبة ضد الأكراد، ولم تدرك أن الطائرات الأمريكية كانت قد حلَّقت فوق الأراضي الكردية ، وألقت كميات من الأسمنت الأبيض عليها، فشعور السكان أن الهجوم العراقي قد بدأ وأن هناك بالفعل انتفاضة كردية مسلحة في الشمال، بالرغم من أن هذا لم يكن موجوداً فلم تكن هناك مليشيات مسلحة ثورية، حيث لم يسمع بها سكان المدن الشمالية ، ولم يغادروا مناطقهم ، فكيف يقوم النظام العراقي بضرب القرى الكردية ويترك المدن كما ادعت وسائل الإعلام الغربية؟ ، وكيف يهرع قادة الأكراد إلى بغداد ليفاوضوا الجانب العراقي قبل الإعلان عن الانتفاضة المزعومة؟ ، لكن تم استغلال الدعاية ضد النظام العراقي وتسخير القيادة الكردية للحزبين الرئيسيين لاستصدار قرار مجلس الأمن الخاص بحماية الأكراد من الجيش العراقي، رغم أن مجلس الأمن لم يتأكد من تلك الشائعات، لأنه كان من المفروض أن يرسل لجنة استقصاء الحقائق للتأكد منها، ورغم إقامة الملاذ الأمن في الشمال، إلا أن الشعب العراقي في الشمال لم يستفد من هذه الخطوة الانفصالية، فقد ذاق الأكراد من حكومة كردستان أكثر مما ذاقوه على يد أعدائهم الفرس والروس والأتراك([14]).

        فقد كانت الحرب بين الحزبين الكرديين الرئيسيين البارتي والاتحاد الوطني، قد سببت مقتل ألاف الأكراد من الجانبين، كما أن كلا الجانبان كانا ينقلان أسرار بعضهما البعض للنظام العراقي، حيث كانا حليفيَّه سراً، وهذا ما تأكد عندما استنجد البارتي بالقوات العراقية ضد الاتحاد الوطني، حيث تم إجلاء جماعة الطلباني عن معظم مناطق الشمال عام 1996، وهذا ما أثار الولايات المتحدة التي ضربت العراق بالصواريخ، وجعلت الطلباني يستعيد بعض المناطق بعد الاستعانة بالقوات الأمريكية والإيرانية، ولم يتأثر من ذلك سوى الشعب الكردي الذي أخذ يئن ويتوجع مما يحدث من صراعات على السلطة بين الجانبين الكرديين([15]).

        لكن رغم ذلك استمرت العلاقات بين هذين الحزبين والنظام العراقي قائمة ، وقد عمل النظام العراقي على استقطابهما إليه ، فكان أن اجتمع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة إبراهيم الدوري ؛ مع ممثلي حزب الاتحاد الوطني، ثم مع رئيسه جلال الطلباني، للاتفاق حول اتفاقية الحكم الذاتي، بشرط ألا تكون كركوك داخله في المفاوضات، ثم التقى الرئيس العراقي، مع رئيس الاتحاد الوطني، واتفقا على حل المسائل العالقة بين الجانبين، إلا أن النظام العراقي تراجع عن اتفاقه معهم لعدة أمور أهمها([16]):

  • رفض المطالب الكردية حول حقوق الإنسان.
  • رفض القانون الذي سيحدد منطقة الحكم الذاتي.
  • إن إتاحة الفرصة للحزبين الكرديين يعني صبغ المنطقة الشمالية بلون كردي، يقف حائلاً أمام عملية الانصهار المجتمعي التي يسعى إليها النظام.

كما رفض الجانب العراقي أيضاً مسودة الدستور التي دعت إليها حكومة كردستان، والتي جاء فيها مجموعة من المبادئ والأسس التي رآها النظام العراقي تتعارض مع وحدة العراق الوطنية وأهم هذه الأسس هي([17]):

  • تحديد حدود إقليم كردستان، حيث أشارت المادة الأولى أن إقليم كردستان يشمل محافظات أربيل ودهوك والسليمانية وكركوك بحدودها الإدارية السابقة لاستلام البعث للسلطة عام 1968 ، إضافة إلى الأقضية والضواحي الكردية في محافظات الموصل وديالي والكوت.
  • كردستان العراق جزء من كردستان الكبرى، وهذا ما أوردته المادة الثانية ، وهذا ما يعتبر رداً على ما أورده الدستور العراقي ؛ بأن العراق جزء من الوطن العربي، ورأى الأكراد ضرورة تغيير الدستور العراقي بما يتوافق مع الفيدرالية التي أعلنوها، وأن ينص على أن العراق يتضمن جزءاً من الوطن العربي وجزء من الوطن الكردي.
  • تحديد الأساس القانوني لتكوين الدولة العراقية الفيدرالية، بأنه أساس جديد قائم على التعايش الطوعي والاختياري بين الشعب الكردي والعربي في إطار جمهوري فيدرالي على أساس التعاقد الحر.
  • تحديد شعب كردستان دينياً قومياً، حيث نصت هذه المادة على أن الشعب يتكون من الأكراد والتركمان والآشوريين والعرب والأرمن، الذين يقطنون إقليم كردستان بصورة دائمة بحيث يتم ضمان الحقوق الثقافية للأقليات اللغوية والعرقية في الإقليم.
  • تحديد السمات القومية للإقليم، بالقول إن اللغة هي اللغة الرسمية وتستخدم معها اللغة العربية في المراسلات مع المركز.
  • إعطاء ضمانات للإقليم تكفل وجوده ومستقبله، وذلك بالنص بمنع إلغاء الإقليم أو ضم جزء منه إلى إقليم آخر، ومنع المركز من التدخل في شؤونه أو تهديده ، من خلال عدم تحريك القوات العراقية إلى داخله أو خروج قوات منه ؛ إلا بموافقة تحريرية من قبل حكومة الإقليم.
  • حدد مشروع الدستور الموارد المالية وقسَّمها بين الإقليم والمركز.
  • توزيع الاختصاصات بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم.

ومع أن فقهاء القانون العام يرون أنه يجب ألا تعلن الفيدرالية من جانب واحد ، ولا يجوز إعلان دستور لإقليم ينوي الدخول في فيدرالية مع إقليم إلا بموافقة الأخير، وعلى هذا الأساس فلا يجوز قانونياً إعلان الدستور المحلي قبل إعلان الدستور الفيدرالي، لكن الأكراد يرون أنه يجوز لهم وضع دستور لإقليم كردستان قبل وضع دستور فيدرالي للعراق بأكمله.

ولم يكن رفض الجانب العراقي لهذا المشروع بسبب هذه الشروط فحسب، بل أن الأكراد طرحوا ضم أراضي ليست ذات أغلبية كردية، ولم تخضع للحكم الذاتي الممنوح لهم عام 1975، كما لم تخضع لهم بعد الاضطرابات الكردية عام 1991، إلا أن الأكراد يرون أنها مناطق كانت كردية، وتغيرت تركيبتها السكانية من قبل الحكومات الكردية المتعاقبة ، حتى أصبحت ذات أغلبية عربية، وقد حددت هذه المناطق بأجزاء من الموصل وديالا وكركوك، وبناء على ذلك تكون الفيدرالية المطروحة من قبل الأكراد ليست سوى انفصالاً مقنعاً ؛ لأن تنظيمها جرى بعيداً عن الأسس القانونية والسياسية للفيدرالية المتعارف عليها، خاصة أن مشروع الدستور نص في مادته الرابعة عشرة على تخصيص ثلاثين بالمائة من الميزانية العامة الفيدرالية والميزانيات المركزية الأخرى لصالح إقليم كردستان، وتحويل خمسين بالمائة من عائدات النفط والمعادن المستخرجة من الإقليم للخزانة، كما رأى الجانب الكردي أن قانون الحكم الذاتي الذي كان معمولاً به في ظل نظام صدام حسين، والذي يدعو إليه الجانب العراقي ، لم يحقق لهم مبدأ المساواة والمشاركة السياسية، ولم يساعد في الإسهام في توجيه شؤون الدولة أو صنع القرار السياسي، ولم يساعد في إحلال السلام وتحقيق الاستقرار السياسي والتكامل القومي، حيث تم التضييق على هيئات الحكم الذاتي، مما أفقدها استقلالها وتوازنها، وتم إفراغ الحكم الذاتي من مضمونه، ولم تزد الاختصاصات الممنوحة في مجلسه التنفيذي عن الاختصاصات الممنوحة لأي وحدة محلية([18]).

        لذلك عملت حكومة كردستان والمجلس الوطني الكردستاني، اللذين تشكلا تحت إشراف الأمم المتحدة، والدول الغربية، وحددا عدداً من الأهداف أهمها([19]):

  • تنظيم علاقة كردستان مع الحكومة المركزية على أساس اتحاد اختياري ضمن عراق ديمقراطي يعترف بحقوق الأكراد.
  • إقامة أفضل العلاقات مع البلدان المجاورة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
  • الضغط من خلال الأمم المتحدة على النظام العراقي لرفع الحصار الاقتصادي عن كردستان العراق ؛ واستبعاد المنطقة من نطاق العقوبات الاقتصادية على العراق.

وفي أعقاب التعديل الوزاري الذي أجرى عام 1993 ذكر مجلس الوزراء الكردستاني أنه سوف يبذل جهود حثيثة من أجل تنظيم علاقة حكومة كردستان مع حكومة بغداد المستقبلية، على أساس اتحاد وطني طوعي واحترام إطار عراق فيدرالي وديمقراطي تصان فيه حقوق الأكراد، كما أصدر المجلس الوطني الكردستاني قراراً أكد فيه على أنه أجمع على تقرير مصيره وتحديد علاقته القانونية مع السلطة المركزية في هذه المرحلة من تاريخه، على أساس الاتحاد الفيدرالي ضمن عراق ديمقراطي يؤمن بنظام تعدد الأحزاب ويحترم حقوق الإنسان المعترف بها في العهود والمواثيق الدولية.

        وما يؤكد أن للولايات المتحدة دوراً في التأثير على قرارات هذه الحكومة الكردية والحزبين الكرديين الرئيسيين، أنهما حينما تقاتلا على موارد الإقليم وعلى مناطق النفوذ، عملت الولايات المتحدة على المصالحة بينهما، لما يشكله ذلك من إضعاف للنظام العراقي، الذي توترت علاقتها معه منذ دخوله الكويت 1990 ، فتم الاتفاق في سبتمبر 1998 على إعادة الثقة بين الجانبين الكرديين، وتقاسم السلطة بينهما، وعودة مجلس النواب الكردي إلى الانعقاد وإجراء انتخابات جديدة على أساس شروط نصَّت على تحويل إيرادات الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، وإنشاء قوة أمنية موحدة، والوعد بحل جميع النزاعات العالقة حول الأملاك والأراضي وعرفت تلك الاتفاقية باتفاقية واشنطن، وتشير هذه الاتفاقية على ما يلي([20]):

  • تعترف الاتفاقية على نحو صريح بالتركيبة المتعددة الإثنيات للمنطقة الكردية وبالتالي للعراق ككل، وتضع مجموعات على غرار التركمان والأشوريين والكلدان على قدم المساواة مع الطموحات الكردية.
  • تضمن التزام الأحزاب بلحمة ووحدة الأراضي العراقية، على أساس بنية سياسية تعددية ديمقراطية فيدرالية.

وقد ساهم وجود منطقة كردية مستقلة للحكم الذاتي الكردي، على تشجيع الأحزاب العراقية المعارضة على تجاوز خلافاتها والاجتماع في فيينا في يونيو 1992 لعقد المؤتمر الوطني العراقي كمظلة لتشجيع التعاون، ثم عقدوا اجتماعاً في مدينة صلاح الدين قرب أربيل في المنطقة الكردية، فأنشأ مجلس ضم ممثلين من جميع مجموعات المعارضة باستثناء بعض الجماعات البعثية المنشقة والقومية العربية السنية، وانتخبت لجنة تنفيذية بقيادة أحمد الجلبي، وهو أكاديمي ومصرفي ينتمي لعائلة شيعية بارزة، لكن هذا المؤتمر كانت تطغي عليه أحزاب معينة مثل الحزبين الكرديين الرئيسيين، والأحزاب الإسلامية الشيعية وأبرزها حزب الدعوة الإسلامية، وحزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، لكن ظهرت الخلافات بين الأحزاب الكردية بعد ذلك، كما برزت خلافات بين الأحزاب الكردية وأحزاب اليسار، ثم حدثت خلافات وقتال عنيف بين الحزب الإسلامي الكردي، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وعلى هذا الأساس لم يستطع المؤتمر الوطني العراقي التحدث باسم القوى المعارضة العراقية ككل، وتحولت المجموعات فيه إلى مجموعات منقسمة متعارضة، يصعب اتفاقها مع بعضها البعض([21])؛ لذلك لم تعمل هذه الأحزاب لتكوين بوتقة عراقية واحدة، بحيث تكون أهدافها بعيدة عن المؤثرات المذهبية، والطائفية والإقليمية والعشائرية، فعلى سبيل المثال انشق الحزب الشيوعي العراقي بفعل المؤثرات القومية الإثنية عام 1992 إلى كتلتين كتلة تمثل الجانب العربي، وكتلة تمثل الجانب الكردي، كما انقسمت القوى الممثلة لرجال الأعمال إلى كتل فئوية شيعية وسنية وكردية، زد على ذلك أن بعض الأحزاب قامت على عصبيات محلية صغيرة سواء مدينية أو عشائرية أو أسرية ؛ وتشعبت الأحزاب الكردية إلى أحزاب كثيرة، رغم استمرار سيطرة الحزبين الكرديين الرئيسيين كأكبر الأحزاب الكردية رغم أنهما لم يتفقا ؛ حيث سرعان ما عادت الحرب بينهما مرة أخرى ([22]).

        وفي إطار الضعف العراقي خلال الحصار تشجعت الدول ذات المطامع في المنطقة العربية، فقد حصل التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران، من أجل الأقلية التركمانية، فاستغل الأتراك التقارب الاثني معهم، لتشكيل الحزب الوطني التركماني بزعامة (مظفر أرسلان)، كما دعمت إيران تشكيل الاتحاد الإسلامي التركماني، الذي يضم التركمان الشيعة، وفرضت تركيا على البارتي أن تحصل الجبهة التركمانية التي تضم جميع الأحزاب التركمانية في كردستان، على جزء من الموارد المالية للمركز الحدودي (إبراهيم الخليل)، لكن رغم ذلك حدثت صدامات بين البارتي والجبهة التركمانية، وهذا ما وتر علاقة البارتي مع تركيا، التي ما لبثت أن شنت غارات على مواقع حزب البارتي وقتلت بعض البيش ماركة، وأكدت الحكومة التركية ضرورة تمثيل جميع الفئات في كردستان، في إشارة منها لذلك إلى الأقلية التركمانية، بعد مصادرة أراضيهم من قبله، فشكلوا الحركة الديمقراطية التركمانية ، أيضاً دخلت بعض المجموعات العقائدية في صراع مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، مثل الحزب الشيوعي العمالي العراقي([23]).

        أما حزب الاتحاد الإسلامي فقد تشكل في يونيو 1994 عند إصدار قانون الأحزاب والجمعيات في العراق، وقد انشق هذا الحزب عن حزب الإخوان المسلمين، وكان له دوره الكبير في عملية الإغاثة وبناء القرى المهدمة، وبناء المساجد فيها، خلال أحداث 1991 في شمال العراق، وقد انشق هذا الحزب إثنياً إلى حزب الاتحاد الإسلامي في كردستان ودعى إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي من منظور إسلامي، وأكد على نبذ العنف والديمقراطية في كردستان، ورغم أنه دخل في التشكيلة الوزارية لحكومة كردستان، إلا أنه اصطدم مع الحزبان الكبيران، بسبب سيطرتهما على مناطق النفوذ، وعلاقته الوطيدة مع حزب الرفاه الإسلامي في تركيا وحزب الإخوان المسلمين في مصر([24]).

        أما بخصوص مشكلات الجنوب الشيعي، فقد كانت انتفاضة الجنوب ضد النظام عقب الهزيمة المهينة للجيش العراقي، داعياً للثورة ضد النظام، لكنها كانت ذات طابع طائفي لأنه لم يشترك السنة فيها، ولأنها رفعت بعض الشعارات الطائفية مثل (نحن نريد حكماً جعفرياً) و(لا سيد إلا علي) وهذا ما آثار النظام الذي اتهمها بالطائفية ، وأكد على الولاء للقومية العربية التي تجمع العرب سنة وشيعة، وأكد أيضاً أن ثمة أياد إيرانية لها علاقة بها، على اعتبار أن إيران من أولويات سياستها هي التدخل في العراق،وهذا ما أكده المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي([25]).

        وفي ظل غياب التنظيمات  السياسية وحرية الأحزاب السياسية والدينية، بقيت المساجد والحسينات والمراكز الدينية هي الأماكن الوحيدة القادرة على استيعاب الناس واستقطابهم، رغم أن موقف النظام العراقي من أداء الطوائف الدينية لشعائرها بعد حرب 1991، شابه الكثير من التحسس ومنع ممارسة تلك الشعائر لاعتبارات سياسية وأمنية من وجهة نظر النظام السابق، مما سبَّب إثارة مشاعر المواطنين وامتعاضهم من عدم أداء تلك الشعائر ما دامت لا تؤثر على أمن وسيادة العراق([26])،  وفي نفس الوقت الذي أصدر النظام تراخيص منافية للآداب والأخلاق تحت إشرافه السري ورعاية رجال الأمن والآداب في العراق، والتصريح لأي سيدة بممارسة هذه الأعمال، ومعظمهن من طائفة الكولية، وذلك بمجرد استخراج ترخيص قانوني أينما ذهبت، خاصة أن طائفة الكولية اعتمدت على الترحال المستمر، وهذا مما أثار حفيظة المتدينين والوطنيين على حد سواء، في ظل تناقص رواد المساجد وخلو الخطب البعثية من البسملة، وقد برر الرئيس العراقي عدم انتهاجه للقرآن والسنة وتطبيقها، هو اختلاف التفسيرات لهما، وأن الإسلام ليس هو الدين الوحيد في العراق، وبالتالي فإن تأييد تفسير معين سيؤدي على إثارة آخرين ينقضون هذا التفسير وستنشأ الخلافات وهذا سيؤثر على وحدة الأمة والوحدة الوطنية([27]).

        لذلك عمل النظام على ملاحقة التيارات الدينية، والمراجع الدينية في الجنوب الشيعي وتدخل في التعليم الديني، وتم تصفية وإعدام قسماً من المعارضين، أو أجبروا على ترك البلاد، ومنعوا من المشاركة الفعلية في الحياة العامة، وهذا ما حذا بأحد المراجع وهو عبد المجيد الخوئي، ابن المرجع الأكبر أبو القاسم الخوئي، الذي توفى عام 1992، إلى مغادرة البلاد إلى الخارج، وتشكيل مؤسسة الخوئي في لندن عام 1998،وكان معه الكثير من المعارضين للنظام الذين أكدوا أن معاناة الشعب العراقي يجب أن تستمر حتى يسقط النظام العراقي([28])، وعلى هذا الأساس خلص مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن سياسة الحكومة العراقية تقوم على انتهاك منهجي لحقوق الحرية الدينية التي تضمنتها المادة (18) من الحقوق المدنية والسياسية الدولية، والتمييز ضد رجال الدين الشيعة والتراث الديني للشيعة([29])، لكن تظهر ازدواجية المعايير في الأمم المتحدة أن الحزبين الكرديين الرئيسيين عملا على تصفية الجماعات  الإسلامية والتركمانية دون أن تندد بعثات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بهذه الأعمال([30])، ولم تندد بالانتهاكات اليومية على الحدود العراقية من قبل قوات التحالف في جنوب العراق حيث كانت الطائرات الغربية تغير على الأراضي العراقية، كما أنها قامت بضرب العراق فيما عرف بعملية ثعلب الصحراء([31]).

        في هذا الإطار اعتمدت سياسة الحكومة العراقية في ظل ضعفها، سياسة جديدة تقوم على الاستعانة بشيوخ القبائل العراقية، حيث تشتريهم السلطة وتسلحهم وتتلاعب على حساسيتهم العربية ضد المؤسسة الدينية الشيعية، وبين إصلاح المراكز وأماكن العبادة التي تضررت من جراء حرب الخليج الثانية وانتفاضة الجنوب 1991 وتم فتحها للحجاج الإيرانيين وغير الإيرانيين، لكن تم تقييدهم بيروقراطية كبيرة عند دخولهم إلى هذه المناطق، كما عمل العراق على استقطاب الشيعة من خلال تكليف عضو القيادة القطرية (سعدون حمادي) وهو شيعي لتشكيل حكومة عراقية في الثالث والعشرين من مارس 1991 ، لكن بالرغم من ذلك تم التضييق على بعض المراجع الشيعية واغتيال البعض منهم تحت ظروف غامضة مثل المرجع محمد صادق الصدر مع ولديه في فبراير 1999، وهو والد الزعيم الشيعي (مقتدى الصدر) الذي سطع نجمه بعد احتلال العراق 2003([32]).

        كما أن الاستقطاب الحكومي للعشائر العراقية لم يكن دوماً لصالح الحكومة ، حيث زادت هذه العملية في تأجيج الروح العشائرية عند المواطنين، فكانت المشاجرات الدائمة على خلفية الإنتماءات العشائرية، فعلى سبيل المثال كانت المشاجرات الدائمة بين عشيرتي الجبور والحويج مع عشائر أخرى([33])، وفي نفس الوقت كان الاستقطاب الطائفي للنظام لبعض الرموز الدينية فيما عرف بالحملة الإيمانية، قد أدى إلى نمو الحركات السلفية (الوهابية) وأصبح هناك تداخل بين توجهات النظام وبعض النزعات الدينية الإسلامية، بهدف تسخير العامل الديني لخدمة توجهاته ومواجهاته الداخلية والخارجية فكان أن كتبت نسخة من القرآن بدم الرئيس العراقي، ثم أصبح النظام يصدر قرارات جزائية ذات دلالات إسلامية، مثل قطع يد السارق، ثم أخذ يهتم بدروس التربية الإسلامية في المدارس العراقية بشكل كبير، في نفس الوقت الذي كان فيه النظام العراقي يمارس الضغوط على المراجع الشيعية ويحد من مكانتها في المجتمع العراقي على أساس أنهم ينافسون النظام وتتعارض توجهاتهم مع توجهاته في السيطرة على مجمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلد([34]) ، من خلال ادعاء ولاءها للنظام، ومدى مشاركة أبناءها في الحلقة الضيقة من النظام وأجهزته الأمنية، حتى أن النظام قد سمح لبعض المشايخ بتشكيل مليشيات خاصة بهم، واحترمت القيم الطائفية والعشائرية المؤسسة الأمنية والعسكرية للدولة، وبالمقابل شجَّعت الدولة على العمل بالأعراف العشائرية، وأصبح في البلد عملياً قانونان هما قانون العقوبات الحكومي والعرف العشائري، وبذلك كانت الكثير من العشائر موالية للنظام حتى سقوطه، وأكبر مثال على ذلك كانت غالبية العشائر الكردية وعلى رأسها الزيبار موالية للحكومة المركزية في بغداد، حتى سقوط النظام، بالرغم من عداء الحزبيين الكرديين الرئيسيين للنظام([35]).

        أما حول الاستقطاب الطائفي فكان من نتائجه العكسية التي ارتدت على النظام، هو ازدياد الارتباط بين المواطنين العراقيين الشيعة بالحوزة الشيعية والمراجع الشيعية، التي حاولت الدولة استقطابها لصالحها من خلال التأكيد على أهمية الولاء الديني من قبل الدولة، وقيام الرئيس العراقي بزيارة المراقد الشيعية، وإلحاق مساجد الشيعة بوزارة الأوقاف والتحكم بتعيين أئمتها، مما آثار بعض المراجع الشيعية مثل المرجع محمد صادق الصدر، الذي رفض هذه الإجراءات وأصرَّ على إقامة صلاة الجمعة في مسجد الكوفة، وهذا مما أثار النظام، الذي تخوف أن يكون هذا العمل مقدمة لحدوث تمرد شيعي، جديد وعلى هذا الأساس تم اغتياله في عام 1999، ومنذ ذلك الوقت أصبح المرجع علي السيستاني ذو الأصول الإيرانية هو المرجع الأساسي في العراق وأصبح ينادي بفصل الدين عن السياسة، وعدم التدخل في السياسة([36])، لكن يقودنا هذا إلى الاعتقاد أن المستفيد من عملية قتل الصدر هو إيران أكثر من النظام العراقي، على أساس أن الصدر من أصول عربية، ولا يوالي السياسة الإيرانية، لكن السيستاني ذو الأصول الإيرانية والذي رفض الحصول عدة مرات على الجنسية العراقية، لابد أنه يوالي إيران، وإلا بماذا نفسر رفضه للجنسية العراقية؟! كما أن إيران لم تتخل يوماً عن سياستها في التدخل في العراق منذ فجر التاريخ، لذلك فترى الدراسة أنه من المرجح أن تكون إيران هي من قام بهاذا الفعل، نظراً لتخوفها من أن تنتقل المرجعية إلى شخصية عربية بعيدة عن التوجهات الإيرانية.

        في ظل هذه الأوضاع برزت ثقافة التصفيق، وانهمك الكتاب والشعراء في روايات وقصائد التمجيد للرئيس العراقي ، واهتم النظام بتمجيد الزعيم الفرد فاستمرت سياسة تخليده، عبر تسمية الأماكن باسمه، مثل شارع صدام، ومطار صدام، وأكاديمته صدام ، وازدادت التماثيل والنصب والجداريات في الأماكن العامة والخاصة، واستمرت عسكرة المدارس والجامعات، والتحية العسكرية في المدارس والعهد بالولاء لصدام حسين الذي أصبح يوصف بالأب القائد، وأقيمت المعسكرات لتدريب الأطفال بوصفهم أشبال صدام وازداد نشاط المخبرين الحزبيين داخل الجامعات ، وتم حجب المواطنيين عن الإنترنت والفاكس والاشتراك في المجلات والصحف الصادرة خارج العراق، وفرضت الرقابة على المراسلات والكتب الواردة والصادرة وتحريم الاتصال بالأساتذة العرب والأجانب، وربط البحث العلمي في الجامعات بخطط برامج التصنيع العسكري وبرامجه([37])، حيث خصصت مبالغ مالية ضخمة نسبياً لإنجاح عسكرة البحوث  ، حيث استغل النظام بذلك حاجة الأستاذ الجامعي الذي قلَّ مرتبه في زمن الحصار إلى خمسة عشر دولار شهرياً، وتم إلزام الطلاب الجامعيين بقضاء شهر ونصف في مؤسسات التصنيع العسكري، أو وزارة الصناعة والمعادن على أساس الاستفادة منهم في التصنيع العسكري، ثم عمل النظام على الترويج للمواقف الرسمية والسعي إلى استيعاب المثقفين والفنانيين والمغنين ؛ فالذي يكتب أغنية تمجد الحرب أو صدام، له هدية قيمة، ثم أقام النظام منذ عام 1991، مسابقة أم المعارك للتأليف الموسيقي، وتم الاهتمام بمركز صدام للفنون وتنشيطه، فانتشرت كتب الزعيم وأطوار حياته وأعياده، وانجازاته، وأصبح التقرب من النظام هو المحدد الأول لحصول الفنان على موارده الأولية وفرص عمله، وجعلت سيرة صدام فيلماً للمخرج المصري (توفيق صالح) من خلال رواية للشاعر عبد الأمير معلة، في فيلم (الأيام الطويلة) حيث فرض عرض الفيلم في المدارس والمراكز الحزبية ثم أمر بتدريس رواية صدام ، في المنهاج التثقيفي لتنظيمات حزب البعث، وانتشرت قصائد التكسب ومدح الرئيس، وحروبه فانتشر أدب تمجيد الحرب والشهادة والحرب المقدسة، وتكررت صورة الأم والأب الذين يفرحون لمقتل ابنهم في المعركة على أساس أنه فداء للوطن، ونشأ الشعر الحربي البعثي، فألحق الأدب كلياً بالنظام، خاصة بعد إلحاق كاتب سيرة صدام (عبد الأمير معلة) بوزارة الثقافة حيث عهد له النظام بوزارة الثقافة، بسبب ما بذله من جهد حول كتاب الأيام الطويلة ، وخصصت الجوائز الأدبية مثل جائزة الفاو، وجائزة قادسية صدام، وأمنت المهرجانات الكثيرة فرصاً للعمل لمن يبحث عنها([38]).

        رغم أنه في هذه الفترة، كان هناك ضعف اقتصادي كبير، حيث قلَّ عدد المدارس من جهة، وهجر كثير من الفنانين والكتاب العراقيين العراق، رغم أن النظام حاول أن يستفيد من هذا الحصار ليروج لبقاءه، فأشاع على أن العولمة هي عبارة عن هيمنة أمريكية يجب مقاومتها، وأن العراق قد حسم أمره، وأغلق الباب أمام خطر العولمة، ولهذه الأسباب برر مناهضته لوسائل الاتصال المعاصرة وشبكة الإنترنت بوصفها شكلاً من أشكال الهيمنة الأمريكية، وأقام حول ذلك مؤتمرات ودراسات تثبت ذلك، وبالمقابل سمح لخاصته ومواليه الذين يدينون له بالولاء المطلق باستخدام الإنترنت إلا أن هؤلاء لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف وكلهم رسميون ؛ حيث تم إصدار قوانين تحرم الاستخدام غير المشروع للحاسوب ولشبكة الإنترنت، على أساس أن استخدام الإنترنت هو وسيلة تخريب ثقافي وتدمير للفكر القومي والوطني، وأصبح التركيز على الجانب المظلم من الإنترنت([39]).

        ومما أضعف الأدب والفن العراقي، هو تدخل رموز النظام فيها وتسييرهم لها بما يتوافق مع سياستهم وآراءهم، رغم ما تحمله هذه التدخلات من تشويه لصورة الأدب والفن، واستغلال لطاقات المجتمع وموارده استغلالاً لا يتناسب مع ضرورة وأهمية وتكاليف هذا الأدب، إضافة إلى أنه يبعد المجتمع العراقي عن أصالته وثقافته، بسبب تسييسه، والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي الثالث عشر فبراير من عام 2000 اجتمع الرئيس العراقي مع كتَّاب العراق من أجل كتابة رواية تضم أفكاره التي لا تعبر عنها الأحاديث والخطب السياسية، في مقابل مزايا مادية كبيرة لكل واحد منهم، فتم تشكيل لجنة من عشرة كتَّاب مهمتها تطبيق حديث الرئيس على الرواية بوصفها وثيقة أدبية تتحدث عن فكره ورؤيته للمعارك العظيمة، وخاصة أم المعارك، وطلب من الجنود العراقيين وضباطهم أن يكتبوا يوميات أم المعارك وقادسية صدام مستعينين بالكتَّاب، وأن الرئيس العراقي هو قدوة لهم في ذلك، حيث أنه أصدر روايته بعنوان (زبيبة والملك) دون أن تحمل اسم المؤلف وأصبحت الصحف العراقية تسبغ على بطل هذه الرواية (صدام حسين) صفات العبقرية والفرادة ، وتم جعل هذه الرواية مادة تثقيف سياسي لتنظيمات حزب البعث من درجة نصير إلى نائب الأمين العام للحزب، ثم تم عرضها على شكل مسرحية في المسارح العراقية بعد أن أعيدت صياغتها على شكل نص شعري، ثم عرضت على المسرح الوطني احتفالاً بميلاد الرئيس العراقي في الثامن والعشرين من أبريل لعام 2002، وتم ترجمة هذه الرواية لعدة لغات، ووقعت عقوداً مع دور النشر لنشرها، وصدرت في بداية فبراير 2003 في باريس، كما أصدر الرئيس العراقي رواية اسمها (القلعة الحصينة) في ديسمبر 2001، وانتشرت الدعاية لها أيضاً ، وهي عبارة عن قصة لمراحل حياة صدام، الذي كان هو بطل الرواية باسم (صباح)، ثم صدرت في عام 2002 رواية أخرى لصدام حسين، وهي مؤلفة من جزئيين كان الجزء الأول هو (رجال ومدينة) وهي تتحدث أيضاً عن شخصية شبيهة بصدام حسين وسيرة حياته، ومواقفه، أما جزئها الثاني، فنشر بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بعنوان (أخرج منها يا ملعون) ، كما أصدر صدام حسين كتاباً صغيراً اسمه (وصايا) يتضمن حِكَم ووصايا الرئيس العراقي للفرد والأسرة والمجتمع كواعظ للجميع، من أجل تنظيم حياتهم، كما صدرت عنه الأعمال الكاملة في عشرة أجزاء، وأقيمت المتاحف التي تشير إلى حياته، وأصبح إقامة أي مشروع في العراق تتضمن وجود صور كثيرة له في مكتب صاحب المشروع أو مديره، على اعتبار أنه الفلاح الأول والعامل الأول والمربي الأول، وأصبح تمجيده في كل مؤسسات الدولة، وذكر اسمه يصحبه كلمتي (حفظه الله)([40])، وهنا تثار مجموعة من التساؤلات أهمها هل كان صدام حسين متفرغاً لتنسيق أفكاره وترتيبها، لتظهر له كل هذه الأعمال؟ وهل تستحق هذه الروايات هذه الموارد الاقتصادية والاجتماعية لتنتشر وتدرس ويثقف بها؟ ألا يوجد في العراق كتاب وشعراء وفنانون يستطيعون أن يقوموا بشكل أكثر فعالية وجدية وأهمية من هذه الأعمال؟ وعلى هذا الأساس فقد تأثرت الثقافة العراقية سلباً بسلطة حزب البعث خلال هذه الفترة نتيجة طغيان أفكار وأعمال وخطب الرئيس على أفراد المجتمع وتسخيرها لصالح النظام العراقي.

        كما برزت خلال الحصار على العراق، ثقافة الحصار وهي ثقافة جديدة على المجتمع تتركب من أبعاد متعددة وأساسية هي([41]):

  • بعد العنف في الممارسة اليومية للمواطن العراقي ، حيث أصبح حمل السلاح جزءاً منها.
  • بعد الحرمان الاقتصادي الذي تفجَّر بعد سقوط بغداد عام 2003.
  • بعد سياسات التفتيت التي أنتجها الحظر الجوي، والتي خلقت شرخاً في بعض النفوس من أن هناك تبايناً قومياً طائفياً ، بالرغم من أن تنوع الشعب العراقي هو من مقومات وحدته.

     وعلى هذا فنستطيع أن نصل إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي، من خلال سيطرته على السلطة السياسية في العراق لم يستطيع تحقيق المحدد الأول من محددات الدراسة، وهو احترام ووحدة البلاد ولغتها الرسمية وثقافتها الوطنية، كونه لم يستطع حل القضية الكردية، حيث استفادت الأحزاب الكردية المعارضة له من الوضع الدولي الجديد، لتكوين حكومة خاصة بها، مرتبطة اسمياً بسلطة بغداد، كما فشل النظام في تعامله مع الشعب العراقي في الجنوب، فرغم استخدامه الرموز الدينية لتوطيد سلطته ؛ لكنه كان يتخوف من العامل الديني لدى الشيعة ومراجعها، وهذا ما ورطه بأخطاء كبيرة معها، أما بالنسبة للأقليات الأخرى في شمال العراق فقد أصبحت تستغل الوضع في الشمال أيضاً للمناداة بضرورة التعبير عن ثقافتها ضمن مجتمع ديمقراطي يهتم بحقوق الأقليات، وقد استغلت بعض الدول المجاورة مثل تركيا بعض الأقليات التي تواليها للتدخل في شؤون العراق، وكذلك إيران التي لها مصالح عند الشيعة في الجنوب، والتركمان الشيعة في الشمال ولذلك كانت تغذي عدم الاستقرار في العراق، رغم تأكيد الكثير من المسيحيين العراقيين أن نظام البعث لم يضطهدهم،  وكانت معاملته لهم جيدة، وكانوا هم بالمقابل يؤيدون الحكم البعثي العلماني ؛ لأن الحكم الديني ينقصهم الكثير من حريتهم وحقوقهم([42])، كما فشل النظام في استقطاب الأحزاب المعارضة لصالحه، ولم يبق معه إلا الجبهة الوطنية القومية التي يسيُّرها الحزب القائد وهو حزب البعث، والتي ليس لها تأثير يذكر على الحياة السياسية في العراق، أما العشائرية فقد ازدادت قوتها في هذه المرحلة، وهذا ما أدى لضعف الولاء تجاه الدولة، مقابل ازدياد قوة الولاء للعشيرة، أو للطائفة أو للإثنية أو للاقليم كما أن اصطباغ السلطة السياسية بطابع النظام وبرموزه، إضافة لتسخير الفن لصالحه، على حساب ثقافة المجتمع الأصيلة، وثقافة ولغة فئاته المختلف، مما أضعف الولاء للنظام، لأن الإجبار على الولاء لثقافة معينة لن يولد الإيمان بها، فظهرت ولاءات قليلة المصداقية للدولة، مقابل بعض الأموال والمصالح، فضعف الولاء للوطن أمام الولاء للمصالح الشخصية.

ثانياً : الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي

        لقد أدى احتلال العراق للكويت إلى فرض نظام عقوبات من قبل الأمم المتحدة وفرض عليه نزع أسلحة الدمار الشامل والقدرة الصاروخية التي يملكها، واشترطت عليه عدة شروط لوقف تلك العقوبات هي([43]):

  • الموافقة على دفع تعويضات الحرب.
  • الخضوع للمساءلة بشأن ستمائة فرد من الكويتيين الذين اختفوا إبان الاحتلال.
  • التوقف عن تهديد الأمن الإقليمي.
  • وضع حد للقمع الذي يمارس ضد المواطنين العراقيين.

لكن عملياً استعمل نظام العقوبات لتحقيق أهداف أخرى، أهمها تدمير الاقتصاد العراقي، وفرض أشكال تطفلية من عمليات التفتيش والتدخل التي لم تحترم السيادة العراقية، والعمل على إسقاط النظام العراقي عبر عدم إتاحة الفرصة له للنهوض، من خلال إفشال أي محاولة لرفع العقوبات، والعمل على تدمير سيادته وإضعافه أمام الشعب العراقي، والتعاون مع المعارضة العراقية لأجل الإطاحة به.

        وقد عمل النظام خلال هذه الفترة على استقطاب رؤساء القبائل والاعتراف بسلطتهم في حل النزاعات وتنظيم شؤون قبائلهم، وإعادة نظام تشريعي خاص بهم، وإعطاءهم حقوقاً عقارية وترقية أبنائهم في مختلف فروع الدولة والسماح لهم بتسليح أتباعهم، كما تبنت وسائل الإعلام الرسمية للدولة وشجعت وطورت ما أسمته (الفضائل العربية)، وهذا مما أعطى معنى المفاهيم الهوية القبلية التي راح أبناء المدن الذين نزحوا من الريف منذ عدة أجيال، يعيدون بموجبها اكتشاف تحدرهم القبلي وهوياتهم أو يسعون عمداً إلى أخذ إذن أحد المشايخ للانتساب إلى قبليته بعد أن أصبح نسبهم غامضاً، وكل ذلك رغبة في الاستفادة من شبكة المحاباة والحماية إلى تؤثر في حياة الأفراد([44]).

        وفي ظل هذا الحصار القاسي على العراق استمر النظام في إجبار الطلاب على أداء تحية العلم وإنشاء الأشعار أسبوعياً في الملاعب تعظيماً للقائد العام ورئيس الجمهورية ، وكان كل من ينتسب لحزب البعث من طلاب الثانويات تزداد درجاته في الامتحانات، وتصبح فرصتهم أكبر في دخول الجامعات، واستمرت الصحف العراقية الرسمية بتمجيد الرئيس الذي استمر في بناء القصور والحياة الفارهة هو وأبناء أسرته ومقربيه، بينما الشعب يتضور جوعاً، ما عدا العشائر الموالية له تلك التي حصلت على الامتيازات الكثيرة والمناصب الكبيرة في الدولة، كما ملأت تماثيله وصوره، جميع الساحات العامة، وقد كانت تماثيله أكبر من حجم الناس العاديين للإيحاء أنه لا يمكن أن يقارن بالبشر العاديين([45]).

        لكن لا يمكن أن نقول أن هناك ثمة انقسامات إثنية أو طائفية بين أفراد الشعب، في الحياة اليومية، حيث كان هناك الزواج المختلط بينهما، أي بين العرب والأكراد، والسنة والشيعة بشكل كبير، كما عمل كثير من الشيعة في الحكومات والجامعات وغيرها من المجالات المتخصصة والسياسية، بما في ذلك الأحزاب الشيوعية، وبناءاً على ذلك كان الظلم الذي مارسه النظام على الشعب العراقي متساوياً بالنسبة لجميع فئات الشعب العراقي([46]).

        فقد كان اضطهاد الشعب العراقي في الجنوب والشمال عقب الهزيمة القاسية التي مني بها النظام العراقي في حرب الخليج الثانية، بسبب أن العامل الأمني في العراق أصبح له أهمية ارتيابية داخل النظام العراقي، لذلك كانت أخطاء النظام كبيرة في التعامل مع رجال الدين الشيعية، وحظر حزب الدعوة وتقليص الشعائر الدينية للطائفة الشيعية، خاصة أن الإطار الزمني للعقوبات الدولية على العراق كان مفتوحاً وكذلك إنهائها أو تعليقها أو تجديدها، وهذا ما يعني استمرار العراق في حالة حرب، وبالتالي منع أي تغييرات اجتماعية في سياسة النظام، فقد كانت لجنة العقوبات تملك صلاحيات متطورة، ولم يكن يوجد صيغة قياسية لمراجعة العقوبات الإنسانية في العراق، وصيغة قياسية لبرنامج النفط مقابل الغذاء فقط، ولا يوجد تقييم منتظم لتأثير العقوبات في العراق، في ظل وراثة الشعب العراقي لتداعيات حربي الخليج الأولى والثانية، فالأولى حملت للشعب العراقي مليون عراقي بين قتيل وجريح ومعوق وأسير، إضافة إلى مئات الآلاف في حرب الخليج الثانية، وزاد من ذلك قسوة الحصار الاقتصادي الذي تسبب بمقتل حوالي مليوني عراقي، أكثرهم من الأطفال، بسبب سوء التغذية والأمراض التي نتجت عن حرب الخليج الثانية، فتحملت المرأة العراقية تربية الصغار ومسؤولية إعالتهم بعد أن فقد زوجها أو ابنها، إضافة لما حدث من خلل واسع في البنية الاجتماعية للشباب الذين سيطرت عليهم المشكلات الاجتماعية والعقد النفسية، وفشل النظام في حل هذه الأزمة فزادت حالات اليأس واللامبالاة لدى البعض والشعور بعدم إمكانية إصلاح الأمور مع استمرار النظام في السلطة، رغم محاولة بعض الأعضاء في أجهزة الدولة الأمنية في ظل انتشار الخوف والرعب الحيلولة دون ذلك، فظل النظام منعزلاً عن الشعب بسبب فشله في بناء جبهة وطنية وتجميع القوى الوطنية في ظروف إصراره على احتكار السلطة، وشابت العلاقة بين النظام والمعارضة الكثير من الحساسية والشك وعدم الثقة، بدل فتح صفحات جديدة مع المعارضة العراقية الوطنية بكل فصائلها، من خلال مؤتمرات واجتماعات لتبادل وجهات النظر وصولاً إلى حلول مشتركة للأزمة السياسية، لكن ما حصل بالفعل هو وصف المعارضة بالخيانة من قبل النظام العراقي، والدعوة لملاحقتها واغتيال قادتها([47]).

        كما أن من الأخطاء التي ارتكبها النظام والتي أثَّرت سلباً على مستقبله السياسي والاقتصادي، أنه لدى احتلاله للكويت، عمد البعض من أفراده إلى تفريع كامل الكويت من محتوياتها وسلعها، من خلال سرقات الضباط والجنود، وهذا ما جعل الأمم المتحدة تفرض على العراق الكثير من الأموال لسداد ما اقترفه جنودها، مما زاد من تأثير العقوبات الاقتصادية على المواطن العراقي([48]).

        وفي ظل ضعف النظام العراقي نشطت التيارات السياسية والحزبية وتشعبت بعض الأحزاب الأخرى، نتيجة بروز الطابع الاثني والطائفي ؛ فقد انقسهم الحزب الشيوعي العراقي إلى جناحين في أكتوبر 1993، وازدادت قوة الحركة الإسلامية في كردستان وشكلت لها قواعد في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إضافة لازدياد قوة حركة الفيليين الأكراد والإسلاميين التي عملت على لفت الانتباه لمعاناة الشيعة الأكراد الفيليين، ثم ما لبثت أن انضمت إلى البارتي، ثم شكَّل عدداً من الشيوعيين العراقيين حزب جديد سمي (راية الثورة)، الذي انضم فيما بعد إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ،  وتشكل الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وحزب الوحدة الكردستاني عام 1993، إضافة إلى تشكل جماعات كردية حزبية لكنها كانت على أساس عشائري مثل (جميعة العشائر الكردية) التي انشق منها حزب المحافظين الكردستاني ،وظهرت أحزاب دينية أخرى مثل حزب الله الكردي، بزعامة خالد البرزاني ابن عم مسعود البرزاني، ثم حزب الله الكردي الثوري، بزعام (أدهم البرزاني) ، كما شكلت الحركة الديمقراطية الأشورية، التي تضم الجماعات المسيحية، وجماعة مسيحييِّ كردستان الموحدة، وجماعة كلدوآشور الديمقراطية، أيضاً تشعبت التيارات التركمانية في كردستان إلى عدة تشعبات حزبية، أهمها الحزب الوطني التركماني العراقي، وحزب الاتحاد التركماني واتحاد الوطنيين التركماني، وحزب الإخاء التركماني([49]).

        ورغم محاولة النظام العراقي عقب انتهاء مشكلة الشمال 1991، الوصول إلى حلول نهائية مع الجبهة الكردستانية الممثلة بالأحزاب الكردية الثمانية ، لكن لم يتوصل الجانبان إلى حل القضايا العالقة التالية: تحديد منطقة الحكم الذاتي، ووضع مدينة كركوك، ومسئولية الشؤون الأمنية في منطقة الحكم الذاتي ، ووضع دستور جديد، وإقامة نظام سياسي على أساس التعددية الحزبية ومسألة إتاحة حرية الصحافة وغيرها من الحريات، مما حذا بهذه الأحزاب إلى إجراء انتخابات لاختيار برلمان كردي، ليتولى شغل الفراغ الإداري الذي خلَّفه انسحاب إدارات الحكومة المركزية عند إقامة المنطقة الآمنية، وتم حل المجلس التشريعي السابق الذي كانت الحكومة العراقية قد أنشأته ثم تشكيل مجلس وزراء إقليم كردستان العراق، ثم تم استحداث لجنة عمل دائمة للإشراف على عمل اللجان المحلية المختلفة التابعة للجبهة وتنسيق جهودها، وقد أطلق عليها (الهيئة العاملة للقيادة السياسية) من ثماني أعضاء يمثلون أحزاب الجبهة ومقرها أربيل ، وفي التاسع عشر من مايو 1992 جرت انتخابات لتشكيل المجلس الوطني الكردستاني، وشارك في الانتخابات اثني عشر حزباً سياسياً، وقد تم مراقبة هذه الانتخابات من قبل (جماعة القانون الدولي لحقوق الإنسان)، وحصل الحزبان الرئيسيان على أصوات متساوية وهو ما يعادل 50% من الأصوات، ولم تحصل بقية الأحزاب على نسبة الـ7% اللازمة لكي تشغل مقاعد في المجلس الوطني، لذلك اتفق الحزبان الأخيران ، على أن تحصل الحركة الديمقراطية الآشورية على أربعة مقاعد من المقاعد الخمسة المخصصة للأحزاب المسيحية، وبعد شهرين تم تشكيل مجلس وزراء إقليم كردستان العراق، وتم استحداث خمسة عشر وزارة ؛ لكن لم تنشأ وزارة للشؤون الخارجية، ثم أعلن عن عدة قوانين مفصلة تحدد طبيعة الجهاز الإداري، واختصاصات كل وزارة ؛ لكن اندلاع الحرب بين الحزبين الرئيسيين، أدى لتدهور الوضع الداخلي في كردستان، مما حذا ببعض الدول الغربية للتدخل من أجل المصالحة بينهما، وإيجاد حل دائم ونهائي للخلافات السياسية بينهما، تحت صياغة مشروع تضمن عدداً من الأهداف الرئيسية من بينها([50]):

  • إعادة الأوضاع إلى طبيعتها في كردستان العراق.
  • إبعاد الأحزاب السياسية عن التدخل في الشؤون الإدارية.
  • تعزيز دور البرلمان.
  • تبني سياسة موحدة تجاه الحكومة العراقية وغيرها من الحكومات المجاورة للعراق.
  • استخدام نظام للمحاسبة فيما يتعلق بالشؤون المالية لمجلس الوزراء.
  • توحيد قوات الشرطة وقوات الأمن الداخلي.
  • حل المليشيات المسلحة التابعة للحزبين الرئيسيين.
  • إلغاء وزارة شؤون قوات البيش ماركة وتشكيل جيش موحد على أساس التجنيد الإجباري.

لكن رغم ذلك اندلعت الحرب مرة أخرى بينهما، بالرغم من توقيعهما على ميثاق التحالف الذي دعى لنبذ النزاعات المسلحة بين القوى والأحزاب السياسية في كردستان، وإدانة اللجوء إلى أساليب العنف والاغتيال والإكراه كوسيلة لفرض الآراء على الآخرين.

        وقد أدى نظام اقتسام السلطة إلى اضطهاد الأحزاب الأخرى وإرهابها، وممارسة سياسة الترغيب والترهيب ضدها، كما عمل الحزب الإسلامي الكردستاني، الذي لم يحصل على أي مقعد في المجلس الوطني الكردستاني، على إيجاد منطقة نفوذ تابعة له، يمارس فيها صلاحياته التعليمية والقضائية والإدارية، دون أن يستطيع الحزبان الرئيسيان منعه من ذلك بسبب قوته العسكرية، كما أدى اقتسام السلطة أيضاً إلى الشلل الإداري بسبب سياسة المناصفة في تولي المسؤوليات بينهما والتي طبقت على جميع مواقع القيادة والسلطة في الإدارة ، وتعطيل القرارات التي تمس أي من الحزبين من قبل الحزب الآخر والمشاكل بين كل مسؤول ونائبه، حيث كان من أساسيات المناصفة أن يكون المسؤول في حزب البارتي ونائبه من حزب الاتحاد الوطني، أو العكس، وسادت روح الحزبية لدى المسؤولين الإداريين وغاب نظام المحاسبة، وأسيىء استخدام السلطة، حيث أدى ذلك إلى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل المسؤولين وهم بمنأى عن المساءلة أو العقاب، وظهرت ديكتاتورية الفرد ممثلة في كل من زعيم حزبي البارتي والاتحاد الوطني، اللذين لم يحترما استقلال القضاء بسبب تدخلهما في مجرى العدالة، حيث صرَّح جلال الطلباني في يوليو 1994 لمنظمة العفو الدولية أن حزبه ارتكب مجموعة من الانتهاكات لحقوق الإنسان ؛ لكنه لن يتخذ إجراءات لتقديم المتورطين للعدالة بسبب أن الوضع الأمني محفوف بالمخاطر في ظل فقدان الثقة في الأوساط السياسية الكردية، وعجز الموارد ونقص التدريب وانتشار الفساد بالرغم من وجود منظمة حقوق الإنسان في كردستان التي لم يكن لها أي فعالية تذكر([51]).

        وقد اتجه النظام في معالجة هذه الأوضاع إلى استغلال النزعة الوطنية والقومية من خلال إظهار نفسه أن ما حصل له هو بسبب وقوفه في وجه الإمبريالية ونزعته القومية، لذلك أخذ يدعو إلى حب الإنسان لوطنه، من خلال الدفاع عنه وعن نظام الحكم فيه، لكن رأت الكثير من القوى الشعبية أن ما حصل من كوارث على العراق هو بسبب تهور النظام، وأن حب الإنسان لوطنه لا يعني أن يقف مع سياسة النظام، وأن الدفاع عن الوطن يقتضي تخليصه من هذا النظام المتهور، لذلك اتجه النظام إلى استخدام استراتيجية النزعة الدينية لدى الشعب العراقي، من خلال دعوة رموز الأصولية الإسلامية إلى مؤتمرات في العراق ، لكن رغم ذلك استمر ابتعاد الكثير من أبناء الشعب عن النظام حتى أن أعضاء حزب البعث أخذوا يتخلون عنه شيئاً فشيئاً، حيث قُدَّرت نسبة الكوادر الحزبية التي أخذت في هذا الاتجاه بـ40% من الأنصار والمؤيدين ، كما انقلب قسماً منهم على الحزب نفسه، وهذا ما حذا بمجلس قيادة الثورة لإنشاء لجنة خاصة برئاسة وزير الدفاع (علي حسن المجد) للتحقيق والتدقيق في العضوية، وقدمت الحكومة عدد من الإصلاحات أهمها([52]):

  • الميل للتصالح مع الأكراد.
  • إجراء تغيرات وزارية ذات طابع إصلاحي باختيار (سعدون حمادي) رئيساً للوزراء وهو من الشيعة.
  • توسيع دائرة الاعتماد على الجماعة القرابية وبالذات آل المجيد.
  • ميل الإصلاحات العامة باتجاه التعددية مثل طرح مسودة الدستور وقانون للتعددية وقانون للحكم الذاتي.
  • ميل المصالحات الاجتماعية مع كبار ملاك الأرض وشيوخ العشائر في الجنوب لبسط السيطرة على أرياف الجنوب ذات الأغلبية الشيعية.

   ورغم ذلك لم يفلح النظام في حل مشكلاته مع المعارضة ، حيث رأت أن هذه الإصلاحات هي أقل مما تطالب، لذلك استمرت المعارضة في الخارج بالعمل على إسقاط النظام متيقنة أنه لا يمكن إصلاحه، إلا أن هذه المعارضة أصيبت بالكثير من التباينات والخلافات الأيديولوجية، بسبب التعارضات والتباينات حول الحصص القيادية لكل طرف وآليات العمل والعلاقات مع دول إقليمية، حتى قام المصرفي (أحمد الحلبي) بتجميع قوى المعارضة في لندن ثم فيينا بين (16-19) يونيو 1992، وشكَّل المؤتمر الوطني العراقي، وقد مثل الجانب السني في هذا المؤتمر (حسن النقيب)، ومثل الجانب الشيعي (محمد بحر العلوم)، ومثل الجانب الكردي  (مسعود البرزاني)، وقد ركَّز هذا المؤتمر على الأمور التالية([53]):

  • إزاحة الرئيس العراقي وأسرته كشرط أساسي للتغير.
  • إقامة حكم برلماني دستوري جديد.
  • حل القضية الكردية من خلال نظام حكم فيدرالي.
  • التمسك بالسيادة العراقية.

كما لجأت بعض القوى المعارضة الشيعية إلى إيران ، وشكَّلت تنظيمات عسكرية من خلال حزب الدعوة الإسلامية أو حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، وقد أشرف على تدريبها الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإيرانية وبدأت هذه القوى في عمليات داخل العراق، مما حذا بالنظام العراقي إلى التعويل على تنظيمات حزب البعث، وقواه الضاربة التي نظمها في كل من جيش القدس (شبه النظامي) ، وأفواح التدخل السريع على مستوى المحافظات ؛ لإحباط هذا التدخل الإيراني غير المباشر ، إضافة إلى قوات من الفيلقين الأول في كركوك والآخر في الموصل لدحر هذه التحركات([54]).

أيضاً لجأت المعارضة العراقية على تشديد حربها النفسية من خلال الدوائر الغربية وإعلامها، لذلك عمل النظام على كبح هذه الحرب من خلال استغلال عامل الدين حيث شجَّع جماعات دينية كانت معارضة للنظام، لكن هذه الجماعات شكلت تهديداً للنظام بسبب فعاليتها، وهذا ما حذا بالنظام للإنقلاب عليها والعمل على تصفيتها، وعلى هذا الأساس لجأ النظام إلى حشد التأييد له من خلال المغريات المادية التي خصَّ فيها الأشخاص والأجهزة التي تحيط به وتحميه في الداخل مثل تنظيمات حزب البعث وأجهزته الأمنية والمخابراتية والحرس الخاص، دون أن يشعر أنه عمل على خلق مجموعات مستفيدة وغنية، بدأت تحرص على حماية مصالحها المادية أكثر من حرصها على الوطن، لكنها رغم ذلك كانت قوى قادرة ومستعدة لتصفية أي مقاومة داخلية بحكم أن مصيرها ومصير النظام أصبح شيئاً واحداً، إلا أن الولايات المتحدة من خلال عداءها للنظام العراقي عملت على اتباع نفس هذا الأسلوب، في إعطاء مغريات للموالين لها، والمستعدين لذلك، لذلك نجحت في استمالة أعداداً كبيرة من الشخصيات الرسمية والحزبية والعسكرية والأمنية إلى جانبها، كما أن هذا الأسلوب كان سلبياً على النظام العراقي نفسه حيث خلق له نوعاً من الحقد ورد الفعل ضده من قبل الغالبية العظمى من أبناء الشعب الذي يعاني الفقر والفاقة في ظل وجود أقلية منعمة بالامتيازات والمنح المادية والعينية، وهذا ما ولَّد حالة لا مبالاة وانكسار في النفوس ، وعلى هذا الأساس كان النظام قبل احتلال العراق عام 2003 منفصلاً عن الشعب ؛ بسبب عدم قدرته على خلق جبهة موحدة منه على الرغم من الشعور الوطني الطاغي لدى أغلب فئات الشعب العراقي([55]).

        كما أن ما قام به النظام من عملية غير مدروسة حول تجفيف الأهوار قد ساهمت لإساءة علاقته مع الشعب العراقي، حيث أنه بسبب هذه العملية هاجر حوالي نصف مليون عراقي معظمهم من الشيعة، وهذا ما أشعرهم أنهم مستهدفون من قبل النظام([56]).

        وفي ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، عمل النظام على القيام بأعمال ليست ذات فائدة آنية للمواطن العراقي، الذي كان يعاني وطئه الحرمان والجوع والمرض، من خلال صرف كثير من الأموال على إعادة بناء مدينة بابل الأثرية على الرغم من احتجاج علماء الآثار الأجانب أن إعادة البناء بعد إجراء حفريات مستعجلة، ستدفن أشغالاً يدوية وألواح نقوش مسمارية لا تقدر بثمن ؛ لكن رغم ذلك قام النظام ببناءها، وتم نقش اسم الرئيس العراقي على كل حجر من حجارتها، على غرار ما كان معمولاً به في ظل الملك البابلي (حمورابي)، وقد ادعى النظام أنها أقيمت من أجل مجد العراق، ثم عمل على إصدار نقود عليها صورته على أمل أن يخلد اسمه، وليغطي العجز في العملة عمل على زيادة طباعة الدينار العراقي دون أي زيادة في الرصيد الذهبي مما أدى لتضم في العملة الورقية([57]).

        ومما أثار الشعب العراقي أيضاً، أن النظام لم يبال بالتهديدات العسكرية الأمريكية والتي توحي بالضربة الأمريكية لاحتلال العراق، حيث أصدر الرئيس العراقي في نهاية عام 2002 قراراً بالاستعداد ليوم عيد ميلاده في الثاني والعشرين من إبريل، وكان هذا اليوم عطلة رسمية في العراق، وقد أعلنت الدوائر العراقية أن هذا اليوم سيكون أم الحفلات، وأنها قد طرحت مسابقة لرسم صورة الرئيس العراقي، حيث أن الصورة الفائزة ستعلق على مدخل مسقط رأسه في تكريت، لكن سقطت بغداد في التاسع من أبريل بينما كانت الاستعدادات قائمة للاحتفال بعيد ميلاده([58]).

        أيضاً كانت مركزية اتخاذ القرار من الأسباب التي أبعدت البعث عن الديمقراطية في فترة حكم الرئيس العراقي صدام حسين ، فأصبح القرار الفوقي يأتي إلى المستويات الأدنى تحت مبدأ (نفذ ثم ناقش)، وأصبح المهم لدى النظام هو تجنيد الجماهير لصالح حزب البعث من خلال الهتافات بحياة الحزب وقائده، دون أي تحقيق أو تمييز، في ظل التوسع في الأجهزة الأمنية الخاصة، وتوسيع دورها لتشمل كل عناصر الحياة في العراق، لتقرر ما هو المسموح وما هو الممنوع، ولتنعت المعارضة للنظام بالخيانة، وقد دمَّر هذا النهج الإنجازات وأفرغها من محتواها، لأن الإنسان كائن مفكر ينظر ويتدبر ويرفض ويفرح ويحزن ويرضى، ويغضب ومن محصلة فعل هذه المشاعر وتفاعلها يصنع الإنجاز ويخلقه، وللأجهزة أن تراقب حماية المجتمع، وليس أن تقمعه لتحميه، لذلك تخلت الجماهير عن قيادتها عندما شعرت أن قدرة النظام على القمع قد تلاشت بفعل العامل الخارجي، وتحولت الجماهير وقيادتها إلى أداة تخريب وقمع أحرقت كل ما تم إنجازه ولذلك أنهار النظام([59]).

        كما عمد النظام العراقي ضمن إستراتيجيته؛ لزيادة نفوذه وسلطته على الشعب العراقي إلى استقطاب رؤساء العشائر من خلال الاعتذار عن الإصلاحات الزراعية التي حدثت في عهد البكر ، وهذا ما قوَّى من سلطة رؤساء العشائر ومبايعة صدام حسين قائداً أبدياً لهم، كما تم إدخال هؤلاء الرؤساء – رؤساء العشائر- في المجلس الوطني العراقي، حتى أن الرئيس العراقي قد سمى حزب البعث بقبيلة القبائل على أساس أنه البوتقة التي تنصهر فيها جميع القبائل العراقية، وكان هذا السبب في إضعاف الشبكة الأمنية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتزايد الضرائب ونمو التهريب، فتصدعت البنى الاجتماعية والمقومات الأساسية للدولة الحديثة ولم يظهر على الساحة سوى العشيرة ، كما لم يقتصر الأمر على العشائر العربية بل تعداها إلى العشائر الكردية التي كانت تعارض الحزبين الكرديين، وأصبحت الصحف الرسمية تعكس الواقع العشائري، فالصدارة تحتلها برقيات المبايعة من زعماء العشائر وليس برقيات التأييد التي ترسل من المنظمات البعثية، حتى وصل الأمر أن النظام العراقي أصبح يوكل إلى زعماء العشائر مهمة فرض الأمن وجباية الضرائب في المناطق التي يتواجدون فيها، مقابل تسليمها وردَّ الأراضي التي سبق أن صادرتها الدولة، وتعهد النظام بمعاملتهم معاملة خاصة بحيث يعفى شباب هذه العشائر من الخدمة العسكرية، ويعطى رؤساء العشائر جوازات سفر دبلوماسية، ونتيجة لذلك أصبح أبناء العشائر يروِّعون أبناء المدن وخاصة أهالي بغداد، بعد أن أصبحوا قوة مسلحة لها وظائف أمنية في العاصمة، مما أدى لتدهور الأمن وإثارة حساسية بعض أجهزة السلطة، وظهر التناقض بين الأعراف والقوانين، بسبب ما كان يُكنَّه أبناء العشائر من حسد على المدينة، وتجلي ذلك في المواقع التي احتلتها بعض العشائر في الدولة مثل عشائر التكارتة، وقد انتقلت الحساسيات إلى حالات ثأر دموي، فعلى سبيل المثال، انفجر نزاع بين عسكريين (جبوريين) عام 1992 مع عسكريين تكارتة، الذين اتهموا الجبوريين بالتخطيط لانقلاب عسكري، حيث تم إعدام قسماً من الجبوريين وهرب آخرين خارج البلاد، كما انتفض بعض الضباط من عشيرة الدليم عام 1995 بسبب إعدام السلطة لأحد ضباطهم وهو العقيد (مظلوم الدليمي) ، وبسبب ازدياد هذه التوترات بين العشائر اضطر مجلس قيادة الثورة أن يصدر القرار رقم (24) في مارس 1997، بمنع العشائر من التعرض للمواطنين([60]).

        ورغم الأوضاع المتدهورة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، فقد استمر النظام بتمجيد الزعيم الفرد، واستمر بإشادة القصور له ولعائلته، إضافة إلى السيارات الفارهة والحياة الرغيدة، في ظل الجوع الذي يعانيه أبناء الشعب، ولم يقتصر ذلك على الحياة الاجتماعية والاقتصادية بل تعداه إلى إفساد نظام التعليم، حيث انهالت الشهادات الجامعية على الرئيس وأنجاله وأخوته، الذي نجحوا كلهم في الحصول على الدكتوراه بامتياز، وسحبت الدكتوراه ممن رفضوا إعطاء مقربي الرئيس هذه الشهادات مثلما سحبت من أستاذ القانون الدولي البروفيسير (عبد الحسين القطيفي) الذي رفض إنجاح سكرتير الرئيس (الرائد علي العبيدي) في امتحان الماجستير([61]).

        وفي ذات الوقت أخذ النظام يتنصل من التزاماته تجاه الشعب العراقي، فقانون التعليم الإلزامي والمجاني، الصادر في عهد الرئيس السابق أحمد حسن البكر عام 1976، تم تعطيله وانخفضت النسبة الإجمالية للإنفاق على التعليم من الدخل الوطني إلى أقل من واحد بالمائة عام 1994، وبين عامي (1990-1994) أغلقت حوالي تسعمائة مدرسة، وزادت الضرائب على المواطنين، وأصبح أكثر من نصف التلاميذ بلا مقاعد دراسية، ووصلت معدلات الرسوب في المدارس والجامعات إلى أكثر من 71% بسبب الفقر والاضطرار للعمل، ورغم تقلصها بعد القبول بتطبيق قانون النفط مقابل الغذاء في الرابع عشر من أبريل 1995، إلا أنها ظلت كبيرة قياساً بالحالة قبل احتلال الكويت، حيث كانت 320 مليون دولار، فأصبحت عام 1998 (23) مليون دولار، أي بانخفاض قدره عشر أضعاف رغم زيادة عدد السكان ، ورغم ازدياد موارد العراق من النفط عقب فتح خط الأنابيب المار بسوريا والذي وصل دخله إلى مليار دولار سنوياً([62]).

        كما أثَّرت هذه العقوبات على أداء المعلمين وأساتذة الجامعات ؛ بسبب قلة المعنويات وازدياد المرضى وشحة الموارد التعليمية وقلِّة وسائل النقل، وقلِّة الكتب المدرسية، وعدم قدرة وزارة التربية والتعليم على طبع أي كتاب بسبب عجزها عن الحصول على مواد الطباعة الضرورية، وعدم قدرة الجامعات على الحصول على كتب جديدة أو معدات جديدة، وانخفاض التحاق التلاميذ بالمدارس، والعزلة الفكرية التي عانتها الجامعات، حيث افتقر أعضاء هيئة التدريس إلى الوسائل البشرية والمادية لمواصلة الاتصال بالتطور في حقول تخصصاتهم، مما جعل الكثير منهم يترك الجامعات والمدارس، ويسعى لمغادرة البلاد، أو يمارس أعمالاً أكثر أجراً مثل قيادة سيارات الأجرة ، وازداد تغيب التلاميذ عن المدارس، والطلاب عن الجامعات وهبطت المستويات الأكاديمية في المؤسسات التعليمية كافة فقد ارتفعت نسبة الأمية من 20% قبل الحصار إلى 40% عام 1998([63]).

        أيضاً ظهر الفساد وتفشى في أوساط الأسرة الحاكمة، التي لم تراعي التقاليد الاجتماعية للشعب العراقي، وهناك أمثلة كثيرة تؤيد ذلك، منها على سبيل المثال أن وزير الداخلية العراقي عام 1991، عمد إلى إلغاء إحدى البيوت التي تخل بالأخلاق مما أثار أخو الرئيس العراقي وطبان إبراهيم الحسن، فعمد النظام إلى إقالة وزير الداخلية، بتهمة الفساد وتعيين وطبان مكانه، ثم صودرت أملاكه بطريقة غير شرعية، أيضاً كان ابن الرئيس العراقي (عدي)، لا يتورع عن الإتيان بأي فتاة تعجبه، حيث استمر بهذا النهج خلال هذه الفترة، والكثير من هؤلاء الفتيات كن يأتين إليه من أجل أبيهم أو أخيهم الذي اختفى في سجون المخابرات أو طلباً للمال في ظل الفقر، أو من أجل وظيفة في الدولة، حيث كان له جماعة خاصة يأتون له بهن، وقد كان يستغل الحفلات الجامعية للتعرف على الكثير منهن، وقد كان يعاملهن بكل قسوة، بعد أن ينهي رغباته منهن، وبسبب هذه الممارسات اللاأخلاقية فقد تعرَّض لعدة محاولات اغتيال آخرها جعلته معاقاً بعد أن أصيب بشكل مباشر من خلال إطلاق نار عليه، وتعدى فساده إلى المجال الصحي حيث حوَّل المستشفى الحيدري إلى المستشفى الأوليمبي الخاص به، وقد اضطر الكثير من المواطنين للمعالجة فيها إبان الحصار، لأن المستشفيات الحكومية أصبحت لا تفي بمتطلبات الناس، ونقص اهتمامها بالمرضى، رغم أن التكاليف في المستشفى الأوليمبي كانت كبيرة جداً، لذلك اضطر الكثيرين منهم لبيع بيوتهم وأثاثهم من أجل العلاج، لكن هذا لم يكن ليتقوى لولا سلوكيات الرئيس العراقي نفسه التي لم تكن أقل من هذه الأعمال الغير مقبولة، فقد كان صدام حسين مولعاً بالنساء، وكان يختارهن ويقلدهن مناصب في إدارات الدولة والإذاعة، ويستغلهن في كشف أسرار المسئولين،([64])، وهذا ما تسبب لهؤلاء المسئولين والإداريين في الكثير من حالات التسريح والسجن والإعدام، فقد كانت شبكة النساء التي تعمل لصالح النظام لها دورها الكبير في الحياة الخاصة للرئيس العراقي والحفاظ على نظامه، وقد كان يقدم لهن الأموال، ويقوم بتسفيرهن للخارج من أجل السياحة والمتعة في أوروبا، فعلى سبيل المثال كان تعيين وزير الخارجية العراقي (ناجي صبري الحديثي)، الذي كان سفيراً للعراق في النمسا، على خلفيه إفراطه في الاهتمام والاستقبال لإحدى السيدات اللواتي بعثهن الرئيس العراقي للسياحة في فيينا، مما حذا بها إلى امتداحه وطلب تعيينه وزيراً للخارجية، بدلاً من محمد سعيد الصحاف في نوفمبر 2001، وبالمقابل تم طرد رئيس المكتب الهندسي الذي كان يعمل لصالح قصور الرئيس العراقي، بسبب انتقاد تلك السيدة له لدى الرئيس ، والسبب الآخر لتعيين الحديثي وزيراً للخارجية، بسبب إعدام الرئيس العراقي لأخيه مرتضى الحديثي الذي كان يشغل وزيراً للخارجية، على خلفيه اتهامه بالاشتراك بانقلاب ضد النظام فتعبيراً عن حسن النوايا، تم تعينه بهذا المنصب، كما أنه بسبب اهتمام الرئيس العراقي بالمرأة العراقية، بسبب ما أعطاها من قوانين لصالحها، مثل الفرض على الرجل أن يتكفل بمصروفات مطلقته، وأن ينتظر ثلاث سنوات قبل أن يسمح له أن يخرجها هي وأطفالها من البيت الذي كانا يسكناه معاً، ويصبح كل ما في البيت من أثاث وممتلكات من حق المرأة في حالة الطلاق، كما أعطى المرأة حق الانفصال عن زوجها، كل هذه الأمور أثارت رجال الدين في العراق([65]).

        وامتد فساد الأسرة الحاكمة إلى الوسط الأكاديمي التعليمي، فقد كان الصراع بين الأجيال قد أدى ببعض النافذين من هذه الأسرة ومقربيهم، حيث كان من أسباب اهتمامها بالعمل للحصول على أعلى الشهادات من ماجستير ودكتوراه، وهي لا تملك إلا الشهادات الإعدادية والثانوية على الأكثر، بسبب أنه قد هالها أن ترى أن أجيالاً أصغر منها تمتلك تلك الشهادات، لذلك عمل أفراد هذه الأسرة ومقربيهم على الحصول على البكالوريوس والليسانس والماجستير والدكتوراه بزمن قياسي من جامعة بغداد، فعلى سبيل المثال حصل عدي على جميع شهاداته حتى الدكتوراه في العلوم السياسية، بتفوق لا يجاريه أحد فيه، ووسط تهليل المشجعين، وتبعه الفريق (عبد حمود) الذي كان يشغل السكرتير الشخصي للرئيس العراقي، ثم صهر الرئيس العراقي جمال مصطفى (زوج  ابنته حلا)، ثم أخو الرئيس العراقي سبعاوي إبراهيم الحسن، حيث حصل كل هؤلاء على الدكتوراه في القانون والاقتصاد السياسي، كما تم ترتيب شروط خاصة في كلية القانون والعلوم السياسية في جامعة بغداد لتهيئة الفرصة لكبار رجال المجتمع العراقي من أجل تحسين مؤهلاتهم الدراسية، وكان يتم الإعلان عن نتيجة الامتحان قبل عقدها، وكل أستاذ جامعي يرفض إعطاءهم هذه الشهادات أو إنجاحهم يهدد بالطرد من عمله أو بالسجن ، إضافة للتوصية على أبنائهم لدى أساتذة الجامعة فعلى سبيل المثال، ابن السكرتير الخاص بالرئيس، حصل على جميع الشهادات في الطب بزمن قياسي، ثم تم تعيينه بعد حصوله على الدكتوراه مباشرة عميداً لكلية الطب، وقد انتقل هذا الداء إلى جميع أرجاء الدولة، حيث أصبح المدرسون يتلقون من التلاميذ والطلاب، رشوة مقابل إنجاحهم([66]).

        وقد ظهرت سياسة النفاق بالنسبة للإداريين والمسؤولين عن القطاع الصحي، حيث ساد التملق من خلال الكثيرين، فعلى سبيل المثال كان الطبيب الخاص للرئيس العراقي في مجال التجميل يذكر له أن مركز صدام لجراحة التجميل على أحسن ما يرام ، رغم أن العكس هو الصحيح حيث كان يهتم بأسرة الرئيس التي كانت تهتم بالقيام بعمليات تجميل لبناتها([67]).

        لقد هدف الحصار إلى تدمير السيادة العراقية عبر تفتيش القصور الرئاسية ومراكز الجيش والأمن والوزارات والجامعات من خلال ما يعرف ببرنامج التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل ، حيث تم تدمير الإنسان العراقي ومحو أدميته تحت عنوان وجوب الالتزام بأحكام القانون الدولي فقد أوصل الحصار المجتمع العراقي إلى حدود لا يعود فيها قادراً على تحمل تكاليف الحياة إلا بالثورة على نظامه السياسي الموجود في ظل حصار أمريكي ودولي أكثر ما يؤثر على الشعب العراقي الذي دمَّرت شخصية أفراده ، وتم تجريدهم من كرامتهم الإنسانية وإذلالهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم وشغلهم لهموم البقاء على قيد الحياة بعد أن كان الإنسان العراقي قد وصل قبل الحصار إلى مرحلة الإبداع العلمي وأصبح قادراً على كسر احتكار المعرفة ، فكان لابد من كسر إرادته وإخراجه من حلبة التاريخ من خلال تدمير النظام الصحي والتعليمي لإنتاج أجيال مريضة وجاهلة من الشعب العراقي([68]).

        في ظل ظروف الحصار ظهرت أيضاً المنافسة على الحكم والتناقضات داخل الأسرة الحاكمة نفسها ، حيث تراجعت حظوظ بعض أفراد هذه الأسرة ؛ بإقالة علي حسن المجيد عن وزارة الدفاع وإبعاد صهره حسين كامل المجيد عن معظم أعمال التهريب بعد أن كان شريكاً لابنه عدي ، مما زاد من الخلافات بين الرجلين وهدد عدي صهره بالقتل ، مما حذا بالأخير إلى الهرب إلى الأردن ، وطلب حق اللجوء السياسي بعد أن أعطى معلومات كاملة عن أسلحة الدمار الشامل حينما كان وزيراً للصناعة الحربية في الثمانينات ، لكن الأردن ما لبث أن تخلى عنه نتيجة لضغوط خارجية مقابل أن يصل هو وأخوته الهاربين معه وأهمهم الصهر الثاني لصدام حسين وهو صدام كامل المجيد على عفو خاص وضمانات قدمت لوالدهما مقابل رجوعهما إلى العراق ؛ لكن حينما رجعا إلى العراق تم قتلهما على يد عائلة المجيد على أساس أن هذه العشيرة قد محت العار لوريث شرف العائلة ، وقد انعكست هذه العملية على ولدي صدام حسين عدي وقصي ، اللذين تعرضا لمحاولة اغتيال بعد ذلك رغم أن البعض يرى أن هاتين العمليتين الفاشلتين كانتا من رموز المعارضة الشيعية([69]) وبذلك أثبت النظام أنه لا يتورع عن قتل كل من يخون أو لا يمتثل لأوامره حتى وأن كان أقرب المقربين.

        وكان للطبيعة القمعية للنظام العراقي دور في ابتعاد الشعب عن النظام وازدياد الهوة بينه وبين النظام حيث كان هذا النظام يحظر كل عمل سياسي فعلي، عدا تنظيمات حزب البعث الحاكم والجبهة القومية التقدمية ، لذلك اضطرت القوى السياسية الإصلاحية المعارضة للعمل في الخارج تحت ظروف غير ملائمة لممارسة سياسية صحيحة حيث كانت المعارضة العراقية الوحيدة المنظمة في المنفى وكان أمامها عدة خيارات أمام التأكيد الأمريكي لاحتلال العراق ، وهو إما الوقوف إلى جانب النظام العراقي على اعتبار أنه نظاماً وطنياً يقاوم الغزو الأجنبي المرتقب إلا أن هذا الخيار سيفوت على المعارضة فرصة التخلص من النظام الذي جلب الكثير من الكوارث على العراق وفقدان استقلالية المعارضة في علاقتها بالنظام دون الحصول على أي وعد بالإصلاح الداخلي وسيعقبها دعم الخارج لها وخاصة الولايات المتحدة ، أما الخيار الثاني فكان بالوقوف على الحياد بين النظام السياسي والمحتل وهذا أيضاً سيكلفها عدم دعم المحتل لها في قيادة الدولة الجديدة وظهور أو خلق قوى جديدة ستسيطر على الدولة الجديدة فتكون أفكارها مخالفة لقوى المعارضة.

        وعلى هذا الأساس كانت اللقاءآت لقوى المعارضة قد انتقلت إلى المرحلة العملية لإسقاط النظام بدءاً من مؤتمر لندن في يوليو 2002 الذي حضره عدداً كبيراً من قيادة المعارضة العراقية ، مثل رئيس المؤتمر الوطني أحمد الجبلي ورئيس حركة الوفاق الوطني إياد علاوي وممثل حزب الدعوة إبراهيم الجعفري وممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر الحكيم ورئيس حزب البارتي مسعود البرزاني ورئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني ورئيس الحركة الملكية الدستورية الشريف علي بن الحسين الذي كان يرى أتباعه أن حل مشكلة العراق تكون من خلال عودة الملكية الدستورية إلى العراق ، إضافة لعدداً كبيراً من الضباط العراقيين في المنفى ، وقد دعى المؤتمر ضباط الجيش العراقي للانقلاب على النظام وتأسيس جماعة من أجل العمل للمبادئ الديمقراطية كجزء من مشروع مستقبل العراق الذي وضعته الولايات المتحدة ، أما المؤتمر الثاني فكان في ديسمبر 2002 في لندن أيضاً وحضره أكثر من ثلاثمائة شخصية عراقية مثلت أكثر من خمسين جماعة عرقية ودينية وسياسية على قمتها فصائل المعارضة العراقية الأساسية ، وقد ناقش المؤتمر تقرير المؤتمر السابق حول الانتقال إلى الديمقراطية في العراق وشكل الدولة العراقية بعد الحرب ، ودعت بعض القوى إلى الفيدرالية لكن تحفظت بعض القوى على الفيدرالية كما رفض كل من حزبي الدعوة والمجلس الأعلى إسقاط النظام عن طريق التدخل العسكري أو المشاركة في ذلك ، بينما وافق البعض الآخر ثم عقد المؤتمر الثالث في فبراير 2003 في منتجع صلاح الدين في شمال العراق قرب مدينة أربيل ، وشاركت فيه نفس القوى السابقة لكن ظهرت بينها خلافات على من سيخلف النظام العراقي في حكم العراق وما هي طبيعة الفيدرالية التي يطالب بها الأكراد ومن سيمثل السنة في حكم العراق([70]).

        وحول الانتخابات الرئاسية التي كان النظام يقيمها لمبايعة رئيس الجمهورية على الرئاسة فقد كانت على شكل استفتاء يرأسه قادة النظام العراقي ويفوز فيه الرئيس بنسبة 99.99% فعلى سبيل المثال فاز الرئيس في انتخابات أكتوبر 1995 بهذه النسبة بعد أن أشترك 8.4 مليون عراقي لهم حق التصويت ، حيث كانت البطاقات تملئ بنعم أو لا كما عمل مندوبو حزب البعث على ملء استمارات من لم يصوت لسبب ما([71]).

        وبخصوص الوضع الاقتصادي بين الشعب والنظام وتأثيره على الوحدة الوطنية ، فقد ارتبط هذا الوضع دائماً بالعاملين الاجتماعي والسياسي كون الاقتصاد محرك السياسة ، حيث لم تكن الحرب على الكويت واحتلالها إلا بسبب العامل الاقتصادي الذي عاناه العراق قبل الحرب ، حيث وصلت ديونه إلى ثمانين مليار دولار وانهارت أسعار النفط إلى أقل من إحدى عشر دولار أي أقل مما كانت عليه عام 1980 ، وأصبحت الدول الدائنة تطالب بديونها وبذلك تراجعت مكانة العراق لأنه لم يعد بمقدوره أن يقدم نفسه بأنه حامي مصالح النخبة الحاكمة من خطر إقامة نظام سياسي إسلامي بدعم إيراني ؛ بسبب تخوفه من المأزق الاقتصادي الذي أخذ يتخبط فيه([72]).

        لقد أثَّر احتلال الكويت سلباً على اقتصاد العراق حيث فرض مجلس الأمن حظراً تجارياً واقتصادياً تاماً على العراق وجمدت الأموال العراقية والكويتية وأغلقت أنابيب تصدير النفط الوحيدة التي يمتلكها العراق عبر تركيا والسعودية ، ثم نشبت الحرب على العراق لإخراجه من الكويت بعد أن رفض الانصياع إلى قرارات مجلس الأمن الخاصة بالانسحاب من الكويت حيث تم انسحابه من الكويت بعد أن أيقن أن هذا الانسحاب مفيد ويحافظ على بقاء النظام المبني على صلات ديكتاتورية عشائرية([73]).

        ودمَّرت الحرب التي قامت بها قوات التحالف ضد العراق ؛ لإخراجه من الكويت بنيته التحتية وفرض تعويضات متوجبة عليه تجاه الكويت والدول التي تضررت من احتلال العراق للكويت ، واستمرت الديون التي كانت عليه في حرب الثماني سنوات ونشأت العقوبات الاقتصادية على الصادرات والواردات ما عدا الأدوية والأطعمة ومنع استمرار الآلات والأسمدة الزراعية والمبيدات الحشرية والمواد الكيمائية المزدوجة الاستعمال ، وقطع الغيار بما فيها قطع غيار المولدات الكهربائية وآلات تعقيم المياه وانتشر سوء التغذية والأمراض وارتفعت معدلات الوفيات بين الأطفال ، وقد حاولت الأمم المتحدة التخفيف من معاناة الشعب العراقي عبر إعطاء الحكومة العراقية فرصة لبيع ما قيمته 1.6 مليار دولار أمريكي من النفط عام 1992 ؛ لتغطية تكاليف الغذاء والدواء ؛ لكن رفض النظام العراقي هذا العرض بسبب إصرار الأمم المتحدة على مراقبة الأموال التي سوف يجنيها العراق وهي الاحتفاظ بنسبة 30% لتحويلها لتعويضات حرب ، إلا أنه في عام 1996 وافق العراق على بنود القرار 986 الصادر عن مجلس الأمن الذي يسمح للعراق بدفع ما قيمته ملياري دولار من النفط كل ستة أشهر لشراء ضروريات الشعب العراقي من المواد الغذائية والخدمية ، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 5.52 مليار دولار من النفط بنفس المدة السابقة بموجب القرار 1153 الصادر من مجلس الأمن لعام 1996 ، ثم ارتفعت في أكتوبر 1999 إلى 8.3 مليار دولار وقد وافق العراق مقابل ذلك بأن يعطى العراق المبلغ المتبقي بعد حسم نسبة مئوية ثابتة لتغطية تعويضات الحرب ، ووافق على عمل فريق اللجنة الخاصة بنزع الأسلحة وتخصيص مبلغ معين يحوَّل مباشرة إلى المنطقة الكردية في الشمال وأن تقوم الأمم المتحدة بتوزيع المؤن المشتراه على الشعب العراقي أملاً في تحقيق المساواة([74]).

        إلا أن نظام النفط مقابل الغذاء الذي وضعته الأمم المتحدة خلال الفترة 1996-1999 ؛ قد أعاق الإنفاق بشكل مكثف على استيراد الأغذية وغيرها من الضرورات ، حيث أن نظام التفتيش التي تم وضعه لضمان وصول البضائع إلى القطاعات الأكثر هشاشة للشعب العراقي ، لم يكن ملائماً بما يكفي لتغطية كافة أنحاء العراق أو اختراق شبكة المحسوبية والمحاباة التي تم توزيع الواردات على أساسها حيث واصلت الحكومة العراقية استخدام معاناة الشعب العراقي في إطار حملتها لرفع العقوبات ، وفسَّرت نقص البضائع على أنه بسبب قسوة الولايات المتحدة وحلفائها ، في نفس الوقت الذي واصل فيه النظام العراقي استعمال نظام الثواب والعقاب الذي خدمها في الماضي ، وكان سبباً للبؤس الذي يسيطر على أغلبية الشعب العراقي([75]).

        لكن بنهاية التسعينات تراخت العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق وأصبح العراق ينتج بين عامي 2001-2002 ما يقدر بحوالي 2.8 مليون برميل يومياً ، وهذا ما جعله يعود كقوة اقتصادية كبيرة حيث بلغ دخله من النفط خلال هذه الفترة حوالي اثني عشر مليار دولار وحوَّلت نسبة 13% من العائدات النفطية إلى منطقة الحكم الذاتي الكردية ؛ إضافة لما تم تصديره من كميات كبيرة من النفط بشكل شبه سري خارج مراقبة الأمم المتحدة عبر تركيا وإيران والأردن وسوريا بعد إعادة فتح خط الأنابيب المار بسوريا عام 2000 ، وهذا ما زاد في الدخل القومي بقيمة ملياري دولار سنوياً وبناءاً على ذلك عاد العراق يستورد البضائع والمعدات لدفع عملية الاقتصاد والتطور نحو الأمام ؛ خاصة بعد أن وافق مجلس الأمن على عقود مع العراق بقيمة ثلاثين مليار دولار ومحاولات العراق للعودة إلى السوق النفطية عبر معرض بغداد في نوفمبر 2001 ، والذي استقطب ألف وستمائة شركة واشتركت فيه سبع وأربعين دولة وانخفضت أسعار البضائع إلى حد ما في السوق الداخلية ، وعقدت الحكومة العراقية صفقات تجارية مع دول مجاورة للعراق ومع أعضاء دائمين في مجلس الأمن وهي روسيا وفرنسا والصين على أمل مساعدتها في التخلص من العقوبات المفروضة عليها بإشراكها في السوق العراقي ودخولها فيه([76]).

        لم يدرك مجلس الأمن عندما قرر العقوبات على العراق أنه قرر العقوبات على الشعب العراقي أكثر مما قرره على النظام العراقي ، حيث كان ادعائه في ذلك أن من يمثل الشعب وهو المجلس الوطني العراقي قد وافق بالإجماع على احتلال العراق للكويت في جلسته التي عقدها في الرابع عشر من يناير 1990 دون أن يعلم أن هذا المجلس ليس له سلطة تذكر أمام قرارات الرئيس ومجلس قيادة الثورة الذي يوافق بدوره على جميع قرارات الرئيس ، حيث تحَّول العراق بسبب هذه العقوبات من مجتمع ثري مجهز ببنية تحتية حديثة ونظامين للتعليم والصحة يعدان بين أكثر هذه النظم تطوراً في الشرق الأوسط إلى بلد مؤلف من قطاعات ضخمة من المواطنين الفقراء والمحرومين المحكومين بالعيش في أقل من دولار واحد في اليوم ، وأصبح الأطفال والشيوخ والنساء والشبان في أسوء الأحوال في ظل التعطيلات الروتينية والبيروقراطية القاهرة وقيود الميزانية وتصميم بعض القوى العظمى في مجلس الأمن على عدم السماح للنظام العراقي باستعادة كل مقدرات سيادته مما زاد في افتقار الشعب العراقي ؛ وتفكيك نسيجه الوطني تحت ذريعة تفكيك أسلحة الدمار الشامل([77]).

        أصبح العراق في ظل الحصار في حالة ضعف شديد وبأمس الحاجة إلى استيراد مواد غذائية وأدوية وسلع صناعية للحفاظ على بنيته التحتية المعقدة ونظامه الصحي ؛ وكان للأرصدة المجمدة وصناعة النفط المتداعية والواردات المقننة تأثير سريع ومدمر في الاقتصاد والبنى التحتية والاجتماعية والمادية وفي معيشة الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي ، وكان الإبقاء على هذا الوضع مدة طويلة قد أدى إلى وفيات وحالات عوز على نطاق واسع وكل ذلك بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل رغم أن السبب الذي أوجد العقوبات الاقتصادية على العراق قد انتفى بانسحاب العراق من الكويت إلا أن مجلس الأمن استمر بفرض العقوبات الاقتصادية مؤكداً استمرارها وفق القرار 687 الصادر بتاريخ الخامس عشر من إبريل 1991 فانتشر سوء التغذية والأمراض المستفحلة والسارية مثل الحصبة وشلل الأطفال والكوليرا والتيفوئيد والسعال الهزالي والسعال الغذائي ، واستمرت البنى التحتية دون صيانة أو إعادة بناء من محطات الكهرباء ومرافق المياه والصرف الصحي والجسور المدمرة والسكك الحديدية المدمرة في ظل تبعية كاملة للغذاء المستورد من الخارج ؛ مما أصاب الشعب العراقي بالإحباط والإنهاك رغم أن النظام العراقي لم يتأثر لا بالهزيمة ولا بالحصار ، بل استمر كما هو وكان مستعد للتضحية بالشعب العراقي من أجل استمراره ، والدليل على ذلك كان برفضه للبرنامج الإنساني للأمم المتحدة {706-712} على أساس أن تدخل الأمم المتحدة في عوائد النفط هو تدخل في سيادته بعد أن أكدت الأمم المتحدة ضرورة اقتطاع جزءاً من أموال النفط المصدر لدفع تعويضات للدول المتضررة من احتلال الكويت ؛ كما أدعى أن وجود المفتشين الدوليين ورضوخه لهم هو إهانة لكبرياء العراق ذو الحضارة العظيمة والعريقة([78]) ، دون أن يدرك هذا النظام أن للضرورات أحكام، وأن معايير القوة والحاجة تفرض على الدول الكثير من التنازلات ليس من أجلها كدول ، بل من أجل شعبها وأطفالها.

        ولم يكن برنامج النفط مقابل الغذاء الذي قبل به العراق بعد ذلك كافياً لسد احتياجات الشعب العراقي ، خاصة أن مصدر التمويل لهذا البرنامج كان من أموال العراق النفطية وليس من المساعدات الخارجية وهذا مما أثار الشعب العراقي ضد قرارات الأمم المتحدة التي رأى أنها تستغل موارده ، وبذلك تأثر بالدعاية العراقية التي تؤكد نظرية المؤامرة على العراق نتيجة صموده فلم يسمح للعراق ببيع كميات من النفط في السوق الدولية إلا تحت إشراف الأمم المتحدة وكان يتعين استيراد المؤن الإنسانية في ظل ضوابط صارمة في مجلس الأمن ، ولم يكن بالإمكان شراء سلع محلية بمقتضى برنامج النفط مقابل الغذاء رغم أن مصدر التمويل كان عوائد العراق النفطية([79]).

        أثرت حرب الخليج الثانية على الشعب العراقي أيضاً من خلال تخريب وتدمير صناعة النفط والمؤسسات العراقية الخاصة التي أهملت ، ولم يسمح بإعادة تأهيلها إلا بالتصليحات الأساسية لها ، وأضطر البنك المركزي العراقي إلى التخلي عن وظائفه لخزينة الأمم المتحدة وتعين إيداع كل مدخول النفط فيما يسمى حساب النفط العراقي في بنك باريس الوطني {BNP} ، وتولت الأمم المتحدة التفاوض بشأن الرسوم وأسعار الفائدة المتعلقة بالودائع العراقية على حساب بنك باريس الوطني ، ولم يكن للسلطات العراقية سبيل إلى النقد الأجنبي ولا إلى مدخول الضرائب العراقية ؛ لأنه لم يكن هناك دافعوا ضرائب في ظل الاقتصاد العراقي المشلول ، أما بالنسبة لموجودات العراق في الخارج بما فيها موجودات المواطنين العراقيين الأفراد فقد جُمِّدت وأصبح العراق كبلد والمواطنون العراقيون يعتمدون على مجلس الأمن للبقاء على قيد الحياة ؛ خاصة في السنوات الأولى للحصار ، وقد شجعت هذه الأموال نمو مافيا اقتصادية نافذة مرتبطة بالنظام العراقي من خلال التفاف رجال هذا النظام على قوانين التجارة وتصدير النفط غير المشروعة عبر الدول المجاورة([80]).

        وكان من نتائج الحصار أن انخفضت قيمة الدينار العراقي وقلت القوى الإنتاجية لقطاع النفط حيث لم تتجاوز العقود العراقية التي سمح لها بالتنفيذ البنكي من مجمل العقود العراقية التي أبرمتها الحكومة العراقية في ظل برنامج النفط مقابل الغذاء فانخفض الدخل الفردي بانخفاض قيمة الدينار العراقي إلى أقل من ستون ألف بالمائة ، وأصبحت كلفة المعيشة لعائلة مكونة من أربعة أفراد بحدود خمسون دولاراً وانخفضت الرواتب بشكل كبير وازداد الاختلال الاقتصادي الهيكلي والإفلاس المالي وانحطاط المؤسسات والإدارات الاقتصادية والمالية الحكومية على مختلف المستويات([81]) ، وهذا ما أثَّر سلباً على المواطن العراقي الذي أُجبر على بيع أثاثه المنزلي وأمتعته الشخصية لشراء الغذاء ، كما انتشرت ظاهرة تسول الأطفال والبغاء ، وتلوث مياه الشرب وتناقص الحصص التموينية والأدوية حتى وصل عدد الأشخاص المتوفين نتيجة الأوضاع الصحية المتدهورة ونقص الأغذية اللازمة للأطفال إلى حوالي نصف مليون شخص عام 1994 ، وقد أدى هذا الحصار إلى وقف 90% من الاستيراد و97% من التصدير لبلد يعتمد على الأسواق العالمية في تصدير نفطه ، وعلى 80% في شراء المواد الغذائية و60% من مستلزمات الإنتاج الصناعي ، بعد أن تم تدمير ما قيمته مائتي مليار دولار بسبب إلقاء 88500 طن من القنابل والقذائف عليه ،  وقد قدرت خسائر العراق بسبب الحظر حوالي 19.1 مليار دولار سنوياً ، وعلى هذا الأساس انخفض دخل الفرد من 1796 قبل الحرب إلى 161 دولار في ظل زيادة التضخم بفعل عوامل عديدة ؛ أهمها الإفراط في عرض النقود ومحدودية السلع والخدمات المعروضة حتى وصلت قيمة الدولار إلى ثلاثة ألاف دينار عراقي ، وأصبح معظم الشعب العراقي تحت خط الفقر ومات تحت وطأة الفقر حوالي مليون عراقي حسب تقديرات جامعة هارفارد([82]).

        فانخفضت القدرات الشرائية للمواطن العراقي وافتقد إلى أبسط سبل الراحة والاستقرار مثل السكن والسيارة الشخصية ، وانتشرت حالات الفساد الإداري في الدولة بشكل أكبر بكثير مما كان سابقاً ؛ مما تسبب في أضرار كانت نتائجها سلبية على الكثير من المواطنين العراقيين([83]).

وبالنسبة لبرنامج النفط مقابل الغذاء الذي اقترحته الأمم المتحدة في 15 أغسطس 1991 ، فقد كان رفض هذا البرنامج من قبل العراق ، لأنه كان يتضمن ملياري دولار يؤخذ منها ثلاثون بالمائة للأفراد والشركات والحكومات التي تضررت من الخسائر نتيجة غزو العراق للكويت ، كما تم اقتطاع 2.2% لعمليات نزع السلاح ولمصاريف البرنامج الإنساني فكان المبلغ الفعلي هو 66% أي ما يعادل 1.32 مليار دولار ، وهذا ما كان يعني أن للفرد العراقي الواحد 32 سنت في اليوم تشمل مواد غذائية وطبية وزراعية وكهربائية وصرف صحي وتعليم([84]) وهذه بالطبع لم تكن لتكفي المواطن.

وترسخت داخل الوزارات العراقية المسئولة عن توزيع السلع ومعدات النفط مقابل الغذاء برامج شراء وتموين مفرطة في التبسيط ، وكانت هذه الوزارات لا تمارس أي نوع من أنواع التخطيط لتوقعاتها أن العقوبات سترفع قريباً ؛ لذلك لم ترصد موارد من أجل تدريب معلمين وفنيين ومديرين وسواهم من موظفي الحكومة ، ولم يكن هناك خطط لإدخال تحسينات إدارية على الوزارات وغيرها من الأجهزة الحكومية ، وغياب المحاولات  بغية تنفيذ خطط وطنية أو لتحديد أولويات وطنية ، إضافة لغياب التمويل للإسكان والاتصالات اللاسلكية وإصلاح وصيانة صناعة النفط إنتاجاً وتسويقاً ؛ بسبب ما أصابها من أضرار خلال حرب الخليج الثانية ، ونقص الإهتمام بالشباب العراقي وانخفاض التعليم إلى مستويات دنيا تقل عن مائة دولار لكل فرد سنوياً([85]).

وعند قبول الحكومة العراقية لبرنامج النفط مقابل الغذاء ؛ جرى التعاون بينها وبين الأمم المتحدة في مجال تنفيذ خطط التوزيع فتم شراء مؤن إنسانية للقطاعات المشمولة في الميزانية بتعاون بين السلطات الكردية ووكالات الأمم المتحدة فمواد البناء على سبيل المثال اشتراها مركز الأمم المتحدة للتعمير من أجل إسكان وإعادة التوطين أما وسائل التعليم والكتب المدرسية فقد فتحت من خلال وزارة التعليم العالي واليونسكو وبقي شراء الأغذية والمنتجات الطبية مسئولية الحكومة المركزية في بغداد من منطلق أن الأمن الغذائي والوقاية الطبية هي لجميع العراقيين بالتساوي ، لكن الروتين وسوء الإدارة كان عاملاً من عوامل إفساد توزيع المواد الغذائية على وسط وجنوب العراق والذي منح 80.3% ؛ بينما حصل الأكراد في الشمال على 19.7% رغم أن عددهم لا يتجاوز ما أعطوا من نسبة من هذه المواد([86]).

هذه الآثار الاقتصادية قد أثرت على نفسية الشعب العراقي الذي بدت على وجوه أبنائه معالم التعب والحزن والأسى ، وهو يرى أن نظامه يهتم ببناء قصور رئاسية خلال فترة الحصار مع استمرار بذل الأموال لتماثيل وصور الرئيس في جميع أنحاء العراق وهو بجميع الأوضاع فهو قائد عسكري ورجل رياضي ومعلم ، ومرب للأجيال حيث يظهر محاط بالأطفال في كثير من الصور المعروضة في الأماكن العامة ، وكل ذلك بدل أن يهتم بوسائل النقل والمواصلات ، حيث كانت ناقلات النقل العام قليلة ؛ مما جعل الناس ترتص على شكل أرتال واقفين في صفوف طويلة منتظرين دورهم بصبر ، وقد كانت هذه القطارات أو الحافلات في حالة سيئة أما سيارات نقل الغذاء فقد كانت في منتهى السوء وأزيلت أجهزة الإنذار من سيارات الإسعاف بالرغم من ضرورتها ، ولم يستطع برنامج النفط مقابل الغذاء سد النقص لدى فئات الشعب العراقي من الغذاء ، حيث أصبحت قيمة السعرات الغذائية أقل من المقبول وافتقرت إلى البروتينات والفاكهة والخضراوات ، وتعرَّضت الآلات الزراعية والمدخلات الموسمية وخاصة المبيدات الحشرية ومعدات الري وقطع الغيار لمنع قاس ،وتأخر مجلس الأمن في الموافقة على إعادة تأهيل الصناعات القائمة على العنب والطماطم في كردستان العراق ؛ مما ألحق الأضرار بالاقتصاد الكردي المحلي ، وهذا جعل العراق يضطر لاستيراد صلصة الطماطم وعصائر الفواكه من الخارج بأسعار عالية جداً ، وقلت الحبوب والأسمدة والجرارات والمبيدات ومولدات الضخ وزادت فترات انقطاع التيار الكهربائي وعرقلة عمليات الشحن نتيجة البيروقراطية.

 هذه الأمور أدت إلى ارتفاع معدل الوفيات والأمراض ولم يستطع العراق إعادة تأهيل المستشفيات والمصحات الطبية بعد الحرب ، بسبب القيود الصارمة التي فرضت عليه في عمليات الشراء للإمدادات الطبية والمختبرات ومعدات التشخيص والمواد الكيميائية واللقاحات ، وقلة أماكن التخزين للمواد الطبية وعدم توفر الشاحنات المزودة بمبيدات ونقص في الأدوات الإدارية الحديثة وخاصة في أجهزة الحاسوب ، كما افتقر المسئولون الصحيون وكليات الطب في الجامعات العراقية إلى الإلمام بأساليب العلاج الحديثة ؛ لأن استيراد المطبوعات العلمية والمهنية كان محظوراً ، وعلى هذا الأساس وجدت دراسة لليونيسيف في مايو 2000 ، أن نصف أطفال العراق دون الخامسة ، كانوا يعانون من الإسهال أما اللذين هم في سن المدرسة فقد ذهب أكثرهم للعمل خارج المنزل فازداد الهروب من المدرسة في ظل تلقي المدرس أقل من عشرة دولارات في الشهر ، ولم يدرك مجلس الأمن أن من حق الأطفال في الدراسة توفير كامل احتياجاتهم كما هو منصوص عليه في المادة {26} من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان([87]).

لقد كان التلاميذ يتلقون العلم على أيدي معلمين مفتقرين إلى دورات تدريبية منذ أعوام ، وأصبح همهم الأساسي تأمين مورد مالي أكثر مما هو تأدية دورهم التعليمي ، بقصد الحصول على دخل إضافي ، وافتقار المدارس إلى التجهيزات المدرسية ، إضافة إلى افتقار التلاميذ للأقلام والأوراق والكتب المدرسية ، خاصة بعد أن منعت أنظمة البريد الأمريكية والبريطانية من إرسال مواد تعليمية إلى العراق واضطرار الكثير من أساتذة الجامعات العراقيين إلى الهجرة إلى خارج العراق بحثاً عن عمل بعد أن أصبحت مرتباتهم 45 دولاراً في الشهر ، وبناءاً على ذلك ارتفعت نسبة الأمية من 20% قبل الحرب إلى أكثر من 50% عام 1998 ، في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 75% وأخذ الكثير من ذوي المؤهلات العليا يعملون في مهن وضيعة([88]).

كان تبديد النظام للامتيازات الخاصة لأعضاء الحزب وعدم اهتمامه بسد العجز في الأغذية أو فشله في ذلك ، وظهور الفساد الإداري ؛ قد شجع الدوائر الغربية على نشر شائعات أن النظام العراقي لا يهتم بالجانب الإنساني للشعب العراقي ؛ على اعتبار أنه يمد الأكراد بسلع غير صالحة للاستهلاك البشري وفاسدة وأنه يتاجر بالمواد الغذائية ، رغم أن هذه الشائعات غير صحيحة ، لكن وجدت لها صداً لدى الأكراد حيث كانوا يشكون في كل ما هو آت من السلطة بالرغم من أن المنطقة الكردية حصلت على مواد صحية أكثر من المناطق الجنوبية حتى وصلت إلى 65% من المواد الصحية ، بينما 30% من بقية أنحاء العراق ، ولم تتعرض مناطقهم لإجراءات عرقلة الإمدادات مثل بقية مناطق العراق التي صاحب نقص المواد الغذائية فيها عدم معالجة مياه الشرب ، وتلوث مياه دجله بالنفايات وتسرب المياه من الأنابيب الرئيسية وهذا ما أدى إلى وفاة الكثير منهم في ظل عدم وجود أدوية وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من اثني عشر ساعة يومياً ، وهذا ما جعل الكثير منهم يتمنون أن تحصل لهم خدمات كالتي في المنطقة الشمالية ولو على حساب سقوط النظام العراقي([89]).

وبسبب عمليات التهريب للنفط غير الشرعية ضربت القوات الأمريكية الجوية محطة تكرير النفط في زاخو في الثامن والعشرين من فبراير 1999 تلك المحطة التابعة للموصل ، رغم أن هذا التدخل غير شرعي ، وخسر العراق بسبب ذلك ما مقداره 1.5 مليار دولار سنوياً ، إلا أن هذه الأموال لم تكن تساعد على التخفيف من معاناة الشعب العراقي وإعادته إلى الحياة الطبيعية ؛ لأن الأنظمة الديكتاتورية لا تسمح لشعوبها أن تعيش حياة طبيعية فعلى سبيل المثال ، رغم عدم كفاية الموارد المتاحة لصيانة المستويات الدنيا من الحالة المادية والذهنية للمواطنين العراقيين والقصور الخطر في فرص الحياة للشباب العراقي ، والتأثير الإضافي لأعوام العجز وظروف الحياة الصعبة ، وعلامات استنفاذ قدرات المواطنين العاديين على تدبر أمورهم بطرق شرعية ومحترمة ، إلا أن النظام العراقي لم يبال بذلك ، فعلى سبيل المثال في عام 2001 انخفض سعر النفط من 25 دولار إلى 15 دولار ، مما حذا بالنظام العراقي إلى تخفيض صادراته النفطية من 2.1 مليون برميل إلى 1.4 مليون برميل في اليوم الواحد ، على أساس أن النظام العراقي يحتج على صيغة التسعيرة التي أرادت الأمم المتحدة طرحها ؛ منعاً لجباية رسوم إضافية غير مشروعة من النفط ، ورغم ارتفاع سعر البرميل في 11 مايو 2002 إلى أكثر من 25 دولار للبرميل ، إلا أن النظام العراقي زاد من تخفيض إنتاجه إلى 1.2 مليون برميل ، ثم عمد إلى استغلال المشاعر القومية بإيقاف ضخ النفط في فترات محدودة تعاطفاً مع الانتفاضة الفلسطينية ، وهذا ما زاد من وفيات الأطفال التي وصلت إلى 120 حالة في الألف أي 12% ؛ نتيجة سوء التغذية وانخفاض مستويات المساعدات الإنسانية وانخفاض السعرات الحرارية للفرد إلى أقل من النصف ما قبل عام 1995 ، وازدياد نسبة الأمية وتراجع عدد طلاب المدارس ، لكن رغم ذلك لا يمكن أن نضع كل اللوم على النظام العراقي ؛ نتيجة فشله في الخروج من الأزمة ؛ لأن لقرارات الأمم المتحدة تأثير سلبي يساهم في هذه المأساة الإنسانية حيث أكدت المادة 50 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 أنه من الخطأ إنزال عقاب جماعي ؛ بسبب أفعل أفراد ليس للسكان أي مسؤولية عنها ، لكن مؤشرات وفيات الأطفال وسوء التغذية والأمية خلال سنوات الحصار تثبت عكس ذلك([90]).

لقد ضعفت الطبقة المتوسطة في ظل الحصار ؛ نتيجة فشل الحكومة العراقية في حل المشكلة أو التقليل من آثارها السلبية ، ونتيجة زيادة الضغط على الحكومة العراقية من قبل الأمم المتحدة ؛ بسبب أن هذه الطبقة تعتمد في رفاهيتها ونشاطها على النفط ، لكن أصبح العراق في ظل الحصار محكوماً بعوامل اقتصادية أهمها العقوبات عليه وحظر عليه تصدير النفط ، وتم تجميد الأرصدة العراقية ومراقبة وتفتيش برامج التسليح الصاروخية والكيميائية والنووية ، وقضايا حقوق الإنسان في العراق ؛ لذلك تم إضعاف الدولة العراقية التي كانت تسيطر على القوة الاجتماعية للثروة وهي المالك والمنتج لها ، ومن منطلق التغطية عن فشلها الاقتصادي أخذت تتهم التجار أنهم السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية فقامت بحملة إعدامات في أغسطس 1992 شملت اثنين وأربعين تاجراً اتهموا بالتلاعب بالأسعار ، رغم أن الأسعار واصلت صعودها مع استمرار العملة العراقية بالانهيار ؛ مما حذا بالدولة العراقية إلى إعادة الاعتبار لهؤلاء التجار الذين أعدموا ووصفتهم أجهزتها الرسمية بشهداء ساعة الغضب([91]).

ورغم انخفاض الظاهرة الاستهلاكية خلال فتره الحصار وزيادة الإهتمام بالقطاع الزراعي الذي بلغت أهميته النسبية نحو 32.4% من إجمالي الناتج المحلي ، وتراجع الأهمية النسبية لقطاع الصناعات الإستخراجية إلى 5.6% فقط ، بينما ظلت الصناعات التحويلية في مستواها المتواضع الذي وصل إلى 7.6% من إجمالي الناتج المحلي عام 2000 ؛ لكن رغم ذلك صاحب ذلك انخفاض في الدخل القومي بالرغم من ارتفاع الدعم السعري من 5.571% مليار دينار عراقي عام 1995 إلى 349 دينار عراقي بين عامي (1994-1995) ؛ لكن في النصف الثاني من عقد التسعينات اتجه البنك المركزي العراقي نحو التوسع في الإصدار النقدي لمعالجة العجز في الميزانية العامة ، وهذا أدى لارتفاع المعدل العام للأسعار فقد بلغ الرقم القياسي لأسعار المستهلك إلى 161.2 عام 1995 بينما ارتفع إلى 99792.1 عام 1995 ، وانخفضت تعويضات العاملين من 1178.8 مليون دينار قبل الحصار في عام 1989 إلى 1178.8 مليون دينار عراقي عام 1996 ، كما أدى الحصار إلى تباطؤ الاستثمار وانخفاض تكوين رأس المال الثابت العام من 7743 مليون دولار عام 1989 إلى حوالي 26 مليون دولار عام 2000 ، وهذا أدى لإضعاف المقدرة الإنتاجية للنشاطات الاقتصادية ؛ فانخفضت قيمة الناتج المحلي عام 2001 إلى ثلث مستواها قبل الحصار ، وهذا من أسباب ازدياد الفقر في العراق كما ترتب على التوسع في توسيع الفرص بدلاً من تكافؤ الفرص إلى اضطرار السياسة الاقتصادية إلى التدخل فيها لما لها من تأثير سلبي ، كما ازداد تدخل الدولة في التجارة الداخلية والخارجية رغم وجود توازن نسبي بين القطاعين العام والخاص ، إلا أن محصلة هذا التأثير أدت إلى الفصل بين التنمية الاجتماعية ونظرتها الاقتصادية وانحراف توزيع معطيات الاقتصاد الذي غلبت عليه سمات الريعية على المسارات الموضوعية للتنمية الاقتصادية ، وما يثبت أن كل هذه الأمور قد شلت الاقتصاد العراقي هو تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 15.9 مليار دولار عراقي قبل الحصار إلى 3.4 مليار دينار عراقي عام 1994 ، بحسب أسعار الدينار العراقي عام 1980 ، وبذلك بلغت نسبة التدهور نحو 78% في ظل تراجع دخل الفرد إلى 161 دولار في نفس تلك السنة([92]).

كما أنه رغم تخصيص الكثير من الشركات العامة بتحويلها إلى ملكيات مشتركة وخاصة ، بلغ عددها في نهاية 1992 خمسة آلاف شركة ، حيث لم يكن للحكومة العراقية منها سوى اثنين وأربعين شركة أكثرها شركات للنقل العام ومحطات تعبئة الوقود والمخازن الكبيرة والمصانع ، وصدر مرسوم يقضي ببيع القسم الأكبر من حصص شركة الخطوط الجوية العراقية إلى الجمهور ، لكن هذه السياسة لم تكن سياسة فاعلة لإدارة الاقتصاد بقدر ما كانت تهدف إلى أمر آخر يهدف القائمون عليه ؛ لاقتسام الثروات مع أفراد الحلقة الضيقة للنخبة الحاكمة ؛ في ظل ذلك انهارت الطبقة الوسطى ووصلت إلى حد الكفاف ، ولمواجهة ذلك عملت الحكومة على استيراد ستون بالمائة من حاجتها من الحبوب واللحوم في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء ، واعتماد نظام خاص للتموين من أجل توفير المواد الغذائية الرئيسية ، لكن لم يستطع النظام التخفيف من مآسي الشعب العراقي بهذه الحلول ، حيث أصبحت المبادلات التجارية بالمقايضة وهذا ما يعني الرجوع إلى فترات بعيدة في تاريخ البشرية فبدلاً من الانصراف إلى عد ما لديهم من نقود ، فإنهم راحوا يقومون بوزنها داخل أكياس لتحديد قيمة ما يحمله كل كيس ؛ ونتيجة ذلك أصبح أفراد الشعب العراقي قلقون على مصيرهم وعلى حاجاتهم اليومية بعد أن أصبحوا يبيعون أثاث منازلهم وأبوابها وأصبحت الفتيات يبعن أجسادهن من أجل لقمة العيش ، وأصبح أساتذة الجامعات يبيعون السجائر للإيفاء بمتطلبات الحياة بعد أن عجزت مرتباتهم عن توفيرها في ظل وجود أكثر من ستمائة ألف أرملة عراقية فقدن أزواجهن في حربي الخليج الأولى والثانية ، وقد أعتبر الكثير من أفراد الشعب العراقي أن أخطاء النظام هي التي أوصلت الشعب إلى هذه المشاكل والمحن ، وفي مواجهة هذا الاستياء لجأت الحكومة العراقية إلى تقديم بعض الإعانات المالية لدعم مختلف الصناعات وتحويل برنامج النفط مقابل الغذاء إلى صندوق نقد شخصي لشراء العواطف الزائفة ؛ بهدف الحصول على ولاء المواطنين عبر توزيع أربعة مليارات دولار كل عام عليهم في مجال الأطعمة والبضائع الأخرى منذ عام 1996 ؛ فتم تسليم سائقوا سيارات الأجرة سيارات جديدة بتخفيضات كبيرة ، وتقديم مكافآت للعناصر الموالية للنظام مثل أجهزة الحاسوب ، كما استفاد بعض أصحاب الصناعات من دعم الدولة لهم ، لكن هذه الإجراءآت لم تؤد إلى تخفيف معاناة الشعب العراقي ، وبالمقابل استمرت الحكومة في مراقبة أصحاب الشركات العراقية فيما لو عملوا على الاتصال بالخارج ،وخشي هؤلاء من مساءلات الحكومة لهم فيما لو قاموا بترويج بضائعهم بالخارج ،وذلك لما كان من أجهزة النظام وزبانيته من أخذ الخوات منهم وإلا فسيكون مصيرهم الأذى ، بالرغم من أن معظم الصناعات والأعمال التجارية الكبيرة كانت تحت سيطرة عائلة الرئيس ومقربيه([93]).

وفي ظل الحصار تحوَّل الكثير من الأعمال التجارية المشروعة إلى نشاطات غير مربحة لهم ، وأصبحت العديد من السلع الاعتيادية بعيدة المنال في السوق المشروعة ، وانتشرت نشاطات السوق السوداء والجريمة المنظمة ؛ لذلك عمد النظام إلى استخدام أسلوب الترهيب من خلال دعايته ونشر بعض البرامج المرئية والمسموعة في الإذاعة والتلفزيون التي تبيِّن قدرة الحكومة على كشف مخططات المخالفين والمجرمين بنظرها ، رغم أن الخروج على القانون أصبح مسألة عادية فانتشرت الفوضى والرشوة ؛ للتخلص من كل العراقيل والعقبات البيروقراطية التي تقف حائلاً دون القيام بأي عمل تجاري أو صناعي ، كما أن انتشار حالات التهريب بين التجار ولَّد بمرور الوقت ملوك عمليات التهريب ورجال عصاباتها ، وتكنوا باسم (قطط الحصار) وهي تسمية عكست شعوراً جمع بين الاستخفاف والحسد في آن واحد ؛ بسبب ما حققوه من أرباح سريعة وطائلة من خلال تكديس مختلف البضائع في الدول المتاخمة للعراق ، وكان أفراد هذه الفئة يقومون بتهريب سلعهم إلى داخل العراق كلما ارتفعت الأسعار في ظل الظروف المضطربة للتضخم المالي لاقتصاده ، ومعظم أفراد الشعب يعاني من عسر اقتصادي وفقر ؛ إلا أن (قطط الحصار) برزوا باعتبارهم أفراد النخبة الغنية الذين لم يكن لديهم من الخجل ما يحول دون تبجحهم العلني بما يحققونه من نجاحات على صعيد العمل التجاري ، خاصة أنهم كانوا مرتبطين بكوادر حزب البعث وقد أساؤوا للشعب العراقي ؛ بسبب تصرفاتهم مثل تبجحهم بقدراتهم الشرائية العالية في محلات الأزياء الفاخرة في أرقى المحلات التجارية في العاصمة وركوبهم لأرقى السيارات المرسيدس وشراءهم لأغلى أنواع المجوهرات ، ثم برزت المنافسات بينهم للسيطرة على الأسواق حتى تحوَّلت الأسواق إلى نظام قائم لذوي الأهلية العليا في عالم الرذيلة والفساد والإجرام ، وقد استطاعت هذه الفئة من بسط نفوذها على تشكيلات عرقية وإثنية وطائفية واسعة من فئات الشعب المختلفة ، إضافة لاستمالة أعضاء النظام الحاكم لهم من خلال الأموال([94]).

وقد ظلم النظام العراقي شعبه حينما حرم الكثير من أبناء الشعب العراقي في الجنوب من الحصص التموينية في ظل الحصار ، كما أخذ أفضل الأدوية ومعدات المستشفيات وحوَّلها إلى القيادات المختصة للنخبة الحزبية والحرس الجمهوري وأهتم ببناء القصور الرئاسية التي كلفت مليارات الدولارات على حساب البنية التحتية المدمرة للعراق كما ،وعمل النظام على تحويل ثلث الناتج المحلي على القوات المسلحة ، ولم يقم بحل مشكلة النفايات البشرية التي كانت تلقى في نهري دجلة والفرات ،وكانت معظم مشاريع الدولة وصناديق الائتمان والمصارف ملكاً لأشخاص أكثر من كونها ملكاً للدولة لهذه الأسباب كانت المشاريع الحكومية تخسر([95]).

لم يستطع النظام العراقي خلال فترة الحصار التعويض عن الخسائر التي لحقت به بعد هزيمته في حرب الخليج الثانية وتدمير موجودات عراقية قدرت بـ 232 مليار دولار وتعويضات الكويت عن الأضرار التي أصابتها نتيجة الاحتلال حسب قرار مجلس الأمن الدولي المرقم بـ 678 لعام 1991 بـ 240 مليار دولار ، وهذا ما انعكس على الوضع الاقتصادي للعراق من ناحية البنية التحتية ومرتكزات الاقتصاد العراقي ومستوى الخدمات المقدمة للمواطنين العراقيين ، وأصبح العبء الاقتصادي الذي يعاني منه الشعب العراقي كبيراً وتضائل حجم الاستيراد وتدمير الصناعات العراقية الوطنية([96]).

أن عدم إدراك النظام أنه غير قادر على خوض حرب الخليج الثانية كان كارثياً على الشعب العراقي([97]) ؛ فلو كان هذا النظام يدرك بالمنطق العملي أنه لن يستطيع الصمود في هذه الحرب وتداعياتها لما كان قام بهذه الحرب أو تحدى الإرادة الدولية ؛ فالعراق بلد يستورد 75% من غذائه و 97% من صادراته هي من النفط وبلغت عام 1989 حوالي 15 مليار دولار ، بينما وارداته 17 مليار دولار ، وقد أشارت إحصائيات المقاطعة الاقتصادية على العراق والتي نشرت في سبتمبر 1995 أن مخزون العراق من السلع هو كما يلي:

  • مخزون الأرز يكفي لأقل من أربعة أشهر.
  • مخزون القمح يكفي لأقل من شهر.
  • مخزون الشعير يكفي لأقل من عشرة أشهر.
  • مخزون الذرة يكفي لأقل من عشرة أشهر.
  • قطع الغيار العسكرية تكفي لأقل من عام.

وأن الحرب لو اندلعت فلن تستمر لأكثر من شهرين على الأكثر ، وأن العقوبات الاقتصادية ستؤثر على العراق خلال ستة أشهر من تطبيقها عليه، لكن النظام الذي أرجع العراق سنوات طويلة للوراء بسبب عدم ادراكه هذه الأمور ، فقبل وصول صدام للسلطة تكونت نخبة علمية مهتمة بالبحث العلمي في العراق وتحوَّلت إنجازاتها العلمية بمجال الإنتاج إلى تقنيات عسكرية ومدنية ، وأكدت تقارير دولية أنه كان من المفترض أن هذا التطور سيرشح العراق للتحول إلى دولة صناعية متطورة بحلول عام 2000 ، لولا الحرب التي خاضها النظام العراقي([98]).

لكن لم يكن هذا الخطأ الوحيد الذي ارتكبه النظام العراقي نتيجة سوء تقديره ، فقد كان سوء تقديره الأول حول احتلال الكويت كما صرح بذلك نائب رئيس الوزراء العراقي للشئون الاقتصادية إبان حرب الخليج الثانية أن العراق كان سيتمكن من تسديد ديونه خلال أقل من خمسة سنوات ، وسيتضاعف إنتاجه من النفط إلى 4.6 مليون برميل بدلاً من 3.1 مليون برميل ، بحيث يصبح دخله السنوي ثمان وثلاثين مليار دولار ، وقد يصل مستقبلاً إلى ستين مليار دولار ، وسيتوسع القطاع الخاص بعد دمج القطاعين الخاص والعام ، وسيزداد الإنفاق العراقي على مشروعات التنمية والواردات ، لكن تبددت هذه الآمال بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم ستمائة وستون بتجميد الأرصدة العراقية والكويتية ؛ ثم العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الدولية الإلزامية على العراق والكويت التي تسببت بخسارة سبعة عشر مليار دولار([99]).

ورغم ذلك لم يبال النظام العراقي في ظل الحصار بالتخطيط الاقتصادي ؛ فظل يرتكب الأخطاء التي تعود بالاقتصاد العراقي إلى الوراء ، فعلى سبيل المثال كان قرار النظام بإلغاء مجلس التخطيط الذي استبدله بوحدة أطلق عليها “جهاز” ضمن تشكيلات وزارة التخطيط ويتشكل هذا الجهاز من وزير التخطيط وعضوين ممثلين عن مكتب رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والمالية وثلاثة أعضاء من موظفي الدولة ، وحدد القانون مهام المجلس بتقديم المشورة والاستشارات لمجلس الوزراء([100]).

جدول رقم (23)

الناتج المحلي الإجمالي – حصة الفرد من الناتج بالأسعار الثابتة على أساس أسعار   1980 – خلال الفترة (1990-1993)

السنةالسكان  (مليون)الناتج المحلي الإجمالي(م8)حصة الفرد من الناتج(S)
199018.916.4868
199119.912.3627
19922011.1555
199320.610485

المصدر: عباس النصراوي ، ص 194.

جدول رقم (401)

مقارنة تبين استهلاك المواطن قبل وبعد حرب الخليج الثانية

الأغذية

 

التجهيزات المدعومة للشخص الواحد خلال

عام 1989 بالكغ

التجهيزات المدعومة للشخص الواحد خلال العام 1996 بالكغ
قمح (دقيق)15كغ7كغ
أرز3.28كغ1.2كغ
سكر3.4كغ0.5كغ
شاي0.25كغ0.1كغ
زيت طبخ1.28كغ0.75كغ
حليب رضع3.06كغ1.7كغ

المصدر : تقرير معهد التغذية العراقي “العراق” وزارة الخارجية أثار الحصار الاقتصادي الشامل على العراق (بغداد – الوزارة – 2000) ، أنظر أيضاً تيم نبلوك-العقوبات والمنبوذون في الشرق الأوسط (العراق-ليبيا-السودان)  بيروت مركز دراسات الوحدة العربية – 2001 ص 78

ج

جدول رقم (1-7)

الوفيات الشهرية بين الأطفال

بسبب الأحوال الصحية قبل وبعد حرب 1991

الحالة الصحيةعدد الوفيات في فبراير 1989عدد الوفيات في فبراير 2000معدل الزيادة
الإسهـــــال10413771224.04%
فقر الدم والأمراض المعدية15820041800%
ســوء التغذيـــة9425602623.4%

المصدر: تيم بنلوك ، ص 87.

جدول رقم (1-8)

الوفيات الشهرية بالنسبة للبالغين فوق سن الخمسين

بسبب الظروف الصحية قبل حرب الخليج 1995.

الحالة الصحيةعدد الوفيات في فبراير 1989عدد الوفيات

في فبراير 2000

معدل الزيادة
أمراض القلب والضغط7593735.21%
أمراض السكر90589554.44%
الأورام الخبيثة3181868487.421%

المصدر: تيم بنلوك – ص 87.

جدول رقم (1-9)

الوفيات الكلية بسبب الظروف الصحية (1989 – 1999)

السنةالأطفال أقل من 5سنواتالسكان فوق

5سنوات

المجموع
198971102022427334
199089042356132464
1991274735846985942
19924693376530123463
19934976278261127023
19945290580774133681
19955582382961138784
19965699783284140281
19975884585942144878
19987127988760160039
1999535796057117236
المجموع4824997226011205100

المصدر: تيم بنلوك – سابق ذكره – ص 88.

جدول رقم (1-10)

إنتاج القمح والشعير  خلال الفترة (1990-1997) بالمليون طن

السنة/ السلع19901991199219931994199519961997
القمح1.21.511.21.31.21.31.1
الشعير1.91.21.51.610.91.30.8

المصدر: تيم بنلوك ، ص 97.

لقد أيقنت المعارضة العراقية في  الخارج أنه لا يمكن إسقاط النظام وإحداث التغيير في العراق ؛ إلا من خلال الدعم الخارجي ، لذلك عملت على الاتصال بالدوائر الأمريكية في الخارج فأصدر الكونجرس الأمريكي في خريف 1998 قانون تحرير العراق وخصص له مائة مليون دولار أمريكي([101]) وقد عزا البعض أن أسباب احتلال العراق هي([102]):

  • فشل النظام في إيجاد الديمقراطية في البلاد فظل هدفه الأول والأخير هو الاستمرار في الحكم بغض النظر عن حل القضايا المهمة مثل القضية الكردية.
  • عدم الاهتمام بالتهديدات الأمريكية للعراق ، حيث ظلَّ الرئيس العراقي يجتمع مع قيادات التصنيع العسكري والطاقة الذرية ، ويظهر ذلك في البرامج المرئية ، مما شكك الولايات المتحدة الأمريكية أنه من الممكن أن يمتلك أسلحة دمار شامل ، خاصة بعد أن عسكر المجتمع العراقي بشكل أكبر من ذي قبل من خلال تشكيله لما سمي بجيش القدس الذي جمع كل فئات المجتمع العراقي ، وضمَّ (5-7) مليون فرد ، لكنهم دون تدريب أو انتظام أو جدية.
  • حرص الرئيس العراقي على تكديس ملايين الدولارات في أماكن نائية غير منظورة مثل حدائق القصر الجمهوري ؛ الملاصقة لنهر دجلة ؛ على أمل إعادة بناء ما ستخربه الحرب بعد انتهائها من تدمير للقصور الرئاسية والمواقع الرسمية ، بظنه أنها عاجزة عن احتلال العراق وتغيير نظام الحكم فيها.
  • حالة اللامبالاة التي اتسمت فيها تصرفات الكثير من أبناء الشعب العراقي حتى أن البعض اعتقد أن الاحتلال سيكون أرحم من النظام الموجود ، وسيوفر مستقبلاً أفضل للشعب العراقي ، كما أن الكثير من ضباط الجيش الذين أقسموا للدفاع عن النظام أثبتوا أنهم غير مستعدين للتضحية في سبيله وفي سبيل وطنهم.
  • اعتقاد النظام بعدم وجود الضرورة لإجراء تغيير في سياسته وحتى بعد وصول المحافظين الجدد إلى السلطة في الولايات المتحدة ، وإعلان نيتهم في إسقاط الحكم العراقي ؛ حيث ظل النظام يسخر من هذه التهديدات ويتظاهر بإمكانية امتلاك أسلحة الدمار الشامل لصد العدوان ، وهذا ما أثار فضول المجتمع الدولي ضده الذي ظن أنه فعلاً يمتلك هذه الأسلحة.
  • أعتقد النظام أن الولايات المتحدة لن تجازف في مواجهة عسكرية مباشرة دون إجماع دولي معها وأن كل ما ستقوم به هو تدمير القصور والمنشآت العسكرية، وقد رسَّخ هذا الاعتقاد عند جميع العسكريين.

لذلك اقتنع أقطاب المعارضة العراقية ، والكثير من أبناء الشعب العراقي أن هذا النظام غير قابل للإصلاح وغير قادر على حل الأزمات التي يعاني منها المجتمع العراقي ، وأن الحل لن يأتي إلا من الخارج ، وهذا ما يفسر حالة اللامبالاة التي اتسمت بها تصرفات الكثير من أبناء الشعب العراقي منذ بدأت الحرب على العراق عام 2003.

لكن تثار تساؤلات كثيرة حول أن النظام العراقي استمر طيلة اثني عشر سنة ولم يسقط من الداخل رغم كل هذه التناقضات المحددة لعلاقات النظام بالشعب العراقي ، وتفسير ذلك يكمن في الأمور التالية([103]):

  • تشابك المصالح للنخبة التجارية الارستقراطية مع مصالح العناصر الرئيسية في النظام.
  • الجهود الواسعة التي بذلها حزب البعث في التكوين العقائدي للشعب العراقي خلال فترة حكمة باستعمال القنوات التعليمية والإعلامية ؛ تحت تصرف الدولة وقد تعمق هذا التأثير على أساس أن حماية العراق هو الذي سبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية للشعب العراقي الذي يحمل الرسالة البعثية الخالدة ، وأن الاستعمار هدفه إسقاط النظام من أجل إثارة النزعات الطائفية والعرقية وتقطيع أوصاله من خلال كل من إيران وتركيا ذوي المطامع في العراق.
  • غيَّرت العقوبات الاقتصادية التوازن بين المجتمع المدني والدولة ، وأضعفت المجتمع المدني مؤكدة على قوة الدولة ؛ فالكفاح اليومي من أجل الغذاء والدواء وتحمل صعوبات الحياة الأخرى في ظل الضعف الذهني والبدني الذي أصاب الشعب العراقي ، جعله لا يفكر سوى بتأمين قوت يومه خاصة أن نظام الحصص يفرض سلطة الدولة على المجتمع المدني ؛ لأن الشعب يعتمد عليها وهذا ما عزز معرفة الدولة بتفاصيل كل عائلة وتكويناتها واحتياجاتها وحركة أفرادها ؛ إضافة إلى معرفة الشعب العراقي أن السلطة تملك المعلومات ولديها القدرة لحرمان الأشخاص المعارضين من البطاقات التموينية ، وهذا مما جعل هؤلاء يخافون من ذلك فكان نظام الحصص التموينية إحدى وسائل اختراق السلطة لهم.
  • النجاح الذي حققته الحكومة العراقية لإصلاح البنى التحتية في البلاد وإعادة تعميرها عقب حرب الخليج الثانية ، وضمان حصول الشعب العراقي على الحصص التموينية والدعاية العراقية التي أوهمت الشعب أن العراق مستهدف وتتآمر الدول الإمبريالية عليه بغية إلحاق الأذى به وتقسيمه من خلال مشاريعها العدوانية ، إضافة إلى تخوف الشعب العراقي أن أي تحول في النظام السياسي في البلاد ؛ سيؤدي لحرب طائفية وعرقية وإلى صراع اجتماعي وتقسيم البلاد.
  • عدم ثقة الشعب بالخارج وبقرارات الأمم المتحدة لما لحقه من أذى بسببها.

وبذلك نستطيع أن نصل أن النظام العراقي قد فشل في التعامل الإيجابي مع الشعب العراقي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ، حيث استمرت ديكتاتورية الحزب القائد الذي يرفض أي تغيير سياسي في المجتمع رغم إيحائه بالقبول بالتعددية وإيجاد دستور دائم ، لكن على الواقع العملي كان النظام يرفض أي معارضة حقيقية له أو تشكيك بقراراته الداخلية والخارجية والإقليمية والطائفية والاثنية والحزبية ، حيث أنه استقطب عشائر معينه على أمل أن تكون له سنداً ودعماً وابتعد عن عشائر أخرى رأى أنها لا تواليه ، كما أنه استمر في المحاباة تجاه سكان المناطق الوسطى بتعينهم في المراكز الحساسة على حساب سكان الجنوب (الشيعة) ، وسكان الشمال (الأكراد) ، ولم يستطع إقامة جهة وطنية موحدة تجمع فئات المجتمع العراقي وتقلل من الفجوة بين النظام وفئات الشعب العراقي المختلفة ، كما أن الحصار الاقتصادي على العراق كان له تأثيره السلبي على المجتمع العراقي والشعب العراقي ، حيث أن ما عاناه الشعب العراقي بسبب هذا الحصار الذي أوصله إلى العصور الوسطى في ظل الفقر والتخلف ، جعلته يتيقن أن أخطاء النظام هي التي سببت له هذه الكوارث كما فشل النظام في ترشيد الموارد المتاحة لتقليل معاناة الشعب وازدياد الفجوة بين الطبقة العليا التي ينتمي إليها النظام مع شبكة المهربين والتجار الذين أساءوا للنظام العراقي من خلال تعاليهم عليه واستخفافهم بمشاعره ، فانتهت الطبقة الوسطى وأصبح أكثر من ثلاثة أرباع الشعب العراقي يعيش تحت خط الفقر ، وفي ظل هذه الظروف بدا للكثيرين أن سقوط النظام هو الحل النهائي لحل مشاكل العراق وخروجه من أزمته.

ثالثاً : مدى تحقيق الحرية والعدالة والمساواة

لقد اتَّسم النظام في ظل أزمة الخليج الثانية وما بعدها بالضعف الشديد ، لكن هذا الضعف انعكس بالسلب على أبناء الشعب العراقي الذي عانى الأمرين نتيجة هذه الحرب وما تبعها من حصار اقتصادي قاس ، لم يؤثر على النظام بقدر ما أثر على أبناء الشعب العراقي، فكل قرارات النظام على المستوى الداخلي أو الخارجي كان لها تأثيرها المباشر على الشعب العراقي ، واتسمت معظم هذه القرارات بتأثيرها السلبي على الشعب العراقي ، فقد قدمت منظمة الأمم المتحدة من خلال لجانها المتخصصة في مجال حقوق الإنسان تقارير تؤكد الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان في العراق ، تلك التي قام بها النظام العراقي ضد أبنائه وقد نتج عن هذه التقارير أن الولايات المتحدة وحلفائها أخذوا يتذرعون بها ؛ لإبقاء العقوبات على العراق كوسيلة لإضعافه واحتوائه ، لكن أكَّد نظام العقوبات على مدى تسعة سنوات أنه لم يكن له تأثير على ديكتاتورية النظام ، بل أدى إلى زيادة معاناة الشعب العراقي([104]).

كان النظام العراقي يتخذ قرارات تشدد على العقوبات بدل أن تخفف ، حيث أنه كان في حالة ضعف ، ورغم ذلك قام بمنع اللجنة الخاصة بنزع الأسلحة من تنفيذ مهامها على أساس أنها السبب وراء استمرار العقوبات ، مما حذا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى القيام بعملية (ثعلب الصحراء) في ديسمبر 1998 التي دُمرت فيها منشآت عسكرية اشتبه فيها ، إضافة إلى تدمير المزيد من البنى التحتية للعراق([105]).

كما أخطأ النظام عندما استغل البعد العشائري والعائلي والقبلي والإقليمي خلال فترة الحصار ؛ فأقام شبكة محسوبية وشراكة مع بعض من يؤمنون بسلطة النظام ويستفيدون من استمراره والذين لم يشكلوا أكثر من 2.5% من أبناء الشعب ، ومعظمهم من المنطقة الوسطى ذات الأكثرية السنية ، والذين أيقنوا أن وجود واستمرار النظام مهم بالنسبة لهم ولاستمرارهم على قمة المجتمع العراقي ، وقد تمَّيز هؤلاء بأنهم لم يتأثروا بنظام العقوبات ؛ بسبب قدرتهم على الوصول إلى الموارد الغنية للدولة العراقية ، ومختلف شركات التهريب للنفط والبضائع التي أسسها من سموا باسم (قطط الحصار) ذوي العلاقة برجال النظام العراقي ، وعلى هذا الأساس لم يصبهم الحصار بأي أذى على عكس ما أصاب أغلبية أبناء العراق([106]).

وكانت خطة النظام في إتمام مشروع النهر الثالث التي بموجبها تم تحويل نهري دجلة والفرات ، وتدمير مساحات شاسعة من الأهوار ؛ ومن ثم القيام بعمليات أمنية لاعتقال معارضي النظام الذين كانوا موجودين في هذه المناطق ، مما أدى إلى التأثير على مجمل سكان هذه المنطقة ولجوئهم إلى إيران ، أو تم نقلهم إلى قرى جديدة حرموا فيها من وسائل كسب رزقهم التقليدية ووضعوا تحت أعين قوى الأمن ، وهذا ما سبب لهم معاناة كبيرة ، وقد برر النظام مشروعه هذا بأنه مشروعاً للأمن والتحديث ، وأن هذه المنطقة المتخلفة والخارجة عن السيطرة شكلت تهديداً لهوية العراق وتقدمه ، وذلك بعد أن أقدم النظام على تشويه سمعه أهالي هذه المنطقة على أساس أنهم إلى أعراق مختلفة ومذاهب أخرى ؛ بقصد إقناع بقية أبناء الشعب العراقي بأن أهالي الأهوار لا قيمة لهم ، ومن الضروري تغيير مجتمعاتهم المتخلفة([107]).

كما عمل النظام خلال هذه الفترة على رعاية زعماء العشائر الشيعية في أرياف الجنوب ، إضافة لرجال الدين الموالين له أو المحايدين ، إلا أن أي نية استقلالية كانت تؤدي إلى استخدام العنف التأديبي ، فعلى سبيل المثال تم وضع المرجع أبو القاسم الخوئي قيد الإقامة الجبرية في أعقاب انتفاضه الجنوب 1991 ، كما تم سجن مجموعة من أفراد عائلته ومستشاريه وقتل قسماً منهم ، ثم فرضت رقابة مشددة على أبناءه ورجاله الذين انتقدوا الحكومة بعد وفاته عام 1992 ،  ثم قتل أبنه (محمد تقي) عام 1994 في ظروف غامضة ، كما قتل المرجع البروجردي والشيخ علي الغروري في فبراير 1999 ، والمرجع محمد صادق الصدر مع اثنين من أبنائه ، رغم أنه لم ينتقد النظام صراحة ؛ بل بسبب أنه أصبح عامل وحدة ولاء بين الشيعة ، وهذا ما أكدته الاحتجاجات العنيفة المناهضة للحكومة التي اندلعت في المدن الشيعية ، وحرم الكثير من أبناء الأهوار من الحصص الغذائية والأدوية التي كان يوزعها النظام وواجهوا قصفاً عشوائياً ضدهم ، كما أنه تم وضع المرجع علي السيستاني تحت الإقامة الجبرية عام 1994 بقصد وضع حد لعلاقته مع الطائفة الشيعية ، وعلى هذا الأساس كان النظام يقوم بتخويف وتدمير أي شكل من أشكال القيادة المستقلة بين الشيعة([108]).

أيضاً عمل الرئيس العراقي على التفكير فيمن سيخلفه بالرئاسة فيما لو فقد حياته ، وبما أن ابنه البكر (عدي) أصبح معاقاً ، بعد محاولة الاغتيال الذي نفذتها المعارضة ضده ؛ لذلك عمل على تهيئة ابنه الأصغر قصي في سلسلة من المناصب جعلت منه من الناحية العملية نائباً لوالده ؛ فتم تعيينه رئيساً لأجهزة الأمن والمخابرات والمكتب العسكري لحزب البعث ، ثم ترقيته في المؤتمر القطري لحزب البعث في مايو 2000 عضواً في القيادة القطرية ، لكن هذا الإجراء أثار حفيظة ابنه عدي الذي منعه والده من ترأس المجلس الوطني العراقي رغم انتخابه عضواً فيه ، وهذا أثار العداء بين الشقيقين فتحالف قصي مع الفريق علي حسن المجيد الذي كان يشغل منسقاً ومراقباً لأجهزة المخابرات وحزب البعث في وسط وجنوب العراق ، ثم حدثت انشقاقات بين أخوة صدام حسين غير الأشقاء من عائلة إبراهيم الحسن وأبناء عمه من عائلة المجيد وأبناءه من جهة ، وبين العشائر التكريتية الأخرى مثل عشيرة البوناصر التي كان ينتمي إليها الرئيس السابق أحمد حسن البكر وهذا مما أضعف النظام العراقي([109]).

وبسبب ما أصاب النظام من ضعف أثار أبناء الشعب العراقي الذين أخذوا لا يتقيدون بقوانين النظام وأحكامه ؛ لذلك عمل النظام على إصدار أحكام في منتهى القسوة في الثامن والعشرين من يوليو 1994 برقم 96 ، أشارت إلى البتر في المستشفيات العامة لكل معارض للنظام ، ثم صدرت مراسم أخرى عادت بالعراق إلى القرون الوسطى مثل قطعه الآذان والأيادي والأقدام ؛ بسبب أعمال السرقة أو التهريب للأموال أو الفرار من الجيش أو السخرية من الرئيس أو أحد أفراد أسرته ، وإن تكرار الجنح يقود إلى الإعدام ، فقد حدد المرسوم 59 الصادر في الرابع من يوليو 1994 أنَّ عقوبة الإعدام ستكون بدلاً من البتر للسارق الذي يحمل سلاحاً ، ولمن يقدم الملجأ أو الحماية لأحد الفارين من الخدمة العسكرية يعاقب بقطع أذنيه ويوشم عليه ، ويواجه الأطباء الذين يرفضون البتر عقوبة مماثلة ، وبالفعل فقد تم تنفذ عمليات إعدام لكل المعارضين السياسيين ، أو الذين كانت لهم ارتباطات سياسية سابقة ولم يبلغوا عنها ، وقد برر النظام هذه العقوبات بأنه أُجبر على مثل هذه الأحكام ؛ بسبب ما تعرَّض له من أعمال معادية ومخلة بالسلام من قبل الدول المعادية ؛ لذلك فالأحكام الرادعة هي الوسيلة لحفظ الأمن رغم أن المخابرات العراقية كانت مخترقة لجميع فئات الشعب العراقي ، وتم تطبيق مثل هذه الأحكام على الجميع دون استثناء ، لكن برر مسئول المساعدات الإنسانية في العراق (هانز كريستوف فون سبونيك) للجنة الوطنية العراقية في لقائه معها أن الظروف التي يتعرض لها العراق ، لا تسمح له بالعدالة والإنصاف والحق بالحياة والتنمية للإنسان والتطبيق الأوسع للقانون الدولي ، وذلك بعد أن انتقد الكثيرين ما مارسه النظام من تقييدات على سفر العراقيين ، وعدم وجود نظام تعددي وقساوة النظام القضائي ، وعدم السماح لأبناء الشعب في التحدث بصراحة أو ما يرونه مناسباً ، وقد استعملت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها هذه التناقضات خلال فترة الحصار ، وعملت على الحط من كرامة النظام العراقي ، وسيادته على أرضه بإنشاء ما يسمى بالمناطق الأمنية في شمال وجنوب العراق ، وعدم ترك أي فسحة للنظام للتنفس أو للمجابهة من خلال إجراءات نزع السلاح ، والتلويح بتفكيك برامح أسلحة الدمار الشامل العراقية ، وإنشاء مناطق حظر الطيران في الشمال والجنوب والوقوف ضد تطبيع علاقات العراق الخارجية مع الخارج ، والضغط على المدنيين لزيادة معاناتهم وشكواهم من النظام ؛ بهدف نخر النظام وتحويله لكيان يتجه للسقوط ، ثم إصدار قانون تحرير العراق بإرسال رسالة إلى العراق تبيَّن أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو إسقاط النظام ، والتحالف مع قوى المعارضة العراقية في الخارج ، بقصد تهيئة البديل السياسي وفق أجندة تنظر للعراق من منظار التفتيت وليس التوحيد([110]) ؛ لهذه الأسباب نضجت نظرية المؤامرة عند النظام العراقي الذي أصبح يشك بكل شيء حوله وخاصة أبناءه ، فازداد قمعه وقسوته وهذا ما أرادته الولايات المتحدة لتظهر للعالم أنها من خلال هدفها إسقاط النظام العراقي ، إنما تهدف لإبعاد الظلم والاضطهاد عن الشعب العراقي.

ولم تقتصر عمليات التصفية التي مارسها النظام على أبناءه في المعتقلات بل تعدَّت ذلك إلى الأسرى الكويتيين الذين فُقدوا أثناء حرب الخليج الثانية 1991 ، حيث ادعى النظام العراقي أن هؤلاء المفقودين ليسوا موجودين في سجونه ، وأنه قد أعاد آلاف السجناء الكويتيين لديه ومنهم كبار الضباط ، إضافة لموافقته على ترسيم الحدود ، وأنه لا فائدة له من احتجازهم في أراضيه([111]) ، وقد أكدت هذه الحقيقة منظمة العفو الدولية التي أكدت أن الكثير من السجناء السياسيين ، قد فُقدوا داخل السجون ، كما أعتقل الكثيرين دون محاكمة أو تعرضوا لمحاكمات كانت أحكامها جائرة ، وهذا ما تسبب في اختفاء مئات آلاف المواطنين رغم أن النظام كان قد ألغى في الخامس عشر من مايو 1991 محكمة الثورة التي كانت في منتهى القسوة على الشعب العراقي ؛ نظراً لحالات الإعدام الكثيرة التي أصدرتها إلا أن النظام استبدلها بمحكمة أمن الدولة تلك المحكمة التي ماثلت بشدتها محكمة الثورة([112]).

ورغم أن ادعاء النظام بعد حرب الخليج الثانية أنه سيعمل على القيام ببعض الإصلاحات السياسية ، وسيتقارب مع المعارضة إلا أنه لم يستطع ذلك لوجود عدة عوائق تمنعه من ذلك أهمها أن فتح باب المشاركة السياسية سيدفعها لانتقاد قراراته الخاطئة التي اعتاد عليها فكر الزعيم القائد الذي يحكم مدى الحياة ، بل يمهد الطريق لأبنائه للوصول للسلطة حيث أن المعارضة تنكر هذا العمل وتؤكد على تداول السلطة ، كما أن المشاركة السياسية تتناقض مع استمرار احتكار الأسرة الحاكمة والحزب الحاكم لجميع أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وهذا يتناقض مع ميول الاعتماد على الجماعة القرابية المحدودة ، ويقلل من احتكار الحزب القائد للسلطة ، كما يقلل من امتيازات الرئيس والحزب ، وما يؤكد ذلك أن ما اقترحه النظام حول الدستور الدائم قد اختص به 79 مادة من أصل 179 مادة ، بيَّنت فيه اختصاصات الرئيس وصلاحياته فعلى سبيل المثال المادة (117) تجيز له حل مجلس الشورى ، والمادة (13) تجيز له حل المجلس الوطني والمادة (99) تجيز له إعلان حالة الطوارئ الكلية أو الجزئية وإعلان حالة الحرب وقبول الهدنة والصلح والمعاهدات دون الرجوع لأحد ، كما أكدت مسودة الدستور المحافظة على مجلس قيادة الثورة والإبقاء على قراراته التي تتجاوز قوة القانون حسب نص المادة (171) ، فلا يخضع الرئيس لأي مسائلة قانونية ولا تتمتع أي هيئة خارج السلطة التنفيذية التي يمثلها بالصلاحية الكاملة لسن القوانين ، ولا يمتلك أحداً سلطة تغيير القوانين التي فرضتها هيئة غير منتخبة هي مجلس قيادة الثورة رغم الإدعاء أن مجلس الشورى الوطني هما اللذين يُشرِّعان القوانين ، لكن لا يمكنها إثبات ذلك دون مصادقة الرئيس([113]).

أما قانون الأحزاب الذي بدء العمل به رسمياً في عام 1991 ، فتتعارض مبادئه مع التعددية الحزبية المعمول بها في الدول الليبرالية ، فالمادة العاشرة منه تحظر على أي حزب عقد علاقة مع أي حزب عربي أو عالمي أو الاستعان بالخارج أو له علاقة بالخارج ، كما تحظر النشاط السياسي والتنظيم لأي حزب داخل القوات المسلحة وقوى الأمن عدا حزب البعث ، كما أشارت المادتين (28-29) بضرورة تقديم كل ما يتعلق بالحزب من أعضاء وأفكار وبرامج واستراتجيات لمجلس الوزراء ، أما المادة الخامسة فتحرم على الأحزاب القائمة الطائفية أو العنصرية أو الإلحادية أو الإقليمية أو الشعبوية ، وعلى هذا الأساس فهي تمنع عملياً الأحزاب الشيوعية أو الدينية أو الكردية أو الليبرالية([114]).

وقد استاءت الأحزاب الكردية من المشروع الرسمي الذي أقرَّه النظام العراقي في الثاني والعشرين من يوليو 1991 حول الحكم الذاتي للأكراد ، ونُشر في الصحيفة الرسمية حيث تضمَّن قرارات لم ترض عنها هذه الأحزاب وأهمها([115]):

  • قرارات هيئات الحكم الذاتي يجب أن ترفع إلى وزير العدل الكردي المركزي قبل تنفيذها.
  • لجنة رقابة المشروعية تتألف من سبعة أعضاء يعين رئيس الجمهورية أربعة منهم.
  • لرئيس الجمهورية حل المجلس في حالات عديدة منها عدم امتثال المجلس لهيئة الرقابة المرتبطة بالمركز.
  • لا يجوز تعديل قانون الحكم الذاتي إلا بمصادقة ثلثي الأعضاء في المجلس الوطني الخاص بحزب البعث.

وقد تضمن هذا الدستور في ديباجته صفات الرئيس العراقي وحزب البعث والبعثيين ، وبذلك يكون هذا الدستور قد خالف القواعد المتعارف عليها والمألوفة في الفقه الدستوري ؛ لأن الديباجة يجب أن تتضمن عرضاً عن أمجاد الوطن والدولة والشعب وتاريخه وحضارته وثقافته ، وبناءاَ على ذلك فقد عكست تلك المقدمة الطبيعة الاستبدادية الفردية والتأليه الشخصي وعبادة الحاكم وتقديس حزبه، وما يؤكد ذلك أنه رغم أن هذا الدستور قد أكَّد في مادته السادسة على الحقوق القومية للأكراد ، وأن الشعب العراقي يتكون من قوميتين هما العرب والأكراد ، والحكم الذاتي للأكراد في كردستان العراق وضرورة احترام مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بناءاً على المادة (15) من نفس الدستور ، والتي أشارت أيضاً إلى ضرورة حل المنازعات بالطرق العلمية على أساس المساواة والمصلحة المتبادلة والتعامل بالمثل ، إلا أنه بعد صدور مشروع هذا الدستور في الثلاثين من يوليو 1990 بثلاثة أشهر قام باجتياح الكويت وضمها قسراً([116]).

ونصت المادة السادسة عشرة من ذلك الدستور على تقيد السلطة بالدستور والقوانين ودستورية القوانين وعدم سريان القانون بأثر رجعي ، لكن لم يحدد المشرع الجهة التي تنظر في دستورية القوانين بل اكتفى بالنص في المادة (89) أن رئيس الجمهورية هو من يتولى تطبيق الدستور والإشراف على تطبيق القوانين والقرارات ؛ فهو الفصل في تحديد دستورية القوانين ، وذلك أن الرئيس يجمع في يده جميع الصلاحيات التنفيذية والتشريعية وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى ، كما أورد نفس هذا الدستور بعض القرارات التي أكدت على عدم نشر بعض القوانين في الصحف الرسمية وإبقائها سرية ، ورغم أن المادة (48) أكدت على سرية المراسلات والاتصالات البرقية والهاتفية لكن تم تجويفها بالنص على أنه يمكن انتهاكها لدواعي العدل والأمن ، وحول الحقوق والحريات وضماناتها فرغم تأكيد هذا الدستور على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص مثل المتهم بريء حتى تثبت جريمته في محكمة قانونية ، وحق الدفاع للمتهم وعدم جواز حجز المتهم أن توقيفه أو سجنه إلا بقرار ولا عقوبة ولا جريمة إلا بنص وعدم رجعية القوانين وحرية المساكن وكرامة الإنسان وشرفه ، وحرية التجمع والتظاهر وحرية الفكر والرأي والتعبير والصحافة والطباعة والنشر وعدم فرض الرقابة ، لكن عملياً لم يوقِّع العراق على اتفاقية تحريم التعذيب للمتهم بدنياً ومعنوياً ، حيث اعتبر العراق من أكثر دول العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان ، ورغم تعيين لجنة حقوق الإنسان في الثامنوالعشرين من فبراير1991 ، المقرر لها في العراق ، إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان استمرت قائمة ، وتم تحوير المادة التي تقول المتهم بريء حتى تثبت إدانته إلى أن المتهم مذنب حتى تثبت براءته([117]).

أما حول اشترط المتقدم لرئاسة الجمهورية فقد اشترط الدستور صفات لا يمكن أن تكون موجودة إلا في شخصية الرئيس صدام حسين ، حيث تم تفصيل الدستور حسب مقاساته مثل الإيمان بثورة السابع عشر من يوليو وأهدافها والإسهام في قادسية صدام المجيدة والإيمان بالاشتراكية ، وأن يكون سلوكه الفعلي اشتراكياً وبلوغه سن الأربعين وعراقيته وأن يكون مؤمناً ومشهوداً له ومتميزاً بالعدل والإنصاف والشجاعة والحكمة والحلم والخدمات الجليلة للوطن والأمة ، وكل هذه المعايير تحددها اللجنة الدستورية الخاضعة للأمين العام لحزب البعث ورئيس الجمهورية صدام حسين([118]).

إلا أنه رغم ذلك لم يصدر هذا القانون الدائم ، وظل العمل بالدستور المؤقت ذو الأحكام المشابهة لمواد هذا الدستور ، وعليه فإن الافتقار إلى دستور دائم نتيجة لتجاوزات السلطة التنفيذية ؛ أدى إلى غياب سلطة القانون وتمجيد القوة وتأكيد الإنفراد بإدارة شؤون البلاد وطغيان الحكم الفردي الاستبدادي الشمولي وغياب الرقابة وعدم طغيان السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، وخضوعها لها ، وغياب السلطة القضائية وتشويه القضاء من خلال تدخلات السلطة التنفيذية من خلال محكمة أمن الدولة التي كانت وريثة لمحكمة الثورة ، وعدم الخضوع لأحكام الدستور المؤقت ، وصدور عشرات القرارات التي تجيز عقوبة الإعدام وبعضها ذو أثر رجعي وظل المواطن العراقي مهدداً بالإعدام بموجب خمسين قانوناً أصدرهم مجلس قيادة الثورة ، وهذا يتنافى مع مبادئ القانون العالمي لحقوق الإنسان ، واضطر أكثر من نصف مليون عراقي من حكم أنفسهم بالإعدام من خلال التعهد والتوقيع على المادة (200) من قانون العقوبات التي يمكن بموجبها تنفيذ حكم الإعدام المؤجل ، كما لم تستطع السلطة القضائية في ظل غياب الدستور الدائم من الاعتراض على قرارات مجلس قيادة الثورة أو الطعن في دستوريه القوانين مما أدى إلى حصرها بدور هامشي فقط([119]).

وقد استمرت خلال هذه الفترة أجهزة الأمن والمخابرات في اضطهاد الشعب العراقي فكان لها مطلق الحرية في اغتصاب الأطفال والبالغين من كلا الجنسين عند استجوابهم ، وبسبب تخوف أبناء الشعب العراقي من بطشهم أصيب الكثير من أفراد هذه الأجهزة بالغطرسة والتكبر على الشعب ، حيث كان بإمكانهم سحق أي مجموعة وابتزاز الأموال العامة بحجة توفير الحماية للمؤسسات التجارية الصغيرة ، كما كانوا يقومون بخطف النساء الجميلات اللواتي كنَّ يحضرن الحفلات التي تقام في مختلف المناسبات (الزواج- الخطوبة-المسيرات……) بغض النظر عن رغباتهن في الاستجابة أو الرفض ، وسواء كنَّ متزوجات أم لا وقد خصص لهذه الأجهزة القسم الأكبر من الموارد المالية ؛ بقصد كبت نشاطات المعارضة في الداخل ، وقد ذهب قسماً من هؤلاء الذين أطلق عليهم لقب (الأشباح) على تنفيذ عمليات اغتيال في عدد من العواصم الغربية مثل باريس ولندن ، كما تم تسخير قسماً من هؤلاء لنشر الإيدولوجيا البعثية في الدول العربية وإقامة شبكات مع بعض أفرادها مع إقامة صروح للرئيس صدام حسين فيها ، وحشد التأييد الجماهيري وتنظيم المسيرات المؤيدة للنظام  في بلدان فقيرة مثل الأردن واليمن وموريتانيا وغيرها([120]).

أيضاً قام الكثير من الدبلوماسيين العراقيين في الخارج باستغلال نفوذهم من خلال إقامة نشاطات اقتصادية في إطار ممارسة العمل التجاري ، فقاموا بغسل الأموال العامة بالنيابة عن قادتهم في حزب البعث ولصالحهم ، حيث قاموا بإنشاء شركات وهمية لاستيراد التقنيات المحظورة ليضعوا في جيوبهم ما يأتي من صفقات مربحة لهذا الغرض([121]).

وتفسير قلِّة الاضطرابات خلال هذه الفترة ، فيعود لعدة أسباب على عكس الفترة اللاحقة -في ظل الاحتلال- أو في ظل الحكومات العراقية التي جاءت في ظل الوجود الغربي في العراق ؛ لأن هذا النظام قد احتكر العنف السياسي والعرقي بفرض السيطرة على المجتمعات ذات الانتماءات الدينية المتنوعة ، وإبقاء النخب السياسية الموالية له ، كما أنه استطاع إثارة المجموعات الدينية والعرقية تجاه بعضها البعض ؛ بحيث يكون هو من يحقق التوازن لصالحه فسادت ثقافة توفيقية بين هؤلاء ، بحيث منعت من حدوث حروب أهلية أو عرقية أو دينية ، وعلى هذا الأساس فوجود النظام هو ما كان يمنع حدوث هذه الحرب ، لكن سقوط النظام أدى لاشتعال هذه الحـرب ؛ لأن بذور اشتعالها موجودة ولـم يخمدها النظام أو يقضي عليها من جذورها ، بـل استغل وجود هذه التناقضات على أساس أن يظل رأس السلطة مسيطراً عليها.

القصور الرئاسية التي أقام معظمها النظام العراقي قوَّت الشعب العراقي ومستقبله تحولت في ظل هذا النظام إلى سجون ، حيث لكل قصر سجن خاص فيه لتعذيب وإعدام المعارضين في أقبيته ومبانيه السرية ، مثلما كان في كل مركز من مراكز الشرطة العراقية غرف خاصة لاغتصاب المتهمين ، وكل ذلك في ظل وجود الرئيس العراقي الذي كان رئيساً لمجلس القضاء الأعلى ، وكان اقتناعه بأن القدر اختاره للعظمة وأن له مهمة جليلة ، وهذا ما يفسِّر دعوته لكبار الضباط ورجال المخابرات الذين يعملون كدبلوماسيين في الخارج بضرورة دراسة كتاب هتلر (كفاحي)([122]) ،ذلك الكتاب البعيد عن الإنسانية والنظرة الموضوعية والأخلاق السياسية.

وبسبب انتهاكات حقوق الإنسان إبَّان قمع انتفاضتي الجنوب والشمال وتدخل المنظمات الدولية إعلامياً ضد النظام ؛ اقترحت بعض قوى المعارضة ضرورة إقرار نوع من الانفتاح السياسي من خلال تعددية حزبية وسياسية وإتاحة الفرصة للتعبير عن طرق إجازة بعض الصحف المستقلة ، وإقامة حوارات مفتوحة بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة ؛ إلا أن النظام رفض ذلك واعتبر أن تلك الآراء تهدف إلى إسقاطه وإضعافه ، ولمواجهة هذه المطالب والتحديات عمل على حشد التأييد له من خلال المغريات المادية التي خص بها تنظيمات حزب البعث التي روَّجت لمقولة صدام حسين “إن العراقيين جميعهم بعثيون وإن لم ينتسبوا لحزب البعث” ، وقد ترتَّب على هذه المقولة مشاركة جميع العراقيين بالفعاليات السياسية للحزب ، مثل المسيرات والمهرجانات والندوات والتطوع في الجيش الشعبي وجيش القدس وغيرها من التنظيمات المسلحة التي تؤسس في إطار حزب البعث ، كما تم إعطاء الكثير من المغريات المادية لأجهزة الأمن والمخابرات والحرس الخاص ، لكن هذه الخطة انعكست بالسلب على النظام حيث تشكلت مجموعات مستفيدة وغنية بدأت تحرص على حماية مصالحها أكثر من حرصها على حشد المدافعين عنه والمستعدين ؛ لتصفية أي مقاومة داخلية إلا أنهم لم يكونوا قادرين على حشد تأييد جماهيري كبير أو صد عدوان موجَّه نحو العراق([123]).

ومن أخطاء تصرفات النظام ، وعدم تقديره لعواقب قراراته هو تعريضه للرعايا الغربيين عندما اشتد التوتر بينه وبين المجتمع الدولي عقب احتلاله للكويت ، حيث تم وضعهم كدروع بشرية في مناطق إستراتيجية داخل العراق فيما لو قامت قوات التحالف بمهاجمتها ولولا الوساطات الدولية ، لما أطلق سراحهم ، وهذا ماجعل النظام العراقي بدل أن يكسب رصيداً دولياً لصالحه كسب عداء الكثير من الدول ، بالرغم من أن وزير النفط العراقي (عصام شلبي) ، حاول إقناع الرئيس العراقي بضرورة الابتعاد عن المواجهة مع قوات التحالف ، مما حذا بالنظام إلى اتهامه بأنه أساء تقدير إمكانات تكرير النفط ، وأنه فرض إجراءآت التقنين ، مما أدى إلى عزله من منصبه ، وتعيين صهر الرئيس العراقي (حسين كامل المجيد) مكانه ، رغم أن الأخير لا يعرف شيئاً عن اقتصاديات النفط وليست لديه أية مؤهلات تؤهله لشغل هذا المنصب ، مثلما فعل النظام العراقي في فترة الحصار مع رئيس المصرف المركزي العراقي ووزير المالية اللذين اقترحا ضرورة تخفيف إهدار الأموال بعد أن أنفق العراق حوالي ثلاثين مليار دولار خلال الحرب مع إيران وقتل 10% من طاقة العمل الشابة في العراق ، مما حذا بالنظام إلى فصلهما ثم إعدامهما([124]) ، وهذا ما فعله النظام أيضاً مع بعض مثقفي العراق مثل الشاعر محمد مهدي الجواهري والشاعر عبد الوهاب البياني والصحفي سعد البزاز الذين حضروا مهرجان الجنادرية الثقافي في السعودية فكان أن اتهمهم بأنهم باعوا أنفسهم للدولار ، وأسقط الجنسية عنهم ودعا لمحاسبتهم([125]) ، فكان أن تحولوا إلى جبهة المعارضة للنظام ، فسوء تقديره كان مغلوطاً في كل هذه الحالات.

وفي إطار المنافسة بين ولدي الرئيس العراقي،  أخذ كل منهما يسعى لزيادة قوته على أمل أن يصبح خليفة والده ؛ لذلك كانت أعمالهما ضد بعضهما البعض على حساب الشعب العراقي ، فقد فرض عدي الخوات على التجار باسم صندوق مساعد الفقراء الذي أنشأه ، ثم حصل على رتبه فريق ركن في الجيش العراقي ، ولم يكن عمره يتجاوز الأربعين سنة ، ثم شكَّل جهاز أمنياً سمي (فدائيو صدام) ، وأعضاء هذا الجهاز هم ثمار عملية تسييس وتعبئة طلاب المدارس والرياضة والنوادي.

وقد منحتهم الدعاية العراقية التي يسيطر عليها الجهاز الحزبي على أنهم أقوياء وأشداء ، حيث كانوا يقومون بأعمال مقززة مثل أكل الأفاعي ، وأول ظهور لهم كان في مطار المثنى بملابسهم الصفراء حيث احتفلوا بميلاد الرئيس العراقي ، وقد لقي الشعب العراقي من هولهم الكثير من المصائب ، فقد تصدوا لتمرد عشيرة الدليم وقتلوا عائلة حسين كامل المجيد إثر عودته من الأردن ، وروعوا الشيعة في الجنوب إثر انتفاضتهم عام 1991 ، كل هذه الأمور ساهمت في محاولة اغتيال ابن الرئيس العراقي عدي في ديسمبر 1996 ، وأصبح معاقاً بعدها ، لكنه لدى خروجه من المستشفى ازدادت قسوته تجاه الآخرين وأصبح أكثر اندفاعاً وراء شهواته وغرائزه ، خاصة بعد أن حسم أمر وراثة الجمهورية لصالح أخيه الأصغر قصي الذي أخذت أجهزة الإعلام والدعاية تصفه بالجدية والرصانة رغم قسوته ، إلا أنها كانت قسوة مكتومة ، حيث كان يقوم بتصفية السجناء في زنزانتهم أو في أماكن بعيد عن الناس ، حيث ينتقي السياسيين الذين يتم تصويرهم أنهم خطراً على النظام ،وقد أوكلت إليه رئاسة المكتب العسكري المكلف بحماية الرئيس العراقي ، وانتخب عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث رغم أن عمره لم يتجاوز الأربعين سنة أيضاً ، ثم تولى جهاز الأمن الخاص المسئول عن الحرس الجمهوري الخاص المتفرع عن الحرس الجمهوري الذي أصبح عدده أكثر من ست وعشرين ألف جندي([126]).

ولم تتوقف العلاقات القرابية عند ابني الرئيس ، بل تعداه إلى أبناء الدائرة الضيقة للنظام الذين وضعوا أبناءهم في أماكن المسؤولية ، رغم أنهم غير مؤهلين لها ، وإلا فبماذا نفسر أنهم جميعاً ينتمون إلى الدائرة الضيقة للنظام العراقي؟ وهل ثمة أشياء تميزهم عن أبناء الشعب العراقي الذي يعيش تحت وطأة الحصار ويعاني الأمرين ؟ فعلى سبيل المثال ، عبد اللطيف طلفاح وهو قريب لزوجة الرئيس العراقي ساجدة طلفاح ، أصبح قائداً لقوات الطوارئ ، وأصبح ابن أخ الرئيس العراقي عمر سبعاوي إبراهيم الحسن نائباً لعدي في رئاسة الاتحاد الوطني لطلبة العراق ، وأصبح ابن أخو ساجدة طلفاح ، لؤي عدنان خير الله طلفاح، وابن نائب الرئيس العراقي طارق عزيز وهو زياد طارق عزيز يقودان المؤتمرات البعثية للطلبة ، وكل هؤلاء يقومون بإحياء الليالي الصاخبة في النوادي الليلية والنخب البعثية ، لكن رغم ذلك كانت أية معارضة للنظام أو أي تحدي للرئاسة تقمع حتى ولو كانت تنتمي لهذه الدائرة الضيقة ، ومثال على ذلك تم اغتيال كل من حسين كامل المجيد وصدام كامل المجد وهما صهري الرئيس العراقي ، بعد عودتهما من الأردن، وذلك بعد أن كانا قد طلبا حق اللجوء السياسي، كما تم قتل عدداً أخر من أقاربهم من عائلة المجيد بالرغم من أن الرئيس العراقي قد وعد النظام الأردني بأنه لن يمسهم بسوء ، لكن لم يحترم وعوده ، وهذا ماجعل الشعب العراقي لايثق بالنظام أو يحترم وعوده ومواثيقه، فما فعله بأبناء أسرته وبأشقائهم، وأبناء عمومته كان في منتهى القسوة ، وعلى هذا فقد تخوف خصومه منه([127]).

ومن أسباب اغتيال حسين كامل المجيد وأخوه ، والكثير من أقربائه جشع ابن الرئيس العراقي عدي ؛ الذي كان شريكاً له بعد حرب الخليج الثانية فاستغل الاثنان الحصار لاستيراد السلع والتجهيزات الخاصة للحظر الاقتصادي من خلال شركتهما ( شركة الأمير) ؛ لكن بعد أن حققت ملايين الدولارات من الأرباح على حساب الشعب العراقي ، فتم إغلاقها وسادت الخلافات بين مؤسسيها “عدي وحسين كامل المجيد ” ، وهدد عدي صهره بالقتل وهذا ما حذا به إلى الهروب من العراق ، وقد اتهمت هذه الشركة قبل إغلاقها بالفساد والتلاعب على حساب الإدارة الحكومية ، ورغم اغلاقها لكن لم يتم محاكمة مرتكبي هذه المخالفات التي سبَّبت الكثير من المعاناة لأبناء الشعب ، لكن تم إعدام أكثر من أربعين تاجراً من تجار السلع الغذائية في أعقاب الرقابة على الأسعار دون محاكمات حقيقية ودون أن يدرك النظام حجم التضخم الذي تعانيه البلاد ، حيث أنه رغم إعدامهم وادعاء النظام أنه قضى على بؤرة الفساد إلا أن الأسعار واصلت الصعود ، وهذا ماحذا بالكثير من أبناء الشعب العراقي للهجرة خارج البلاد وتشكيلهم الكثير من المنظمات والأحزاب السياسية التي وصل عددها إلى أكثر من سبعين حزباً وتنظيماً([128]).

        وبالرغم من أن الرئيس العراقي كان يقف  في الكثير من الأحيان ضد أقربائه عندما يتجاوزون القانون ، إلا أنه لم يستطع السيطرة عليهم ، وعلى استغلالهم لقرابته ، فعلى سبيل المثال عندما رسب لؤي خير الله طلفاح في الجامعة أمر بضرب أستاذ المادة التي رسب بها وكسر ذراعه ، مما حذا بالرئيس العراقي أن أمر بكسر ذراع قريبه ، كما تم سجن أخوه سبعاوي عندما تدخل لصالح أحد أتباعه على حساب آخر، كما أمر بسجن ابنه عدي عندما قتل أحد خدمه وهو كامل حنا ، وأغلق له مصنع بيبسي كولا وأبعده عن رئاسة اللجنة الأوليمبية ونادي الصحافة واتحاد الكتاب ونقابة الفنانين وهيئات المحامين القدماء ، وذلك عندما أطلق النار على عمه وطبان ، إلا أنه في كثير من الحالات لم يكن يعلم الظلم الذي يمارسه أقربائه ، فعلى سبيل المثال عندما أطلق ابن سبعاوي إبراهيم الحسن وهو (عمر) النار على رئيس اللجنة الطلابية بعد شجار بينهما ، فتم تدخل والده لحل القضية بأن أصبح عمر رئيساً لها ، وإبعاد رئيسها عنها ، كما كانت خالة صدام حسين (الحاجة بدره) تمارس العسف مع الوزراء ، والحراس الشخصيين لها ؛ إضافة إلى أطباء المستشفى الرئاسي في ابن سينا ، كما استمر ابنه عدي بالإساءة من خلال صحيفة بابل لبعض المسؤولين العراقيين من قادة حزب البعث ، بسبب مشاكله الشخصية معهم ، ويسعى لصرفهم من عملهم بطريقة النقد والاتهامات التي لا أساس لها من الصحة ، وكل ذلك بدعوى الإصلاح والتغيير ، كما كان يستعمل نفس الشيء بالنسبة لمحطة تلفزيون الشباب ولا يتورع عن أخذ مذيعة يرى فيها جمالاً من أجل رغباته ، كما قام بإنشاء مستشفى خاص به ، وأخذ الكثير من معداتها من المستشفيات الحكومية ، وقد كان الأطباء يسهِّلون له مايريد أخذه ، رغم أن الحصول على هذه المعدات في ظل الحصار كان أمراً بالغ الصعوبة ، أيضاً كانت إحدى طرقه لإذلال المسؤولين الذين لايحيذهم ، أنه كان يدعوهم إليه ويجعلهم ينتظرون لساعات طويلة وأحياناً يصرف سائق المسؤول وحراسه حتى يذهب لبيته مشياً على قدميه ، ومن أخطائه الكبيرة واستهتاره بنجوم الفن العراقي ، أنه دعا الفنان العراقي الكبير كاظم الساهر لإحياء إحدى حفلاته الخاصة وطلب منه الغناء طوال الليل ، ثم أخذ حذائه وطلب منه التوقيع عليه وعلى أحذية جميع الحاضرين ، وبالفعل فقد اضطر الفنان كاظم بأن يوقع للجميع وبعدها سافر خارج العراق ولم يرجع([129]) .

        لقد كان الرئيس العراقي يسعى بالفعل لوضع حد للفساد المستشري في أرجاء الدولة من خلال بعض أقربائه ومسؤوليه ؛ إلا أنه كان يسعى على أمنه الشخصي وكانت رؤيته أن من يعرفهم خير ممن لا يعرفهم ، حتى وإن كانوا أقل مستواً من الآخرين ، وبناءاً على ذلك كان يمنح المكافآت للذين لهم إنجازات علمية في جميع المجالات ، وخاصة ممن لم يكن لهم نصيب من مسؤوليات الدولة ، لكنه كان مولعاً بحب التمجيد، لذلك فرغم أنه كان يعاقب أقربائه ويبعدهم عن مسئولياتهم عندما يخطئون إلا أنه كان يحافظ على امتيازاتهم ، كما أنه رغم سعيه لإبعاد المسؤولين عن الأعمال التجارية إلا أنه حوَّل بعض المنشآت إلى اسمه مثل تغيير مستشفى الواسطى  إلى مركز صدام لجراحات التجميل سنة 1996 ، إلا أن هذا المقر تحول بعد فترة وجيزة إلى مقر المخابرات ويمارس فيه التعذيب ، لكنه سمح لأقربائه وحاشيته أن يقوموا بأعمال تجارية خلال فترة الحصار ، لكنه كان يرفض أي تجاوزات من قبلهم مثل سرقة أموال الدولة بشكل سافر([130]) .

        كان النظام غير مهتم بأبنائه ، فكانت الوطنية الحقيقية عنده هي الهتاف للرئيس ونظامه ، والتضحية في سبيله ، فأصبح قائد النظام رديفاً للوطن، فعلى سبيل المثال طلب الرئيس العراقي منح شارة أم المعارك لأكثر من خمسمائة شخص عراقي ، كانوا قد استخدموا كدروع بشرية لحماية عدداً من قصوره التي شيدت بدماء أبناء الشعب على حساب قوتهم ، إضافة لمواقع تتعلق بحمايته، وذلك إبان الأزمة التي نشبت بين العراق والولايات المتحدة في إبريل 1999، على خلفية التفتيش الدولي لأسلحة الدمار الشامل ، لكن هذا الأسلوب الأمريكي لم يمنع الولايات المتحدة من ضرب هذه المواقع فيما لو أرادت ذلك ، ذلك لأنها لا تبالي بهم ، فتكون المسؤولية الأولى والأخيرة على النظام العراقي ، كما أن هذا العمل ليس عملاً رجولياً أو شجاعة بل هو استهتاراً بحياة الإنسان وغريزة حب البقاء عنده ، ولم يقتصر ذلك على قصوره ومرافقه ، بل عمل على إرهاب أبناء الشعب العراقي في الشمال خلال انتفاضة الأكراد 1991  ، حيث ألقت الطائرات العراقية بعض المساحيق البيضاء ، التي تبيَّن أنها (دقيق القمح) ، لكن ظنَّها سكان تلك المناطق بأنها عبارة عن غاز الخردل والتابون ، فهرب حوالي مليون عراقي كردي الى تركيا وإيران ، كما مارس نفس الشيء في انتفاضة الجنوب في نفس الفترة وفرَّ حوالي ربع مليون من الشباب العراقي ومعظمهم من الشيعة ، وحكمت المحاكم بإعدام الكثير منهم ، لكن استغل ولدي الرئيس العراقي عدي وقصى هذه المحاكمات عبر وسطاء على أساس أنهم يستطيعون إنقاذهم مقابل مبالغ مالية ضخمة ، وصلت إلى بيع المواطن لبيته مقابل إنقاذ ابنه أو أخيه أو أبيه ، ولم يكن الأمر أحسن بالنسبة لمعاملة المسؤولين العراقيين البعثيين المتواجدين في إدارات الدولة والقضاء والأمن والقوات المسلحة ، حيث مارس هؤلاء الرشوة والمحسوبية، بسبب شعورهم أن الحزب أصبح جهازاً إضافياً من أجهزة الأمن يحافظ على وجوده قلة متمسكة بالسلطة ، لم تعد تهتم بأي شيء قدر اهتمامها بمصالحها ومكاسبها بحيث تأتي نتيجة هذه التصرفات مغايرة للهدف الذي شرعت القوانين من أجلها وهذا ما أفقد الثقة بالشعب العراقي خاصة أن هؤلاء ضعفت عندهم روح التضحية والفداء ، وخاصة في الأوساط الأمنية والعسكرية ، لذلك أصبح حصول هؤلاء على شيء مقابل الخدمات التي يقدمونها إلى قادة الحزب من القلة القليلة وبناءاً عليه أصبحوا يقبلون الهدايا والولائم والرشوة النقدية ، وقد ساعد الوضع الاقتصادي المتدهور في انتشار هذه الظاهرة ([131])  .

        وحول العدالة والمساواة بين فئات الشعب المذهبية أو الإثنية ، فالنظام كان علمانياً وغير مهتم بأمر الدين ، لكنه كان مهتم بأمر القومية ، على اعتبار أن الحزب الحاكم هو حزب البعث ، ذو النزعة القومية ، فقد استلم الكثير من أبناء المذهب الشيعي مسؤوليات مهمة في الدولة والجيش والسلك الدبلوماسي ، وإن كانت معظم هذه المسؤوليات للسنة بحكم تاريخ السلطة السياسية التي كانت للسنة منذ تأسيس الدولة العراقية ، فعلى سبيل المثال تولى محمد سعيد الصحاف وزارة الخارجية، ثم الإعلام ، وتولى سعدون حمادي رئاسة الوزراء وهذا المنصب لم يشغله أحد من السنة منذ حركة السابع عشر من يوليو 1968 سوى أحمد حسن البكر ومن بعده صدام حسين حين وصوله للرئاسة ، كما تولى رئاسة المجلس الوطني أعضاء من الشيعة فقط ، ولكن علاقة النظام بالشيعة كانت تتأثر بعلاقته بإيران نتيجة وجود الكثير من المراجع الشيعية ذوي الأصول الإيرانية في العراق ، مثل المرجع علي السيستاني ، ومحمد باقر الحكم([132]) ، وقد كانت انتفاضتهم عقب حرب الخليج الثانية 1991 تعود لعدة أسباب أهمها([133]) :

  1. الفراغ العسكري والسياسي ، الذي تلا عاصفة الصحراء وانعدام وجود القوى الأمنية التابعة للسلطة العراقية في الجنوب .
  2. التهميش السياسي الذي عانى منه الشيعة خلال فترة حكم الرئيس العراقي نتيجة حربين خاضهما دون أي مبرر ، وحرمانهم من اقتسام السلطة مع إقليم الوسط ذو الأغلبية السنية .
  3. الانتفاضة قامت بهدف القضاء على النظام ،وليس لأساب تتعلق بالخيانة ، أو الولاء لإيران، لأن الولاء للعراق لا يعني الولاء للنظام ، والدليل على ذلك أن معظم الأحزاب الإسلامية الشيعية لم تساهم في هذه الانتفاضة ، كما لم يصدر المراجع الشيعة فتوى تبيح الانتفاضة وتباركها .

لكن مما أساء لهذه الانتفاضة هو سوء تنظيمها ، فرغم انتشارها في كل مدن الجنوب إلا أنها قامت بعشوائية ، وارتكبت الكثير من المجازر ضد القيادات البعثية ، وانقسم أفراد الجنوب بسببها بين مؤيد للتيار العروبي القومي ؛ بسبب أن شيعة العراق هم عرب ، وهذا ما أثَّر على الروح المعنوية للكثير منهم بعد تخوفهم من التأثير الإيراني على المجتمع العراقي ، وقد أدى فشل الانتفاضة إلى تدمير ما تبقى من مليشيات شيعية وإلحاق خسائر فادحة في فيلق بدر الذي انسحب إلى إيران وتم طرد سبعين ألف شيعي إلى إيران وقتل وسجن آخرين مع إحكام سيطرة المركز على الجنوب ، وهروب آخرين إلى مدن العمارة والناصرية والبصرة .

        كما أنه بعد تدخل الإدارة الأمريكية والدول الغربية والضغط على الأمم المتحدة ؛ لإنشاء المنطقة الآمنة للأكراد وتشكيل مايسمى بحكومة كردستان العراق، ارتكبت الحكومة الكردية المؤلفة أساساً من الحزبين الكرديين الرئيسيين ، انتهاكات خطيرة واسعة النطاق لحقوق الإنسان في المنطقة التى تسيطر عليها منذ عام 1991 في إقليم كردستان العراق ، وشملت هذه الانتهاكات اعتقال أشخاص يشتبه في أنهم معارضون سياسيون أو سجناء رأي ، وتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين السياسيين والمعتقلين العاديين المحتجزين بموجب القانون ، والتقاعس عن التحقيق في مثل هذه الانتهاكات على نحو ملائم إضافة إلى استخدام عقوبة الإعدام وسن القوانين التي تزيد من عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، إضافة إلى تنفيذ إعدامات فورية عقب محاكمات مستعجلة ، وقتل سجناء بصورة متعمدة ومنافية للقانون واغتيال بعض النشطاء السياسيين ، كما أنه في أثناء الصراع بين البارتي والاتحاد الوطني قام كل من الحزبين باشتباكات قتل على أثرها بعض السجناء عمداً ومثلت بجثثهم ، وتم تعذيب واختطاف أشخاص مدنيين بسبب انتماءاتهم السياسية ، وقد شاركت الحركة الإسلامية في كردستان في النزاع العسكري ضد الاتحاد الوطني الكردستاني ، وقامت بتعذيب عدداً من السجناء وقتلهم عمداً ([134]) .

        ورغم القوانين والتشريعات التي أصدرتها حكومة  كردستان العراق ، حول حقوق الإنسان، والتي تتطابق مع حقوق الإنسان العالمية مثل حرية الرأي والمعتقد للأقليات في كردستان العراق وهم العرب والتركمان والآشوريين ، وفرض سيادة القانون واحترام استغلال القضاء وعدم التدخل في شؤونه، وتجهيز متطلبات السجون والمعتقلات واحترام حقوق الإنسان فيها وغيرها من الإجراءات، ثم أصدرت القانون رقم 16 لعام 1993 الذي فرض السيطرة على كمية السلاح التى كانت متاحة للجميع ؛ بحيث كانت الترخيصات مطلقة، ثم صدر قانون المطبوعات وخوَّل وزارة الثقافة صلاحية إصدار جميع تراخيص النشر وصدر قانون الجمعيات لإقليم كردستان ، إلا أن كل هذه القوانين لم يتقيد بها الحزبين الرئيسيين وأخذا يفسرانها حسب مصالحها ، فعلى سبيل المثال أدت انتخابات رئيس البرلمان إلى الحرب بينهما منذ عام 1994 ، كما كانت الحرب بين الحركة الإسلامية الكردية مع الاتحاد الوطني بين عامي (1993 -1994) ، بسبب عدم العدالة التوزيعية للمساعدات الغربية في شمال العراق ، وأدانت هذه الحركة الفساد التي تورطت به المنظمات الإنسانية غير الحكومية وتمييزها بين اللاجئين ، وقد أدى هذا القتال إلى تشريد حوالي ثلاثين ألف كردي ، ولجوء البعض منهم إلى إيران ، إضافة إلى أن من أسباب الحرب بين حزبي البارتي والاتحاد ، هو عدم احترام وعود بعضهما البعض ، واختلاف رؤيتهما لحل القضية الكردية والعمل على استقطاب كل منهما لمنظمات وأحزاب كردية ظهرت مجدداً ، وأخذ كل حزب يزيد نفوذه على حساب الآخر ، فبينما سيطر حزب الاتحاد الوطني على 70% من إقليم كردستان سيطر البارتي على رسوم الدخول والخروج من العراق ، وخاصة معبر الخليل الذي يدر دخلاً من خلال تهريب النفط والبضائع إلى بغداد ، ورغم تدخل الجيش العراقي لصالح البارتي عندما استعان به واستيلائه على المنطقة الكردية كاملة إلا أن تدخل الولايات المتحدة لصالح حزب الاتحاد الوطني وضربها لمناطق في العراق في السابع من سبتمبر 1996 ؛ حذا به إلى التراجع ، وقد انتقد حزب البارتي الهجوم الأمريكي، بينما رحَّبت به فصائل المعارضة الأخرى مثل حزب المؤتمر الوطني والاتحاد الوطني الكردستاني ، خاصة أن الجيش العراقي ارتكب الكثير من الإعدامات بحق المعارضة العراقية الشيعة والسنة ؛ التي كانت لها مراكز في شمال العراق ، وقد تم الاتفاق مجددا بين الحزبيين الرئيسيين على إعادة تقسيم مناطق النقود دون اللجوء إلى الانفصال، أو طلب المساعدات الخارجية، لكن ما لبث أن تجدد الصراع بينها في ديسمبر 1996 ، ثم في عام 1997 وقد شاركت تركيا لصالح حزب البارتي مع مجموعة من التركمان ؛ بحجة القضاء على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ، وبالمقابل شاركت إيران لصالح حزب الاتحاد الوطني على تدمير قواعد البارتي ، وبذلك استطاع حزب الاتحاد الوطني استعادة المناطق التي خسرها ، مما حذا بالنظام العراقي إلى اتهام حزب الاتحاد بالخيانة([135]) .

        ولم يقتصر الظلم على أبناء الشعب العراقي، فقد كان الظلم يسير مع النظام أينما حل، وعلى هذا الأساس عومل سكان الكويت بنفس المعاملة التي عومل بها سكان العراق حيث نصبت المشانق في الساحات العامة ، وتعرضت المحلات والمصارف للسرقة والانتهاكات ، وقام ابن الرئيس العراقي (عدي) بتكليف لجاناً لإحضار الذهب والسيارات الفارهة التي كانت في حوزة العائلات الغنية في الكويت ، وتم أسر حوالي ستمائة كويتي ، لكن النظام العراقي لم يعترف بهم ،إلا أنه بعد سقوط النظام العراقي تم العثور على قبور مايقرب من هذا العدد حيث كان قد تم إعدامهم على يد النظام العراقي في مقبرة جماعية([136]) .

        وبذلك نستطيع تحديد الوضع السياسي في العراق قبل غزوة عام 2003، بأنه كان يتميز بتضافر الظلم مع الإساءة وانعدام الحرية ، حيث كان الكبت السياسي الذي يمارسه النظام في ظروف استمرار احتكار السلطة ومحاربة القوة والأحزاب السياسية ودفعها للهجرة والعيش في الغربة ، حيث وصل عدد المغتربين في العراق إلى ثلاثة ملايين عراقي ، ومعظمهم من ذوى الكفاءات والخبرات الوطنية، أي إحدى عشرة بالمائة من سكان العراق، كما أخذت الفئات القومية والطائفية والمذهبية والعشائرية ، تزيد من انعزالها عن الاندماج في المجتمع ، بسبب ظروف الحصار، وتعمل للبحث عن حماية لها في وقت فقد المواطن فيه حماية ورعاية الدولة ، وسيطرت قيم الطائفية والمذهبية والعشائرية والحزبية ، وبذلك تصاعد شعور المواطن بالحرمان واليأس وترسخت علاقات عدائية للنظام من الخارج ، وبسبب التغييب الكبير للحريات السياسية والثقافية والإعلامية ، وحرمان الشعب من التعبير عن مواقفه، ومنع تأسيس الأحزاب السياسية ، وانتشار الصحافة الحزبية التي تعبِّر عن وجهة نظر كل حزب من أحزاب المعارضة ، كتنفيس عن تطلعات الجماهير السياسية ، وتقييد أجهزة استقبال البث الفضائي ، ومنع انتشارها تحت دعاوي وحجج مختلفة ، مما كان يسبب حرمان الشعب من رؤية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الخارج ، خشية مقارنتها مع الوضع العراقي ([137]) .

        أما موقف النظام من المعارضة فقد كان يشوبه الكثير من التحسس والشك، ومن أهم مظاهر هذه العلاقة ([138]):

  • استمرار العداء بين النظام والمعارضة ، فلا اتصال معها لتبيان رؤيتها وتفهم وجهة نظرها أو إقناعها بوجهة نظر النظام ، من أجل تعريب وجهات النظر للاتجاه نحو حل المشكلة معها .
  • عدم لقاء رموز المعارضة وعدم إعطائهم ضمانات على حياتهم في حالة رجوعهم إلى الوطن
  • التعرض لذوى المعارضة في الداخل بدل الوقوف إلى جانبهم كتعبير عن حسن النية .
  • تجاهل رأى الشعب في الدستور والقضايا المصيرية؛ أو الاعتماد على الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لأداء دورهم في هذا المجال .
  • ممارسة التفرقة في مجال توزيع المؤن الغذائية الأساسية للبطاقة التموينية الشهرية بين أغلبية الناس الذين في معظمهم لا يتسلمون إلا ما يسد حاجتهم بصعوبة، بينما أتيح لعناصر النظام حصصهم كاملة ، وكانت لهم قوانين خاصة بهم تحتوى على مختلف الكماليات بأسعار رمزية.
  • اتجه النظام لقمع المجموعات الدينية العراقية ، رغم كثرتها ، بعد أن أصبحت المساجد مراكز استقطاب لعامة الشعب في ظل غياب التظلمات السياسية العلنية ، وهذا ما يفسر بروز القوى الدينية على السطح بعد سقوط النظام حيث أنها كانت تعمل سراً .
  • تقديم المغريات لعناصره وأجهزته المحيطة به ، لكن كانت نتيجتها عكسية ؛ لأن الولايات المتحدة استطاعت أن تتبع نفس الأسلوب بمغريات أكبر ، وهذا جعلها تستقطب أشخاصاً مهمة في النظام ، كما أن استعمال هذا الأسلوب من قبل النظام قد أجج الحقد ورد الفعل وزاد من نفور أغلبية الناس من النظام الذين كانوا يعيشون في فقر مدفع ، ويرون أقلية صغيرة تحصل على مختلف الكماليات .
  • إصرار الرئيس العراقي على عدم وجود أي ضرورة لإجراء أي نوع من التغيير في سياسته ، وظلت أية مطالبة في هذا الشأن تقع في خانة التآمر والخيانة ، وزعمه أنه باستطاعته إفشال المنظمات الغربية ، رغم صعود المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض والاحتلال الأمريكي لأفغانستان ، حيث أخذ قادة النظام العراقي ينوهون بامتلاكهم لأسلحة الدمار الشامل وقدرتهم على تصنيع الكثير منها، واجتماع الرئيس العراقي مع قيادات التصنيع العسكري وخبراء الطاقة النووية العراقية بين فترة وأخرى ، وإظهارها على شاشة التلفزيون ، وهذا مما أثار الولايات المتحدة التي ادعت أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل .

        وبذلك نستنتج أن النظام منذ احتلاله للكويت ومن ثم خوضه لحرب الخليج الثانية عام 1991 ، التي كان من أهم نتائجها تعرض العراق للحصار الاقتصادي، قد فشل في تحقيق الحرية والمساواة والعدالة لجميع أبناء الشعب العراقي ، بسبب عدم العدالة التوزيعية للمراكز القيادية ، ولموارد النظام الاقتصادية ، وتمييزه بين أبناء الشعب على أسس عرقيه وإقليمية وقبلية ، وسيادة روح القسوة في المعاملة وغياب القانون عن أجهزة الدولة ، أو في التعامل مع أبناء الشعب ، وتجاهل النظام للدستور واتجاهه لقمع المعارضة مهما كانت دينية أو عرقية أو عشائرية أو حتى قرابية ، وعدم إتاحته المجال لتنظيمات حزبية أو سياسية ، واتباعه سياسة انعزالية بعزل الشعب العراقي ، والوطن العراقي عن العالم عبر منعه للفضائيات المرئية وشبكة المعلومات العالمية من الوصول إلى أبناء الشعب ، بحجة عدم حاجة الشعب إليها ، وممارسته المحاباة تجاه مؤيديه ، بينما الظلم تجاه معاديه ، وبذلك نستطيع الوصول إلى أن النظام فشل في تحقيق الركن الثالث من أركان الوحدة الوطنية التي حددتها الدراسة وهو تحقيق الحرية والمساواة والعدالة لجميع المواطنين أمام القانون.

رابعاً: الهوية الوطنية للجيش العراقي

        كان هاجس الخوف من الجيش العراقي بالنسبة للنظام كبيراً، وعمل كل ما بوسعه إبان الحرب مع إيران على إبعاد الضباط عن بعضهم البعض ، حتى لا تكون هناك صلات قوية فيما بينهم بحيث تؤثر على سلطة النظام وقبضته ، ولكن استمرت هذه الصلات لما بعد الحرب ، لذلك عمل على تنزيل رتب بعضهم وإحالة آخرين إلى التقاعد، وانطبق هذا الأمر على مقربيه من عشيرة الرئيس العراقي، مثل إقالة قائد الفيلق الثالث الفريق الركن ماهر عبد الرشيد ، وأخيه الفريق عبد الله الرشيد، وتم إبعادهما عن الحياة العامة ([139]).

        وكان احتلال الكويت أكبر كارثة حلَّت بالجيش العراقي عبر تاريخه منذ ولادة الدولة العراقية عام 1921، فقد انهار الجيش العراقي وبقي دون تغطية جوية، وتم إبعاد مائتي طائرة عسكرية عراقية إلى إيران على أمل إعادتها بعد الحرب ، لكن إيران رفضت ذلك وادَّعت أنها تعويضاً عن خسائرها مع العراق ، كما تم تدمير البنية التحتية العراقية ، واستسلم عشرات آلاف الجنود العراقيين لقوات الحلفاء ، وقبل العراق الانسحاب من الكويت ، وطالب بوقف إطلاق النار في الثامن والعشرين من فبراير 1991، إلا أن هذه الهزيمة أثرت سلباً على نفسية الجيش العراقي المنسحب من الكويت ؛ مما أدى لاندلاع ثورة شعبية في الجنوب ، تعاطف معها الجيش المنسحب ، وبرزت في كل مدينة من مدن الجنوب قيادة محلية اقترن بعضها بمنظمات إسلامية مثل حزب الدعوة الإسلامية ، كما أرسل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عدة آلاف من قواته المتواجدة في إيران (لواء بدر) ؛ بغية مساعدة الثوار ، وقد قام هؤلاء بعمليات انتقام قاسية جداً ضد من اعتبروهم متعاونين ، أو عملاء للنظام العراقي بعد انهيار الأمن في هذه المناطق ، لكن تدخل الحرس الجمهوري على مدى أسبوعين لضرب أماكن الثورة ، كما تم إقناع المرجع أبو القاسم الخوئي لتأييد النظام العراقي والدعوة إلى إنهاء التمرد ، مما حذا بأكثر من خمسين ألفاً من العراقيين للهرب إلى السعودية ولجوء عشرات الآلاف إلى إيران وآلاف أخرى إلى منطقة الأهوار، هرباً من القوات المسلحة العراقية التي أخذت تلاحقهم وقتلت عشرات الآلاف واعتقلت مثلهم ، كما تم إعدام آخرين ، وقد  استغل حزبي البارتي والاتحاد انشغال الجيش العراقي في قمع التمرد في الجنوب ، والهزيمة العسكرية المهينة في الكويت ، بعد أن سمح النظام قبيل حرب الخليج الثانية بعودة كل من جلال الطالباني ومسعود البرزاني الذين ادعيا أنهم جاءا للدفاع عن العراق ضد التحالف الدولي، لكنهم ما لبثا أن حرَّضا على التمرد ، واستولت قوات البيش ماركة التابعة لهما على معظم منطقة الشمال ماعدا كركوك ، وهذا ماحذا بالنظام إلى إرسال قوات الحرس الجمهوري إلى الشمال بعد قمع ثورة الجنوب ، واستعاد السيطرة على المنطقة الشمالية وألحق خسائر فادحة بقوات البيش ماركة ، وبسبب تخوف سكان المناطق الريفية من أن القوات العراقية قد تضرب عليهم مواد كيمائية من خلال الطائرات بعد أن شاهدوا غباراً أبيضاً منطلق من طائرات في الجو ؛ ادَّعت المصادر العراقية أنها طائرات أمريكية ، بينما ادعى البعض أنها طائرات عراقية ، لذلك هرب آلاف الأكراد إلى الحدود التركية والإيرانية الآمنة ، وقدِّر عددهم بمليون شخص([140]).

        لم يكن تخوف النظام العراقي من الهزيمة العسكرية أكثر من تخوفه من ثورة داخلية ، لذلك تم تعيين أحد مقربي النظام ومن عشيرة الرئيس العراقي ، وهو الفريق حسين رشيد التكريتي قائداً للأركان بعد أن كان قائداً للحرس الجمهوري ، وتم نشر قوات الحرس الجمهوري لضمان سلامة النظام في وسط وشمال البلاد للحيلولة دون سقوط النظام في الجنوب ، كما تم إرجاع علي حسن المجيد إلى بغداد في نوفمبر 1995 ، بعد أن كان حاكماً عسكرياً للكويت على اعتبار أنها أصبحت إحدى المحافظات العراقية ، وقد صدق حدثه حيث أنه لولا قوات الحرس الجمهوري لسقط النظام بعد أن سقطت معظم المدن العراقية في الجنوب والشمال ، وقد اعترف النظام العراقي بعد ذلك باستقلال دولة الكويت وسيادتها ليتخلى بذلك رسمياً عن ادعائه السابق بسيادة العراق عليها ، ويعترف بالحدود العراقية الكويتية التي عينتها الأمم المتحدة نهائياً لصالح الكويت في مايو 1993([141]) .

        لقد عمل نظام التفتيش الذي فرضه مجلس الأمن على العراق على العمل على إهدار كرامة النظام العراقي، عندما عمد إلى تفتيش المنشآت العسكرية والصناعية والكثير من المواقع العسكرية العراقية، حتى وصل الأمر إلى تفتيش القصور الرئاسية، وبعض مكاتب حزب البعث، مما أظهر العراق وكأنه فقد سيادته على أرضه، لكن أظهرت التحقيقات أن العراق كان يمتلك أسلحة كيمائية، وأنه يعمل على تكييف كائنات بيولوجية (كالجمرة الخبيثة) لتستعمل كأسلحة ، وأنه كان على وشك تطوير سلاح نووي خاص به، كما أنه عمل على التمسك بهذه الأسلحة على أساس خوفه من استغلال الدول الإقليمية لضعفه ، وبناءاً على ذلك صمم العراق على الاحتفاظ بتلك الأسلحة ، وهذا مما أثار الحلفاء ضده ، فكانت الغارات العسكرية الأمريكية ضده خلال فترة الحصار دائمة ومكثفة مثل عملية ثعلب الصحراء 1996 ، التي دمرت حوالي ثلاثين موقعاً عسكرياً عراقياً([142]).

        وفي ظل الحصار بدأ النظام العراقي يكشف محاولات انقلابية في القوات المسلحة ، والتي استعملت أساساًَ لإعدام وسجن أعداداً كبيرةً من الضباط الذين لا يوالونه بشكل مطلق ، رغم أن بعض هذه المؤامرات كانت مزعومة وذلك للتخلص من ضباط لا يثق بهم حتى وإن كانوا ضمن طبقة الـ2.5% التي ذكرت سابقاً ، وبناءاً على مخاوف النظام هذه عمد البعث العراقي بعد اجتماع المؤتمر الوطني العراقي في لندن بعمليات تطهير واسعة مع سياستي التخويف والمحاباة ، واعتمد على شبكات قبلية وعائلية وعشائرية برزت في التجمعات العشائرية في القوات المسلحة ، وعودة ظهور تراتبيات المشايخ التي ساهمت في الحفاظ على النظام في بقاع ميادين مختلفة من المجتمع العراقي ، ولم يترك هذا النظام أي مجال لمن يحكمون بحكم تعددي لا مركزية وأكثر انفتاحاً([143]).

        وقد تخوفت جهات داخلية وخارجية من زيادة قوة المؤسسة العسكرية مرة أخرى في العراق ،وذلك بعد رحيل المفتشين الدوليين عام 1998 ، وازدياد دخل الفرد العراقي إثر تراخي العقوبات مع ازدياد الإنتاج النفطي ، وخشيت الولايات المتحدة من أن يعاود العراق تطوير برنامجه النووي ؛ لذلك أقرَّ مجلس الأمن في السابع عشر من ديسمبر 1999 القرار رقم (1284) على أساس إعادة فرض نظام فعال للتفتيش عن الأسلحة غير التقليدية في العراق مع التعهد برفع العقوبات ، وتسريع وصول البضائع وتحديث صناعة الغطاء ؛ بموجب القرار 986 الصادر عن مجلس الأمن ، لكن رفض هذه القرار من قبل ثلاث دول لها مصالح اقتصادية في العراق وهي روسيا وفرنسا والصين كما رفضتها الحكومة العراقية أيضاً لعدة أسباب هي([144]):

  • سيجعل العراق بذلك محمية للأمم المتحدة.
  • لم يعد القرار برفع العقوبات عن العراق.
  • استمرار تحكم الأمم المتحدة في عائدات النفط العراقية.
  • استمرار الحظر المفروض على البضائع العسكرية أو المزدوجة الاستعمال.

        وعلى هذا الأساس رفض العراق السماح بعودة المفتشين الدوليين التابعين للأمم المتحدة قبل رفع العقوبات الاقتصادية عن العراق ، وزاد من تعنت النظام أنه تحدى الحصار الجوي المفروض على العراق ؛ فقام بفتح مطار بغداد للرحلات المدنية إلى بعض الدول ، وهذا ما أتاح المجال لبعض الدول للقيام برحلات إلى العراق ، كما تحدَّى الطائرات الأمريكية والبريطانية التي كانت تحلق فوق أجوائه للقيام بعمليات استطلاعية ، واعتبرها خرقاً سافراً لسيادته واشتبك معها عدة مرات ، وهذا مما أثار الحلفاء ضده فعملت الولايات المتحدة على تقديم دعم مالي للمنظمة البريطانية (اندكت) التي كانت تجمع معلومات وأدلة  ضد مسئولين عراقيين ينتهكون حقوق الإنسان في العراق ، والتشجيع على إقامة محكمة جنائية تابعة للأمم المتحدة تسعى لمحاكمتهم.

        وبسيطرة اليمين المحافظ في الولايات المتحدة الأمريكية تم استغلال تناقضات الوضع العراقي ، ثم بُدء العمل بشكل عملي في إسقاط النظام العراقي بضرب مواقع الرادار والأسلحة المضادة للطائرات حول بغداد ، وتدمير منشآت الدفاع الجوي العراقية التي أعيد بناءها على أساس أن ضرب هذه المنشآت هو لحماية الطائرات الحليفة التي تراقب المجال الجوي العراقي ، ثم عملت على إعادة إدخال المفتشين الدوليين إلى العراق ، وفرض نظام من العقوبات الذكية التي تحظر الواردات العسكرية المرتبطة بأغراض عسكرية والسماح بعودة التجارة المدنية غير المنظمة مع العراق وإضعاف قدرة العراق العسكرية ، لكن رفض العراق هذا الاقتراح ؛ مما حذا بتجدد ترتيبات النفط مقابل الغذاء ، وأعقبها هجوم جديد للحلفاء على أنظمة الدفاع الجوية العراقية([145]).

        كان من الواجب على النظام العراقي في ظل هذه الظروف أن يستغل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ؛ للتنديد بهذه الهجمات ليكسب تعاطف الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي على اعتبار أنها عمليات إرهابية تستهدف المدينين الأبرياء ، لكن حدث العكس تماماً إذ أعلن النظام العراقي أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية هي التي سببت لها هذه المآسي ؛ مما أثار الولايات المتحدة ضد العراق حيث دعى الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش للحرب على الإرهاب ، ومنع إي دولة معادية للولايات المتحدة من امتلاك أسلحة الدمار الشامل ، وأهمها العراق الذي رفض عودة المفتشين الدوليين إليها ورفضه لقرار مجلس الأمن 1284 ، ثم أصرَّت الولايات المتحدة في مايو 2002 على ضرورة عودة لجنة التحقيق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة ؛ للبحث عن أسلحة الدمار الشامل ، ومنع الواردات المزدوجة الاستعمال من دخول العراق ، إلا أن النظام العراقي تحدى هذه القرارات مما وضعه ضمن محور الشر الذي أكَّد عليه الرئيس الأمريكي في يناير 2002 ، وبناءاً على ذلك بدأت حرب الشائعات التي تطلقها الدوائر الحزبية في الخارج فانتشرت الشائعات التي تُبين سوء صحة الرئيس العراقي وأنه يعاني من السرطان وأنه قد أصيب بسكتة دماغية ، مما حذا بالنظام العراقي إلى إظهار الرئيس صدام حسين في عرض عسكري يمر أمامه وهو بكامل قوته العسكرية ولمدة أربعة ساعات ، وقد أطلق النار من بندقيته بيد واحدة ؛ ليثبت عكس تلك الشائعات ، لكن هذا لم يمنع من تأثير الشائعات الأخرى في ظل الأوضاع المتردية في المجتمع العراقي والجيش العراقي على بعض ضباط الجيش الذين غادروا العراق كلاجئين سياسيين ، واقترحوا عدة اقتراحات على الدوائر الغربية المساندة لهم ،والتي تؤكد أنهم الأقدر على إحداث التغيير من الأحزاب المدنية الضعيفة ، وبذلك برز اللواء نجيب الصالحي وهو قائد سابق في الحرس الجمهوري وشكل حركة الضباط الأحرار ، وكان يمتلك شبكة واسعة من الخلايا داخل القوات المسلحة ، كما برز قائد الأركان السابق الفريق نزار الخزرجى الذي يمتلك أتباع كثيرة في القوات المسلحة ، لكن عملياً لم تستطع هذه الفئات إسقاط النظام العراقي من الداخل ؛ لذلك كان رأي المعارضة المدنية والعسكرية أن التدخل العسكري الخارجي المباشر هو الكفيل بإسقاط النظام العراقي ، لكنهم اختلفوا حول درجة التدخل المطلوب([146]).

كلفت حرب الخليج الثانية الكثير من التكاليف العسكرية على العراق ؛ فمنذ احتلال العراق للكويت في الثاني من أغسطس 1990 ، أُعلن عن استدعاء أربعة عشرة فرقة للمشاة وتعبئة ثلاث فرق وإعادة تشكيل قوات الأهواز البرلمانية ، وإعادة بناء الجيش الشعبي الذي وصل إلى نصف مليون جندي ، وانتشر في الكويت نحو أربعمائة ألف جندي عراقي بحوزتهم ثلاثة ألاف وخمسمائة عربة مصفحة وسبعة ألاف من رجال الأمن والمخابرات ، وكان هذا التواجد الكثيف للجيش العراقي في الكويت قد أساء للعراق ونظامه السياسي ؛ بسبب ما مارسه هذا الجيش من نهب ونقل للسلع الغذائية من الكويت من خلال شاحنات عراقية ضخمة واقتحامه لجميع البنوك والمصارف ، والاستيلاء على سبائك الذهب والعملات الأجنبية ، ثم قيام النظام بقطع الخدمات الأساسية عن مقار السفارات الأجنبية وتعطيل شبكات المياه والكهرباء والهاتف عن أداء خدماتها مع أخذ عدداً من الرهائن الأجانب في العراق وعددهم يصل إلى ألفاً من جنسيات مختلفة ، لكن نصفهم أمريكيين أما من الكويت فقدر عددهم بحوالي ثلاثة آلاف أكثرهم من الأمريكيين ، وفي نفس الوقت أعلن النظام العراقي تنازله عن نصف شط العرب لإيران ، مما أثار الجيش العراقي ضد نظامه فمن أجل شط العرب كانت حرب الثماني سنوات ، وأحرقت قرى وأهدرت مليارات وقتل وجرح مئات الآلاف ، ثم كان إعلان مجلس قيادة الثورة في الواحدوالعشرين من سبتمبر 1990 أن العراق مستعد للحرب مع الولايات المتحدة وحلفاءها دون مراعاة لقرار مجلس الأمن رقم 677 ؛ بضرورة الحفاظ على هوية وشرعية الحكومة المدنية في الكويت ، وهذا ما حذا بمجلس الأمن إلى إصدار القرار رقم 678 الذي يقتضي باللجوء إلى القوة اعتباراً من الخامس عشر من يناير ، وإرغام النظام العراقي على الانسحاب من الكويت وإطلاق سراح الرهائن الغربيين ، وبدأت التجهيزات للحرب حيث وصلت القوات العراقية إلى نصف مليون جندي ، في مقابل ستمائة ألف جندي من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية([147]).

        وفي الثاني عشر من ديسمبر 1990 أعلن النظام العراقي إقالة وزير الدفاع (عبد الجبار شنشل) ، وتعيين الفريق (سعدي طعمه عباس) مكانه بهدف كسب الشيعة له ؛ كونه من الشيعة ، خاصة أنَّ له سجلاً حافلاً بالحرب مع إيران ، حيث حصل على لقب بطل معركة الفاو ، ولم يستفد النظام من جهود الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيزيز ديكويار حول الانسحاب من الكويت ، بل عامله معاملة سيئة حين تركه ينتظر عدة ساعات في صالة الضيافة في القصر الجمهوري ليلاقي الرئيس العراقي ، فكان من الممكن أن يعلن انسحاباً مشرفاً للجيش العراقي من الكويت ويستغل زيارة ديكويار للعراق على اعتبار أن مجيئه ذو قيمة كبيرة عند النظام العراقي وقيادته وشعبه ؛ بقصد إنقاذ شعبه وجيشه ومنشآته في حرب لم يكن مستعد لها ، وبالفعل فقد قامت قوات الحلفاء بضرب المواقع العراقية والمؤسسات الحكومية والبنية التحتية للعراق ، ولم يكن عنده أي طائرات حربية بعد أن أرسلها لإيران لكي تتجنب التدمير ، بينما استولت عليها إيران معتبرة إياها تعويضاً عن خسائرها في حرب الثماني سنوات ، دون أن تدرك هذه الأخيرة أن هذه الطائرات هي من دم وقوت الشعب العراقي وليس النظام العراقي ، وعلى هذا الأساس تم تدمير معظم معدات وآليات الجيش العراقي ، وأسلحته مع عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ، حيث كان الجنود العراقيون يسارعون للاستسلام ورفع الرايات البيضاء أملاًُ في الوقوع أسرى بين قوات التحالف ؛ بقصد التماس شربة ماء أو كسرة خبز بعد أيام طويلة من الجوع بعد الحصار الذي نجحت قوات التحالف من فرضه على القوات العراقية المتمركزة في الكويت([148]).

        لقد سببت هزيمة العراق القبول بكل قرارات مجلس الأمن التي فرضها عليه ، وخاصة تفتيش المنشآت العراقية ، وقد كانت فرق التفتيش الدولية تتضمن بعض الجواسيس الذين صوَّروا أدق أسرار العراق بالصوت والصورة ، بعد أن أصبح العراق بسبب الحصار ممنوعاً من شراء الأسلحة ، فكانت أسلحته قديمة وتشكو قيادته من التخبط والاهتزاز والارتباك ؛ بسبب ما أصاب الجيش العراقي خلال فترة الحصار من ضعف في الأداء العسكري ، وعدم التنسيق أو طاعة الأوامر خاصة بعد أن ضعفت شخصية الزعيم الفرد من خلال فريق التفتيش الدولي (يونسكوم) الذي تجاوز أفراده الحرم الجامعي وأخذوا يسألون الطلبة في الجامعات العراقية ، فيما إذا كان أساتذتهم في الجامعة يعلمونهم أي شيء عن أسلحة الدمار الشامل ، ثم تفتيشهم للقصور الرئاسية ومكاتب حزب البعث ، وبسبب معارضة الحكومة لهذه الإجراءات وطردها لخبراء التفتيش قامت الولايات المتحدة بعملية ثعلب الصحراء التي تعرضت فيها الكثير من المؤسسات الإستراتيجية للقصف العنيف على مدى أربعة أيام (15-19) ديسمبر 1998 ، حيث تم تدمير منشآت عسكرية ومخابراتية ومواقع للحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص ، اللذين كانا الركيزة الأساسية لحماية النظام العراقي ، ثم كان قرار مجلس الأمن بربط العقوبات الاقتصادية بنزع أسلحة الدمار الشامل من خلال القرار رقم 1284 لعام 1999 ، إضافة إلى أن هذا القرار لم يلغ العقوبات على العراق بل علقها لمدة أربعة أشهر قابلة للتجديد ، وهذا ما حذا بالعراق إلى رفض هذا القرار وإعلان أن لجنة أونسكوم غير مرغوب فيها ، فكان هذا من الأخطاء التي ارتكبها النظام العراقي في حالة ضعفه ؛ لأنه كان لابد أن يذعن مبكراً لمسألة نزع السلاح ، وأن يتعاون بشكل كامل مع (أونسكوم) وخليفتها (أونموفيك) ، ولم يستيقظ إلا في بداية نوفمبر 2002 ، حيث سمح بعودة المفتشين الدوليين دون قيد أو شرط ، ثم وافق على القرار رقم 441 الذي حدد العلاقة بين مجلس الأمن والنظام العراقي رغم أن الكونجرس الأمريكي قد أصدر منذ أكتوبر 1998 قانون تحرير العراق بعد صعود اليمين المحافظ إلى الحكم في الولايات المتحدة([149]).

        كان التحليق الجوي على سكان المنطقة الآمنة في الشمال (شمال خط 36) والجنوب (جنوب خط 33) يذكِّرهم بوجود الائتلاف الدولي ، والناس في كردستان كانوا يرحبون بالطائرات الأمريكية المحلقة فوق أراضيهم ؛ لشعورهم بأنهم محميون دولياً ، وقد بررت الولايات المتحدة وجود منطقة الحظر الجوي بأن الهدف هو منع العراق من استخدام مجاله الجوي لقتل مواطنيه وإلحاق الأذى بهم وأن مهمتها كانت إنسانية ، خاصة بعد مطالبة زعماء الحزبين الكرديين في الشمال بضرورة الحماية الدولية خشية أن تخمد انتفاضتهم كما أخمدت انتفاضة الجنوب ، أو كما أخمدت انتفاضة الأكراد من خلال حملة الأنفال 1988([150]).

        في ظل الحصار استمر توجه النظام نحو عسكره المجتمع بصورة مكثفة ، وبلغ ما هو مخصص رسمياً للجيش والتصنيع العسكري بين (68-75%) من الميزانية العامة ، وأصبح جميع الوزراء العراقيين يرتدون الملابس العسكرية للإشارة إلى أن العراق في حالة حرب ، وأخذ النظام يتبع أسلوب الردع من خلال زيادة عدد المسلحين فأمر بتشكيل جيش القدس الذي قدر عدده بأكثر من خمسة ملايين عنصر ، رغم ضعفه وعدم انتظامه أو جديته وعدم قدرته القتالية ؛ بسبب عدم حصول أفراده على تدريب حقيقي لخوض المعركة رغم ادعاءات النظام أن هذا الجيش ذو قدرات قتالية عالية ، وأخذ الرئيس العراقي يظهر في الأجهزة المرئية مرتدياً البزة العسكرية وسط مجموعة من الحرس الجمهوري الذين أصبحوا يؤكدون استعدادهم لمواجهة العدوان ، رغم عدم جديتهم في ذلك في ظل عدم إدراك النظام العراقي لجدية التهديدات الخارجية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ؛ فأخذ بتكديس الأموال في أماكن بعيده عن أماكن السلطة تمهيداً للعودة إليها بعد انتهاء الحرب التي كانت ستقوم بها الولايات المتحدة عام 2003 ؛ مستفيدة من تدني مستوى التدريب العسكري للجيش العراقي وتوسع القوات المسلحة كماً لا نوعاً ، وتدني الجاهزية القتالية والانضباط العسكري واهتزاز ثقة الشعب بالقوات المسلحة مع تصاعد تورطها في عمليات القمع الداخلي ، وزج الجيش في قضايا الأمن الداخلي والسياسة العليا للدولة مع وجود عقلية عسكرية بنيت على أساس غير مهني أو حرفي ، بعد أن استغلت الولايات المتحدة أيضاً فريق التفتيش الدولي رغم إدراكها أن العراق دمر فعلاً أسلحة التدمير الشامل والصواريخ التي حددت مداها الأمم المتحدة ؛ لكنه لم يدون محضراً أصولياً بإجراءات التدمير ، ولم ينظم سجلاًُ بالمعدات والمواد التي تم تدميرها ، إضافة إلى أن إجراءه هذا يخالف قرار مجلس الأمن رقم 687 لسنة 1991 الذي نصَّ على أن يوافق العراق على تدمير أو إزالة أو إبطال فاعلية جميع المواد والمعدات المتطورة تحت إشراف دولي ، فلا يجوز تدمير هذه الأسلحة من دون وجود وإشراف مفتشي الوكالة الدولية ، لكن النظام بعمله هذا قد غيَّب الدليل المادي عن المفاوض العراقي ؛ حيث وصلت المفاوضات مع لجان التفتيش إلى طريق مسدود بعد أن صار العراق غير قادر بالدليل المادي على إثبات أنه قام بتدمير أسلحته تدميراً كاملاً عام 1991 ؛ فكان دليله الوحيد أن عمليات التفتيش التي امتدت خلال الفترة (1991-1998) لم تعثر على شيء يذكر ، إلا أن مسئولي الوكالة الدولية رؤوا أن عدم العثور على الأسلحة لا يعني عدم وجودها ، رغم أنهم حصلوا من خلال تقارير لجان التفتيش والرقابة أن جميع مكونات البرنامج النووي العراقي قد أخضعت للتفتيش ، ولم يعد بالإمكان العمل بها لكنهم أخفوا ذكر هذه الحقائق في تقاريرهم إلى مجلس الأمن وأظهروها بعد احتلال العراق 2003 ، وصرَّحوا بأنهم كانوا على علم بعدم وجود برامج نووية عراقية([151]).

        لقد استخدمت الولايات المتحدة في حربها على العراق أسلحة اليورانيوم المنضب وأسلحة نووية محدودة ، حيث لوحظت عمليات القصف وهي تُحدث انفجارات شبيهة بالانفجارات النووية ، لكنها أصغر حجماً حيث استخدمت الولايات المتحدة في حرب الخليج 1991 (375) طن من اليورانيوم المنضب و220 طن من الأخير عام 2003 والتي كانت أثارها المستقبلية مؤثرة سلباً على الصحة العامة للشعب العراقي ، وانتشار التسمم الإشعاعي بين سكان المنطقة المحيطة بالمنشآت النووية وسرقة معداتها والعبث بمواردها ، كما تعرَّضت المخازن الحكومية للحرائق ، وعلى هذا الأساس انتشرت الأمراض السرطانية بين المواطنين الذين يبلغ عدهم مائة وأربعين ألف مصاب إضافة إلى 7500 إصابة جديدة سنوياً ، وحدث التلوث المتزايد في مياه الشرب ، وسوء التغذية بين الأطفال واستمرار أعمال القصف المستمر بأسلحة اليورانيوم المنضب لمدن وقصبات البلاد ، وتدمير البيوت ودفن العوائل تحتها([152]).

        وقد تعثرت محاولات العراق لرفع الحصار عنه بعد هروب الفريق حسين كامل المجيد للأردن في سبتمبر 1995 ، وكشفت معلومات جديدة حول أسلحة الدمار الشامل ثم عودته للعراق بعد ذلك ، وهذا من الأسباب التي دعت الولايات المتحدة لتشديد إجراءاتها نحو العراق وصولاً إلى اقناعها لمجلس الأمن بإصدار القرار رقم 1441 في الثامن من نوفمبر 2002 ، على اعتبار أنها ليست بحاجة إلى ذريعة أو سبباً لإسقاط النظام العراقي ، ويكفي الولايات المتحدة قرار الكونجرس بتأييد الرئيس الأمريكي في حربه ضد العراق ، لكن عملت في نفس الوقت على استخدام مجلس الأمن لتوسيع حربها ضد الإرهاب من خلال بعض الذرائع والحجج ؛ لاحتلال العراق حيث اعتبرت أن القرار 1441 الذي يدعو العراق لتدمير كل أسلحة الدمار الشامل هو تكملة للقرار رقم 678 الصادر في التاسع والعشرين من نوفمبر 1990 ؛ ذلك القرار الذي رفض استخدام القوة بناءاً على القرار 1441 الذي يعتبر تكملة للقرار رقم 678 ، على أساس أن العراق مازال يهدد السلم والأمن الدوليين من خلال استمرار امتلاك أسلحة الدمار الشامل ، وموقف النظام العراقي السلبي من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة التفتيش التي أعطيت سلطات مطلقة في العراق من خلال سماحها في تفتيش أي موقع أمني ؛ وحريتها في الدخول في أي وقت تشاء ، وحقها في عزل المناطق والطرق الموصلة لمناطق معينة بقصد تفتيشها ، والحق في مقابلة أي شخص عراقي كان يشك بوجود معلومات لديها في البرامج العراقية([153]).

        في هذا الوقت عمل النظام العراقي على التقارب مع الأكراد في الشمال ، خاصة بعد استعانة زعيم حزب البارتي (مسعود البرازاني) ؛ بالجيش العراقي ضد حزب الاتحاد الوطني ، حيث أكَّد النظام أن الاتصالات التي يجريها البارتي مع أوساط غربية هي جزء من سياسة عراقية مركزية في التعامل مع الخارج ؛ رغم أن الدستور الكردي الذي أقرَّه الأكراد حول فيدرالية الإقليم في مادتيه (18-19) ؛ أكد أنه لا يجوز تحريك القوات المسلحة في الإقليم أو خارجه أو الأمر بدخول قوات مسلحة فيدرالية أو غيرها ؛ إلا بموافقة تحريرية من مجلس وزراء الإقليم وأن يؤدي أبناء الإقليم الكردي الخدمة العسكرية الإلزامية في الإقليم دون غيره ، وهذه الأمور أقرب إلى الانفصال مع الاحتفاظ بسيادة العراق منها إلى الفيدرالية المتعارف عليها قانونياً في جميع الدول والاتحادات الفيدرالية على مستوى العالم([154]).

        كان من أهم نتائج حرب الخليج الثانية على العراق مقتل حوالي مائة وخمسين ألف عراقي ، وأسر مثلهم ، مع دمار شامل للعراق من شبكات الاتصال والمطارات والطرق والجسور ومقرات حزب البعث وأجهزة الأمن ، وإضعاف نظام الرقابة والسيطرة ، وظهور الحركات الشعبية في الجنوب التي أخذت تؤكد على الاتحادات الطائفية وترفع شعاراتها مثلما أخذ الأكراد في الشمال يطالبون بحكم ذاتي أقرب للانفصال ؛ بعد أن أدرك الشعب العراقي أن ما اتبعه النظام من أسلوب المخادعة والحرب النفسية التعبوية ، من خلال إعطاء انطباع للمواطن العراقي والرأي العام في العراق ؛ أنه من المستحيل أن تقامر الولايات المتحدة بحرب ضد العراق ؛ لأن الرأي العام الأمريكي لن يقبل بفيتنام جديدة في العراق ، لكن هذه الآراء أثبتت عقمها حيث خسر العراق خيرة كوادره القيادية والتخطيطية وانحدرت الملكات القيادية إلى أدنى مستوياتها ، وأصبح عليها أن ترضي القيادة بأن تصدع بالطاعة دون نقاش أو إسماعها ما تود سماعة ؛ رغم أن بعض القيادات أثبتت البطولة والتضحية في دفاعها عن الوطن ؛ لكن كان ينقص القيادة السياسية العراقية التوقف قليلاًَ أمام تحليل مسئول لما جرى عسكرياً عام 1991 ، واستلهام العبر واستنباط الدروس الإستراتيجية والعملياتية والتعبوية (التكتيكية) على مستوى الأداء القتالي ؛ وأساليب المجابهة فلم تعترف القيادة العراقية أن هناك ثمة فجوة تسليحية بين بلد من بلدان العالم يعتمد في سلاحه على الخارج وبين تحالف دولي يمتلك آخر تقنيات التسلح في العالم ، وكان يجب عليه أن يعترف أن الاستعداد القتالي للقوات المسلحة العراقية بجناحيها النظامية والحرس الجمهوري كان دون مستوى الاستعداد القتالي لقوات كانت ترمي لمقاتلة أكثر جيوش العالم تقدماً وامتلاكاً للتكنولوجيا والإستعداد القتالي الميداني ، حيث أشارت الكثير من الدلائل إلى أن الدبابات والمدافع والمشاة لم تقم برمي حقيقي بالعتاد الحي بالقياس لمدى كفاءتها القتالية ، كما أصبحت منظومة الإسناد الإداري (اللوجستي) تعاني من تحديات خطيرة ؛ لغياب الموارد ، والحصار على العراق حيث أصبح جهاز اتخاذ القرار العراقي يرتكز في تخطيطه للمعركة مع الولايات المتحدة عام 2003 على أساس مرتكزين هما([155]):

  • ضمان السيطرة على الساحة الداخلية وحمايتها من الانشقاق ، وتكرار مشاهد عام 1991 وذلك عندما حصل التمرد الداخلي الواسع النطاق وبوقت متزامن ؛ في كل من جنوب وشمال البلاد.
  • ضمان أفضل حشد محكم للدفاع ضد القوات الغازية ؛ بحيث يحافظ على مركز القرار في العاصمة بغداد سليماً.

        لقد استمر الجيش العراقي خلال فترة الحصار مؤسسة حزبية مغلقة ، أثَّرت سلباً على كيانها في عدة ظواهر ، منها التعبئة السياسية وازدواجية التوجه السياسي والاستقطاب الطائفي السياسي ، فقد أدار حزب البعث المؤسسة العسكرية وفق أربعة تنظيمات منفردة تصب جميعها في شخصية الرئيس العراقي وهي([156]):

  • قيادة الأركان العام التي تقتصر عملياتها على قيادة الجيش النظامي في إطار محدود يشمل مسرح العمليات وشؤون الإمداد.
  • خضوع الحرس الجمهوري لمكتب الرئاسة مباشرة ، حتى في وظائف مسرح العمليات.
  • يتولى المكتب العسكري لحزب البعث الإشراف على عملية الأدلجة البعثية داخل وحدات الجيش ، وشؤون التنقلات والترقيات للضباط.
  • يطَّلع مكتب الأمن القومي بشؤون الاستخبارات والأمن ، ويتبع ضمناّ المكتب العسكري للحزب.

        أما الكتلة العشائرية التي استند إليها الرئيس والمكونة من الحلفاء العشائريين المتحلقين حول عشيرة الرئيس العراقي ، فقد اخترقت تركيبة الجيش عبر تولي ضباطها المناصب ؛ والمسؤوليات الحساسة ضماناً لخلق أداة ولاء أخرى داخل الجيش ، لشخص الرئيس وعلى هذا الأساس تحول الجيش إلى تنظيم قبلي.

     كما كانت هناك عوامل متشابكة أدت إلى تدهور البناء العسكري للجيش ، وأهم هذه العوامل هي افتقاده إلى عقيدة عسكرية متماسكة ؛ توفر الدليل لمسائل التنظيم والقيادة والسيطرة والاستخدام للقوة العسكرية ؛ بغية تحقيق الأهداف القومية للدولة فهي التي تحدد للقيادة العسكرية العليا الإطار الاستراتيجي لتطبيق القوة ومستويات الحرب ومبادئها الملزمة وهي التي تضع الأسس للمفاهيم العملياتية في ميادين القتال ، وبسبب عدم توفر هذه النظرية فقد انهار الجيش العراقي وبالتالي انهار كيان الدولة كلها ، ونوضح أسباب هذا الانهيار من خلال الأمور التالية([157]):

  • غياب المؤسسة العسكرية المسئولة عن صياغة العقيدة العسكرية لحساب طغيان الرئيس وانفراده السلطوي لقرار الحرب والسلام ، دون مراجعة أو تدقيق.
  • تطبيق نظرية التبعيث وتفرد الكتلة العشائرية في مؤسسة الجيش من الأمور التي أدت إلى تراجع وتصفية كوادر الضباط الأكفاء على المستوى المهني والاحترافي.
  • غياب الهرمية في هيكلة مؤسسة الجيش لحساب خطوط متوازية من السلطات التي تنتهي في مكاتب الرئاسة بالقصر الجمهوري.
  • الآثار المدمرة للحرب العراقية الإيرانية على اعتبار أن طول أمدها وانعكاساتها ليس فقط على نواحي التدريب والتسليح فحسب ، بل انعكست إفرازاتها على قوات الحرس الجمهوري كنخبة مميزة على حساب القوات النظامية ، وتسلل النعرة الطائفية إلى داخل المؤسسة العسكرية.

     في ظل هذا الوضع المتدهور استاء الكثير من أبناء الشعب العراقي من المؤسسة العسكرية ، حيث يذهب الفرد العراقي إلى الخدمة الإلزامية ، ولا يعرف إلى متى ستنتهي مدة خدمته في ظل تعرض العراق ؛ لتهديدات بشن حروب ضده بعد حرب الخليج الثانية ، خاصة أن الفجوة اتسعت بين ضباط الجيش وصف ضباطهم وهذا ما جعل الجيش العراقي في حالة تفكك ، فعلى سبيل المثال قام الكثير من الضباط بإخفاء المعلومات عن العسكريين الذين يعملون تحت إمرتهم حتى يشعروا بحاجتهم إلى هؤلاء الضباط وبعجزهم أمامهم ، كما عمل كثير من الجنود على رشوة رؤسائهم لتخفيف مدة خدمتهم العسكرية ، فكانت الهدايا السخية المقدمة هي إحدى السبل لتحسين علاقة الضابط بمرؤوسيه ، إضافة لتمييز النظام بين أبناء الشعب العراقي بإصداره قراراً باستثناء مواليد 1968 كونهم ولدوا في عهد الثورة ، وهذا كان إجحافاً بحق الآخرين ، إضافة لذلك لم يشكل الأداء الجيد والاستبسال في القيام بواجبات خدمة الجيش أساساً للضباط أو صف الضباط من أجل التقدم والترقية ، وهذا ما سبب الكثير من حالات الفرار من الخدمة العسكرية في الجيش ؛ لذلك عمل النظام على إصدار قوانين لردع هذه الظاهرة وكانت في منتهى القسوة مثل ، جدع أذن كل من يتخلف عن الالتحاق بوحدته العسكرية لأداء الواجب الملقى على عاتقه ، إضافة لكل من يترك موقعه العسكري دون إذن رسمي ، فكان هذا مما جعل الشعب العراقي يتأثر سلباً حيث رجع بذاكرته إلى قوانين حمورابي الذي كان ملكاً على العراق قبل ألفين وخمسمائة سنة ، حيث كانت الفقرة (282) من القانون المذكور تدعو لقطع أذن العبد إذا قال لسيده أنه ليس عبداً له، وبناءاً على ذلك ، فإن الشخص العراقي أصبح عبداً للنظام وجيشه ، وعلى هذا الأساس كان استسلام الكثير من العراقيين في الجيش العراقي لقوات التحالف الدولية عام 1991 ؛ حيث استسلمت معظم الوحدات العسكرية بعد أول تماس حصل بين الجيشين ، وهذا ما حصل أيضاً عندما دارت المعارك بين قوات الجيش العراقي وقوات البيش ماركة خلال الفترة (1996-1997) ، حيث قام عدداً كبيراً من الجنود العراقيين بالاستسلام للأكراد بعد مشاهدتهم الطائرات الأمريكية تحلق فوق سماء المعركة ، فكان هذا من الأسباب التي شجعت الولايات المتحدة على غزو العراق 2003 بعد أن أدركت أن الجنود العراقيين لابد أنهم سيستسلمون للقوات الأمريكية وهذا ما حصل بالفعل([158]).

لقد كانت أجهزة الأعلام الغربية تضخم من القوة العسكرية العراقية وتصنفها بأنها رابع قوة عالمية ، بعد كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية والصين ، بالرغم من إدراكهم أن ترسانة الأسلحة العراقية ليست سوى قوة عسكرية تشبه أي قوة عسكرية لدولة شيوعية في حلف وارسو المنحل الذي كان في أوروبا الشرقية ، وأن معظم أسلحتها من الاتحاد السوفيتي السابق وإستراتيجيتها هي نفس إستراتيجية الجيش السوفيتي من حيث التشكيل والانتشار العسكري ، وهو ذو دبابات سوفيتية قديمة ومقاتلات حربية تفتقد إلى التكنولوجيا المتطورة وهذا ما ظهر في حرب الخليج الثانية 1991 ، حيث ثبت أن الجيش العراقي غير قادر على المواجهة مع دولة متطورة تكنولوجياً وأن أسلحته غير ذات كفاءة لخوض الحرب معها ، حيث تم إلقاء قنابل تعادل بقوتها التدميرية القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية([159]).

        لم تدرك القيادة العراقية أن الولايات المتحدة كانت تتوقع وقوع أزمة في الخليج ، وأنها قد وضعت جميع الاحتمالات لمواجهتها واستغلالها لصالحها ، وأن هناك خبراء متخصصون في الولايات المتحدة لشؤون الأزمات ، حيث يعتمدون على دراسة تصرفات القيادات السياسية ويراقبونها ويطبقون النظريات السيكولوجية الحديثة مثل نظرية (خلق الوضع بالإيحاء) عبر تحريك الأحداث بفعل الرعب ؛ فتقع تصرفات خاطئة تفجر الأوضاع وتساعدها في ذلك شبكات تجسس وجمع المعلومات والأقمار الصناعية التي تعمل على مدار أربع وعشرين ساعة ، ومن بينها أقمار متخصصة لالتقاط رسائل الراديو والمحادثات الهاتفية الميدانية العسكرية من خلال ما يعرف بنظام أيشلون ، حيث تمكنت هذه الأقمار من تحديد تحركات القوات العراقية قبل غزوه الكويت بخمسة أيام وكانت القيادة الأمريكية تؤكد أن الغزو سيتم بشكل كامل ، وأنها قد وضعت عدة سيناريوهات للحرب على العراق وتحرير الكويت ، خاصة أن هذه الأزمة كانت فرصة نادرة لإنقاذ ميزانيتها حيث كان من المتوقع انخفاض ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة ، إضافة لما كان الاقتصاد الأمريكي يعانيه من تراجع اقتصادي أمام قوة اليابان ، وقد كانت إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية بعد غزو الكويت أنها ادعت أن العراق في طريقه إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل بعد أن اكتسب الخبرة الأجنبية والمعدات اللازمة لصناعتها ، إضافة لما يمتلكه العراق من أسلحة بيولوجية وكيميائية ، ورغم هزيمة العراق في هذه الحرب إلا أن النظام العراقي أخذ يدَّعي أنه انتصر على اثنين وثلاثين دولة ، رغم أنه تم أسر أكثر من مائة وخمسين ألف عراقي وقتل مثلهم دون مواجهة جدية بين القوات العراقية وقوات التحالف([160]).

        استمرت الإعدامات خلال فترة حرب الخليج الثانية وفترة الحصار على العراق بعدها ، وذلك لكل من يشك النظام في تورطه في انقلاب عسكري أو يتوانى عن تنفيذ الأوامر ، كما حدث عند غزو العراق للكويت ، فقد كانت الأوامر باعتقال أسرة آل الصباح  بغية إعدامها ، لكن الضابط المسئول عن الهجوم فشل في ذلك ؛ بسبب تدخلات السفارة الأمريكية لصالحهم حيث تم تهريبهم من خلالها قبل وصول القوات العراقية إلى القصر الأميري ، وهذا مما أدى إلى إعدام ذلك الضابط ، كما تم ملاحقة الفريق نزار الخزرجى الذي كان يشغل قائد الأركان مما حذا به إلى الهرب خارج البلاد خوفاً من بطش النظام ، ومثله اللواء توفيق الياسري وتركي الحديثي ، وراجي عباس التكريتي بتهمة مشاركتهم في مؤامرات انقلابية ، أيضاً محمد مظلوم وهو من عشيرة الدليم لكن تم إعدامه مما حذا بعشيرة الدليمي إلى الاصطدام مع قوات الجيش العراقي إضافة إلى إعدام اللواء (أنور ساجت)([161]).

        وبالنسبة للجيش فرغم تعبئته وإثقاله بالمفوضين الحزبيين والأجهزة المدنية واصطباغ قياداته بلون تكريتي ؛ إلا أنه تعرَّض للتهميش المتنامي ، فقد سرح الكثير من ضباطه على دفعات وأبعد العسكريون عن مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية وتولى قيادته من لا يملكون أياً من مواصفات القيادة وشروطها ، مثل علي حسن المجيد الذي كان صف ضابط وترقى فجأة إلى فريق أول ووزير دفاع ، وحسين كامل المجيد الذي كان شرطياً في موكب وزير الدفاع السابق خير الله طلفاح ، ثم ترقي إلى فريق ركن ووزير دفاع ووزير صناعة عسكرية ، وعبد حمود وهو ريفي محدود المؤهلات وكان أحد مرافقي صدام حسين ، فتم ترقيته إلى رتبه فريق وتسلم ملف أسلحة الدمار الشامل ، وطه ياسين رمضان الذي كان كاتباً في إحدى محاكم الموصل وترقي إلى نائباً لرئيس الجمهورية ، وأيضاً عزة إبراهيم الدوري الذي كان بائعاً لألواح الثلج ولم يحظ سوى بالتعليم الإبتدائي، ثم أصبح نائباً للرئيس وفريق أول في الجيش ونائباً للقائد العام للجيش والقوات المسلحة ونائبه في أمانة القيادة القطرية للحزب ،أما عبد الغني عبد الغفور فترقى من صف ضابط إلى وزير وعضو في مجلس قيادة الثورة وعضو في القيادة القطرية([162]).

        ورغم تخفيض الجيش العراقي في ظل الحصار بنسبة 45% لصالح الأجهزة الأمنية المتكاثرة والمعنية بحماية النظام ، تبعاً لقرارات مجلس الأمن إلا أن النظام ظل يتحدى حلفاء الإدارة الأمريكية ؛ مما كان يثير الإدارة الأمريكية بشكل أكبر فقد قام بحشد قواته على الحدود مع الكويت على اعتبار أن الولايات المتحدة أرسلت تسعاً وعشرين ألف جندي أمريكي إلى الكويت ، وأنها تدعم محاولة انقلابية ضده ؛ بسبب رفضه التعاون مع فريق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل ، وهذا ما حذا بالولايات المتحدة إلى الإجهاز على بعض المنشآت العسكرية في يناير 1999 ، إضافة لما دمرته من معدات عسكرية كانت مخصصة لصنع المدفع العملاق الذي كان من المتوقع أن تصل نيرانه حتى إسرائيل([163]).

        لقد كان من أخطاء النظام خلال فترة الحصار هو فقدان العدالة التوزيعية داخل المؤسسة العسكرية ، حيث أصبح التعامل في المال العام داخل هذه المؤسسة اعتيادياً مثل بيع الحديد والاسمنت والخشب من خلال بيعها في الأسواق المحلية ، بعد أن يتم دفع نصف قيمتها للمواطنين من الضباط ؛ إضافة إلى سرقة تموين الجنود من السكر والشاي والأرز والزبدة ؛ لبيعها في السوق المالية ، كما ظهر الإجحاف بحق الجيش النظامي من خلال إعطاء وحدات الحرس الجمهوري امتيازات أكبر من مواد التموين الغذائي ، أكثر من الوحدات الأخرى في الجيش كما كان تسليح النظام لمليشيات شبه نظامية سميت أفواج الدفاع الوطني وهي تتألف من سكان محليين من العشائر وتكون مرتبطة بجهاز المخابرات العراقي([164]) ، وقد أثَّر سلباً على النظام نفسه إذ شارك هؤلاء ضد النظام في انتفاضة 1991 في الشمال ، كما أن اشتراك عشيرة (خفاجة) الكردية لصالح النظام الذي عمل على تسليحها وتقويتها بكل أنواع الأسلحة الخفيفة ، قد أثار العشائر الكردية ذات العلاقات السيئة مع هذه العشيرة ، حيث فرضت هذه العشيرة سطوتها عليهم وهذا مما أدى إلى تصادمات مسلحة راح ضحيتها الكثيرين ، وجعل هذا العشيرة مكروهة بالنسبة للآخرين ، وعلى هذا الأساس انقسمت العشائر العراقية بين موالية للنظام ومعادية له ، ولم تقتصر هذه الانقسامات على العشائر العراقية بل تعدها إلى داخل العشيرة نفسها ، فعلى سبيل المثال قامت مجموعة من ضباط عشيرة التكارتة بمحاولة انقلاب عام 1996 وبالتنسيق مع شيخ عشيرة تميم (طالب السهيل) وقائد إحدى فرق الحرس الجمهوري وهو اللواء (سفيان العزيري) ، لكن كشفت العملية وأعدم قادتها العسكريين والمدنيين كما حاولت المعارضة استقطاب العشائر داخل الجيش للانقلاب عليه ، مثلما عمل رئيس حركة الوفاق العراقي (إياد علاوي) في الثالث من يونيو 1996 ، إلا أن العملية كشفت أيضاً وتم اعتقال مائة وعشرين ضابطاً في الحرس الجمهوري وجهاز الأمن الخاص وأعدم قسماً منهم ، كما تم ملاحقة المئات ممن ظنَّ النظام أنهم متورطين في هذه العملية([165]).

        وما يثبت أن أفراد الجيش كانوا غير راغبين بهذا النظام أن أكثر من ثلاثة عشر ألف أسير عراقي أسرتهم قوات التحالف رفضوا العودة إلى العراق ، مضحين برؤية ذويهم وأقاربهم مقابل عدم رجوعهم في ظل قبضة النظام ، لكن الذين قاتلوا منهم عن اقتناع فهم قوات الحرس الجمهوري ذو الامتيازات الخاصة ، بينما هؤلاء الجنود في الجيش النظامي الذي يشكل أكثر من ثلاثة أرباع القوات المسلحة كانوا يلاقون المهانة والقهر وأعمال السخرة في الجيش النظامي والجيش الشعبي ، فكان الشعب العراقي أمام مافيا عسكرية محدودة تتكلم باسم الجيش العراقي الذي كان يرفض المغامرات العسكرية لما لها من تأثير سلبي على واقع ومستقبل العراق ، وهذا ما يفسِّر استسلام الكثير من القوات العراقية في حربي الخليج الثانية والثالثة فيما بعد ، كما أدى ذلك لهروب الكثير من القادة العسكريين وتشكيلهم للمجموعات العسكرية المعارضة في الخارج مثل الفريق (توفيق الياسري) الذي سبق وكان رئيساً لأركان الجيش ؛ حيث شغل منصب زعيم التحالف الوطني العراقي ونظَّم اجتماع لندن الأول للمعارضة العراقية ، والفريق نزار الخزرجى الرئيس السابق لأركان الجيش العراقي* ، وهرب من العراق عام 1995 ولقب بحامد قرضاي العراق ، ويتهمه معارضوه بأنه استخدم أسلحة كيميائية ضد القوات الإيرانية وضد الأكراد([166]) ، والفريق وفيق السامرائي وهو الرئيس السابق للمخابرات العسكرية ، والفريق نجيب الصالحي وهو قائد فرقة مدرعات تابعة للحرس الجمهوري وهرب عام 1991 خارج العراق وترأس حركة الضباط الأحرار العراقيين ، واللواء فوزي الشمري وكان قائداً لتسع فرق عسكرية خلال الحرب مع إيران ، ثم هرب من العراق وترأس حركة الضباط العراقيين في الولايات المتحدة ، وقد حضر كل هؤلاء مع أقطاب المعارضة المدنية السياسية في لندن في منطقة (كنزنغتون) عام 2002 في بريطانيا ، ورؤوا ضرورة إسقاط نظام البعث العراقي ، لكن ظهر الخلاف بين المدنيين والعسكريين على أساس أن المدنيين قد رؤوا ضرورة إبعاد العسكر عن الحكم ، وأن يكون دورهم هو الدفاع عن الوطن فقط ، لكن رأى العسكريين ضرورة وجود قائد عسكري يخلف صدام حسين للحيلولة دون وقوع الفوضى ، وقد حثَّ كل هؤلاء الجنود العراقيين على ضرورة الإطاحة بالنظام العراقي وترك وحداتهم القتال دون قتال في الحرب الوشيكة ضد النظام ، وشكَّلوا في نهاية المؤتمر مجلس قيادة على غرار مجلس قيادة الثورة([167]).

        لقد اعتمد النظام العراقي قبيل بدء حرب الخليج الثالثة 2003 على تقسيم العراق إلى أربعة مناطق دفاعية ، ووضعت تحت إمرة أشخاص غير مهنيين أو محترفين وليس عندهم خبرة عسكرية أو قتالية ، ولم يكونوا سوى أشخاص في القيادة السياسية وتم حمل بعضهم رتب عسكرية لم تكن سوى رتب شرفية ، وكان القصد من ذلك هو منع التمرد الداخلي والاستماتة في الدفاع عن بغداد ، وعلى هذا الأساس وضعت معظم القوات العراقية في مراكز دفاعية عن بغداد وهؤلاء الأربعة الذين عهد لهم النظام قيادة المناطق العراقية الأربعة التي قسمها هم : علي حسن المجيد للمنطقة الجنوبية ، وطه ياسين رمضان للمنطقة الشمالية ، وقصي صدام حسين للمنطقة الوسطى ، وعزة إبراهيم الدوري للمنطقة الغربية ، وكانت قيادة هؤلاء مأساوية على الجيش العراقي ؛ بسبب تخبطهم وعدم قدرتهم القتالية ؛ مما كان له تأثير سلبي على الجنود العراقيين وضباطهم ، وهذا مما أثَّر سلباً على الجيش العراقي في حرب الخليج الثالثة 2003([168]).

      يتبين لنا من هذا المبحث أن النظام العراقي فشل في تحقيق هوية موحدة للجيش العراقي ؛ بسبب الأخطاء التي ارتكبها خلال فترة حرب الخليج الثانية 1991 ، وما ترتب عليها من حصار اقتصادي لم يستطع النظام العراقي خلالها أن يكسب ثقة الشعب به ؛ بسبب الاستقطاب العشائري داخل المؤسسة العسكرية ، واصطباغها بلون تكريتي (إثني ومذهبي) ، واعتماد النظام على تشكيلات عسكرية بعينها مثل الحرس الجمهوري واستمرار النظام في عسكرة المجتمع العراقي بتشكيل مليشيات شبه عسكرية ، مثل الجيش الشعبي وجيش القدس ومليشيات حزب البعث وتسليحه للعشائر الموالية له ، وانتشار الفساد داخل المؤسسة العسكرية من رشوة ومحسوبية مع امتهان كرامة الجنود العراقيين داخل هذه المؤسسة ، وتخبط سياسة النظام في علاقاته مع الدول الأخرى ، ومع فريق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل ؛ مما تسبب في ضربات متلاحقة للمؤسسة العسكرية العراقية من قبل الولايات المتحدة ، وابتعاد الكثير من الضباط العراقيين الذين كانوا يشغلون مناصب قيادية في تشكيلات الجيش عن النظام ، وانضمامهم للمعارضة العراقية ؛ بهدف إسقاط النظام وقيام آخرين بمحاولات إصلاحية بإسقاط النظام ، لكنها جميعها باءت بالفشل ، واعتماد النظام على صلات قرابية في قيادة الجيش ومحاولته توريث الحكم من خلال هذه المؤسسة لابن الرئيس العراقي (قصي) من خلال تهيئته لذلك ، وذلك عبر إعطائه الكثير من المناصب القيادية بحيث أصبح عملياً النائب الفعلي لوالده، وبسبب كل ذلك كان تحرك المعارضة العسكرية واعتمادها على المعارضة السياسية المدنية ؛ لإسقاط النظام ولو بالاستعانة بالخارج ، وعلى هذا الأساس يكون المحدد الرابع للوحدة الوطنية وهو هوية الجيش العراقي التي تعني أنها هوية لجميع فئات الشعب العراقي ؛ قد أثبتت أنها لا تشمل سوى هوية النظام ذات الصبغة الحزبية الضيقة والتي ترافقت مع إقليمية قيادته وعشائريتهم وطبقيتهم ، وهذا ما ساهم في استغلال تناقض هذه المؤسسة ؛ للإجهاز على النظام العراقي في حرب الخليج الثالثة 2003 من خلال الولايات المتحدة وحلفائها.

        توصل هذا المبحث إلى أن النظام العراقي لم يستطع تحقيق الوحدة الوطنية في العراق في ظل حرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي على العراق الذي كان سبباً مباشراً لها ، على اعتبار أنه لم يستطع تحقيق مؤشرات (محددات) الوحدة الوطنية التي حددتها الدراسة ، فلم يستطع تحقيق احترام ووحدة البلاد ولغتها الرسمية وثقافتها الوطنية ؛ بسبب اندلاع انتفاضتي الشمال والجنوب ، مما أدى إلى تحديد مناطق آمنة داخل العراق لم يستطع النظام أن يحلِّق فوقها بطائراته ، كما تم تشكيل حكومة كردستان وانسحاب الجيش العراقي من الشمال وتغيير المناهج الدراسية فيها مع ابتعاد الأكراد عن تعلم اللغة العربية أو دراسة التاريخ العربي ، إضافة إلى تدخل المؤسسة الدينية الشيعية ضد النظام العراقي ، مما تسبب في اضطهاد الكثير من المراجع الدينية وملاحقتهم وابتعاد النظام عن القيم الثقافية الدينية بتبنية للعلمانية مع ممارسة الكثير من قادته لما ينافي الأخلاق والثقافة الدينية للشعب العراقي.

        ولم يستطع النظام التفاعل سياسياًَ واقتصادياً واجتماعياً مع الشعب العراقي نظراً لسياسة المحاباة التي اتبعها ، وارتداده نحو العشائرية وتقريبه لمن يواليه من العشائر ومعاداته لمعارضيه ، وتقديم امتيازات اقتصادية لأتباعه على حساب بقية أبناء الشعب ، واعتماده المنهج الأسري في تولي بعض قيادات الدولة وعدم اهتمامه بالمجتمع العراقي والشعب العراقي وظروف معيشته ، وسيادة الفساد والجهل والمرض والتخلف والعشائرية والإقليمية والطافية نتيجة سياسة النظام تجاه الشعب ؛ فأخذ يصرف الأموال على أمور لا أهمية لها بالنسبة للشعب العراقي ، مثل القصور الرئاسية وفروع الأمن والمخابرات ؛ التي أهدرت كرامة الإنسان العراقي ، إضافة لذلك لم يستطع النظام تحقيق العدالة والمساواة والحرية لجميع أبناء الشعب العراقي ، فظل النظام نظام احتلال أكثر من كونه نظاماً من الشعب ، كما ينص بذلك حزب البعث على اعتبار أنه يعتمد في حكمه على الشعب ، وانتشر الظلم والأحكام التعسفية واضطهاد الشعب والقوانين الجائرة التي أثرت سلباً على معنويات الشعب العراقي ، زد على ذلك أن الجيش العراقي لم يشكل معيناً تنصهر فيه جميع فئات الشعب العراقي ؛ بسبب اعتماده على فئات عشائرية وإقليمية وانتشار الرشوة والفساد بداخله وديكتاتورية قيادته التي لم تعدل بين أفراد الجيش العراقي ، كل هذه الأمور ساهمت بشكل مباشر في إضعاف الوحدة الوطنية خلال فترة حرب الخليج الثانية ، وما تبعها من حصار اقتصادي على العراق استمر لمدة اثني عشر عاماً انتهى باحتلال العراق وغزوه ، عن طريق تحالف المعارضة العراقية السياسية والعسكرية مع القوات الأمريكية ، فإذا كان حزب البعث لم يستطع تحقيق الوحدة الوطنية في ظل حرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي ؛ فهل استطاع النظام الذي جاء في عهد الاحتلال الأمريكي للعراق والحكومات العراقية التي جاءت في ظله من تحقيق الوحدة الوطنية ؟ وما مصير قيادة البعث العسكرية والمدنية في ظل النظام الجديد ؟ هل استمروا على مبادئهم ورفضوا الواقع أم أنهم أقروا بأخطائهم وتعهدوا بانتهاج نهج جديد بالتعامل مع تناقضات المجتمع العراقي ؟ أم أنهم انتهوا بانتهاء النظام العراقي وقيادته؟ هذا ما سيبينه المبحث الثالث وهو الوحدة الوطنية في ظل حرب الخليج الثالثة والحكومات العراقية التي نشأت في ظل الوجود الغربي في العراق.

([1]) عبد الله الأشمل، مأساة العراق، البداية والنهاية، القاهرة، مؤسسة الطوبجي، 2004، ص25 ، للمزيد أنظر: مي مجيب عبد المنعم مسعد، بناء النفوذ في علاقة الجماعة الإثنية بالدولة : دراسة حالة لشيعة العراق 2003-2005، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2006  مرجع سابق ذكره، ص ص129-130، أيضاً، تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره، ص329 ، للمزيد انظر :

 E.Kanovsky , Economic Implication for Region and World Oil Market,  (London , 1987), pp.5-234

([2]) هشام خضر، مرجع سابق ذكره، ص ص97-98، ص ص170-178، أنظر أيضاً، هنري لورانس، اللعبة الكبرى، مرجع سابق ذكره، ص ص224-225 ، انظر أيضاً :

George Kerevan, The Syrian-Iraqi Baath party and its Nazi beginnings , The Scotsman, Sat 29 Mar, 2003

([3]) عبد الله الأشمل، مرجع سابق ذكره، ص ص72-74، أنظر أيضاً : فؤاد مطر، الخميني وصدام، القرار الصعب والخيار الأصعب، بيروت، الدار العربية للعلوم، 2007، ص ص63-72.

([4]) ياسر فرحات، مرجع سابق ذكره، ص ص 12-20، أيضاً، أحمد رائف، على حافة الكارثة: أوراق أزمة الخليج السرية، القاهرة، مركز الدراسات والترجمة،

([5]) حازم صاغية، مرجع سابق ذكره، ص167.

([6]) أحمد الزيدي، الأزمنة الضائعة، مرجع سابق ذكره، ص ص390-392.

([7]) منذر الموصلي، القضية الكردية في العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص345-350.

(*) حول كافة شروط وقف إطلاق النار التي حددتها الأمم المتحدة، أنظر السيد عبد المنعم المراكبي، مرجع سابق، ص 90.

([8]) روبرت فسك، مرجع سابق ذكره، ص ص29-62.

([9]) تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره، ص 330، 351.

([10]) هانز كريستوف فون سبونيك، مرجع سابق ذكره، ص ص61-78 أنظر أيضاً:

New Yourk times: 28/9/2003.

([11]) عبد الله الأشمل، مآساة العراق، مرجع سابق ذكره، ص ص126-137.

([12]) نفس المرجع السابق، ص138، للمزيد أنظر منذر الموصلي، مرجع سابق ذكره، ص ص355-361.

([13]) نفس المرجع السابق، ص ص142-143، أنظر أيضاً، حازم اليوسفي، مرجع سابق ذكره، ص ص180-194.

([14]) منذر الموصلي، مرجع سابق ذكره، ص ص362-364.

([15]) نفس المرجع السابق، ص ص364-366. أنظر أيضاً :

– M.M.Gunter,” The Kurdish predicament in Iraq”, (London, Martin’s Press, 1999), pp.67-126, Also Look : I.al Khafaje,” The destruction of Iraq Kurdistan middle east report”, (oct-Dec.1996)

([16]) نفس المرجع السابق، ص254.

([17]) السيد عبد المنعم المراكبي، مرجع سابق ذكره، ص 188-189 ، للمزيد أنظر حازم اليوسفي، مرجع سابق ذكره، ص ص182-188.

([18]) نفس المرجع السابق، ص ص228-239.

([19]) منظمة العفو الدولية، مرجع سابق ذكره، ص ص16.

([20])  D.Medwall, “Addressing the Kurdish Issue”, in G.Kemp and J.Gross stim (eds). Powder keg in middle East; The struggle for gulf security, (London: 1995). Pp.211-36.

([21]) تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره، ص355.

([22])Michael .M. Gunter , The Kurdish Predicament in Iraq , (London, 1999), pp.67-126

انظر أيضاً: I.al-Khafaji , The Destruction of Iraqi Kurdistan , Middel East Report , (October ,December , 1996), pp.8-35

انظر أيضاً : فالح عبد الجبار، مرجع سابق ذكره، ص ص178-180، للمزيد أنظر حازم اليوسفي، مرجع سابق ذكره، ص114 .

([23]) حازم اليوسفي، مرجع سابق ذكره، ص197، كما أعطت تركيا، الجنسية التركية لجميع تركمان العراق، وقوت شكوتهم، حتى أن جلال الطلباني، أراد أن يستغل التركمان لصالحه، فدعا إلى اتحاد فيدرالي مع تركيا، وأن لها حقوقاً تاريخية في الموصل، أنظر حول ذلك، السيد عبد المنعم المراكبي، مرجع سابق ذكره، ص123، ص ص188-189. أنظر أيضاً، حازم اليوسفي، مرجع سابق ذكره، ص182-188.

([24]) نفس المرجع السابق، ص ص199-200.

([25]) السيد عبد المنعم المراكبي، مرجع سابق ذكره، ص77.

([26]) فالح عبد الجبار، مرجع سابق ذكره، ص ص178-180، ص223.

([27]) هشام خضر، مرجع سابق ذكره، ص ص97-98.

([28]) هانز كريستوف فون سبونيك، مرجع سابق ذكره، ص ص307-318.

([29]) نفس المرجع السابق، ص306.

([30])  عبد الله الأشمل، مرجع سابق ذكره، ص ص205-206.

([31]) هانز كريستوف فون سبونيك، مرجع سابق ذكره، ص321.

([32]) حازم صاغية، مرجع سابق ذكره، ص118، للمزيد أنظر: تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره، ص337.

([33]) جوزيف براودي، مرجع سابق ذكره، ص ص109.

([34])عبد الوهاب عبد الستار القصاب، احتلال ما بعد الاستقلال: التداعيات الاستراتيجية للحرب الأمريكية على العراق، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2005، ص ص167-168.

([35]) نفس المرجع السابق ، ص289.

([36]) مي مجدي عبد المنعم مسعد، مرجع سابق ذكره، ص132.

([37]) هشام خضر، مرجع سابق ذكره، ص89.

([38]) حازم صاغية، مرجع سابق ذكره، ص ص 167- ص ص193-206.

([39]) نفس المرجع السابق، ص ص15-200.

([40]) نفس المرجع السابق، ص ص214-220,

([41]) أحمد يوسف وآخرون، مرجع سابق ذكره، ص ص233-238.

([42]) جيف سيمونز، مرجع سابق ذكره، ص ص148-141.

([43])  Freedom and karsh, The gulf confect, pp 297-227 ، أنظر أيضاً:  تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره، ص ص337-339.

([44])R.Springborg , Infitah , Agrarian Transformation and Elite Consolidation in Contemporary Iraq , Middle East Journal , n 40, (Winter , 1986), pp.35-49

للمزيد انظر :  تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره، ص375.

([45]) هانز كريستوف فون سبونيك، مرجع سابق ذكره،  ص ص 88-93.

([46]) نفس المرجع السابق، ص ص 304-305.

([47]) نفس المرجع السابق، ص ص309-331، أنظر أيضاً، عبد الوهاب حميد رشيد، ص ص153-157.

([48]) هنري لورانس، اللعبة الكبرى، مرجع سابق ذكره، ص ص427-430.

([49]) منظمة العفو الدولية، ص ص15-17.

([50]) نفس المرجع السابق، ص ص15-20.

([51]) نفس المرجع السابق، ص ص21-160.

([52]) فالح عبد الجبار، مرجع سابق ذكره، ص159، ص ص171-172.

([53]) نفس المرجع السابق، ص ص176-177.

([54]) عبد الوهاب عبد الستار القصاب، مرجع سابق ذكره، ص 239.

([55]) أحمد يوسف أحمد وآخرون، مرجع سابق ذكره، ص ص 216-223.

للمزيد أنظر: محمد الهزاط وآخرون، احتلال العراق: الأهداف، النتائج المستقبل، بيروت، مركز دراسات الوحدة الحربية، 2004، ص ص159.

([56]) محي مجيب عبد المنعم مسعد، مرجع سابق ذكره، ص133.

([57]) بول بريمر، عام قضيته في العراق، ص72، ص99.

([58]) زكي محمود زكي، بغداد بين الخيانة والتكنولوجيا، القاهرة، دار الروضة للنشر والتوزيع، 2003، ص ص74.

([59]) عبد الوهاب عبد الستار القصاب، مرجع سابق ذكره، ص276.

([60]) نفس المرجع السابق، ص ص183-187، للمزيد أنظر: حيف سيمونز، مرجع سابق ذكره، ص ص68-71.

([61]) نفس المرجع السابق، ص ص209-221.

([62]) نفس المرجع السابق، ص ص235-246، للمزيد أنظر: تيم بنلوك، العقوبات والمنبوذون في الشرق الأوسط، العراق، ليبيا، السودان، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2001، ص ص94-95.

([63]) تيم بنلوك، مرجع سابق ذكره، ص96.

([64]) علاء بشير، مرجع سابق ذكره، ص ص195-196 ،انظر أيضاً :

Fox News , London, 23/7/2003

([65]) نفس المرجع السابق، ص ص231، ص ص277-281.

([66]) نفس المرجع السابق، ص ص312-313.

([67]) نفس المرجع السابق ص ص 317-322.

([68]) محمد الهزاط وآخرون ،  مرجع سابق ذكره ، ص ص 100-130 ، انظر أيضاً :

The Guardian unlimited , 17/9/2002 , BBC, 21/9/2002

([69]) تشاليز تريب ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 346 – 347.

([70]) عبد الستار هادي عبيد ،مرجع سابق ذكره ص ص 43 – 51.

([71]) علاء بشير ، مرجع سابق ذكره ، ص 224.

([72]) تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره ، ص 324.

([73]) نفس المرجع السابق ، ص ص 331 – 332.

([74])L.Freedomand E.Karash , The Gulf Conflict 1990-1991, (London , 1993), pp.42-94انظر أيضاً : تشاليز تريب ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 340 – 341.

  ([75]) Sarah ,Graham . Broun , Sanctioning Saddam The politics of intervention in Iraq,( London , I.B. publishers) ,  pp: 267-91.

([76]) R.Alkadiri , “The Iraq Klondike , Oil and Regional Areade” , Middle East Economic Survey , 45:4 (28June:2002), P.P:81-87.

([77]) هانز كريستوف فون سبونيك، مرجع سابق ذكره ، ص 16 ، انظر أيضاً :

Sharah..graham –Brown , Sanctioning Saddam : The politics of intervention in Iraq , (London, 1999), pp.56-104, pp.91-267

([78]) نفس المرجع السابق ، ص ص 24-28.

([79]) نفس المرجع السابق، ص ص 31-34.

([80]) نفس المرجع السابق ، ص ص 35-36.

([81]) عبد الوهاب حميد رشيد ،مرجع سابق ذكره ، ص ص 204-218.

([82]) السيد عبد المنعم المراكبي، مرجع سابق ذكره ، ص ص 107-108 ، أنظر أيضاً : فالح عبد الجبار ،مرجع سابق ذكره ، ص ص 166-169 ، أيضاً : أحمد يوسف أحمد وآخرون ، مرجع سابق ذكره ، ص 216.

([83]) أحمد يوسف أحمد وآخرون ، مرجع سابق ذكره ، ص 229.

([84]) هانز كريستوف فون سبونيك ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 37-38.

([85]) نفس المرجع السابق ، ص ص 39-40.

([86]) نفس المرجع السابق ، ص ص 40-41.

([87]) نفس المرجع السابق ، ص ص 65-77.

([88]) نفس المرجع السابق ، ص ص 88-98.

([89]) نفس المرجع السابق ، ص ص 107-122.

([90]) نفس المرجع السابق ، ص ص 127 ، ص 148 ، ص ص 184-185 ، ص ص 190-193 ، ص ص 206-210.

([91]) فالح عبد الجبار ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 169-171

([92]) أحمد يوسف أحمد وآخرون ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 863-867

([93]) جوزيف براودي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 194 – 201

([94]) نفس المرجع السابق ، ص ص 197 – 207.

([95]) بول بريمر ، مرجع سابق ذكره ،  ص ص 42-50 ، ص 72.

([96]) نفس المرجع السابق ، ص 153 ، للمزيد أنظر ، عبد الستار هادي عبيد ، مرجع سابق ذكره ، ص2.

([97]) أحمد رائف ،على حافة الكارثة : أزمة الخليج السرية ، القاهرة ، مركز الدراسات والترجمة بالزهراء للإعلام العربي ، 1991 ، ص ص 89-90.

([98]) زكي محمود زكي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 13-20.

[99] – نفس المرجع السابق ، ص 195.

[100] – عباس النصراوي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 107-156.

([101]) تشاليز تريب ، مرجع سابق ذكره ، ص 359.

([102]) أحمد يوسف أنحمد وآخرون ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 223-327 ، للمزيد أنظر : عبد الستار هادي عبيد ،  مرجع سابق ذكره ، ص ص 22-23.

([103]) تيم نبلوك ، مرجع سابق ذكره ، ص ص  128-130.

([104]) united nation Economic and social commercial commission an Human Rightly, Reposts on the situation of Human Rightly, in Iraq, prepared  by Mr Max van der stole, special Reapportions on Human Rightly , (1992-1999).

([105]) تشاليز تريب، مرجع سابق ذكره ص ص 342 – 343.

([106]) نفس المرجع السابق ، ص ص 343 – 350.

([107]) نفس المرجع السابق ، ص 350.

([108]) B.Stapletion, the sheiks of Iraq , (London , 1993), Middle East watch, Endless torment : the 1991 uprising in Iraq and its aftermath, (New York, 1992) , Minority Rights Group, the Marsh,  Arabs of  Iraq, (London, 1993)

 للمزيد أنظر ، هشام خضر ، مرجع سابق ذكره ، ص 301.

([109]) تشاليز تريب ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 369-370.

([110]) هشام خضر ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 295-316 – للمزيد أنظر: عبد الوهاب عبد الستار القصاب ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 297-298.

([111]) خير الدين حسيب، مستقبل العراق ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 64-65.

([112]) منظمة العفو الدولية ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 1-2 ، للمزيد أنظر: فالح عبد الجبار ، مرجع سابق ذكره ، ص 104.

([113]) فالح عبد الجبار ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 172-174.

([114]) نفس المرجع السابق ، ص ص 174-175.

([115]) نفس المرجع السابق ، ص 173.

([116]) أحمد يوسف أحمد وآخرون ، مرجع سابق ذكره ، ص 532.

([117]) نفس المرجع السابق ، ص ص 535-536.

([118]) نفس المرجع السابق ، ص ص 537-538.

([119]) نفس المرجع السابق ، ص 238.

([120]) جوزيف براودي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 106-110.

([121]) نفس المرجع السابق ، ص 111.

([122]) بول بريمر ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 25-30.

([123]) عبد الستار هادي عبيد ، مرجع سابق ذكره ، ص 10.

([124]) ياسر فرحان ، مرجع سابق ذكره ، ص 77-80 ، ص 26 ، أنظر أيضاً : أحمد رائف ، مرجع سابق ذكره ، ص 90.

([125]) عبد الوهاب عبد الستار قصاب ، مرجع سابق ذكره ، ص 191.

([126]) حازم صاغة ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 227 – 231.

([127]) نفس المرجع السابق ، ص ص 228 ، 230 أنظر أيضاً : روبرت فسك ، مرجع سابق ذكره ،  ص  ص 96-99 .

([128]) علاء بشير ، مرجع سابق ذكره ص ص 177-180، انظر أيضاً : عدنان المفتي ، مرجع سابق ذكره ص 176

([129]) علاء بشير ، مرجع سابق ذكره ص ص 209-306

([130]) نفس المرجع السابق  ص ص 290-295 .

([131]) أحمد الزيدي ، الأزمنة الضائعة ، مرجع سابق ذكره ص ص : 205-244

([132]) تشالز تريب ، مرجع سابق ذكره  ص ص 304 – 305

([133]) مي مجيب عبد المنعم مسعد ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 130 – 133 ، للمزيد حول انتفاضة الجنوب 1991 ، انظر حازم صاغية ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 116-117

([134]) منظمة العفو الدولية ، مرجع سابق ذكره ص ص 1-2 ، حول مقترح المشروع الرسمي لقانون الحكم الذاتي الذى نشر في الصحيفة الرسمية في 22 يوليو 1991 ؛ انظر عدنان المفتي، ص ص 173 – 175.

([135]) نفس المرجع السابق ، ص ص 6-6 ، للمزيد انظر ايضاً السيد عبد المنعم المراكبي مرجع سابق ذكره ، ص 58 ، ص ص 126 – 129 ، ص ص 154 – 155 ، انظر أيضاً حازم صاغية ، مرجع سابق ذكره ص ص 103- 104 .

([136]) حازم صاغية ، مرجع سابق ذكره ص 173 ، للمزيد انظر روبرت فسك ، مرجع سابق ذكره ص 55

([137]) عبد الوهاب حميد رشيد ، مرجع سابق ذكره ، ص151، للمزيد انظر: فالح عبد الجبار مرجع سابق ذكره ، ص ص 220

([138]) أحمد يوسف احمد وآخرون ، مرجع سابق ذكره ، ص 221 أنظر أيضاً: هانز كريستوف فون سبونيك ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 197 – 161 .

(1) تشالز تريب ، مرجع سابق ذكره  ، ص ص 325 – 326 .

([140]) نفس المرجع السابق ص ص 352 – 335 ، للمزيد حول التوترات التى سادت في شمال العراق وجنوبه عقب هزيمة القوات العراقية في الحرب 1991 ، انظر فالح عبد الجبار ،  مرجع سابق ذكره ، ص ص 190 – 157 ، انظر أيضاً : روبرت فسك ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 46 -64 .

([141]) نفس المرجع السابق ، ص 341 .

([142]) United Nations sanctity council, Repasts of the Executive chairman of the special commission Established bay the secretary  General pursuant to paragraph (9) of security council Resolution 687, (1991-1998). T.Trevan, Saddam’s Secrets (London.1990).  ، للمزيد أنظر: تشاليز تريب ، مرجع سابق ذكره، ص 339.

([143]) تشاليز تريب ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 244-257.

([144]) نفس المرجع السابق ، ص ص 344-364.

([145]) نفس المرجع السابق ، ص ص 364-365.

([146]) نفس المرجع السابق ، ص ص 364-371.

([147]) هشام خضر ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 175-263 ، للمزيد أنظر: جيف سيمونز مرجع سابق ذكره ، ص 310.

([148]) نفس المرجع السابق ، ص ص 253-305، للمزيد عـن الأخطاء التي وقع فيها النظام عند دخوله الكويت،  ينظر: علاء بشير، مرجع سابق ذكره ، ص ص 135-138.

([149]) نفس المرجع السابق ، ص ص 308-312 ، أنظر أيضاً: حسن محمد طوالبة ، مرجع سابق ذكره،  ص ص 5-98  أيضاً: هانز كريستوف سبونيك فون ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 140-141 ، ص 183- ص 194 أيضاً:

Hans Blix, Disarming Iraq , (New York, pantheon Books, 2004) P. 49,P:54    أيضاً: UNOCHI / Baghdad / press chipping dated 19 January, 1999. P: 9

([150]) هانز كريستوف فون سبونيك ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 254-264.

([151]) عبد الوهاب حميد رشيد ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 153-288.

([152]) نفس المرجع السابق ، ص ص 417-419.

([153]) عبد الله الأشمل ، مرجع سابق ذكره،  ص ص 148-149.

([154]) السيد عبد المنعم المراكبي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 111 ، ص ص 230-231.

([155]) عبد الوهاب عبد الستار القصاب ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 235-238.

([156]) أحمد يوسف أحمد وآخرون ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 598-617.

([157]) نفس المرجع السابق ، ص ص 618-621.

([158]) جوزيف براودي ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 161-165.

([159]) إبراهيم سعده ، الكداب بالصوت والصورة ، القاهرة ، دار الفيصل ، 1991 ، ص ص 148-149 ، ص 181.

([160]) أحمد رائف ، على حافة الكارثة : أوراق أزمة الخليج السرية ،القاهرة ،مركز الدراسات والترجمة بالزهراء للإعلام العربي 1991 ، ص ص 16-23 ، ص ص 82-84 – للمزيد أنظر: إبراهيم سعده ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 188-189.

([161]) جيمس بول وسيلين ناهوري ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 183-187.

([162]) حازم صاغة ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 231-232.

([163]) نفس المرجع السابق ، ص ص 239-242.

([164]) أحمد الزيدي ، مرجع سابق ذكره ، ص 245 ص 267 ، ص ص 178-181.

([165]) عبد الستار هادي عبيد ، مرجع سابق ذكره ، ص 16.

(*) لقد نصح الفريق نزار الخزرجى الرئيس العراقي صدام حسين بضرورة الانسحاب من الكويت نظراً للإمكانيات غير المتكافئة بين قوات التحالف والقوات العراقية مما حذا بالنظام العراقي إلى إبعاده عن قيادة الأركان ، ووضعه في الإقامة الجبرية قبل هروبه إلى الولايات المتحدة ، للمزيد حول ذلك أنظر: علاء بشير ، مرجع سابق ذكره، ص 3.

([166]) إبراهيم نافع ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 304-305.

([167]) روبرت فسك ، مرجع سابق ذكره ، ص ص 118-121.

([168]) عبد الوهاب عبد الستار القصاب ، مرجع سابق ذكره، ص 238.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button