تحليل السياسة الخارجيةدراسات سياسيةدراسات شرق أوسطيةنظرية العلاقات الدولية

برغماتية السياسة الخارجية الإيرانية تجاه العراق

وسام ناظم الخيكاني

دكتوراه علوم سياسية

إن العراق وإيران بلدان محوريان في الشرق الأوسط ، وطبيعة العلاقة بينهما تحدد شكل المنطقة برمتها ، ولم تكن العلاقات العراقية  الإيرانية في اتجاه واحد على الرغم من المصالح المشتركة بين البلدين ، وذلك نتيجة  التداخل المذهبي والجغرافي بين البلدين .

كما إن الحرب العراقية الايرانية (1980 – 1988) والتي تعد أطول حرب خلال القرن العشرين ، غير عادلة بكل المقاييس ، من حيث انها لم تكن حربآ بين دولتين لانتزاع مناطق حدودية فقط ، أو تحقيق أهداف سياسية ، وانما كانت ايضآ حرباً بين ايديولوجيتين ، كل واحدة تسعى للانتصار على الآخر ، حرباً بين البعث العلماني ذي التوجه القومي العربي في العراق والحكومة الدينية الإسلامية في إيران ، وتحت غطاء السياسة الواقعية واللامبالاة الدولية المتعمدة من هذه الحرب ، من أجل اضعاف هاتين الدولتين ونشر عدم الاستقرار في المنطقة وذلك من أجل سهولة التدخل الدولي فيها  .

ففي تموز /1988 اضطرت ايران لقبول بوقف إطلاق النار بالقرار(598) الذي أقره مجلس الأمن الدولي ، بعد أن تم تدمير اقتصاد البلدين ، وقتل الألاف وتشريد الملايين ، مع عدم السماح  لأي طرف منهما بالانتصار في هذه الحرب من قبل الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي ، وهذا ما وضع مسبقاً لنتيجة الحرب  . ومهما كانت التبريرات التي يسوقها العراقيون والايرانيون حيال الحرب ، فأنها تبقى واهية أمام هول نتائجها على البلدين والأمن الخليجي .

وقد تحسنت العلاقات الايرانية العراقية عام 1990 وتم تبادل الأسرى بين البلدين في هذا الوقت ، ولكن بعد احتلال الكويت من العراق عام 1990، كان موقف ايراني رافضاُ الاحتلال بالمقابل أعلنت إيران عدم موافقتها على تجويع الشعب العراقي بفرض الحصار الاقتصادي من قبل مجلس الامن عليه  .

وإن الحرب على الارهاب الذي وضعها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الامريكية منحت إيران دوراً أقليمياً لايستهان به ، ويرى المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية أن الحرب الامريكية على الأرهاب آتت بالمنفعة الكبيرة على تقوية دور ايران الاقليمي ولاسيما في العراق .

 فقد كان لإيران مصلحة حقيقة في إسقاط نظام صدام حسين الذي ناصبها العداء ودفعها للحرب استمرت ثمان سنوات ، فهي تريد عراقاً لايستقوي عليها عسكرياً ، وتريد أن تمسك بخيوط اللعبة السياسية في العراق قدر الامكان، إذ اخذت ايران سياسة الحياد النشط (الايجاب) من الحرب الامريكية على العراق عام 2003 ، وتم الكشف عن هذه السياسة من خلال وزير الخارجية الإيراني آنذلك “كمال خرازي” بقوله : ” نحن لانؤيد الولايات المتحدة ولانؤيد العراق ، نحن معنيون بمصالحنا الأمنية ، نحن محايدون لكننا معنيون ” .

وعملت إيران على اغلاق الحدود مع العراق وأعلنت أنها لن تسمح باستخدام أراضيها في أي عمليات عسكرية لأي طرفي النزاع ، ولكن اتهم (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الامريكي بأن إيران تقدم مساعدات عسكرية للعراق ،وسرعان مانفت ايران هذا الادعاء على لسان أكثر من مسؤول واتخذت الحياد من الحرب .

كما لم يمنع وجود القوات الامريكية على الأراضي العراقية من اعتراف إيران رسمياُ بمجلس الحكم الانتقالي في العراق في 17/ تشرين الثاني / 2003 ، علماً أن إيران استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع العراق في أيلول عام 2004 بالرغم من وجود القوات الامريكية هناك العدو اللدود منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.

ودعا تقرير (بيكر هاميلتون) وهي اللجنة التي شكلها الرئيس الامريكي” جورج ووكر بوش” ، عندما تأزم الوضع الأمني بشكل كبير في العراق عام 2006 ، إلى إجراء حوار مع إيران حول الوضع الأمني العراقي  ، وهو اعتراف امريكي بالنفوذ الإيراني في العراق الذي لاتستطيع منعه ، علماً ان الولايات المتحدة الامريكية وإيران لاتسعى الى استقرار وتقدم العراق لأسباب تعود بالمصلحة على البلدين. فأن لإيران مصالح مهمة في العراق كما أن لدوافعها ومحفزاتها للوجود والتأثير في العراق جذور تاريخية وهذه المصالح كالآتي :

اولاً : المصالح السياسية /

ترى إيران أن التيارات السياسية الدينية في العراق لها فأئدة استراتيجية ن لأن ذلك يوفر لإيران عمقاُ استراتيجياً ويضمن لها بقاء العراق مرناً تجاه مصالحها وداعماً لأهدافها ، إذ إن ايران تدرك بأن مركزها ومكانتها الاقليمية تتعزز إذا نجحت في دعم وجود حكومة موالية لها ، لهذا اجتهدت إيران بدعم تيارات سياسية موالية لها على رأس النظام السياسي العراقي .

ولتوضيح عمق الدور الإيراني للعملية السياسية في العراق ، ففي الوقت الذي كان العراق يغرق في الفوضى السياسية بعد الانتخابات التشريعية عام 2010 ، اشارت معلومات الى ان اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني نظم اجتماعآ في في مدينة قم الايرانية التي تقع جنوب طهران لأطراف العملية السياسية العراقية ، ووافق خلالها مقتدى الصدر الذي يحظى بشعبة واسعة على دعم ترشيح نوري المالكي لرئاسة الحكومة العراقية في دورته الرئاسية الثانية ، وبحسب وسائل الاعلام فأن هذا الاتفاق كرس عمليآ تحول السلطة السياسية العراقية من الولايات المتحدة الامريكية نحو إيران ، لاسيما بعد الانسحاب الامريكي من العراق في نهاية عام 2011 ، وكان نائب رئيس الوزراء العراقي في ذلك الوقت لشؤون الخدمات صالح المطلك قال عن قاسم سليماني ” ان كل الاشخاص المهمين في العراق يذهبون لرؤيته”  .

ويقول القادة الايرانيون بأن العراق يشكل نقطة تحول في المنطقة ، ولكن نظراً لعدم قدرتهم على توقع مستقبل العراق ، تسعى إيران الى زيادة خياراتها في العراق إلى أقصى حد ممكن ، من خلال تأسيس روابط وصلات متعددة مع القوى الحكومية والمعارضة على حد سواء ، فهي تحافظ على علاقاتها مع حزب الدعوة الاسلامي ، والمجلس الاعلى للجمهورية الاسلامية و( ذراعه العسكري فيلق بدر)،كذلك مع “مقتدى الصدر” رجل الدين الذي لديه قاعدة شعبية كبيرة رغم الاختلافات الاخيرة بين الطرفين لأسباب سياسية موقتة .

وعمل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي على تعزيز الشراكة العسكرية مع إيران ، ففي 16 / أيلول /2013 ووقع وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي مع وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان اتفاقية الدفاع الثنائي والتي تهدف الى زيادة التعاون بين البلدين وتعزيز قدرات الجيش العراقي ، وتحسين الأمن العراقي ، وكانت معظم شحنات الأسلحة الإيرانية لنظام بشار الأسد في سوريا تمر عبر المجال الجوي العراقي ، على الرغم من طلب من الولايات المتحدة الامريكية من المالكي إيقافها .

إن الدور الايراني حاضرآ ليس فقط في بغداد ، وإنما ايضآ في اقليم كردستان العراق ، إذ زار علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني الأقليم في عام 2014 ، وكانت ايران توفد للمرة الأولى مسؤول على مستوى رئيس مجلس الشورى للقاء كورد العراق ، وفي هذه الزيارة ذهب لاريجاني إلى برلمان اقليم كوردستان العراق وهو مايعني القبول بالهيكل الفدرالي للأقليم ، وعندما هدد داعش أربيل كانت أيران أول المدافعين عنها ،

ثانياً : المصالح الاقتصادية /

عززت إيران من روابطها التجارية والاقتصادية مع العراق للحصول على مكاسب مالية وتحقيق القدرة على التأثير على جارها. ومن خلال إغراق العراق بمنتجات وسلع استهلاكية رخيصة ومدعومة، وبها قوضت ايران من القطاعات الزراعية والتصنيعية للعراق ، وعملت على بناء للسدود وتحويلها للأنهار التي تغذي المجرى المائي لشط العرب وهذا قد قوض من الزراعة العراقية في الجنوب وأعاق جهود إحياء الأهوار في العراق. وأن العديد من العراقيين يرون أن إيران تتلاعب بهذه الإمدادات لأغراض سياسية .

 إذ إن العراق يمتلك احتياطيآ نفطيآ هائلا وثروات طبيعية ، مما يترتب عليه من فرص للاستثمار والتجارة ، وهذا كان دافعاً لقوى إقليمية للأستثمار في العراق ومنها إيران ، إذ افتتحت العديد من القنصليات في عدة محافظات عراقية وشجعت التجارة بين البلدين ، إذ تقدر تجارة ايران مع العراق عام 2019 ، (13) مليار دولار في حين تهدف إيران إلى زيادتها خلال سنتين إلى (20) مليار دولار ، وبسبب العقوبات الاقتصادية الغربية على إيران ، إذ كان العراق هو المنفذ الاقتصادي المهم في تخفيف أثر تلك العقوبات .

وقد وصف رستم قاسمي في عام 2015 وهو رئيس هيأة التعاون الايراني العراقي ، أن السوق العراقية المكان المناسب للتجار الايرانيين ، وما يشجع على ذلك أن ميزانية العراق وصلت إلى(147) مليار دولار مقابل عدد سكان لايتجاوز (40) مليون نسمة ، وطبقآ لأحصائيات الجمارك فأن الميزان التجاري بين جمهورية ايران والعراق بلغ( 98،5%) لصالح إيران  .

ثالثاً : المصالح الأمنية /

إن العراق يضم في تركيبته الاجتماعية المكون الكوردي ، كما هو الحال في ايران التي تشكل (7%) من سكانها ، وتربطهم علاقات عائلية وثقافية بكورد العراق مما يسهل التعاون والتحالف عبر الحدود في حالة حقق كورد العراق الاستقلال ، وبهذا سيكون إنذار الخطر في مواجهة مركزية ايران وتهديد لأمنها القومي ، أما في جانب آخر وجود ( منظمة مجاهدي خلق ) في العراق خطراً على أمنها القومي ، ولذا تسعى جاهدة إلى أخراجهم من العراق ، مع هذا لإيران وجود استخباراتي مؤثر وكبير في جنوب العراق وبغداد وكردستان ، فمستويات التأثر تتضمن شبكات واسعة من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس.

في بداية تقدم “داعش” في العراق أعلنت إيران عن استعدادها للتدخل العسكري في العراق لمواجهته ، وفي الثالث من أيلول 2014 ، شنت مقاتلات إيرانية ضربات على تنظيم داعش في شرق العراق ، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية إن الغارات الجوية التي شنها الإيرانيون بواسطة طائرات (فانتوم اف -4) لم تكن بتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية ، وأن الحكومة العراقية هي التي تنسق الضربات الجوية التي تشنها دول مختلفة ضد داعش ، وجاء التأكيد على هذا الخبر على لسان مساعد الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية العميد جزائري .

بعد دخول داعش إلى العراق عام 2014 كان أبرز الخيارات وأولها لإيران هو الدعم العسكري غير المباشر للقوات العراقية ، وقد تحدث عن هذا الخيار العميد مسعود جزائري رئيس هيأة الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية في حديث مع قناة العالم الإيرانية الاخبارية ، بأن بلاده مستعدة لمساعدة العراق في قتال داعش ، باستخدام الاساليب نفسها التي تستخدمها إيران ضد الجماعات المسلحة في سوريا .

إن سرعة مساعدة إيران للعراق في القتال ضد داعش ، وأنها أول دولة استجابت لمطلب الحكومة العراقية للحصول على دعم اقليمي ، قد دفعت الاجراءت تلك كل المسؤولين العراقيين إلى الاعتراف بتأثير الدور الإيراني في الحيلولة من دون تقدم تنظيم داعش ، وسقوط بغداد واحتلال العراق ، وأعربوا مراراً تقديرهم البالغ للجمهورية الايرانية ، وكان من بين الدعم ارسال المئات من القيادات العسكرية الإيرانية إلى العراق ، وقال رئيس الوزراء العراقي حيد العبادي في لقاء تلفزيوني ” لدينا مستشارون امريكيون ….. ولايخفى أيضآ إن لدينا مستشارون من إيران ”  .

كما نشر وزير الداخلية العراقي سابقاً قاسم الأعرجي وعضو فيلق بدر صورته إلى جوار قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني ، وذلك على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) ، وذيلها ” الحاج قاسم سليماني هنا” ، في اشارة واضحة إلى دخول إيران على خط المواجهة مع داعش للحيلولة من دون انهيار النظام السياسي العراقي ، وكان هذا بعد دخول داعش الى العراق بمدة قصيرة عام 2014 ، (والجدير بالذكر أن قاسم الاعرجي كان أحد الجنود العراقيين الذي شارك في الحرب العراقية الايرانية ووقع في أسر القوات الإيرانية قبل ان يغير توجهاته السياسية ويقرر الانضمام إلى فيلق بدر الايراني ، ومن هذا يتضح الدور الإيراني العسكري والسياسي في العراق ).

من بين الدول المجاورة لإيران العراق ،إذ يعد الأكثر صعوبة على التحديد على ايران سواء من حيث موقفة تجاه إيران أو علاقاته مع جيرانه في الخليج العربي ، فجيران العراق ينتقدون حقيقة أن هذا البلد الذي لم يعد يوفر قوة موازنة للهيمنة الإيرانية في المنطقة لكنهم في الوقت نفسه لايريدونه عراقاً قوياً لأنه لايثقون به  .

وقال علي يونسي مستشار الرئيس الايراني حسن روحاني لشؤون الاقليات في 8 / أذار / 2015 ، إن ” ايران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ ، وعاصمتها بغداد حالياً ، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي ….. جغرافيآ إيران والعراق غير قابل للتجزئة ، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك ….. لذا اما أن نتقاتل معاً أو نتحد ” وهذا يعد اعتداءً صارخآ لمبدأ السيادة الوطنية واحترام الحدود ويظهر ان هناك اطماعاً ايرانية كبيرة في العراق .

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى