بعد ثمانية اعوام من الربيع العبري كسينجر يصحح العدالة الالهية بالشرق الاوسط

هل لنا بعد مرور ثمانية أعوام على ما سمى بالربيع العربي او الربيع العبري أن دق التعبير، وما شهدته دول تونس وليبيا ومصر وسوريا أن نتسأل عن نتائج تلك الثورات، هل حقا حققت استقرار وتنمية وامان لتلك البلدان.

هل لنا بعد مرور سبعة اعوام على الثورات الملونة بالشرق الاوسط واكثر من عشر اعوام على مثيلتها فى دول البلقان والقوقاز، ان نعرف نتائج تلك الثورات ولماذا كانت من الاساس ومن المحرك الحقيقي لها.

الان يتبادر فى ذهنكم الكلام عن مؤامرة خارجية وما الى اخره، وحقيقة الامر لم يعد فينا أحد لا يعرف الدور التأمري القذر لدول كبرى فى منطقتنا خلال ثورات 2011م، ولكن السؤال الان ماذا يريدوا منا حتى الان بعد ما وصلنا له؟، هل التخلص من الحكام فقط؟! فلو كان ذلك صحيح لكان انتهى أغلب الامر فى نفس العام التى انطلقت فيه الثورات الملونة بالمنطقة العربية، وفى الحقيقية نحن نرى امواج جديدة على كافة سواحلنا بالمتوسط من ليبيا غربا وحتى سوريا شرقا.

فمن الواضح أن الصور والخرائط التى توصلت لها الاقمار الصناعية الغربية لتربة صحرائنا منذ عقدين، قد رصدت ما فى بطون أراضينا وصرحائنا ومياهنا وهو ما تشتهيه بطون الالات والماكينات الصناعية والمعدات العسكرية الثقيلة الغربية، الا وهو النفط والغاز واليورانيوم.

فليس صدفة أن تكون سوريا التى يتركز الاحتياطي بها من الغاز والبترول في البادية السورية والساحل بواقع 81%، بينما يوجد بالجزيرة السورية فقــط 14%، وتصل آبارها لمرحلة النضوب بعد اربعة اعوام من الان، أن تكون البادية هي أخر نقطة يتحصن بها داعش ويتمسك بها ويرفض حتى تركها مقابل الانتقال لارض أخرى، ولم يخرج منها الا بالنار والدم.

وليس صدفة أن تكون صحراء جغبوب الليبية القريبة الملاصقة للحدود المصرية الممتلئة باليورانيوم  أول النقاط التى ترتكز بها القوات الفرنسية، فقبل ان يدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (أحد الابناء البارين بالحكومة العالمية شأنه شأن توني بلير) الى قصر الاليزيه كي يبحث مع ضيوفه بحلف الناتو عن ما سيقوموا به فى ليبيا، كانت مقاتلات الرافال الفرنسية دخلت اجواء ليبيا بالفعل ودمرت كامل بنيتها التحتية.

لذلك دور ساركوزي فى ليبيا كان نسخة طبق الاصل من دور توني بلير بالعراق فى كل شئ، فتوني بلير تحدى حزبه وبرلمانه بل وشعبه، بعدما انطلقت مليونيات فى شوارع لندن ترفض توجيه ضربة عسكرية ضد بغداد، ومع ذلك لم يستمع توني بلير لأحد سوى كولن باول وزير خارجية امريكا وقتها، وبعد أن انهى توني بلير المطلوب منه تجاه بغداد على أكمل وجه، انطلق صديقه كولن باول لدوره فى دمشق، حينما عرض كولن باول على بشار الاسد مذكرة “شروط الابقاء” بهدف تحييد سوريا تماما عن حلفائها وعزلها عن المواجهة مع اسرائيل، الى أن جائت حرب تموز 2006م، كي تستبدل كونداليزا رايز (وزيرة خارجية امريكا وقتها) مذكرة “شروط الابقاء” بـ “شروط الرحيل” وهى التى ظهرت للعلن مع بداية الحرب فى سوريا.

وليس صدفة أن يأتى دور الاكراد فى العراق وسوريا بهذا الشكل، او حتى تذهب احلامهم وطموهم الى ابعد ما كانوا يحلموا، والتوجه نحو الانفصال والاستفتاء عليه، ويكون تسليحهم بهذا الحجم، وهنا اعود بالذاكرة لعام 2009 أي قبل اندلاع الثورة السورية بعامين، عندما توجه وزير الدفاع الايطالي حينها ماريو مورو لكردستان العراق، وخلال زيارته تفقد مساحات شاسعة انشئ عليها مباني كثيرة وورش ضخمة للبناء وسط الصحراء بعيدا عن المناطق السكانية، فسأل ماريو مورو بتعجب الوفد المرافق له من الاكراد عن الهدف من انشاء تلك الابنية الكثيرة فى مكان يعد بعيدا عن التجمعات السكانية، فجائه الجواب بأنها للاجئين الحرب فى سوريا.

وان كانت الثورات او الحرب بتلك الدول دون غيرها، فلماذا لم تطول الثورات باقى الدول بالمنطقة؟! لماذا لم تطول عواصف الخريف العربي سوى تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن بعد تدمير العراق2003، مع العلم أن جمعيها دول رئاسية وليست ملكية، وأي ديمقراطية واستقرار قدمته الثورات لتلك البلدان؟!

لماذا تونس التى كانت من افضل الدول العربية على المستوى العالمي فى التعليم وأحد ارقى شعوب المنطقة، ولم تجعل منه الثورة سوى مركز تخصيب التكفيريين حتى صارت تونس المورد الاول على مستوى العالم لتنظيم داعش متقدمة على افغانستان وباكستان، من كان يتصور ذلك؟!

وصارت تونس ترمومتر لدرجة الحرارة والتوتر بشمال افريقيال، ومختبر لامكانية تطبيق الثورات الملونة بالمنطقة، وصار الشارع التونسي بلا اي تقدم أقتصادي كان او غير اقتصادي، بل وذهبت لما هو اسواء مما كانت عليه بعهد زين العابدين بن علي.

لماذا ليبيا التى تملك من النفط والغاز ما تملكه دول افريقيا جمعاء، وصاحبة الحضور العربي الوحيد فى افريقيا، وتجلى ذلك بعد مقتل القذافي وما تركه من فراغ استغلته دول خارجية فى مقدمتها اسرائيل.

لماذا مصر أكبر أمة فى الشرق، والاقوى عسكريا بالمنطقة، والتى حرمت من اكتشاف ما فى مياها الاقليمية بالبحرين الاحمر والمتوسط، وكبلت حركتها بسيناء حتى باتت مرتع للارهابين بعقود التجمد السابقة، وبرغم انها كانت اقل المتضررين من الربيع العبري، وتسابق الزمن كي تعوض ما فاتها، الا ان كل يوم يتم وضع عراقيل فى طريقها كي لا تكمل مشوارها، وانظروا لما يدور باثيوبيا والسودان وليبيا وغزة كي تعلموا.

لماذا سوريا أخر دول المواجهة، والتى كسرت طموح الغاز والنفط لممالك الخليج بعد أن اتجهت نحو استراتيجية تشبيك البحار الخمس عام2004م.

لماذا اليمن الذى تدور فيه حرب فى الجنوب أشرس من الشمال، فأن كان الشمال بين السعودي والحوثي فقط، فالجنوب بين فرقاء اليمن بعضهم البعض، وبين اعضاء التحالف العربي بعضهم البعض ايضا، وهو الجنوب الذى به احتياطات من النفط تهدد مستقبل دول ذلك التحالف.

بتأكيد نحن لا نتمني الخراب الذى اصاب تلك الدول أن يصيب باقي دول المنطقة، ولكن نطرح سؤال هام، وهو لماذا جائت الثورات بتلك الدول دون غيرها؟! وعندما وصلت عواصف الثورة لمملكة البحرين شاهدنا لاول مرة تدخل عسكري خارجي لمواجهة مظاهرات داخلية فى دولة اخرى، بعد ان تدخلت مقاتلات ومروحيات ودبابات ومدرعات قوات درع الجزيرة لمنع المظاهرات فى المنامة، وهو الامر الذى جاء بمباركة من الولايات المتحدة وبريطانيا الذين كانوا يؤيدوا أى فوضى بالدول التى نشبت بها الثورات.

وربما ما يكشف لنا السر فى ذلك هو أفتتاح القاعدة العسكرية البريطانية بالبحرين ابريل 2018، وهي القاعدة الدائمة والاولى لها بالشرق الاوسط، وهوالافتتاح الذى جاء بعد ساعات قليلة من الاعلان عن اكتشاف نفطي ضخم فى البحرين، أو أن دق الكلام فالاعلان عن الاكتشاف النفطي الضخم هو من تأجل لسنوات الى أن تم الانتهاء من انشاء القاعدة العسكرية البريطانية.

خلاصة القول من يتأمل حقيقة ما يحدث فى الشرق الاوسط منذ غزو العراق2003، مرورا بالثورات الملونة عام 2011م، وصولا لكيفية سماح الامريكي لاشعال الازمة الخليجية خلال أزمة قطر، ثم ما يدور اليوم تجاه ايران سيدرك جيدا مغزى ما قاله هنري كسينجر ذات يوما، وهو الشخص صاحب الكلمة الاولى فى سياسية واشنطن الخارجية حتى يوما هذا، عندما قال: “على الولايات المتحدة الامريكية أن تصحح العدالة الالهية التى وضعت النفط والغاز بعيدا عن مناطق الصناعة والتكنولوجيا”.

 

فادي عيد وهيب

الباحث والمحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button