تآكل تماسك العلاقات الاستراتيجية الأطلسية وتأثيره على التوازن الاستراتيجي الدولي

عامر مصباح (جامعة الجزائر 3)
16/11/2016
استمدت لفترة طويلة العلاقات الاستراتيجية الأطلسية، قوتها وتأثيرها السياسي من العلاقات الوثيقة والتعاون الكثيف بين ضفتي شمالي الأطلسي، خاصة منذ بداية القرن العشرين عندما انخرطت الولايات المتحدة عسكريا وبشكل مباشر في الحروب الأوربية. توثقت هذه العلاقات وأخذت عمقها الاستراتيجي، السياسي وحتى الإيديولوجي بعد الحرب العالمية الثانية، عندما اخذت الولايات المتحدة القيادة للعالم الغربي خلال الحرب الباردة في مواجهة المد الشيوعي في أوربا وعبر العالم. خلال فترة الصراع العسكري الدامي في أربعينيات القرن العشرين، والمنافسة الاستراتيجية الحادة مع الكتلة الشرقية في الحرب الباردة ؛ كانت قوة الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في مواجهة مشاكل السياسة الدولية والتحديات الشؤون العسكرية، مستمدة من قوة الرابطة الوثيقة ما بين ضفتي الأطلسي.

أخذت هذه العلاقة في التآكل التدريجي بفعل الخلافات الحادة في معالجة الأزمات الدولية، بداية من الموقف الأوربي (الفرنسي/الألماني) الرافض لغزو أمريكا العراق عام 2003، وتعمقت الهوة بين الطرفين بواسطة خروج لأول مرة مظاهرات شعبية حاشدة (14 فبراير 2003) في معظم العواصم الأوربية مناهضة للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وكان رد الفعل الأمريكي من قبل وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حين أطلق وصف “القارة العجوز” على حلفاء أمريكا التقليديين. الأكثر من ذلك، أن في صيف 2003، أجري سبر آراء في أوربا، وعبّر معظم المستجوبين بأن أمريكا أصبحت خطرا على السلم الدولي. وكنتيجة لتعقد الوضع الأمني في العراق وأفغانستان والمتاعب العسكرية التي واجهها الجيش الأمريكي هناك، في مقابل تلكؤ الأوربيين إرسال قوات برية لدعم القوات الأمريكية، هدّد وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في 2007 بسحب القوات الأمريكية من أوربا إذا لم تساعد الحكومات الأوربية أمريكا في أفغانستان.

القشة التي قصمت ظهر البعير، هي فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية (نوفمبر 2016)، الذي أثار حفيظة الحكومات الأوربية (عدا بريطانيا) بسبب سياسته التي أعلن عنها في الحملة الانتخابية ومواقفه نحو كل من سوريا وروسيا. فقد صرّح ترامب مثلا بأنه: “لا يحب الرئيس الأسد، ولكنه يحارب الإرهاب”، كما أنه أعلن رغبته في التعاون مع فلاديمر بوتين، وهاتف الرئيس الصيني فور فوزه، وعبّر عن رغبته في تطوير التعاون بين أمريكا والصين؛ وهذا يعني بطريقة أخرى سوف يعوّض الفتور الأوربي بتوطيد العلاقات مع كل من الصين وروسيا. بالطبع مثل هذه المواقف سوف تضعف القوة الأطلسية في أوربا والعالم، وتجعل الأمن العالمي على المحك.

لذلك بادر وزراء الدفاع في الحكومات الأوربية بعقد اجتماع الاثنين الماضي، ودعوا إلى بناء قوة الدفاع الأوربي المستقل عن الولايات المتحدة. المسألة المهمة الأولى في مبادرة الدفاع الأوربي المستقل، أن بريطانيا سوف لا تكون جزءً منه، وهذا ما لا تقبله، لأن بريطانيا عبر تاريخها الاستراتيجي الطويل كانت ترفض أي سيطرة على القارة الأوربية من أي قوة أخرى (مقاومتها لكل من نابليون بونابرت، أدولف هتلر، والاتحاد السوفياتي).

المسألة الثانية في مبادرة الدفاع الأوربي المستقل عن أمريكا، هي أن الدولة الأكثر قدرة على تمويل القدرات الدفاعية والتطوير العسكري الكبير هي ألمانيا، وهذا يعني أن القوة الأوربية سوف يكون مسيطرا عليها من قبل ألمانيا وهذا سوف يخلق مشكلة كبيرة لفرنسا، التي سوف تصحو لديها الخبرات الاستراتيجية الماضية المؤلمة مع ألمانيا منذ أن نجح اتو فون بسمارك هزيمة القوات الفرنسية ودخل باريس في عام 1871. عبرت عن هذا الإرث الاستراتيجي الثقيل بالآلام ماري لوبان، عندما عقدت ندوة صحفية عشية الإعلان عن فوز ترامب وأعلنت تأييدها لترامب وبوتين، وقالت بأن روسيا هي حليف تقليدي لفرنسا (وهذا صحيح منذ توحيد ألمانيا عام 1870 إلى غاية 1945).

التباين في المنظورات الاستراتيجية بين ضفتي الأطلسي حول القضايا الجوهرية سوف يعمّق الفجوات في المنظورات الاستراتيجية حول القضايا الحيوية، ويقوّض بدوره الاستقرار في النظام الدولي ككل، وفي نفس الوقت يحرر كل من الصين وروسيا من أجل المضي قدما في المناسفة الاستراتيجية، ويقلص الضغوط الاقتصادية والعسكرية على روسيا. في نفس الوقت، سوف يضعف القوة الأمريكية وهيمنتها على أوربا، على اعتبار أن القوة الأمريكية في العالم مركزها أوربا وليس أي منطقة أخرى.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button