دراسات سياسية

تحليل النظرية السياسية : قصة الكهف الرمزية لأفلاطون

كان أفلاطون الذي عاش في الفترة من 427-347 قبل الميلاد واحداً من الفلاسفة البارزين في أثينا القديمة. ولد أفلاطون لأسرة أنجبت قادة سياسيين مشهورين وخدم دولة مدينة أثينا أولا من خلال اشتراكه في الجيش خلال حرب اثينا ضد اسبارطة ، وثانيا وهو الأهم من خلال إسهاماته الثقافية والعلمية، وقد كون أفلاطون فلسفته خلال فترة من النشاط العلمي المتوقد في أثينا القديمة التي لاحظ فيها أستاذه سقراط (470-399 قبل الميلاد) وهو ينتقد السفسطائيين وهم مجموعة الفلاسفة الذين كانوا يدرّسون فن البيان أو البلاغة مؤكداً بأن العقل ينبغي أن يهتم بالبحث عن الحكمة – وليس بإتقان البلاغة. هذه الفكرة الفلسفية التي كان سقراط ينادي بها أدت به إلى الاصطدام مع النخب السياسية في أثينا الذين حكموا عليه بالموت في 399ق.م بتهم العقوق وإفساد الشباب. وقد أرعب هذا التطور أفلاطون مما دفعه إلى تكريس حياته للفلسفة مقتفياً آثار أستاذه.

لقد عاش كلا من سقراط وأفلاطون خلال فترة الحروب البيلونيزية التي نشبت بين أثينا وأسبارطة والتي أنتهت بهزيمة أثينا في 405 قبل الميلاد. وفي الفترة من 387 قبل الميلاد – 529 بعد الميلاد أصبحت أكاديمية أفلاطون مركزاً للتعليم حيث درس أرسطو (384-322 قبل الميلاد) وغيره في هذه الأكاديمية علوم الفلسفة والقانون والرياضيات والمنطق. كما أثرت كتابات أفلاطون على فلاسفة آخرين مثل الفيلسوف فيلو Philo في الاسكندرية (15 قبل الميلاد – 50 بعد الميلاد) الذي دمج التعاليم الأفلاطونية مع التعاليم اليهودية، والقديس أوغسطين (354-430م) الذي كان لكتاباته في النظرية السياسية المسيحية تأثيراً واضحاً على صياغة الأفكار المتعلقة بالعلاقات الدينية – والدنيوية خلال العصور الوسطى، بالإضافة إلى المفكر الإسلامي الشهير ابن رشد (1126-1198م) الذي أسهمت أعماله في تطور النظرية القانونية والدينية والسياسية.

لقد كان تأثير سقراط على أفلاطون كبيراً إلى الحد الذي جعل أفلاطون يستخدم سقراط كرمز رئيسي في عدد من أعماله. وفي كتابه “الجمهورية” يقدم أفلاطون قصة رمزية لإيضاح عقبات وثمار التحليل النقدي الفلسفي. و ينبغي أن ينظر إلى هذه القصة الرمزية المسماة قصة الكهف الرمزية كمثل أو حكاية رمزية للنظرية السياسية نفسها. ويكمن غنى وأهمية تعاليم قصة الكهف مثلها في ذلك مثل كل القصص الرمزية ليس في التفاصيل الحرفية للقصة وإنما في الأسئلة الفلسفية الأكبر التي تتضمنها تلك التفاصيل. فهي ليست في الواقع عن الكهوف إطلاقا وإنما تتعلق بالإمساك بالمسائل التي لابد من فهمها لكي نرى العالم بوضوح.

وفي كتاب “الجمهورية” بدأ أفلاطون حكايته الرمزية بشخصية سقراط وهي تخبرنا أن القصة يفترض فيها أن توضح طريقة الوصول إلى الفهم والتنوير. ولهذا السبب كانت الحكاية مفيدة جداً كمثال للتنظير السياسي، وذلك لأن النظرية السياسية تمثل تاريخ البحث عن التنوير والفهم حول الأسئلة المعيارية للسياسة.
ما هو الظرف الإنساني المناسب للمعرفة والجهل؟ يؤكد سقراط في هذه القصة بأنه لكي نبدأ الإجابة على هذا التساؤل لابد أن نتخيل أنفسنا نعيش في كهف تحت الأرض. وكسكان لهذا الكهف فنحن غير مكترثين بمعظم المظاهر الأساسية لبيئتنا. فعلى سبيل المثال نحن لا نعرف أننا بالفعل في داخل كهف، كذلك نفترض بأن الأشياء التي نلاحظها حولنا تمثل كل ما في الوجود، وليس لدينا أية فكرة بأنه يوجد فوقنا سطح وسماء وشمس وذلك لأننا وبشكل تلقائي نعتقد بأن ما نراه فقط هو الواقع. ويشرح سقراط بطل القصة قائلاً بأن قوة أبصارنا في الكهف محدودة جداً، فالكهف ضعيف الإضاءة ومن ثم فإن أبصار الأشكال والصور يكون صعباً. ولكن نظراً لأننا عشنا دائماً في هذا الكهف فإننا لا نشعر بأنه مظلم أو غير واضح فكل شيء سيبدو لنا عادياً.

وهناك أشياء في هذا الكهف لا نعرف عنها شيئاً فنحن لا نستطيع النظر إلا إلى الإمام. وبالنظر إلى أننا لم نحاول أبداً النظر إلى الخلف فنحن لا نعرف حتى ما إذا كان ذلك ممكناً، ولذا فنحن لا ندرك بأننا مقيدون. وهناك وراءنا ثلاث أشياء مهمة : نار الشعلة المعلقة على جدار الكهف، وطريق يؤدي إلى خارج الكهف ومجموعة من الناس تحرك أشياء بحيث تترك لها ظلالاً على جدران الكهف .في هذا الكهف نرى الظلال أمامنا فقط ولا ندري أبداً أن هذه مجرد ظلال تشكلت نتيجة لتحرك الأشياء أمام نار الشعلة في نهاية الكهف. وعندما لا يكون لدينا أي سبب للتفكير بطريقة أخرى فإننا نعتبر تلك الظلال حقيقية.
ولذلك فإن حياتنا هي بمثابة مشاهدة للظلال، ونكون بالتالي مسحورين بعالمنا الذي لا نعرف طبيعته الزائفة أو الفارغة. بل أننا متأكدين أننا نعرف الحقيقة – فبعد كل شيء نحن نلاحظها تجريبياً – ومن ثم أصبح رضانا بواقعنا جزءاً من طبيعتنا نحن نشعر بأن كل شيء على ما يرام.
وفجأة يحدث شيئاً ما يحطم ويكسر الحياة في الكهف. فقد وقف شخص ونظر حوله وبمجرد قيام هذا الشخص بهذه الحركات غير المسبوقة والنظر إلى هذه الاتجاهات الجديدة بدأ يشعر بإحباط شديد، فالنهوض والنظر حوله ورؤية النار كل هذه الحركات الجريئة أجهدت العضلات والعيون التي لم تكن مهيأة لمثل هذه الأشياء غير الطبيعية. وبدأ هذا الفرد يشعر بالغموض لأنه كان لابد أن يكيف بصره وتوازنه مع مستجدات الوقوف ورؤية الضوء. ويستمر سقراط ليؤكد بأن هذا الفرد حاول أن يرفض حالاً كل ما راءه لأنه بنظره غير مألوف، ومن ثم غير حقيقي، وغير طبيعي وغير صحيح. هذا الوضع يجعل الفرد يشعر بالقلق الشديد وقد يدفعه بقوة إلى الهروب من كل تلك الأشياء الجديدة ولكن ماذا يحدث إذا لم يفعل ذلك؟ ماذا يحدث إذا ما صعد الفرد خلال طريق الكهف إلى الخارج؟ هنا سيواجه بصدمات أخرى أشد وسيصبح حينئذ أكثر خوفاً وقلقاً وذلك لان أشعة الشمس ستكون غير محتملة إطلاقاً بالنسبة لمن عاش دائماً في كهف، مما يجعل هذا الفرد فاقداً للأبصار وتائهاً.
ومع ذلك فإن الأشياء تبدأ بالتغير تدريجياً، فالعين ستبدأ في التكيف مع الواقع الجديد وسيبدأ الفرد يرى ليس الشمس فقط وإنما أيضاً الأرض والسماء والعالم. ويبدأ يدرك الآن أن هناك عالماً كاملاً غير حياة الكهف المظلمة، وأن الكهف ليس هو العالم، وأن الحياة المقيدة ليست حقيقة. عندها يعرف السجين السابق كل هذه الأشياء.

ويبدأ هذا الفرد المتنور يشعر بحاجة ملحة لإشراك الآخرين في الكهف في اكتشافه الرائع. ولذا تكمل الحكاية قائلة بأن الفرد يعود ثانية إلى الكهف ويبدأ في إخبار الآخرين بالحياة الأخرى خارج الكهف وبأنهم مقيدون مع أن بإمكانهم النظر إلى الخلف وبأن الوقوف والتحول ممكناً وأن تلك الظلال التي كانوا يرونها دائماً هي مجرد صور تشكلت بواسطة حركات لم يروها في السابق إطلاقا.
ترى كيف ستكون استجابة السجناء لهذه المزاعم؟ في الحكاية يقرر السجناء بأن هذا الفرد مجنوناً وخطيراً وبأن بصره قد حدث له مكروه. وأنه لم يعد يدرك الحقيقة، إذا كان يعتقد بأن النظر إلى الوراء أمراً عادياً. أي أن هذا الفرد يهذي هذه هي ردة فعل سكان الكهف، وإذا ما استمر في محاولة تحريرهم فإن سقراط يبدو واضحاً في الإشارة إلى ما سيحدث عندما قال بأن سكان الكهف سيقتلونه.

أننا جميعاً ربما نكرر رحلة هذا الفرد في قصة أفلاطون عندما نفكر نقدياً حول السياسة، فالتفكير النقدي ليس سهلاً وفي بعض الأحيان يكون مشوشاً ويؤدي في الغالب إلى نتائج مناقضة للوضع القائم في حياتنا الكهفية. فالتفكير النقدي حول أهداف الدولة يمكن أن يؤدي بنا في الاعتقاد بأن قيّم مجتمعنا الراهنة ليست أكثر من مجرد ظلال على الجدران. ولهذا فإن النظرية السياسية قد أتت بأفكار هي في الغالب موضع خلاف ومثيرة للمعارضة القوية في بعض الأحيان. فسقراط نفسه اعتبر خطيراً وحكم عليه بالموت من قبل دولة أثينا. وهذا ما حدث مع معظم المفكرين البارزين فيما بعد الذين طرحوا أسئلة من هذا القبيل، إذ أنه كلما طرح مفكر أسئلة حول المواقف المعيارية للسياسة مرشداً من خلالها إلى طرق للخروج من الكهف كلما أدى ذلك به إلى منطقة الخلاف والصدام مع سكان الكهف.

المفاهيم والنظريات السياسية
تتطرق معظم النظريات السياسية صراحة أو ضمنا لمفاهيم شائعة في الحياة السياسية. ونظرا لأن الفلسفة السياسية تحيط بنطاق واسع من القضايا فإنها الأكثر احتمالا لتحليل معظم تلك المفاهيم. أما النظريات ذات التركيز الأضيق فإنها يمكن أن تتطلب من الباحثين الذهاب إلى ما هو أبعد من محتوى النظرية نفسها للتعرف على الافتراضات الهامة التي يعتنقها المنّظر. ومن بين أهم المفاهيم الأساسية للنظريات السياسية ما يلي:

أولا / طبيعة الكون
قد تبدو المعتقدات حول طبيعة الكون بعيدة جدا عن عالم الأفكار السياسية لكنها في الحقيقة تعتبر هامة في فهم الأفكار السياسية ضمن إي حقبة معطاة. ومع تغير تفسيرات الكون تغيرت معها وجهات النظر حول دور و مع تغير تفسيرات الكون تغيرت معها وجهات النظر حول دور وإمكانات الفرد أيضا.
ففي العصور القديمة أعطت رؤية بطليموس عن الأرض باعتبارها مركز الكون الأفراد شعورا مفرطا بالأهمية، بينما دفعت الكنيسة في العصور الوسطى إلى القبول بالشقاء الدنيوي وحكمة التراتبية في العلاقات الاجتماعية والسياسية. وجاءت نظريات نيوتن في العصور الحديثة لتتحدى هذه الأفكار باقتراحها أن الكون محكوم بقوانين يمكن معرفتها وأنه يمكن للأفراد الذين يعملون عقولهم أن يحيطوا بأسس الشأن الطبيعي فضلا عن أسس السياسة والمجتمع.
وخلال القرن التاسع عشر كان هناك اعتقادا واسعا بأن الأسس البيولوجية قادرة على تفسير السلوك الاجتماعي فقد ألهمت نظرية تشارلز داروين عن التطور البيولوجي عددا من النظريات الاجتماعية التي أكدت على الحتمية وعلى قيمة المنافسة الفردية.
وبرغم أن أفكار القرن العشرين عن العلم والسياسة قد تم تنقيحها بشكل مثير القرن العشرين عن العلم والسياسة قد تم تنقيحها بشكل مثير إلا أن كل الدلائل تتوقع أن الفكر السياسي سيبقى مرآة تعكس تطور المعرفة حول طبيعة الكون. لقد تحدت التطورات في النظريات الطبيعية بعضا من اليقينيات التي نسبت للعلم فيما مضى وهذا النقص في مجال اليقينيات قد أنعكس في الفكر السياسي أيضا. ولذلك فإن الاعتقاد بحتمية التطور الإنساني وكفاءة العقل الإنساني هو اليوم أقل بكثير مما مضى.

ثانيا/ الطبيعة الإنسانية
ربما يكون الافتراض الأهم لأي منظر هو نظرته للطبيعة الإنسانية .وبرغم أنه يحتمل ألا يكون مثل هذا الافتراض معلناً إلا أن تحليل دور القانون وطبيعة الالتزامات السياسية ودور وبناء المجتمع وغيرها من الأفكار المرتبطة بالنظرية السياسية التي يصنفها المنظر ستعكس فهمه الخاص بالطبيعة الإنسانية . ويمكن الزعم بأن هناك ثلاث وجهات نظر أساسية للطبيعة الإنسانية. الأولى تعتقد بأن الطبيعة الإنسانية يحتمل أن تكون صالحة في أساسها وأن الأفراد عقلانيون بطبعهم. ومن هذا المنطلق يتوقع أن يبني المنظر السياسي نظاماً سياسياً يتيح حرية فردية واسعة ويشجع التجربة والتغيير. أما النظرة المناقضة الثانية للطبيعة البشرية التي ترى الأفراد بطبعهم أنانيون وغير جديرون بالثقة فترى أن هناك حاجة إلى نظام سياسي يفرض سيطرة وتحكم على الأفراد. وفي أواخر القرن العشرين ظهر نموذج ثالث للطبيعة البشرية، عبر عنه بقوة B.F.Skinner (1904-1990) عالم النفس الأمريكي. ويؤكد هذا النموذج على أن الأفراد ليسوا صالحين ولا أشرار ، وليسوا أخلاقيين أو غير أخلاقيين بل أن البيئة هي التي تشكل طباعهم وشخصياتهم. ولذا يزعم سكنير أنه ليس هناك شئ اسمه العقل أو الروح. وأن إيجاد أفراد لطفاء ومتعاونين هو بكل بساطة مرتبط بتوفير الإطار الملائم الذي يعيشون فيه. وبالرغم من أن هناك تباينات حول هذه النماذج للطبيعة الإنسانية إلا أنه ينبغي أن تكون هناك علاقة ضمنية متماسكة بين المفاهيم المحددة للطبيعة الإنسانية ووجهات النظر الخاصة عن السياسة في موقف المنّظر.

ثالثا/ النظرة للمجتمع
لا يمكن للإفراد أن يعيشوا في عزلة وإنما يعيشون ضمن بعض أشكال العلاقات الاجتماعية. ولذلك فإن تفسيرات طبيعة هذه العلاقة تؤثر على الكيفية التي ينظر من خلالها المنّظر للسياسة. فبعض المنظرين نظر إلى السياسة على أنها خاضعة لقوى اجتماعية خاصة: فمارتن لوثر مثلا شعر بأن المعتقد الديني كان الارتباط الاجتماعي الأسمى. ومن جانبهم اعتقد الليبراليون الكلاسيكيون بشكل عام أن النشاط الاقتصادي أكثر أهمية لرفاهية الفرد من السياسة الحكومية. وربما كان توماس هوبز الفيلسوف الانجليزي في القرن السابع عشر أخر مفكر ليبرالي يصر على أن الحكومة هي القوة الأرضية الأعلى.
واختلف المفكرون أيضا في تصورهم لتركيبة المجتمع. فبعضهم مثل هيجل زعم بأن المجتمع كائن عضوي. وهذه النظرة ترى الأفراد كأجزاء متكاملة لكل أكبر هو الجماعة. بينما زعم آخرون مثل جيري بنثام أنه ليس هناك شئ أسمه مجتمع وإنما هناك فقط أفراد منفصلون يعيشون ويعملون ويلعبون معا. وهناك وجهة نظر أخرى حديثة ذات شعبية خاصة في الولايات المتحدة ولكن يوجد لها أتباع أيضا في بريطانيا وألمانيا تؤكد على الطبيعة التعددية للمجتمع، وأن الأجزاء الرئيسة للمجتمع هي الجماعات المتنافسة والمتنوعة ضمن الأمة.

رابعا/ الأنساق الاقتصادية
تستحق الجوانب الاقتصادية للمجتمع اهتماما منفصلا هنا لأنها قد اعتبرت دائما مهمة جدا للفكر السياسي والسياسة العامة. وتعتبر الرأسمالية هي النمط المهيمن للنشاط الاقتصادي عبر العالم في الوقت الحاضر .وفي الاقتصاد الرأسمالي تكون وسائل الإنتاج ذات ملكية خاصة ويتم تشجيع النشاطات الفردية لتعظيم الأرباح . أما الاشتراكية التي نظر إليها غالباً كنقيض للرأسمالية فتتبنى ملكية الدولة لوسائل الإنتاج. ومع ذلك فهناك أشكال عديدة للاشتراكية . ففي بعض البلدان كالسويد ،فرنسا ، وبريطانيا – في ظل حزب العمال- لا تمتلك الدولة إلا بعض الصناعات الرئيسية . أما في غيرها كالصين فلا يسمح إلا بملكية فردية محدودة .
وقد كان الإقطاع هو النمط الشائع للتنظيم الاقتصادي في أوروبا قبل الرأسمالية ولقرون عديدة. ويقوم الإقطاع على شبكات معقدة من الالتزامات والحقوق بين طبقات اجتماعية متنوعة. وقد كان هناك تشجيعاً للاستقرار في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بينما كانت محاولات الأفراد في التنافس على الأرباح غير محبذة.

خامسا/ أنواع الحكومات
لم يعر بعض المفكرين المؤسسات الحكومية اهتماماً كبيراً بينما اعتبرها مفكرون آخرون جوهرية وهامة لنظرية سياسية مفيدة ومفتاحاً لنظام سياسي مستقر.
لقد أثرت أهداف المنظرين السياسيين على أفكارهم تجاه الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه مؤسسات الحكومة. فخلال بداية العصور الحديثة خصص بعض المفكرين جهداً كبيراً للدفاع عن الحق المقدس للملوك. أما المنظرون الليبراليون الديمقراطيون فقد ركزوا على المجالس التشريعية ووظائفها التمثيلية. واعتبر الليبراليون الكلاسيكيون المحاكم مؤسسات ذات أهمية خاصة للحفاظ على حقوق الملكية. وقد طور مونتسكيو الفيلسوف الفرنسي في القرن الثامن عشر نظرية معقدة لسلطة متوازنة تقوم المؤسسات الحكومية في ظلها بمراقبة بعضها البعض في العملية السياسية . وقد كانت أفكاره تلك ذات تأثير مهم على واضعي الدستور الأمريكي الذين كانوا مهتمين بحماية الأفراد من سلطة الحكومة أكثر من اهتمامهم بالحاجة إلى حكومة قوية .
وفضلاً عن الأشكال المختلفة للمؤسسات فإن للحكومات تنظيمات مختلفة فيما يتعلق بتوزيع السلطة إقليميا. والنوعان الأكثر شيوعا هما الحكومة الموحدة والحكومة الاتحادية. ففي الحكومة الموحدة تتركز السلطة على المستوى القومي وتخضع كل الحكومات الفرعية فيها للحكومة القومية كما هو الحال في فرنسا والسعودية ومصر، أما الحكومات الاتحادية فتتسم بتوزيع السلطة بين مستويين للحكومة ضمن نفس الإقليم. وتعتبر الولايات المتحدة مثالا لهذا النموذج من الحكومات بتوزيعها للسلطة بين الحكومة القومية وحكومات الولايات الخمسين المكونة للاتحاد.

النظريات الكلاسيكية
الفكر السياسي الإغريقي وفكرة الاكتفاء الذاتي
يميل بعض علماء السياسة إلى إبراز المساهمات الفكرية السابقة على الحضارة الإغريقية مثل إسهامات حضارات بلاد الرافدين وحضارات الصين والهند ومصر القديمة ومع أننا لا ننكر ما تضمنه التراث الإنساني من إسهامات فكرية سابقة على حضارة الإغريق إلا أن الحضارة الإغريقية تميزت عن غيرها من الحضارات السابقة بعدد من المزايا الهامة ومنها:
1. تعدد دول المدينة الإغريقية مع انتمائها لمركب حضاري واحد مما جعل من الممكن الربط بين الجانب الفكري والوجود الحضاري.
2. تطوير الإغريق للغة مكتوبة استطاعت حفظ التراث الإغريقي حتى الآن.
3. أن الإغريق كانوا أول من قرر حق المواطنة الذي يعتبر أساسا مهما للحكم.
4- تأكيد الإغريق على مبدأ الاكتفاء الذاتي لدول المدينة التي أقاموها.

وهذا ما حدا بمعظم الباحثين إلى التقرير بأن الفكر السياسي يبدأ مع الفلسفة الإغريقية. وقد حاول الفكر السياسي الإغريقي في معظمه رسم إطار سياسي لحكومة تستهدف إقامة دولة فاضلة تتوزع فيها الأعمال ويشارك جميع المواطنين في إنشائها بحيث تقوم على العدل وتنشد المساواة.
ويزعم البعض بأن أفلاطون هو واضع علم السياسة، فكتابه “الجمهورية” من بين أشياء أخرى قدم وصفاً لنظام سياسي مثالي إلا أن تفسيره كان تأملياً إلى حد كبير، كما انتهى الأمر بنظامه المثالي إلى أن يكون مماثلاً تقريباً للفاشية الحديثة أو الشيوعية. ففي كتاب “الجمهورية” يشير أفلاطون إلى أن الهدف الأسمى للدولة يتمثل في العدالة وأن أفضل أشكال الحكومات هو ذلك الذي يحاول تحقيق العدالة التي هي نابعة من الطبيعة. ولذا يفسر أفلاطون ذلك بقوله أن إتباعك أو انقيادك لطبيعتك يعني أنك صادق تجاه نفسك. أنها فعل ما هو طبيعي، أمين، وصحيح بالنسبة لك أنها انقياد لفطرتك وهدفك الطبيعي.
وعلاوة على ذلك فعندما يتصرف الفرد بعدالة تصبح الدولة أيضاً عادلة، وإذا ما تبع كل فرد طبيعة، كما يقول أفلاطون، فإن الأفراد سيقسمون أنفسهم إلى ثلاث مجموعات رئيسة. فبعض الأفراد سيكونون بطبعهم أكثر ميلاً إلى البحث من العمل اليدوي أو الحرفي وبالتالي يصبحون عمالاً، وآخرون سيتجهون بطبعهم إلى الأنشطة التي تتضمن المخاطرة الجسدية وبالتالي يصبحون قادة عسكريين بينما سيكون الآخرون مهتمون بشكل طبيعي بالخدمة العامة وصنع السياسة ومن ثم ينضمون إلى طبقة الحكام. ويعتقد أفلاطون بأن الفلاسفة بطبيعتهم هم الأحق والأجدر بدخول مجموعة الحكام لأنهم أكثر من يستخدم العقل للبحث من الحقيقة. وفي هذا النقاش حول العدالة فإن الاعتبار الأكثر أهمية بالنسبة لأفلاطون هو أن كل فرد يختار العمل الذي ينسجم مع طبيعته ومن ثم ينتسب إلى المجموعة التي تنسجم مع ميوله الطبيعية، ومواهبه وقدراته.

ويعّرف أفلاطون الظلم على أنه العمل أو التصرف المناقض للطبيعة، ولذا فإذا حاول فرد ما ممن تؤهله طبيعته ليكون من قادة الجيش أن يتجاوز ذلك إلى طبقة الحكام فإن هذا هو الظلم بعينه. وإذا ما كان فرد ما تؤهله طبيعة ليكون عاملاً لكنه يتمنى أن يرتفع إلى طبقة الجنود فهذا من الظلم أيضاً. فالخروج من المجموعة التي تؤهلك طبيعتك للانضمام إليها يضعك في حرب مع العدالة ولذلك فمن المثير للاهتمام أن أفلاطون يحذر من الطموح ويقف ضد محاولة الحراك الاجتماعي إلى الأعلى أو الأسفل وضد حتى القيام بعمل شيء ما فقط لأنه يحظى بالاهتمام أو لمجرد وجود القدرة على عمل ذلك. فكل تلك الأشياء كما يقول أفلاطون يمكن أن تبعدنا عن الطبيعة وتجلب التعاسة والشقاء لأنفسنا والظلم للدولة.
ونلاحظ هنا أن نظرية أفلاطون تنتقد مجرد النزعة إلى الترقي، أو المنافسة للتفوق على أقرانك أو الطموح في إنجازات أكبر في كل مجالات الحياة ومن ثم فإذا استمعنا إلى أفلاطون فمن الممكن أن ننظر بازدراء إلى تلك المحاولات ويمكن أن نسأل ما إذا كانت كل طرق المهن هي طبيعية لكل الناس.

إن كتابات أفلاطون تثير احتمالات رائعة وكانت موضوعاً لتعليقات لا تحصى. بعض القراء أرعبتهم فكرته عن الطبقات الثلاث التي يصنف ضمنها الأفراد، وصدم أفلاطون بعض الناس لكونه يدعو في فكره إلى الهرمية البائسة والتسلطية. وبالفعل فقد كان أفلاطون ناقداً للديموقراطية لأنه كان مقتنعاً بأن الحكم وصناعة السياسة هي موهبة طبيعية يتملكها بعض الناس، وليس كلهم. ومن خلال تأكيده هذا لم يغضب أفلاطون المشاعر الديمقراطية فقط ولكنه صدم أيضاً بعض المعلقين ودفعهم إلى وصفة بالأنانية عندما رأى بأن الفلاسفة (مثله) هم الطبقة الأكثر ملاءمة بطبعهم لحكم الدولة المثالية. وتأثرت مشاعر بعض المعلقين بزعم أفلاطون أن الحياة العادلة أكثر أهمية من إتّباع الطموح الشخصي. أن الشيء المؤكد الوحيد في تلك التفسيرات هو أن أفلاطون سيستمر في تحديه لقرائه بإغاظة البعض وإبهاج الآخرين.
أما أرسطو، تلميذ افلاطون، فقد اختلف مع أستاذه حينما رفض الحكم الذي لا يستند على القانون حتى لو كان صادرا عن فيلسوف وأكد على أن الدولة الجيدة ينبغي أن تقوم على القانون المستند على العقل وأن حكم الفرد يمهد للشر. واعتقد ارسطو بأن السعادة هي هدف الحياة وأن الإنسان هو كائن اجتماعي في حاجة إلى التوجيه من قبل مجتمع منظم. كذلك كان ارسطو أول عالم سياسة إحصائي تجريبي. فبدلا من افتراض وجود نماذج مثالية يمكن التعرف عليها من خلال التحليل العقلاني قام ارسطو بدراسة الظروف السياسية على أرض الواقع. وكجزء من دراسته تناول بالتحليل التاريخ السياسي لأكثر من 150 دولة مدينية وقومية في عهده ، ومن خلال هذه المعلومات وضع كتابه الهام “السياسة”.

عاصر كل من أفلاطون وأرسطو أفول دولة أثينا وحاولا أن يفهما لماذا وأن يقترحا وسائل للحيلولة دون ذلك. لذلك ابتدعا تقليدا لا يزال في قلب علم السياسة حتى اليوم: متمثلاً في البحث عن مصادر وأسباب السلام السياسي والاستقرار. ولم يكن أرسطو متردداً في تعريف وتحديد ما اعتقد أنه الأفضل سياسياً كما يقول في هذا المقطع.
أن أفضل مجتمع سياسي هو ذلك المكون من مواطني الطبقة الوسطى وهذه الدول أكثر احتمالاً لأن تدار بكفاءة وفيها تكون الطبقة الوسطى كبيرة….. وهي التي يكون لدى أفرادها ملكية معتدلة وكافية. وذلك لأنه عندما يمتلك البعض كثيراً ولا يجد الباقون شيئاً فإنه من الممكن أن يبرز ديموقراطية متطرفة أو أقلية أوليجاركية واضحة، أو حاكم مستبد…… وتكون الديموقراطيات أكثر أمناً ودواماً من الاوليجاركيات وذلك لأنها تحتوي على طبقة وسطى كثيرة العدد ولديها تأثيراً أكبر على الحكومة، وعندما لا يوجد طبقة وسطى ويكثر عدد الفقراء بشكل كبير تبرز المشكلات وسرعان ما تزول الدولة.
وبرغم أن أرسطو كتب هذا المقطع في القرن الرابع قبل الميلاد إلا أنه كان يشرح لماذا تنجح أو تخفق الديموقراطية اليوم. وهذا يعتمد بدرجة كبيرة على حجم الطبقة الوسطى وهو ما أثبته البحث الحديث. لقد كان أرسطو وصفياً ومعيارياً في نفس الوقت: حيث استخدم الحقائق التي جمعها مع تلاميذه لوصف أفضل المؤسسات السياسية. وهو الشيء نفسه الذي كان علماء السياسة يفعلونه منذ ذلك الحين وحتى اليوم وصفاً وتشخيصاً.

ويقدم كتاب أرسطو “السياسة” أفكاراً مثيرة للاهتمام حول موضوع المساواة. وتوفر لنا قراءة ملاحظات أرسطو فرصة للتفكير حول ما تتضمنه المساواة. فأرسطو يشير إلى أنها يمكن أن تعني أي شيء ويزعم بأن المساواة تخدم البشرية بشكل أفضل عندما تفهم على أنها تعني اعتبار متساو للمصالح. وبهذا التعريف فإن المساواة ينبغي أن تشجع من قبل الدولة. وفي تفسيره للاعتبار المتساوي للمصالح يسألنا أرسطو لأن نأخذ في الاعتبار الأشكال المختلفة للدولة، وأشار إلى ستة أشكال هي : الملكية، الارستقراطية، الجمهورية، الاستبدادية، الاوليجاركية والديموقراطية. وعرّف كل شكل من خلال معيارين هما : من يحكم وما هي المصالح التي تسعى الحكومة لتحقيقها. ومن خلال الاعتماد على هذين المعيارين قدم أرسطو التعريفات التالية :
• الملكية : حكم الفرد لمصلحة الجميع.
• الاستبدادية : حكم الفرد لمصلحة الحكام.
• الارستقراطية : حكم القلة لمصلحة الجميع.
• الاوليجاركية : حكم القلة لمصلحة الحكام.
• الجمهورية : حكم الكثرة لمصلحة الجميع.
• الديموقراطية : حكم الكثرة لمصلحة الحكام.

وطبقاً لأرسطو فإن كلاً من الملكية والارستقراطية والجمهورية تعتبر نماذج حكم مناسبة لأن كل منها يحاول تحقيق المصلحة العامة. وفي هذه الأشكال الثلاثة للحكومات ، وبغض النظر عن عدد الممسكين بالسلطة، تعمل الدولة على تحقيق المصالح العامة للجميع. وأعتبر أرسطو أن نماذج الحكم الثلاثة الأخرى المستبدة، الاوليجاركية والديموقراطية هي نماذج غير صالحة لأنها لا تهتم إلا بتحقيق مصالح القائمين على الحكم. ففي ظل نموذج الحاكم المستبد تصبح مصالح الحاكم مقدمة على ما سواها. وفي النموذج الاوليجاركي تسعى القلة التي تمسك بزمام السلطة إلى تحقيق مصالحها حتى لو كان على حساب مصالح الأغلبية، وفي الديموقراطية تتحكم الأغلبية في السلطة لكنها تتصرف مثل المستبدين حيث يحكم أفرادها بطريقة نفعية أنانية وينسون مصالح الأقلية. باختصار أن كل أشكال الحكومات الفاسدة تنتهك مبدأ الاعتبار المتساوي للمصالح فكل منها يتحيز ضد الجماعات الأخرى ويضطهدها.
ومن المثير للاهتمام أن أرسطو يرى أن المشاركة المتساوية في عملية صنع القرار هي أقل أهمية من المساواة في نتائج القرار وهذا الفارق ملفت جداً للنظر في مقارنته بين الملكيات والديموقراطيات. لكننا إذا ما عرفنا المساواة طبقاً للمشاركة، فيمكن أن تبدو الديموقراطية أكثر أخلاقية من الملكية. إلا أن أرسطو يعرف المجتمع الديموقراطي على أنه المجتمع الذي يشارك فيه معظم الناس في الحكم ولهذا فإن هناك على الأقل مشاركة على أسس متساوية (لدى الناس جميعاً نفس حقوق المشاركة).
ومع ذلك فإن أرسطو يفضل الملّكية المستنيرة على الحكومة الديموقراطية لأنه يعتقد بأن الأغلبية تحكم ولكن لتحقيق مصالح أفرادها ومن ثم فإن القرارات التي تتخذها الأغلبية لا تعطى اهتماماً متساوياً لمصالح الأقلية. بينما يعتقد أرسطو أنه برغم عدم وجود مساواة في عملية صنع القرار في الحكومة الملّكية إلا أن هناك مساواة فيما يتعلق بنتائج القرارات المتخذة. وهنا يبدو واضحاً ما هو الأهم بالنسبة لأرسطو أنها ليست المساواة في عملية صنع القرار ولكن المساواة في نتيجة القرار. ونلاحظ أيضاً أن أرسطو لم يدعو إلى المساواة في الدخل أو السلطة أو حتى المساواة في الحقوق (فهو لا يؤيد إعطاء حقوقاً متساوية للمشاركة في السياسة في تعريفه للدول الشرعية). وتتمحور فكرته عن مسئوليات الدولة في مجال المساواة حول المصلحة. فالدول الصالحة هي تلك التي تخدم المصلحة العامة، أي ليس مصلحة معظم الشعب وإنما مصلحة كل الشعب.باختصار كانت الفلسفة الإغريقية تنحو في الغالب نحو المثالية وتؤكد على فكرة الاكتفاء الذاتي كأساس لدولة المدينة الإغريقية. كذلك كانت الدولة لا الفرد محور اهتمام هذا الفكر.

الفكر السياسي الروماني
تأثر الفلاسفة الإغريق بالمثاليات وبتنوع الممارسات السياسية للدول الإغريقية ، لكنهم فشلوا في تصور مجتمعاً غير دول المدينة الإغريقية التي نادراً ما يزيد عدد سكانها عن بضعة الآف من المواطنين. ولذا فقد فوجئوا بالأحداث المتسارعة حيث هزم الملك المقدوني فيليب دولة مدينة اثينا في 338 قبل الميلاد وتحولت مقدونيا مركزاً لحكم الإمبراطور الاسكندر المقدوني أبن فيليب. وبرغم أن ارسطو كان معلماً خاصاً للاسكندر إلا أنه لم يكن واضحا ما إذا كان الاسكندر قد تعلم منه لكنه بالتأكيد لم يكن يحترم سياسة دولة المدينة، فقد مد نطاق إمبراطوريته قصيرة العمر من اليونان إلى مصر جنوباً ، وبلاد السند شرقاً. ونادراً ما تثير الإمبراطوريات فكراً سياسياً عظيماً لأنها تميل إلى الاهتمام بالسيطرة من خلال الإدارة بدلاً من اعتمادها على القيم والتخيلات .
ولذلك فإن ما كان يحتاجه الإمبراطور كمرجعية له ورموز لسلطته هو الدين ، وليس تأملات حول السياسة. كما أن الفرد من رعية الإمبراطورية أصبح مهتماً بشئونه الخاصة بدلاً من الاهتمام بالاكتفاء الذاتي للمجتمع كما كان يسعى إليه كلا من افلاطون وارسطو .

لقد كانت تجربة روما مختلفة تماماً عن اثينا، فروما نجحت وازدهرت من خلال انتصارات جيوشها وتفوق إدارتها وفصلها بين الشئون العامة والمعتقد الخاص. فبرغم الاختلافات في المكان ، والقومية ، ومكان الإقامة إلا أن المواطنة الرومانية شجعت الولاء للمثال الإمبراطوري. ومع ذلك لم يكن الولاء يعني الانخراط. وبينما كانت الدولة بالنسبة للإغريق هي مواطنيها فقد كانت الإمبراطورية الرومانية بالنسبة لشعوبها ذات هوية خاصة بها. لقد تعلم الرومان من خلال عملية عرفت” بالهلنسة ” – التي تعني نشر الأفكار الإغريقية في جميع أنحاء الإمبراطورية – لكنهم لم يقلدوا سياسة الإغريق. وقد أقتصر إسهام الرومان على مجال الفكر القانوني وفي ربط شعور شعوبهم بالعضوية من خلال القانون والدين. وكانت النظرية السياسية الوحيدة في زمن الرومان تتكون من تعبيرات عن الاقتناع الشخصي والتقديرات المثالية للممارسة السياسية .
وقد مثلت الرواقية معتقداً شخصياً ، وتقوم هذه الفلسفة على الاعتقاد بأن كل البشر يكونون جزءاً من النظام الكوني منفصلاً عن المشيئة الإنسانية. وان السعادة الحقيقية ، ممكنة إلى حد ما ، ويمكن التوصل اليها من خلال فهم النظام الطبيعي للحياة ومحاولة مطابقة المشيئة الفردية معه قدر المستطاع. وقد أكدت هذه الفلسفة على فكرة الفصل بين السياسة والأخلاق وعلى القانون الطبيعي والدولة العالمية القائمة على المساواة بين الناس وأن كل المفاخر والتمايزات ستنتهي يوما ما لكن الإنسانية العالمية الشاملة ستبقى ، وهذا يعني سياسياً القبول والانسجام والإيمان بفضيلة الخدمة العامة ، وهي فضائل مناسبة جداً للإمبراطورية .

ولم يكن غريباً أن بوليوبس الإغريقي الذي حاول اكتشاف أسس نجاح الإمبراطورية الرومانية قد وجده في القانون الروماني وفي الدستور المختلط لروما وهي فكرة مستقاة من ارسطو. هذا الدستور المختلط كان يعني مركبـاً متوازنا بدقة من ثلاثة عناصر: أولها ملكيا (مجلس الحاكم) وثانيها ارستقراطيا (مجلس الشيوخ ) والثالث ديموقراطي ( المجالس الشعبية ). وبرغم أن تلك المؤسسات وجدت معاً في أوقات مختلفة من التاريخ الروماني لكنها لم تحقق التوازن الذي تخيله بوليوبس حيث تدهورت المواطنة إلى ” رعية ” للإمبراطور لكن بوليوبس اعتقد أن المؤسسات الثلاث ساعدت في منع حدوث الفساد السياسي بنفس الوتيرة التي حذر منها ارسطو .

وجاء شيشرون ( 106-43 قبل الميلاد ) ليجمع بين فكرة بوليوبس عن الدستور المختلط مع الفلسفة الرواقية. فالدولة بنظره هي نتاج قانوني بحيث يجب أن تكون قوانينها متفقة مع قوانين الطبيعة . ويتضمن القانون الطبيعي مجتمعاً أخلاقياً من الحقوق والالتزامات تقضي بأن تكون الدولة ” جمهورية ” أي شيئاً عاماً مستنداً على حقوق مدنية متفقة مع العقل والمنطق. واعتقد شيشرون أن القيّم العامة يجب أن تنعكس في القانون الإنساني والذي بدوره يعتمد على قانون الطبيعة. وهذا يعني انبعاث السلطة من الشعب ووجوب ممارستها استنادا إلى القانون وضرورة إيجاد مسوغات أخلاقية. ويبدو أن شيشرون قد ركز في كتاباته على فكرتين أساسيتين. أولاهما عقيدته الراسخة في أفضلية نظام الدستور المختلط ، وثانيهما إيمانه بنظرية التطور التاريخي للدساتير. ومن المؤسف أن انتحار شيشرون جاء ثمناً لتدخله النشط في سياسة روما الضيقة بعد اغتيال يوليوس قيصر في 44 قبل الميلاد .

وقد كتب شيشرون قائلا:ً القانون هو العقل الأكبر الموجود في الطبيعة والذي يحدد ما ينبغي فعله ويحرم ما هو نقيض ذلك. هذا العقل هو القانون عندما يكون راسخاً بقوة في العقل الإنساني. ولذا فإنهم يعتقدون بأن القانون هو الذكاء الذي تكون وظيفته الطبيعية هي تحديد التصرف الصحيح وتحريم أو منع الخطيئة .. وهذا يعني أن العدالة لا يمكن أن توجد إطلاقا إذا لم توجد في الطبيعة وإذا كان بالإمكان القضاء على شكلها المستند على المنفعة بواسطة المنفعة ذاتها. وإذا لم تكن الطبيعة قاعدة العدالة فإن ذلك يعني القضاء على الفضائل التي يقوم عليها المجتمع الإنساني ( 6 )
أما سينيكا الذي عمل وزيرا لدى نيرون وشاهد إحراق روما وبداية انهيار الإمبراطورية فقد كان متشائما في نظرته للمستقبل ورأى استحالة استعادة فترة الازدهار وان روما ساقطة لا محالة ومن ثم بات الحكم المطلق ضرورة لا فكاك منها. ولذا أعتقد أن الاعتماد على الطاغية افضل من الجماهير وأن الحكومة هي وليدة الشر البشري وحده وأنها الوسيلة الإلهية لحكم البشر.
باختصار يمكن القول بأن الفكر السياسي الروماني قد هيمنت عليه الاتجاهات القانونية وظهر ذلك في اعتبار الدولة نتيجة للقانون وأن تحليلها لا ينبغي أن يستند على الحقائق الاجتماعية أو الصفات الخلقية وإنما في إطار من الصلاحيات والحقوق القانونية وهو ما افتقده الفكر الإغريقي.

الفكر السياسي المسيحي: التخلي عن فكرة الاكتفاء الذاتي : 
لقد تبنى معظم المفكرين السياسيين الأوربيين في القرون الوسطى وعصر النهضة اقتراباً دينياً لدراسة الحكومة والسياسة، وكانوا بالتحديد معياريين يحاولون اكتشاف ما ينبغي أن يكون وغير مبالين، غالبأ، بالواقع “أي حالة العالم الراهن”. وتحت تأثير قيم دينية وقانونية وفلسفية حاولوا تحديد شكل نظام الحكم الذي يمكن أن يقرب البشر إلى أقرب ما يعتقدون أنه مشيئة الله. ويمكن تفسير المسيحية كديانة مثل الرواقية مع مكون إضافي هو الإنقاذ الشخصي. فموقف المسيح بنظرهم تجاه الدولة كان مماثلا لموقف الرواقيين : حيث تزعم الأناجيل أنه عندما واجه المسيح تحدي سؤال الولاء السياسي له أو للإمبراطور قال ” دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله “. ومع انه كان من الممكن للرواقيين أن يتفهموا أن لم يكن يتقبلوا تماماً ثنائية شئون الإنسان وشئون العالم ، إلا أنه لا اليهود ولا النصارى كان يمكن أن ينظروا للإمبراطور كنقطة ولاء أخيرة . فاليهود بحثوا عن الخلاص من الخضوع للرومان من خلال المسيح الفاتح بينما رفض المسيحيون تأييد إمبراطور وثني . ودفع كلا منهما الثمن غالياً . ولكن عندما تقبلت روما المسيحية في 310 م تكيف المسيحيون مع السلطة الرومانية ، ومنذ ذلك الحين لم يطلب من المسيحيين معارضة الدولة .

وفي نهاية الأمر أنشأت المسيحية في أوربا الغربية نظاماً واسعاً للحكم منفصلاً عن الحكم الدنيوي ، ولم يكن التحول من الحكم الديني إلى الحكم الزمني في أوربا سهلاً ولا سلساً. وكان هناك عدد من المزاعم المتناقضة حول السيادة والسلطة بين البابا والملوك المحليين. بل لقد مضى قرابة 1000 عام بين انهيار الإمبراطورية الرومانية وتبلور نظرية سياسة تضع السلطة السياسية خارج نطاق سلطة الكنيسة. أما المسيحيون الارثوذكس في القسطنطينية فقد كيفوا أنفسهم مع الحكم الزمني من خلال توليفه من الكنيسة والدولة ، إلا أن المسيحيين جميعاً قد أنكروا فكرة الاكتفاء الذاتي للمجتمع السياسي الإغريقي أو عقائد الرومان فالناس بدون محبة الله لا يساوون شيئاً .

لقد كان الأثر غير الديني للمسيحية على السياسة يتمثل في خلق شعور بالتضامن الإنساني والمساواة الروحية بمعزل عن الانتماء القومي أو السياسة أو الحكمة. فالرواقيون يمكن أن يتحدثوا عن أخوة روحية للإنسانية لكن الرواقية بقيت معتقد موظفي الإمبراطورية الرومانية ، أما المسيحية فقد كانت مختلفة كما يزعم القديس اوغسطين ( 354-430) فالمسيحيون عاشوا ” بالأمل “وليس ” بالأشياء “، بينما لم تستطع الرواقية فلم تستطع التخلص من ” الأشياء ” – الطبقة ، الدولة – التي تقسم الناس.

عاش اوغسطين في شمال إفريقيا وفي الجزائر بالتحديد وكان أول من أجاب عن موقف المسيحيين من الحياة السياسية. حيث كتب اوغسطين عن مدينتين الدنيوية والروحية تتعايشان عبر التاريخ. ويواصل قائلا ” برغم أنه كان هناك عدد كبير من الأمم الكبيرة على الأرض والتي كانت طقوسها وعاداتها وهويتها وسلاحها تتسم بخلافات جوهرية إلا أنه لم يكن هناك أكثر من نوعين من المجتمع الإنساني اللذان يمكن أن يسميا مدينتين. الأولى تتكون من أولئك الذين يريدون الحياة المادية بمباهجها (مدينة الشيطان) والأخرى (مدينة الله) تتكون من أولئك الذين يثمنون الحياة الروحية ، وكل يشعر بسعادة عندما يحقق ما يريد. ولم يكن اوغسطين يعني بذلك المعنى الحرفي للمدينة وانما يشير بذلك إلى المجتمع. كما لم تكن المدينة الروحية محصورة فقط في الكنيسة آنذاك فقد كان هناك أناس خارج الكنيسة يعيشون للروح.
وبينما يمكن للمدينة الزمنية أن تكون ظالمة أو عادلة إلا أن وجودها هو نتيجة للخطيئة الإنسانية. وهؤلاء الذين يعيشون للمادة يختلطون بأولئك الذين يعيشون للروح وسيبقون معاً حتى يوم القيامة. وحتى يأتي هذا اليوم الأخير يجب على الناس أن يطيعوا الدولة ويتمتعوا بسلامها لكن عليهم أن يتجهوا بعقولهم إلى الله. ولذلك كان اوغسطين أول من يواجه المعضلة الأساسية للمواطن المسيحي . فقبل مجيء المسيح كانت السياسة الإغريقية والرومانية ذات نظم مغلقة تعتمد على نفسها لتحديد الهدف والوجهة، لكن المسيح قد وعد بمآل جديد وأفضل بعد الموت. والدولة يمكنها في أحسن الأوقات أن تساعد الكنيسة في هذا المجال لكنها لا يمكن أن تقوم بوظائف الكنيسة .

وكانت المشكلة في أن اوغسطين لم يكن قد حدد بشكل كامل حدود الكنيسة الزمنية معتقداً ضمناً بأن الكنيسة أو بعض أعضائها يمكن أن يبقوا خارج مدينة الله. فضلا عن أن أوغسطين قد زعم انه لم يكن بإمكان الكنيسة ولا حتى الدولة أن تكون مكتفية ذاتياً أو منسجمة مع وظيفتها الأساسية ، ولذلك كان الفكر السياسي في العصور الوسطى يمثل صراعاً حول طبيعة المدينتين وعلاقاتهما الملائمة .

وبعد وفاة اوغسطين بفترة قصيرة انقرضت الإمبراطورية الرومانية واستبدلت بسلسلة من التنظيمات القبلية ، وانعزلت أوربا الغربية عن البحر المتوسط كما أن مراكز المسيحية الشرقية هي الأخرى سقطت أو عزلت من خلال تصاعد المد الإسلامي ولذلك لم يكن هناك أهمية كبيرة للفكر السياسي آنذاك في مثل ذلك العالم. ومع أن الإمبراطور الإفرنجي شارلمان استطاع أن يعيد نوعاً من الوحدة الإمبراطورية في 800م لكنه لم يستطع هو ولا أي ممن جاء بعده أن ينشئ إمبراطورية بأهمية الإمبراطورية الرومانية مما مهد الطريق لبروز النظام الإقطاعي اللامركزي لتنظيم العلاقات الاجتماعية السياسية. وتكّون الإقطاع باختصار من وحدات إقليمية متناثرة يكون فيها النبيل معتمداً على خدمات التابع والذي بدوره يتحكم في مجموعة كبيرة من الفلاحين. ” والحكم ” هنا يتضمن سلسلة من الالتزامات المشتركة للأطراف المختلفة وتحولات في الولاء بين النبلاء. وقد تطلب بعث الفكر السياسي خارج نطاق الكنيسة ليس فقط فكرة جديدة للدولة المكتفية ذاتياً وإنما وجهة نظر للناس التي يمكن أن تجد معنى في العالم. وهذان الشرطان لم يتحققا لقرابة 1000 عام منذ تأكيد أوغسطين على اعتماد النظريات حول القيم على الممارسة. والممارسة تتطلب الآن من الكنيسة أن تطبق تراث اوغسطين .

وقد أكد البابا جيلاسيوس فكرة التنظيم المنفصل للكنيسة والدولة في أوربا الغربية سنة 500م من خلال مبدأ السفين، حيث زعم أن السيفين يرمزان إلى المجالين الدنيوي والديني وإن كلاهما يجب أن يتعاونا لضمان السلام والعدالة على الأرض اللازمان لتحقيق الخلاص. إلا أن كلاً منهما يمثل سيفاً مطلوباً لإيذاء أولئك الذين يتدخلون في مهمة الكنيسة للخلاص .
وقد مثلت هذه النظرية دعوة مفتوحة للصراع مع الحكام الدنيويين مع تحول البابا جريجوري السابع ( قرابة 1080م ) إلى حاكم ذو سيادة مطلقة قادر على السيطرة على تعيينات الأساقفة الذين كانوا الجزء الأساسي للحكم الإقطاعي. وهو الأمر الذي حسم الجدال المتعلق بمن له الكلمة الفاصلة في تعيين الأساقفة هل هو البابا ام الإمبراطور؟ هذا الجدال تميز بإثارة الاهتمام من جديد بالقانون الروماني – وخاصة مسألة ما الذي يجعل الحكم عادلاً .

وبحلول القرن الثاني عشر كانت الأوضاع في أوربا مستقرة إلى الدرجة التي جعلت من الممكن إعادة النظر في طبيعة الدولة. وفي هذه الأثناء كان جون سالزبوري (1110-1180) الذي عمل سكرتيرا لرئيس أساقفة كانتربري ، زعيم الكنيسة البريطانية ، قد ألف كتاب ( Policraticus The ) “رجل الدولة” الذي وجهه إلى ملك بريطانيا هنري الثاني أملاً في التأثير على الملك ليصبح نموذجاً للحاكم المقبول في الكنيسة. وكان الكتاب يعتبر أول نظرية سياسية شاملة منذ اوغسطين وفيه تقبل سالزبوري فكرة شيشرون عن أهمية القانون والعدالة. فالقانون هو “هدية الله ومصححاً لتجاوزات البشر “. ولذا فعلى كل من الملك ورعيته الإذعان للقانون ، بل أن حكم الملك يكون شرعياً طالما اتبع تعاليم الله . لكن سالزبوري لم يكرر موقف شيشرون فقط بل تجاوز ذلك إلى وصف ” الأمير ” كرأس لجسد يجب على العقل أن يوجه كل تصرفاته.
ولذلك ” فالمستبد ” هو الملك الفاسد الذي تخلى عن العقل ، والله والكنيسة. ومثل هذا الحاكم ينبغي عصيانه وحتى قتله. وأكد سالزبوري على أن سلطة الكنيسة أسمى من سلطة الدولة لأن الدولة تستمد حقها في تطبيق القانون من رضا الكنيسة وموافقتها. وقد مثل هذا الكتاب تغيراً هاماً في الموقف منذ اوغسطين قبل 700 سنة الذي كان قد وصف المملكة الدنيوية “باللصوص الكبار ” التي نشأت على العنف والتي لا تختلف كثيرا عن “اللصوص الصغار” الذين كان يفترض فيها أن تحاربهم. ولم يعدّل سالزبوري مفهوم الدولة فقط ولكن أيضاً أعاد لها الاعتبار كموضوع بحث جدي .

مع أن سالزبوري قد استعار فكرة شيشرون عن الجمهورية إلا أنه كان من الصعب عليه وعلى غيره من مفكري العصور الوسطى المبالغة في عرفانهم بالجميل للفكر السياسي الإغريقي والروماني الذي تصور منطقاً للسياسة بدون الكنيسة. ومع إنه لم يتم إعادة اكتشاف بعضا من أعمال ارسطو إلا في حوالي 1890 إلا أن الترجمة اللاتينية لكتاب “السياسة” كانت متوفرة في بعض الجامعات في بداية القرن الثالث عشر.

وقد عارضت الكنيسة كتابات ارسطو في بداية الأمر لأنها بدأت تقلل من شأن الإيمان في الاحتياجات الإنسانية إلا أنه لم يكن من السهل حظر أو نقض المنطق الأرسطى. بل أن القديس توماس الأكويني ( 1224-1274) كان قد شرع في تكييف أفكار ارسطو السياسية على وجه الخصوص ، وبدأ بتقبل اعتقاد ارسطو بأن السعادة هي هدف الحياة وأن الإنسان هو كائن اجتماعي في حاجة إلى التوجيه من قبل مجتمع منظم. واتفق الاكويني مع ارسطو في أن القانون يسهم في صياغة الشخصية الإنسانية. وكانت المشكلة هي في كيفية شرح الطريقة التي من خلالها يمكن للقانون الدنيوي والحياة السياسية أن يصبحا ذوا قيمة روحية. وقد قدم توماس الاكويني وصفا لعلاقة منظمة بين كل أنواع القانون ، كل منها يتطلب سلطة واتجاه مختلفين لكنها معتمدة على بعضها. فالقانون الإلهي الخالد يعتمد على المنطق المقدس الذي يوجه الأفكار الإنسانية نحو ما هو حق ، بينما القانون الطبيعي الذي يتوصل إليه بالعقل ، يكوّن القانون الإنساني ، وأن المنطق كان قادراً على تحسين الصالح العام للمجتمع . وقد وجد توماس الاكويني أن فكرة ارسطو عن الدولة المحكومة بالعدل​.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى