دراسات سياسية

تحليل خطاب الجيش: خطاب الشرعية الدستورية

بقلم الدكتور علي لكحل، استاذ بكلية العلوم السياسية و العلاقات الدولية  – جامعة الجزائر 3

الجدية والعبثية
الجدية تشير لعبثية الطروحات التي تبناها البعض في شكل شعارات تفرض على الشوارع من طرف قوى منظمة، ولكنها غير جادة في التعبير عن الحراك، وهي لاتفرق بين منطق الملاعب ومنطق السياسةالذي يخضع لتوازنات القوة وليس للعواطف الجياشة، وقد لمسنا في الايام الأخيرة شعارات جوفاء في بعض ميادين الحراك تنتهي بمجرد نهاية المسيرات إذ لا أثر لها في الحياة السياسية.

الواقعية
إن السلطة لا تتعامل مع الشعارات وانما مع المبادرات الجادة، ولكن محتوى كلمة قائد الاركان تحدثت عن الواقعية، وهذا يعني ربط تلك المبادرات بواقع الوضع على الأرض.
والواقع يؤكد أن إنجازات قد تحققت ماكانت لتكون لولا مرافقة المؤسسة العسكرية للحراك، فأول تجليات الطرح الواقعي هو استشعار الدور الذي يقوم به الجيش، باعتباره جزء من الحراك وليس طرفا في مواجهة الحراك، وهذا يشير إلى وحدة النظر، ووحدة المصير تسقط معه معه كل الشعارات العبثية التي تمس بالجيش وقيادته وتسقط معها المحاولات العبثية التي تحاول التفريق بين الجيش وقيادته.
اذا فالحوار يبدأ بمبادرات تعزز حسن الثقة بين أطرافه من الفاعلين في الحياة السياسية.

هدف الحوار:
الهدف الاول: يؤكد خطاب قائد الاركان( أن الحوار هوالسبيل الوحيد لحل الأزمة)، وهذا اول هدف للحوار هو تكريس تقليد الحوار نفسه كأحد الوسائل الحضارية لحل الأزمات الداخلية، مشروعا حضاريا يصبح ثقافة سياسية في الجزائر الجديدة،
وفي ذلك رسالة لطمأنة الجميع على التحول الذي طرأ على خيارات الجيش بعد التحول القيادي فيه، فجيش االيوم ليس جيش التسعينيات، فلا يمكن ان يكون سلوك جيش التحرير وسليله اليوم نفس سلوك ضباط فرنسا بالأمس، فالجيش لايريد تكرار نفس التجارب المريرة السابقة،فقد حمى الجيش الحراك ورافقه وتعهد بعدم خسارة قطرة دم واحدة بين الجزائريبن. اذا فالحوار في حد ذاته. قيمة حضارية وهدف يجنب البلاد ويلات الدمار.
الهدف الثاني: هو ضرورة تجاوز الأزمة الدستورية بعد تأكد تأجيل انتخابات الرابع من جويلية بنفس الادوات وضرورة الوصول لتحديد أدوات و موعد الانتخابات الرئاسية في تاريخ يحمل طابعا استعجاليا
الهدف الثالث: يؤكد الخطاب ان الهدف أيضا هو تقليص المسافة في وجهات النظر، والتنازل المتبادل، وهو موقف متقدم جدا للجيش يبدي فيه الاستعداد للتنازل المتبادل بين جميع الأطراف، ويضيف ضمانة أخرى تتعلق بعدم وجود أي طموح شخصي لقيادة الجيش، وان طموحها الوحيد هو الالتفات للمسائل العسكرية والأمنية، وبالتالي يفتح هذا الامكانية لدعم مرشح مدني توافقي.

أطراف الحوار
حدد قا ئد الجيش أطراف الحوار من. خلال المراهنة. على:
(نخبة وشخصيات وطنية)
(ذوي القدرة والكفاءة)
(الشخصيات الوطنية ذات القدرة الفعلية)
مراهنة الجيش على النخب والكفاءات والشخصيات الفاعلة، يبدو لي مراهنة مرتبطة بصدمة حقيقية من واقع الطبقة السياسية التي أصبح وضعها بائسا:
اولا: وضعية أحزاب التحالف الرئاسي التي تفككت قيادتها وفقدت قاعدتها الشعبية وحتى منااضليها.
ثانيا:تحويل قيادات سياسية مطلوبة للعدالة.
ثالثا: بعض الشخصيات الحزبية راهنت وجودها بهَواتف الجنرالات وليس بمصير الوطن.
رابعا: بعض الأحزاب رهنت وجودها بعلاقات خارجية مشبوهة.
خامسا : السلطة السابقة منعت ظهور طبقة سياسية بديلة من خلال التدخل في التدوير القيادي الاحزاب، او من خلال خلق وتشجيع الانقسامات الحزبية.
فالطبقة السياسية بهذا المفهوم في وضعية متأزمة وهي جزء من المشكل وليست جزءا من الحل، إلا من رحم ربي.
وعليه يتجه الجيش بخطابه نحو الشخصيات والكفاءات التي تم تهميش صوتها ولديها أكثر مصداقية على الأرض.
اعتقد أن الاعتماد على النخب ينطلق من نوع من التمثيل للقطاعات المختلفة، كالجامعات، الاعلام، العدالة، المجتمع المدني، الشخصيات الوطنية وغيرهم.
وهو ماسيجعل الحوار أكثر عقلانية وواقعية.اما باالنسبة للأحزاب فهي مطالبة بالمشاركة بنخبها المهمشة والفاعلة والنظيفة وبالتالي هي مدعوة للتجديد القيادي، والتكيف مع الجزائر الجديدة.

قواعد الحوار
اولا: ان تكون الجزائر هي الهدف الرئيسي لأي حوار، وهنا تنتفي المصالح الحزبية والشخصية والفئوية والمناطقية والتوجه نحو تحديد المصلحة الوطنية وخدمتها، وبالتالي تقدير الظروف التي تمر بها الان، في وضع جيواستراتيجي خطير.
ثانيا: ان يأخذ الحوار العبرة من تجارب الماضي فليس هناك مكان للتطرف والاقصاء الذي يؤدي لامحالة لإعادة انتاج بيئة التطرف وشخصنة السلطة وإحياء الفساد.
ثالثا: أن يتحلى بروح المسؤولية الجماعية.
رابعا:مؤسسة الجيش جددت التذكير بأن الحوار بين مختلف الأطراف ينبغي أن يجعل من المطالب الشعبية المحققة حتى الآن، وهي كثيرة وملموسة، قاعدته الأساسية ومنطلقه الجاد.
فالحوار ينطلق بالاعتراف بالإنجازات المحققة كقاعدة للحوار وفي هذا الاطار يتبادر للذهن تلك المطالب التي لاعلاقة لها بالحراك.
ويبدو ان المقصود هنا تحييد تلك المطالب التي حاولت احتواء مطالب الحراك وتوظيفه لصالح طروحات ايديولوجية وحزبية لاعلاقة لها باالمطالب التي تحرك لأجلها الناس. بداية، والتي تعلقت بانهاء العهدة الخامسة وانهاء حكم العصابة وقد تحقق ذلك. بالفعل. وبالتالي فإن المطالب والشعارات التي انحرفت بالحراك لغير وجهته افكار سطحية وغير عقلانية ولاتراعي حقيقة ما يدور في الساحة السياسية.

طبيعة وآجال الحل التوافقي
لمسنا من خطاب المؤسسة أن الحل يحمل طابعا استعجاليا، جاء فيه (ان الحلول ستاتي بإذن الله تعالى وقوته، وفي أقرب الآجال)، ويأتي( التوجه نحو إيجاد الحلول الضرورية لهذه الأزمة المستفحلة، وذلك في أقرب الآجال ودون تأخير)، وبذلك(يضمن.. الطريق نحو بلوغ إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في أسرع وقت ممكن). وتلاحظ معي تكرار عبارات في أقرب الآجال دون تأخير، في اسرع وقت، هذا يؤشر لتاريخ قريب جدا للانتخابات، وان الأمر لايتعلق بمرحلة انتقالية طويلة الأمد. حوار. (يؤدي إلى الوفاق وإلى الاتفاق على حتمية الإجراء الضروري واللازم للانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن)، ويبدو لي أن الأمر يتعلق بندوة وفاق تؤدي لاتفاق بأدوات وتاريخ قريب متفق عليه، هذا مايستشف من عبارة وفاق واتفاق في خطاب المؤسسة.
والواضح ان الحل سيظل في الإطار الدستوري، فالخطاب يؤكدا (الا شيء مستحيل والجزائر في انتظار المخرج لقانوني والدستوري)، وهذا يفتح المجال أمام المجلس الدستوري للاجتهاد. لايجاد المخارج الدستورية. وهذا يعني ان مراهنة البعض على الفراغ الدستوري مردودة من الآن.

 

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى