تحليل موضوع الظاهرة الأمنية و تطورها في نظريات العلاقات الدولية

المبحث الأول: ماهية الأمن و علاقته ببعض المصطلحات المشابهة.

المطلب الأول: مفهوم الأمن.

       أولا: التعريف اللغوي.

 يعرف الأمن في اللغة العربية على أنه الاطمئنان من الخوف، قال تعالى: ﴿ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا﴾ ( الآية:   ،سورة         )، وطبقا لما جاء في الآية فإن الأمن يعني : (صيانة أراضي البلاد وحريتها من العدوان الخارجي أما الأمن الداخلي فهو حفظ النظام داخل البلد).

و اشتقت كلمة الأمن في القرآن الكريم من كلمة أخرى هي “الإيمان“، فالأمن في الأصل هو الاطمئنان الناتج عن الوثوق بالله، وهذا ما ينجر عنه راحة النـفس إذ نـــجد قوله تعالى ﴿ فاعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف﴾( الآية:   ،سورة         )، وقوله تعــالى أيضا: ﴿ وليبدلهم من بعد خوفهم أمنا﴾ ( الآية:   ،سورة         )، وقوله كذلك: ﴿ وإذا جاءهم أمر من الأمن والخوف أذاعوا به﴾ ( الآية:   ،سورة         )،([1])  وهذا تأكيد على أن الأمن هو ضد الخوف الذي ظهر عند الغرب في فترة حديثة وكان قد ذكر في القرآن الكريم وعرفه العرب منذ أزمنة طويلة.

و قال عنه البعض أنه بتضمن “عدم توقع مكروه في الزمن الآتي وأصله طمأنينة النفس وزوال الخوف”([2])، والخوف في معناه الحديث هو التهديد الشامل (global threat ) و الذي يتضمن التهديد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، الداخلي منه والخارجي([3]).

وفي اللغة الأجنبية ترجع الكلمة الانجليزية security إلى أصلها اللاتيني securitas/securus المستنبطة من الكلمة المركبة cura، sine، حيث تعني sine: “بدون” وتعني cura: التي أصلهاcurio “اضطراب”،ومنه تعنيcura، sine “بدون اضطراب ولا أمن”.

– كما قد ورد المفهوم في القاموس الانجليزي oxford بمعنيين:

المعنى الأول: حيث الأمن هو شرط توفر بيئة آمنة للأفراد وله شروط:

– يجب أن يكون الأمن دائما.

– يجب أن يكون الأفراد محميين ضد التهديدات.

– يجب أن يتحرر الأفراد من شك وقوع تهديد ما.

المعنى الثاني: وهنا الأمن هو وسيلة لتوفير بيئة آمنة، ولهذا المفهوم استعمالات عدة منها:

– هو وسيلة للحفاظ على القوة والمكانة.

– هو وسيلة للدفاع وتحقيق الحماية.

– هو ضمان و تأكيد على تحقيق الحماية.

– هو وسيلة لتامين الأفراد أو السلع أو أي شيء آخر([4]).       

ثانيا- التعريف الاصطلاحي للأمن.

لقد تعددت التصورات و الطروحات حول مفهوم الأمن، كما تعددت مرجعيات وأشكال تعريفه، إذ هناك من يعتقد أن الأمن لا يجب أن يكون له تعريف معمم وثابت، بل لا بد من إعادة تعريفه في كل مرة يهدد فيها، و هذا الاختلاف نابع من الاختلاف في البيئة الأمنية للمفكرين وللحالة موضع التحليل أيضا واختلاف و تجدد التهديدات الأمنية التي تواجـهها الدول و الفواعل الأخرى في الساحة الدولية، لذلك و على الرغم من الأهمية القصوى لمفهوم الأمن وشيوع استخدامه ،إلا أنه يصعب حصره في مفهوم واحد([5]).  

و فيما يلي نسوق العديد من التعريفات التي وضعها دارسو العلاقات الدولية، لنتعرف أكثر على دلالة هذا المصطلح، و طبيعة هذه الاختلافات بين هؤلاء المفكرين خلال محاولتهم وضع تعاريف لهذا المصطلح:  

        كثيرا ما ارتبط الأمن لذا الدارسين بالرغم من اختلافهم حول مضمونه و مصادره بمتغير التهديد أو اللاأمن، لذا فإنه لا يمكن تصور الأمن دون اللاأمن insecurity والعكس صحيح([6])، و في هذا الصدد يعرف “ميكائيل ديلون Michael DILLON ” الأمن على أنه مفهوم مزدوج، إذ لا يعني فقط وسيلة للتحرر من الخطر، لكن يعني أيضا وسيلة لحد من نطاق انتشاره، وبما أن الأمن أوجده الخوف، فالأمن مفهوم غامض بتضمن في الوقت ذاته الأمن و اللاأمن، ما عبر عنه “ديلون” بـ: (in)security ([7])، وهنا نظر ديلون للأمن من خلال التهديد وإجراءات الحد والتقليل من آثاره وذلك عبر وسائل هذه الوسائل موضوع للأمن، لذا عرف الأمن على أنه وسيلة instrument.

و يرى البعض من الدارسين أن مفهوم الأمن يعرف بناء على مفهوم التهديد (Threat)، لذا فان “كنيث وولتز  Kenneth WALTZ ” قد عرف الدراسات الأمنية بأنها تلك الدراسات التي تدرس التهديد، بينما عرفه “ريتشارد أولمن” على أنه:”الفعل أو الحدث الذي:

– يهدد بطريقة كارثية وفي مدة زمنية قصيرة، مستوى حياة سكان الدولة.

– يهدد مجموعة الخيارات الخاصة بصياغة السياسة العامة المتاحة أمام دولة ما أو أمام مسيري التنظيمات والتكتلات الخاصة (شركات، تكتلات اقتصادية، منظمات دولية غير حكومية )” ([8]).

و يعرف  “باري بوزان Burry BUZAN” (1998) الأمن على أنه العمل على التحرر من التهديد وهو قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية، التهديدات و الانكشافات قد تبرز في أي منطقة من العالم، سواء أكانت عسكرية Military أو غير عسكرية non-military، لكن لتصنيف هذه  التهديدات ضمن نطاق الدراسات الأمنية، يجب وضع مؤشرات محددة والتي من خلالها تم التفرقة بين التهديدات الأمنية والمشكلات المنعكسة عن مسار صنع السياسات العامة، والتي تعج انعكاسات طبيعية، ومنه فان التهديد موضوعيا هو نفسه من حيث كون كل مناطق العالم معرضة له، لكن في الواقع فان التهديد له مفهوم ذاتي مرتبط  بالحالة التي تواجه الدولة، وهنا يعرف الأمن وتصاغ السياسة الأمنية للدولة بناء على نوع التهديد ومصدره وحدته.

وقد عرفه “هنري كسنجر” على أنه ( تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء). وعرفه (أرنولد وولفر) بأنه (غياب التهديد ضد القيم المكتسبة هذا من جانبه الموضوعي أم في جانبه الذاتي فهو غياب الخوف من أن  يتم المساس بأي من هذه القيم) ([9]).

        عرف “والتر ليبمان Walter LIPPMAN” الأمن على أنه: حفاظ الأمة على قيمها الأساسية وقدرتها على صيانة هذه القيم حتى وإن دخلت حربا لصيانتها([10])، إذا يتبين أن العامل المحدد في تعريف “والتر ليبمان” للأمن على أنه الحفاظ على القيم الأساسية للقيم الأساسية للجماعة.

لكن ما يؤخذ على هذا التعريف هو عدم تحديد مضمون القيم الأساسية، هل هي بقاء الدولة؟ أم هي الرفاهية الاقتصادية؟ أو الهوية الثقافية؟..وقد حدد ” والتر ليبمان ” هذه  القيمة الأساسية حين عرف الأمن القومي على أنه: “محاولة الحماية ضد الأحداث التي تهدد نوعية الحياة لسكان هذه الدولة، لعل أهم  هذه التهديدات عدم القدرة على توفير الحاجات الإنسانية الأساسية، الكوارث الطبيعية وتردي الأوضاع البيئية”.

بينما قدم “واييفر Waever ” مفهوما متخصصا للأمن هو الأمن المجتمعي “societal security”، حيث يرى أن المجتمع مهدد أكثر من الدولة بسبب جملة من الظواهر كالعولمة، والظواهر العابرة للحدود∙∙∙وغيرها، هذه الظواهر تهدد هوية المجتمعات([11])لأنها تنافس قيمها الأصلية على أساس أن رموز الحضارات المتطورة تدل على الرفاهية والتقدم، حتى أطلق على تبني هذه المظاهر مصطلح “تحديث modernization”، وحتى الحضارات الغربية تخاف من القيم التي تنقلها الجماعات المهاجرة الآتية من الدول المتخلفة لاسيما وأن هذه القيم –من منظور الدول المستقبلة لهذه الجماعات- هي مصدر للعنف و اللاإستقرار لذا فإنه في سياق العولمة، والاعتمادية بين الدول صار المجتمع مرجعية الأمن لا الدولة (هذا لا يعني أن الدولة فقدت مكانتها كمرجعية للدراسات الأمنية وإنما تراجعت) .

إذا يمكن القول أن الأمن هو عكس الخوف وهو شعور الفرد بالاطمئنان وانعدام الإحساس بالخطر فهو مفهوم مركزي في حياة كل المجتمعات بصرف النظر عن درجة تطورها سواء كانت مجتمعات متخلفة أو متقدمة. كما يثير الأمن في الأذهان معاني البقاء والتكامل داخل الدولة الواحدة وبينها وبين الدول المجاورة لها، ضف إلى ذلك التماسك الاجتماعي أي التماسك بين طبقات الشعب وحماية المصالح سواء كانت مصلحة الأفراد بمختلف أبعــادها وجوانبها أو مصلحة المجتمع والدولة ككل، ثم حماية قيم المجتمع من التهديدات([12]).

كما يمكن أن يعرف الأمن على انه مجموعة من التدابير الكفيلة بحفظ النظام وضبط العلاقة بين الأفراد وهو عكس التهديد في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء كانت داخلية أو خارجية([13]). و أن تكون آمنا يعني أن تكون سليما من الأذى أي الحاجة إلى الإحساس بالأمن كقيمة إنسانية أساسية وشرطا مسبقا للعيش بشكل محترم([14]).

ثالثا- تحول مفهوم الأمن و توسيع مجالاته.

        مفهوم الأمن كغيره من المفاهيم الأساسية في علم العلاقات الدولية شهد تحولا في مضمونه، على إثر انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار الفكر الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فرض التوزيع الجديد للقوى على باحثي العلاقات الدولية إعادة النظر في تصوراتهم و طروحاتهم حول مفهوم الأمن، فبعدما كان مفهوم الأمن قبل تفكك الاتحاد السوفياتي مرتكزا حول القطاع العسكري (المتمركز حول مفهوم الدولة- الأمن القومي-)، توسع بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى مجالات أخرى من جراء ظهور نوع جديد من المخاطر التي زادت وتيرة انتشارها بفعل مسار العولمة، حيث صار لزاما على الدولة مواجهة تحديات آتية من مجالات عدة: الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي….الخ، و ليس فقط مواجهة التهديد العسكري القادم من وراء الحدود([15])، لذلك أصبح البعض يؤكد بأن الأمن قضية مجتمعية سياسية واقتصادية وليس فقط عسكرية. حيث ظهرت عدة تيارات تبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب([16]).

هذه الفترة الانتقالية في إعادة صياغة مفهوم الأمن أطلق عليها مرحلة الثورة في الدراسات و الشؤون الأمنية. خاصة مع تزايد أهمية ووتيرة ظاهرة الاعتماد المتبادل بين مختلف فواعل النظام الدولي، فظهور مجموعة من المشاكل والقضايا العابرة للحدود جعل الدول عاجزة عن معالجة هذه الأخيرة وفق وسائل وآليات حكومية محلية، أو حتى عبر اتفاقات رسمية أو غير رسمية لاسيما وأن هذه المشاكل العابرة للحدود قد أضعفت من مستوى أداء الدولة لوظائفها، ومن مدى أدائها لحاجات المواطنين مما جعلهم يلجئون إلى فواعل أخرى ليحققوا حاجاتهم([17]).

        لقد جاء التعبير عن ضرورة توسيع مفهوم الأمن في تقرير صادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، حيث أكدت أن مفهوم الأمن يجب أن يتغير من تركيز حصري على الأمن القومي إلى تركيز اكبر على أمن البشر ( الأمن الإنساني)، من أمن عبر الأسلحة إلى أمن غذائي بيئي وتامين مناصب الشغل([18]). لذلك نجد أن “فولك FALK”  يعرف  الأمن بناء على غياب التهديد حيث يقول:(عياب الأمن من وجهة نظر الأفراد. والجماعات)، أي غياب التهديدات التي تمس بأمن الأفراد حيث صار للأفراد الأولوية على أمن الدولة بل إن هناك من يعتبر الدولة أكبر خطر على أمن الأفراد وهذا ما أدى إلى بروز المستوى الفردي وهذا ما سنوضحه في مستويات الأمن.

حسب هذا الطرح لا بد أن يتحول مفهوم الأمن، حيث لا يجب أن ينحصر في الأمن القومي للدولة كمرجعية وحيدة ومطلقة للأمن، وحول الأسلحة كوسيلة حصرية لتحقيق الأمن، وحول الحدود أو الإقليم كالعنصر الوحيد الذي يجب أن يؤمن، وإنما هناك عناصر أخرى تزايدت أهميتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لذا يجب أن تطرح تصورات جديدة لمفهوم الأمن مع الأخذ بعين الاعتبار متغيرات عديدة أهمها:

  • حلول مفهوم التهديد محل مفهوم الخطر الذي ساد خلال مرحلة الحرب الباردة، ويكمن الفرق بين المفهومين كون الخطر معلوم المصدر وهناك إمكانية التنبؤ بتوقيت وقوعه (وإن كان ذلك بدرجة نسبية)، بينما يكون التهديد مجهول المصدر وتوقيت الوقوع، مما يعقد من إمكانية التصدي له، ومما يزيد من انكشافية أمن الدولة والأفراد في عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
  • تزايد مراكز التأثير في النظام الدولي، وذلك بسبب تزايد الفواعل في العلاقات الدولية حيث لم تعد الدولة فاعلا وحيدا وموحدا في العلاقات الدولية مثلما افترضته المدرسة الواقعية التقليدية، بل صارت هناك فواعل متعددة، سواء أكانت ما دون مستوى الدولة أو ما فوق مستواها، وكنتيجة لذلك تزايدت مصادر التهديد (على المستوى الأكاديمي يعني ذلك تنوع وتعدد مستويات التحليل في الدراسات الأمنية)، وتزايدت معها مسببات التهديد وأنواعه حيث لم يعد التهديد بالضرورة عسكريا، بل صارت مصادره متنوعة: تجارة المخدرات، الجريمة المنظمة العابرة للحدود، الفقر، التلوث البيئي، الإرهاب الدولي، انتشار الأوبئة والأمراض، لذا اقترح “ريتشارد أولمن Richard ULMAN “(1983) توسيع قائمة الفواعل التي لها علاقة مباشرة بقضايا الأمن إلى الفواعل من غير الدولة Non-state actors، فلأغلب هذه الفواعل هامش كبير من المبادرة، لا رد فعل فحسب.

إن هذا التنوع في التهديدات الأمنية جعــل الدراسات الأمنيـــة متعـــددة التخصصات  Multidisciplinaire، وذلك على ضوء غياب منظور أمني شامل ومتخصص، ذلك أن مستجدات النظام الدولي لما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي كشفت عن عمق عجز التصورات التقليدية لمفهوم الأمن في تحليل حركيات هذه التهديدات الأمنية الجديدة، وهذا ما سيتم توضيحه في مستويات الدراسة اللاحقة.

لذا يطلق على المحاولات التنظيرية في هذا المجال (الدراسات الأمنيـة Security studies ) ،و ذلك تبعا لاختلاف التصورات الناتج عن:

  • اختلاف التهديدات الأمنية من دولة إلى أخرى، فالتهديدات الأمنية التي تواجه دولة متقدمة ليست نفسها التي تواجه دول العالم الثالث، لذا فان تصورهما لمفهوم الأمن سيكون مختلفا.
  • اختلاف التهديدات الأمنية حسب التحولات التي تمس النظام الدولي، وتحول أشكال العنف، ففي سنوات السبعينات ساد الحديث عن الأمن الطاقويEnergetic security، لكن الفائض الإنتاجي للنفط خلال سنوات التسعينات أنقص من أهمية الحديث عن هذا المفهوم([19]).
  • زيادة وتيرة انتشار التهديدات الأمنية الجديدة بسبب تطور شبكة الاتصالات العالمية، حيث يقول “توماس فريدمان Thomas FRIEDMAN” :(الآن عليك أن تقلق وبصورة متزايدة بشأن التهديدات المقلقة من أولئك الذين أنت متصل بهم، بما في ذلك الاتصال عبر الانترنت والأسواق، ومن أولئك الأقوياء الذين يستطيعون المجيء إلى باب دارك)، فشبكات الاتصال التي أفرزتها العولمة في اغلب المجالات: الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، الثقافية… تزيد من ضعف الدولة أمام التهديدات التي تواجهه([20]).

و من خلال ما سبق يتبين لنا أن مفهوم الأمن لم يعد يعني أن الدولة التي حققت أمنها حققت أمن أفرادها عن طريق مجابهة العدو الخارجي والاستعداد العسكري، بل أصبح يشمل جوانب عديدة ويشمل عدة مستويات. فعلى المستوى الوطني مثلا تتحرر الدول من كل خطر يهدد كيانها ومصالحها داخليا، وعلى المستوى الفردي يتحرر الفرد من كافة التهديدات التي تهدده مثل الفقر، المرض، و حتى سلطة دولته∙∙∙الخ، وبالتالي اتسع مفهوم الأمن ليشمل مستويات و مجالات أخرى تتعدى المعنى الضيق للأمن القومي الذي ساد الدراسات التقليدية حول الأمن.

المطلب الثاني: المصطلحات المشابهة للأمن.

نتيجة لعدم وجود تعريف شامل جامع مانع للأمن، أي غياب اتفاق حول مفهوم الأمن، وهذا راجع لعدة أسباب التي من بينها وجود عدة مستويات، وحسب كل مستوى يمكن إعطاء تعريف للأمن. وهذا أدى إلى حدوث خلط بينه وبين بعض المصطلحات أو المفردات التي قد تتصل به وعلى سبيل المثال نذكر منها ما يلي:

أولا- الدفاع: هو حماية المصالح الإستراتيجية للدولة من التهديدات بتسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية وهذا يعني أن الأمن يقترن بالدفاع، أي من أجل توفير الأمن للدولة لا بد أن تكون في أتم الاستعداد للحرب ولها القدرة على الدفاع حتى تحقق الأمن على المستوى الوطني وتحقق الأمن لمواطنيها وبالتالي فإن قوام الأمن الدفاع([21]).

ثانيا- الرفاهية: تعني قدرة الدولة على تحقيق أمنها الشامل مما يؤدي إلى تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب ويؤدي هذا إلى رفع معنوياته وتوفير الحياة الميسورة له وإشباع حاجاته. فالرفاهية هدف وغاية في حد ذاتها تساعد على تحقيق الأمن الإنساني بتوفير كل ما يطلبه في مختلف المجالات مثل: الأمن الغذائي، الاقتصادي، الصحي. فالرفاهية آلية تساعد على تحقيق الأمن في كافة مستوياته خاصة على المستوى الفردي والوطني([22]).

المبحث الثاني: خصائص الأمن وأبعاده.

       المطلب الأول: خصائص الأمن.

إن كل موضوع تقريبا لديه مجموعة من الخصائص والمميزات التي يتميز بها، تكون صفات دائمة وملازمة له تساعد في معرفته وتوضيحه أكثر. والأمن يتميز بمجموعة من الخصائص نذكر منها ما يلي:

أولا- النسبية: إن سعي الدولة لتحقيق أمنها يتم عبر علاقات تفاعلية مع البيئة الخارجية المشكلة من مجموعة من الوحدات السياسية (دول)، والوظيفية كالمنظمات الدولية. قد يكون أمن دولة معينة ذا طابع إقليمي وقد يكون دوليا، وعليه فإن مفهوم الأمن متغير باستمرار تبعا لشدة التغير في البيئة الخارجية، ومن ثمة يصبح الأمن مسألة نسبية. فأمن دولة ليس هو أمن الدول الأخرى([23])، أي أن الدولة قد تحقق أمنها في مجال معين ولكنه نادرا ما تحقق أمنها في جميع المجالات وبمستوى عالٍ جدا، ما يجعل الأمن أمرا نسبيا.

ثانيا- الانعكاسية: وتعني أن الدولة تهدف من وراء تحقيق أمنها الوصول لهدف أعمق هو الحفاظ على مصالح وقيم معينة، لأن تهديد هذه الأخيرة يعتبر تهديدا لوجودها المادي، بمعنى أن دفاع الدولة عن أراضيها وأفرادها هو انعكاس ضمني للدفاع عن قيم معينة([24]). أي أن الدولة عندما توفر أمنها وأمن مواطنيها فهي بذلك تعكس استمرار قيمها ومبادئها ومصالحها، لأنه في حالة زوال الدولة فإنه تزول معها أفكارها وقيمها مثل الاتحاد السوفياتي، استمراره في الدفاع عن نفسه بمعنى بقاؤه وفي نفس الوقت استمرار فكره الشيوعي الاشتراكي، و بزواله زالت تقريبا أفكاره، وهذا ما تعنيه صفة أو خاصية الانعكاسية (أمن الدولة أمن قيمها ومصالحها).

ثالثا- الديناميكية: يتخذ الأمن مفهوما مرنا، باعتباره ظاهرة ديناميكية خاضعة للتطور تتسم بالتغير السريع والدائم، والذي يفترض تكيفا ايجابيا معها، فالأمن ليس مفهوما جامدا ولا حقيقة ثابتة ما يبعده عن خاصية الركود والتوقف([25]).

فالأمن ظاهرة تتغير وتتماشى والتطورات الدولية، فهو كان قديما مرتبط بالدولة عندما كانت الدول ترى أن مصدر تهديدها هو العدو الخارجي الواضح والمحدد، ولكن بعد الحرب الباردة ظهرت عدة تحولات أدت إلى تغير مفهوم الأمن ليصبح أمنا إنسانيا، الذي ساير التغيرات الدولية وتماشى ومتطلبات الفرد المتغيرة الذين يدعون إلى تحقيق أمنهم في مجــالات متعددة. و يبقى الأمن مرتبط بهذه التحولات ما يجعله بعيدا تمام على الجمود، أي في حركية مستمرة .

المطلب الثاني: أبعاد الأمن.

إن الأمن المعاصر يتصف بالشمولية، فهو ليس مسألة حدود فحسب ولا قضية إقامة ترسانة من السلاح ولا هو تدريب عسكري شاق، إن كل هذه الأمور وغيرها يتعداها إلى أمور أخرى ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية، فهو قضية مجتمعية تشمل الكيان الاجتماعي بكافة جوانبه وعلاقاته المختلفة([26])، فالأمن توسع ليشمل قطاعات وأبعاد عديدة([27]) ، نتيجة التحولات التي ظهرت بعد الحرب الباردة ونستطيع تلخيص هذه الأبعاد فيما يلي:

أولاالبعد العسكري: هيمن البعد العسكري على تعريف الأمن خلال الحرب الباردة وفي نهاية التسعينات تقريبا، فخلال هذه المرحلة كان الأمن لدى مختلف الأطراف يعني تجميع الوسائل والقدرات العسكرية لمواجهة الأخطار الخارجية سواء كانت تلك الأخطار ضربات عسكرية نووية أو حتى هجومات تقليدية، وعليه فقد اعتلى البعد العسكري سلم ترتيبات الأولويات، في حين احتلت المظاهر والأبعاد الأخرى مراتب ثانوية، حيث تهدف الدول إلى مضاعفة قدراتها العسكرية سواء الدفاعية أو الهجومية بقدر يكفي لمواجهة رغبة الدولة الأخرى في تهديد مصالحها الحيوية أو وجودها المادي أو حتى إجبار باقي الدول على  انتهاج سياسات أو القيام بسلوكات معينة، مثل التهديدات التي توجهها  الولايات المتحدة لباقي الوحدات، بتوجيه ضربات عسكرية ضدها في حالة عدم الاستجابة لمطالبها الخاصة بنزع أسلحة الدمار الشامل أو مكافحة الإرهاب([28]).

فالبعد العسكري يتضمن مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تحقيق حد مقبول من الأمن، إذ نجد مثلا اعتماد منظومات أو برامج للتسلح أين تعمل الدول على زيادة قدر القوة من حيث العدد (القوة البشرية والأسلحة)، ومن حيث النوع أو الفعالية (رفع القوة التدميرية للأسلحة المكتسبة) أي تحقيق الردع، كما يمكن أن تتضمن تلك الإجراءات الدخول في عضوية منظمات ذات طابع أمني أو دفاعي مثل: الأحلاف العسكرية سواء كانت دائمة أو مؤقتة([29]).

ثانياالبعد السياسي: يتجسد البعد السياسي من خلال العلاقة بين الأمن كمتغير والعناصر المكونة للدولة على وجه التحديد السيادة والوحدة الإقليمية، في إطار هذا البعد يميل الحفاظ على الوحدة الإقليمية الحد الأدنى من الأمن كما هو الشأن بالنسبة للمصلحة الوطنية وهذا يكون بواسطة جملة من الإجراءات ذات الأوجه المتعددة مثل: الحفاظ على الاستقرار على مستوى العلاقات بين مختلف فواعل البيئة الداخلية بهدف تجنب النزاعات الداخلية خاصة في الدول المتعددة عرقيا.

أما على المستوى الخارجي يخضع الأمن الوطني إلى علاقات الدولة مع محيطها الإقليمي والخارجي بشكل عام، فعدم دخول الدولة في صراعات مع الدول الأخرى يعطيها مجالا كبيرا لحماية مصالحها وأمنها سواء بشكل فردي أو جماعي.

أما ما يتعلق بالسيادة فهي في المعنى العام حرية تصرف الدولة لشؤونها الداخلية والخارجية في إطار الشرعية دون تدخل أطراف خارجية، وعلى المستوى الخارجي يبرز الأمن في بعده السياسي من خلال سعي الدول إلى تدعيم حريتها في متابعة علاقاتها الخارجية في إطار النظام الدولي([30]) لاعتبارات قانونية وأخرى سياسية،  و الحفاظ على مركزية الدولة باعتبارها وحدة مستقلة ذات سيادة كاملة على أراضيها كقيمة أمنية عليا مقارنة بباقي القيم الأخرى، وعليه ارتبط مفهوم الأمن بدلالات وأبعاد سياسية، إذ تهدف الدولة إلى استعماله بالشكل الذي يحتوي أهدافا سياسية كبرى كحماية كيانها ومصالحها من التهديدات الداخلية والخارجية([31]).

ثالثا- البعد الثقافي: اكتسبت المتغيرات الثقافية أهمية بارزة في تحليل الظواهر السياسية، حيث تعرّف بوجه عام على أنها التوجهات القيمية التي تهدي سلوك الأفراد في مجتمع معين، سواء انحدرت إلينا من الماضي أو نتجت عن الواقع الاجتماعي ذاته. وعليه فإن البعد المكون لمفهوم الأمن يرتبط بشكل وثيق بالبعد الاجتماعي انطلاقا من الارتباط الوثيق بين الثقافة والمجتمع، وربما يكون البعد الثقافي أكثر الأبعاد حساسة نظرا لوضعية التفاعل في إطار النظام الدولي الجديد الذي انتقل حسب صامويل هنتنغتون نحو الصدام الحضاري بعد نهاية الحرب الباردة.       يتطلب هذا البعد وجود نمط ثقافي لتوجيه المجتمع نحو الاتجاه الصحيح لتفاعل بين مختلف أفراده، إضافة إلى ذلك يتطلب الأمن وفقا لهذا البعد التوفيق بين الثقافات الكلية السائدة لدى المجتمع ككل من جهة، وتلك الثقافات المعروفة باسم الثقافات الفرعية. فالتميز بين الثقــافات أو هيمنة ثقافة على ثقافات أخرى يخلق حالة من الصراع الثقافي أو التثاقف(*)،والتي تأخذ أشكالا متعددة أهمها الحروب العرقية والتي تجمعها علاقة صفرية مع الأمن أي وجود احدهما ينفي بالضرورة وجود الآخر، بل يمكن أن تهدد الأمن الوطني في حده الأدنى وهو بقاء الدولة، عن طريق وصول الصراع إلى حد تقسيم إقليم لدولة أو انفصال أجزاء منها. ويبرز الأمن في بعده الثقافي من خلال “العلاقات الثقافية الدولية” التي قد تلتقي بعض الشيء مع ما ذهب إليه هنتغتون في أطروحته صراع الحضارات حين يعتقد أن الثقافات تدخل في صراع على مستوى دولي يقود إلى نتائج ترتبط بالقوة الكامنة في كل حضارة أو ثقافة أو بالقوة التي تكتسبها من خلال دفاع الأفراد المنتمين إليها ضد الثقافات الأخرى.

غير أن ما يمكن أن يهدد الأمن هو النتائج النهائية لعملية التثاقف وما يمكن أن تحدثه من تغيرات في النمط الثقافي السائد في المجتمع([32]). أو تهديد التجانس الاجتماعي والثقافي، ومنه نتيجة اتساع الأمن أصبح يشمل الجانب الثقافي وأصبح هناك بعد ثقافي للأمن يتمثل في تامين الفكر والعادات والثقافات.

رابعا- البعد الاقتصادي: يمكن القول بأن البعد الاقتصادي للأمن في أبسط تفسيراته يعني توفير المناخ الملائم لتحقيق النمو الاقتصادي الذي من شأنه المحافظة على الاستقرار للبلد وعدم تعرضه لمشاكل اقتصادية خطيرة تهدد أمنه([33]).

 فالدولة ترسم جملة من الأهداف تكون مستندة على ركائز تضمن نجاحها والتي من بينها القوة الاقتصادية. فالاتحاد السوفياتي وبعد إنهائه لمرحلة الانفراج سنة 1979 بغزوه لأفغانستان تعرض لضغوط أمريكية كبيرة لم تكن ذات طبيعة سياسية أو عسكرية بالدرجة الأولى بل كانت ذات طبيعة اقتصادية، فمن جهة أوقفت الولايات المتحدة المساعدات الاقتصادية التي كانت تقدمها له، ومن جهة أخرى قام الأمريكيون بإطلاق مبادرة الدفاع الاستراتيجي سنة 1983 والتي لم تكن ذات أهداف إستراتيجية فقط بل كانت تهدف إلى إقحام الجانب السوفياتي في سباق تسلح جديد قد يقضي عليه اقتصاديا، وبالتالي ضرورة الاهتمام بالجانب الاقتصادي وهذا ما ذهب إليه جوزيف ناي الذي دعى أن تقوم الدول بتعظيم منافعها عن طريق الاقتصاد.

والبعد الاقتصادي للأمن يتضمن مجموعة من العناصر تتمثل في:

  • القدرة على خلق الثروة والتسيير العقلاني للموارد البشرية والمادية.
  • وتيرة منتظمة لإشباع الحاجات الإنسانية ورصد تطور وحجم تلك المدخلات.
  • القدرة على التوفيق بين المصالح المتعارضة وإيجاد حلول الوسط لتفادي التصادم بين مختلف أطراف المجتمع.

        وبتكامل هذه العناصر يصبح اللجوء إلى السلوك العنيف خيار غير عقلاني، ويتقاطع مع تحليل “جون برتون John BURTON”، الذي يعتقد أن اللجوء نحو السلوك العنيف ناتج عن انخفاض حجم العائدات الاقتصادية([34])، فالبعد الاقتصادي يكون بتوفير المناخ المناسب لتحقيق احتياجات الشعوب وتوفير الأطر المناسبة لتقدمها وازدهارها([35]).

ويهدد الأمن الاقتصادي مجموعة من التهديدات الناتجة عن البيئة الاقتصادية التي أفرزتها الهوة بين الفقراء والأغنياء بسبب ندرة الموارد، وبالتالي تحقيق الأمن الاقتصادي يتطلب ضمان الرخاء والرفاهية والقضاء على الفقر والجوع والحرمان.

خامسا- البعد النفسي: هو الذي يتعلق بتصور الأمن باعتباره تحررا من الخوف وانتفاء التهديد، أي أنه حالة شعورية تجد الدولة نفسها فيها بمنأى عن تهديد الوجود والبقاء، ولذلك تكون أمام ذاتية أمنية تتعلق بشعور الأفراد والمجتمعات، ولعل أول ملاحظة يمكن أن ندرجها هنا هي أن إدراك مفهوم الأمن يتم داخل سياقات انفرادية وليس ضمن مسارات مشتركة أو جماعية، ويمكن أن تصنف ضمن هذا البعد كتابات كل من “كوفمان KAUFMANN ” ، التي ترى بأنه على الرغم من تعدد وجهات النظر التي عالجت موضوع الأمن والدراسات الأمنية، إلا أنها تلتقي في جوهرها عند قاسم مشترك هو التحرر من الخوف، وأيضا كتابات ” لينكولن LINCOLHIN” الذي يقول في هذا الصدد: (إن الأمن القومي هو مفهوم نسبي يعني أن تكون الدولة في وضع قادرة على القتال والدفاع عن وجودها ضد العدوان أي أنها تمتلك القدرة المادية والبشرية التي تجعل أفرادها يشعرون بالتحرر من الخوف بما يضمن مركزها الدولي ومساهمتها في تحقيق الأمن الدولي)([36]). والتحرر من الخوف أو الحاجة إلى الأمن هي أولى الحاجيات التي يسعى الإنسان إليها بعد إشباعه لحاجاته البيولوجية الأساسية، فإذا لم يحقق الإنسان حاجته إلى الأمن استحال العالم كله في نظره إلى عالم من الخوف والتهديد، ولن يستطيع حينها انجاز أي شيء ذا مستوى أكثر ارتفاع كحاجات تحقيق الذات أو المعرفة على حد تعبير “ماسلو MASLO ” عند تصنيفه للحاجيات الإنسانية.

إذن فالأمن من خلال بعده النفسي هو اختصار للتحرر من شعورية الانعدام الأمني كبديل لاحتمالية التهديد الأمني([37]).

سادسا- البعد البيئي: يعتبر القطاع  البيئي أحد أهم القطاعات بالنسبة للأمن بمفهومه الموسع، حيث يؤثر النظام الايكولوجي على العلاقات الأمنية. فبتنامي ظاهرة الندرة يؤدي عادة إلى خلق وضعيات صراعية بين الدول خاصة منها نذرة المياه، كما أن الكثير من المشاكل البيئية كالتلوث المائي والجوي وانقراض بعض الأنواع من الحيوانات وتدهور النسيج الغابي، تصنف كلها ضمن القضايا التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات، المجاعة وتدهور الوضع الصحي العام،  وبتفاعل هذه المشاكل المعقدة مع النمو الديمغرافي السريع في العالم الثالث حول البطالة، الهجرة…الخ تزداد خطورة هذه المؤشرات التي تهدد بقاء الفرد وحياته ورفاهيته مما يبرز جليا علاقة المنظومة الايكولوجية/ البيئة بمفهوم الأمن البشري([38]). وبالتالي البيئة أصبح لها تأثير على الأمن، لهذا أصبحت بعدا من أبعاده، لتدخل بذلك في معادلة الأمن والسلم لتشكل لنا ثلاثية (السلم، الأمن، البيئة)([39])، حيث نشر تقرير لجنة BHUNDTLAND سنة 1987 بعنوان (مستقبلنا المشترك)، أدى إلى بروز عدة مفاهيم مثل نظرية السياسة الخضراء. فالمشاكل البيئية أصبحت تشكل تهديدا مباشرا لأمن الدول والمجتمعات والأفراد([40]).

    من خلال ما سبق، تبين أن للأمن أبعاد كثيرة ومتعددة، وهذا راجع لاختلاف تصورات الباحثين والعلماء، فهناك من ينظر للأمن من زاوية عسكرية وهناك من ينظر إليه من زاوية اقتصادية…الخ. كما أن اختلاف مستويات الأمن أدى إلى أن يكون لكل مستوى في حد ذاته أبعاد مثل: المستوى الفردي يتضمن أن يتمتع الفرد بنصيب من الثروة الاقتصادية وأن يتمتع بحقوقه السياسية أي بعد اقتصادي وسياسي…الخ. كذلك المستوى الوطني من أبعاده زيادة القوة العسكرية للدولة، أي بعد عسكري وزيادة القوة الاقتصادية وهو بعد اقتصادي. و بالتالي فنتيجة لتشعب الأمن، فإننا نجده يشمل و يحتوي كل زاوية من حياة الأفراد والمجتمعات وفي جوهر اهتمامات كل الدول.

المبحث الثالث: مستويات الأمن.

يعرف الأمن تشعبات عديدة بين الجوانب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية…الخ، لذلك فإن التفاعل مع هذه الجوانب لا يكون وفق نفس الطريقة، فهناك مسائل تكون خاصة بكل دولة منفردة، وهي المسائل التي عادة ما تتعلق بالسيادة والمجالات الحيوية، كما توجد مجالات أخرى يتم التعامل معها في إطار العلاقات الخارجية الجماعية، وفقا لذلك نجد مستويات الأمن متعددة بين الأمن الوطني أي المستوى الوطني والأمن على المستوى الإقليمي و كذلك المستوى الدولي.

كما أن بروز تهديدات مست فواعل غير الدولة و كذلك فوق الوطنية، أضاف إلى أدبيات العلوم السياسية مفهوم الأمن الإنساني الذي أدى إلى بروز مستوى جديد من مستويات الأمن والمتمثل في المستوى الفردي. و بالتالي نقول أن هناك أربع مستويات للأمن: مستوى وطني، مستوى إقليمي ودولي، ومستوى فردي كآخر مستويات الأمن.

المطلب الأول: المستوى الوطني.

يتم اعتماد مصطلح وطني كمقابل لكلمة NATIONAL بالانجليزية أو الفرنسية. والأمن في هذا المستوى يعني: توفير الآليات والإمكانيات، كذلك الإرادة لمكافحة كل أشكال التغيير العنيف أو المخل بجوهر وجود المجتمع أو الذي يتم بواسطة طرق غير مقبولة أو غير شرعية عن المتوافقة مع القيم السائدة في المجتمع والمقبولة من طرف الجميع([41])، ويقوم هذا المستوى على متغيرين أساسيين هما:

  • هو مدى سيطرة السلطة السياسية على تفاعل الوحدات في البيئة الداخلية، أي القدرة على ضمان استمرار الأوضاع سواء من خلال فرض احترام مختلف الفاعلين لقواعد العمل السياسي، أو توقيع عقوبات في حالة خرق هذه القواعد، غير أن هذا يمكن أن يكون مبررا في بعض الأحيان لظهور “الدولة البوليسية التي يعرفها المفكر “LASSWEL ” أنها التي يسيطر عليها المتخصصون في العنف أو رؤساء الأجهزة الأمنية.
  • يتمثل في العملية التي يتم فيها تحويل المطالب الخاصة بمختلف أطراف البيئة سواء كانت أفراد أم جماعات إلى بدائل أو قرارات، والتي يفترض أنها متلائمة مع حاجات الأغلبية أي خلق حالة من الرضا العام وتتعلق كذلك بالقدرة على ضبط مختلف ردود الأفعال غير المؤيدة في حالة العكس.

فالأمن على المستوى الداخلي يعني: كيفية تعامل السلطة السياسية مع مختلف المؤثرات التي تؤثر عليها من البيئة الخارجية، سواء كانت تستهدف التأثير المباشر على الأمن الوطني مثل: التهديدات الصريحة أو الاستعدادات العسكرية ذات النزعة الهجومية، أو تؤثر بصفة غير مباشرة لكن بشكل ملموس على أمن الدولة مثل: قضايا الهجرة غير الشرعية، تلوث البيئة، الجريمة المنظمة…الخ([42]) ، فهو حالة الثقة والطمأنينة نحو حماية كيان الدولة والعمل على الاستقرار دون خوف([43])، والتي تعتمد عادة على  الإمكانيات و القدرات الذاتية  للدولة وعلى قرارها السياسي.

المطلب الثاني: المستوى الإقليمي.

يرتبط هذا المستوى بالنظام الإقليمي الذي يعني: مجموعة التفاعلات التي تتم في رقعة جغرافية محدودة، تشغلها مجموعة من الدول المتجانسة، تجمع بينها مجموعة من المصالح سواء كانت منسجمة أو متناقضة. وغالبا ما يعكس نمط العلاقات الموجودة بين فواعل النظام الإقليمي، حيث ظهرت أهمية هذا المستوى خلال الحرب الباردة، لذلك يمكن الحديث عن المستوى الإقليمي للأمن في إطاره التفاعلي، أي افتراض وجود انسجام الأمن الوطني للدولة مع أمن دول المنطقة المحيطة بها، وهذا يدفع بالدول إلى الدخول في اتفاقيات إقليمية تضمن أمنها كجزء من الأمن الإقليمي، مثل ميثاق (ريو دي جانيرو سنة 1947)، الذي جاء في ديباجته أن الهدف من عقده هو كفالة السلام لكل الدول الأمريكية عن طريق تقديم المساعدات الضرورية لأي دولة تتعرض لخطر العدوان عليها من الخارج.

ومن الملاحظ أن أمن الدولة الإقليمي يعتبر جزءا هاما من سياستها الأمنية، حيث تتوافق السياسة الأمنية في مستواها الإقليمي مع المعنى العام للأمن، أي رده أية محاولة لاختراق المحيط الإقليمي للدولة خاصة إذا كان مجالا للنفوذ، حيث أن الاختراق في حالة وقوعه يعتبر تهديدا للأمن الوطني، ومن أهم الأمثلة على ذلك نجد التصورات الروسية للأمن الإقليمي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، حيث تعتبر روسيا أن الحدود السابقة للاتحاد هي حدود أمنية  لها(الجوار القريب)، لذلك فهي تبدي بعض الحذر فيما يخص مسألة توسيع حلف شمال الأطلسي([44]).

فكل دولة تهدف إلى تحقيق أمنها على المستوى الإقليمي مثل الحديث عن الأمن العربي، أمن دول حوض النيل، الأمن الأوروبي([45])، والأمن الإقليمي ظهر في المنظمات الإقليمية كما جاء في الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة(*) بصفة جلية([46]).

المطلب الثالث: المستوى الدولي.

بالرغم من الاختلافات النظرية بين مفهومي الأمن الجماعي والأمن الدولي، إلا أن هذا الأخير يعتبر شكلا من أشكال الأمن الجماعي، حيث ظهر هذا المستوى بعد الانفتاح الذي ميز النظام الدولي والعلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى بزوال المركزية الأوروبية، وأهم نتائج ذلك دخول مناطق كثيرة في إطار النظام الدولي إفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية…الخ، وبذلك أصبح من الصعب على الدول البقاء بمعزل عن القضايا الدولية نظرا لزيادة درجة الربط بين البيئتين الداخلية والخارجية، وأصبح بذلك ما يحدث في مختلف أنحاء العالم يمس مصالح وأمن الدول بشكل مباشر حتى وان كانت الأحداث بعيدة عنها من الناحية الجغرافية أو خارج محيطها الإقليمي، و هذا ما حاول “جوزيف ناي” و “كيوهان” التعبير عنه بالاعتماد المتبادل، فهذه الوضعية جعلت سياسات الأمن لا تصاغ بالاعتماد على متغيرات وعوامل داخلية فقط، بل أصبحت تتفاعل بشكل كبير مع العوامل الخارجية، أي أن مصادر الخطر أصبحت عالمية لا تهدد فقط الأمن القومي لدولة واحدة أو مجموعة من الدول بل أصبحت تهدد كل وحدات النظام الدولي، وهذا يعني أن السياسة الأمنية الوطنية أصبحت جزءا من سياسة أمنية عالمية لمواجهة التهديدات([47]).

و حتى يتحقق الأمن الدولي أو الجماعي يستلزم إدراك الدول لمجموعة من المــبادئ أو الأفكار في إطار علاقتها الدولية “العلاقات ما بين الدول Inter state relations ” منها:

  • التخلي عن استعمال القوة العسكرية واستبدالها بالسلمية مثل المفاوضات.
  • لا بد من توسيع إدراكاتها للمصالح الدولية، أي الأخذ بعين لاعتبار مصالح الجماعات الدولية ككل. تبدو أهمية هذا المبدأ في حالة حركة غير مرغوبة تستلزم تحرك نظام المسؤوليات الدولية أوتوماتيكيا وبشكل جماعي، و تتم المواجهة عن طريق القوة العسكرية([48]).

 

و الأمن الدولي ارتبط بالمنظمات الدولية واتصف بثلاث عناصر:

  • وجود جهاز دولي لردع العدوان (مجلس الأمن).
  • وجود تنظيم لتجريم العدوان (القانون الدولي).
  • وجود إجراءات لدحر العدوان (الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) (*).

 

المطلب الرابع: المستوى الفردي.

جاء نتيجة التحولات التي عرفتها فترة ما بعد الحرب الباردة حيث ظهرت مجموعة من التهديدات أثرت على الفرد استدعت وجوب تحقيق أمن إنساني الذي جوهره الفرد إذ يعنى بالتخلص من كافة التهديدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وهو الحالة التي يشعر فيها بالاستقرار والسكينة والطمأنينة نتيجة لعد وجود ما يهدده أو يقلق سكينته([49]).

وبالرغم من أن مستويات الأمن تبدو منفصلة إلا أن العلاقة التي تجمع بين كل منها وطيدة فحسب  John Burton  فإن حالات اللاإستقرار في المجتمع الدولي هي انتشار لحالات النزاع و اللاإستقرار في البيئة الداخلية وبالتالي فإن تحقيق الأمن على المستوى الإقليمي مرتبط بمدى قدرة الدول على تحقيق استقرارها وأمنها الداخلي أي الأمن في مستواه الوطني ومن جهة ثانية يرتبط كل من المستويين الوطني والإقليمي بالمستوى الدولي حيث يؤكد التحليل النظامي للعلاقات الدولية وجود ارتباط بين نمط التفاعل بين وحدات النظام الإقليمي ونمط التفاعل الحاصل في إطار النظام الدولي الكلي ويبرز ذلك الارتباط بين مستويات الأمن من خلال أحداث الحرب  الباردة أين مثلت الأنظمة الإقليمية امتدادا للصراع الثنائي فقد كانت رغبة كل طرف في تحقيق مكاسب سببا في حروب إقليمية أو بالوكالة تتدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي بشكل غير مباشر وهذا ما يمس الأمن الإقليمي إضافة إلى تدعيم الانقلابات العسكرية من أجل تحويل ولاء الدول نحو أحد المعسكرين وهو تأثير مباشر على الأمن في مستواه الوطني ويتضرر الإنسان أو الفرد من كل هذا وهنا يبرز المستوى الفردي ومن هنا يتبين أن هناك ترابط بين مستويات الأمن، كل مستوى يؤثر في مستوى آخر([50]).

المبحث الرابع: آليات الأمن

هي مختلف الوسائل الواجب توفرها حتى يتم تطبيق الإجراءات التي تمس الجوانب الإستراتيجية العسكرية والسياسية والاقتصادية…الخ، حسب تصور كل دولة لأمنها في مستوياته المختلفة.

       المطلب الأول: الآليات العسكرية:

       يتفق مضمون الآليات العسكرية وعملها من الناحية العملية مع مفهوم الدفاع الوطني، حيث تستعمل هذه الآليات في إطار الإستراتيجية العامة للدفاع الوطني، و ذلك من أجل تحقيق السياسة الأمنية في شقها العسكري، وتتضمن هذه الآليات القدرات العسكرية للدولة بمختلف أجزائها، حيث تتشكل من قسمين أساسيين:

     – الأول: هو التصور الفكري أو الإيديولوجي أو العقيدة الإستراتيجية التي تقوم عليها مختلف العمليات العسكرية: تخطيط، دفاع، هجوم…الخ، فدور هذا الشق هو توجيه استعمال مختلف الوسائل العسكرية الأخرى أسلحة ومعدات كما يهدف كذلك إلى عقلنة rationalisation، هذا الاستعمال من خلال دراسة هذه الجزئيات يمكن التعرف على المدرسة التي تنتمي إليها كل دولة، فالصين تبنت عقيدة حرب العصابات انطلاقا من الفكر الثوري الذي هيمن على الصين إلى غاية امتلاكها للأسلحة النووية 1964. و وفقا لهذا الشق يتم تحديد الأولويات الواجب تلبيتها، إضافة إلى مصادر الخطر القائمة فعلا أو محتملة الحدوث، حيث يمكن أن يكون مصدر الخطر غير محدد مثل ما هو عليه الحال بالنسبة لظاهرة الإرهاب من أجل تبرير سلوكات معينة.

     – أما القسم الثاني: فهو ذو طبيعة مادية تقنية إذ يتكون من المعدات الحربية والأسلحة سواء كانت تقليدية أسلحة خفيفة، مقاتلات، أو إستراتيجية مثل صواريخ بعيدة المدى وقنابل نووية…الخ. بالإضافة إلى كل ما يدخل في إطار الجوانب اللوجيستيكية (*) للقوات المسلحة([51]).   و يتم التزود عموما بهذه المواد والمعدات من التصنيع الذاتي مثل صناعة عسكرية كالمركب الصناعي العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك من مختلف المصادر الخارجية.     

      المطلب الثاني: الآليات الاقتصادية.

       تلعب الآليات الاقتصادية دورا تمويلي، أي ضمان الموارد الكافية لتجسيد الأمن من خلال تمويل أداء مختلف الأجهزة المعنية بالأمن الوطنـي سواء في شقـــه السياسي أو العسكري أو الاجتماعي، فبرامج التسلح تتوقف على قدرة الدولة على القيام بأعباء هذه البرامج من خلال رصد ميزانية هامة للدفاع، فالاتحاد السوفيتي قد انهار بشكل شبه كامل بعد أن تم إقحامه من طرف الولايات المتحدة الأمريكية في سباق جديد للتسلح بعد إطلاق برنامج حرب النجوم 1983، كما تعمل هذه الآليات على تحقيق حد مقبول من الرفاهية الاقتصادية. وتتمثل الآليات الاقتصادية المساهمة في تجسيد سياسة الأمن المسطرة في كل الهياكل الاقتصادية الموجودة في الدولة، وتؤدي مهام حيوية أهمها([52]):

  • عملية خلق الثروة والموارد الاقتصادية: أي توفر مجموعة متعددة من المصادر المادية، والتي من شأنها تمويل النشاط العام للدولة ومنها الإستراتيجية العامة الهادفة لتحقيق أمنها.
  • التسيير العقلاني للموارد ومصادر الثروة: فكيفية تسيير هذه الموارد مرتبط بالعقيدة الفكرية المتبناة من طرف صانعي القرار.
  • التفاعل الخارجي –الايجابي-: أي علاقات الاعتماد المتبادل والمساومات باستعمال الوسائل الاقتصادية فحتى تكون الآليات الاقتصادية فعالة لا بد أن يتم استعمالها بطريقة عقلانية.

      المطلب الثالث: الآليات السوسيوسياسية:

      أي تفاعل الشؤون السياسية مع البيئة الاجتماعية بشكل يساعد على الاتفاق حول القضايا المحورية المواجهة للمجتمع. إذ نجد النشأة الاجتماعية التي تعني تكوين الفرد كجزء في مجتمع وكمواطن في الدولة عن طريق خلق الإحساس بعدم التعارض بين الأهداف الوطنية العامة والأهداف الفردية، أي محاولة تقليل التجاء الأفراد إلى السلوك العدواني وغيرها من الآليات التي تهدف إلى تحقيق التوازن والاستقرار.

      فكل آلية من هذه الآليات السابقة الذكر سواء العسكرية أو الاقتصادية تكمل بعضها البعض، فالعلاقة بين هذه الآليات هي علاقة اعتماد متبادل([53]).

      و لكن نقول أن هذه الآليات أصبحت غير قادرة على تحقيق أمن الدول والأفراد وذلك لظهور تهديدات غير محدودة وواسعة النطاق مما جعل الدول تلجا إلى لبحث عن وسائل أخرى لتحقيق أمنها في كافة أبعاده ومستوياته.

       المبحث الخامس: مفهوم الأمن في نظريات العلاقات الدولية.

       نتيجة لتعدد مستويات تحليل الدراسات الأمنية، انقسمت منظورات العلاقات الدولية سواء المنظورات التفسيرية أو النقدية وأعطت صياغات مختلفة للأمن من خلال اختلاف قراءاتهم للتحولات التي شهدتها العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، ثم التحولات الجديدة في النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وذلك بسبب احتدام الصراع بينها حول فرض تصور معين لمفهوم الأمن.

فالتقليديون ( المنظورات التفسيرية: الواقعية، الليبرالية و كذلك الماركسية)، حاولوا الحفاظ على المفهوم الضيق والتقليدي الذي يتعلق بأمن الدولة، وفضلوا إدخال بعض التعديلات الشكلية والسطحية فقط على المفهوم في حين النظريات التكوينة(البنائية و النقدية الاجتماعية، لإضافة إلى النسوية) و على رأسها الدراسات النقدية للأمن الخاصة بمدرسة كوبنهاغن حاولت إعطاء مفهوم جديد لطبيعة الأمن، وذلك بإحداث قطيعة إبستيمولوجية للمفهوم التقليدي، ومنه إعادة صياغة جديدة ومن زاوية تحليل مغايرة للتحليل التقليدي الدولاتي ألا وهو و التحليل المجتمعي لمفهوم الأمن، وعليه سيتم إدراج مفهوم الأمن حسب كل منظور من المنظورات الكبرى في العلاقات الدولية([54]).              

       المطلب الأول: النظريات التقليدية الكلاسيكية

       أولا- المدرسة الواقعية(*) ( الواقعية الكلاسيكية و الواقعية الجديدة):

       إن مفهوم الأمن يعود إلى فترة قديمة جدا في الفكر الواقعي، فهو موجود في كل الاتجاهات التي تشكل هذا التيار وبنائه النظري، وعند كل المفكرين والمنظرين التابعين لهذا التيار من “تيوسيديد” إلى “هانز مورغنتاو” إلى “كينيث وولتز” و “ريمون أرون”.

       هذا الفكر يرجع إلى اليونان والصين، حيث ورد في جذور النظرية التي أسسها “تيوسيديد” حول الأمن و القوة التي استقاها من الحرب التي دارت بين أثينا واسبرطة حيث قال: “إن إرساء معايير العدالة يعتمد على نوع القوة التي تستندها وفي الواقع فإن القوي يفعل ما تمكنه قوته من فعله أما الضعيف فليس عليه سوى تقبل ما لا يستطيع فعله“.

       فالواقعيون هم الأكثر دفاعا عن فكرة اعتبار الأمن من صميم اهتمام وصلاحيات الدولة وحدها، أي أن مفهوم الأمن الوطني يرتبط مباشرة بالدولة، حيث يفسر الأمن على أنه أمن الدولة ضد الإخطار والتهديدات الخارجية إذ لا يمكن ضمان هذا الأمن إلا بزيادة القدرات العسكرية الوطنية  وإقامة تحالفات عسكرية دولية([55]).

       أما الواقعيون الجدد أضافوا فكرة تتعلق بأن الدول تسعى لكسب القوة ليس فقط من أجل القوة وإنما من أجل الدفاع عن أمنها لحفظ بقاءها، كذلك للتقليص مخاطر المأزق الأمني(*)  إذ  يقول كينيث وولتز “في ظل الفوضى الأمن هو الهدف الأسمى لكن فقط عندما يكون بقاء واستمرارية الدول مضمونا ستبحث هذه الأخيرة عن أهداف أخرى مقل الهدوء، الربح، القوة”. وبالتالي الاتجاه الواقعي يقتصر على حدود أمن الدولة القومية باعتبارها الفاعل الرئيسي في العلاقات الدولية ضد أي تهديد خارجي، و القوة هي المؤشر الأساسي لتحقيق الأمن حيث نجد في هذا الصدد كينيث وولتز يقول” إن التنافس من أجل الرفاهية والأمن والتنافس أدى ويؤدي دوما إلى النزاع“. و أن للقوة قابلية للاستعمال من أي وسيلة أخرى للحفاظ على الوضع القائم وليس لتغيره وهو الهدف الأدنى لأي قوة([56]).

       و خلاصة القول أن المنظور الواقعي يرى أن الأمن القومي المرتبط بالدولة هو قدرة الدول في الحفاظ على هويتها المستقلة ووحدتها الوظيفية، أو قدرة الدولة على البقاء والمحافظة على قيمها مع استمرار النمو والتقدم طبقا للأهداف المخططة بواسطة الحكومة([57]). فالدولة إذا هي الموضوع المرجعي للأمن لدى الواقعيين.

        ثانيا- المدرسة الليبرالية ( الليبرالية الكلاسيكية والليبرالية الجديدة):

       إن الأمن الجماعي والسلام الديمقراطي يعتبر من أهم التصورات الليبرالية للأمن، حيث يستبدلون مفهوم الأمن القومي وهو التصور الواقعي بمفهوم آخر الأمن الجماعي عبر إنشاء منظمات ومؤسسات دولية وإقليمية تعمل على ضمان وتحقيق الأمن والسلام بطريقة تعاونية وتبادلية بين الدول، إذن وجود فاعلين غير الدولة عكس المنظور الواقعي، ويقوم تصورهم على أساس تشكيل تحالف موسع يضم أغلب الفاعلين في النظام الدولي بقصد مواجهة أي فاعل آخر.

       و لليبرالية مجموعة مبادئ(*) تعتمد على أفكار “إيمانويل كانط” عندما اقترح تكوين فدرالية وكذلك “وودرو ويلسون”([58]). في تصوره لعام يسوده السلام، وهو الذي قرر إنشاء عصبة الأمم والأمن عندهم يكون  يتحقق بالعوامل المؤسساتية الاقتصادية والديمقراطية([59]).            هذه المؤسسات تخلق لنا  تشابك وتعاظم بين الوحدات حيث أن هذا التداخل يحقق الأمن نتيجة تخوف كل طرف على مصالحه الاقتصادية التي تؤدي إلى تحقيق الرفاهية للدول والشعوب وكل الفاعلين في النظام الدولي([60])، ورغم أن الليبراليين قد أقحموا فاعلين غير الدول محاولة منهم لتوسع الأمن مفهوما وميدانا مثل الجماعات المسلحة والنزاعات الاثنية لكنهم أبقوا الدولة كموضوع مرجعي لأن كل الفواعل تبقى مرتبطة بالدولة، و تسعى لتعظيم مصالحها المادية عبر مفهوم المكاسب المطلقة.

المطلب الثاني: النظريات التكوينية/النقدية: و سنركز هنا على النظرية البنائي والمنظور النقدي للأمن.

    أولا- النظرية البنائية(**):

ظهر هذا المنظور أو النظرية مع كتابات “ألكسندر وندت Alexander WENDT”  و “نيكولاس أونوف Nicolas ONUF ” و إيمانويل أدلييرEmmanuel  ADLER ” ، في نهاية الثمانينات وبداية تسعينات القرن العشرين. لقد أشار “الكسندر وندت” سنة 1992 بأن الأمن ليس مسألة حتمية بل مسألة إدراك، وأن صناع القرار هم الذين يصنعون هذا الإدراك، ويجعلون جوانب مادية حقيقية حيث تصبح الحروب والنزاعات ضرورة في العلاقات الدولية، وبالتالي فإن المأزق الأمني ليس ظاهرة حتمية بل هو تمثيل وتصور عقلي، وبالتالي يمكن إعادة بنائه لصالح الأمن والسلم عوض المصلحة الضيقة والحرب والنزاعات، و منه فإن غاية الأمن حسب “الكسندر وندتهو ما تريد الدول تحقيقه وفعله لا ما هو الحقيقة الفعلية. فالبنائية تقوم على مسلمات وتبحث في مواضيع مختلفة كالهوية، الخطاب السياسي، القيم الثقافية والحقائق و إدراكات صناع القرار وكل هذه المتغيرات تؤدي في تصورهم إلى تغيير الوضع الدولي من وضع نزاعي إلى وضع سلمي([61])، ونستطيع أن نقول أن “الكسندر وندت” أعطى مفهوما بديلا للمعضلة الأمنية التي صورها الواقعيون فهو يطرح مفهوم الجماعة الأمنية كبديل لحالة الفوضى الدولية([62])، هذه النظرية ترى أن الأمن هو نتاج لبناء سياسي تذاتاني([63])، فانتقلت من الأمن من مستوى الدولة إلى مستوى الفرد وأن سوء النية او الإدراك السيئ هو سبب النزاع، فبتغبير الإدراك يتحقق السلم والأمن، فهو مرتبط بالفرد و إدراكاته([64]).

 ثانيا- المنظور النقدي للأمن:

يحتوي على عدة تيارا من بينها تيار “باري بوزان”، “الماركسيون الجدد” وكذلك “المقاربة النسوية أو النظرية النسوية”، ومن أهم كتاب هذا المنظور “كين بوث Ken BOOTH”،  “جيمس دير James DER “وغيرهم.

إن الأمن عند أصحاب هذا المنظور هو مفهوم موسع لا يعتمد على القوة العسكرية فقط بل على متغيرات جديدة ظهرت بعد الحرب الباردة كالعامل البيئي، حقوق الإنسان، الهويات، الهجرة، الأمراض…([65])،وهي تعتبر الفرد كموضوع مرجعي أساسي لها. حيث أن العمل على حماية الكائن البشري أو الجماعة الإنسانية بصورة شاملة تجعل الهدف الأساسي هو البحث عن وسائل واستراتيجيات لضمان الأمن العالمي الشامل والأمن  البشري، وهما المفهومان الأساسيان للأمن اللذان تقترحهما النظرية النقدية في إطار الدراسات النقدية([66]). ونجد “كين بوث” يقول: (طريقتي في التعامل مع هذا النقاش النقدي  هو أنني أرحب بأنه مقاربة  تمكننا من مواجهة المعايير المشؤومة للدراسات الإستراتيجية للحرب الباردة، للوصول في نهاية الأمر إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن، طالما أن هناك التزاما بالانعتاق). وفي هذا الاتجاه فإن بوث يرى أن الأمن يعني الانعتاق والذي يعني: تحرير الشعوب من القيود التي تعيق  مسعاها للمضي قدما في اتجاه تجسيد خياراتها ومن بين القيود الحرب، الفقر، الاضطهاد، نقص التعليم وغيرها.

فبرز لنا من خلال هذه النظرية الأمن الإنساني الذي يمكن تعريفه بأنه: ( التخلص من كافة ما يهدد أمن الأفراد السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال التركيز على الإصلاح المؤسسي وذلك بإصلاح المؤسسات الأمنية القائمة وإنشاء مؤسسات أمنية جديدة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، و البحث عن سبيل تنفيذ ما هو قائم من تعهدات دولية تهدف إلى تحقيق أمن الأفراد، و هو ما لا يمكن تحققه بمعزل عن أمن الدول)([67]).

ويعتبر “باري بوزان” -مدير معهد بحوث السلام بكوبنهاغن- الوحيد الذي ذهب بعيدا في نظرته لإعادة الصياغة للاختبار والتفكير في الأمن، إذ أكد أنه إلى جانب القطاع العسكري للأمن فإن القطاع السياسي، القطاع الاقتصادي، القطاع الاجتماعي والقطاع البيئي،  تبقى ميادين أساسية للأمن في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فبالنسبة لمقاربة باري بوزان لم تعد الدولة الموضوع والمرجعي الوحيد لفهم أو تفسير الظواهر و السلوكات الأمنية على المستويين الإقليمي والعالمي([68])، وباري بوزان يقول: ( إن الأمن هو التحرر من كل تهديد)، فهذا التعريف هو جامع لأنه يقصد كل تهديد أو خطر يؤثر في الإنسان، هذا ويرى بوزان أنه لتعريف الأمن والإحاطة بمختلف عناصره بطريقة دقيقة لا بد من تحديد موضوعه المرجعي Referent object للإجابة على السؤال “أمن ماذا؟” ويجيب بوزان: أن الدولة، لكن ليست الدولة الموضوع المرجعي الوحيد للأمن، لأن هناك مواضيع مرجعية أخرى كامنة، قد تبرز بناء على بروز ما يهددها، لذا تبنى بوزان في تحليله للقضايا والمواضيع الأمنية ثلاث مستويات للتحليل: الأفراد، الدول والنظام الدولي، وعلى هذا الأساس يميز بوزان بين التهديدات الحقيقة والتهديدات الزائفة.

يعد بوزان من دعاة توسيع مفهوم الأمن إلى قضايا أخرى غير العسكرية كقضايا البيئة والاقتصاد والمجتمع والثقافة وغيرها، لذلك عدد بوزان أبعاد الأمن كالآتي:

  • الأمن العسكري: ويتضمن شقين أساسين قدرات الهجوم المسلح والقدرات الدفاعية وكذا تصورات الدول ونواياها تجاه بعضها.
  • الأمن السياسي: ويعني الاستقرار التنظيمي للدولة ومؤسساتها ومحافظتها على شرعيتها ونظامها السياسي وإيديولوجيتها.
  • الأمن الاقتصادي: ويتضمن الحصول على الموارد المالية، والثروات الطبيعية والأسواق الضرورية للحفاظ بشكل دائم على الحد الأدنى من الرفاه الاجتماعي، وعلى قوة الدولة.
  • الأمن الاجتماعي: ويخص قدرة المجتمعات على إعادة إنتاج أنماط خصوصيتها ورموز هذه الخصوصية كاللغة، الثقافة والهوية الوطنية والدينية والعادات والتقاليد وضمان شروط مقبولة ومساعدة على تطوير هذه الرموز ودرء التهديدات التي تؤثر سلبا على هوية وثقافة المجتمعات.

وبالتالي أصبح الأمن في إطار موسع “أمن الدولة+ أمن المجتمع+ أمن الإنسان“، أي الانتقال من الوحدة الترابية وسيادة الدولة ومصالحها الوطنية إلى حماية حقوق الإنسان وحرياتهم وترقيتهم بشكل يمكن ضمان كينونتهم وكرامتهم ومستقبل الأجيال القادمة.

فالتعريف الجدي للأمن الإنساني هو: أمن الإنسان من  الخوف، القهر، العنف، التهميش والحاجة، الحرمان وعدم التمكين الاجتماعي ونجد أن كل من Sadako OGATA وJohn CELS قالا أن الأمن الإنساني هو:( مجموعة عمليات حماية الحريات كالأساسية لبقاء الإنسان والتنمية أي حماية الإنسان من التهديدات سواء كانت طبيعية أو مجتمعية) ([69]).

كما برز هذا المفهوم الجديد للأمن في التقرير الثاني لبرنامج الأمم المتحدة لسنة 1994، فقد عرف الأمن الإنساني كمنظور جديد للتنمية.و الأمن متمحور حول الإنسان وحاجاته و كذلك حماية الإنسان من المخاطر المستعصية chronic threats  مثل المجاعـة و  المرض و القهر السياسي، و  احتمالات الإنقطاع المفاجئ و الضار  لحاجات الإنسان اليومية …” فمن هنا حدد محرري التقرير، أبعاد للأمن الإنسان حسب فلسفة الحاجات الإنسانية([70]):

  1. الأمن الاقتصادي: أي ضمان الحد الأدنى من المدخول لكل فرد .
  2. الأمن الغذائي: أي ضمان الحد الأدنى من الغذاء لكل فرد.
  3. الأمن الصحي: أي ضمان الحد الأدنى من الحماية و الرعاية الصحية من الأمراض و الوقاية منها.
  4. الأمن البيئي: و التي يقصد بها حماية الإنسان من الكوارث الطبيعية و الحفاظ على البيئة من استدمار الإنسان.
  5. الأمن الفردي: و الذي يعني حماية الإنسان من العنف المادي من طرف الدولة، الدول ، الفواعل عبر الدولية …الخ.
  6. الأمن المجتمعي: الذي يقوم على ضمان الاستمرار في العلاقات الاجتماعية التقليدية و القيم من العنف العرقي و الطائفي.
  7. الأمن السياسي: الذي يضمن للبشر العيش في كنف مجتمع تضمن و ترقي حقوق.

بالنظر لهذه الأبعاد الكلية يمكن القول أن الأمن الإنساني معرفيا و مضامنـــيا و جينيالوجيا، هو تعبير فعلي عن رغبة عالمية لتدارك الأخطار و التهديدات التي رسمت لمستقبل نظام  عالمي عماده الكوارث الإنسانية من:  كوارث بيئية، كوارث صحية، مع تنامي الحروب الداخلية ذات الطبيعة العرقية أو الدينية (و الهوياتية عموما )، و في تنامـــي الفقر و الجهل و العنف (المادي و غير المادي ) …. و هذا ما من شأنــه تهـــديد أمن و سلامة الدول و المجتمعات و العالم ([71]).

و بالتالي يمكن القول أن هذا المنظور النقدي الحديث، حاول أن يثبت بأن الحفاظ على مفهوم ضيق للأمن أصبح غير مبرر لطبيعة التهديدات الجديدة التي أصبحت تميز البيئة الأمنية على المستويات العالمية الإقليمية والمحلية، وحاول تقديم إطار نظري و مفهوماتي قادر على تفسير وفهم الأحداث، الظواهر و السلوكات الدولية لما بعد الحرب الباردة ([72])، و مختلف التهديدات التي تستدعي توسيع مفهوم الأمن.

ونستنتج أن هذه المنظورات قد أعطت تعاريف للأمن تغيرت بتغير الأحداث والظواهر الدولية بعد أن كانت مقتصرة على أمن الدول وأنها هي مصدر الأمن. برز تيار يعتبر أن تحقيق أمن الدولة لا يعني أمن الأفراد، هذه التفسيرات المختلفة راجعة لاختلاف مستويات الأمن، وراجعة إلى أن الأمن ليس له بعد واحد بل هو يشمل كل مجالات الحياة، لننتقل بذلك إلى الأمن الإنساني ومن  هنا يظهر التفاعل الأكاديمي والعلمي في تطوير منظور حركي لأمن الإنسان في ظل عولمة الخوف والمخاطر، فالتطور على مستوى الظاهرة تهديدات جديدة  تمس الفرد بصفة خاصة استدعت تطور على المستوى العلمي أي بروز نظريات تحاول أن تقدم تفسيرات تتماشى والظواهر الموجودة.

([1]حمدوش رياض، “تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”. مداخلة ضمن: الملتقى الدولي “الجزائر والأمن في المتوسط ، واقع وآفاق”، جامعة منتوري– قسنطينة-، قسم العلوم السياسية، الوكالة الوطنية لتنمية البحث العلمي، مركز الشعب للدراسات الإستراتيجية ، الجزائر، 2008، ص 271.

[2]) قاموس المحيط الالكتروني، على الموقع التالي: www.moheet.com

[3]) زكريا حسين، “الأمن القومي“: http://www.islamonline.net/arabic/mafaheem/2000/11/article2.shtml

[4]) Michel  Dillon, politics of security. Routledge London, 1996, p 121.in :

 http://www. Routledge.com/books/search/12/1/2009

[5]) حمدوش رياض، “تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”،مرجع سبق ذكره، ص 270.

[6]) Michel  Dillon , Op.Cit.p 121.

[7] ) عبد النور بن عنتر، البعد المتوسطي للأمن الجزائري، المكتبة العصرية للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2005. ص 14.

[8] ) Peter Hough, understanding global security. London routledge, 1ed, 2004, p 7.

[9]) عادل زقاغ، “إعادة صياغة مفهوم الأمن، برنامج بحث في الأمن المجتمعي“. نقلا عن موقع:

http://www.geocities.com/adel. Zeggagh/links.html.

[10]) John BAYLIS and Steve SMITH , Globalization of World Politics, second ed. oxford university press, New york, 2001. p 255.

[11] )عبد النور بن عنتر، مرجع سبق ذكره.ص ص25-26.

[12]) أحمد الرشيدي ومجموعة من المؤلفين، المدخل إلى العلوم السياسية والاقتصادية والإستراتيجية. المكتب العربي للمعارف، القاهرة ، 2003. ص 3.

[13]) هيثم اللمع، معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية عربي-فرنسي-انجليزي. المؤسسة الجـــامعية للدراسات و النشر والتوزيع، 2005، ص 77.

[14]) مارتن غريفيش وغيره، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، ترجمة: مركز الخليج، دبي ، 2008. ص 78.

[15]) Annette JUNEMANN, Euro-Mediterranean relations after 11September. Frank Cass, London, 2004. from: www.gigapedia.org

[16]) زكريا حسين، مرجع سبق ذكره.

[17]) James N. ROSENAU , The United Nations in a Turbulent World, London: Lynne Rienner publishers, 1992. p 28.

[18]) Peter HOUGH, Op.Cit. p 13.

[19] ) Jean jaque ROCHE et Charles Philippe DAVID, Theories de la Sécurité. Montchrestien, Paris , 2002. p p 13- 14.

[20] ) جوزيف ناي وجون د دوناهيو، الحكم في عالم يتجه نحو العولمة، ترجمة: محمد الشريف الطرح، العبيكان، القاهرة ، 2002. ص 126.

[21])  بوزغاية جمال، “مفهوم الدفاع“. في:مجلة الجيش، مديرية الإعلام والتوجيه، الجزائر، العدد 462، جانفي 2002. ص 8.

[22]) أحمد الرشيدي ومجموعة من المؤلفين ، مرجع سبق ذكره. ص 18.

 [23]) خير الدين العايب، الأمن في حدود البحر الأبيض المتوسط في ظل التحولات الدولية الجديدة. (مذكرة لنيل شهادة ماجستير في العلاقات دولية، قسم العلوم السياسية، جامعة الجزائر، 1995) ،ص 27.

[24]) أحمد الرشيدي ومجموعة من المؤلفين، مرجع سبق ذكره. ص 11.

[25]) المرجع نفسه. ص 14.

[26]) خالد معمري ، التنظير في الدراسات الأمنية لفترة ما بعد الحرب الباردة: دراسة الخطاب الأمني الأمريكي بعد 11 سبتمبر، (مذكرة لنيل شهادة ماجستير في العلاقات دولية، كلية الحقوق، قسم العلوم السياسية، جامعة باتنة ،2009)، ص 24.

[27]) بلعيد منيرة، “الديناميكيات الأمنية الجديدة في الإقليم المتوسطي: دور الجزائر الأمني كفاعل في المنطقة“. مداخلة ضمن: الملتقى الدولي “الجزائر والأمن في المتوسط ، واقع وآفاق”، تنظيم جامعة منتوري – قسنطينة-، قسم العلوم السياسية، الوكالة الوطنية لتنمية البحث العلمي، مركز الشعب للدراسات الإستراتيجية، قسنطينة ، 2008. ص 101.

[28]) طارق رداف ، الاتحاد الأوربي-من استراتيجية الدفاع في إطار حلف شمال الأطلسي إلى الهوية الأمنية المشتركة، (مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية، كلية الحقوق، قسم العلوم السياسية، جامعة قسنطينة، 2002)، ص ص14-15.

[29]) طارق رداف ، مرجع سبق ذكره. ص ص15-16.

[30]) المرجع نفسه. ص 16.

[31]) خالد معمري ، مرجع سبق ذكره. ص 25.

* ) التثاقف: كثرة الثقافات داخل المجتمع واختلافها يؤدي إلى حدوث صراعات وعدم الانسجام، على عكس وجود فكر واحد سائد يساعد على التلاحم ويساهم في تحقيق الأمن.

[32] )محمد الميلي، الأبعاد الثقافية والاجتماعية للأمن القومي العربي، في: الأمن العربي: التحديات الراهنة والتطلعات المستقبلية، مركز الدراسات العربي الأوربي ، باريس، 1996، ص 117.

[33]) أحمد ثابت، “الأمن القومي العربي: أبعاده ومتطلباته“. في: مجلة المستقبل العربي، مركز دراســات الوحدة العربية، بيروت، العدد 196، جويلية 1995، ص 167.

[34]) رداف طارق، مرجع سبق ذكره. ص 19.

[35]) حمدوش رياض،”تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”، مرجع سبق ذكره. ص 271.

[36]) خير الدين العايب، مرجع سبق ذكره، ص 8.

[37]) خالد معمري، مرجع سبق ذكره، ص 25.

[38]) بلعيد منيرة، مرجع سبق ذكره، ص 102.

[39]) مصطفى كمال طلبة، “الأخطار البيئية ومسؤولية المجتمع الدولي“.في: مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية ، القاهرة، العدد 163، جانفي 2006، ص ص52-57.

[40]) عمار حجار، السياسة المتوسطية الجديدة للاتحاد الأوروبي: إستراتيجية جديدة للاحتواء الجهوي، (مذكرة لنيل شهادة ماجستير في العلاقات دولية، قسم العلوم السياسية، جامعة باتنة ، جوان 2002)، ص 70-73.

[41]– رداف طارق، مرجع سبق ذكره، ص ص22-23.

[42]– رداف طارق، مرجع سبق ذكره، ص ص23-24.

[43]– أحمد الرشيدي ومجموعة من المؤلفين، مرجع سبق ذكره. ص 6.

[44]) إسماعيل صبري مقلد، الإستراتيجية والسياسة الدولية، ط1، المؤسسة العربية للأبــحاث، بــيروت، 1979، ص ص217-223.

2) أحمد الرشيدي ومجموعة من المؤلفين، مرجع سبق ذكره، ص 7.

* ) الفصل الثامن في التنظيمات الإقليمية حيث تنص المادة 52 ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج الأمور المتعلقة يحفظ السلم والأمن الدولي يكون العمل الإقليمي صالحا فيها ما دامت هذه التنظيمات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. كما يبذل أعضاء الأمم المتحدة كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية، وبالتالي تجعل التكتل الإقليمي آلية لحل النزاعات وتوفير الأمن كما نصت على ذلك في المادة 53 و54.

[46]) جهاد عودة، مرجع سبق ذكره. ص 113.

[47] ) John BURTON, Global Conflicts, wheat sheaf books, Brighton, 1984. p 87.

2) لامية فريجة، راضية لعور، سميرة شرايطية، تحول مفهوم الأمن في  العلاقات الدولية وانعكاساتها على  العلاقات الأورومغاربية. (مذكرة لنيل شهادة ليسانس في العلاقات دولية، كلية الحقوق، قسم العلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2006-2007)، ص ص51-53.

*) الفصل السابع المتخصص فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان مثل المادة 41 تنص على أنه لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير ويجوز أن يكون بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات  الدبلوماسية. كما نص في المادة 44 التي اقر فيها مجلس الأمن استخدام القوة المسلحة كما نص على مختلف التدابير الواجب إتباعها في المواد 45، 46، 47.

[49]) أحمد الرشيدي ومجموعة من المؤلفين، مرجع سبق ذكره، ص 6.

[50]) رداف طارق، مرجع سبق ذكره، ص ص 25-26.

*) تعني كلمة ( لوجستيك logistique )تزويد القوات المسلحة بكل المواد الضرورية من أجل البقاء والقتال والتنقل وإجراء مختلف العليات الطبية الممكنة في أوقات الحرب كذلك أوقات السلم..

[51]) رداف طارق، مرجع سبق ذكره. ص ص27-28.

2) عبد المنعم المشاط، “نحو صياغة عربية لنظرية الأمن القومي“.في: مجلة المستقبل العربي.: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 54، أوت 1983، ص 9.

1) عبد المنعم المشاط، مرجع سبق ذكره. ص 16.

[54] ) حمدوش رياض، “تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”، مرجع سبق ذكره. ص 272.

*) النظرية الواقعية برزت بعد عجز المثالية على تفسير الواقع عندما قامت الحرب العالمية الأولى، ومن أهم مسلماتها التي يرتكز عليها الواقعيون هي العدوانية و فوضى النظام الدولي، و أيضا السمة الصراعية بين الدول خلال تفاعلاتها، لذلك تعرف السياسة الدولية أنها صراع من أجل القوة، ولأجل ذلك يمكن أن نفهم كيف أن النظرية الواقعية لم تول أهمية كبيرة لصياغة الأطر المعرفية في العلوم الاجتماعية الأخرى وتطبيقها على الظاهرة الدولية، لأن الواقعيين يرفضون بالمطلق تحجيم هذه الظاهرة في قوالب فلسفية واجتماعية ضيقة. بالنسبة للبناء النظري للواقعية:

1-أنطولوجيا: لم تهتم الواقعية بالأفكار والقيم بقدر ما اهتمت بالبنى الضابطة للسلوكات الإنسانية، إما تنازعا أو تعاونا، ولذلك استندت إلى مقترب الدولاتية الذي تأسس على ضوء مسلمتين هما:

الدولة هي الفاعل الوحيد والأساسي والعقلاني في العلاقات الدولية التي تتميز بالصراع الدائم بين الدول في الأساس.

الدولة في محور العملية السياسية تنازليا باعتبارها الإطار والذي يتشكل وتتحرك ضمنه كل التنظيمات الداخلية، وتصاعديا كونها أساس التفاعلات الدولية السلمية والتنافسية فهي تفسير السلوكات من داخل وحدة الدولة لأنها الدافع والغاية في نفس الوقت.

2- ابستومولوجيا: يفسر إدوارد هاليت كار أهم من بحث في الأسس الإبستيمولوجية للنظرية الواقعية. ومن البداية لم تلجا الواقعية إلى التساؤل حول الوسائل الإبستيمولوجية والتي تستعملها بل سعت أساسا إلى كشف ودراسة تأثيرات القوانين  الموضوعية الحاكمة لسلوك الأمم فيما بينها دون محاولة التأثير في هذا السلوك أو توجيهه أو تغير الوضع القائم الناتج عن هيمنة نمط سلوك دولي معين ويمكن تحديد المنطلقات الإبستيمولوجية للواقعية:

– شكلت الفلسفة الوضعية الخلفية المعرفية للواقعيين فالقانون الطبيعي يوفر قواد ثابتة تضمن التفسير الديناميكي لسلوكات الدول واستراتيجياتها.

– الاهتمام بعنصر التاريخ حتى وإن كان الواقعيون ينظرون إلى التاريخ بنظرة تشاؤمية، ويحاولون استخراج المتغيرات المؤثرة فيه لفهم الحاضر والمستقبل، والواقعية تستقي مادتها الخام من التاريخ لتصل إلى تعميمات حول السلوك الدولي وربما تكون الخلفية وراء الاهتمام في انطلاق الواقعيين من فكرة تضارب المصالح والقيم في العلاقات الدولية

3- منهجيا: ترتكز النظرية الواقعية على المقاربة التجريبية وأيضا الوضعية الكانطية مثل: المنهج العقلاني أساسا لفهم الواقع الدولي على صورته الحقيقية، أما المنهج التجريبي فيقوم على ملاحظة الواقع الدولي ثم وضع الفروض والتحقق من صحتها من خلال مطابقتها للواقع السياسي وعند ثبوت صحتها تعمم على الظواهر وتصبح منطلقا بتنبؤ تكرارها.

1- تاكايوكي يامامورا ، ترجمة:عادل زقاغ، “مفهوم الأمن في نظرية العلاقات الدولية“، نقلا عن موقع:

http://www.geocities.com/adel. Zeggagh/secpt.htlml.

*) المأزق الأمني: مفاده أن تحقيق الأمن للدولة “أ” يؤدي إلى حالة اللاأمن بالنسبة للدولة “ب” وذلك نتيجة  تسلح الأولى والسباق نحو التسلح يؤدي إلى ضعف الدولة “ب” لعدم امتلاكها التكنولوجيا العسكرية الحديثة مما يؤدي إلى حالة انكشاف أمني أي تسلح “أ” هو بعث للخوف والتوتر لـ”ب”.

[56]) حمدوش رياض،”تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”،مرجع سبق ذكره. ص 27.

[57]) أحمد الرشيدي، محمد نعمان وآخرون، مرجع سبق ذكره. ص ص4-5.

*) أهم مبادئ الليبرالية تتمثل في:

– يمكن تقليص حدة النزاعات بين الدول عن طريق إتباع منطق جديد وهو منطق التعاون والتقارب بين الدول ومحاولة إيجاد قيم مشتركة فيما بينها.

– التعاون بين الدول يكون بإنشاء مؤسسات ومنظمات تعمل على تحقيق التعاون والأمن وتقليص حدة التهديدات.

– نشر الديمقراطية وتقليص الوازع العسكري لأن الديمقراطيات في اعتقادهم نادرا ما تدخل في صراعات ما تدخل في صراعات  فيما بينها وغالبا ما تكون الصراعات بينها وبين دول غير ديمقراطية.

– شر التجارة والقيم الليبرالية الخاصة بفتح الحدود والتبادل الحر وتطوير شبكة رأسمال فوق القومي.

[58] ) حمدوش رياض،”تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”، مرجع سبق ذكره. ص 275.

[59] ) تاكايوكي يامامورا ، ترجمة:عادل زقاغ، مرجع سبق ذكره.

[60] ) حمدوش رياض، مرجع سبق ذكره. ص ص276، 277.

**) تتمثل أطروحات المنظور البنائي حول الأمن في:

– بنى النظام الدولي هي بنى اجتماعية والفوضى الدولية والبحث عن القوة هي من تكوين صناع القرار وليس حقائق موضوعية فالدول هي التي تضع محيطها نتيجة إدراكاتها الفوضى بناء ذاتي.

– الشروط المادية ليست المحدد الوحيد للأمن كالقوة كالعسكرية والاقتصادية وإنما هناك محددات أخرى كالقيم والمعايير الثقافية.

– تحقيق الاستقرار والأمن يكون بتغيير طريقة التفكير بالنسبة للدول وبالتالي صناع القرار.

[61]) حمدوش رياض،”تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”، مرجع سبق ذكره. ص 279.

[62]) خالد معمري، مرجع سبق ذكره. ص 106.

[63]) حمدوش رياض،”تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”، مرجع سبق ذكره. ص 280.

[64]) خالد معمري، مرجع سبق ذكره. ص 106.

[65]) حمدوش رياض،”تطور مفهوم الأمن والدراسات الأمنية في منظورات العلاقات الدولية”، مرجع سبق ذكره. ص 280.

[66]) منيرة بلعيد، مرجع سبق ذكره. ص101.

[67] ) خديجة عرفة، “مفهوم وقضايا الأمن الإنساني تحديات الإصلاح في القرن الحادي والعشرين“. نقلا عن موقع:

http// :www.emax.com/content.asp ?contents=2630

[68]) عمار حجار، مرجع سبق ذكره.

[69] ) أمحند برقوق، “الأمن الإنساني ومفارقات العولمة“، نقلا عن موقع الأستاذ:

berkouk-mhand.yolasite.com/research.php

[70] ) UNDP: “Human Development Report”, New York: UNDP, 1994, pp.22-44

[71]) أمحند برقوق، “الأمن الإنساني: مقاربة ايتمو-معرفية”، نقلا عن موقع الأستاذ:

berkouk-mhand.yolasite.com/research.php

[72]) عمار حجار، مرجع سبق ذكره، ص 59.

 

    إعـداد الطالبة:                                                 

– مسالي نسيمة

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button