دراسات سياسية

ترامب والنظام العالمي ما بعد الجديد – وليد عبد الحي

سمتان سياسيتان تجتمعان حاليا في الدبلوماسية الأمريكية هما: رئيس يفتقد للخبرة الدبلوماسية ومطوق بصقور جماعات الضغط من لوبيات المركب العسكري الصناعي والصهيونية المسيحية من ناحية ، ومجتمع أمريكي استيطاني يفتقد الحس التاريخي الذي يتبدى بجلاء في السلوك الدبلوماسي الأوروبي والصيني والروسي من ناحية أخرى بغض النظر عن الظلال الأخلاقية لكليهما.
إن النظر في اتجاهات السياسة الأمريكية يوحي بنزعة التحلل من قواعد القانون الدولي بما فيها ما صاغته المؤسسات الامريكية ذاتها، ويكفي النظر في قرارات ترامب بخصوص القدس( رغم ان المستشار القانوني للحكومة الامريكية يعتبرها جزء من الاراضي المحتلة) او قرار ترامب بخصوص الانسحاب من اتفاقية المناخ الدولية أو قراراته بالتضييق على المهاجرين رغم كل هيئات حقوق الانسان أو استمرار التدخل العسكري هنا وهناك ، وأخيرا الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني رغم تاييد مجلس الامن الدولي والقوى العظمى الآخرى(روسيا والصين والاتحاد الاوروبي) للاتفاق.
اما الحصار الاقتصادي الذي عاد له ترامب مع ايران ، فيكفي الانتباه الى ان الشركاء التجاريين لإيران ممن هم خارج نطاق السيطرة الامريكية يتحكمون بحوالي 80% من اجمالي التبادل التجاري الإيراني خاصة الصين والهند، وهو ما يعني ان الحصار الاقتصادي لإيران سيترك أثرا على مستويات الاداء الاقتصادي الإيراني لكن ذلك الأثر سيكون اقل كثيرا مما يتوهم ترامب بخاصة ان الاتحاد الأوروبي لا يبدو ميالا لمجاراة ديبلوماسية ترامب.
يبدو ان التحالف ضد ايران يتشكل بتسارع من مثلث امريكي خليجي اسرائيلي، وكما اشرت في مقال سابق فإن كل ضلع من هذا المثلث يسعى لدفع الضلعين الآخرين لتحمل أوزار المواجهة مع ايران في حال وصولها مرحلة الحرب المباشرة، ويبدو ان دول الخليج هي الاضعف في هذا المثلث والأقرب للغواية ، بينما تبدو أمريكا في المستوى المتوسط بخاصة إذا تمكن ترامب من حصد ريع مالي خليجي لضمان أمن المضارب العربية، بينما تبقى اسرائيل في الخلف ، وهي تحاول تبني استراتيجية ” النموذج العراقي” أي استراتيجية تدمير العدو بتكاليف يتحملها الآخرون من ذوي الرؤوس الحامية.
من الضروري معرفة ان أكثر نقاط التوافق بين القوى السياسية الإيرانية (المعتدلة والمتشددة يسارا ويمينا) هو البرنامج النووي الإيراني، كما ان التشكيك في النوايا الأمريكية يوقظ في الثقافة الإيرانية نموذج البطل المغدور في التراث الفارسي ، وهو ما سيوظفه النظام الإيراني لصالحه.
وطبقا لاستطلاعات الرأي العام الامريكي(63% يرفضون الانسحاب الامريكي من الاتفاق الايراني) ، كما ان التعليقات من كبار الاستراتيجيين الامريكيين او المسؤوليين السابقين (وآخرهم الرئيس أوباما) يرون في قرار ترامب قرارا غير صائب، وهو أمر سيجعل من قوة الدفع لقرار ترامب تلجم بعض “أؤكد بعض” النتائج التي ينتظرها ترامب.
ذلك يعني أن المرحلة القصيرة القادمة قد تنطوي على دبلوماسية تتمحور لا حول الحرب بل السعي الامريكي نحو تعديل الاتفاق تحت ضغط الخروج منه، او اضافة ملاحق جديدة له ، وهو أمر تبدو موسكو لديها بعض الغواية في هذا الاتجاه وربطه بعدم التخلي عن العلاقة مع ايران لا سيما الانتقال لمستوى أعلى من الدعم العسكري( كصواريخ اس اس 400) ، وقد يميل الاوروبيون في مراحل لاحقة الى فكرة اضافة ملاحق للاتفاق وهو ما المح له الفرنسيون بشكل خاص.
وقد يتم ربط مواقف ايران من نزاعات الإقليم بالملف النووي ، وهو ما يعني ان تضغط اوروبا على ايران بأن الاتحاد الأوروبي سيبقى مع الاتفاق شريطة ان تبدي ايران ” مقايضات في ملفات المنطقة الاخرى”.
ويدرك الاوروبيون والصينيون وعدد كبير من دول العالم ان التوتر الإيراني الأمريكي قد يعيد اسعار البترول للصعود من جديد، فإذا علمنا ان اوروبا تستورد حوالي 13 مليون برميل يوميا ، فهذا يعني ان كل ارتفاع للبترول خمس دولارات سيكلف اوروبا 65 مليون دولار يوميا( أي 24 مليار دولار سنويا) ، علما ان واردات اوروبا من البترول الإيراني زادت خلال العامين السابقين بحوالي ستة اضعاف.
كل ذلك يمهد لنظام عالمي يقوم على الحد الاقصى من عدم الالتزام بالقواعد القانونية الدولية بما فيها القواعد العامة والخاصة السلمية وغيرالسلمية( فطبقا لدراسات العلاقات الدولية ،تلتزم الدول حاليا بأكثر من 77% من قواعد القانون الدولي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية) ، وهو ما يؤكد ان العالم في مرحلة انتقالية بين آليات الفوضى وآليات العولمة….او ما بعد النظام العالمي.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى