دراسات سياسية

تركيا من الانقلاب العسكري الى الترسيخ الديمقراطي

د. لقرع بن علي (أستاذ العلوم السياسية في جامعة مستغانم)
من المعلوم ان تركيا تشهد منذ سنوات عديدة مسارا انتقاليا نحو الديمقراطية وفي نفس الوقت تشهد مسارا تنمويا ناجحا على المستوى الاقتصادي. وفي مثل هذه الحالات الانتقالية تمر الدولة بمراحل عديدة وبصفة تدريجية كي تستكمل مسارها التحولي والتنموي، ولعل أهم المراحل هنا هي مرحلة تفكيك النظام القديم التسلطي بمختلف أجهزته وقيمه وفئاته المنتفعة منه ثم الانتقال نحو مرحلة بناء مؤسسات جديدة، اساسها التعددية والحرية والتنافس النزيه في الانتخابات والتداول على السلطة والمشاركة الواسعة في ادارة الدولة. لتليها مرحلة ترسيخ القيم الديمقراطية حيث يصبح المجتمع بنظامه السياسي ومؤسساته وجماعاته ديمقراطيا غير قابل للتنازل او التراجع عن الديمقراطية. وفي ثنايا هذا المسار الانتقالي تظهر الفئات المتضررة منه لتقاوم اي محاولة للتغير الايجابي وتحاول استعادة نفوذها والرجوع الى النظام القديم المبني على التسلطية والزبائنية. في هذا السياق، يأتي الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا خلال الصائفة الماضية (15 جويلية 2016)، ليبين لنا أن هناك تيارا داخل المؤسسة العسكرية التركية مازال يطمح لاعادة تركيا إلى الماضي ويريد اعادة بناء نظام سياسي يحكمه الجيش. إن فشل الانقلاب العسكري في تركيا هو بمثابة اعلان القطيعة مع حكم العسكر وهو يشكل نقطة اللارجوع لأن الانقلاب أفشله الشعب التركي والمجتمع المدني بمختلف مكوناته وكذلك الاحزاب السياسية بما فيها المعارضة التي رفضت اعطاء اي غطاء سياسي للانقلابيين ودافعت عن الديمقراطية. وبالتالي فهذه المعطيات تؤكد لنا ان المجتمع التركي بمواطنيه ونخبه السياسية يرفض العودة لحكم الجيش. لقد اقتنعت النخب التركية سواء كانت حاكمة أو معارضة أن تركيا تمر بمرحلة صعبة وأنها تواجه أخطارا حقيقية. ولهذا فإن فشل الانقلاب سيكون بمثابة دافع نحو بناء توافق وطني بين مختلف اطياف المجتمع التركي لاسيما بين حزب العدالة والتنمية الحاكم والاحزاب العلمانية المعارضة، فحكومةاردوغان وإن قامت بحملة واسعة من الاعتقالات في صفوف الجيش والقضاء إلا أن اردوغان أكد أنه لن تكون هناك قرارات او اجراءات انتقامية، وأن القضاء هو الذي سيحاسب الانقلابيين. من جهة اخرى، ظهر أن هذه العملية الانقلابية الفاشلة زادت من شرعية النخبة الحاكمة في تركيا، وستنعكس ايجابا على ادائها وفعاليتها في الانجاز مما سيجعل المواطنين الاتراك يتقبلون مختلف الاجراءات والقرارات التي ستتخذ مستقبلا. وهذا يعنى ان المستقبل يشير الى تزايد الانسجام بين القيادة التركية وشعبها. وبحكم المساومات الخارجية التي تتعرض لها القيادة التركية، فإن أردوغان سيسعى الى بناء توافق وطني داخلي مع مختلف الفواعل السياسية والاجتماعية ولاسيما احزاب المعارضة بحيث سيستثمر في موقفها الرافض للانقلاب وسيمنحها بعض التنازلات و المكاسب بهدف تعزيز الاستقرار، واستكمال مشروع الانبعاث الحضاري بهدف بناء القوة التركية في ظل محيط اقليمي شرق اوسطي غير مستقر ويعيش في فوضى خلاقة انتجتها المخابر الاستراتيجية الامريكية والغربية.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى