دراسات سياسية

تشريعات الكونغرس الجديدة: سكاكين الابتزاز وإرادة التفكيك

نقلت وسائل الإعلام الأمريكية أمس (الحرة..) أن الكونغرس أجاز أمس تشريعا مقدما من قبل وزارة الخارجية، يتعلق بالتحقيق القضائي في جرائم الإبادة والقتل في العراق وسوريا، والملاحقة الأمنية لكل المتورطين في تلك الجرائم وفق الأحكام الصادرة عن القضاء الأمريكي. يعتبر هذا التشريع الخطوة الثانية المتخذة من قبل الكونغرس في ملاحقة الأشخاص والهيئات بعد إصدار قانون جاستا عام 2016 لملاحقة السعودية في علاقتها بهجمات 11 سبتمبر 2001.
بالعودة قليلا إلى عام 2003، نجد أن الولايات المتحدة نفسها رفضت الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية تفاديا لملاحقة قادتها العسكريين وجنودها المتورطين في عمليات قتل المدنيين في حروبها الأخيرة في الشرق الأوسط وجنوب أسيا. ليس هذا فحسب، وإنما إذا بقينا في الشرق الأوسط، يجب التساؤل لماذا فقط سوريا والعراق؟ خاصة وأن هناك بعض القادة في المنطقة الذين ارتكبوا مذابح في الشوارع ضد الأبرياء أمام كل شاشات فضائيات العالم، ووقفوا أمام العالم أمس يخطبون في جمعية الأمم المتحدة عن السلام في الشرق الأوسط. أما إسرائيل فهي آلهة الجريمة المحصنة ضد العقاب أو حتى التنديد والشجب الكلامي.
استنادا إلى التجربة العربية السابقة مع سكين الابتزاز القضائي، نجد أن محكمة الجنايات الدولية سلطت سكينها على رقبة الرئيس السوداني عمر البشير وعدد من القادة الكبار في الجيش، من أجل الضغط عليه للموافقة على استقلال جنوب السودان، وكانت التهم الموجهة ضدهم محدد في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور في نفس الفترة التي كان الجنود الأمريكيون يرتكبون جرائم مروعة في العراق وأفغانستان بواسطة القصف الجوي، وتبرر بأنها أضرار جانبيةCollateral Damages .
في العلاقة بالمبادرتين للكونغرس الأخيرة، نجد أن مجرد تمرير قانون غاستا وأصبح قانون رسميا يسمح للأمريكيين ملاحقة أي سعودي بسبب أضرار أحداث 11 سبتمبر؛ ابتز دونالد ترامب السعودية بـ 480 مليار دولار كدفعة أولية فقط؛ وإذا كان قانون جاستا يستخدم كسكين لابتزاز السعودية ماليا، فإن سكين الكونغرس في العراق وسوريا سوف يستخدم لابتزاز القادة العراقيين والسوريين ويمكن أن يمتد لاحقا إلى تركيا، لقبول التقسيم الجغرافي الجديد في مرحلة ما بعد داعش، المتضمن ظهور كيانات جديدة للأكراد ودويلات أخرى جديدة وهشة اقتصاديا وامنيا، تكون طريقة قانونية مناسبة لاستمرار الانتشار الأمريكي في هذه الدول، وإضعاف الدور الإيراني والتركي وحتى الروسي في المنطقة. الهدف الإستراتيجي الأكبر المطلوب من وراء هذه الخريطة، إضعاف هذه الدول سوسيولوجيا واقتصاديا وعسكريا عن طريق تقسيمها ديموغرافيا، وتكون أكثر قابلية للنفوذ الإسرائيلي.
إنها إستراتيجية سكاكين الابتزاز القضائي من أجل التقسيم الجغرافي والتفكيك الديموغرافي، المبرر الإستراتيجي من وراء ذلك، هو أن أمريكا وجدت نفسها في وضعية تنافسية في العراق وسوريا مع كل من روسيا، إيران، وتركيا، وبالتالي التقسيم هو الطريقة المثلى للاحتفاظ بنفوذها العسكري في هذه الدول؛ إنها تتقفى أثر الإستراتيجيات القديمة عقب الحرب العالمية الثانية في شبه الجزيرة الكورية، فيتنام، وألمانيا؛ نجحت في اثنين، وفشلت في واحدة.

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى