تغيّـر المنـاخ: تهديـد بيئي عالمـي

تغيّـر المنـاخ: تهديـد بيئي عالمـي
Climate change: global environmental threat
أ/ كـــردالــــواد مـــصــطـــفى
كلية الحقوق – جامعة سطيف 2-
mestafaboulem@yahoo.fr

مقدمة:
يشيـر علمـاء المنـاخ إلى أن كوكب الأرض عرف طوال تاريخه تأرجحات بين الفترات الباردة والدافئة، وتوصل العلماء بعد تتبع هذه التحولات إلى مجموعة من الحتميات المناخية، التي تشمل التقلبات الشمسية، التنويعات المدارية، بخار الماء، النشاطات البركانية، ومستوى تركيز غازات الدفيئة؛ خاصة منها غاز ثاني أوكسيد الكربون Carbon dioxide (CO2) في الغلاف الجوي. لكن الجديد الذي توصلوا إليه في هذا الشأن، هو أن التغيرات التي يشهدها كوكب الأرض أصبحت تحدث بمعدلات أسرع، وبأنماط، وأحجام أقوى، لا يمكن تفسيرها بأنها دورات طبيعية للأرض.
لذلك سارعت حكومات دول العالم في اجتماعها سنة 1988، إلى تشكيل اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخIntergovernmental Panel On Climate Change (IPCC)، وضمّت هذه اللجنة آلاف العلماء المختصين، وكان الغرض من إنشاءها هو إقامة الدليل العلمي القاطع على حقيقة تغير المناخ، ولتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاقتصادي والاجتماعي لتغير المناخ، وعلى ضوء هذه التقديرات توضع الحلول والإرشادات، وترصد الأدوات والإجراءات، من أجل التعامل مع ظاهرة التغير المناخي. وبحلول سنة 2001 استطاعت اللجنة التوصل إلى إجماع مُصاغ بعناية حول تغير المناخ، بحيث يصعب على أي عالم أو خبير آخر الاختلاف عليه.
بعد تشكيل اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، توالت الجهود الحكومية الدولية من أجل التصدي لتغير المناخ، وتوّجت هذه الجهود بمناسبة قمة الأرض بريو دي جانيرو سنة 1992 بعقد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ United Nation Framework Convention On Climate Change (UNFCCC)، وألحق بها برتوكول كيوتو الذي حدد جداول زمنية للحد من الانبعاثات في البلدان الصناعية، وأمام المخاطر المحدقة بالبشرية أدركت الحكومات سريعا بعدم كفاية هذه الأدوات الدولية للتصدي لتغير المناخ، وعليه انطلقت جولات من المحادثات، هدفها وضع إلتزامات قوية وأكثر تفصيلا، حيث انعقد مؤتمر الأطراف الأول سنة 1995 ببرلين ((Berlin COP1، ثم في سنة 1996 بجنيف (Geneva COP2)، والتقى الأطراف في سنة 1997 بكيوتو-اليابان (Kyoto COP3). واستمرت اللقاءات والقمم الدولية لمناقشة تغير المناخ وسبل مواجهتها، إلى أن عقدت قمة باريس ((Paris COP21 سنة 2015، التي توجت باتفاق باريس حول تغير المناخ Paris agreement.
أولا/ مفهوم تغير المناخ:
بعدما أصبح تغير المناخ حقيقة علمية تلقى قبولا لدى فريق واسع من العلماء المختصّين في علم المناخ Climatology والعلوم ذات الصلة، انتقل الاهتمام به إلى الأجندات الحكومية الدولية والوطنية، كما أصبح محور اهتمام المنظمات غير الحكومية وحتى الأفراد.
وعليه تحاول هذه الورقة مناقشة التساؤلات التالية: ماهو المقصود بتغير المناخ؟ وفيما تكمن أسبابه وآثاره؟ وماهي استراتيجية مواجهة تغير المناخ والتخفيف من آثاره؟.
1-العلاقة بين المناخ والطقس:
يشير مفهوم المناخ Climate إلى حالات الغلاف الجوي، التي تشمل درجة الحرارة والرياح والرطوبة والأمطار، في المتوسط على مدار الزمن، فمناخ مكان أو منطقة ما أو حتى الأرض كلها هو متوسط أحوال الأرصاد الجوية التي تحدث عبر الزمن، بمعنى الطقس المتوسط. بينما يشيـر مفهوم الطقس Weather إلى حالات الغلاف الجوي في وقت محدد، فعلى سبيل المثال حالة الطقس في منطقة سطيف بالجزائر يوم 23 ديسمبر 1990 كانت كما يلي: درجة الحرارة القصوى 7 درجات مئوية، ودرجة الحرارة الدنيا 5 درجات مئوية، ولم تسقط أمطار في ذلك اليوم.
وتتطلب عملية التنبؤ بالطقس رصد بيئي متواصل على مدار الساعة، من أجل جمع مختلف بيانات الأرصاد الجوية والمناخية. ويتولى عمليات رصد هذه البيانات في إطار المراقبة العالمية للطقس أكثر من 15 قمر اصطناعي، 600 محطة عائمة، 100 عوامة راسية، 7300 سفينة، 3000 طائرة، وحوالي 10000 محطة رصد برية. إن البيانات المُجمّعة التي توفرها هذه المحطات يشترط فيها أن تكون قابلة للمقارنة، وأن ترقى إلى مستوى المعايير القابلة للاستخدام من جانب مراكز التنبؤ في إطار نماذج التنبؤ العددي بالطقس. ويُعتمد في تحليل هذه البيانات المجمعة على حواسيب قوية تستخدم نماذج رياضية- نماذج التنبؤ العددي بالطقس، بالاستناد إلى قوانين فزيائية لإعداد الخرائط، نواتج رقمية، جودة الهواء، تقييمات الأخطار، خدمات الإنذار المبكر، التنبؤات بالطقس والمناخ. وعلى أساس حواصل هذه العمليات المتسلسلة؛ يتم إعداد مئات النشرات الجوية يوميا، تزود بها مختلف الهيئات والمراكز، كما تُبثّ على مدار الساعة في وسائل الإعلام المختلفة والمواقع الإلكترونية.
بعد هذا العرض، تظهر بعض الفروقات بين المناخ والطقس، فمناخ منطقة أقل تنوعا، ويمكن توقعه؛ فهو يتعلق بالظروف الجوية على مدى أطول– عقود أو حتى قرون، على عكس الطقس فهو متقلب، ويطرح بعض الصعوبات للتنبؤ به؛ ويحدث مثلا أن يكون الطقس في منطقة سطيف بالجزائر مثل نظيره في تمبوكتو بدولة مالي في يوم ما، لكن مناخ المدينتين مختلف جذريا، فمنطقة سطيف بالجزائر مناخها متوسطي حار صيفا وبارد شتاء، بينما تمبوكتو مناخها صحراوي حار وجاف طوال السنة.
ضف إلى تلك الفروقات، أن دراسة المناخ مهمة للسياسات والقرارات طويلة المدى من أجل رصد الاحتياجات من الطاقة والمياه وتوفيرها عند الحاجة، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ ارتفاع متوسط درجة الحرارة في فصل الصيف، يزيد من استهلاك الماء من أجل الشرب والنظافة والري، بالإضافة إلى زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المكيفات…في حين أن الاهتمام بالطقس مفيد للقرارات قصيرة المدى، التي قد تقتصر مثلا في أحسن الأحوال على تحضير المظلة والملابس اللازمة في يوم ممطر، وفي أسوء الأحوال الاستعداد لمواجهة موجة حرارة مرتفعة أو عاصفة ثلجية مصحوبة بالصقيع…
2-المقصود بتغير المناخ:
يقصد بتغير المناخ ذلك التغيّر في حالة المناخ، والذي يمكن تحديده بالاعتماد على التغيرات في متوسط خصائصه و/أو تقلبها، وذلك باستخدام اختبارات إحصائية مثلا. ويستمر تغير المناخ فترة ممتدة نوعا ما، تدوم على العموم عقودا، أو فترات أطول من ذلك. ويرجع تغيّر المناخ إلى مجموعة العمليات الداخلية الطبيعية أو إلى العوامل القسرية الخارجية مثل العمليات الناشئة عن تعديل في الدوران الشمسي، ثوران البراكين، وكذلك التغيرات المستمرة الناشئة عن النشاط البشري التي تمس تكوين الغلاف الجوي أو استخدام الأراضي.
بالرجوع إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ نجدها تنص بأن تغير المناخ: «…يُـعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي والذي يلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ، على مدى فترات زمنية متماثلة ».
يظهر من خلال هذا التعريف أعلاه، أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ دمجت بين اتجاهين علميين احتدم النقاش بينهما طويلا ولا يزال، وذلك حول الأسباب المحركة للتغير المناخي؛ فالاتجاه الأول يُرجع تغير المناخ إلى النشاط البشري الذي بدأ مع الثورة الصناعية واستخدامات الوقود الأحفوري Fossil fuel، أما الاتجاه الثاني فيُرجع تغير المناخ إلى دورات طبيعية لكوكب الأرض تحدث على فترات زمنية معينة.
ثانيا/ أسباب تغير المناخ:
يعتمد مناخ الأرض بشكل رئيسي على أشعة الشمسSolar radiation ، وهذه الأشعة التي تصل إلى كوكب الأرض يقوم كل من سطح الكرة الأرضية والغلاف الجوي بامتصاص بعضها، كما يعكس سطح الأرض جزء منها في شكل طاقة متحركة، يطلق عليها اسم الإشعاعات تحت الحمراء.
وما هو حاصل اليوم، هو تأخر خروج هذه الإشعاعات تحت الحمراء بسبب غازات الدفيئة المتمثلة في: غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) Carbon dioxide، بخار الماء، الأوزون (O3) Ozone وغاز الميثانMethane (CH4) ، أكسيد النيتروز Nitrous oxide (N2O) ، هذه الغازات تجعل الإشعاعات تحت الحمراء ترتد مرة أخرى؛ ما يؤدي إلى رفع درجة حرارة كل من طبقات الغلاف الجوي السفلي وسطح الأرض.
وعلى الرغم من أن غازات الدفيئة Greenhouse gasتشكل واحد بالمائة فقط من الغلاف الجوي، إلا أنها أصبحت تشكل غطاءً حول الأرض أو سقفاً زجاجياً لبيت زجاجي؛ الأمر الذي يحبس الحرارة، ويُـبقي على درجة حرارة الكرة الأرضية عند 30 درجة مئوية، وهي درجة مرتفعة عمّا لو كان الأمر غير ذلك.
تتبنى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ هذا التفسير الذي يقيم علاقة بين تغير المناخ وارتفاع مستوى غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وهو تفسير أثبتته أدلة علمية، عندما ربطت بين ارتفاع درجة حرارة الأرض Global Warming والزيادة الناجمة عن تركيز غازات الدفيئة في جو الأرض، وتشير هذه الأدلة إلى أن درجة حرارة الأرض قد عرفت زيادة تقدر بحوالي 0.7 منذ الثورة الصناعية، والمعضلة الكبرى هي أن هذه الزيادة في تسارع مستمر.
ثالثا/ آثار تغير المناخ:
أكد رئيس اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي IPCC بأن الآثار الضارة لتغير المناخ أصبحت جلية، وسيتأثر بها جميع سكان كوكب الأرض دون استثناء، وأضاف بقوله: « نعلم أن جميع الكتل الجليدية تنكمش بسبب تغير المناخ، ويؤثر ذلك بشكل كبير على موارد المياه، وتوفرها لمئات الملايين من الناس. نرى أيضا هجرة الكائنات الحية بسبب تغير المناخ، فعدد من الكائنات التي عاشت في تناغم مع الظروف الطبيعية على مدى آلاف السنين تجد الحياة في نفس المكان أمرا صعبا. وهناك آثار سلبية على إنتاج المحاصيل بما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأمن الغذائي وسبل كسب العيش.«
1-الأقاليم الأكثر عرضة لتغير المناخ:
تحدثت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عن التغيرات التي تطرأ على البيئة الطبيعية أو الحيوية نتيجة تغير المناخ، وهي تغيرات لها آثار جد ضارة على صحة الإنسان ورفاهيته، وعلى انتاجية النظم الإيكولوجية الطبيعية والمسيّرة، وكذلك على مختلف النظم الاقتصادية والاجتماعية. والبلدان الأكثر عرضة للآثار الضارة لتغير المناخ حسب الاتفاقية هي البلدان الجزرية الصغيرة، والدول الساحلية ذات المناطق المنخفضة، والمناطق الجافة وشبه الجافة؛ أو المناطق المعرضة للتصحر والجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى البلدان النامية التي تتميز بهشاشة في نظمها الإيكولوجية والجبلية.
وفي منطقتنا العربية، حذر تقرير دولي عن حوكمة المياه، من أن دول المنطقة العربية تقع ضمن البلدان الأكثر تأثرا بمخاطر تغير المناخ؛ فحسب التقرير فقد ثبت بالدليل العلمي بأن هناك تغيرات مناخية جارية بالفعل، تتخذ عدة صور في المنطقة العربية على غرار ازدياد الجفاف والعواصف والفيضانات…وأوضح نفس التقرير بأنه كلما ازداد المناخ دفئاً، اشتدت مخاطر تقلباته وموجات الفيضانات والجفاف، بشكل يزيد من تدهور الوضع المتزعزع فعليا في المنطقة العربية، نتيجة للجفاف والندرة المائية المسجلة حاليا، مما يفاقم من أزمة نقص المياه، التي تعتبر من أخطر الكوارث المهددة للمنطقة العربية.
جدير بالذكر إلى أن سكان البلدان العربية وصانعي السياسات قد عاشوا في العقود الأخيرة آثار تغير المناخ على غرار ارتفاع درجة الحرارة واضطراب في مواسم التساقط، زيادة على حدوث ظواهر الطقس المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات التي أصبحت تحتل الصدارة في نشرات الأخبار والنشرات الجوية الخاصة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت سنة 2010 هي الأكثر حرارة منذ ثمانينيات القرن العشرين، حيث سجل في 19 دولة مستويات وطنية قياسية لارتفاع درجة الحرارة، خمس (5) منها كانت دول عربية، كما تم مؤخرا تسجيل حدوث العديد من الفياضانات الفجائية في بعض مناطق البلدان العربية الواقعة في شمال إفريقيا-تونس والجزائر، والشرق الأوسط- الأردن خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من سنة 2018 .
2- آثار تغير المناخ على الأمن:
تشغل نقاشات الأمن والبيئة Security & Environment حيزا معتبرا في حقل الدراسات الأمنية المعاصرة، وبتوظيف مقترب الأمن Security approach كمدخل تحليلي لموضوع الدراسة، تبرز جليا آثار تغير المناخ على الأمن بشقيه-أمن الدولة National security وأمن الإنسان Human security ، فبالنسبة لآثار تغير المناخ على أمن الدولة. يكفي الإشارة إلى أن بعض الدول مهددة بفقدان أجزاء من أقاليمها الوطنية، فحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائيUNDP، سيؤدي ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 2 درجة مئوية إلى تسارع ذوبان الجليد وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات، مما يهدد بغرق العديد من الجزر الصغيرة والأراضي المنخفضة خاصة في مصر وبنغلادش وفيتنام.
وفي هذا السياق أيضا، أشار التقرير الذي أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون إلى أن تغير المناخ يهدد حوالي 1700 موقع عسكري أمريكي؛ وهو رقم يشير إلى أن تغير المناخ يهدد نصف القواعد الأمريكية المنتشرة عبر العالم. ومن جانبه ذكر المفكر السياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما Fukuyama Francis في إحدى مداخلاته على هامش القمة العالمية للحكومات، بأن عامل تغير المناخ والجفاف يقف وراء تحريك موجة العنف والإحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران في نهاية سنة 2017.
أما بالنسبة لآثار تغير المناخ على أبعاد أمن الإنسان (السياسي، الغذائي، الصحي، البيئي، الاقتصادي، الشخصي، المجتمعي). فيكفي الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى الأضرار التي يخلفها تغير المناخ على أمن الإنسان الغذائي وأمن الإنسان الصحي. وفيما يتعلق بآثار تغير المناخ على أمن الإنسان الغذائي Food Security؛ فيعتبر قطاع الزراعة أشد القطاعات حساسية للتقلبات المناخية على غرار ارتفاع درجة الحرارة، نوبات الجفاف، الفيضانات واضطراب مواسم التساقط؛ حيث من المتوقع حسب منظمة الصحة العالمية أن تسجل البلدان ذات الكثافة السكانية ارتفاعاً حاداً في عدد الوفيات الناجم عن سوء التغذية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، خاصة في صفوف الفقراء الذين يعتمدون في عيشهم على المحاصيل الزراعية، حيث سيدمر تغير المناخ محاصيلهم وبيوتهم الهشة. أما بالنسبة للأضرار التي يخلفها تغير المناخ على أمن الإنسان الصحي Health security؛ فقد ذكرت منظمة الصحة العالمية بأن موجات الحر في المناطق الحضرية تؤدي إلى ارتفاع الإصابة بالأمراض؛ لا سيما في صفوف المسنين والمصابين بالأمراض المزمنة، ضف إلى ذلك ارتفاع درجة الحرارة في بداية موسم الطّلع مبكرا ما يسهم في الإصابة بنوبات الربو والحساسية، كما أن تغير أنماط هطول الأمطار يؤدي إلى إحداث تغيير في التوزيع الجغرافي للحشرات الناقلة للأمراض المعدية على غرار الملاريا وحمى الضنك، إلى جانب ذلك تؤدي ندرة المياه النظيفة إلى الإصابة بالإسهال الذي ينتشر عن طريق المياه الملوثة والغذاء الملوث، وتشير الإحصائيات في هذا الشأن إلى أن الإسهال يتسبب في نحو 1.8 مليون وفاة سنويا، كما أنه يحتل المرتبة الثانية في قائمة أهم الأمراض المعدية التي تتسبب في وفيات الأطفال.
وفي ختام هذا العنصر، يمكن تلخيص الآثار الضارة لتغير المناخ على الإنسان وكوكب الأرض في تلك العبارة البليغة التي جاءت على لسان الأمينة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للتغيرات المناخية Patricia Espinosa بقولها بأن: «التغير المناخي هو أكبر تهديد للحياة، للأمن وازدهار كوكب الأرض».
رابعا/ استراتيجية مواجهة تغير المناخ والتخفيف من آثاره:
تتطلب مواجهة تغير المناخ والتخفيف من آثاره صياغة استراتيجية فعالة متعددة الاختصاصات والأدوات، تشارك في وضعها وتنفيذها مختلف الفواعل الحكومية وغير الحكومية، وتقوم معالم هذه الاستراتيجية على المحاور التالية:
1- تثبيت تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون تدخل خطير من جانب الإنسان في النظام المناخي، وبلوغ هذا المستوى في إطار فترة زمنية كافية يسمح للنظم الإيكولوجية بأن تتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ. وتثبيت تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي هو الهدف النهائي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ويقتضي تحقيق هذا الهدف ضرورة العمل المشترك من جانب الحكومات والمنظمات والأفراد، على خفض الانبعاثات الناجمة عن انتاج واستخدام الطاقات التقليدية، لاسيما في مجال الصناعة، النقل، المستوطنات البشرية، المباني واستخدام الأراضي.
2- تعميم استخدام الطاقات المتجددة والنظيفة كالطاقة الشمسية Solar energy، طاقة الرياح Wind energy، الطاقة الحرارية والأرضية Geothermal energy.
3- توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence من أجل مراقبة المناخ وتقييمه من خلال زيادة قدرات التنبؤ والتوقعات المناخية، حيث أثبتت تطبيقات هذه التكنولوجيا الحديثة كفاءتها في العديد من حقول المعرفة العلمية.
4- استخدام الأرض في الحدّ من الاحترار العالمي Global Warming في حدود درجتين مئويتين، وذلك عن طريق الزراعة المستدامة والتشجير، من أجل سحب غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2) من الغلاف الجوي، ووقف الزيادة في الإنبعاثات الناجمة عن استخدام الأراضي.
5- التركيز على نهج بناء قدرات الأفراد على الصمود والتكيف في إدارة مخاطر تغير المناخ المستقبلية؛ خاصة بالنسبة للفقراء والفئات الضعيفة Vulnerable groups مثل الأطفال، النساء، كبار السن، ذوي الاحتياجات الخاصة، اللاجئين والمهاجرين؛ باعتبارهم فئات هشة وأكثر قابلية للتعرض إلى مخاطر تغير المناخ، وذلك من خلال إنشاء شبكات للرعاية الاجتماعية، ونظم التأمين التعاوني، مع ضرورة التوعية بمخاطر تغير المناخ عن طريق حملات توعية وإرشاد في دور التعليم والجامعات وأجهزة الإعلام المختلفة والمواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى تعزيز المباني والمنشآت على غرار الطرق والمسالك خاصة خارج المناطق الحضرية، السدود، شبكات الإمداد بمياه الشرب، شبكات الصرف الصحي؛ وفق ما تتيحه أدوات التعمير والتهيئة الحضرية ومخططات تهيئة الإقليم.
6- تشجيع تبادل وتنسيق ومقارنة نتائج التجارب والبحوث العلمية حول تغير المناخ وآثاره الأمنية، الصحية، الاقتصادية والاجتماعية، التي ترعاها الدول والمنظمات والباحثين في مختلف العلوم التطبيقية والاجتماعية والإنسانية.
فضلا عن ذلك، يتطلب تفعيل استراتيجية مواجهة تغير المناخ وحتى التخفيف من آثاره، ضرورة الخروج من دائرة المجاملات وإبداء الرغبات والخطب البلاغية الرنانة، التي وللأسف تطبع مؤتمرات وجولات وقمم البيئة والمناخ على المستوى الدولي كما على المستوى الوطني؛ وبعبارة أخرى يقع على أعضاء المجموعة الدولية من دول ومنظمات وشركات ضرورة تبني اتفاقيات ومعاهدات وإعلانات بيئية ملزمة وفعالة مبنية على القياس العلمي، تعرّض المخالفين والمنتهكين للمساءلة والمقاضاة أما هيئات التحكيم والمحاكم الدولية والوطنية، حسب ما تم النص عليه في هذه الوثائق الدولية. كما يقع على المستوى الوطني للدول ضرورة اعتبار مسائل البيئة والمناخ أولوية على مستوى جميع القطاعات كل حسب نشاطه، وذلك من خلال سن قوانين بيئية ملزمة وفعالة مبنية على القياس العلمي الدقيق، تحاسب وتقاضي ملوثي البيئة ومخالفي هذه الاتفاقيات والقوانين، وتعكس أيضا المعايير البيئية الدولية وأولويات الإطار البيئي والإنمائي الوطني، كما يقع عليها أيضا تعديل التشريعات غير المتوافقة مع المعايير الدولية في مجال حماية البيئة والمناخ.
خاتمة:
في الختام، نبرز أهم النتائج التي تم التوصل لها بعد مناقشة وتحليل موضوع تغير المناخ Climate Change، وتتمثل هذه النتائج فيما يلي:
● يسود اليوم توافق علمي بشأن تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية، وهذا التوافق الذي أكدته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC في تقييماتها الدورية، تدعمه أيضا العديد من الهيئات العلمية الوطنية والدولية، لعل أبرزها ذلك البيان المشترك الذي وقعته 11 أكاديمية وطنية مُبرّزة تمثل كل من الولايات المتحدة، ألمانيا، المملكة المتحدة، اليابان، فرنسا، كندا، الصين، إيطاليا، الهند، روسيا، البرازيل.
● هناك علاقة بين الاحتباس الحراري Global warming وتغير المناخ Climate change.
● كل المجتمعات معرضة لتأثيرات تغير المناخ، ولكن بحكم اختلاف المجتمعات من حيث القدرات تختلف هذه التأثيرات من منطقة إلى أخرى.
● تغير المناخ يؤثر على أمن الدولة National security وعلى أمن الإنسان Human security بجميع أبعاده.
● حسب بعض الدراسات يمتلك البشر قدرة على التكيف مع بعض آثار تغير المناخ.
● تتطلب الاستجابة لتغير المناخ وآثاره استراتيجية فعالة؛ متعددة الفواعل في مجال صياغتها وتنفيذها ومراقبتها، تقوم على مبدأ “فكر عالميا وتصرف محليا” Think globally and act locally. ومثلما أشارت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى الطابع العالمي لتهديد تغير المناخ، الذي أصبح اهتماما مشتركا للبشرية، إذن فالإستجابة أيضا يجب أن تكون دولية، ترتكز على أساس قواعد المسؤولية المشتركة، وفقا لأحكام القانون الدولي، التي وإن كانت تمنح الحق السيادي للدول في استغلال مواردها بمقتضى سياساتها البيئية والتنموية، إلا أن هذا الحق ليس مطلقا، بل تضبطه في نفس الوقت مبادئ القانون الدولي البيئي التي تقضي بعدم التسبب بأضرار بيئية والتعويض عند حدوثها.

المراجع:
– اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
– برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير 2007/2008.
– موقع اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
– موقع الأمم المتحدة.
– موقع وكالة الأرصاد العالمية .
– موقع منظمة الصحة العالمية.
-جميلة مرابط، السيناريوهات والمقاربات المعتمدة دوليا لتثبيت درجة الحرارة، مجلة آفاق بيئية، عدد تشرين الثاني 2016، فلسطين.
– أندرو دسلر إدوارد أ. بارسون، تغير المناخ العالمي بين العلم والسياسة دليل للمناقشة، ترجمة عبد المقصود عبد الكريم، المركز القومي للترجمة، القاهرة ، 2014.
-Climate change threatens half of US bases worldwide, Pentagon report finds, the Gurdian, 31 Jan,2018.
-Fukuyama Francis, Overwriting History:Future Of Global Governance & Net States, World Government Summit, 2018.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button