تفاصيل الأزمة اليمنية ومساراتها

مثل أي دولة تقع في نطاق نفوذ دولتين كبيرتين، فإنها تتأثر بأحدهما أو كلاهما، كما أن الفاعلين الداخليين عادة ما يتأثرون بمردود سياسات الدول تلك، وبالقياس على حال دول الخليج العربي ومن بينها اليمن، فإنها تقع بين قوتين كبيرتين لكل منهما تأثيرات كبيرة، فمن ناحية نجد السعودية متزعمة العالم الإسلامي السني بحكم خصائصها الدينية، والتي تشترك مع اليمن بخط حدودي يبلغ طوله 2000 كم2، ومن ناحية أخرى إيران متزعمة العالم الإسلامي الشيعي التي لا تمتلك حدود جغرافية مع اليمن إلا أنها صاحبة دور مؤثر في منطقة الخليج، وبالتالي فإن ذلك يُعد سببا للصبغة الطائفية التي صبغت الصراع في اليمن. لذا فإننا نجد طرفي الصراع داخل اليمن، الحوثيين ونظام منصور هادي، الصراع بينهم في الأساس على مكتسبات سياسية، إلا أنه وبحكم التركيبة السكانية التي تتكون من 30% من الشيعة الزيدية، مقابل 70% سنة، اجتذب كل طرف منهم أنصارا له على أساس طائفي، مما ساهم في تعزيز طائفية الصراع.

وصل الربيع العربي إلى اليمن يوم 11 فبراير 2011، وعلى الرغم من أن المجتمع اليمني يمكن وصفه بالمجتمع المسلح نظرا لوجود كمية كبيرة من الأسلحة يمتلكها عموم اليمنيين، إلا أن الشباب اليمني الطرف الرئيسي في الثورة والداعي لها ومحركها الأكبر، آثر السلمية مقتضيا بنظرائه في تونس ومصر.

ومع الخلل الذي أصاب تماسك نظام علي عبد الله صالح، والذي حدث نتيجة حالة الانقسام التي أصابت الجيش والقبائل اليمنية، تغيرت خريطة القوى في اليمن فأصبحت تضم، القوى الحزبية التقليدية وتتوزع بشكل رئيسي على حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو الحزب الحاكم سابقا، وبناء على اتفاقية مجلس التعاون الخليجي، فالحزب لا يزال قائما، كما أنه لا يزال يمثل الأغلبية البرلمانية الذي لم يطالها الحل، كما أن أعضاءه المتبقيين لم يمسسهم أي عزل سياسي أو ملاحقة قضائية.

وتحالف اللقاء المشترك، وهو التحالف الذي تأسس في عام 2003، ويضم 6 أحزاب يمنية أبرزها حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يعتبر معبرا عن فكر الإخوان المسلمين، والحزب الاشتراكي، وبالرغم من التعارض الإيديولوجي بين الحزبين إلا أن التحالف بينهما في إطار اللقاء المشترك لا زال ساريا1.

أما القوى غير الحزبية والمسلحة فتتوزع على تنظيم القاعدة والحوثيين والجيش المنشق بقيادة علي محسن الأحمر، فتنظيم القاعدة قد وجد بغيته في اليمن بسبب توافر معظم عناصر النجاح السببية، وبعد هروب 23 من قيادات التنظيم من السجن السياسي في صنعاء في 3 فبراير 22006، بدأ تنظيم القاعدة مرحلة جديدة اتسمت بالتخطيط والتنظيم، وفي مطلع عام 2009، أعلن عن تأسيس قيادة جديدة للتنظيم تحت مسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، وتحولت استراتيجية القاعدة من الدفاع إلى الهجوم3.

أما الحوثيون (أنصار الله) فهم حركة دينية سياسية مسلحة، ظهرت في صعدة شمالي اليمن وعرفت باسم حركة الشباب المؤمنين، يرى البعض أن الحوثيين ظاهرة خاصة تمثل جيب تشيع اثنى عشري حديث في منطقة زيدية تقليدية، فهو تشيع حديث عمره عقدين تقريبا في محيط زيدي إذ بدأوا كحركة أصولية زيدية أساسا، وإلى اليوم فقههم وممارساتهم ملتبسين مذهبيا، ثم خاضوا صراعا عنيفا في 6 حروب خلال عقد واحد ضد قائد زيدي، قبل أن تتغير ظروف التحالفات ليتحالفوا معه ومع بعض الشوافع ضد قوى سياسية وجهوية أخرى، لذا يمكننا القول بأن الصراع ليس صراعا طائفيا وإنما سياسي/جهوي ووحدته السسيولوجية الأساسية هي المنطقة والقبيلة لا الطائفة (وإلا لشاهدنا اصطفافا طائفيا شافعيا في مواجهة الأقلية الزيدية، وربما تحالف شافعي زيدي في مواجهة الحوثيين على قاعدة أن الزيدية أقرب فقهيا للسنة…الخ4.

وقد شارك الحوثيين في الثورة ضد صالح، وحشدوا أنصارهم في المدن اليمنية تحت لواء الثورة، كما رفضوا المبادرة الخليجية ولم يوقعوا عليها، لكنهم تعاملوا مع نتائجها، وتجسد ذلك من خلال مشاركتهم في مؤتمر الحوار الوطني، ولجنة صياغة الدستور، كما يرى البعض أن تحركاتهم الأخيرة تأتي في إطار إعادة تقديم أنفسهم للمجتمع اليمني باعتبارهم ممثلا جديدا للطائفة الزيدية التي أنهكها الصراع بين صالح وأنصاره من جهة وآل الأحمر من جهة أخرى، وأيضا باعتبارهم جزءا من الحرب الكونية ضد الإرهاب ممثلا في تنظيم القاعدة، وكذلك من خلال تبنيهم خطابات مكافحة الفساد وتحقيق مطالب الثورة والتوافق الوطني واتفاق السلم والشراكة5.

أما القوى العسكرية المنشقة والتي دشن لها الرجل القوي في الجيش اليمني علي محسن الأحمر فيما يعرف بيوم الانشقاق الكبير في 21 مارس 2011، وهو اليوم الذي شهد انحياز عدد ليس بالقليل من القادة العسكريين للثوار، وصنع الأحمر الذي يعد الذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، تحالفا قويا مع قبائل أولاد الشيخ عبد الله بن حسين وواجهتهم السياسية حزب الإصلاح الذراع السياسية للجماعة، وهو تحالف يبدوا أن الولاء له أقوى لدى كلا طرفيه من الثورة والمبادرة والأحزاب الشريكة في تكتل اللقاء المشترك”6، وإلى جانب الأحمر، انشق اللواء محمد علي محسن (ابن عم الرئيس على عبد الله صالح) والذي كان يشغل منصب قائد المنطقة الشرقية.

وفيما يخص شباب الثورة، فقد كان لهم في فترة المجاز الثوري قدرة كبيرة على الفعل والتأثير، إلا أن عدم قدرتهم على تنظيم أنفسهم في أطر رسمية، بالإضافة إلى أن جميع القوى الأخرى مثلت عوائق أمام تمكينهم، سواء الأحزاب السياسية المتمثلة في المؤتمر الشعبي العام، أو تحالف اللقاء المشترك الذي نصب نفسه وصيا على ثورتهم، أو التيارات الدينية، أو الحكومة الانتقالية، ساهمت في خفت نجمهم.

وعلى المستوى العسكري الرسمي هناك صراع بين آل صالح الذين لا يزال لديهم الأذرع الطويلة في المؤسسة العسكرية ويقاومون كل محاولات الرئيس لإعادة هيكلة الجيش بل ويجاهرون بتحديها والانقلاب عليها، وبين الرئيس قائد القوات المسلحة أي ما تبقى من جيش نظامي، وهو يمثل الحلقة الأضعف في المعادلة.

وأمام تلك المتغيرات طرح مجلس التعاون الخليجي مبادرة للتهدئة في 3 إبريل 2017، بمقتضى تلك المبادرة يتنازل صالح عن السلطة في مقابل منحه حصانة ضد الملاحقة القضائية، وهي المبادرة التي رفضها الثوار8، ولكن قوى المعارضة السياسية متمثلة في تكتل أحزاب اللقاء المشترك قد قبلت بها، إلا أن صالح قد أخذ يماطل في توقيع الاتفاقية، وأمام الضغط الخليجي أعلن مسئولون يمنيون في أوائل مايو أن صالح سوف يوقع على الاتفاق، وأعلنت المعارضة مرة أخرى عن قبولها للاتفاق، إلا أن صالح تراجع مرة أخرى مبررا ذلك بأن الاتفاق لا يحتاج إلى توقيعه، فاتهمته المعارضة بسوء النية، واندلعت أعمال العنف في البلاد، وفي 22 مايو حاصر أنصار صالح مبنى سفارة الإمارات العربية المتحدة في صنعاء وبعثة الأمم المتحدة، فنقلتهم الحكومة بطائرات هليكوبتر إلى القصر الرئاسي.

وفي يوم 3 يونيه 2011، حدث تحولا خطيرا في مسار الأزمة اليمينة، ففي أثناء صلاة الجمعة في مسجد دار الرئاسة حيث تواجد صالح مع كبار رجال دولته، تعرض المسجد لتفجير، وغير معلوم إذا كان التفجير نتيجة زرع متفجرات داخل المسجد أو نتيجة لقصف، إلا أن صالح قد أصيب بإصابات وحروق بالغة أدت إلى نقله إلى المملكة العربية السعودية من أجل العلاج، مما أدخل البلاد في مناوشات مسلحة بين الفصائل السياسية المختلفة.

وبعد موافقة مجلس النواب اليمني على منح صالح وعائلته الحصانة في يوم 21 نوفمبر، وقع صالح على المبادرة الخليجية في 23 نوفمبر 2011، والتي بمقتضاها تنتقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي في غضون 30 يوما، على أن تقام انتخابات رئاسية توافقية يكون فيها عبد ربه منصور هادي مرشحا توافقيا في 21 فبراير 2012، مقابل منح صالح وأسرته حصانة من الملاحقة القضائية. إلا أن صالح لم يعتزل العمل السياسي تحت حماية الحصانة الممنوحة له وفق المبادرة الخليجية، بل احتفظ بمنصبه كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام، وكذلك ظل أبناءه وأقاربه على رأس الأجهزة الأمنية في البلاد. ويمكننا أن نقول بأن المبادرة الخليجية أجهضت الحالة الثورية التي أشعل فتيلها الشباب اليمني9، حيث لم يحدث تغيير كامل للنظام بل تغير رأس النظام فقط، كما اصطدمت الخيارات الثورية بالتسويات السياسية، وأفلت رموز النظام من المحاسبة10، ويرى الشباب أن القوى التقليدية مدعومة من الأنظمة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي عملت جاهدة على إجهاض رؤية الشباب، فدول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية كانت حريصة على عدم تحقيق رؤية الشباب المستقل التي كانت من الممكن أن تؤدي إلى الديمقراطية، وهو ما تخشى المملكة السعودية انتقاله إليها إذا حدث بالقرب من حدودها، أي أن المملكة السعودية تخشى (تصدير الثورة) إليها، كما أن المملكة السعودية والولايات المتحدة كانتا على علاقات وثيقة مع نظام علي عبد الله صالح، الذي كان يضمن مصالح الدولتين في تلك المنطقة من الخليج بالإضافة إلى دوره في الحرب على الإرهاب11.

حلف هادي منصور اليمين الدستورية أمام البرلمان اليمني في 25 فبراير 2012، ليصبح الرئيس الثاني للجمهورية لمدة عامين فقط، وهما عامي المرحلة الانتقالية وفق المبادرة الخليجية، وخاض هادي منصور الانتخابات الرئاسية منفردا، حيث أنه كان مرشحا توافقيا دعمه حزب المؤتمر الشعبي العام وتحالف اللقاء المشترك المعارض، وقد شارك 65% ممن لهم حق التصويت في الانتخابات، التي شهدت استمارات تصويت لا تضم أحدا إلى جانب هادي منصور، فكان انتخابه أشبه بالتزكية، أو بعملية استفتاء على انتقال السلطة من صالح إلى هادي.

ووفق الاتفاقية الخليجية، وبإشراف من مجلس الأمن فإن مهام منصور هادي في المرحلة الانتقالية تلك هي إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومعالجة مسائل العدالة الانتقالية، وإجراء حوار وطني شامل، والإعداد لصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية جديدة في 2014.

وبعد عدة تأجيلات، تم عقد الجلسة الأولى للحوار الوطني يوم 18 مارس 2013، برئاسة هادي، وعضوية 565 عضوا من القوى السياسية المختلفة، نصفهم من الجنوب و30% من النساء و20% من الشباب. وقد أوفد الأمين العام للأمم المتحدة المغربي جمال بن عمر مستشاره في الشأن اليمني للإشراف على المرحلة الانتقالية، وبعد 10 أشهر وتحديدا في 25 إبريل 2014 عقدت الجلسة الختامية للحوار الوطني، الذي انبثق عنه وثيقة الحوار الوطني الشامل والتي احتوت على عدة فصول تتناول القضايا العالقة محل الخلاف في اليمن، وأهمها قضية الجنوب، وقضية صعدة، والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وبناء الدولة، والحكم الرشيد، وأسس بناء الجيش والأمن ودورهما، واستقلالية الهيئات ذات الخصوصية، الحقوق والحريات، والتنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة. وقد أفضى الحوار بإعمال النظام الفيدرالي في اليمن، وتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم.

الحوثيون وموقفهم من ترتيبات الحوار الوطني:

نتج عن الحوار الوطني تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم فيدرالية، ورأى الحوثيون أن الأقاليم، بتشكيلها المعلن، غير قابلة للحياة12. ولم يقبلوا بتلك النتائج، لأن الإقليم الذي يقع تحت سلطتهم بعد التقسيم، لا يمتلك مقومات القوة التي تجعله مستقلا عن المركز، حيث تنقصه الموارد والمنافذ البحرية، ولهذا تحركوا عسكريا لضم منطقة الجوف إليه، لأنها تضم مخزونا معتبرا من الطاقة، وتحركوا نحو مدينة حجة للحصول على منفذ بحري في ميناء ميدي13، وقد بدا أن تحركهم العسكري سيقضي على العملية السياسية برمتها.

ونظرا لانقسام الجيش اليمني، أضف إلى ذلك تغلغل الانتماءات السياسية والقبلية بين قادة الجيش، فقد نجح الحوثيين في الاستفادة من تلك المعطيات، ونجحوا في كسب ولاء عدد من قادة الألوية في الجيش إما بالتهديد أو الترغيب، وقد ساعدهم من القادة معظم من يدين منهم بالولاء لعلي عبد الله صالح وكذلك اللواء محسن الأحمر، وعلى الرغم من التغير في الولاء وفق الترتيبات التي نتجت عن الحوار الوطني والخاصة بإعادة هيكلة الجيش والأمن مع عزل القادة المحسوبين على علي عبد الله صالح، واللواء محسن الأحمر، إلا أن هادي فشل في مهمة إعادة الهيكلة، حيث أن تغيير ما هو قائم منذ ثلاث عقود بعدد من الإقالات والتعيينات وتغيير المسميات ليس من الواقعية14، ومع كل تلك المعطيات سقطت صنعاء في يد الحوثيين من دون مقاومة تذكر، وعلى الرغم من محاولة تسوية الخلافات بين الحوثيين والرئيس منصور هادي والمكونات السياسية اليمنية، والتي نتج عنها اتفاقية السلم والشراكة الوطنية، التي احتوت 17 بندا، وملحقا أمنيا من 7 بنود، من شأنها إزالة كافة النقاط الخلافية بين الطرفين، إلا أن العالم قد تفاجأ بالحوثيين يدخلون صنعاء في 21 سبتمبر 2014، ثم يوقعون بعدها اتفاقية السلم والشراكة الوطنية.

وقد نجح الحوثيون عن طريق تحالفهم مع علي عبد الله صالح في أن يخوضوا معاركهم مع خصومهم السياسيين، تحت غطاء المؤسسة العسكرية والأمنية اليمنية، بعد أن نجحوا في إلحاق عدة الآلاف من ميليشياتهم بالجيش.

وفي 19 يناير 2015، تحركت قوات حوثية نحو القصر الرئاسي، وبعد اشتباكات مع الحرس الرئاسي، الذي يُعد القوة العسكرية الوحيدة التي لم تخضع للحوثيين، نجحوا في فرض سيطرتهم على قصر الرئاسة، واستولوا على مستودعات الأسلحة والذخيرة التي تخص الحرس الرئاسي، وما أن سيطر الحوثيون على القصر حتى توجهوا نحو منزل الرئيس منصور هادي وحاصروه15. وبعد جولة من المفاوضات بين الحوثيين وأطراف حكومية في اليوم التالي للحصار، توصل المفاوضون خلالها إلى اتفاق النقاط التسع، وفيه تعهدت عناصر الميليشيات الانسحاب من القصر الرئاسي، وكذلك من كل المواقع التي تشرف على مقر إقامة الرئيس. لكن الحوثيون لم يغادروا أماكن انتشارهم كما لم يطلقوا سراح بن مبارك مدير مكتب الرئيس الذي اختطفوه، مما أبقى التوتر واضحا في عدد كبير من أحياء العاصمة، وكان مبعوث الأمم المتحدة، جمال بن عمر، قد قدم إلى صنعاء حيث بدأ محادثات مع ممثلي الأحزاب السياسية اليمنية، وضمنهم الحوثيين، لفك الحصار عن المقار الرئاسية والحكومية، إلا أن الحوثيين لم يفكوا حصارهم، مما دفع رئيس الحكومة إلى تقديم استقالته للرئيس منصور هادي، الذي بدوره تقدم باستقالته إلى البرلمان16.

وكان للحوثيين أربعة مطالب رئيسية لإنهاء الأزمة، أعلنها زعيمهم عبد الملك الحوثي في خطاب متلفز، وهي تصحيح وضع الهيئة الوطنية للإشراف على تنفيذ مخرجات الحوار، وتعديل مسودة الدستور، وتنفيذ اتفاق السلم والشراكة، وإجراء تغييرات أمنية وعسكرية17.

وفي تطور جديد بعد سيطرة جماعة الحوثيين على المشهد السياسي اليمني، اختتم المشهد بـ”إعلان دستوري” يوم السادس من فبراير، متضمنا حل البرلمان، وتشكيل مجلس وطني بديل من 551 عضوا، ينتخب مجلسا للرئاسة من خمسة أعضاء لإدارة البلاد تحت رقابة “اللجنة الثورية” الحوثية لمدة عامين انتقاليين، تنفّذ خلالهما مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة الوطنية18.

وفي 21 فبراير 2015، وفي مرحلة جديدة من الصراع والتطورات التي فرضتها الخطوة المفاجئة والغامضة التي أقدم عليها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي حيث تمكن من مغادرة منزله في العاصمة صنعاء متجها نحو مدينة عدن كبرى مدن جنوب البلاد، بعد نحو شهر من الحصار والإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون، وفور وصوله إلى عدن، أصدر هادي بيانا يؤكد فيه “أنه لا شرعية لأي قرارات اتخذت بعد 21 سبتمبر 2014” أي بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، كما أعلن تمسكه بالمبادرة الخليجية والشرعية الدستورية19، فتحولت الأزمة ظاهريا إلى أزمة شرعية.

وفي يوم 3 مارس 2015، طالب هادي بنقل الحوار الوطني إلى الرياض، ثم أعلن في 7 مارس “عدن” عاصمة مؤقتة لليمن، وقد أنضم وزير الدفاع محمد الصبيحي لهادي في عدن في اليوم التالي، وهو الأمر الذي أعتبر حينها ضربة موجهة للحوثيين، وتوغل الحوثي في الجنوب وتمكن من إسقاط لحج بمساعدة صالح، وتم أسر وزير الدفاع الصبيحي والقائد العسكري فيصل رجب.

وبعد جلسة طارئة لمجلس الأمن يوم 22 مارس حول الأوضاع في اليمن، أرسل الحوثيون تعزيزات عسكرية جديدة إلى جنوب اليمن، وباتوا يقتربون من مضيق باب المندب الاستراتيجي، وطالبت الحكومة بحظر جوي وتدخل قوات “درع الجزيرة”. وهو ما حدث في 26 مارس، حيث إعلان المملكة العربية السعودية بدء عملية “عاصفة الحزم” التي تستهدف إعادة الشرعية إلى اليمن، بمشاركة 10 دول عربية، وإعلان أجواء اليمن منطقة محظورة.

التأثير الإقليمي في اليمن:

مثل أي دولة تقع في نطاق نفوذ دولتين كبيرتين، فإنها تتأثر بأحدهما أو كلاهما، كما أن الفاعلين الداخليين عادة ما يتأثرون بمردود سياسات الدول تلك، وبالقياس على حال دول الخليج العربي ومن بينها اليمن، فإنها تقع بين قوتين كبيرتين لكل منهما تأثيرات كبيرة، فمن ناحية نجد السعودية متزعمة العالم الإسلامي السني بحكم خصائصها الدينية، والتي تشترك مع اليمن بخط حدودي يبلغ طوله 2000 كم2، ومن ناحية أخرى إيران متزعمة العالم الإسلامي الشيعي التي لا تمتلك حدود جغرافية مع اليمن إلا أنها صاحبة دور مؤثر في منطقة الخليج، وبالتالي فإن ذلك يُعد سببا للصبغة الطائفية التي صبغت الصراع في اليمن.

لذا فإننا نجد طرفي الصراع داخل اليمن، الحوثيين ونظام منصور هادي، الصراع بينهم في الأساس على مكتسبات سياسية، إلا أنه وبحكم التركيبة السكانية التي تتكون من 30 % من الشيعة الزيدية، مقابل 70% سنة20، اجتذب كل طرف منهم أنصارا له على أساس طائفي، مما ساهم في تعزيز طائفية الصراع.

وإن كان الدعم السعودي لنظام الرئيس هادي مبني وفق معطيات سياسية في الأساس، حيث أنه وصل إلى الرئاسة بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي، كما أن احتلال الحوثيين للعاصمة صنعاء وفرض اتفاق السلم والشراكة الوطنية بمثابة انهيار لمبادرة مجلس التعاون الخليجي بشأن اليمن21، التي راعت مصالح دول المجلس في اليمن والمنطقة، إلا أنه اكتسب الصبغة الدينية عندما ظهرت إيران في المعادلة، على الرغم من أن الحوثيين ينفون أي علاقة بينهم وبين إيران، إلا أن هناك العديد من الدلالات تشير إلى أن هناك تعاونا قائما أو على أقل تقدير وجود اتصالات متبادلة بين الطرفين، مثل الزيارة التي قام بها وفد من جماعة “أنصار الله” -الذراع السياسي لحوثيي اليمن- إلى طهران في الأول من مارس 2015، وعلى مدار أربعة أيام، لتكون الزيارة الرسمية العلنية الأولى منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وكذلك توقيع سلطات الطيران الإيرانية في 28 فبراير 2015 مذكرة تفاهم مع الحوثيين يتم بموجبها تسهيل النقل الجوي بين البلدين، وحيث وصلت في الأول من مارس –وقبل زيارة الحوثيين بساعات قليلة إلى طهران- طائرة إيرانية كانت محملة بشحنات من المساعدات الدوائية، وحملت على متنها إيرانيين من بينهم عمال إغاثة تابعين للهلال الأحمر الإيراني، لتكون الرحلة المباشرة الأولى بين البلدين منذ العام 1979.22

التطورات الإقليمية والدولية:

في إطار السعي الأمريكي نحو تحقيق تقدم في ملف إيران النووي، والذي توليه الإدارة الأمريكية اهتماما بالغا راغبة في الوصول فيه إلى تسوية تؤدي إلى غلقه بشكل نهائي، فإنه وفي هذا السعي قد شهدت مفاوضات جنيف في 24 نوفمبر 2013، تقديم تنازلات إيرانية فيما يتعلق بالملف النووي، في مقابل رفع “مؤقت وجزئي وقابل للإلغاء” للعقوبات الدولية23.

وتعتبر هذه الاتفاقية بمثابة تفاهم سياسي حول الشرق الأوسط بين الطرفين أكثر من كونها اتفاقية تتعلق بالملف النووي الإيراني فقط، فالتفاهم الأمريكي الإيراني ليس وليد مفاوضات جنيف، ولم يكن وصول حسن روحاني الذي يوصف بالرئيس المعتدل سببا فيها، حيث أنه كان يوجد “قناة التفاوض السرية” التي وفرتها ورعتها سلطنة عمان للولايات المتحدة وإيران منذ مارس 2013، أي قبل خمسة أشهر من تسلم الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني مهامه الرئاسية، كان يمكن وصف ما أخذ يتكشف ويتسرب من معلومات عن اتصالات أو تفاهمات أمريكية–إيرانية عقب مباشرة روحاني لمسئولياته كرئيس لإيران أنها مجرد “نوايا حسنة” لتفاهمات سواء كانت تتركز على الأزمة المثارة حول برنامج إيران النووي أو كانت أوسع من ذلك، وتمتد لعدد من القضايا الإقليمية الساخنة، وفي مقدمتها بالطبع الأزمة السورية24. ويمكن أن نشير إلى اختفاء الحماس لدى الولايات المتحدة بالحل العسكري في سوريا وتعزيزها للحل السياسي للإطاحة بنظام بشار، كأحد نتائج الترتيبات الإيرانية الأمريكية المنبثقة من التقارب الأمريكي الإيراني، وهو ما يُعد مغايرا لرغبة المملكة العربية السعودية في حل الأزمة السورية عن طريق العمل العسكري للإطاحة بنظام الأسد.

كما أنه لا يخفي على أحد زيادة النفوذ الإيراني في اليمن، العراق، سوريا، ولبنان، وهو النفوذ الذي يتعارض مع مصالح السعودية والخليج في تلك الدول، حيث تدعم إيران الحوثيين في اليمن ضد نظام هادي المدعوم من السعودية، ونظام الأسد في سوريا الذي لا ترى السعودية أن ثمة حل في الأفق إلا بعد خلعه وترجح في ذلك الحل العسكري، كما تدعم السعودية قوى المعارضة المسلحة المناهضة لنظام بشار، وفي لبنان تدعم إيران حزب الله في مواجهة تيار الاستقلال برئاسة سعد الحريري المدعوم من السعودية، أما في العراق، فالتفاهمات الأمريكية الإيرانية في محاربة داعش سواء بتنسيق مباشر أو غير مباشر تقلق السعودية في البلد الذي يشكل الشيعة أكثر من نصف عدد سكانه25، مما أضعف حظوظ المملكة السعودية في وقف النفوذ الإيراني المتزايد فيها.

التدخل العسكري ما بين التطييف والفعالية:

يعزي البعض أسباب الخيار العسكري السعودي بالنظر إلى المتغيرات الإقليمية، وبشكل خاص التقارب الأمريكي-الإيراني، وازدياد نفوذ إيران في المنطقة، والذي بموجبه يستمد نظام الأسد في سوريا أسباب البقاء على غير رغبة السعودية، كما تحرز إيران تقدما في مواجهة داعش بالعراق وبذلك تقدم نفسها باعتبارها أقدر على مواجهة داعش من السعودية، وكذلك أمام فرض الحوثيين لسيطرتهم على الأرض في اليمن بالقوة، واقتراب حسم الأمور بالنسبة لهم مما يؤدي لوجود عدو للمملكة السعودية على حدودها الجنوبية، يتحكم في أحد أهم الممرات الملاحية وهو مضيق باب المندب.

وقد شارك السعودية تسعة دول أخرى، هي مصر، الأردن، الكويت، الإمارات، البحرين، قطر، المغرب، السودان، وباكستان، وقد أعلنت تلك الدول مشاركتها في العمل العسكري، إما لوجود اتفاقية دفاع مشترك عربية، أو في إطار تعاون عسكري مع السعودية. أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الأربعة فإن وقف التمدد الحوثي أحد مطالب أمنهم القومي في منطقة الخليج، والدول الخمس الأخرى لكل منها أسبابها، وقد بدا هذا تحالفا سنيا في مواجهة إيران الشيعية، لكن يرى البعض أن فكرة التحالف السني ذاتها ليست بالجديدة26.

إلا أن شكوكا كبيرة أيضا تثور حول فعالية هذا التحالف في تحقيق الاستقرار بالمنطقة وخصوصا إذا وصف بالسني في مواجهة الشيعة، إذ أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي بها أقليات أو حتى أكثرية شيعية تعاني من تهميش اقتصادي واجتماعي كما أن باكستان بها عدد يعتد به يقدر بـ20% من السكان27 من الشيعة في المناطق المجاورة لإيران، وهي غير قادرة على السيطرة على تنظيم القاعدة الذي ينفذ هجمات بطول البلاد وعرضها، كما تواجه توترات مستمرة في علاقتها بالهند وإيران.

أيضا فإن مصر، ورغم توافق الإخوان المسلمين المصنفة كجماعة إرهابية من قبل النظام مع مشاركة هذا النظام في هذا التحالف، فإن ثمة حساسية مصرية تجاه التدخل في اليمن، وبالذات في الظروف الراهنة إذ يعتبر البعض التدخل ثمنا للدعم الاقتصادي الخليجي الكبير للمؤتمر الاقتصادي المصري الذي انطلق أصلا بدعوة من الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز ومن ثم تبدو مصر متبوعا في هذا التحالف.

يضاف إلى ذلك ما يحرزه الحوثيون من تقدم على الأرض فقد سيطروا على مدينة عدن، وما يجري من مناوشات بينهم وبين السعودية على الحدود، وما يثيره ذلك من احتمالية تدخل إيراني بضغط دبلوماسي وسياسي قوي، كما أثير مؤخرا عدد من الأخبار حول وصول قادة عسكريين إيرانيين لإدارة المعركة ضد السعودية على الجبهة اليمنية28، أما ما يثار من شكوك حول جدية تهديد إيران الدولة النفطية لأمن ممرات ملاحية دولية فلا يعتقد جديته، حيث أن القوى الكبرى لن تسمح بتهديد يؤثر على تدفق الطاقة والتجارة منها وإليها، كما تنتفع إيران ذاتها من مرور صادراتها ووارداتها عبرها إلى أوروبا، خاصة في ظل الانفتاح الإيراني على الغرب المتوقع بعد تعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بناء على التفاهمات الأخيرة حول برنامجها النووي.

تشهد الأزمة اليمنيَّةُ, انعطافاتٍ, يمكن وصفُها بكونها تعرُّجات, لتطورات الأحداث فيها, تُنبيء بأنَّ اليمن تقف”على مفترقِ طرقٍ”, تتشعَّبُ مآلاتها, واحتمالات تقلُّباتِها؛ بما يجعل توقُّعَ ما سيكونُ من سيناريوهات حلِّها- على المدى القريب أمراً لا يمكن وصفه باليُسر, ولعلَّ من بينِ أبرز أسباب تعقيدِ المشكلة اليمنية, وصعوبة توقُّع حلِها, يعودُ إلى أمورٍ, تعدُّ الأهمَ:

الأول: غياب توصيف دقيق لما عليه المجتمع اليمنيُّ, وبالتالي الجهل بتفاصيل نسيجه الاجتماعيّ, وتلوُّنه, في وقتٍ اعتقدَ كثيرٌ من المعنيين بدراسته-ولا سيما قبل أزمته-أنَّ شعبَ اليمنِ قليلُ التنوُّعِ, محدودُ الاختلاف؛ وهو أمرٌ فارقَ الدقَّةَ, وبالتالي أغفل حجم المشكلةِ, التي تعصف باليمن, وتهدِّدُ نسيجه الاجتماعيّ, أو تكاد.

الثاني: إغفال تداخل الفاعلين في الأزمة اليمنية, والمعنيين بإشعالها, والمتسببين بتعقيدها؛ فهي مشكلةٌ مركَّبةَ, برَّرتها عواملُ: محليةٌ, وأخرى إقليميةٌ, وثالثة دوليةٌ؛ ولكلٍّ منها مقاصدها, وغاياتها, التي عقَّدت إشكالية دراسة الأزمة اليمنية, وأسهمت في تأخير حلِّها, بانتظار حدوث توافق للفواعل على المستويات الثلاثة, بالاتفاق على حلِّها, والتخفيف من آثارهم في إشعالها, وإدامتها.

الثالثُ: فقر اليمن وضعف دخله القوميّ, جعلَ اليمنَ مسرحاً لأطماع الفواعل العالمية, والإقليمية فيه, ولا سيما الفواعل العالمية, التي جعلت اليمن دائراً في أفلاكها, مسخّراً لتنفيذ استراتيجيتها في استتباع اليمنِ, وكثير من دول المنطقة, وأعني بها الولايات المتحدة الأمريكية, فكان من آثارها: المشاركةُ الفعلية في رفد صراعاتها الفرعية, ومنها ما شهدته أفغانستان, تحت غطاء الجهاد, وبدفعِ ومباركةِ وتمويلِ السعودية, بحجج تسوغُ للإسلاميين جهادَ الشيوعيين, وعدِّهم مشركين, وتحت غطاء نصرة المسلمين الأفغان-في حينها-ولهم كذلك في غلبة الروم مبرِّرٌ شرعيٌّ؛ أمَّا العلمانيون فتسوِّغه لهم المصلحةُ القومية, والتحالفاتُ مع الدولة الأقوى في العالم؛ وهو أمرٌ جعل استهداف الإسلاميين, فيما بعد أمراً له مبرراته, لما لديهم من خبرة قتالية, تهدِّدُ حلفاء الأمريكان من العلمانيين, من القوى اليمنية, وسواها, فيكون ما كان من تصرُّف الولايات المتحدة الأمريكية مع القاعدة, وقد كان رجلاتها موصوفين لديها”بالمجاهدين” تحت خيمةِ الصراع الاستراتيجي الشرقي/الغربي؛ والاستعانة بالأطراف, في الصراعات المسلحة, ولا سيما حروب الاستنزاف.

    وكذلك قدْ دَفَعَ فقرُ اليمن, وضَعفُ إمكانياته, إلى فتح باب اليمن على مصراعيه للقوى الإقليمية, في التوغُّل في المجتمع اليمني, تحت غطاء المساعدات الإنسانية, التي تستصحب معها عادةً غاياتٍ لا يغيبُ عنها الغزو الفكريّ, ومحاولات التغيير الثقافي, ولا يكون التنصير, برعاية الكنيسة المعمدانية ومؤسساتها الطبية, ولا التشيُّع, برعاية السافرة الإيرانية, ومحاولاتها نشر المؤلفات المذهبية وما يروج لولاية الفقيه, وما رافقه من التبرعات, وفتح المراكز الصحية, عن ذلك ببعيد.

     وعليه؛ فغيابِ توصيفٍ دقيقٍ لمستقبل اليمن؛ يأتي بسبب القراءَةِ السطحيَّةِ للأحداثِ-دون ربطها بجذورها- فتكون قاصرةً عن بلوغ المآلات الراجح تحقُّقُهَا.

    ولا بدَّ من معالجة الموضوع من محاورَ, تكشِفُ دواعي الصراع, وتأثيرات القوى, وعلاقاتها, ومرجعياتها؛ وما ستؤول إليه الأحداث.

     وهنا يثور سؤالٌ كبيرٌ, مفادهُ: ما المتغيرات المؤثرة في تفاقم الأزمة اليمنية, وفي تعقيد مشهدها, وتعطيل حلِّها؟

      ممَّا يعقِّدُ إشكاليَّةَ توقُّعِ مسارات الأحداثِ, ومآلاتِها, ونتائجَها, وآثارها, جملةُ متغيِّرات مؤثِّرات, تطبعُ الصراعَ اليمنيَّ, وتحدِّدُ طبيعَتةَ؛ وتسهِمُ في تحديدِ بعضِ معالِمِ ما ستؤول إليه اليمنُ وصراعاتُهَا, وتنافسُ فواعلها والمؤثرين فيها؛ وأبرز المؤثراتِ أمور متغيرات, أبرزها:

المتغيِّرُ الأوَّلُ: أزمةُ الاندماج والمواطنة في ظلِّ الوحدةِ اليمنيَّة:

ويتحدَّدُ-هذا المتغيِّرُ- بامتداد جذورِ الصراع اليمنيّ, إلى ما يتَّصلُ “بالوحدةِ اليمنيَّةِ”, وبالترتيبِ لها, وبإعلانها, وبما أعقبها من اختلافات, أشعلت ما اصطُلِحَ عليه”حربُ الانفصال”, ويُعزَى سبَبُهَا “المباشرُ”, إلى ما بدا “هيمنةً للشمال على الجنوب, في إدارة البلادِ, وتفرُّداً بالسلطةِ “للرئيس صالح”, ومردُّهَا الأساسُ “تفكيكُ مجلس الرئاسةِ اليمنيّ السداسيِّ, الذي أتُفِقَ على أن يقودَ دولةَ اليمنِ الموحَّدةِ, على هامِشِ محاولاتِ بعضِ أعضائِه, لتهميش وإزاحةِ”علي سالم البيض”وحزبَه الاشتراكيّ, بأعذارَ وحُجَجٍ, تقمَّصَ بعضُهَا لباسَ العقيدة, بحجَّةِ إبعادِ الاشتراكيين, وثمنه الرضا بإبعادِ الإسلاميين لأنفسهم مقابل ذلك؛ لكنَّها عبَّرت: عن رؤيةٍ حزبيَّةٍ دينيَّةٍ غيرِ موفَّقةٍ, أسهمت في: استعداء ممثِّل الجنوب, بإزاحته من مجلس الرئاسة السداسيّ, بحلِّه وبمناداة “صالح” رئيساً لليمن بالأغلبية؛ فأثمرَ هذا المتغيِّرُ “الدعوةَ إلى فكِّ ارتباط الجنوبِ, وإشعال حرب الانفصال ساعَتَهَا؛ والعاملُ المؤثر الحقيقيّ”نكث اتفاق الشراكة في إدارة اليمن الموحَّد”, لغياب الرؤية السياسية, وإساءة التقدير, وسذاجة التصرُّف, من قوًى كثيرةٍ, منها العلمانية, ممثَّلةً بالمؤتمر الشعبيّ العام, ومنها الإسلاميةُ, ممثَّلةً بالتجمُّع اليمنيّ للإصلاح.

      ولا غرابةَ أن تشهدَ الساحةُ اليمنيَّةُ اليومَ, دعواتٍ انفصاليَّةً جنوبَها, بما يتجاوزُ حصرَ أسباب الدعوات “بالنزعةِ الانفصاليَّةِ” المجرَّدةِ عن أسبابِها الموضوعيَّةِ, التي طواها النسيانُ, بتغييب الموضوعيَّةِ والإنصافِ, في إطار-الشعور الجماهيريّ الوحدويّ العفويِّ العاطفيِّ- واعدِّ البعضِ الوحدةَ غنيةً, أكثر من كونها إنجازاً للشركاء؛ وثمَّةَ أثرٌ للنظرةِ القاصرةِ عن: تحديد, فتحليل أسبابِ الدعوات الانفصاليَّةِ, وحصرها بدوافعَ “معياريَّة”, توصَفُ بها-جُزافاً-قياداتُ الحركات الانفصاليةِ؛ فثمَّةَ قصورٌ في معالجات تركةٍ ثقيلةٍ خلَّفها تاريخُ اليمن المعاصر, وَرِثَهَا عن عهدِ وحدته؛ كان الأجدر بالقياداتِ تفكيكُها, وتحليلها, ثمَّ تركيبُهَا على قيمٍ وطنيَّةٍ, تحفظُ حقوقَ المواطنينَ, على أساس المواطنةِ المتساوية, وتساوي الشمال والجنوب؛ بما يُنشيءَ الولاء لليمن من كافة أبنائه, والتكافؤَ, والاندماجَ؛ فتُحفَظُ بذلكَ كلِّهِ وحدتُهُ؛ والأمرُ يفسِّرُ هشاشةَ مقاومة المجتمع اليمنيّ, ومنهم سكان الجنوب, للحوثيين.

المتغيِّرُ الثاني: أزمة المشاركة السياسية, وتقويض الشراكة السياسية:

  وتتجسَّدُ في غيابِ معالمِ التنمية السياسية, التي تتطلَّبُها إدارة مجتمع ما بعد الوحدة في العام 1990, وحرب الانفصال في العام 1994, ولَّدَتْ أزمةً, شهدَتْها العمليةُ السياسيةُ اليمنيَّةُ, تلخَّصت في نقاطٍ, أبرزها:

  1. تهميش وإقصاء بعض الأحزاب والتيارات, تحتَ إطار التحالفات, وهو أمرٌ غيَّبَ المشاركةَ الحقيقيةَ, القادرةَ على تعميقِ الشعور بالمواطنة, من جهة, وبدعم النظام السياسي, بديمومة فاعليَّتِه, وبالتالي نجاحه في إدارة شؤون اليمن, من جهةٍ أخرى؛ فقد هُمِّشت الأحزابُ جُلُّهَا, عَدا: المؤتمرَ الشعبيَّ العام, والتجمعَ اليمني للإصلاح؛ والذَينِ تشارَكَا وائتلَفَا في أكثرَ من دورةٍ انتخابية, شكَّلا عقبها وزاراتٍ مشتركةٍ, أضعفت حافزِ المشاركة السياسية, لدى الأحزاب الأخرى, ومن أبرزها الحزبُ الاشتراكيُّ, لتواضُعِ ما يمكن أن تحقِّقه من تأثير, في العملية السياسية, التي باتت تتَّجهُ صوبَ الاحتكارِ والتمهيد للتوارُث.
  2. ولعلَّ الأنكأ من النقطة السابقة, ما كان من مصادرة بعض مقارِّ “الحزب الاشتراكيِّ” الشمالية, عقاباً على مشاركة جزء من قياداته في الدعوة للانفصل, ومن ثمَّة المشاركة في حرب الانفصال؛ عمَّق الهوَّةَ, وبين الشمال والجنوب, وجعل الوحدةَ في نظر البعض “غزواً شمالياً للجنوب”, فكانت إدارة دفة الحكم, من مظاهر الحكم المتفرِّد, أكثر من كونه حكماً يستمدُّ قوَّته من شرعيَّتِه؛ بعد فقده دعم جزء لا يستهانُ به من سكان “الجنوب”.
  3. غياب المشاركة الحقيقية بين أكبر تيارَين: المؤتمر الشعبي العام, والتجمع اليمني للإصلاح؛ وما شهدتهُ الانتخاباتُ من عمليات تزويرٍ- دارَتْ ترتيباتُهَأ في سفارة دولةٍ ترفَعُ شعارَ حمايَةِ العروبةِ- وطالمَا عُنيت بالوضع اليمنيِّ, وتقلُّباتِه السياسية, عَقِبَ تنامي المنافسة بين الحزبين, اتَّجهت بالعملية السياسية صوبَ تفرُّد المؤتمر الشعبي العام بإدارتها, بشخصِ الرئيس صالح؛ خشيةَ استحواذ “الإصلاح” على السلطة.
  4. وشهد المؤتمرُ الشعبيُّ العام-وهو تيارٌ يضمُّ شخصيات ومشايخ وجماعات ومسؤولين منتمينَ إليه, بناظمٍ براغماتي, ولم يُبْنَ على أيديولوجيَّةٍ جامعةً- شهدَ الدعوةِ لتوريث قيادة المؤتمر الشعبي العام, وبالنتيجة قيادةِ اليمن, لأحمد علي صالح, أضعفا تماسُكَ المؤتمر, ليكشف ضعفَهُ إزاء الحوثيين, وقد تحالفا في الصراع الحاليّ, زيادةً على ما كان من مظاهر محاولات ترشيد القرار في المؤتمر, ممن خالفوا قيادة صالح, ورفضوا نهجَه وتحالفاتِه في الصراع.

المتغيِّرُ الثالثُ: أزمة الربيع العربيّ وإشكاليَّةِ نسخته اليمنيّة:

   جاء الصراعُ اليمنيُّ نتيجةَ ظروفِ وملابساتِ”الثورة اليمنية”, التي قادتْها “الاعتصاماتُ ضدَّ حكومة صالح, التي شهدتها صنعاءُ, وعددٌ من المحافظات اليمنية؛ ويمكنُ تسجيل أمرين إزاءَهَا:

  1. أنَّ أحداثَ الاعتصامات, أفرزَها استنساخُ ما يُعرَفُ-اصطلاحاً-بالربيع العربيّ؛ عن نسخته التونسية, والمصريَّةِ, دون الأخذ بالاعتبار, الأسباب والظروف, التي أفرزت التجربتين؛ ما يبرِّرُ هشاشةَ التغيير-ساعتها-ما ولَّدَ بالنتيجة ظروفاً مواتيةً لعودة “صالح”, ليكون عاملاً مؤثِّراً في تأجيج الصراع, الذي لم تزل ترزح اليمنُ تحتَ وطأته؛ ولم يستلهِمْ المعتصمونَ من التجربتين السابقتين العِبَرَ, ممَّا يعبُرُ بهم وباليمن إلى شاطئ الأمان, واللاعودةِ “لصالح”ونظامه وحكمه.
  2. أنَّ الاعتصامات التي أطاحت بحكومة صالح, لم تكن مبنيَّةً على حساباتٍ سليمةٍ, تضبطُ مآلات الأمور, ولم تأتِ الاعتصامات بعفويَّتها, الضامنة لعصمتها والمكرِّسة لقوَّتها, باحتواء ما ستؤول إليه أوضاع ما بعد التغيير؛ ولا سيَّما أنَّ أقوى الفصائل المعتصمة, التابعة لحزب الإصلاح, قد قبلت بوضعِ يدها بيد من يخالفها: عقديَّاً, وسياسيَّاً, وثقافيَّاً, أعني الحوثيين تحديداً, وقد كانا على طرفي نقيض, من حيثُ محاولةُ كلٍّ منهما: نشرَ منهجه, ودعوته في المجتمع اليمنيّ, والاستعانة بمؤسساتٍ تعليمية, وتربوية, ومراكز دينية, ومؤسسات خيرية؛ تجعلهما في إطار تنافسٍ, يحتاجُ إلى مشاريعَ استراتيجيَّةٍ, وبرامج تنميةٍ مستدامة, ميدانها المجتمع اليمني بكلِّ مكوِّناته ومناطقه؛ فتعرَّض المجتمعُ اليمنيُّ-بالنتيجة-ونسيجُهُ, إلى التخلخل والتمزيق, بتكالب قوًى: أفقدتْ التجمعَ اليمني للإصلاحِ مؤسساتِهِ التربوية العلميَّةِ, التي أثَّرت أيما تأثيرٍ في بناء الثقافة الدينية اليمنية, وفي تقويم ما ورثته من معالمها الزيديَّة وثقافة حكم الأئمة قبل الثورة؛ فقد سلّمَ “الإصلاحُ” لإرادةِ إلغاء مؤسسة المعاهدِ العلميةِ, برغبةٍ أمريكية, تبنَّاها الرئيس صالح-بما لديه من قدرات تهويلية- ونفَّذَهَا بتأثيره في قياداتٍ إصلاحيةٍ مقرَّبةٍ منه, بالتحذير من تنفيذ التهديد الأمريكيّ, لهم ولتلك المؤسسة, باستهداف مؤسسة المعاهد العلمية, وجامعةِ الإيمان معاً.

     وذلك أمرٌ قدْ سمحَ للترويج للمنهج الحوثي وتمدُّدِهِ, الذي أسهم في إحياء انتماءات المذاهب الزيدية الشيعية, على حسابِ المذهبِ الشافعيّ؛ الأمر الذي ينذرُ بتنامي التمايز المذهبي, إلى مستوى التشنُّج الطائفيّ؛ وما يترتَّبُ عليه: بتفاقم الصراعِ, وبتهديد نسيج المجتمع اليمنيِّ, وتقويضِ وحدته وانتكاث عموامل اندماجه؛ وبالتالي الاستعداد لتقسيمه.

المتغيِّرُ الرابعُ: الانقلابُ على سلطة ما بعد الثورة, وعوامله:

    لم يأت ما يوصف “بالانقلابِ على الشرعيةِ”, من فراغٍ, بل كان لهذا الأمر ممهِّداتُه, ومحفِّزاتُه, وعواملُه, التي يمكن اختصار أبرزها في الآتي:

  1. التباطؤ في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني اليمنيّ, الذي يُعوَّلُ عليه في عملية بناء دستور ما بعد الثورة اليمنية, والذي تحجَّجَ ببطء تطبيقِهِ: الحوثيونَ وصالحُ, لتبرير ما قاموا به, من عمليةٍ وصفت بكونها انقلاباً, على ما أفرزه الحوار الوطني من مخرجات, وعلى الإجماع الوطنيِّ عليه, وما أسَّسَ له من سلطةٍ, وصفت بكونها”شرعيةً”؛ وهو أمرٌ لم يكن بعيداً عن بعض الحقائق, التي سَجَّلت تباطؤاً في الدعم الخليجيِّ, لإتمام عمليات التغيير في الظام السياسي اليمنيّ.
  2. قصور ذلك الدور الخليجيّ, رافقه التركيز في الضغط على شخص “صالح”, لتوقيعه على إقالتِه, وقد كانَ في رحلةٍ علاجيةٍ, ممَّا أصابه من آثار تفجير المسجد الرئاسيِّ بصنعاء, والبتالي أشعره بتحايُلِ دول الخليج, على إخراجه من السلطةِ, ثمَّ لم يلبث أن أصاب دورَ دول الخليج المعنية بالأزمة اليمنية الفتورُ, الذي أثار مطامِعَ “صالح”, في العودة لمحاولة الاستحواذ على السلطةِ, وألبسها لباس المشروعية, في ظلِّ ما شهده الربيع العربي وثوراته, من عمليات نكوص, وتآمر حارجيٍّ عليها؛ فقد قرأ “صالحُ” مآلات الربيع العربي, وما أصابه من النماذج العربية له, بما عرف “بالانقلاب على الشرعية في مصر”, ولِمَا بدا من الأسد بسوريَّا من مقاومته ثورتها؛ وما شاعَ من مجابهة القوى الإسلامية, التي أسهمت بفاعلية في ثورات الربيع العربيّ.
  3. والأمر المهم كذلك: أنَّ لعبةَ التغيير, وسهولة أدواته, التي جاء بها الربيع العربي, واليمني منه, قد فتح البابَ للتغيير, بمجرَّد خروج بضعة عشرات من المعتصمين للشوارع, دون إغلاق باب الانقلاب على الثورة خلفَها؛ فلم يكن ثمة ما يضمن تجييش “صالح” وأعوانه لبضعة عشرات من الآلاف مناصريه في الشوارع؛ وإعلان العصيان على حكومة الحوار الوطني؛ مثل ما حصل في الانقلاب في مصر, تحت عذر خروج آلاف من الناس الرافضين لنتائج الانتخابات, التي جاءت بمرسي رئيساً شرعياً للبلاد؛ فاتَّخذت قوى الانقلاب شرعيتها المصطنعة من “شعار التخويل”؛ بما شكَّل نوعاً من الديمقراطية ابتدعه انقلابيو مصر وقتها؛ فصار الاستبداد والانقلابُ –على ما قد بدا – مناصراً للديمقرطية المباشرة, وقد اندثرت.

المتغيّرُ الخامس: انتماءات المؤسسة العسكرية اليمنية, ودورها في الأزمة:

 يمكن تلمُّس أربعة أبعاد, لفاعلية المؤسسة العسكرية اليمنية:

  1. المسار الوطني الجمهوري: وفيه رُبطت عقيدةُ الجيش القتالية, بين الانتماء الوطني, والإنجاز الجمهوري الثوري؛ لتشكِّل سدَّاً منيعاً دون النكوص إلى حكم الأئمة.
  2. تأييد القيادة العسكرية, وتكريس وحدة القيادة وشخصنتها: وفيه ظهرت هيمنة علي عبد الله صالح, عبر المؤسسة العسكرية, من خلال تفرُّده بالقيادة العليا له, وبمساندة المقربين منه؛ ولاسيما أعضاء المؤتمر الشعبي العام؛ ممن كان ولاؤه للقيادة أبرز من ولائه لوطنه.
  3. دور الفرقة الخامسة في حماية المعتصمين, وضعفها في صدِّ الانقلاب على الثورة, وضعفها في صد الحوثيين: فقد كانت الفرقة الأولى بقيادة اللواء علي محسن الأحمر, هي القوة الضامنة لسلامة المعتصمين ضد صالح, وبالتالي الضامن لنجاح استمرار الاعتصام, وضمان نجاحها؛ إلاَّ أنَّ الفرقة الأولى قد عجزت عن حمايةِ الثورة, وفترة ما بعد إقرار تفعيل مبادئ الحوار الوطني؛ وأخفقت في إخماد نار الثورة المضادة؛ مثلما أخفقت في التصدِّي للحوثيين, بسبب ما كان من ضعف مخرجات الحوار الوطني, التي اعادت تشكيل وحدات الجيش, وأعادت انتشاره, ووزعت مهامه, بنقل واجبات الفرق والألوية, بحجج كرَّست إمكانية إقصاء الفرقة الأولى المدرعة, وتحجيم قدراتها عن صدِّ الحوثيين؛ وهو أمر يُحسَبُ مجدَّداً على قصور الرؤية الاستراتيجية للمنسوبين إلى التجمع اليمني للإصلاح, ممن هم عسكريون, وتسليمهم لعمليات تشتيت الجيش وإضغافه, تحت ذريعة تفويت الفرصة على “صالح” لإعادة نفوذه عسكرياً.
  4. أثر المؤسسة العسكرية في تجميد فاعليتها الوطنية, ونكثها في ولائها للجمهورية, بتسليم هيبتها للحوثيين: وكان يوم سلَّمت مقرات الفرق والألوية سلاحها وآلياتها للحوثيين, وباعت ولاءها للجمهورية وللوطن, لمصلحة صالح, الذي كان يتشدَّق بتكريسه الثورة, وحمايته الجمهورية, وبتحقيقه الوحدةَ؛ فنكص إلى أن تحالفَ ضدَّ ثورته, مع من ثارت عليهم-تلك الثورة- من الإمامية, وورثتهم”الحوثيين”.

المتغيّرُ السادس: دور الحوثيين/إيران في تعقيد المشكلة اليمنية, وتفاقم الصراع وتشعُّبِه:

   بغضِّ النظر عن “تفاصيل” نشأة جماعة “أنصار الله الحوثي”, وعن تطوُّرها, فأهم ما يمكن تسجيلُهُ بشأنها, في ظلِّ الصراع اليمنيّ, ما يأتي:

  1. لمْ تبتعد الحوثيَّةُ عن فصائلَ شيعيَّة, ترتبطُ بولائها العقديِّ, بولايةِ الفقيه, وبإقرار حاكميَّته؛ فمثلما كان حزبُ الله قد نشأ, على أعقاب دعوةٍ شيعيَّةٍ, تبنَّاها فضل الله, فقد نشأت الحوثيةُ على دعوة بدر الدين الحوثيّ, وقد عقدتْ ولاءَهَا للفقيه في إيران, وقد تلقَّى في “قمَّ” تعليمه الشرعيَّ, وحصلَ على إجازته منها, بكون الوليِّ الفقيه مجدِّداً للدعوة الشيعيَّة, وباعثاً لنهضتها.
  2. إنَّ نشأةَ الحوثيين, ترتبطُ بما كان من تطلُّع بعضِ الفرق الزيدية المتشدِّدة, لإعادَةِ الإماميَّةِ, وهو ما تفتقرُ إليه فصائل شيعيَّة مسلَّحة, كحزب الله, أو فصائل الحشد الشيعيّ في العراق؛ بمعنى أنَّ الحوثيَّةَ, لم تكن وليدةَ المدِّ الشيعيّ, بتأثير تصدير الثورة الإيرانية, بقدر ما كانت حركةً مذهبيَّةً زيديَّةً, تنامى فيها التفافها على مذهبها, فولَّدت جماعةً طائفيةً؛ غايتها إعادة ما كان من سلطان الزيدية, عهد الأئمةِ-السابق للثورة الإسلامية الإيرانيةِ-الذي أنهاه العهد الجمهوريّ في اليمن.
  3. إنَّ الحوثيَّةَ خاضَتْ ستَّ حروبٍ, ضدَّ الحكومةِ اليمينيَّةِ, بدءاً من العام 1994م, والتي أسهمتْ في حينِه في إحداث انقسامٍ, بين الجنوب والشمال, حولَ آليّات معالجة الأزمة ضدَّهم؛ خلَّفت آثاراً اجتماعيَّةً واضحةً, بنتْ حواجز نفسيَّةً أمام إعادة الاندماج بالمجتمع اليمني تحت حكومة الوحدة.
  4. ما تقدَّمَ دفع الحوثيين, إلى الإعداد للمواجهات, وقد تكرَّرتْ, فاندفعت نحو البحث عن دعمٍ خارجيٍّ, وقد حقَّقتهُ إيران, وهو أمرٌ عقَّدَ المشكلةَ اليمنيَّةَ من جهة, وأعطى لإيرانَ فرصةَ القصاص من موقف اليمن, إلى جانب العراق في حربه ضدَّ إيران في ثمانينيات القرن الماضي, بلوائين زيادةً على دعم العراق في تلك الحرب.
  5. وكان لتنامي الأطماع الإيرانية, في السيطرة على المنطقة, ونشر تشيُّعها, الداعم لتصدير ثورتها, وبالتالي ما توفِّره هذه العوامل, من دعم تطلُّعاتها “الاستراتيجية” في المنطقة, التي تجعل اليمنَ ورقة “مقايضة”, ومصدر مساومة لإيران, في مقابل ما يجري في الشام والعراق؛ أمام القوى العالمية, والممانعين لانتشار نفوذها من دول المنطقة, كالسعودية.
  6. تمكَّنَ الحوثيُّون من الحدِّ من المدِّ السلفيِّ, في مناطق نفوذهم, ما أجَّجَ الصراعَ الطائفيّ؛ وأثَّر في تجميع بعض فرق الزيديَّة المتشددة حولَهم, وميلاً من الفرق غير المتشدِّدة؛ ما أعطى لصراعاتهم سمةَ الدفاع عن المذهب, وبرَّر لها التحوُّلَ الطائفيَّ وصراعَها المسلَّح.

المتغيِّرُ السابع: العمليات العسكرية للتحالف العربي:     

ويمكن تسجيل أهم النقاط, التي كانَ من  شأنها تعقيدُ المشهدِ اليمنيِّ.

  1. تأخير حلِّ مشكلات اليمن, في إطار مبادرة الخليج, التي على أساسها تمَّ خلع الرئيس صالح؛ وقد ظنَّ الخليجيّون-في إطار تواضُعِ خبراتِهم في التعامل مع مشكلاتٍ خارجَ حدودهم بشكلٍ مباشرٍ- أنَّ المشكلةَ اليمنيَّةَ, كانت نهايتها بخلع الرئيس صالح, دون النظر إلى المشهدِ بصورةٍ كليَّةٍ, وبإهمال الأطراف, التي يمكن أن تنبعثَ قواها من جديد, ولا سيما التي كانت قد اشتبكت على حدود السعودية بقوَّاتها, أعني الحوثيين, وما يمكن أن يكونَ منهم, ومن تحالفاتهم إزاء ما أجراه الخليج وخطَّطَ له.
  2. أنَّهُ جاءَ تعويضاً عن قصور متابعةِ الجهود التي بذلتْ في إطار رعاية الخليجيين لقاءات الفرقاء اليمنيين وعقد حوارهم, وما أنتج عنها من “مخرجات الحوار الوطنيّ”؛ وما لم يكن التحسُّبُ له, من تنامي الدور المقابل لدور الخليجيين, وأعني به الدور الإيرانيّ, ولا سيما في سعيه لضبط توازنات القوى, في الساحة اليمنية, والسورية؛ بما يُسجَّلُ على فاعليَّةِ التحالف العربي, وبُناتِهِ من الخلل بين: ما يرصدُ له من تمويل ضخمٍ, إزاء تواضُعِ ما يخصَّصُ له من دراسات استراتيجية, تدير دفَّة الأمور فيها.
  3. الإحجام عن الدخول إلى الأراضي اليمينة, من القوات السعودية, وقوات التحالف البريَّةِ, وقتَ إضعافِ الانقلابيين, خشيةَ الوقوع في مستنقع اليمن, وقد عرفه التأريخُ مثلما عرفته الجغرافيا, منذ عهد الإسكندر المقدونيّ, والمحاولات الفاشلة لمن أعقبه في احتلال اليمن؛ ذلك الإحجام الذي فوَّتَ فرصةَ الانقضاض على الانقلابيين, وإعادة الحكومة الشرعية, برعاية التحالف ودعمه؛ وهو أمرٌ حالَ دونَ تحقيق غايات التحالف العربي, بإبعاد شبح الخطر الحوثي, باتِّباع الهجوم بدلَ الدفاع, والإخفاق في تحقيقه.
  4. الإحجام عن إعادة بناء البنية التحتية للمناطق المحرَّرة في اليمن, وجعلها أنموذجَاً يشحذُ هممَ اليمنيين في الداخل, لمقاومة التغلغل الحوثي في اليمن؛ ما أبعدَ ايَّ سمةٍ حضاريَّةٍ للدور الخليجيّ في اليمن, لينحصر دورها في المجال الاستراتيجيّ, والعمليات العسكرية؛ التي كانَ أبرزُ أهدافها حماية الحدود السعودية, ومنع قصف المدن الحدودية, من قِبَل القوات الحوثية.

خاتمة:

ما بين حرب التحالف الإقليمي ضد الحوثيين واستيلاء الحوثيين على السلطة بالقوة، تبقى أسباب للصراع في اليمن لم تدرس بالقدر الكافي، ويبقى اليمنيون بين مطالب ثورة لم تنجز وقوى سياسية تقليدية معظمها يستعين بالخارج على خصومه، ويقبل تسويات لا تؤدي لاستقرار ولا لتحول ديمقراطي سليم، لتهدأ الأوضاع ثم تنفجر من حين لآخر مهددة لأمن اليمن واستقراره كما لأمن المنطقة برمتها.

فالأزمة الحقيقية في اليمن تعود إلى غياب العدالة الانتقالية والتدليس عليها والالتفاف حول الثورة ومطالبها، والاكتفاء فقط بتغيير رأس النظام دون تتغير فعلي في النظام يحقق تطلعات الشعب اليمني الذي وصل إلى مرحلة من التوحد الحقيقي لم يصل لها من قبل، مما أكسب القوى المتأهبة للانقضاض على الثورة القدرة على تحقيق أهدافها، مع إهمال ذات القضايا القديمة وما تحمله من مظالم مثل أزمة الجنوب والحوثيون، مما أوجد لقوى إقليمية مساحة جيدة للتدخل في الشأن اليمني.

وعلى نحو آخر فمن الانقسام الطبقي والطائفي داخليا في اليمن يبدوا جليا أن الصراع الداخلي هو صراع سياسي بامتياز حتى لو تم تسويقه قوميا أو طائفيا، فالصراع في الداخل حول السلطة ما بين مكونات جغرافية وسياسية عابرة للطوائف والقبائل، فهو انعكاس لصراع اقليمي حول قيادة المنطقة في المراحل المقبلة بين دول تحاول الخروج من عزلتها عبر أذرع لها في دول مختلفة في المنطقة والمقصود هنا إيران، ودول ترى فرصة تاريخية لقيادة المنطقة بالاعتماد على إمكانيتها المادية في الأساس والمقصود هو دول الخليج وعلى رأسها السعودية29.

وفي هذا السياق يبدو إبراز الصراع باعتباره صراعا سنيا شيعيا لا يخلو من التوظيف الاقتصادي والسياسي له لصالح القوتين الإقليميتين اللتان تتنازعان على النفوذ على المنطقة إيران والسعودية، وهنا تضيع فرص اليمنيين في بناء نظام سياسي واقتصادي جديد لا يقوم على المساعدات والمنح والقروض الخارجية لصالح استمرار تبعيته وما يرتبط بها من مصالح في الداخل والخارج.

وهنا يبدو أن ثمة دورا وظيفيا لهذه الحرب في الالتفاف على مطالب الربيع العربي باعتباره جاء إلى المنطقة العربية بمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار كما جاء على لسان أمير الكويت في كلمته للدورة الـ26 لجامعة الدول العربية بشرم الشيخ، عند هذا الحد تقف مدركات القيادات السياسية العربية لتتعامل مع الربيع العربي باعتباره تهديدا بحد ذاته لاستقرار هش لم يكن على أحسن الأحوال لتخير شعوبها بين التغيير أو الحرب على الإرهاب، أو بين حكامها والفوضى كما سيناريو مبارك وعلي عبد الله صالح.

فلم تدرك القيادات السياسية العربية أن الحل في التغيير نحو الديمقراطية، وليس في تجميل الأنظمة، أو أدركت ذلك ولكن الخوض فيه يحمل مخاطر على الأنظمة القديمة التي يبدو أنها لا ترغب في أن تتنازل عن مكتسباتها لصالح الشعوب.

____________________________
1وسام بساندو، التطورات في اليمن.. حصاد نصف عام من المرحلة الانتقالية، منتدى البدائل العربي للدراسات، أغسطس 2012.
2 القصة الكاملة لهروب 23 متهما من القاعدة من سجنهم في اليمن، العربية نت، 11 فبراير 2006. http://goo.gl/riX2Qo
3عبدا لقوي حسان، الحركة الإسلامية في اليمن (دراسة في الفكر والممارسة): التجمع اليمني للإصلاح نموذجا، مركز دراسات الوحدة العربية، يوليو 2014.
4 د. ياسر علوي، تعليق على أحد المنشورات حول الطائفية تجاه الشيعة، على موقع فيسبوك، بتاريخ 28 مارس 2015، http://is.gd/FwBQN6
5 د. فواز طرابلسي، الحوثيون: مساهم جديد في الحرب الكونية ضد الإرهاب، على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، بتاريخ 26 أكتوبر 2014، http://is.gd/yRPNKd
6وسام بساندو، مرجع سابق.
7نص المبادرة الخليجية المعدلة لحل أزمة اليمن، الشرق الأوسط، 24 نوفمبر 2011. http://goo.gl/sR2ByH
8 Protests and Strikes Grow in Yemen as Deal on Ouster Advances, the New York Times, 27 April 2011. http://goo.gl/w8q8Fi
9الزنداني : الثورة اليمنية أجهضت بسبب التوافق والحوار الوطني لا يمثل الشعب، البلد، 31 مايو 2014. http://is.gd/qcTU8c
10خبراء: ثورة اليمن أصابها الجمود، الجزيرة نت، 19 فبراير 2012. http://is.gd/DEaFB6
11 Yemen’s GCC Initiative: Cosmetic or Comprehensive Change?, alakhbar English, 30 November 2011. http://is.gd/FZABf0
12مصطفى أحمد نعمان، الأقاليم الستة هل تنقذ اليمن من الانهيار؟، الشرق الأوسط، 16 فبراير 2014. http://aawsat.com/home/article/38531
13د. وحيد عبدالمجيد، اليمن «الجديد»… بين إيران و«القاعدة»، السياسة الدولية، 15 أبريل 2015 . http://is.gd/nHkt1Q
14الجيش اليمني.. بين انقسام الولاءات وسيطرة «الميليشيات»ـ مآرب برس، 28 فبراير 2015. http://is.gd/f2WR77
15سيطرة الحوثيين على القصر وحصار منزل هادي، سكاي نيوز عربية، 20 يناير 2015. http://is.gd/40Q9w4
16اليمن على حافة الفوضى بعد استقالة هادي، سكاي نيوز عربية، 22 يناير 2015. http://is.gd/IFuNTF
17 الرئاسة اليمنية تشير لقبولها بعض مطالب الحوثيين، عربي 21، 21 يناير 2015. http://goo.gl/kzAggK
18محمد خليفة، انقلاب الحوثي ومستقبل اليمن، يمن 24، 15 فبراير 2015. http://www.yemen-24.com/art457.html
19 Yemen’s Hadi tries to get back into the game, Almonitor, 23 March 2015. http://goo.gl/B8Vz4N
20Country Profile: Yemen, Library of Congress- Federal Research Division, August 2008. http://is.gd/84TRi4
21 Stacey Philbrick Yadav, Sheila Carapico, The Breakdown of the GCC Initiative, Middle East Research and Information Project, published in MER273. http://is.gd/cZn9Wc
22 تعزيز التعاون العلني بين الحوثيين وإيران.. المظاهر والأهداف والتداعيات، المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية، 16 مارس 2015. http://is.gd/FYWG09
23اتفاق في جنيف بشأن الملف الإيراني، سويس إنفو. http://is.gd/KgRvxd
24د. محمد السيد إدريس، تأثير التقارب الأمريكي-الإيراني على منطقة الخليج العربي، المركز العربي للبحوث والدراسات، ديسمبر 2013.
http://www.acrseg.org/2361
25د. علي الهيل، لماذا تدخلت السعودية ودول الخليج العربي في اليمن؟، رأي اليوم، 26 مارس 2015. http://www.raialyoum.com/?p=235881
26أنور الهواري، هذا التحالف السني ليس جديدا، المصري اليوم، 27 مارس 2015. http://is.gd/f72hWC
27 باكستان.. تفشي عمليات قتل الشيعة من قبل متطرفين، هيومن رايتس ووتش، 2 يوليو 2014. http://goo.gl/btS3U9
28 تضارب الأنباء حول توجه قاسم سليماني إلى اليمن، موقع قناة العربية، 27 مارس 2015، http://is.gd/WpT3xp
29 لمزيد من الاطلاع، قراءة مقال د. عمرو الشوبكي، مخاوف خليجية، المصري اليوم، 5 إبريل 2015. http://goo.gl/P4ixX5

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button