دراسات سياسية

تقرير حول المشاركة السياسية للمرأة العربية:المرأة المصرية نموذجا

حصلت المرآة المصرية على الحق في الترشح لانتخابات البرلمان عام 1956، إلا إن المشاركة السياسية للنساء أبعد من هذا التاريخ، لكونها تضم مجمل مساهمات النساء في المجال العام منذ تاريخ مصر الحديث، سواء النشاط الذي وجه لمقاومة الاستعمار أو الجهود النسائية في طرح مطالب وبرنامج للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك تشمل المشاركة السياسية للنساء أدوارها في الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابية، وأيضا كافة أشكال التنظيم السياسي والاجتماعي المرتبط بالمجال العام، كالحركة النسوية والنقابية، ومن هذا المنطلق لا تعد عملية خوض انتخابات البرلمان إلا شكلا من أشكال المشاركة السياسة التقليدية والرسمية داخل أطر النظام السياسي.

من الظلم أن نجمل المشاركة السياسية للنساء في مسألة وصولها للبرلمان فحسب، فقد خاض المصريات كفاحا ممتدا ضد الاحتلال الفرنسي والإنجليزي، فقاومت المصريات الحملة الفرنسية وتصدت نساء مدينة رشيد والإسكندرية لها محاولة منع تقدمها، وشارك المصريات في ثورة القاهرة الأولى والثانية وأيدت كذلك الثورة العرابية، وامتد تاريخ كفاح المصريات وبرز منذ ثورة 1919 فخرجت المسيرات النسائية تؤيد الثورة ولم تقتصر تحركات النساء حينها على المناطق الحضرية، كما تنوع الطيف النسائي المشارك في تلك المظاهرات.

لم تحظ مشاركة النساء السياسية داخل النشاط الحزبي بالاعتراف حتى تكونت اللجنة النسائية بحزب الوفد عقب ثورة 1919، وهى الثورة التي شهدت أول مظاهرة نسائية تجوب الشوارع، وتواجه السلطة، وترفع شعارات سياسية، حسب روايات تاريخية ناقشت لجنة الوفد العليا بمبادرة من على شعراوي خروج مظاهرات نسائية ضخمة لمواجهة الاحتلال، إلا هذا الاقتراح الذي نقله شعراوي من مجموعات نسائية في مقدمتهم “هدي شعراوي” وصديقتها صفية زغلول وأخريات، لم يلق استحسانا بل اعتبر قله حياء، وأنه سيقسم صفوف الحركة الوطنية في قضية فرعية، مع تقديرهم لأصحاب الفكرة والنزوع الوطني الذي دفع بالفكرة.

لكن خرجت المظاهرات وشهدت مصر أولى تجليات ظاهرة مشاركة النساء سياسيا بكثافة رغم القيود التي كانت تفرضها الأسر والعائلات على بناتهن ونسائهن.

أما المشاركة البرلمانية فقد اتسمت على مدار تاريخها بالضعف، وهامشية التأثير، بل وتأجيل حصول المصريات على الحق في الترشح والانتخاب رغم قدم التجربة البرلمانية،  و رغم مرور ما يزيد عن 150 عاما على تاريخ التجربة البرلمانية التي بدأت في أكتوبر 1866 إلا إن مشاركة النساء في البرلمان لم تبدأ إلا مع انتخابات عام، 1957 التي أجريت طبقا لدستور 1956 الذي كان الدستور الأول الذي منح النساء حق الترشح في الانتخابات النيابية.

محطات تاريخية لانتزاع الحق في المشاركة:

يمكن توضيح محطات المطالبة بالحق في المشاركة السياسية تصويتا وانتخابا وصولا إلى مشاركة النساء فعليا، من خلال ثلاث ثورات وأنظمة، مثلت فترات تاريخية وأحداث سياسية بارزة، أولى تلك الفترات اندلاع ثورة 1919 ووصول الوفد للحكومة، ثم بروز الحركة النسوية والتقدمية في الأربعينيات حتى نظام يوليو 1952، ثم ثورة يناير 2011.

ثورة 1919.. النساء من البرقع إلى قيادة التحرر:

شكلت ثورة 1919 نقطة هامة لبروز الحركة النسوية، التي ارتبطت مجملها بالحركة النسوية، ليس وحسب على مستوى الأفكار التحررية السياسية، بل على مستوي الشبكات الاجتماعية والطبقية لثورة 1919، والانتماء للخط السياسي لحزب الوفد، كانت أبرزهن هدي شعراوي وسيزا نبراوي، وصفية زغلول وارتبط أغلب النسويات في هذا الوقت بحركة حزب الوفد، بل بدوائر اجتماعية وعائلية قريبة من قادة الوفد، وعلى رأسهم سعد زغلول، وعلى شعراوي وغيرهم، وكانت أولى مطالب النساء سياسيا هي مشاركتهم في صياغة دستور الثورة( 1923) وانتقدوا استبعادهم من لجنة الثلاثين لجنة كتابة الدستور، وطالبن بإشراكهن فيها، إلا أن ذلك لم يتحقق، وطالبت حينها لجنة الوفد بحق النساء في المشاركة السياسية.

رفعت الحركة النسوية منذ بداية القرن العشرين 3 مطالب رئيسية تتمثل في الحق في المشاركة السياسية، المساواة في فرص العمل والأجر والتعليم والخدمات، تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع قواعد التطور ورفض التمييز ورفع التعسف، واستمرت تلك المطالب منذ تأسيس الاتحاد النسائي المصري عام 1923، ومازالت تلك المطالب الثلاث موضوعات رئيسية كأجندة للحركة النسوية  المصرية .

سبق إقرار حق النساء في الترشح للبرلمان، مطالبات نسائية عديدة، لم يكن القرار منحة من سلطة يوليو 1952، ولم يكن وحسب ضمن آليات السلطة لتوسيع القاعدة الانتخابية.

خلت ” لجنة الثلاثين” التي كتبت دستور 1923 من التمثيل النسائي، فأصدرت اللجنة النسائية لحزب الوفد بيان احتجاج على عدم تمثيل النساء في الدستور، كما قوبل إهمال حق النساء في الترشح للبرلمان استياء من النساء، خاصة بعد المشاركة السياسية الواسعة للمرأة المصرية في ثورة 1919.

حراك نسوي من أجل التغيير:

تراكمت جهود رائدات نسويات في المطالبة بحقوق النساء سياسيا، منذ بداية القرن العشرين، بدأت إرهاصات حركة نسوية مصرية، تأسس عام 1914 ” الاتحاد النسائي التهذيبي وضم بين صفوفه الأديبة مي زيادة والباحثة ملك حفني ناصف”، بينما تم تأسيس الاتحاد النسائي المصري 1924 بمبادرة من رائدات مصريات على رأسهن هدي شعراوي،  استمر الاتحاد نشط حتى منتصف الأربعينيات حيث تأثر برحيل عدد من مؤسسية، تم حل الاتحاد عام 1956.

لعب الاتحاد دورا في المطالبة بحقوق النساء سياسيا، بل نشط قطاعات من النساء وساعدهن في الانخراط في العمل العام، وتضامن مع القضية الفلسطينية، وربط تحرير النساء بتحرير الأوطان، وتوالت على مصر طوال خلال بداية القرن العشرين عدد من الرائدات النسويات،  كانت منيرة ثابت ودرية شفيق وأماني فريد ثلاث رائدات فبرزن في مجال الدفاع عن الحقوق السياسية للمرآة.

انتقدت منيرة ثابت إغفال دستور المصري الصادر في 1923 الحقوق السياسية للمرآة، بينما كانت أماني فريد، واحدة من أهم الرائدات التي كتبت عن الحقوق السياسية للمرأة المصرية، في عام 1947 أصدرت كتابا هاما بعنوان “المرآة المصرية والبرلمان”.

استمر كفاح المصريات من أجل الحق في المشاركة السياسية، حصلت المرآة بموجب دستور 1956 على حقها في الترشح والانتخاب، ارتبط القرار بما شهدته مصر خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من حركة نسائية تربط بين القضايا الوطنية والاجتماعية وحقوق النساء.

في عام 1951 قادت المناضلة النسوية البارزة درية شفيق مظاهرة تكونت من ألف وخمسمائة فتاة وسيدة، حاصرت المسيرة البرلمان، واقتحمته ما أجبر رئيس البرلمان حينها إلى الاستماع إلى مطالبهن المتعلقة بالمساواة في الحقوق السياسية والأجر، إلا أنه لم يحدث جديد، ولم يتحقق الوعد بالنظر في المقترح إلى ساحة التنفيذ، فتجددت المطالبات مرة أخرى بحقوق النساء سياسيا، واعتصمت بنقابة الصحفيين مجموعة من النساء بقيادة درية شفيق عام 1954، واعترضت المعتصمات على عدم تمثيل النساء في لجنة دستور 1956،  وعدم الاعتراف بحقوق النساء السياسية، وتزامن مع هذا الاعتصام اعتصام نسائي في مدينة الإسكندرية يرفع ذات المطلب.

“في فبراير 1957 أضربت درية شفيق عن الطعام،  واعتصمت بمقر السفارة الهندية اعتراضا على تصفية عبدالناصر للتنظيمات الأهلية، وطالبت باستقالته، إلا أنها أنهت الإضراب بعد 11 يوم تحت ضغوط النظام وعائلتها، وحددت إقامتها إلى إن ماتت في 20 سبتمبر عام 1975 حين سقطت من شرفة منزلها ”

يمكن القول إن الحق في التصويت والترشح بالانتخابات مطلبا أساسيا ضمن لائحة مطالب النساء في القرن العشرين التي ضمت بجانب المشاركة السياسية، الحق في العمل والمساواة في الأجر، وكذلك الحق في التعليم، بجانب تعديل قوانين الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالزواج والطلاق بل والخلع الذي طالبت به منيرة ثابت في وقت مبكر، ومن الملاحظ أن الحركة النسوية المصرية ارتبطت بالحركة السياسية عموما، فكلما نشط الحراك السياسي، نشطت الحركة النسوية، وكلما تراجع تبدأ الحركة النسوية في الخفوت، بغض النظر عن توظيف النساء مع أو ضد السلطة القائمة، فهناك نسوية ترتبط بالدولة، لكن هذه النسوية والنسويات من هذا النوع لا يستطعن أيضا أن يكونوا مواقف حقيقية إلا في حالة انفتاح المجال العام.

النساء في البرلمان.. مشاركة محدودة كما ونوعا:

تتصف المشاركة النسائية في البرلمان بعنصرين أساسين أنها محدودة كما وكيفيا، كما أن أغلب البرلمانيات تنتمي إلى صفوف السلطة إما بالانتماء السياسي المباشر عضوية “حزب السلطة” أو الانتماء العائلي لأحد رموز السلطة السياسية أو التنفيذية.

نوعيا يغلب على عضوات البرلمان انتمائهم إلى طبقات غنية، وأسر تحترف العمل السياسي ما يبرز إشكالية التوريث المرتبطة بالطبقة، وشبكة العلاقات الاجتماعية، والعائلية، كطريق للوصول إلى البرلمان، بينما لم تستطع أصوات نسائية تمثل أو تنتمي إلى كتل العمال أو الفلاحين أو تعبر عنهم الوصول للبرلمان.

كميا تعتبر أعداد عضوات البرلمان في الدورات الانتخابية من 1957 وحتى عام 2012، أعدادا محدودة، بالنسبة إلى عدد الرجال، ولم تشهد نسبتهن ارتفاعا عن 2%، إلا عبر تخصيص مقاعد للنساء ” الكوتا” في عصر الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، بينما حازت النساء على 87 مقعد في الانتخابات الأخيرة، (2015) نتاج استخدام الكوتا، وإلزام معد القوائم على ترشيح النساء ضمن كل قائمة، بالإضافة إلى تعين رئيس الجمهورية نصف المعينين من النساء.

طبقا لدستور 2014 الذي نصت المادة 11 فيه على أن يكون تمثيل النساء مناسبا، خصص قانون الانتخابات للنساء 56 مقعد ضمن القوائم المطلقة، تلك القوائم كونت بمعرفة وترتيبات دوائر وأجهزة الدولة، لتختار الدولة من يصل إلى مقاعد البرلمان، سواء كانوا رجالا أو نساء، وهنا لا يعد المقياس العددي هو الوحيد في التقييم،  ولكن بأي طريق وصل هذا العدد إلى البرلمان، وما توجهن فيما يخص قضايا المجتمع والنساء.

النساء والبرلمان في عهد عبد الناصر:

ضمت التجربة البرلمانية أثناء حكم عبد الناصر أربع برلمانات في الفترة من 1957- 1971، شاركت النساء في البرلمان لأول مرة في انتخابات برلمان 1957 ترشحت 8 سيدات،  نجحت سيدتين، رواية عطية عن دائرة الدقي، وهى بنت عائلة وفدية شاركت في المقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثي وحصلت على لقب يوزباشي بل مارست الدعاية الانتخابية وهى ترتدي الزي العسكري،  أما الثانية فهي رواية شكري عن دائرة شرق الإسكندرية وهى أحدى نسويات الخمسينيات اللاتي اعتصمن بالإسكندرية بالتزامن مع اعتصام درية شفيق المطالب بمساواة النساء بالرجال في الحقوق السياسية، بينما كان عدد النساء في باقي الدورات التالية أيضا متواضعا، لم يزد عن 8 نائبات بنسبة لم تتجاوز 2,4% من أجمالي المجالس الأربعة، وهى النسبة التي ظلت قائمة في باقي البرلمانات التالية التي لم تطبق في انتخاباتها نظام “الكوتا”، شملت برلمان عبد الناصر، شخصيات نسوية مؤيدة للنظام، مثل مفيدة عبد الرحمن المحامية التي سبق وأن ترافعت دفاعا عن درية شفيق بتهمة اقتحام مجلس النواب عام  1951 وشغلت عضوية البرلمان بالانتخاب مرة وبالتعين مرة أخرى، و نوال عامر  بنت أحد رجال عبد الناصر في هيئة التحرير التي استمرت عضوة  في  البرلمان حتى عام 1990   .

ويلاحظ عموما أن البرلمانيات في فترة عبد الناصر كان لهن نشاط سياسي ملحوظ سابق على دخولهن البرلمان، كما كان لهن صلات بالحركة النسوية، ولعل هذا ارتبط بالتوجهات التقدمية حينها وموقف النظام الإيجابي من حقوق النساء، وتوسيع القاعدة الانتخابية لزيادة تمثيل الفئات التي توجه لها الحكم ليكسب تأييدها، وما ارتبط بها من إصلاحات اجتماعية، إلا أن معظم البرلمانيات في تلك الفترة كانوا يتحركن في فلك السلطة، واستمرت بعضهن مرتبطات بالسلطة في الفترات البرلمانية التالية حتى مع غياب عبد الناصر، وتحول النظام في بعض توجهات.

برلمان السادات ومبارك..  الكوتا والتزوير يرفع التمثيل النسائي:

اتسمت المشاركة النسائية في البرلمان بالضعف في عهد السادات ومبارك خاصة على مستوى الأداء، ولم يشكل الوجود العددي إضافة كبيرة، ولعل ذلك يظهر أكثر في عصر مبارك الذي غيب السياسة عموما على معارضيه، والزم مؤيديه بالصمت التام وعدم أبداء أي مواقف مستقلة، وضم برلمان 1971 8 نائبات، بينما ضم برلمان 1976، 6 نائبات، ومع تطبيق الكوتا قفز عدد النائبات في برلمان 1979 إلى 35 نائبة، ومع تطبيق القائمة النسبية في انتخابات برلمان 1984 وصل عدد النساء إلى 37 نائبة ثم انخفض مرة أخري عدد النساء في برلمان 1990 بشكل ملحوظ ليصل إلى 7 نائبات.

ومع انتخابات 2010 التي شهدت تزويرا لم يسبق له مثيل عادت النساء للبرلمان بـ 64 مقعد عبر الكوتا، واحتفت بهذا العدد نسويات الدولة بوصف أن سلطة مبارك تنحاز إلى قضايا المرآة ، لكن سرعان ما تم حل هذا المجلس بعد ثورة يناير.

ويلاحظ في المشاركة النسائية في البرلمان في عصر السادات ومبارك ارتباطها بالسلطة، خاصة الدوائر البيروقراطية والأمنية، واستمرت النائبة نوال عامر في البرلمان حتى عام  1990وكذلك دخلت فايدة كامل زوجة وزير الداخلية النبوي إسماعيل البرلمان عام 1971 واستمرت حتى عام 2005 اى 34 عام لتدخل موسوعة جينس بسب وجودها في البرلمان لفترة غير مسبوقة .

مشاركة النساء في البرلمان.. مساحيق للتجميل وتوسيع قاعدة الزبائن :

شكل التعيين والكوتا عنصرين أساسيين في الوجود البرلماني للنساء، واستخدمت النساء كأداة لتجميل السلطة، وإبراز انحيازها للنساء في الوقت الذي تصاعدت فيه قوى المعارضة الإسلامية، بوصفها قوي محافظة لا تسمح للنساء بالمشاركة السياسية، بل تتبنى موقفا رجعيا تجاه مشاركة النساء في المجال العام عموما، ولعل أبرز محطة للمساومة باسم حقوق النساء سياسيا لكسب تأييدهن كانت انتخابات 2010 التي اعتبرتها دوائر نسوية وأخري مؤيدة لمبارك انتصارا للتمثيل النسائي في البرلمان لوصول عدد النائبات إلى 64 نائبة.

وكما كان تمثيل العمال والفلاحين شكليا في فترات تاريخية سابقة، فان كوتا النساء تتخذ نفس الوظيفة الشكلية، فلا هو تمثيلا حقيقيا ولا انتصارا للمساواة وقيم العدالة، ولا إيمانا بالتنوع، بقدر أنه تأميم لمقاعد يجلس عليها من اختيروا طبقا لقواعد الأكثر تبعية وطواعية.

انعكس هذا التوجه في التعيين وتزوير الانتخابات في تصعيد وجوه نسائية تتسم بقبول من السلطة، وساهم أيضا في تعطيل وصول أي وجوه نسائية معارضة، أو محتمل أن تؤدي دورا رقابيا وتشريعيا حقيقيا.

اختلف أداء النائبات في عصر مبارك عن الأجيال السابقة، كانوا أكثر قبولا للتطويع، وأكثر جنوحا لإرضاء السلطة بحكم أنهن وصلن إلى المجلس بمعاونة السلطة أو بالتعين، وكذلك لم تستطيع قوى المعارضة الإسلامية واليسارية من التواجد بعناصر نسائية لعدة أسباب منها ما ارتبط بالتزوير ومنها ما ارتبط بضعف توجه الأحزاب تجاه ترشيح نساء.

النساء في برلمان الثورة.. “الاحتجاب” شكلا وكما:

بعد الثورة انفتح المجال العام لمشاركة كل فئات المجتمع سياسيا، شاركت النساء في الثورة وفصولها المختلفة، ومن قبل الثورة شاركت بقوة في فصول الاحتجاجات السياسة والاجتماعية من أجل التغيير، ترشح عدد ضخم من النساء في أول انتخابات بعد الثورة، خاضت الانتخابات 984 سيدة لكن لم تنجح سوى 12 سيدة، ويرجع ذلك لعدة أسباب أبرزها النظام الانتخابي الذي لم يسمح بتمثيل فئات الشعب بشكل حقيقي، فرفضت السلطة تطبيق القائمة النسبية، وكذلك لعب الصراع السياسي المحتدم بين قوى الثورة التي انقسمت إلى إسلاميين وليبراليين ويساريين دورا في تحفيز التيارات السياسية في عدم المخاطرة بترشيح نساء ربما لا يستطيعون تحقيق الفوز في انتخابات البرلمان، وهذا قلل من اهتمام الأحزاب السياسية بدفع النساء للترشح، وانصاع الجميع لهذا الخيار تحت حجة أن ثقافة المجتمع لا تحبذ انتخاب النساء في البرلمان، أو أن الكوادر النسائية التي تخوض العمل السياسي الحزبي غير جاهزة لتلك المعركة، وبين عدم جهوزية المجتمع والأحزاب وخلل النظام الانتخابي همشت النساء من التمثيل اللائق بها في البرلمان بعد الثورة أضف إلى ذلك أن الكتل الرئيسية المتنافسة ( الإخوان المسلمين والسلفيين) لم تضع مسألة ترشيح النساء محل اهتمام أو اقتناع حقيقي،  بل إن السلفيين استبدلوا صور المرشحات بصور رمزية (ورود) في تصرف دال على الطابع المحافظ لهذا التيار الذي لا يري النساء إلا في صورة ” الاحتجاب” لا يمكن أن يقنع أحد بمشاركة النساء في المجال العام وهو يخفى صورة مرشحاته للبرلمان.

تهمش النساء في البرلمان من قوانين مجحفة إلى حسابات التكلفة والخسائر:

لا تشجع بنى المجتمع السياسة والثقافية مشاركة النساء في العمل السياسي الحزبي المنظم، وبالتالي يقل عدد الكوادر النسائية التي لديها استعداد لخوض الانتخابات، أو تلك التي تلقت تدريبات أو حظيت بتربية سياسة وخبرات بالعمل الجماهيري والتنظيمي.

كما تشكل النظم الانتخابية ذاتها خاصة النظام الفردي عائقا في تمثيل المجتمع بشكل حقيقي، سواء طبقيا كتمثيل العمالالفلاحين أو تمثيل النساء، وتعد النظم الانتخابية التي تتحكم فيها أجهزة الدولة البيروقراطية أداة هامة لصعود أو بروز التيارات السياسية وفئات المجتمع ومنها النساء، وبالتالي تقلص النظم الانتخابية من تواجد النساء، بحكم أن بنى السلطة التقليدية يتحكم فيها الرجال، ومواقع اتخاذ القرار يتحكم أيضا فيها الرجال، وبحكم أن ثقافة هؤلاء لا ترى في النساء نصف المجتمع أو شركاء بل ترى فيهم تابعين سياسيا كتبعيتهم في النظام الاجتماعي، الذي لم يغادر منطق القبيلة في بعض الأحيان، أو كبير العائلة، والولي، وسيدنا، وتشكل الثقافة بمفهومها الواسع بنى السياسة، كما أن السياسة تمثيل وانعكاس للبنى الاقتصادية والتي يسيطر عليها أيضا الرجال، ويمثلهم في السياسية أي يدافع عن مصالحهم رجال من نفس الطبقة، أذن يشكل البناء الاقتصادي تمثيلاته في البني السياسية، وبحكم محدودية مشاركة النساء وامتلاكهم الثروات الاقتصادية فإنهم لا يسعن لتمثيل أنفسهم سياسيا ولا يسمح لهن بمزاحمة من يمتلكون الثروات، وحين تختار السلطة بعضهن فإنها تمثل نفسها أي سلطة المتحكمين عبر من تختارهم.

كما إن فرض اشتراطات مالية تستبعد جزء أكبر من النساء العاملات والقيادات النقابية التي يمكنها خوض الانتخابات بما تملكه من وجود وتأييد من بعض الفئات التي تنتمي إليها لكنها لا تمتلك موارد مالية تفرضها طبيعة المعركة الانتخابية والنظام الفردي وتغول رأسمال في تمثيل مصالحة في البرلمان، وهذا ما يفسر صعود بعض القيادات النسائية في العمل النقابي وإخفاقها في الوصول إلى المجالس النيابية، وإذ كانت “مشكلات المرآة المصرية تختلف باختلاف طبقتها الاجتماعية وتزيد مشكلاتها كلما هبطت في السلم الاجتماعي” حسب وجهة نظر د.نوال السعداوي،  فإننا نستطيع القول أيضا إن تمثيل النساء الفقيرات برلمانيا شديد الصعوبة والتعقيد في ظل معادلة ثلاثية مكونة من نظام انتخابي لا يسمح بالتمثيل العادل،  وقوة اقتصادية تسعى للاستحواذ على المكون التشريعي، وبنى ثقافية سلطوية.

تشكل حسابات المكسب والخسارة التي تضعها التيارات السياسية عند اختيار مرشحيها عائقا لتواجد النساء في ساحة المنافسة، أولويات التيارات السياسية تتأثر وتنصاع أحيانا للقواعد التي تؤهلها للفوز بالمقاعد، وهى ورغم ما تعلنه من احترام وتقدير للنساء فأنها تتأثر بثقافة المجتمع التي مازالت بعيدة عن تأييد ترشيح النساء في البرلمان.

معوقات التمثيل البرلماني للنساء:

تمثل الثقافة بما تتضمنه من نمط الحياة السائد، وطرق المعيشة ونمط التفكير والعادات والتقاليد طريقا لرسم السياسة العليا للدولة حسب تعبير د. نوال السعداوي، أن حياة الناس اليومية والشخصية جدا هي التي تحدد السياسة العليا لأى بلد”

تترك الثقافة السياسية، والمجتمعية، وبنى السلطة الاقتصادية أثارها على ضعف تمثيل النساء في البرلمان،  كما يعد البرلمان نموذجا لتأميم مشاركة النساء لصالح السلطة القائمة، ومن جانب أخر فإن البرلمان تعبيرا اقتصاديا وثقافيا على واقع المهيمنة، الذي تمارسه بنى السلطة الاقتصادية والسياسية والثقافية، لذا فإن أغلب عضوات البرلمان منذ بداية حصول النساء على حق الترشح يمثلن توجهات النظم السياسية الحاكمة، أغلبهن يشتركن في سمات منها عضوية أحزاب السلطة أو احد مؤسساتها، تأييد النظام، والترويج له، والانطواء تحت لوائه والدفاع عنه.

ساهمت عقود السلطوية التي حكمت مصر في أن تصبح مشاركة النساء برلمانيا هامشية، ولا تستخدم إلا للتوظيف السياسي لقضية المرآة، أو للتجمل، أو تحسين مؤشرات النوع الاجتماعي، أو كسب قطاعا من النساء لصف السلطة، وخاصة فيما يعرفون بنسويات الدولة.

تمثل البنية التشريعية والقانونية أحد عوائق مشاركة النساء ووصولهن إلى البرلمان، وطالما السلطات والنظم الحاكم تضع قواعد الترشح والانتخاب، وقوانينها منفردة، ستتحكم في النتائج من حيث عدد البرلمانيات، ونوعهن، حتى لو كانت الانتخابات شفافة، دون تزوير في الصناديق،  ستستطيع كتل السلطة المالية التي تمول والكتل السياسة التي تكون القوائم في اختيار النائبات، ونوعيتهن، وتستطيع حسب الحاجة، زيادة عددهن أو تقليصه.

ولعل مجمل الأسباب السابقة توضح ضعف عدد النساء في البرلمانات وتراجع مستوى الأداء فليس القياس هنا مرتبط بالتواجد الكمي وحسب، فبرلمان 2014 به عدد كبير نسبيا من النساء لكن أداء هذه الكتلة النسائية يحتاج إلى إعادة نظر، هل بالفعل تمثل تلك الكتلة، وتعبر عن مطالب من يفترض أنهم يمثلوهن، وهل تنقل الكتل البرلمانية النسائية قضايا المرآة بشكل عادل، أم أنها مجرد تكتل لتجميل وجه السلطة، وأغلبهن يدينون بالولاء لمن كون القوائم وروج لها وصرف عليها.

كما ترتبط قضية وصول النساء إلى البرلمان إلى قضية التمثيل لفئات المجتمع ومكوناته، وهذا لا يتحقق إلا في مجتمعات ديمقراطية ذات بنية تشريعية قامت على التشاور والتفاوض، تسمح بالتمثيل وتنفى التمييز، الحق في المشاركة السياسة ليس وحسب يتاح في صندوق الانتخاب والاختيار الحر ولكن أيضا في حرية وإمكانية وصول المواطنين إلى صندوق الانتخاب وإمكانية التنافس في ظل تكافؤ الفرص.

المراجع:

–      بشير عبد الفتاح، المرآة في الحياة البرلمانية المعاصرة، الهيئة العامة للكتاب، 2016

–      نوال السعداوي، قضية المرآة المصرية السياسية والجنسية، دار الثقافة الجديدة، 1977

–      الحرملك – ديوان الأهرام، العدد السادس، أبريل 2011

–      عادل عامر، التمثيل البرلماني للأقباط والشباب والمرآة-

–      برلمان كل العبر، الأهرام، 16 أكتوبر 2015

بقلم عصام شعبان

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى