تقرير عن المؤتمر الدولي الثاني: التطرف السياسي والديني في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط والاتحاد الأوربي

تقرير عن: المؤتمر الدولي الثاني: التطرف السياسي والديني في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط والاتحاد الأوربي

Report about: Second International Conference: “Political and Religious Extremism in North Africa, the Middle East and the European Union”

مراکش (المغرب)، يومي 13 – 14 نيسان / أبريل 2018

د. المصطفى بن الحاج (المغرب)

نظم مركز الأبحاث الإستراتيجية حول الأمن والإرهاب” مع جامعة الحسن الأول سطات)، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية (سطات)، ومجلة حوارات بالشراكة مع المؤسسة الألمانية “كونراد أديتاور”، يومي 13 – 14 نيسان / أبريل 2018 بمدينة مراكش، المؤتمر الدولي الثاني حول موضوع: “التطرف السياسي والديني في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط والاتحاد الأوربي.

انطلقت أشغال المؤتمر بجلسة افتتاحية أشرف على رئاستها الدكتور عبد الجبار عراش” المدير المؤسس لمجلة حوارات للدراسات السياسية والاجتماعية، وقد استهلها بكلمة رحب من خلالها بكل القائمين على إنجاح هذه المبادرة، ثم تلته كلمة السيد مدير دار المنتخب الأستاذ حسن أميلات” الذي أكد بدوره على راهنية الموضوع، والمجهودات التي يبذلها العالم الغربي والعربي في ردع التطرف، والقضاء عليه، كما تقدم ممثل المؤسسة الألمانية كونراد أديناور”، بكلمة ترحيبية للحضور، وقام بالتعريف بالمؤسسة، والدور الذي تقوم به من خلال برامج مهنة للتصدي للظاهرة. وبدورها أعربت رئيسة مركز الأبحاث الإستراتيجية حول الأمن والإرهاب الدكتورة نصرین زردوك”، في مداخلتها على ضرورة الاهتمام بظاهرة التطرف، والوقوف عند أسبابها وأشكالها ونتائجها، كما أبرزت أن المؤتمر في نسخته الثانية بعد محفزا قويا للخروج بتوصيات ومقترحات من شأنها حماية الوطن والمجتمعات من التطرف بكل أنواعه، والتضييق على حملات التحريض الديني التكفيري والعنف.

وقد استهلت الجلسة الأولى بمداخلة الباحث بطور الدكتوراه في جامعة الحسن الأول بسطات: “أمين محظوظ” تحت عنوان التطرف، بين الديني والسياسي: محاولة لتأصيل المفاهيم، إذ حاول من خلالها التعريف بمفهوم التطرف كظاهرة اجتماعية كونية ترتبط بالظروف الثقافية والدينية والسياسية والسوسيواقتصادية التي تمر بها المجتمعات، والتي تؤثر سلبا على الاستقرار الأمني على المستويين الإقليمي والدولي، وعليه، فبالرغم من تعدد المقاربات المفاهيمية للتطرف، فإنها لم تسعف الباحثين والمهتمين بالشأن الأمني في وضع تعريف موحد، لصعوبة إيجاد معايير التصنيف الأفراد إلى متطرفين وغير متطرفين، وتعدد الأدوات المنهجية للحقول العلمية التي تقارب الظاهرة كعلم الاجتماع وعلم السياسة وعلم النفس وغيرها.

وقد حاول الباحث تعريف الطرف على أنه سلوك فردي أو جماعي يقوم على الرفض الجذري للنموذج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي القائم والمتفق عليه، كما أن هناك مفاهيم أخرى كالراديكالية التي من خلالها يتم بقاء أفكار وسلوكيات متطرفة، قد تتحول لاحقا إلى أفعال عنف وإجرام، وهو ما يولد التطرف العنيف الذي يعد مرحلة متقدمة من التطرف، الذي ينتقل فيه الشخص أو الجماعة من الطرف الفكري إلى التطرف السلوكي، كما هو الحال في التطرف الديني باعتباره من أخطر أنواع التطرف، لأنه يوظف الذين لخدمة أهداف خفية أخرى غير تلك المعلن عنها. كما أشار إلى أن من بين الأمور التي تعتبر عملية الضبط المفاهيمي للتطرف هو ارتباطه بأنواع أخرى كالتطرف السياسي والديني، وبالتالي فهناك ضرورة إلى تركيز المزيد من الجهود للإحاطة بهذا المفهوم.

تطرق الدكتور نائل جرجس” (أستاذ بجامعة السوربون بباريس وعضو منظمة القلم الدولية في مداخلته المعنونة ب قراءة في جذور التطرف والعنف الديني في المشرق” إلى تنامي التيارات التكفيرية للمسلمين وغير المسلمين، وهو ما يعني أن التطرف الديني ليس مرتبطا فقط بالدين الإسلامي؛ بل هناك جماعات متطرفة مسيحية ويهودية وغيرها من الديانات سواء السماوية وغير السماوية، ويرجع الباحث ظاهرة التطرف بالمنطقة إلى مسألة الانقسام الديني التي يقف وراءها إنكار الحقوق الأساسية الطائفة أو مجموعة معينة داخل المجتمع، وقد أرجع الباحث عوامل ومسببات هذا الانقسام  الديني إلى انعدام حرية المعتقد والأنظمة التعليمية والأحوال الشخصية والاستبداد السياسي، واستدل الباحث بتعاطي الدولة في مصر ولبنان مع حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، سواء بالتمييز أو التضييق، وما لذلك من أثر على الفرد داخل المجتمع، كما أكد على النور الشلبي للأنظمة التعليمية في التفريق بين الأطفال حسب الدين أو المعتقد، إضافة إلى ما يقوم به نظام الأحوال الشخصية في تكريس هذا التمييز بشكل كبير.

ومن أجل الحد من تأثيرات ظاهرة التطرف، خلص الباحث إلى ضرورة التمييز بين ما هو ديني وما هو تعليمي تربوي؛ وبذلك وجه الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان، وإعادة النظر في المناهج التربوية ودورها السلبي في تجذير واستنبات الطرف؛ وممارسة حرية المعتقد والذين.

وقد أبرز الدكتور يحيى علوي (أستاذ بكلية الحقوق وعضو المجلس العلمي المحلي الإقليم سطات) في مداخلته المعنونة ب “روافد الإرهاب، الغلو في الذين نموذجا” على أن الإرهاب والغلو لا وطن لهما ولا ملة، وأن التطرف الديني يقع خارج تعاليم الديانات السماوية، لكونه ظاهرة قديمة بدأت في الدين الإسلامي مع الخوارج، والمعتزلة، وحركة الباطن، وقد تساءل المتدخل عن الأسباب التي تجعل من الحركات الإسلامية تتجه إلى العنف في مواجهتها للأنظمة السياسية العربية، وعن ارتفاع العنف في الدول العربية أكثر من غيرها، | وقد حاول الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من خلال تصنيفه للحركات ذات خلفية إخوانية: إما | لكونها تميل إلى العمل من داخل النظام السياسي القائم، أو من نظام سياسي تبعي، ويضيف أن الغلو أو العنف مرده إلى أسلوب التدين وليس الذين في حد ذاته مستدلا بالآية | الكريمة: “اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولوا له قولا طيبا” صدق الله العظيم، وقد حدد الباحث مرجعيات الغلو في: التشبث بحرفية النص؛ والتملص من حقوق الأقليات؛ نظام ولاية الفقيه أو العصمة؛ غياب نصوص مؤطرة داخل المدارس؛ تداخل السياسي والديني؛ الجهاد – والتشبث بالعنف؛ وخيار المقاومة ضد الحداثة، | أما أسبابه فعزاها إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وظهور عدد من الحركات الجهادية، وتفشي العنف الأسري، إضافة إلى الدعم الغربي المطلق لإسرائيل. وبناءا على ذلك، يرى أن ظاهرة التطرف لها | امتدادات قديمة، وكذلك استراتيجيات وحركات لها ممارسات جديدة تحتاج إلى دراسة وتعمق، وخلص إلى أنه يجب العمل على: الابتعاد عن التدقيق اللغوي والذي يسقطنا في المحظورة للحسم في المواقف نحو الطرف الأخر؛ والحسم بين الإسلام والاسلاموية.

أما مداخلة الدكتور محمد یاقين” (أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالجديدة والمعنونة ب : الحركات الاحتجاجية بالمغرب “حركة المعطلين نموذجا” فقد تطرقت إلى مظاهر تجذير حركات الاحتجاج، لدي تنظیمات فئوية من حاملي شهادات الإجازة أو الماستر، حيث أشار إلى أن هذه الحركات استطاعت بلورة خطاب سياسوي جديد يقوم على التضامن الفئوي السائد داخل الجامعات، وتمكنت من بلورة قاموس خطابي حربي، مبرزا دور الربيع العربي في تبني هذه الحركات الأساليب جديدة للاحتجاج، كاقتحام المؤسسات العمومية ومقرات الأحزاب، ومحاصرة شخصيات بارزة داخل أجهزة الدولة، كما شكل حرق الذات أحد أبرز وأخطر هذه الأشكال الجديدة. وأشار الباحث أن التجذير يعني الإبداع في بلورة أشكال أخرى تعبيرية غير مسبوقة تسعى إلى إقامة أشكال احتجاجية جديدة، للتأثير في مواقف وصيرورة السياسات العمومية، ومن ثم التأثير على المسار الديمقراطي، وهو ما يستدعي من وجهة نظره، تحليل الظاهرة من خلال التحليل الأنثروبولوجي ومقارية تحليل الخطاب والتصدي لظاهرة الاحتجاج، من خلال اعتماد مقاربات دينية وسياسية وسوسيولوجية؛ والسياسية السوسيولوجية؛ وتسليط الضوء على الفعل والفاعل والتفاعل للخروج بحلول مرضية لكل الأطراف.

وفي مداخلة الدكتورة بدرة قعلول (أستاذة علم الاجتماع العسكري ورئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس) تحت عنوان: العنف الإيديولوجيا وتأثيره على السلم المجتمعي، أوضحت فيها دور الثورات العربية، وما أعقبها من تحولات خطيرة جعلت المقدس يتحول إلى مدنس، بفعل فوضى الفتاوي الدينية التي أفرزت عنفا ماديا وإيديولوجيا ممنهجا، أسهمت في انتشاره سذاجة فئات مجتمعية، جعلها وضعها فريسة سهلة لهذه الفتاوى ومن يقف خلفها. وقد بينت الباحثة أن ظاهرة العنف اللفظي والفكري التي أصبح المجتمع يعيشها حاليا، هي بمثابة تحرش مجتمعي خطير”، جاء لتغيير الهوية المجتمعية انطلاقا من الأسرة التي تعد النواة الأولى المجتمع، والتي بدأت بدورها تعرف تناميا متزايدا اللعنف داخلها، كما أشارت إلى خطورة العنف الإيديولوجي على السلم المجتمعي نظرا لتأثيره على الأفراد داخل المجتمع، ويظهر من خلال الحكم بعقول الشباب والتأثير عليهم ماديا ومعنويا، وهو ما يجعلنا في مواجهة مجموعة من الظواهر وهي: التطرف الديني؛ إضعاف العقل؛ رفض الأخري الانحراف، الانقضاض على الدولة ومفاصلها؛ وقد نبهت الباحثة إلى أن الخروج من هذا الوضع يقتضي إنتاج خطاب وإيديولوجية مضادة لخطاب التكفير وفوضي الفتاوى.

كما بسط الدكتور عبد الفتاح نعوم باحث في علم السياسة بكلية الحقوق بسلا في مداخلته تحت عنوان: قراءة نقدية في إشكالية فكرة التمييز بين الإسلام المتطرف والإسلام المعتدل” حيث أبرز أن إشكالية التطرف قائمة على مستوى التعريف الأقيق للمفهوم، مستعرضا أهم تعريفات الطرف عبر التاريخ، كما أشار إلى أن دراسات علم السياسة حول التطرف لم تبدأ إلا مع ماكس فيبر مرورا ب ريتشارد ميتشيل”، و”برنارد لويس”، والمفكر “دانييل بيبس” الذي صنف بين الإسلام السياسي الحركي والإسلام الديمقراطي، لكن هذه التفرقة لم تعط في نظره إضافة إيجابية بل كانت عکس الديني والسياسي وأثره في التحول الديمقراطي في الجزائر، بحيث يختلف حسب كل مجتمع وخصوصياته، وقد أشار إلى أن الجزائر قد عرفت هذه الظاهرة منذ الاستقلال سنة 1962، والتي تم تقسيمها إلى مرحلتين مهمتين هما: مرحلة الأحادية الحزبية منذ سنة 1962 إلى1989،كان هذا المنحى مفروضا نظرا لخروج الدولة من مرحلة الاستعمار وتأثيراته على الجزائر أنذاك. ومرحلة ما بعد 1989، وهي مرحلة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار البترول وما نتج عنها من انعكاسات سلبية في كل مناحي الحياة. وفي ظلها نتج الانتقال من الأحادية الحزبية إلى التعددية الحزبية، وتمت الاستجابة إلى ذلك من خلال دستور 1989، ثم تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تميزت بالحدة والتعصب في الرأي، وقد أدى ذلك إلى الطرف الذي أدخل الجزائر فترة عصيبة، وجاء خلالها دستور 1996 الذي منع تأسيس حزب ذو مرجعية دينية، ليشير بعد ذلك إلى ضرورة اهتمام مؤسسات الدولة بالحقل الديني من أجل ضبط الحياة الدينية، وبعد تقلد الرئيس بوتفليقة الحكم أقام المصالحة الوطنية.

أما الدكتورة نسرين زردوك” فقد عالجت (رئيسة مركز الأبحاث الإستراتيجية حول الأمن والإرهاب موضوع التأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الفكر المتطرف ذلك.

في الجلسة المتعلقة بتأثيرات التطرف الديني والسياسي على ديناميات الدولة والمجتمع والتي كانت من تسيير الدكتور يحي علوي” وقد استهلت بمداخلة الدكتور عادل رزيق” أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة بسكرة – الجزائر – مخبر الحقوق والحريات في الأنظمة المقارنة) الذي تطرق إلى الطرف لدى الشباب”، إذ أشارت إلى إشكالية وسائل المواقع التواصل الاجتماعي ومدى اسهامها في نشر ظاهرة التطرف وطرق استقطاب الشباب إلى ممارسة العنف وتكريس الفكر الجهادي، ثم أعطت تعريفا للتطرف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما يميزه من سهولة وسلاسة في توصيل الفكر الجهادي عبر عديد الطرق، وهي: تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على أمن الدولة مما جعل الدولة تتخذ مجموعة من الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، وتأثيرات المواقع الإلكترونية على أمن المجتمع، واستغلال الضعف الفكري لبعض فئات المجتمع ونشر الفكر الجهادي، وجذب متخصصين في المجال المعلوماتي من طرف المنظمات الإرهابية من أجل الوصول إلى نشر هذا الفكر بأنجع الطرق الممكنة، وجلب الشباب ممن يتقنون اللغات من أجل تسهيل التواصل مع كافة الفئات سواء حسب الفئات المجتمعية أو حسب لغات الشعوب، وقد اختتمت الباحثة ورقتها البحثية بدور وسائل التواصل الاجتماعي ومساهمتها في نشر ظاهر التطرف بين فئات الشباب رغم بعض الايجابيات التي تتوفر عليها هذه المواقع.

وقد أكدت الإعلامية الدكتورة نجاة رزق من خلال مداخلتها الإعلام شريك فاعل المحاربة التطرف الديني والسياسي على أن: الإعلام العمومي التلفزيوني مازالت تسيطر عليه الحكومات مع تفاوت في سقف الحرية؛ فالإعلام يتطرق إلى الفاعل والمفعول به مع غياب التطرق إلى الأسباب الحقيقية. وأكدت على دور الأفلام الوثائقية في مواجهة التطرف لتجسيدها للواقع الحقيقي في تبني أفكار متطرفة؛ ولابد من ضبط المصطلحات التي توظف في الإعلام؛ لأنها عبارة عن إبر تغني الرأي العمومي، لهذا يجب تدقيق المصطلحات المستعملة في الجهاز الإعلامي. وأشارت الباحثة كذلك إلى دور الرقابة على الإعلام في توجيه الخطاب الطرفي. كما تناولت إشكالية صناعة محتوى أو مضمون التواصل الاجتماعي لأنه نوع من الإعلام الإلكتروني ودوره في التثقيف والترفيه والتعليم عبر الفيديوهات وصناعة المحتوى، ودور الفيديو في سرعة التعليم، وأن عديد الدول العربية أصبحت تستعمل الدروس التعليمية عبر الفيديوهات، مع الإشارة إلى أن المحتوى ينبغي أن يكون مسؤولا وهادفا لمواجهة التطرف الديني.

ثم أنطلق الدكتور عبد الفتاح البلعمشي (أستاذ بكلية الحقوق ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية بجامعة القاضي عياض بمراكش) في مداخلته المعنونة ب طبيعة تدابير مواجهة التطرف السياسي والديني حدودها ونجاعتها في مكافحة الظاهرة إلى أن التطرف لا يمكن أن يكون مرتبطا بالحركات الإسلامية؛ بل قد يكون من طرف الدول والمؤسسات، وأشخاص يمارسون الطرف نظرا التعدد مداخله، وغياب تعريف محدد للطرف وأنواعه وأشكاله، كون التطرف يتخذ عدة أشكال عبر التاريخ. كما أن أسباب التطرف تعددت مصادرها أهمها: الإحباط والتهميش الذي يصنع بيئة العنف والتطرف، ثم غياب الديمقراطية. وفي هذا الصدد، أشار المتدخل إلى دور النظام الدولي في نشر الفكر التطرفي مع تنوع مساهمة عدة جهات سياسية، ودينية، واقتصادية والمصالح في نشر ظاهرة التطرف، وأشار إلى مسألة المتاجرة بالبشر في ليبيا، ودور المجتمع الدولي في مواجهة هذا النوع من التطرف الذي تعرفه هذه الدولة، ثم غياب المنظمات غير الحكومية في التصدي لذلك، مع وجود فراغ قانوني وتشريعي، وعدم توافق الأول والنخب على مفهوم محدد للتطرف.

أما اللواء الركن د. علي بن هلهول الرويلي (مدير البرامج الخاصة في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وعضو هيئة التدريس في كلية العلوم الإستراتيجية بالمملكة السعودية)، قدم مداخلة بعنوان: “نحو استراتيجية دولية لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب – التجربة السعودية نموذجا”. وقد أكد على أن الإرهاب هو صنيعة التطرف في كل المجالات السياسية والاقتصادية. وأشار إلى تعدد أشكال التطرف وهي: الغلو، التشدد والعنف، ثم نگر بتعريف الأمم المتحدة لمفهوم التطرف. وأظهر تمركز أخطر المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط وأفريقيا وفي أوربا وأمريكا الشمالية، التي نشات منذ الحرب العالمية الثانية وتطورت إلى أشكال عديدة.

وانطلقت الجلسة الأخيرة تحت رئاسة الدكتورة : “بدرة قعلول (رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس)، حيث افتتحت بمداخلة (باللغة الفرنسية) للأستاذ “عبد الصادق بوناكي (مدير مرصد الأبحاث والدراسات الإستراتيجية الدولية) بعنوان: “السلطة الناعمة: الإستراتيجية المغربية لمكافحة التطرف السياسي والديني”، أبرز فيها ما اتخذته الدولة بالمغرب من تدابير وقائية وعلاجية مست المناحي السوسيو اقتصادية، وتدبير الشأن الديني المرتكز على المذهب المالكي الأشعري والمكرس للتسامح والسلم.

أما الدكتور إدريس لكريني” (أستاذ بكلية الحقوق ومدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بجامعة القاضي عياض بمراكش)، فقد أشار في مداخلته المعنونة ب الممارسة الديمقراطية وإشكالات التطرف” إلى أن التصاعد الخطير في عدد العمليات الإرهابية التي تعرفها المنطقة خاصة في السنوات الأخيرة، يطرح مجموعة من الإشكالات التي اختارها كمنطلق لمداخلته، كعلاقة السياسي بالديني، وعلاقة المواطنة بالتحولات الاجتماعية، ودور التنشئة الاجتماعية في ذلك، حيث أبرز الخطر الذي يشكله الإرهاب على الممارسة الديمقراطية؛ باستعمال مجموعة من الأدوات من أجل إثارة الرعب والرهبة في الأشخاص والمنشئات. وأعد المتدخل أخطر أنواع التطرف في المغالاة والميل إلى الرأي الواحد والإقصاء، وتوظيف الدين والسياسة لبسط الهيمنة وضبط قواعد اللعبة السياسية، وبالتالي الاعتداء على الحقوق الفردية والجماعية، والترويع والإقصاء، بالإضافة إلى مصادرة الحق في العيش في بيئة سليمة، وهو ما يؤدي إلى إلغاء العقل وعدم القدرة على الدفاع والمواجهة، كما أشار إلى أن الإرهاب والتطرف أسلوبان خطيران يتغذيان على مجموعة من العوامل أجملها في: اختلال التنشئة الاجتماعية والتربية الدينية، وعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، فيما تتأسس الديمقراطية على التعددية الحزبية والانتخابات الحرة وتدبير الاختلاف والتنوع داخل المجتمع، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان، ليخلص الباحث في نهاية مداخلته إلى أن التطرف والإرهاب هما نقیضان للممارسة الديمقراطية.

وجاءت مداخلة الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي – أبو حفص – (رئيس مؤسسة الميزان لوقف الإرهاب والتطرف) متمحورة حول موضوع: أنسنة المعرفة الدينية ودور ذلك في محاربة التطرف”، حيت أشار في بدايتها إلى سعي مجموعة من الباحثين إلى دمج العلوم الإنسانية ضمن أدوات الفقيه، ليستفيد من ترسانتها المعرفية وأدواتها المنهجية، حتى يتسنى الله إنتاج فقه حديث يعالج المشاكل الراهنة بحلول تستجيب للتحولات الراهنة. وقد أبرز من خلال مراحل التاريخ الإسلامي محاولات الفقهاء الاستعانة بأدوات معرفية لتدعيم العلوم الإسلامية، وتجاوزتها إلى علوم اللغة وقواعد القياس العقلية، وبعض المفاهيم المنتمية للحقل الإنساني كمفهومي المصلحة وعلم الاقتصاد وغيرها. كما نبه إلى أن العقل المعاصر لم يعد يقبل هذا الانقطاع الطويل في ممارسة الاجتهاد، | بل دعا إلى الاستفادة من العلوم الإنسانية، فالمتقمون وظفوها لفهم الذين وتأويله كونها | تمثل الطريق الأنسب للقطع مع الاستغلال الإيديولوجي للدين، مستدلا في ذلك بنجاح مجموعة من التجارب التي عرفتها أوروبا والتي هفت بالأساس إلى أنسنة الدين، التي رأى أنها ستكسب الدولة والمجتمع القدرة على تحديد القيم المناسبة لمواجهة التحديات المعاصرة، وتحديد كيفية مساهمة إستراتيجية الاتحاد الأوروبي المكافحة التطرف والإرهاب في صد التهديدات العنيفة والإرهابية لليمين المتطرف، من خلال ثلاث محاور تطرقا فيها إلى دلالات وأسباب صعود اليمين المتطرف الأوروبي، وفي المحور الثاني تناولا العلاقة بين أحزاب اليمين المتطرف والتطرف العنيف، فيما حاولا تسليط الضوء في المحور الثالث على كيفية تعاطي الاتحاد الأوروبي مع الإفرازات العنيفة لليمين المتطرف، لاسيما أنه أضحى يشكل خطرا كبيرا ليس على الجماعات والأفراد والسلم الاجتماعي فحسب، بل أصبح يهدد تماسك الاتحاد، ويسعى إلى القيم ذات الأولوية لدرء الأخطار وجلب المصالح.

وفي مداخلة الدكتور مصطفى الكحلي المعنونة ب: الشباب والتطرف وأدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية، أوضح فيها استهداف فئة الشباب من قبل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والتي تلقى قابلية أفكارهم دون تحليل أو تمحيص دقيقين، بالإضافة إلى عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية، حيث دعا إلى ضرورة تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وما لها من دور مهم في صناعة العقول والأفكار والتوجهات خاصة لدى فئة الشباب دون سنة 15، مؤكدا على الدور الأساس الذي تؤديه الأسرة في تنشئة والمراقبة.

وفي ختام الجلسة تطرق (الباحثان بطور الدكتوراه / علوم سياسية) “محمد المصطفى بن الحاج اوعتيق السعيد في مداخلة موسومة ب “مستقبل إستراتيجية الإتحاد الأوروبي المواجهة التطرف والإرهاب في ضوء تنامي اليمين المتطرف”، إلى ظاهرة صعود أحزاب اليمين المتطرف أو الراديكالي الشعبوي، أو ذات الميولات الفاشية التي تعرفها مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي، حيث حاولا رصد العلاقة بين هذه الأحزاب والتطرف العنيف الذي تزايدت وتيرته خلال السنوات الأخيرة، والتساؤل عن التطرف العنيف لا زالت قاصرة عن إيجاد مكيانزمات وحلول لوقف تنامي هذا التهديد.

و اختتم المؤتمر بتقديم مجموعة من التوصيات التي يمكن إيجازها في إيجاد حلول علمية معتمدة على تعددية وتداخل المقاربات في تعريف الظاهرة؛ وإعادة النظر في المناهج التربوية ودورها السلبي في تجذير واستنبات التطرف، وضمان حق ممارسة حرية المعتقد والدين، والحفاظ على القيم الإنسانية مع ضرورة العمل على إيجاد أرضية تنويرية حداثية. كما أوصى المؤتمر كذلك بالعمل على محاربة الخطاب المضاد للإيديولوجية والاستقطاب التطرفي؛ والترويج للفكر الوسطي المعتدل؛ وتخطيط برامج توعوية للمواطنين بخطورة التنظيمات المتطرفة وتأثيراتها السلبية على حياة المجتمع، للحد من انتشار الممارسات الإرهابية التي تستهدف المؤسسات الحيوية للوطن، مما يؤثر على مصداقية أجهزة الدولة في حماية رعاياها، وتشديد الرقابة على التحويلات المالية التي تتم عبر الانترنت وتتبعها

وشملت التوصيات تفعيل آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة الجرائم المعلوماتية | وتقوية الجهاز الأمني الالكتروني؛ وبلورة مشروع مرصد مغاربي لمكافحة التطرف يسعى إلى محاصرة دوافعه ومحركاته عبر مقارية مشتركة تأخذ بعين الاعتبار مقترحات وتوصيات كل من الشباب، والمجتمع المدني، ومتخصصين في الدين، وأكاديميين، وممثلي الحكومة وكل الفاعلين، إضافة إلى تكريس الممارسة الديمقراطية وتقوية المؤسسات وتعزيز الحقوق والحريات وتدبير الاختلاف والحوار البناء ، وترسيخ قيم المواطنة وتفعيل العدالة الانتقالية. واختتمت التوصيات بالدعوة إلى إقرار مشروع میثاق منع ومكافحة التطرف، وتكريس الأمن المجتمعي والإنساني، وصياغة مقترحات وتوصيات السياسات العامة في هذا المشروع بشكل اشتراكي تضم كل الفاعلين في المجال، من أجل إدارة التطرف، وتوفير برامج ملائمة لبتر هذه الظاهرة.

 

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button