تقليص الإمارات لقواتها في اليمن : صناعة للسلام أم توليد للصراعات

أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة (8 يوليو/تموز 2019) تقليص عدد قواتها العسكرية المنتشرة في اليمن وإعادة تموضعها في بعض المناطق. يأتي القرار في الوقت الذي زادت فيه وتيرة هجمات مليشيا جماعة الحوثي (أنصار الله) على المناطق والمنشآت السعودية، وتصاعد التوتر في مياه الخليج. وعلى الرغم من ادعاء أبوظبي التنسيق مع الرياض، فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز (12 يوليو/تموز 2019) بعد أيام من ذلك عن محاولة الرياض ثني أبوظبي عن قرارها.

من جهتها لم تبدِ الحكومة اليمنية والقوى السياسية اليمنية اهتماماً بالقرار الإماراتي؛ نظراً للإشكاليات التي أحدثها الدور السياسي والعسكري للإمارات، خصوصاً في السنتين الأخيرتين، المتمثلة بمنع عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور إلى العاصمة المؤقتة عدن، ودعمها فصائل مسلحة خارجة عن سلطة الحكومة اليمنية.

وسبق للإمارات أن أعلنت، في يونيو/حزيران 2016، انتهاء عملياتها العسكرية في اليمن، لكنها بعد ذلك عاودت شن هجوم على الساحل الغربي لليمن (محافظة الحديدة)، مدعومة بالفصائل المسلحة التي عملت على تجميعها وتسليحها.

يبحث تقدير الموقف في دوافع تقليص الإمارات عدد قواتها في اليمن، وتداعيات الاستراتيجية التي تتبناها على الدور السعودي، وهل ستؤدي إلى تعزيز فرص السلام أم توليد المزيد من الصراعات في اليمن.

طبيعة الوجود العسكري الإماراتي في اليمن
تدخلت دولة الإمارات عسكرياً في اليمن في 26 مارس/آذار 2015، ضمن عمليات عاصفة الحزم التي شنها التحالف العربي الذي أنشأته السعودية استجابة لدعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي؛ بهدف دعم حكومته لإفشال الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة والمناطق التي أسقطها مسلحو جماعة الحوثي بالتعاون مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح في محاولة منه لاستعادة سلطته التي فقدها من جراء ثورة 2011.

وبعد قرار تدخل دول التحالف العربي توزعت إدارة عمليات المناطق العسكرية في اليمن تحت قيادتي كل من السعودية والإمارات، وحضور رمزي للسودان، حيث تولت السعودية قيادة عمليات المناطق اليمنية المحادة لحدودها الجنوبية، التي تغطي محافظات (حجة وصعدة والجوف) إضافة إلى محافظة مأرب وجبهة نهم في محافظة صنعاء، في حين تركز وجود الإمارات العسكري في المحافظات الجنوبية (عدن “العاصمة المؤقتة”، وشبوة، وساحل حضرموت، وجبهة صرواح في مأرب، ولاحقاً ميناء المخا ومنطقة الخوخة على البحر الأحمر). ومنذ بداية التدخل العسكري فقد أعادت الإمارات تموضع قواتها العسكرية لحساب القوات السعودية، وفقاً لحساباتها الخاصة، أحياناً، وتحت الضغوط الشعبية المستاءة من الدور الإماراتي، أحياناً أخرى، كما حدث في محافظة أرخبيل سقطرى.

ولا يعرف على وجه التحديد عدد القوات الإماراتية الموجودة في اليمن. وتعتمد الإمارات في إدارة الصراع- إضافة إلى القوات السودانية، ومرتزقة الشركات الأجنبية الخاصة التي كشفت تقارير عن أن عددها يصل إلى 90 ألفاً- على قوات: (الحزام الأمني) التي يديرها المجلس الانتقالي، و(قوات النخبة) التي تنسب إلى أسماء مناطقها (الحضرمية والشبوانية)، وقوات (العمالقة) ذات الخلفية السلفية، وقوات حراس الجمهورية التي يقودها طارق صالح في الساحل الغربي، وكذلك كتائب أبو العباس في ريف محافظة تعز، وتنتشر العمالقة وحراس الجمهورية والمقاومة التهامية في الساحل الغربي، وتسمى القوات المشتركة.

وقال مسؤول إماراتي كبير لرويترز (28 يونيو/حزيران 2019) إن الإمارات ما زالت ملتزمة تماماً بالتحالف العسكري، و”لن تترك فراغاً” في اليمن. في حين أشار دبلوماسي غربي إلى أن الإمارات سحبت “الكثير” من القوات من اليمن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.

ووفقاً لمصادر محلية فإن الوحدات الإماراتية قد غادرت محافظة مأرب كلياً، ولم يتبقَّ منها في الساحل الغربي إلا بضعة ضباط وآليات محدودة، لكن الإمارات ما زالت تحرص على وجودها العسكري في العاصمة المؤقتة عدن، والتحكم فيها، رغم تقليل عدد قواتها.

وقد عملت الإمارات في الفترة الأخيرة على إنشاء معسكرات جديدة لمجموعات مسلحة، وتوزيعها في مناطق مختلفة؛ لتضمن التحكم في المناطق الحساسة، وخاصة التي فيها مصادر الطاقة، كعدن وشبوة.

دوافع تقليص الإمارات لقواتها في اليمن
أثار تقليص الإمارات لقواتها في اليمن تساؤلات حول أهدافها السياسية والعسكرية، وإمكانية تمكنها من توسيع خياراتها السياسية وهامش المناورة في الملف اليمني، على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وقد سبق للإمارات أن أعلنت (شهر يونيو/حزيران 2016)، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في مؤتمر صحافي في أبوظبي، انتهاء عملياتها الحربية في اليمن، حيث قال: “موقفنا اليوم واضح؛ فالحرب عملياً انتهت لجنودنا ونرصد الترتيبات السياسية، ودورنا الأساسي حالياً تمكين اليمنيين في المناطق المحررة”. وسرعان ما نقل حينها ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، هذه التصريحات على حسابه الرسمي في تويتر، مورداً أهداف عاصفة الحزم: “أنور قرقاش: ثلاثة أهداف واضحة لعاصفة الحزم هي العودة إلى المسار السياسي وعودة الشرعية والرد على التدخل الإيراني”.

وباستعراض ما تحقق من تلك الأهداف؛ ما زال المسار السياسي شبه متوقف، ولم يستطع حتى اللحظة الرئيس اليمني عبد ربه منصور (الرئيس الشرعي) العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في حين كان يفترض- وفق أهداف عاصفة الحزم- أن يعود هو وحكومته إلى العاصمة صنعاء بعيد تحريرها من الحوثيين عام 2015.

وفيما يتعلق بالرد على التدخل الإيراني، فقد أُضعِف وجوده في المحافظات الجنوبية من خلال العمليات العسكرية واستقطاب بعض الشخصيات المحسوبة عليه، في المقابل فقد تعززت قبضة جماعة الحوثي- حليفة إيران- في مناطق سيطرتها.

ويمكن تحديد دوافع الإمارات في تقليص قواتها وإعادة تموضعها في اليمن في التالي:
– تحسين صورة الإمارات أمام المجتمع الدولي، إذ تضررت صورتها خلال السنوات الأخيرة، نتيجة تدخلها العسكري في اليمن، وما رافقه من انتهاكات لحقوق الإنسان، لذلك يعد تحسين صورة الإمارات، وبيان حرصها على السلام، في الساحة الدولية، من الأهداف الرئيسية لها، وقد بدا ذلك الحرص في تصريحات مسؤوليها لوكالات الصحافة، حيث نقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول إماراتي قوله: “الإمارات تنتقل من استراتيجية عسكرية إلى خطة تقوم على السلام”. ونسب مسؤول لرويترز قرار الانسحاب إلى الرغبة في دعم وقف إطلاق النار الهش الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في الحديدة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

– إخراج الحوثيين من المحافظات الجنوبية، حيث ترى الإمارات فيه تحقق هدف رئيسي للتحالف، ومن ثم يمكن أن يقتصر تفاهمها مع جماعة الحوثي على المحافظات الشمالية.

– تقليل الخسائر البشرية والمادية وحتى المعنوية، والاعتماد في إدارة الصراع على المجموعات المسلحة التي أنشأتها ودربتها، وتلتقي مصالحها معها، والتي عملت على إقصاء تيارات الإسلام السياسي، وفي طليعتها حزب التجمع اليمني للإصلاح، فقد قال مسؤول إماراتي إن قواتهم دربت 90 ألف جندي يمني.

– التنصل من المسؤولية في حالة أقدمت المكونات الجنوبية (الانفصالية) التي تدعمها على إجراءات تهدد وجود الحكومة اليمنية في العاصمة المؤقتة عدن.

– تصاعد وتيرة التهديدات العسكرية في منطقة الخليج العربي، وتعرض مصالح الإمارات للضرر، ومحاولة واشنطن ولندن تشكيل تحالف عالمي لحماية خطوط شحن النفط الحيوية في مضيق هرمز، وقد قام وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بزيارة إلى السعودية والإمارات، وخلال لقائه مع ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حثه بومبيو على تعزيز الأمن البحري، وقال: “سنحتاج منكم جميعاً المشاركة بقواتكم العسكرية”.

ما الذي سيتركه تقليص الإمارات لقواتها؟
من المحتمل أن تمارس الإمارات دوراً غير منسجم مع الموقف السعودي الذي بات يعاني من مخاطر الصراع في اليمن، وأن تتجه الإمارات إلى التنسيق مع جماعة الحوثي، وهو ما يجعل الرياض تحت رحمة حلفاء أبوظبي، سواء في الشمال أو الجنوب، وخاصة في حال القضاء على السلطة الشرعية أو إضعافها أو على الأقل زيادة حالة عدم اليقين بين الرياض والسلطة الشرعية، حيث ستتضاعف مسؤوليات السعودية العسكرية والسياسية والأخلاقية، وبقدر ما تخلي الإمارات من وجودها في بعض المناطق في اليمن، سيتعين على السعودية تبني سياسات وإجراءات مع الحكومة اليمنية والأطراف السياسية والعسكرية لملء ما قد يترتب على ذلك من أجندة تخدم المليشيا التي تنازع الحكومة سيطرتها أو الفراغات التي قد تملأها جماعات العنف.

كما أن الضغوط الدولية ستتركز على السعودية، بتحميلها مسؤولية استمرار الحرب وتداعياتها الإنسانية، فمن خلال التغطية الإعلامية وما رافقتها من تحليلات سياسية، تبدو الإمارات وقد حققت جزءاً مما خططت له، في إظهارها راغبة بالحد من الصراع وتحقيق السلام.

وقد كشف اختلاف التعامل مع التهديد الإيراني عن وجود تباينات بين السياسة الخارجية السعودية والإماراتية، حيث اتهمت الرياض طهران بشكلٍ مباشر بالهجمات على السفن في الخليج، في حين امتنعت الإمارات عن توجيه الاتهامات المباشرة.

وتعد ميليشيا جماعة الحوثي المستفيد الأول في المحافظات الشمالية من القرار الإماراتي في هذا التوقيت، وما سيترتب عنه على المستوى الميداني والعلاقة مع السعودية، وإظهار الحرب على أنها محاولة سعودية فاشلة، ومن ثم التسليم ببقاء سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات المتبقية تحت قبضتها.

من جهته يحاول المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، الذي ينازع الحكومة السيطرة على المحافظات الجنوبية المحررة، أن يبسط سيطرته على مؤسسات الدولة، جاعلاً حضور الحكومة رمزياً، حتى يتمكن من استكمال استعداداته.

وكانت تعالت خلال الفترة الماضية مطالبات بعض الهيئات الشعبية اليمنية بضرورة إخراج الإمارات من التحالف العربي، نظراً لمنعها عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور إلى العاصمة المؤقتة (عدن)، التي تسيطر عليها، وكذلك منع انعقاد البرلمان اليمني فيها.

السيناريوهات
تدور السيناريوهات المترتبة على تقليص القوات الإماراتية حول فرص الحل السياسي أو مزيد من توليد الصراعات، خاصة في المناطق التي دُحرت ميليشيا جماعة الحوثي منها؛ في ظل منازعة ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرة القوات الحكومية عليها.

السيناريو الأول: تعزيز فرص السلام
يفترض السيناريو أن تقليص الإمارات لقواتها العسكرية، في ظل زيادة الضغوط الغربية المطالبة بوقف الحرب؛ مؤشر على تراجع اعتماد الخيار العسكري لهزيمة جماعة الحوثي، بعد أكثر من أربع سنوات على التدخل العسكري في اليمن، ومن ثم دعم التسوية السياسية، في ظل رغبة الإمارات في تركيز وجودها العسكري على المحافظات الجنوبية ذات الأهمية الاقتصادية لها، وتحديداً العاصمة المؤقتة (عدن)، وميناء بلحاف، التابع لمحافظة شبوة، وكذلك ساحل حضرموت.

ويفترض هذا السيناريو أن استمرار الصراع بنمطه الجاري يتعارض مع الأهداف الإماراتية، لما قد يترتب عليه من تغير في موازين القوى لمصلحة الأطراف السياسية التي تتقاطع مصالحها معها. ومن استحقاقات هذا السيناريو عودة المفاوضات بين جماعة الحوثي والسعودية والتوصل إلى تفاهمات مشتركة.

يعتمد السيناريو على حالات الهدوء التي تسود الجبهات العسكرية الداخلية باستثناء الجبهات المحاذية للحدود السعودية اليمنية. إضافة إلى الضغوط الدولية الهادفة إلى وقف الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية للصراع. وبأن الإمارات قد حققت أهدافها التي تركزت على إبعاد ميليشيا جماعة الحوثي، وإضعاف القوات الموالية للحكومة اليمنية، في مقابل تجميع العناصر الانفصالية وتشكيلها وتدريبها عسكرياً، وتقديم الدعم والإسناد لها، وإدارتها الفعلية وتحديد أهدافها، ومن ثم فإن الإمارات ستركز جهودها على دعم العملية السياسية، بما يحافظ على موازين القوى الحالية ومصالحها، وخاصة في موانئ جنوب اليمن، وتحديداً ميناء عدن الاستراتيجي الذي ترى فيه تهديداً لموانئ دبي.

يضعف هذا السيناريو تعدد الأطراف المتصارعة، وتناقض مصالحها المحلية وتقاطع تحالفاتها الإقليمية، وتوقف المسار السياسي، واختلال موازين القوى الحالية- في حال توقفت الحرب- لمصلحة جماعة الحوثي، مما يجعلها غير مضطرة إلى تقديم تنازلات عجزت قوات الحكومة اليمنية والتحالف عن تحقيقها عسكرياً، وأن السلام يقتضي تعزيز وجود المؤسسات الحكومية العسكرية والمدنية، وإضعاف الميليشيا المسلحة، وتقليص الدعم المادي والعسكري والسياسي عنها، وفي مقدمتها التابعة لجماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وكذلك التعقيدات الإقليمية، وتحول الصراع في اليمن إلى حرب بالوكالة تديرها إيران ضد السعودية، ولكل ما سبق فإن أي تسوية هي بمنزلة هدنة مؤقتة لمعاودة القتال وبمستويات أشد.

السيناريو الثاني: توليد مزيد من الصراعات المحلية
ينطلق السيناريو من فرضية استحالة التوصل إلى تسوية سياسية أو الحسم العسكري للصراع، وأن الإمارات لا ترغب في تحقيق أهداف التحالف المعلنة، وأن الصراع المتوقع استمراره قد استنزف إمكانياتها، وأن من مصلحتها تقليص قواتها في اليمن واستنزاف السعودية قوات الحكومة اليمنية في آن معاً، والاعتماد على ميليشيا المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية، وكتائب طارق صالح ابن أخي الرئيس السابق علي عبد الله صالح في المناطق الشمالية، بل قد تكون الخطوة الإماراتية مقدمة للهروب أمام المجتمع الدولي من تبعات مخطط تنفذه ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتسلح بأسرع ما يمكن بهدف بسط سيطرته على المؤسسات الحكومية في العاصمة المؤقتة (عدن) ومناطق الثروات النفطية، في محاولة للانفصال.

يدعم هذا السيناريو غياب قوة قادرة على الحسم العسكري، وتحول اليمن إلى ساحة للحروب بالوكالة، وكذلك المواجهات السابقة بين قوات الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في يناير/كانون الثاني العام الماضي، وكذلك زيادة التباينات في صفوف الميليشيا المدعومة من الإمارات والتي لا تتشارك ذات الأهداف.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button