توجسات الحرب الاهلية في الولايات المتحدة

وليد عبد الحي

ما الذي يقف وراء تزايد المقالات والاستطلاعات والخطابات بل والدراسات العلمية التي تتحدث عن ” سيناريو الحرب الاهلية في الولايات المتحدة”؟
نزعم ان الواقع الموضوعي في الولايات المتحدة والاحتقان المتزايد في الجسد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الامريكي يقف وراء كل هذا السيل من الأدبيات السياسية التي تتوجس من احتمال الحرب الاهلية والتي جعلت 67% من الامريكيين لا يستبعدون حرب اهلية قبل الكورونا والاضطرابات الحالية طبقا لنتائج استطلاع راي اجرته جامعة جورج تاون (اكتوبر 2019)، بل ان ترامب في احد تغريداته نبه في (30 سيبتمبر 2019) الى ان فوز الديمقراطيين قد يفتح الباب امام حرب اهلية.

ولكن ما هي ملامح هذا الواقع الموضوعي الذي ” قد” يكون مؤسسا لسيناريو الحرب الاهلية:
أولا: الواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي الامريكي ، ويتجلي ذلك في المؤشرات التالية:
أ‌- سياسات ترامب التي ادت الى اضطراب داخلي( عدم استقرار الادارة والمجتمع) واقليمي( مع الدول المجاورة بخاصة المكسيك وامريكا اللاتينة) ومع العالم( الصين، روسيا، ايران، توجسات عميقة من دول الاتحاد الاوروبي وتوجسات شرق اوسطية واهمال تام للأوجاع الافريقية)
ب‌- تداعيات الكورونا على الاقتصاد الامريكي: ارتفاع نسبة البطالة بحوالي 40 مليون عامل وتزايد حالات الافلاس بين الشركات وقطاعات الانتاج وصل الى 25 الف منشأة اقتصادية.
ت‌- التفاوت الطبقي ، فطبقا لمؤشر جيني Gini index) ) سجلت الولايات المتحدة 41.6 نقطة طبقا للبنك الدولي ، وهي بهذا الرقم تحتل المرتبة الاعلى بين الدول الصناعية في حجم الهوة الطبقية او في سوء توزيع الثروة.
ث‌- وفي المجال الاجتماعي نجد ان الولايات المتحدة حاليا تسجل الأعلى بين الدول الصناعية في معدل الجريمة( 47 نقطة) وفي مستويات السلامة الفردية(52 نقطة)، وهو ما يجعلها ضمن نفس معدلات الجريمة في دول العالم الثالث.
ج‌- العنف العنصري: تحتل المرتبة الاولى بين الدول الصناعية في معدل العنف العنصري، وتشير احصاءات ال FBI الامريكية انه منذ 2015 الى بداية 2020 ارتفع العنف العنصري بخاصة ضد السود بمعدل 300%. وهي امتداد لارث تاريخي منذ الحرب الاهلية (1861-1865 والتي قتل فيها حوالي 620 الف قتيل) ، وتكرر العنف في مناسبات عديدة اشهرها في الاعوام 1967 (قتل فيها حوالي 100) وفي 1968 بعد مقتل مارتن لوثر كنج وفي 1992 وفي 2014..الخ.
ثانيا: اطراف الحرب الاهلية المحتملة: ينقسم المجتمع الامريكي في جانبه العسكري والتحالفي بين القوى المختلفة على النحو التالي:
أ- في مواجهة المؤسسات الخشنة الرسمية (الجيش والاجهزة الامنية) هناك 165 مليشيا مسلحة تنتشر في اغلب الولايات ، ومعظمها مليشيات يمينية متطرفة، مثل( Oath Keepers-The Minuteman Project-United Constitutional Patriots) ، واغلب تمويل هذه التنظيمات تاتي من انصار ترامب من الاثرياء.
ب- تشير احصاءات ال اف بي آي الأمريكية الى ان 41% من العائلات الامريكية تمتلك اسلحة، ويصل اجمالي السلاح الذي بين ايدي الشعب الى حوالي 300 مليون قطعة سلاح.
ت- هناك 3 مليون محارب متقاعد ، ونسبة هامة منهم هم من المتعاونين مع المليشيات المسلحة ، بل ويشرفون على تدريبها واجراء مناورات على العنف الحضري.
ث- جدال امريكي حول حدود صلاحيات وعمل المليشيات بين تفسيرات الدستور وبين احكام المحاكم، وهو امر خلافي حاد بين الولايات فيما بينها وبينها وبين الحكومة الفيدرالية.
ج- الانقسام الجيوسياسي: اذا كانت الحرب الاهلية الامريكية اخذت طابع الشمال ضد الجنوب ، فان الوضع الحالي يشير الى انقسام من ناحيتين شرقي ضد غربي من ناحية و ريف متدين ويميني ( اغلبهم من انصار ترامب) ضد مدن( حيث تتواجد التنظيمات ذات الميول اليسارية بالتصنيف الأمريكي) من ناحية ثانية.
د- تمركز الاحتقان في بعض المدن او الولايات اكثر من غيرها ويمكن ان تشكل نقطة التفجر مثل Florida Pennsylvania, Wisconsin, Michigan حيث تشهد هذه المناطق انقساما سياسيا اكثر عمقا من غيرها. والملاحظ انه بين 1964 الى 2016 تم انتخاب 4 رؤساء ديمقرطيين كلهم من الجنوب بينما المرشح المنافس لترامب حاليا وهو بايدن من الشمال.

هـ- تزايد عدد المدن الى حوالي 40 مدينة فيها منع للتجول ومنتشرة في 13 ولاية (أي حوالي 25% من ولايات الدولة من ناحية ، الى جانب تهديدات ترامب ” بالقوة” لقمع المتظاهرين من ناحية ثانية.
و- أذا علمنا ان 85% من السود يصوتون لصالح الديمقراطيين( ضد ترامب)، وأن 80% من انصار ترامب ما زالوا على موقفهم من التأييد له ،فان ذلك يثير مخاوف خصومة من احتمال فوزه ثانية ، مما يدفعهم لتأزيم الامور اكثر لا سيما وان ترامب ما زال يحظى بتاييد ما بين 40 الى 50% من الناخبين.وتتعزز فرصه نتيجة ان منافسه الديمقراطي بايدن لا يبدو ذا كاريزما قادرة على جذب الناخبين اكثر ناهيك عن أن موقفه من موضوع العنصرية ملتبس وغير واضح، بل ان بعض تصريحاته السابقة لم تكن ” مغرية ” للسود للتصويت له.
الخلاصة:
1- نسبة التوتر عالية جدا بخاصة اذا استثمرتها ايضا قوى خارجية وقد تنفجر على نطاق واسع ما لم يتم اتخاذ اجراءات مستعجلة للتهدئة.
2- ان موقف ترامب اصبح اكثر ضعفا لكن ذلك لا يعني ان الامور قد حسمت لغير صالحه، لكن نشوب عنف عالي الدرجة قد يعطيه الامل بتأجيل الانتخابات الرئاسية في ظل قانون طوارئ.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button