دراسات سياسية

جاريد كوشنير: الاختيار المسموم

وليد عبد الحي

في التاسع من يناير 2017 تم تعيين جاريد كوشنير ” مستشارا أعلى للبيت الابيض”، ثم أوكل له من قبل الرئيس ترامب دور العضو -الأهم- في الفريق الوسيط لتسوية الوضع ” بين الفلسطينيين والاسرائيليين”..فهل يمتلك كوشنير المؤهلات المطلوبة للقيام بهذه المهمة التي فشل فيها أعتى الدبلوماسيين من غوناريارنغ(الوسيط الاممي) الى الداهية هنري كيسنجر مرورا ببرونو كرايسكي وكارتر والحكماء الأفارقة ناهيك عن السائرين في أنفاق الدبلوماسية العربية السرية؟
ان انحياز كوشنير المطلق والمعلن لصالح اسرائيل وبخاصة التيار اليميني في اسرائيل، هو ظاهرة لم تعرفها الدبلوماسية الامريكية تجاه الشرق الاوسط بهذه الحدة من الانحياز، بل يمكن اعتبارها الموجة الاعلى من موجات الانحياز الامريكي لاسرائيل ، وهي الاكثر استخفافا بالعرب قادة وشعوبا والاكثر استهانة بقضاياهم وتعقيداتها ، ويتجلى هذا الانحيار من كوشنير في المظاهر التالية:
أ‌- تقديمه التبرعات لانشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية، فقد أنشأ مؤسسة ” خيرية” ساهمت في تقديم التبرعات للمستوطنات اليهودية وبخاصة المستوطنات التابعة للمتدينين اليهود مثل مستوطنة بيت إيل قرب رام الله(المصدر :هآرتس 28 فبراير 2018)، فهل يعقل ان من يتبرع لبناء المستوطنات سيضع في خطته للتسوية تفكيك المستوطنات؟
ب‌- يهوديته: فهو ينتمي لاسرة يهودية هاجرت من روسيا البيضاء(زمن الاتحاد السوفييتي)،وهو من المتزمتين دينيا ويمارس الطقوس الدينية بانتظام ويراعى يوم السبت ويحرص على ممارسة الصيام عن اطعمة معينة طبقا للديانة اليهودية او ما يسمى (kashrut)( نيويورك تايمز 27 نوفمبر 2018)، فهل يمكن ان ننتظر من متدين يهودي متزمت أن ينصفنا؟
ت‌- تحول زوجته ابنة ترامب( ايفانكا) الى اليهودية : تزوج من ابنة ترامب عام 2009 وتم عقد قرانهما في معبد يهودي، ولكنها اعلنت عن تحولها من الديانة المسيحية الى اليهودية قبل زواجها من كوشنير، ثم اصبحت مستشارة رسمية لوالدها، وهو ما يعني أن ترامب محاط بمستشارين ” يهوديين متزمتين”، بل إن هذه المستشارة(أبنة ترامب) هي التي اقنعت والدها بقصف سوريا بالصواريخ بعد اشاعة استخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي.، وتحتفظ ايفانكا بصلات قوية مع الجمعيات النسوية اليهودية المتدينة في اسرائيل(نيوزويك 17 نوفمبر 2018)، فهل هذه المتحولة من المسيحية لليهودية ستشير على زوجها بالتخلي عن المسجد الاقصى؟
ث‌- مؤهلاته: ليس بين مؤهلات كوشنير ما له اية صلة من قريب او بعيد بالعلاقات الدولية بشكل عام او بالسياسات الشرق أوسطية بشكل خاص، فهو يحمل درجة البكالوريوس في الإدارة العامة وماجستير في إدارة الاعمال، واضافة لافتقاده المؤهلات الاكاديمية المتعلقة بالشأن الدولي فانه لم يشغل أي منصب سياسي أو دبلوماسي ولا خبرة له في الحياة الدولية ، لا سيما انه صغير السن فعمره 38 سنة. وتنحصر خبراته في تجارة العقار بشكل رئيسي، كما ان زوجته تفتقد لاية خبرات سياسية ، فهي مشغولة بوسائل الاعلام التجارية والمودة …الخ(الغارديان 8 ابريل 2017)، فكيف لرجل ربما لا يعرف من الشرق الاوسط الا “ماله وبتروله وصفقات سلاحه” أن يتمكن من فهم الملابسات التاريخية والسياسية والاجتماعية للمنطقة؟
ج‌- تقلبه بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فقد تنقل كوشنير بين الحزبين، فهو في البداية كان مع الحزب الديمقراطي وساهم في جمع التبرعات لأوباما، ثم ما أن ترشح والد زوجته ترامب للرئاسة حتى ترك الحزب الديمقراطي وانتقل للحزب الجمهوري ، ولم يمارس نشاطات سياسية من 2012 سوى جمع التبرعات للديمقراطيين ثم انتقل من 2015-2016 لجمع التبرعات لترامب الجمهوري ومن الواضح ان انتقاله من الديمقراطيين للجمهوريين هو ارضاء “لنسيبه”( فوكس نيوز 27 فبراير 2018)، فهل يمكن الوثوق بشخص كهذا لتسوية نزاع دولي هو الاطول في التاريخ المعاصر؟
ح‌- له ارتباطات شخصية وعائلية مع نيتنياهو، وكالة الانباء الفرنسية في 3 مايو 2019)، فهل صديق نيتنياهو سيكون ” صديقا ” لجوعى غزة ؟
خ‌- هو صاحب فكرة تفكيك وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ووقف الدعم عنها لانها ” تديم الوضع الراهن وهي مؤسسة فاسدة ولا تخدم السلام( النص ورد في احدى رسائله الالكترونية المرسلة في 11 يناير 2019 الساعة السابعة وخمسين دقيقة صباحا ( مجلة فورين بوليسي الامريكية في 19 ابريل 2019)..فهل من يريد حرمان اللاجئين في فلسطين والشتات من قوتهم اليومي سيسعى لاعادتهم لديارهم؟
د‌- هو من المتهمين في قضايا عديدة من بينها موضوع التواصل مع الروس ومع شخصيات معينة من المؤسسات الامنية الروسية ، كما ان تدخلات ترامب لصالحه أثارت حوله العديد من التساؤلات(أي بي سي نيوز 26 مايو 2017)، فهل شخص مشكوك في نزاهته في بلاده ، يمكن ان يكون موثوقا في تسوية قضايانا؟
ماذا يعني ذلك كله؟
أن وجود الملف الفلسطيني بيد هذه الشخصية ومن خلفها جون بولتون وغرينبلاث وفريدمان ووراء الجميع ترامب يعني ان التفاوض سيكون بين نيتنياهو الاسرائيلي ونيتنياهو الامريكي وبينهما نيتنياهو العربي…وبدون ربما.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى