نظرية العلاقات الدولية

جدلية القوة في العلاقات الدولية

مقدمة
المحور الأول: القوة في العلاقات الدولية.
1- مفهوم القوة:
2- مظاهر التحول في مفهوم القوة:
3- طبيعة الفاعلين الأطراف في معادلة القوة
4- الصورة الذاتية لمفهوم القوة في مقابل الخاصية الانعكاسية
المحور الثاني : تغير مفهوم القوة
1- تراجع أهمية البعد العسكري في تحديد مفهوم القوة
2- البعد الاقتصادي في مفهوم القوة
3- خاصية التمركز في توزيع القوة
4- تأثير الثورة المعلوماتية على القوة
5- توازن القوة Balance of Power:
المحور الثالث: جدلية القوة و الجيوبوليتكس
1- العلاقة بين القوة و الجيوبوليتكس
2- النظريات الجيوبوليتيكية
3- بترول و جيوبوليتيك
4- الحرب و الجيوبوليتكس.
خاتمة
مقدمة
يمكن القول أن العلاقات الدولية هي صراع من أجل القوة مثلما طرحه هانس مورغنثوHans Morgenthau بقوله أن السياسة الدولية ككل سياسة هي صراع مستمر من أجل القوة ومهما تكن الأهداف النهائية للسياسة الدولية، فالقوة هي الهدف العاجل دومًا.
« international politics like all politics is a struggle of power, whatever the ultimate aims of international politics, power is always the immediate aims»
يعتبر مفهوم القوة من أهم المفاهيم في العلاقات الدولية فهي من أكثر المصطلحات التي تثير جدلا بين المختصين ورجال السياسة و الباحثين ،فالقوة هي جوهر التحليل السياسي فالقوة السياسة لا ينفصلان باعتبار القوة هي نقطة البداية لتحليل السياسة ، فلكل دولة مجموعة من الأهداف تسعى إلى تحقيقها على المستوى الخارجي تتمثل أساسا في أمنها ورغبتها في السيطرة واكتساب النفوذ وكذا رغبتها في فرض إرادتها على غيرها من الدول، حيث أن تحقيق الأهداف مرتبط بحجم القوة الموجودة لدى الدولة.
وبناءا على ماسبق يمكن طرح الإشكالية التالية:
إلى أي مدى يمكن تحديد العلاقة بين القوة والجيوبوليتكس؟

I-المحور الأول
القوة في العلاقات الدولية.

1-مفهوم القوة:
يعرف هانز مورغانتو Hans Morgenthau القوة بأنها القدرة التي يملكها الإنسان للتحكم في أفكار وسلوكات الآخرين .
وتتعدد زوايا النظر إلى مفهوم القوة في العلاقات الدولي ة فتعرف بعناصرها أو بتأثيرها، لذلك يذهب بعض الدارسين إلى حصرها من خلال العناصر العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية بينما ينصرف آخرون إلى تحديدها بمعنى القدرة على توجيه سلوك الآخرين وتغييره تبعًا لأهداف الدولة ومصالحها.
أما بريجنسكي فهو يقدم منظورًا شام ً لا لمفهوم القوة العالمية يتحدد بأربعة أبعاد
-الوصول العسكري العالمي
-الدور الاقتصادي العالمي
-الجذب الثقافي –الفكري العالمي
-العضلة السياسية العالمية .
وعموما يمكن تحديد فرق أساسي بين القوة السلوكية وهي المقدرة على الحصول على النتائج التي تريدها، وقوة الموارد وهي امتلاك موارد تقترن إقترانًا فعليًا بالمقدرة على الحصول على النتائج التي تريدها.

2-مظاهر التحول في مفهوم القوة:
سيطرت حقائق القوة الأمريكية على مسار النقاش النظري حول طبيعة التحول في مفهوم القوة، حيث تعددت مظاهر هذا التحول الذي ارتبط أساسا با لتغيرات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية التي أفرزها واقع ما بعد الحرب الباردة، إذ شهدنا تحولا في:
3-طبيعة الفاعلين الأطراف في معادلة القوة
كما رأينا في فقرات سابقة بأن حجم التحولات الدولية التي أفرزها واقع ما بعد الحرب الباردة قد أفضى إلى نقاش جدلي مهم حول ” بقاء الدولة ” في ظل التدفق المتزايد للاعبين الدوليين من غير الدول، وهو ما انعكس بصورة غير مباشرة على أداء الوظيفة الأمنية كمحورٍ من محاور السياسة العليا للدولة، وبالتالي حكم هذا التحول إلى درجةٍ كبيرة معادلة القوة في النظام الدولي وأثر بصور ة ملموسة على طبيعة مفهوم القوة، وهذا على مستويين:
-1 توزيع القوة بين الدولة والفاعلين الآخرين سواء تم ذلك بإرادة الدولة التي لم تعد تملك القد رة على الإدارة الأحادية للمشكلات القائمة، أم حصل ذلك بسبب الثقل المتنامي الذي تتوفر عليه هذه الفواعل.
-2 بروز قضايا ووظائف جديدة أكبر من قدرة الدول على التعاطي معها عبر إجراءات قانونية رسمية بما يقلل من قيمة هامش القوة الذي تتوفر عليه الدول في مقابل تعزيز مكانة الأطراف غير الدول في ممارسة القوة والنفوذ.
والحقيقة أن ضعف احتكار الدولة القومية التقليدية للقوة ناجم عن ضعف احتكارها للأصول والطاقات المرتبطة بعمليات وإجراءات أمني ة(القديمة منها والجديد ة). وقد سعى الفاعلون في شركات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وتجمعات المجتمع المدني الأخرى للتأثير على الدولة بطرق يمكن أن تكون مكيفة في علاقات القوة التقليدية بدرجة أكثر أو أقل، لكنها تملك اليوم أيضا عناصر قوة مستقلة وتأثيرا على عمليات مناسبة للأمن
ولأجل ذلك يرى البعض أن مفهوم القوة مرتبط بالأساس بطبيعة الفواعل المستخدمة لها أو كما قال Raymond Aron إن الخاصية المميزة للعلاقات الدولية هي مدى قانونية وشرعية استخدام القوة من قبل الفاعلين .
4-الصورة الذاتية لمفهوم القوة في مقابل الخاصية الانعكاسية
لقد أصبحت الفواعل الدولية تتمتع بالقوة والنفوذ بمقدار تصورها الذاتي لهما عكس ما كان حاصلا في حقب تاريخية ماضية عندما كانت الدولة تدرك قوتها بشكل انعكاسي بمقدار قوة ا لآخرين، ومرد هذا التحول ه و الطبيعة الجديدة للنزاعات الدولية. فمنذ المنتصف الثاني من القرن العشرين، بدأ العالم يشهد تراجعا في النزاعات بين الدول في مقابل النزاعات داخل الدول وهو ما قلل من فرص معرفة الدول لبعضها البعض واختبار قوتها من خلال المواجهة المباشرة أو النزاع المسلح .
وعلى خلفية هذا التأصيل، فإن تصور الدول لقوتها غالبا ما يبتعد عن البيئة الموضوعية. لذلك نجد من جهة بأن بعض الفاعلين الدوليين يظهرون بشكل أقوى من الواقع الفعلي، أما من جهة ثانية فهناك لاعبين آخرين يتم التعاطي مع قوتهم بصورة أقل أهمية مما هي عليه في حقيقة الأمر، وكمثال على ذلك شهدنا كيف أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية لم تعنى بأهمية معتبرة من قبل أطراف المجتمع الدولي قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 بينما تعاظم الحديث عن قوتها بعد هذا التاريخ بشكل يصل أحيانا إلى حد المبالغة.

II-المحور الثاني

تغير مفهوم القوة

تراجع أهمية البعد العسكري في تحديد مفهوم القوة
توفر القوة العسكرية الثقة والاطمئنان للدولة مما يجعلها تتخذ المواقف الدولية من مركز القوة وعدم خشية خصومها، حيث إن الدولة التي لا تسندها قوة عسكرية لا يمكنها أن تصمد بوجه التهديدات الخارجية وهذا ما يعرضها لإعطاء تنازلات تمس بمصالحها .
من الناحية التقليدية كان اختبار القوة العظمى هو قدرتها على الحرب كما يقول تايلور. أما اليوم، فإن أساس القوة أخذ في الابتعاد عن التأكيد على القوة العسكرية، ومن المفارقات أن الأسلحة النووية كانت من بين أسباب هذا الابتعاد.
فمن تاريخ الحرب الباردة ثبت أن الأسلحة النووية كانت مدمرة وفتاكة بشكل رهيب إلى درجة أنها صارت جامدة ومكلفة أكثر من اللازم، بحيث لا يمكن استخدامها نظريا إ لا في الحالات القصوى، أما السبب الآخر فهو صعود تيار الترعة القومية الذي جعل من الصعب على الإمبراطوريات أن تحكم الشعوب في ظل زيادة درجة الوعي القوم ي له ا. كما أن التغير الاجتماعي داخل القوى العظمى مثل سببا إضافيا لهذا الابتعاد، فمجتمعات ما بعد الثورة الصناعية راحت تركز على الرفاه الاجتماعي وليس على المجد وهي تكره ارتفاع عدد ضحاياها وإصاباتها، إلا عندما يكون بقاؤها نفسه معرضا للخطر. وهذا كله لا يوحي بأن القوة العسكرية لم يعد لها دور تؤديه في السياسة الدولية اليوم، فلم يتم بعد تحويل الجزء الأكبر من العالم بفعل ثورة تدفق المعلومات، ذلك أن كثيرا من الدول لا تقيد حركتها قوى ديمقراطية أو مجتمعية .
وكنتيجة لتزايد الإدراك بعدم جدوى ترجيح العا مل العسكري في وضع الإستراتيجيات المناسبة،طرح على مستوى بعض الدوائر مفهوم ” الهيمنة الحميدة Benevolent Hegemony “الذي يرتكز على إمكانية السيطرة بالإقناع وتحجيم العنف إلى أدنى درجاته وترويج المنطلقات القيمية والمؤسسية للدولة لتوسيع نفوذها العالمي.
البعد الاقتصادي في مفهوم القوة
لقد زادت أهمية القوة الاقتصادية في ظل المتغيرات الدولية الجديد ة، وأصبحت هدفا تسعى إليه الدول وأساسا تقوم عليه قوتها الراهنة والمستقبلية ومعيارا أساسيا من معايير قياس قوتها وفي الوقت نفسه أداًة من الأدوات التي تملكها الدولة في ممارسة اللعبة الدولية. وهكذا فإن الدول أصبحت تعتمد على قدراتها الاقتصادية أكثر من قدراتها العسكرية في لعبة القوة الدولية، حيث أصبحت الضغوط الاقتصادية التي تمارسها الدول الكبرى على دول العالم النامي أكثر فاعلية نسبيا من التدخلات العسكرية

إن القوة الاقتصادية صارت فعلا أهم مما كانت عليه في الماضي بسبب الزيادة النسبية في تكاليف القوة وبسبب التواجد الكبير للأهداف الاقتصادية في قيم مجتمعات ما بعد التصنيع. وفي عالم من العولمة الاقتصادية، فإن جميع البلدان تعتمد إلى حد ما على قوة سوق خارجة عن سيطرتها المباشرة

ويقدم جوزيف ناي مثا ً لا عن أحد مساعدي الرئيس بيل كلينتون الذي قال عندما كان هذا الأخير يعرض الموازنة الاتحادية لعام 1993 ، بأنه لو ُقدر له أن يولد من جديد فإنه يجب أن يعود تحت اسم السوق، لأن من الواضح أن هذا هو أقوى العناصر الفاعلة.
خاصية التمركز في توزيع القوة
انطلاقا من الاعتبار المبني على أساس أن الدول تظل هي الوحدات الأساسية في بناء النظام الدولي وتحديد تفاعلاته، توصف القوة بخاصية التمركز الشديد. ولعّل المثال الأهم هنا هو القوة الأمريكية فالتمركز في جانبه العسكري يوحي بأن الإنفاق العسكري الأمريكي هو الأعلى عالميا، بل ويتجاوز الإنفاق الجماعي للدول الاثنتين والثلاثين الأقوى التي تليها من حيث مستوى الإنفاق العسكري والقيمة النوعية للموجودات العسكرية
أما على الصعيد الاقتصادي، فتمثل الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أعلى درجات تمركز القوة الاقتصادية دوليا مع أعلى ناتج محلي إجمالي قومي في العالم، إذ أنه أكثر من ربع الإجمالي العالمي
وهناك ثلاثة متغيرات تتمركز فيها القوة عالميًا ويمكن تحديدها في:
-1 شمولية القوة العسكرية
-2 الترعة الانفرادية في استخدام القوة بعيدا عن المؤسسات والتنظيمات الدولية.
-3 العامل التقني والتكنولوجي المتطور.
تأثير الثورة المعلوماتية على القوة
تؤثر الثورة المعلوماتية في القوة مقاسة بالموارد لا بالسلوك، ففي القرن الثامن عشر كان توازن القوى بالاضافة إلى عوامل الأرض والسكان والزراعة يوفر أساسا لهيمنة سلاح المشاة وكانت فرنسا مستفيدة رئيسية من ذلك، وفي القرن التاسع عشر وفرت القدرة الصناعية الموارد التي مكنت بريطانيا وفيما بعد ألمانيا من السيطرة، وفي منتصف القرن العشرين ساهم العلم وخصوصا الطبيعة النووية في تزويد الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي(سابقا) بالمصادر الأساسية للقوة وفي القرن المقبل من المرجح أن تكون تكنولوجيا المعلومات بمعناها الواسع _ كما يقول كيوهان ونا ي_ أهم مصادر القوة

توازن القوة Balance of Power:
يرتبط مفهوم توازن القوى كما حدده هانز مورغنثو، بعنصرين أساسيين يرتكز عليهما هذا المفهوم الأول، مادي، ينصرف إلى وجود تعادل أو تساوِ حسابي بين مقدرات القوة العسكرية التي تمتلكها القوى الدولية أو الإقليمية. والثاني :إدراكي، خاص بتوافر إدراك لدى تلك القوى بأهمية وجود ذلك التعادل، باعتباره الوسيلة المثلى للحفاظ على الأمن، ولدى الدول الأخرى بأهمية استمراره، وإذا ما توافر العنصر المادي دون الإدراكي صعب الحفاظ على الأمن.
و وفق تصوّر مورغنثو، تعتمد القوى على قدراتها الذاتية لتحقيق التوازن مع غيرها من القوى، في حين يرفض إنشاء الأحلاف كأداة لتحقيقه، وذلك لإيمانه بالاعتماد على الذات (Self Reliance) كمبدأ حاكم لتصرف تلك القوى. لكن كينيث والتز يقبل بتحقيقه من خلال عناصر القوة الداخلية وعناصر القوة الخارجية معا. فما توازن القوى – كما قال هارولد لازويل – إلا “بناء من علاقات القوة يهدف للحفاظ على الوضع القائم وأية محاولة لتغييره، تثير رد فعل مقاوم باتجاه إعادة تنصيبه” .
والتز والواقعيون الجدد أعادوا شرح الرؤية الكلاسيكية لتوازن القوى، معتقدين أن نظرية توازن القوة تساعد على التنبؤ بخصوص السلوكيات والمحصلات الدولية، فالدول ترتبط في سلوك توازني سواء كانت القوة المراد موازنتها هي الغاية من هذا السلوك أم غير ذلك، طالما أن الأمن هو الهدف الأساسي، فكل تحالف يرغب في ضم اكبر عدد من الأعضاء، غير أن الدول تفضل دوما الانضمام إلى الطرف الضعيف –أي الموازنة Balancing على الانضمام إلى الطرف الأقوى طالما أنها تنظر دوما إلى القوة الكبرى باعتبارها مصدر تهديد، فان سلوك توازن القوة هو أفضل وسيلة للحفاظ على الوضع القائم.
و على خلاف مورغنثو الذي يعتبر نظام التعددية القطبية Multipolarity الأكثر استقرارا، يرى والتز ومعظم الواقعيون الجدد أن نظام الثنائية القطبية Bipolarity هو النظام الأكثر استقرارا، ونظام التعددية غير المتوازنة الأكثر عرضة للنزاعات والحروب، جون ميرشايمر يضع نظام التعددية القطبية المتوازنة Balanced Multipolarity في موقع يتوسط الحالتين السابقتين .

III-المحور الثالث
جدلية القوة و الجيوبوليتكس

العلاقة بين القوة و الجيوبوليتكس
النظريات الجيوبوليتيكية.
تعتبر نظريات المدارس الجيوبوليتكية Geopolitics من النظريات التي تهتم بدراسة تأثير البيئة الطبيعية والعوامل الجغرافية على الخصائص والظواهر والمؤثرات والتطورات السياسية للشعوب والدول ، ومن الطبيعي أن يكون تفاعل العامل الجغرافي مع العامل السياسي في حياة المجتمعات البشرية موضع دراسة العلماء والمفكرين ، ولكن الجيوبوليتيك كفرع من فروع المعرفة تعتبر علماً حديثاً متفرعاً عن الجغرافيا وعاملاً هاماً من عوامل دراسة الإستراتيجية السياسية ، الإستراتيجية الأمنية ، والإستراتيجية العسكرية منذ فترات تاريخية سابقة فقد أشار المؤرخ الإغريقي هيرودوت ( 484ق . م – 425 ق .م ) في مؤلفاته التاريخية ( إن سياسة الدولة تعتمد على جغرافيتها) وقد حاول الفيلسوف والمفكر السياسي الفرنسي مونتسكيو (1689م-1755 م ) في كتاب روح القوانين Esprit des lois في عام 1748 وأيضا في كتابه الآخر الدفاع عن روح القوانين De’fense de l’esprit des lois عام 1750 – أن يبين الأسباب الكامنة – وراء وجود قوانين معينة في بلد معين وصلة هذه القوانين بالمناخ والبيئة وقد ربط مونتسكيو الجغرافيا بالاقتصاد عن طريق العوامل الطبيعية مثل البحار والمحيطات فهذه العوامل تؤثر في النهج السياسي للدول .
وقد تناول أدولف هتلر مصطلح المجال الحيوي وربطه بالعوامل الجغرافية والطبيعية التى تؤثر في النهج السياسي للدول وقد ظهر هذا المصطلح في كتاب كفاحي والذي نشرة هتلر للمرة الأولى عام 1925 وقد تعددت نظريات الجيوبوليتيك وتطورت عبر فترات زمنية مختلفة وقد أدى تطورها إلى اهتمام السياسيين بمدلولاتها ، وبالتالي فهناك ارتباط بين نظريات الجيوبوليتيك ومفهوم الأمن البحري ، وخصوصا أن هذه النظريات ارتبطت بالقوة والسيطرة والسيادة فعلى حسب قول المفكر الفرنسي برتران بادي ( لا بد من إعادة التفكير في مبدأ القوة لان أغلب الكوكب الأرضي قد مسّه العنف ، ولأول مرة نعي أنه لا يوجد مكان واحد في العالم محمي من مخاطر العنف والإرهاب ، يُضاف لذلك أن العنف ظاهرة معولمة مثل سائر الظواهر الأخرى ، لذا فالعالم مقبل على مستقبل مؤلم متخمٍ بالصراعات ) .
والواقع أن نظريات الجيوبوليتيك تتفق على مبدأ القوة والسيطرة ولكنها تختلف في تحديد نوعيتها ؛ فنجد أن عالم الجغرافيا البريطاني هالفورد ماكيندر Halford Makinder أشار أن البر هو بمثابة القوة والسيطرة الجيوبوليتيكية ، ويرى المفكر العسكري الأمريكي الفريد ماهان Alfred mahan أن القوة و السيطرة الجيوبوليتيكية ترتبط بالبحار والمحيطات أما المفكر السياسي الأمريكي سبيكمانSpykman قد أشار أن قوة السيطرة الجيوبوليتيكية ترتبط بالتحالف بين قوة البحر وقوة البر معا ، وقد اختلف المفكر الروسي الكسندر دى سفرسكسي Alexender De Sversky عن المفكرين السابقين وقد رأى أن القوة والسيطرة للوضع الجيوبوليتيكي ترتبط بالسيادة الجوية ، والواقع أن النظرة التراكمية المرتبطة بمفهوم الأمن البحري تندمج مع مجموعة النظريات السابقة .
• ومعنى ذلك عندما نتناول مفهوم الأمن البحري من خلال النظريات الجيوبوليتيكية السابقة لا بد أن نتناول هذا المفهوم من خلال أربع مستويات نظرية مرتبطة بالقوة والسيطرة الأمنية :الأول مستوى البحر ، والثاني مستوى البر ، والثالث المستويين معا ، والمستوى الرابع الجو ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن القوة والسيطرة لا يقتصران على الدوائر الرسمية فقط لأننا نتعامل مع عنصر القوة في أصعدة الحياة كافة، سواء القوة التي تستند على القانون أو المعاهدات أو الاتفاقيات أو القوة الرأسمالية الاقتصادية الحرة أو الرسمية أو القوة التى تستند على القتل والإرهاب والقرصنة عن طريق التهديد بالسلاح فجميعهم مثال للقوة والسيطرة .
وبالتالي عندما نتناول مفهوم الأمن البحري من منظور جيوبوليتيكي لابد أن تشتمل العمليات الأمنية على الأربعة مستويات السابقة ، ومن وجهة نظر شخصية لابد أن يكون هناك مستوى خامس بالإضافة إلى المستويات الأربعة السابقة وهو مستوى الفضاء الخارجي لان هذا المستوى الجيوبوليتيكي لا يستهان به في المجال الأمني وخصوصا بعد التقدم الهائل في المجال الإلكتروني والتكنولوجي ولا بد أن يوضع في الاعتبار استخدام الفضاء الخارجي في السيطرة فقد يتحكم في الأرض والبحر والجو _ وبالتالي فالأمن البحري يرتبط أيضا بالفضاء الخارجي في عمليات الأمن البحري ولابد أن نضع في الاعتبار أن الأمن البحري يتأثر بالإطار الجيوبوليتيكي تأثيراً مباشراً من خلال تأثير نظريات الجيوبوليتيك المتغيرة لان أبعاد الأمن البحري ترتبط بالموقع الجغرافي والحدود السياسية فمثلاً النقل المتتابع البحري يكون نقل بحري في جميع أجزائه ولكنة يتم على مرحلتين وذلك في عدم وجود خط ملاحي مباشر إلى الجهة المطلوب نقل الشيء أليها ، والنقل المتعدد الوسائط وهو الذي يتم بطرق مختلفة ويعتبر الجانب البحري جزء منة ويستخدم الجزء الأخر منة بطريق البر أو الجو وبالتالي فهناك تطابق للنظريات الجيوبوليتيكية الأربعة السابقة مع عمليات الأمن البحري المرتبط بالنقل البحري والمرتبط أيضا بالمواقع الجغرافية والحدود السياسية المتغيرة .
وعلى الرغم أن عمليات الأمن البحري تأخذ منهجاً ثابتاً من حيث القواعد الدولية التي تضعها الخطوط الاستراتيجية له ، ولكن قد يكون هناك اختلافات في تنفيذ تلك القواعد الدولية للأمن البحري ويرجع ذلك لتفاوت القوة من دولة إلى أخرى فعلى الرغم أن بعض الدول لديها القدرة على السيطرة من خلال معايير الأمن البحري لأنها بمثابة دول ساحلية ولديها على حسب قول مونتسكيو قوانين معينة من اجل طابعها الجغرافي ولكنها غير قادرة على تنفيذ معايير الأمن البحري ويقابل ذلك دول أخري غير ساحلية وليس لديها المعايير الدولية للأمن البحري ولكنها لديها القدرة على تنفيذ المعايير الدولية للأمن البحري من خلال عمليات النقل البحري متعدد الوسائط أو عن طريق المعاونة الأمنية في البر والجو من اجل البحر ، ومعنى ذلك أن الأمن البحري المرتبط بالإطار الجيوبوليتيكي لا يعتمد على السيطرة على البحر فقط ولكن لابد من القوة والسيطرة في جميع الإطارات والمستويات التى أشرنا أليها . فترتبط أهمية الفضاء الخارجي للأمن البحري من خلال مكافحة حرب المعلومات التقنية أو ما يطلق عليها حرب المعلوماتية Informatics Warfare المرتبطة بالسيطرة الإلكترونية من خلال الأقمار الصناعية بالفضاء الخارجي ، وهناك نوعان من الحروب المعلوماتية .

البترول و الجيوبوليتيكس
في الواقع و بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح البترول الطاقة المهيمنة، حتى أنه وصل إلى أن يكون المنتج الاستراتيجي بامتياز. خلال هذه الخمسين سنة الأخيرة، أصبح البترول عنصرا ضروريا في الحياة اليومية ، إن كان في الوقود ، البلاستيك و المواد الصناعية. و مع انتشار السيارات في العالم منذ عام 1950 ، ضرب استهلاك البترول بأربع مرات خلال عشرين سنة، ومسألة السيطرة على هذا المصدر الكوني أصبحت و بوضوح مسالة جيوبوليتيكية.
ظهور دول جديدة صناعية في آسيا كبداية ، ثم في أمريكا اللاتينية ، في الربع الأخير من القرن العشرين، دعمت و زادت من الطلب الدولي على البترول ، بينما و في نفس الوقت ، الدول الرئيسية المصدرة نظمت نفسها في ” منظمة الدول المصدرة للنفط ” ، تنظمت من أجل زيادة قدرتها على مراقبة عرض البترول في السوق الدولية و تقوية نفسها في مواجهة الشركات البترولية الكبيرة الأنكلوسكسونية التي بدورها تسيطر وحتى وقت قريب على السوق البترولي الدولي. هذه المنافسة تزداد دائما قوة وخاصة مع الاحتياجات المتنامية للدولة المتطورة، و لكن أيضا للدول الصاعدة في النمو مثل الصين والهند، أيضا المنافسة أسرعت من عملية استغلال البترول ووضع آبار بترولية جديدة في الإنتاج لا سيما في الدول النامية أو في الدول ذات الدخل المتوسط.
ضمن هذا الجيوبوليتيك الجديد للبترول، عدة مناطق من العالم ، كما في خليج غينيا أو الآبار الجديدة حول بحر قزوين، ترى مصالحها البترواستراتيجية تتزايد دائما وتتعمق من خلال ضرورة تنشيط عرض البترول عالميا وذلك لتلبية التزايد الكبير و الضخم على الطلب، بعد أن عرفت فترة من الاستقرار النسبي في أواسط التسعينات. حتى ولو أن هذه المناطق ” الإلدورادية ” الجديدة ليس لديها احتياطي الشرق الأوسط ، فإنها و بسبب عدم الاستقرار المتنامي في الشرق الأوسط ، حتى ولو كانت ثانوية تصبح اليوم أكثر أهمية مما كانت عليه في الماضي.
و من غير أن نتحدث عن الصراع اللامنتهي بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ، الوضع في الشرق الأوسط لا يتوقف عن التراجع و الانحدار و الفرضيات الديمقراطية المستقبلية لن تغير شيئا ، على العكس من ذلك تماما. الحرب في العراق التي بدأت نيسان 2003 و الركود الذي أفسد هذا البلد أفشل فرضيات المستقبل حول ارتفاع سريع للإنتاج البترولي ، في عكس ما توقعه المحللون بعد حرب ربيع 2003. بالإضافة لذلك احتمال إقامة فدرالية في العراق و التي ربما تحدث عاجلا أم آجلا ، فتح الحديث حول تقسيم عائدات البترول بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، أكراد ، شيعة ، سنة ، حتى ولو كان هذا مازال على الورق، فإن اتفاقية مبادئ على قاعدة تقسيم العراق إلى أقاليم و ديمغرافيات مختلفة تم إيجادها ضمن نطاق مشروع الدستور العراقي.
في إيران، و مع انتخاب رئيس جديد، يُعتبر محافظا جدا، في أيار 2005،فإن أزمة جديدة وقعت بين هذا البلد و الولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب الأزمة النووية الإيرانية. و يضاف ذلك إلى الحصار الاقتصادي المفروض سابقا من قبل الأمريكان ضد إيران منذ عام 1995 و 1996 و بعد خمسة وثلاثين عاما من التوتر الدبلوماسي بين البلدين، أي منذ قيام الثورة الإيرانية. هذا السياق يخاطر بالتكذيب و الطعن على الأقل ولو لفترة قصيرة بما جاءت وتنبأت به بعض مراكز البحث حول البترول، الأمريكية أو الدولية، بأن إنتاج إيران من النفط سيرتفع من 4،1 مليون برميل في اليوم في عام 2005 إلى 5،4 مليون برميل في اليوم في عام 2010 و 8 مليون برميل في اليوم عام 2020 .

فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية ، فقد أصبحت و بشكل معلن منذ عام 2003 ، هدفا واضحا لأسامة بن لادن و الحركات الإرهابية التي تؤيدها القاعدة، من هنا يأتي التهديد المستمر و المباشر لأول منتج و مصدر عالمي للبترول و البلد الوحيد الذي يفترض انه قادر على حل الأزمات البترولية.إن هذه الدول الثلاث تشكل 43 % من الاحتياطي العالمي للبترول بحصة قدرها 21 %، إذن الاحتياطي هو موجود و بشكل كبير ولكن يجب أن تتوفر الشروط السياسية و التي يجب أن تجتمع مع هذا الاحتياطي.
في مكان آخر من العالم،الأزمات السياسية و الاجتماعية التي تصيب العديد من الدول المصدرة ، كما في فنزويلا و نيجيريا ، تدعم فرضية أنه في المستقبل لن يكون هناك تأكد من مستوى إنتاج البترول على المستوى العالمي، و هذا في الواقع يضع روسيا في المركز الثاني في ترتيب البلدان المنتجة، ليجعل منها دولة مهمة جدا على الصعيد البترولي.

كل هذه التوترات الجيوبوليتيكية، حقيقية أم كامنة ،حتى ولو كان بعضها مبالغ فيه و مستغل من قبل العديد من العمليات، فإنها تشكل، مع ذلك، تهديدات لها وزنها على السوق البترولية الدولية في الوقت الذي يعاني فيه النظام البترولي أزمة بنيوية. ضمن هذا السياق، الاستعانة بالتحليل الجيوبوليتيكي يسمح بفهم أفضل للرهانات حول القضية البترولية،بالأخذ بعين الاعتبار التبعية المتبادلة بين الدول من أجل تفهم أفضل لدور مختلف الفرقاء، و الذي لا يتوقف أو يتحدد على الشركات العالمية أو الوطنية للبلدان المنتجة والبلدان المستهلكة. بل أكثر من ذلك ،المسألة البترولية ، كما الغاز أيضا ،إن استمرارها في جزء منه يتعلق بشكل مباشر بالسلطات السياسية للدول و يؤثر بشكل قوي على العلاقات بينها ، من هنا لا بد من دراسة الجانب الجيوبوليتيكي حيث سيعمق الفهم للأزمة الحالية و المستمرة و التي سنعود إليها.

تعريفنا للجيوبوليتيك يتعلق، إضافة للجانب الكلاسيكي الملازم لدراسة العلاقات الدولية، بالمنافسة بين السلطات و القوى الدولية و علاقات السيطرة و الصراع على إقليم ما، و هذا يعني الصراع بين الدول التي تسيطر على مناطق كبيرة أو صغيرة، و لكن أيضا سلطات متعددة تدخل في تنافس على المستوى الدولي و على المستوى المحلي، من أجل السيطرة ، مباشرة أو غير مباشرة ، على بلد ما أو على جانب في داخل هذا البلد ذاته.
ولأن الإقليم نفسه ،كما هي السلطة، له أبعاد متعددة،فإن التحليل الجيوبوليتيكي يفرض علينا اللجوء إلى مستويات مختلفة من التحليل ذي الأوجه المتعددة في الاتساع و المدى، و ضمن نطاقات متعددة من الاختبار حول نفس الإشكالية الجيوبوليتيكية. هذه المقاربة المنهجية تتم تكملتها من خلال تحليل متعدد المجالات و الفروع و الذي يستخدم بشكل كبير الجغرافية ، التاريخ ، علم الاجتماع وبشكل أشمل و أكبر العلوم الإنسانية . فهذه الفروع المتعددة للعلم تسمح بإكمال الإطار الناقص للعلوم السياسية و الاقتصادية، و التي عليها نستند أحيانا بشكل مفرط في العديد من التحليلات، حيث تقدَّم بلا وجه حق على أنها علوم جيوبوليتيكية. مع البترول، و من خلال استخداماته المتعددة و بطابعه الضروري المتعلق بتوظيف كل أشكال الاقتصاد المتطورة أو غير ذلك و خاصة في النقل والدفاع، نحن نواجه إشكالية جيوبوليتكية ضخمة، والتاريخ المعاصر يذكرنا بأن البترول أيضا هو سلاح سياسي.

الحرب و الجيوبوليتكس
إنّ الحرب ليست وليدة زمان أو مكان محدّديْن، فمنذ أن وُجد البشر تزامنت مع ممارساتهم الحياتيّة ظواهر مختلفة منها الحروب. هنالك صعوبة في معرفة حياة الإنسان البدائي وحول ما إذا رافقته الحروب .حاول بعض العلماء البحث حول نمط معيشة هذا الإنسان البدائي وأهمّ المصادر التّي تمّ الاعتماد عليها:
– الآثار:من خلال القيام بالتّنقيب عن الحفريّات وبقايا الشّعوب القديمة، تمّ اكتشاف جماجم و هياكل لأناس وأدوات ورسومات وبقايا مباني قديمة، حيث قام العلماء بدراستها و تصنيفها، من خلالها تمّ جمع بعض المعلومات حول تلك الفترات الزّمنيّة البعيدة.
وقد كانت النتيجة: أنّ حياة الإنسان البدائي كانت بسيطة حيث أنّه كان في البداية يسعى وراء تلبية حاجاته بقطف الثمار لسدّ الجوع، بعدها صنع أدوات من حجر وعظام للدّفاع عن نفسه ضدّ الحيوانات و هكذا تطوّّرت وسائله. فقد تراوح الإقتتال بين مجموعات صغيرة من الأناس البدائيّين و كان موضوع ذلك هو تلبية الحاجات المختلفة وقد سمّى العلماء الغربيّون هذه الأزمنة بالعصور الحجرية، بحكم أنّ الإنسان اعتمد آنذاك أساسا ً في صنع مختلف أدواته على الحجارة .
– الدّيانات: اعتمد بعض العلماء و الباحثين في محاولة معرفة طبيعة معيشة الإنسان البدائي على الكتب السمّاوية وما جاءت به من أنباء.
بعدها تطوّرت حياة البشر من زمن لآخر وظهرت حضارات عدّة قدّمت منتوجات فكريّة وعمرانيّة وقد حفظ لها التّاريخ ذلك رغم محاولة البعض تزييفه.
1/تطوّر فكرة الحرب في الحضارات القديمة:
هناك بعض الباحثين الذين يعتبرون أنّ هذه الحضارات لم تقدّم شيئا للفكر العالميّ ويظهر هذا في أغلب الكتابات التّي تُرجع أصل معظم الأفكار للإغريق.

ساهمت الحضارة الإغريقيّة فعلا في مختلف الميادين بما قدّمته من إنتاجات،كما أنّها لم تأت من العدم ولم تكن بداية كلّ شيء كما يدّعيّ البعض. فقد تأثّرت بحضارات أخرى كانت قريبة منها، فقد وُجدت شعوب قد تركت تراثا ً قبلها، من أهمّها شعوب الحضارات الشرقيّة القديمة:
أ- حروب الفراعنة:
لم تكن هناك مصادر كثيرة تبيّن معالم الحضارة الفرعونيّة، رغم ذلك فقد تمّ إستخلاص أنّ فنّ الحرب قد شكّل جزء هامّا في هذه الحضارة .
تمّ الإتّفاق على تقسيم الفترة الزّمنية للحضارة الفرعونية إلى مراحل:
– مرحلة المملكة القديمة[3100ق.م-2200ق.م]: وقد تميّزت هذه المرحلة بتوحيد القبائل المنتشرة على وادي النيل تحت قيادة القائد مينا أو الفرعون نعرمر.
– مرحلة المملكة الوسطى [2150ق.م-1780ق.م]: فيها تعاظمت القدرة العسكريّة الفرعونيّة، ولكن مظاهر القّوة لم تلبث أن زالت في هذه المرحلة.
– المرحلة الحديثة [1575ق.م-1200ق.م]: تميّزت هذه المرحلة بتعاظم القدرة العسكريّة المصريّة و بالحرب التّوسعيّة، وهذه الأخيرة كانت اقتصادية في الدّرجة الأولى، فقد كان الهدف منها هو الحصول على الموادّ الأوليّة .
– مرحلة [1200 ق.م-525ق.م]: فيها بدأ مجد مصر الفرعونيّة ينحسر، نتيجة لتعرّضها لغزوات الشّعوب المجاورة.
اجتاح الفرس مصر في 525ق.م وبعدها احتلها الإسكندر المقدونيّ عام 332ق.م بعدها غزاها الرّومان وغيرهم.
لقد عرفت مصر في فترة الحضارة الفرعونيّة تنظيم الجيوش الضّخمة، كما أتقنت إدارة الحروب و لوحظ وجود ثلاثة أسلحة أساسيّة في جيوش مصر الفرعونيّة وهي:
المشاة، عربات القتال أو الخيّالة التّي تُحمل عليها الرّماح، النّبال، السّيوف، التروس.
وكانت تكاليف صناعة عربات القتال مرتفعة .أمّا عن أساليب القتال آنذاك، فكانت مباغتة العدّو وهو في حالة عدم احتراس وسيلة معروفة.
ب- الحرب في الحضارة الصّينيّة:
الأساطير الصّينيّة كانت أكثر نزوعًا إلى السّلم.
كما أنّ أحد أهمّ الفلاسفة الصّينيّين “كونفشيوس”، حذر الحكّام من الإقدام على حرب عدوانيّة .
وتاريخ فنّ الحرب الصيّنيّ بقي يلفّه نوعُ من الغموض، رغم ذلك فإنّ سور الصّين العظيم لدليل هامّ على ما بلغه فنّ الحرب آنذاك إضافة إلى أنّ ما تركه كتّاب الصّين العسكريّون من آثار قد حفظت برغم قلّتها وإيجازها بعضًا من الرّوائع التّي أمكن لها تبديد بعض ذلك الغموض.إنّ هذه الكتابات قد احتفظت بالكثير من أهمّيتها و قيمتها في الأزمنة الحديثة .
إنّ فنّ الحرب الصيّنيّ لم يكن من صُنع رجل واحد، بل حصيلة ًلجهد مستمرّ.
وأبرز من كتب حول الحرب “سون تزو وُوه”[551ق.م-496ق.م]، انحدر من عائلة ذات خبرة عسكريّة، كان سون تزو مواطنًا و جنديّا ثمّ أصبح قائدًا للجيوش و دوّن خلاصة تجاربه حول الحروب والقتال في كتابه “فنّ الحرب” ذي الثّلاثة عشر فصلا، وقد ركّز على كيفيّة تنظيم الجنود و تدريبهم، وروت المخطوطات الصّينيّة انتصارات هذا القائد بفضل حسن تخطيطه.
لقد عاش سون تزو في عصر كثُرت الحروب فيه بين أكثر من 130 مملكة صغيرة، ما أدّى في النّهاية لظهور خمس ممالك قويّة تنازعت فيما بينها على السلطة و الحكم، هذه الحروب الطّويلة لم تكن بمعزل عن سون تزو، إذ زادت من خبرته العسكريّة و ساهمت في حكمته.
أهميّة كتاب فنّ الحرب:
إنّ هذا الكتاب يعود إلى زمن قديم، فإنّه قد كُتب على شرائح طوليّة من سيقان نبات البامبو، وجاءت كتابات سون تزو في جمل قصيرة مختصرة.و لكن نتيجة لعدم توفر دلائل واضحة، هناك من رأى بأنّ سون تزو هي شخصيّة مخترعة وهناك من الدّارسين مَن يعتبر أنّ الكتاب فعلا ً وُجد و لازالَ ولكنّه تعرّض لضياع الكثير من أجزائه.
المهمّ في الأمر هو أنّه وُجدت عدّة دراسات صينيّة، منها مُؤلف الإستراتيجيات الصّينيّة الحربيّة القديمة و الذّي لم يُعرَف كاتبه و كذا كتاب فنّ الحرب.
إنّ أهميّة كتاب فنّ الحرب، هو كونه مُؤلّف إستراتيجيّ، كما أنّه يمكن تطبيق ما جاء فيه في الإقتصاد و التّجارة و السّياسة.
و أدلّة ذلك كثيرة منها:
– تمّ إطلاق اسم ” أوّل كتاب عسكريّ قديم في العالم “على كتاب فنّ الحرب، وكذا “الكتاب المقدّس للدّراسات العسكريّة”.
و أوّل خروج لهذا الكتاب من منشئه الصّين كان إلى اليابان، ثمّ بعدها قام قسّيس فرنسيّ بترجمته إلى اللّغة الفرنسيّة عام 1772م، وبعدها بقليل تمّت ترجمته إلى الإنجليزيّة و الألمانيّة، وذاع صيته في الفترة التّي تلت الحرب العالميّة الأولى ورغم توفر هذا الكتاب للقادة العسكريّين في الحرب العالميّة الثانيّة إلاّ أنّه لم يُفلح في تجنيب العالم ويلات المذابح.
– إنّ قيادة القّوات الأمريكيّة حرصت في حرب الخليج الأولى على أن يحمل كلّ جنديّ أمريكيّ نسخة من كتاب فنّ الحرب.
– إنّ الإستراتيجيّة الحربيّة الأمريكيّة “الصّدمة و التّرويع” التّي دشّنها العسكريّ “هارلمان أولمان” حين نشر كتابه : shock and awe :acheving rapid dominance ، عام 1996م مبنيّة على مبادئ كتاب فنّ الحرب و هي الإستراتيجية التّي انتهجتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة في حرب الخليج الثّانيّة .

خاتمة
تشهد الساحة الدولية تجاذبات وصراعات بين مصالح الولايات المتحدة الأمريكية و باقي القوى الكبرى في العالم في ظل التوجهات الإستراتيجية الجديدة لما بعد ﻧﻬاية الحرب الباردة، وكذا محاولة كل طرف تطبيق المشاريع الإستراتجية للهيمنة على مناطق النفوذ و الثروة في القارة الإفريقية انطلاقا من سياسة جيوبوليتكية براغماتية، و نميز هنا بين الجغرافيا السياسية و الجيوبوليتك، بحيث تعنى الأولى بتحليل البيئة الجغرافية للدولة وتقديم كل المعطيات الموضوعية، أما الجيوبوليتك فتركز على دراسة الوضع الطبيعي للدولة من ناحية مطالبها في مجال السياسة الدولية، أي أن الجيوبوليتك ميدانها البيئة الدولية من حيث الموارد والثروات و المجالات الحيوية التي تشكل عناصر أساسية لقوة الدولة و استمرارية وجودها كطرف فاعل في البيئة الإقليمية أو الدولية المحيطة بها.، بمعنى أنها تجمع بين المقدس و المدنس بين الأرض و السياسة، وهذا ما يفسره الصراع الدولي على المناطق الجيوبوليتيكة في العالم.
فالقوة هي متعددة و متنوعة وليست قوة عسكرية فقط بل هي أيضا قوة اقتصادية وثقافية و تكنولوجية ولذلك فالجيوبوليتكس تعتمد على وضيف قوة الدولة و خصوصا الجغرافية من أجل رسم و تحديد سياسة الدولة الداخلية و من أجل تحديد و رسم السياسة الخارجية للدولة فهناك علاقة تلازم بين القوة و الجيوبوليتكس فهما مفهومان متلازمان فالقوة مرتبطة بالجيوبوليتكس و العكس صحيح فقوة الدولة هي في جغرافيتها وجغرافية الدولة هي قوتها.
قائمة المراجع
المراجع باللغة العربية:
1- جوزيف س.ناي، مفارقة القوة الأمريكية: لماذا لاتستطيع القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم أن تنفرد في
– ممارسة قوتها ؟، ترجمة: د.محمد توفيق البجيرمي،( السعودية، العبيكان، الطبعة الأولى،.(2003
2- عدنان طه الدوري، العلاقات السياسية الدولية، (ليبيا، الجامعة المفتوحة، الطبعة الرابعة، 1998.)
3- أليسون ج.ك .بيلز، “التحكم الأمني العالمي: عالم من التغيير والتحدي “، في: تقرير التسلح ونزع السلاح والأمن
. الدولي، معهد ستوكهولم للأبحاث السلام الدولي، الكتاب السنوي 2005 .

باللغة الفرنسية
1-Raymond Aron, Paix et Guerre entre les Nations, Paris, Calmann Lévy, 8émé ed, 1984,.

باللغة الانجليزية:

1-Glenn H. Snyder, john Mearsheimer _Offensive Realism and the Struggle for Security, A Review Essay, International Security, vol.27, No.1 (Summer 2002), p.167.pdf.document.fro; 4 shared.web site.11/05/2009.at 15.03.

2-Kenneth N. Waltz, Theory of international Politics, , 1979,.pdf.documents.from 4shared.web site. 2009.at.16.22.

3-World Bank, “Data and Statistics quick tables”, http:www.worldbank.org/data/quickreferance/quickref .html

4-Hans J.Morgenthau, Politics Among Nations, New York, Knopf, 5 th ed ,1975.pdf book.

5-Paul Viotti, Mark V.Kauppi(eds), International Relations Theory : Realism, Pluralism Globalism, USA, Boston, Allynand Bacon, 1997, pp.56-57.

• إعداد:
بن عائشة محمد الأمين

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى