دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

جريمة وادي الحمص: هل كانت بدوافع أمريكية؟!

بقلم: أحمد طه الغندور.

24/7/ 2019.

 لا زالت أصداء جريمة الاحتلال التي شرع في تنفيذها قبل يومين في حي ” وادي الحمص ” من قرية ” صور باهر ” جنوبي القدس المحتلة ـ العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني ـ تتفاعل على مستويات عدة.

وفي عملية ترويع وهدم وتشريد لساكني أكثر من مائة شقة، في حوالي ستة عشر بناية سكنية تقع ضمن أراضي السلطة الفلسطينية، قامت سلطات الاحتلال مجتمعة ـ بما فيها السلطة القضائية، ممثلة بما يُسمى “محكمة العدل العليا” بارتكاب جريمة الحرب هذه على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي دون أي احترام للمواثيق والقرارات الدولية، أو حتى اتفاقيات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

ولا زالت خطط الاحتلال ماضية في تنفيذ سلسلة أخرى مماثلة لهذه الجرائم، والتي قد تطال مائة منزل أخر تحوي مئات الشقق السكنية، مما يعني مزيداً من المعاناة والتشريد للمدنيين العزل دون أي ذنب أو جريمة ارتكبوها، في مخالفة “وقحة” من الاحتلال لقواعد القانون الإنساني الدولي، والقانون الجنائي الدولي، والقانون الدولي الخاص بالمعاهدات، والعرف الدولي، وقواعد حقوق الإنسان، وقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن العديد من المؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة، وفي ازدراء غير مسبوق لأحكام المحاكم الدولية وعلى رأسها ” محكمة العدل الدولية “.

ترى ما هي الحجة أو المبرر الذي استخدامه الاحتلال لتنفيذ هذه الجرائم؟

إن الناظر إلى السبب الذي أورده الاحتلال كمبرر، يدرك بأن الاحتلال لم يبذل جهداً حقيقياً لتبرير بشاعة جرائمه، فقد جاء الرد بأن الهدم “بسبب قربها من الجدار الأمني”!

أليس هذا “الجدار الأمني” هو الجدار الفاصل الذي أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً في 9 يوليو / تموز 2004 يقضي بأن: ” بناء الجدار الذي تشيده “إسرائيل” وهي سلطة الاحتلال في الأرضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في أراضي القدس الشرقية وما حولها، وملحقاته يتعارض مع القانون الدولي “.

وبأنه ” تعتبر “إسرائيل” ملزمة بوضع حد لانتهاكها القانون الدولي، وهي ملزمة بأن توقف على الفور أعمال بناء الجدار الجارية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك أراضي القدس الشرقية وما حولها، وأن تفكك على الفور الإنشاءات المقامة هناك، وأن تلقي أو تبطل على الفور جميع الإجراءات التشريعية والتنظيمية المتعلقة به وفقا للبند 151 من هذا الرأي “.

كما قضت بأنه: ” يتعين على جميع الدول الالتزام بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناشئ عن بناء الجدار وعدم تقديم العون أو المساعدة للمحافظة على الوضع الذي نتج عن ذلك البناء. ويجب على جميع الدول الأطراف في معاهدة “جنيف الرابعة ذات الصلة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب والموقعة في 12 أغسطس/ آب 1949م”، أن تلتزم أيضاً وعلاوة على احترامها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بضمان امتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي حسبما هو متضمن في تلك المعاهدة.

وحثت المحكمة الموقرة؛ الأمم المتحدة ولا سيما الجمعية العامة ومجلس الأمن دراسة الإجراءات الأخرى المطلوب اتخاذها لإنهاء الوضع غير القانوني الناتج عن بناء الجدار وملحقاته وأخذ الرأي الاستشاري الحالي في الحسبان.

هذا جانب قانوني واحد، يُشير إلى “وقاحة” و”صلف” الاحتلال وبشاعة جرائمه في حق الفلسطينيين العزل، ولكن قد يحق لنا هنا التساؤل؛ هل هو هذا الدافع الحقيقي للاحتلال لتنفيذ هذه الجريمة؟ وفي مثل هذا الوقت؟

لو أجابنا أنه تأثير “الانتخابات الإسرائيلية” المعادة ـ إن جاز التعبير ـ فالمنطق يقول؛ ليس لهذه الدرجة!

ولكن لو نظرنا إلى المكان ” صور باهر ” فلعلها تعتبر أقرب مناطق ” السلطة “وفقاً لأوسلو المطلة على القدس ولا يفصلها عن المستعمرة الأمريكية التي أعلنها “ترامب” في القدس إلا مسافة قصيرة، فهل يُعتبر هذا الوجود خطراً أمنياً على الوجود الأمريكي الغير شرعي في القدس، وبالتالي يجب أن يزال وأن يتعزز “الاستيطان الإحلالي اليهودي”!

أليس هذا ما يسعى اليه “فريق ترامب” فوق الأرض وتحت الأرض كما حدث في سلوان في القدس؟!

أليس في ذلك من وسيلة فعالة في تقطيع أوصال الوحدة الجغرافية للأرض الفلسطينية، وخاصة مع ارتباطها بالعاصمة، والربط بين شمال الضفة وجنوبها؟!

أليس هذا يتماشى مع الخرق الفاضح في القانون الدولي الذي “يصيح” به “غرينبلات” من أن الضفة الغربية هي “أرض متنازع عليها”، وأن القدس “العاصمة الأبدية للاحتلال”، وبالتالي المزيد من التدمير لسيادة الدولة الفلسطينية، التي حظيت باعتراف أغلبية دول العالم، وبدأت مؤسساتها تتجسد على الأرض وتمارس مهامها بشكل فعال؛ يشهد به الداني والقاصي!

ولعل خير ما يدعم صدق قولنا بأن هذه الجريمة جاءت بدوافع أمريكية إضافة إلى ما سبق، موقف “غرينبلات” الفاضح في مجلس الأمن بالأمس، ففي الوقت الذي لم يجرؤ فيه “دانون” ممثل الاحتلال على الرد على التهم التي تقدم بها مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، بل لجأ إلى التهرب والاستفاضة في الحديث عن “الخطر الإيراني” في المنطقة، نجد أن “غرينبلات” عمد إلى التبجح القرن قائلاً إنه: “لا يمكن حل الصراع على أساس التوافق الدولي أو القانون الدولي غير الحاسم أو مرجعيات قرارات الأمم المتحدة، والإشارة المستمرة إلى هذه القرارات ليست أكثر من مجرد عباءة لتجنب النقاش الجوهري حول الحقائق على أرض الواقع وتعقد الصراع “.

وفي ذات الوقت تباكى “غرينبلات” داعياً الفلسطينيين “إلى التخلي عن الرفض القاطع لخطة لم يطلعوا عليها” وإبداء الاستعداد للدخول في محادثات مع “إسرائيل”، كما حث مجلس الأمن على تشجيع الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات”.

كل ذلك يؤكد أن “إدارة ترامب” لم تعد قادرة على التعامل بشكل حضاري مع ” الدبلوماسية الناجحة ” التي تتبعها القيادة الفلسطينية في توجيه دفة العالم المتحضر في اتجاه الحق الفلسطيني، فكم يزعجها قيام الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية بعيداً عن شروطها المجحفة.

كم يزعجها هذا الرقي في الإنسان الفلسطيني الذي يبدع في إبراز نجاحاته حتى داخل الولايات المتحدة!

كم يزعجها أن تذل ” قيادة الشعب الفلسطيني ” بمواقفها الوطنية “القيادة الأمريكية” و “اللوبي الصهيوني” في مخططاتهم ليس في فلسطين فقط، بل وعلى كامل مساحة العالمين العربي والإسلامي.

ولأن القيادة الفلسطينية ترفض مجرد الحديث مع “ترامب وفريقه”، لذلك لا بد أن ينزل العقاب بالشعب الفلسطيني حتى وإن كان هذا العقاب على شكل “جرائم حرب”!

وهنا لا بد من كلمة للأخوة في الجالية الفلسطينية، وخاصة في الولايات المتحدة، من ضرورة إسناد العمل الوطني الذي تقوم به القيادة والحكومة الفلسطينية لمواجهة المخططات التدميرية للإدارة الأمريكية الحالية على المستوى الدولي والإقليمي، لذلك لكم دور في مواجهة هذه الإدارة على الأرض الأمريكية؛ من خلال القانون والدستور الأمريكي الذي يُهان يومياً من خلال الممارسات الخاطئة وغير القانونية لهذه الإدارة على المستوى الدولي.

لذلك لا بد من المناقشة الفاعلة داخل الجالية الفلسطينية والعربية لمحاسبة “ترامب وفريقه” ليس فقط كمصلحة فلسطينية، بل وكمصلحة أمريكية أيضا.

فمن يأخذ بزمام المبادرة؟!

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى