دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

حصاد 2019 ، هلوسات حول الحرية …

حق الحياة والعيش الكريم والرغبة في التغيير ، هي العناوين الرئيسيّة للحركات الشعبية العديدة عام 2019

إن منطقتنا الأوسطية تمر بأصعب مرحلة من المشاكل والتحدّيات على المستويين الداخلي والإقليمي ، تتطلب التعامل مع سلبيّات الواقع والعمل لإيجاد بدائل إيجابيّة للخروج من (المآزق ) عبر تحديد جملة مفاهيم مرتبطة بالهويّة والانتماء والمواطنة والمساواة وبدور الدّين في المجتمع، والعلاقة بين حرّية الوطن وحرّية مواطنيه ، والتحديد الواضح والدقيق لمفاهيم وطنية بعيداً عن المصالح الفئوية أو الحزبية أو القومية . 

مشاكلنا في منطقتنا متشابهة وتتجسد بمعظمها في الإصلاح السياسي والتشاركية ومعالجة التخلّف الاجتماعي والركود الاقتصادي(الحد من الجهل والفقروالجمود الثقافي ، لتحقيق العدالةوالكرامة والمساواة بغية الحفاظ على الوحدة الوطنية ونسيجها الاجتماعي ، ومواجهة تحديات السلام والاستقرار في ظل الصراع مع الاحتلال الإسرائيليّ وتحجيم التدخلات الإقليمية  و الدولية في حرب المصالح المتصارعة في منطقتنا الأوسطية ، ما نحتاجه اليوم عملية تزاوج ما بين الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية و حوار أمني إقليمي بتوافق دولي .

لقد لخّص الجنرال مارك أميلي  اهداف استراتيجية الأمن القومي الامريكي في الشرق الاوسط  امام الكونغرس وهي :

“‏ شرق أوسط مستقر وآمن ؛وليس ملاذا آمنا وتربة خصبة للمتطرفين العنيفين ؛

‏ ولا تسيطر عليه أمة معادية للولايات المتحدة ؛  ويساهم في استقرار سوق الطاقة العالمي” .

واضاف معاون وزير الخارجية الامريكية شنكر قائلاً ؛ “على الرغم أننا حققنا نجاحات على مدار العام 2019 نتيجة لسياسات الإدارة، إلا أننا ندرك أنه ثمة تحديات ، ويشمل ذلك نفوذ إيران الخبيث المستمر في المنطقة والعالموسنشهد في العام 2020 زيادة في الجهود الأمريكية لمكافحة التدخل الروسي والابتزاز الصيني في المنطقة” . ولعل هذه التصريحات والتحديات قد تفتح الباب واسعاً لسباق التسلّح وعودة الحرب الباردة بارتداداتها السلبية على الأمن والسلام العالمي .

قد يكون الرد الإيجابي لسياسة التدخلات عبر مشروع وطني يضمن طبيعة وآليات تعزيز صياغة عقد المصالح الوطنية وبناء الرؤية المشتركة بين كافة المكونات، مع إجراء مراجعة جديّة لتراكمات عقود من الانتكاس السياسي والاقتصادي والتمزق الاجتماعي ، للوصول إلى بناء هوية وطنية جامعة عابرة للهوُيات الخاصة ،مع اليقين بالتنوع السياسي والاقتصادي والثقافي والفكري والمجتمعي، بما يشكل ثقافة فكرية تخدم مفهوم الدولة الوطنية القوية وتسعى لخدمة المجتمع وفق مفهوم العدالة والمواطنة والديموقراطية التشاركية ، مع ضرورة تلازم مسارات الحرّية السياسية والحرّية الاجتماعية ، وكذلك الرؤية النظرية والعملية الواقعية وآليات التنفيذ  التي من شأنها تحقيق الاهداف والغايات والتغيير عبر تعاملنا مع الآخر .

إن ⁧الفساد⁩ ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان ( من دوافع الحراك الشعبي ) فالفساد يُقوّض المؤسسات الديمقراطية ويبطئ التنمية الاقتصادية ويساهم في عدم الاستقرار الحكومي ويهدم أركان المجتمعات والدولة ويؤدي الى تهجير الخبرات والكفاءات . وإن العمل في المرحلة القادمة الذي أساسه التغيير يجب أن ينصب على مكافحته وتعزيز التشاركية الوطنية وإطلاق المبادرات واستقطاب الطاقات لإعادة بناء الدولة الوطنية ( التي تنبذ الطائفية وتواجه الإرهاب وتقوم على الحكم الرشيد ) وتعزيز مقوماتها ، بإصلاحات اقتصادية  واجتماعية جذرية وجريئة وواسعة لتلبية طموحات الشباب والمرأة الذين تزيد نسبتهم عن 60 % من السكان .

من جهة أخرى ، أكدت روسيا وتركيا وإيران خلال بيانهم الختامي للجولة الـ14 من مباحثات آستانا، على أهمية الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، مشددين على رفضهم لمحاولات خلق واقع جديد، بما في ذلك مبادرات “حكم ذاتي” غير مشروعة، بذريعة مكافحة الإرهاب.

وجددوا التزام ضامني “أستانا” بعملية سياسية طويلة الأمد وقابلة للحياة، يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة، مشيرين في هذا الصدد إلى أهمية انعقاد اللجنة الدستورية السورية في جنيف ، وأكدوا أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى الإفراج عن المعتقلين، وزيادة المساعدة الإنسانية لجميع المواطنين السوريين على كافة أراضي البلاد دون تمييز وتسييس وتقديم مساعدة دولية لعملية عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم .

في نفس الوقت يبدو ان اللجنةالدستورية الوليدة 2019 واجتماعاتها في جنيف بعد ولادة عسيرة أصابتها حالة الستاتيكو السورية بالرغم من جهود المبعوث الدولي بيدرسون لتسوية الخلافات وسط اتهامات متبادلة بين اطرافها السوريين وداعميهم ، مما ينذر  بعواقب قد يصعب تداركها نتيجة عدم قدرة السوريين على إيجاد صيغة جامعة مشتركة يتم التعامل بها للوصول الى سلام مستدام في سورية استناداً الى القرار الأممي 2254 

على صعيد آخر في منطقتنا الأوسطية هذا العام 2019 ، تمكّن السودان الشقيق من تشكيل حكومته الاولى تلبية لمطالب الحراك الشعبية ، وكلنا أمل ان يحذو لبنان والعراق بنهج سلمي  ديمقراطي تشاركي لتشكيل حكوماتهم متجاوزين بعض الأجندات التي تسعى للفوضى بما يوفر للإقليم الاستقرار والسلام والتقدم .

أما في ليبيا واليمن ، فالمخاوف تزداد من التقسيم في ظل الحرب والصراع الدموي المدعوم اقليمياً ودولياً ، لتصبح اليمن الجنوبي والشمالي وليبيا شرقاً وغرباً .

فيما أثمرت الانتخابات الرئاسية في تونس عن فوز الرئيس قيس سعيّد ، وفِي الجزائر عن فوز الرئيس عبد المجيد تبون ،    

وسط انتخابات تنافسية ديموقراطية ونجاح مرشحيّن مستقليّن ، بما يشير الى استجابة للحراك الشعبي الوطني في البلدين وسياسات جديدة وفق تصريحات الرئيسين بهذا الخصوص فحواها ،  “ملتزمون بالتغيير ، وقادرون عليه ” .  

على الصعيد الداخلي …

في ظل المستقبل الأفضل والتغيير الذي نتطلع إليه ، نحتاج أيضا أن نتغير ، في تعاملنا مع بعضنا ، في نظرتنا للوطن ، في الاختلاف والتعدد ما يميّزنا وتزهو به حضارتنا التي امتدت عبر التاريخ بالوطنية السورية الخالصة  .

نزاهة القضاء واستقلاليته وعدم تسييسه والفصل بين السلطات أولوية في دولة المواطنة والقانون والديموقراطية ، تتم عبر مراحل أهمها أتمتة القضاء ، للحد بما يتجاوز ٧٠٪؜  من الفساد في الجسم القضائي ، وتتيح خلق فضاء أوسع للشفافية ولاتخاذ قرارات أصوب ، مع الاشارة الى ضرورة تحديث القوانين لمؤامتها مع الدستور والحداثة ، وتحسين  مستويات الدخل للقضاة  والعاملين في هذه الهيئة لمحاسبتهم في حال الإخلال بذلك .

تغيير وإصلاح السياسات ( الاقتصادية – الاجتماعية ) ضرورة ملحة مع استحداث آليات لتسهيل تسوية الديون المتعثرة المالية والبنكية وإلغائها عند الضرورة وخصوصا للمنشآت التي تعرضت للدمارومن المفيد في هذا الشأن أيضا زيادة الشفافية بشأن الديون المتعثرة ومنح قروض جديدة لاعادة تدوير الانتاج المحلي والعجلة الاقتصادية والتعامل مع المستجدات التي فرضتها الحرب عبر تعديل قانون المحاكم التجارية والمصرفية بإلغاء ادراج منع السفر  ، وللحد من تأثير الحصار والعقوبات الجائرة بما فيها قانون سيزر الفريد .

نحتاج إلى مشروع فكري نهضوي متكامل يقوم على التلازم والترابط بين شعارات الديمقراطية والتحرّر الوطني والعدل الاجتماعيوبتوفّر هذا المشروع، والمؤسّسات والأفراد العاملين من أجله، يمكن بناء مستقبل أفضل للأوطان وللشعوب معاً .

كل عام وأنتم بخير ، 

سورية للجميع … وفوق الجميع …

والى لقاء آخر …

مهندس باسل كويفي 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى