حقوق الطفل الإفريقي: بين الحماية والتهديد

أ/ كـــردالـــواد مـصـطــــفى

كلية الحقوق- جامعة سطيف 2

mestafaboulem@yahoo.fr

مقدمة:

   سجل النصف الثاني من القرن العشرين تطورا هائلا في مجال وضع اتفاقيات وآليات لحماية حقوق الإنسان Conventions and human rights mechanisms وحقوق الفئات الضعيفة Vulnerable groups rights، وتعتبر فئة الأطفال من الفئات الضعيفة التي تحتاج إلى رعاية خاصة من مختلف الجوانب الصحية والاجتماعية والتعليمية. و وجّه المجتمع الدولي عنايته لهذه الفئة الهشة من أجل حماية حقوقها، والسهر على رصد كل تقدم ونقص في مجال هذه الحماية على المستوى الدولي والإقليمي وحتى الداخلي للدول.

    ولتجسيد هذه الإرادة، أُبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحماية حقوق الطفل، وأُنشات منظمة دولية لرعاية الطفولة تُعرف بمنظمة اليونسيف، تختص بمتابعة واقع الطفولة ومدى التزام الدول بتطبيق اتفاقيات حماية الطفل التي انضمت إليها، كما أصدرت أجهزة الأمم المتحدة من جهتها وبالخصوص الجمعية العامة قرارات وتوصيات هامة في مجال حماية حقوق الطفل،

    ومن جهتها لم تتأخر الدول الإفريقية عن هذه الحركة العالمية لوضع أطر من أجل حماية حقوق الإنسان Human rights  حقوق الفئات التي انطلقت في العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، ونالت فئة الأطفال نصيبها من العناية والاهتمام على المستوى الإقليمي للقارة في إطار هذه الحركة العالمية، حيث أبرمت الدول الإفريقية اتفاقيات وأنشأت أجهزة لحماية حقوق الأطفال في القارة الإفريقية.

    تأسيسا على ذلك تبرز الإشكالية التالية: هل يمتّع جميع الأطفال الأفارقة بحقوقهم كما وردت في وثائق حماية حقوق الطفل؟ .

   لمعالجة هذه الإشكالية، نتناول في المحور الأول النظام الإفريقي لحماية حقوق الطفل، أما في المحور الثاني فنستعرض مهددات حقوق الطفل الإفريقي.

المحور الأول: النظام الإفريقي لحماية حقوق الطفل

    انضمّت معظم الدول الإفريقية إلى الاتفاقيات والأجهزة العالمية لحماية حقوق الطفل، وهي تسلّم تقارير دورية إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنظمة اليونسيف، حيث تبرز في هذه التقارير مدى التزامها بتنفيذ ماورد في اتفاقيات حقوق الإنسان وحقوق الطفل التي انضمت إليها.

 أولا/ اتفاقيات حماية حقوق الطفل الإفريقي:

    بعد انضمام معظم الدول الإفريقية إلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل The United Nations convention on the rights of the child ، التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر من سنة 1989، اجتمعت هذه الدول بأديس بابا سنة 1990، وعقدت من جانبها اتفاقية إقليمية لحماية حقوق الطفل، بعنوان الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته The African charter on the rights and welfare of the child ، الذي دخل حيز النفاذ في 29 نوفمبر 1999، حيث اعترف هذا الميثاق للطفل الإفريقي بحقه في التمتع بحقوقه كاملة غير منقوصة على غرار باقي أطفال العالم، دون تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو الدين .

   ويتكوّن الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته من ديباجة وثمانية وأربعون (48) مادة موزعة على أربعة فصول. فقد افْـتُـتِح الميثاق بتعريف للطفل؛ ونصت مادته الثانية (2) بأنّ: “…الطفل هو كل إنسان تحت سن الثامنة عشر“. ومن أمثلة حقوق الطفل الإفريقي الواردة في هذا الميثاق نجد؛ حقّـه في الحياة (المادة5)، حقـه في حرية التعبير والرأي (المادة7)، حقـه في التفكير والعقيدة والديانة (المادة8)، حقـه في التربية (المادة11)، حقـه في الترفيه (المادة 12)، حقـه في الرعاية الصحية (المادة14)، حقـه في التعليم (المادة11)، حـق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في الرعاية الخاصة (المادة 13)، حقـه في الحماية من التشغيل المبكر (المادة 15)، حقـه في الحماية من إساءة المعاملة (المادة 16)، حقـه في الحماية من النزاعات المسلحة (المادة 22)، حقـه في الحماية من اللجوء (المادة 23)، حقـه في الحماية من التفرقة العنصرية والتمييز (المادة 26)، حقـه في الحماية من الاستغلال الجنسي (المادة 27)، حقـه في الحماية من المخدرات (المادة 28)، حقـه في الحماية من البيع والاتجار والاختطاف (المادة 29).

   كما تعزّز النظام الإقليمي لحماية الطفل الإفريقي مع مطلع الألفية الثالثة، بمصادقة معظم دول القارة الإفريقية على البروتوكول الإختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية Optional protocol to the convention on the rights of the child on the sale of children, child prostitution and child pornography؛ المعتمد بنيويورك في 25 ماي سنة 2000، إلى جانب ذلك انضمت غالبية الدول الإفريقية إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة Optional protocol to the convention on the rights of the child on the involvement of children in armed conflict ؛ المعتمد بنيويورك في 25 ماي سنة 2000.

ثانيا/ أجهزة حماية حقوق الطفل الإفريقي:

   من أجل تفعيل الحقوق الواردة في ميثاق حماية حقوق الطفل الإفريقي والرقابة على مدى احترامها من جانب الدول الأطراف في الميثاق؛ تدعّمت منظومة حقوق الطفل الإفريقي بآلية مؤسسية، تمثلت في لجنة مشكّلة من مجموعة من الخبراء الأفارقة المتخصصين في شؤون الطفولة، وتعمل هذه اللجنة داخل هياكل الاتحاد الإفريقي من أجل حماية وتعزيز حقوق الطفل الإفريقي ورفاهيته.

   وتتكون لجنة حماية حقوق الطفل الإفريقي من 11 خبيرا مشهود لهم بالاستقامة والأخلاق والنزاهة والتخصص، ويعمل هؤلاء الأعضاء المنتخبون بصفتهم الشخصية لمدة خمس سنوات غير قابلة للتجديد.

     تتمثل مهام هذه اللجنة في إشاعة ثقافة حقوق الطفل في القارة الإفريقية من خلال جمع الوثائق والمعلومات، القيام بالدراسات، التعاون مع المؤسسات الوطنية في مجال حماية حقوق الطفل، بالإضافة إلى تفسير الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل.  ومن أجل تقييم أوضاع الطفولة في القارة والوقوف على مدى إلتزام الدول الأعضاء بحماية حقوق الطفل الواردة في الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل، تستعين اللجنة بآليات إجرائية على غرار تلقي التقارير من الدول الأعضاء، والبلاغات، وإجراء التحقيقات. وتعد  اللجنة تقريرا دوريا عن أنشطتها، تقدمه خلال كل دورة عادية من دورات مؤتمر دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، ثم ينشر هذا التقرير بعد دراسته من طرف المؤتمر، ويُوزع على نطاق واسع على مستوى بلدان الدول الأطراف.

ثالثا/ إدماج منظومة حماية حقوق الطفل الإفريقي في منظومة القوانين الوطنية:

   تنصّ المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 Vienna convention on the law of treaties, على سموّ الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية، وتطبيقا لهذه المادة فيما يخص إدماج اتفاقيات حقوق الطفل على المستوى الإفريقي؛ فإن انضمام الدول الإفريقية إلى اتفاقيات حقوق الطفل العالمية والإقليمية، يترتّب عليه من الناحية التقنية سمو هذه الاتفاقيات على قوانينها الداخلية، كما يفرض على الدولة المنضمّـة إلى هذه الاتفاقيات تعديل قوانينها الداخلية المتعارضة مع هذه الاتفاقيات المصادق عليها.

    وفي إطار تكييف الدول الإفريقية لمنظومتها القانونية الداخلية الخاصة بحماية حقوق الطفل مع المنظومة القانونية الدولية والإقليمية لحماية حقوق الطفل التي انضمت إليها، قامت هذه الدول بإصدار جملة من القوانين الجديدة في مجال حماية حقوق الطفل، وعدلت بعضها، وألغت أخرى. فعلى سبيل المثال أصدرت الجزائر القانون رقم 15-12 المؤرخ في 15 جوان 2015 (ج رعدد 39 لسنة 2015)، والذي يهدف حسب مادته الأولى إلى تحديد قواعد وآليات حماية الطفل في الجزائر. ومن أجل تحقيق هذا الغرض نص القانون على إنشاء هيئة وطنية لحماية وترقية الطفولة، تعمل تحت وصاية الوزير الأول.

رابعا/ تمكين وانتفاع الطفل الإفريقي من حقوقه:

      استطاعت بعض الدول الإفريقية وعددها قليل جدا، من ضمان تمكين وانتفاع أطفالها بحقوقهم الواردة في النظام الإفريقي لحقوق الطفل، خاصة حقوقهم الأساسية على غرار الحق في الأمن، الغذاء، الصحة، التعليم، والترفيه. زيادة على ذلك فعند مقارنة واقع الطفل الإفريقي اليوم في العقد الثاني من القرن 21م، فهو واقع أفضل بكثير من ما عاشته أجيال الطفولة السابقة في القارة، وذلك من عدة جوانب؛ فقد تراجعت اليوم نسبة وفيات المواليد الجدد في إفريقيا بالمقارنة مع الفترات السابقة، رغم أن إفريقيا اليوم لا تزال تسجل أعلى النسب عند مقارنتها ببقية مناطق العالم الأخرى، كما يحصل الطفل الإفريقي اليوم على الغذاء، والملبس، والمسكن، بشكل أفضل من ما مضى، ويُمْضي فترات أطول على مقاعد الدّراسة بالمقارنة مع الأجيال السابقة في القارة.

    لكن رغم هذا التحسن الملحوظ في تمكين الطفل الإفريقي من التمتع بحقوقه، إلا أن الفجوات لاتزال جد عميقة بين الأطفال الأفارقة في القارة نفسها كما سبق الإشارة إليه، وبين الأطفال الأفارقة وبقية أطفال دول العالم؛ فالطّفل الذي يُولد مثلا في النيجر يُـتَوَقّع له أن يعيش حياة أقل بنحو 26 سنة عند مقارنته بالطّفل الذي يُولَد في الدّنمارك، ويُـتَوَقّع له أن يُمضِي فترة دراسة تقلّ بنحو تسع سنوات عند مقارنته مع نظيره الدنماركي، وفيما يخصّ كمّية السّلع التي يُتاح له استهلاكها خلال حياته؛ فهي تقلّ بنحو 53 مرة من تلك التي سوف يحصل عليها الطفل الدنماركي.

   لذلك، فإذا كان رهان حماية حقوق الطفل في إفريقيا قد تم كسبه على مستوى النظري، إلا أن هذا الرهان يبقى قائما في شقه العملي، حيث لا يزال الطفل في معظم الدول الإفريقية يعاني نقصا فادحا في تمتعه وتمكينه من الانتفاع بحقوقه وخياراته وإمكاناته، وهو ما نعالجه في المحور الموالي.

المحور الثاني: مهددات حقوق الطفل الإفريقي

    رغم الاتفاقيات والنّصوص القانونية التي تمّ وضعها والانضمام إليها، ورغم كل الأجهزة واللجان التي تم إنشائها من أجل حماية حقوق الطفل الإفريقي، ورغم كذلك المجهودات الحكومية وغير الحكومية المبذولة لتحسين وتحقيق جودة حياة الطفل الإفريقي، إلاّ أنّ الوضع العام للطفولة الإفريقية يظل مأساوي ومزري في معظم الدول الإفريقية-باسثناء بعض الدول القليلة، ولا يرق إلى مستوى الحماية المنصوص عليها في وثائق حماية هذه الفئة الضعيفة، نتيجة شيوع العديد من المخاطر Risks والتهديدات الأمنية  Security threats  في القارة الإفريقية، التي حالت دون تمتع الأطفال بأمنهم وحقوقهم كما هو حال أقرانهم في باقي أقطار العالم؛ فالكثير من هذه التهديدات يرجع أساسا إلى أزمة بناء الدولة في إفريقيا، وكذا للتدخلات الأجنبية، والتبعية للمستعمر السابق؛ مما أغرق دول القارة في صراعات دائمة وأخرى تندلع من حين إلى آخر، زيادة على انتشار الفقر والجوع بين الأفارقة، وحالة العجز الاقتصادي المزمن الذي تعاني منه العديد من دول القارة، يضاف إلى ذلك أوضاع التدهور البيئي وتغير المناخ التي أصبحت تهديدات جدية لحقوق الإنسان الإفريقي، فكل هذه المخاطر والتهديدات جعلت غالبية دول القارة تحتل كل سنة مراتب دنيا على مستوى دليل قياس التنمية البشرية Human development indicator لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP .

أولا/ الحــــــــــــروب الأهليـــــــــــــة:

    منذ عقود طويلة تعيش الكثير من الدول الإفريقية خاصة في منطقة الساحل جنوب الصحراء، على وقع حروب أهلية Civil wars وأزمات عدم الاستقرار الداخلي، هذه الحروب كما هو معلوم تهدد حقوق الإنسان، خاصة فئة الأطفال التي تعتبر فئة ضعيفة بطبيعتها. فغالبا ما يكون هؤلاء الأطفال أكثر ضحايا هذه الحروب؛ فأعداد كبيرة منهم يموت أو يُصاب بعاهة مستديمة؛ وتشير الاحصائيات في هذا الصدد إلى مقتل أكثر من مليوني طفل منذ سنة 1990 في إفريقيا؛ أي بمعدل 500 وفاة كل يوم.

    كما تؤدي هذه الحروب إلى فقدان الكثير من الأطفال الأفارقة لمن يعيلهم، نتيجة عمليات القتل العشوائي الذي ترتكبها أطراف الصراع، أو بسبب انتشار الأمراض والمجاعات الناتجة عن هذه الصراعات، حيث يفقد بعضهم والديه، أو يصابون بعاهة مستديمة تحول دون رعايتهم لأطفالهم. لذلك فمن يبقى من الأطفال على قيد الحياة في مناطق الصراع، يجد نفسه مضطرا إلى سلوك طريق اللجوء والهجرة مع قوافل اللاجئين والمهاجرين إلى المناطق[الآمنة]، وخلال مسار رحلة الانتقال يتعرض هؤلاء الأطفال لأخطار جمة، بل ويفقد الكثير منهم حياته قبل الوصول إلى هذه المناطق[الآمنة].

    أما إذا اختار الطفل البقاء في مناطق الصراعConflict zones ، فيجد نفسه مرغما على الانخرط في الصراعات المندلعة، فالصورة النمطية عن الأطفال الأفارقة أنهم يحملون البنادق والأسلحة قبل أقلام ومحافظ الدراسة، وعليه تُعـدّ ظاهرة الأطفال الجنود Child soldiers من الظواهر المميزة للحروب الأهلية في البلدان الإفريقية؛ حيث قُـدّر عمر 60٪ من الأطفال المنخرطين في الحروب المندلعة في إفريقيا بــ14 سنة؛ ففي أوغندا مثلا بلغ متوسط عمر المقاتلين المنخرطين في النزاع الأهلي 12.9 سنة.         

    فضلا عن ذلك، حولت هذه الحروب العديد من الدول الإفريقية إلى دول فاشلةFailed States ، مما أدى إلى حرمان استفادة الطفل الإفريقي من حقوقه الأساسية كالأمن، الصحة، الغذاء، التعليم، الترفيه، نتيجة انهيار المؤسسات التي توفر له هذه الخدمات الحيوية.

ثانيا/ تـــــــــدهور البيـئــــــــــــــة:

   تعـرف البيئة الإفريقية انتشارا للعديد من التهديدات Environmental threats على غرار الجفاف والتصحر والفياضانات والعواصف، فهذه التهديدات البيئة المزمنة وحتى المفاجئة منها، تهدد حقوق الطفل الإفريقي. فمـن الشائع بأن نوبـات الجفاف والفيضانات تجلُـب معها تهديدات صحية خطيرة مثل مشاكل الجلد، والأمراض المرتبطة بالمياه، والصرف الصحي.

   كما تحفّـز التهديدات البيئية على سرعة انتشار الأوبئة على غرار الكوليرا والإسهال التي تمسّ فئة الأطفال بسبب ضعف مناعتهم أجسامهم، فعلى سبيل المثال سجلت إفريقيا سنة 2008 أعلى نسبة لوفيات لأطفال بسبب مرض الإسهال، حيث قُدّر بأن بـ70٪ مـن بيـن 1.3 مليون حالة وفاة للأطفال الذين يقل سنهم عن خمس سنوات.

    وما يزيد من تعميق معاناة الأطفال الأفارقة هو فقر الكثير من الدول الإفريقية، وعجزها على توفير الأدوية واللقاحات اللازمة لتطعيم الأطفال ضد الأمراض الشائعة، وعلاج الأمراض الخطيرة خاصة مرض الأيدز والإبولا، وما يعقد أكثر الأوضاع الصحية للأطفال في القارة السمراء، هو ضعف الهياكل الصحية على غرار المستشفيات والأطقم الطبية، وحتى انعدامها في الكثير من مدن وأرياف القارة الإفريقية.

  ومن جانب آخر، تخلّـف الصّدمات المناخية آثار خطيرة على أمن الإنسان الغذائي في القارة، وعلى فئة الأطفال بوجه خاصّ؛ ونتيجة للآثار السلبية لهذه الصدمات والتغير المناخي  Climate changeعلى موارد الأسر الإفريقية وأصولها على غرار آبار المياه، المحاصيل، الغلال والحيوانات، فعلى سبيل المثال يضطرّ أطفال إثيوبيا ومالاوي إلى مغادرة مقاعد الدراسة مبكرا، وممارسة العمالة في المزارع والشوارع من أجل الرفع من دخل الأسرة.

ثالثا/ العـنـــــــــــــــــف:

   يعتبـر العنف Violence بجميع أشكاله من سيمات هذا العصـر؛ فهو منتشر في جميع المجتمعات والدول في زمن السلم أو في زمن الحرب؛ وإن كان في أوقات الحرب تزداد حدته أكثر، كما يمس العنف جميع الفئات ومن الجنسين، ولكن البنية الجسمية والذهنية الضعيفة للطفل تجعله من أكثر الفئات وأشدها حساسية لجميع صنوف العنف .

     بالرجوع إلى تقرير اليونيسيف لسنة 2014 نجده حدد أربع أنواع للعنف موجهة ضد الطفل violence against children فهناك العنف الجسدي الذي يتخذ عدة أشكال كالتعذيب، العقاب الجسدي، المعاملة القاسية والمهينة. أما العنف الجنسي Sexual violence الذي يقع الطفل كضحية له فيتمثل في إرغام الطفل على ممارسة الجنس، أواستغلاله في التجارة الجنسية والدعارة؛ وحتى استعمال الطفل في تسجيلات صوتية أو مرئية ذات دلالات جنسية. في حين يتخذ العنف العقلي الممارس على الطفل شكل المعاملة النفسية والذهنية القاسية أوحتى استخدام عبارات تخدش مشاعره، وألفاظ التحقير والترهيب، ويدخل ضمن صنوف العنف العقلي إهمال الطفل، وعزله وتهميشه. ويتمثل النوع الأخير من العنف الموجه ضد الطفل في المعاملة المهملة للطفل؛ التي تكون بإهمال رعايته من ناحية الصحة الجسمية والنفسية والتعليمية، وكذا عدم توجيهه وحمايته من المخاطر والتهديدات المختلفة.

    ويعاني معظم الأطفال الأفارقة من جميع أشكال العنف المحددة أعلاه، فمنذ أيّـام الطفولة الأولى يقع الطفل الإفريقي في شراك  العنف الأسري الذي يتسبب فيه أحد الوالدين والأقارب والجيران، وعندما ينتقل الطفل إلى المدرسة يقع مرة أخرى تحت وطأة العنف الممارس من قبل الطاقم التعليمي والإداري ومن محيط المدرسة، كما يعاني الطفل الإفريقي من العنف في الشارع الذي يمارسه المنحرفون وعصابات الاختطاف من أجل الفدية وحتى من طرف مروجي ومستهلكي الأدوية والمخدرات.

      ويزداد الوضع تعقيدا بالنسبة للفتيات الصغار، ففي كثير من المجتمعات الإفريقية يكفي أن يكون مولود الأسرة الجديد من جنس أنثى لتكون حقوقه وخياراته في الحياة جد محدودة، فنتيجة لسيادة المنطق الذكوري القبلي وحالة التخلف التي توجد عليها الكثير من المجتمعات الإفريقية تنعدم وتقل فرص تمتع الفتاة بحقوقها في الغذاء والتعليم والصحة، بل وتزيد معاناتها من خلال تحمل أعباء الأسرة كجلب المياه والثمار وحتى خشب التدفئة من مناطق بعيدة، وفي بعض الأحيان يتم الزج بها للعمل في المزارع أوكخادمات في المنازل؛ مما يزيد من مخاطر انتهاك حقوقها واستغلالها كأوراق ضغط في الصراعات من طرف العصابات المتصارعة والجماعات الإرهابية، فعلى سبيل المثال صنّـف تقرير الحقوق في إفريقيا الصادر سنة 1994 العنف الجنسي الذي يتّخذ شكل تعدي جنسي على الفتيات في المدارس، كمشكل خطير في عدد من الدول الإفريقية على غرار جمهورية الكونغو الديموقراطية، نيجيريا، جنوب إفريقيا، السودان، زامبيا؛ وبعد مرور 10 سنوات، سجل التقرير مرة أخرى سنة 2005، تقدما طفيفا لمعالجة تهديد العنف الجنسي ضد الفتيات في الوسط المدرسي من طرف الدول الإفريقية المعنية.

رابعا/ تجـارة البشـر:

     لم يكن انضمام البلدان الإفريقية إلى اتفاقيات حقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف، واتفاقيات حماية حقوق الطفل الدولية والإقليمية التي تحرم التجارة بالبشر  Human traffickingكافيا للقضاء على هذه الظاهرة المنتشرة في بعض مناطق القارة الإفريقية، وهي ظاهرة حلت محل الظاهرة القديمة للتجارة بالرق والعبيد التي ارتبطت طويلا بالقارة في القرون السابقة. لذلك تشكل اليوم تجـارة البشـر تهديد جدي لحقوق الإنسان الإفريقي، وفئة الأطفال من الجنسين بالخصوص؛ بل وفي كثير من الأحيان أصبحت الشبكات المحلية للتجارة بالبشر، ترتبط بشبكات دولية لتهريب المهاجرين، والدعارة، وعصابات التجارة بالأعضاء البشرية.

    ففي بوركينافاسو مثلا يتم التجارة بالفتيات من أجل استعمالهن في العمل المنزلي كخادمات أو لاستخدامهن في مجال الاستغلال الجنسي، والدعارة؛ أما في الموزمبيق فقد أشارت بعض المصادر إلى أنه يتم سنويا التجارة بحوالي 1000 فتاة من أجل تحويلهن للعمل في مجال الدعارة بجنوب إفريقيا. ففي السنوات الأخيرة تناولت أيضا العديد من الدراسات ووسائل الإعلام في مالاوي ظاهرة تجارة الأطفال في البلد من أجل استعمالهم في العمل واستغلال جنسي؛ حيث اتخذت تجارة الأطفال شكل تجارة خارجية وداخلية، فقد تم تسجيل عدد يتراوح ما بين 500 إلى 1500 إمرأة وطفل تم المتاجرة بهم داخل مالاوي فقط، وشكلت نسبة أعمار الأطفال المتاجر بهم ما بين 14و15 سنة نسبة 30 من صفقات المتاجرة، كما أشارت نفس الدراسة إلى أنه تم المتاجرة بـحوالي 400 إمرأة وطفل مع جهات خارج البلد.

   بعد استعراض أهم مهددات حقوق الطفل الإفريقي، يبدو جليا بأن حقوق الطفل الإفريقي لا تزال عرضة للانتهاك والانكار في الكثير من مناطق القارة الإفريقية-باستثناء بعض الدول الإفريقية القليلة، وتتربص بها كل حين مخاطر وتهديدات جمة. فكل هذه الأوضاع جعلت من واقع الطفولة في معظم دول القارة واقعا مؤلما ومأساويا، عاشته أجيال سابقة، ولا تزال تعيشه حاليا أعداد غفيرة من البراءة في إفريقيا، وهو واقع أثبتته منذ عقود طويلة عدة تقارير حكومية وغير حكومية، وتتناقله يوميا وسائل الإعلام العالمية والمواقع الإلكترونية بالصورة والصوت، وكلها مشاهد لواقع مزري لا يُشرف الإنسانية في الألفية الثالثة، لمأساة أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في قارة إسمها إفريقيا غنية بشعوبها وبثرواتها وبحضارتها.

خاتمة:

    في الأخير نصل إلى القول، بأنّ منظومة حماية حقوق الطفل الإفريقي التي تحوزها القارة الإفريقية على المستوى النظري هي منظومة قانونية وحقوقية متكاملة إلى حد ما، وذات معايير عالمية؛ رغم أن هذه المنظومة النظرية قد تم تكييفها من طرف واضعيها مع خصوصية الحضارة الإفريقية African Civilisation مراعاة منهم للجوانب الاجتماعية والثقافية والبيئية للقارة السمراء.

           وعليه، فبعد الدراسة والتحليل نصل إلى مجموعة من النتائج نوردها على ضوء العناصر التالية :

  • تمتلك القارة الإفريقية نظام إقليمي لحماية حقوق الطفل، يتشكل أساسا من مجموع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي انضمت إليها أو وضعتها دول القارة.
  • النظام الإفريقي لحماية حقوق الطفل الإفريقي ثري على المستوى النظري بالحقوق وآليات الحماية المؤسسية والإجرائية، لكن فعاليته في الواقع جد محدودة، ولا ترق حتى إلى مستوى ما هو منصوص عليه في وثائق هذا النظام.
  • منذ بداية الألفية الثالثة يسجل تحسن ملحوظ فيما يخص تمتع الأطفال الأفارقة بحقوقهم بالمقارنة مع الأجيال السابقة للأطفال الأفارقة، لكن عند مقارنة تمتع جيل الأطفال الأفارقة الحاليين بحقوقهم وخياراتهم وإمكاناتهم مع تمتع باقي أطفال دول العالم خاصة أطفال الدول المتقدمة فالفرق شاسع والنقائص فادحة والانتهاكات صارخة في حق الأطفال الأفارقة.
  • هناك تباين كبير بين الدول الإفريقية في مدى تمتع الأطفال بحقوقهم، فبعض الدول الإفريقية وعددها قليل جدا، تمكنت من ضمان تمتع أطفالها بحقوقهم الأساسية في مجال الأمن، الصحة، التعليم والغذاء، بينما أغلبية الدول الإفريقية لا يزال أطفالها محرمون حتى من حقوقهم الأساسية كالأمن، الغذاء، التعليم والرعاية الصحية.
  • تتمثل أهم أسباب عدم تمكين وانتفاع الأطفال الأفارقة من حقوقهم الواردة في وثائق حقوق الطفل في: الحروب الداخلية، ارتفاع ميزانيات الانفاق العسكري على حساب ميزانيات الصحة والتعليم، التدخلات الأجنبية، ارتباط معظم النظم الحاكمة في إفريقيا بالقوى الدولية والمستعمر السابق، استشراء الفساد في معظم نظم الحكم الإفريقية، انتشار الإرهاب والتطرف العنيف في بعض مناطق القارة، استنزاف ونهب خيرات القارة الإفريقية من طرف المستعمر السابق والقوى الدولية، تدهور البيئة وتغير المناخ في أقاليم القارة، ارتفاع عدد السكان القارة الإفريقية، العجز الاقتصادي للدول الإفريقية، انتشار الفقر والجوع والأمية بين شعوب القارة الإفريقية.

   ولتحقيق تمكين وانتفاع حقيقي للطفل الإفريقي من حقوقه وضمان جودة في التمتع بها، ندرج مجموعة من التوصيات على ضوء العناصر التالية:

  • يقع على الدول الإفريقية ضرورة التطبيق الفعلي لالتزامتها التي تعهدت بها بموجب اتفاقيات حقوق الطفل العالمية والإقليمية، ولضمان التطبيق الفعلي لهذه الالتزامات وجب على أجهزة الحماية العالمية والإقليمية، وبموجب ما تملكه من آليات إجرائية الاضطلاع بدورها كاملا غير منقوص في مجال الرقابة والمتابعة والرصد لكل تقدم ونقص في الحماية المقررة للطفل في كل الدول الإفريقية.
  • يجب على الدول الإفريقية، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، مضاعفة المجهودات المبذولة من خلال برامج وسياسات وخطط في مجالات الصحة، التعليم، التكوين، التنمية والبيئة. من أجل إعمال حقوق الطفل في دول القارة الإفريقية، وضمان تمتع الأطفال الأفارقة بها؛ وحتى يتطابق أيضا واقع الطفل الإفريقي مع ما هو منصوص عليه في وثائق نظام حماية حقوقه.
  • تتولى فواعل المجتمع المدني على غرار الجمعيات ووسائل الإعلام وحتى الأفراد دور متابعة واقع الطفولة في دول القارة الإفريقية ومن ثم اقتراح الحلول، والرقابة بعد ذلك على تنفيذها، وتنفيذ كل التعهدات والالتزامات المبرمة، كما تتولى الكشف عن الانتهاكات، وكل قصور، أو تعسف في مجال حماية حقوق الطفل.
  • إيلاء عناية خاصة بفئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، الأطفال الأيتام، الأطفال اللاجئين والمهاجرين، والأطفال المولودين خارج العلاقات الشرعية باعتبارهم ضحايا لا ذنب لهم، فهذه الفئة من الأطفال تعاني في صمت قاتل بين أسوار وجدران مراكز الطفولة المسعفة ومراكز الهجرة إن وجدت، وبعضها الآخر بلا مأوى يعاني الضياع والتشرد في الشوارع والأزقة، والعناية بهذه الفئة الهشة تتحقق من خلال الرعاية الصحية والدعم النفسي وبرامج التعليم والتكوين حتى تتمكن من الاندماج كأفراد إيجابيين في المجتمع.

قائمة المراجــــع:

أولا/بالغة العربية:

– الميثاق الإفريقي لحماية حقوق الطفل ورفاهيته المبرم بأديس بابا سنة 1990.

-القانون رقم 15-12 المؤرخ في 15 جوان 2015 (ج رعدد 39 لسنة 2015) المتعلق بتحديد قواعد وآليات حماية الطفل .

-برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2005، ترجمة غسّان غصن، ماريا أبو خليفة، عمر الأيّوبي، سعيد العظم محمد شومان، بيروت: مطبعة كركي،2005.

– برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: تقرير التنمية الإنسانية 2007/2008، نيويورك ولبنان: شركة الكركري للنشر، 2007.

– أمينة ديـر: ” أثر التهديدات البيئية على واقع الأمن الإنساني في إفريقيا دراسة حالة – دول القرن الإفريقي-“، مذكرة ماجستيـر، قسم العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة بسكرة، 2013-2014.

– هيلاري كلينتون، ترجمة ميراي يونس، خيارات صعبة، مذكرات،  شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،2015.

ثانيا/ بالغة الأجنبية:

Brooke Breazeale: Transforming Children of War into Agents of Change,Topical Review  Digest :Human Rights In Sub-Saharan Africa.

-UNICEF :Hidden in plain sight :a statistical analysis of violence against children,New York, 2014.

-The African child policy forum :Violence against children in Africa: A Compilation of the main findings of the various research projects conducted by the African Child Policy Forum (ACPF) since 2006,March 2011.

The African child policy forum :Violence against children in Africa: A Compilation of the main findings of the various research projects conducted by the African Child Policy Forum (ACPF) since 2006,March 2011.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button