خريطة السراج والفرصة الإقليمية
عامر مصباح
جامعة الجزائر 3
طرح رئيس حكومة التوافق الليبية فايز السرج مبادرة سياسية جديدة تتضمن خريطة طريق لإعادة الاستقرار إلى البلاد، والتي تضمنت إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، توحيد مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، تشكيل لجنة لوضع الإجراءات العملية لسير الانتخابات وغيرها من الخطوات. من الناحية النظرية، تعد مبادرة متكاملة لتحريك البلاد نحو الاستقرار الأمني والسياسي. جاءت مبادرة السراج في سياق تصاعد المخاوف من احتدام المعارك بين الفصائل المسلحة حول المراكز الحيوية للبلاد مثل المثلث النفطي في خليج سرت والعاصمة طرابلس؛ وكذلك إعلان فرنسا دعم خليفة حفتر بالتنسيق مع القاهرة ودعم الإمارات لحفتر بأسلحة متطورة للقوات الجوية.
بعيدا عن معادلة القتال على المستوى المحلي المحكومة أصلا بواسطة صراع الإرادات الإقليمية والدولية، فإن مبادرة خريطة الطريق لفايز السريج تعتبر فرصة كبيرة لدول الجوار الإقليمي لليبيا من أجل إعادة الاستقرار لهذا البلد، الذي مزقته الانقسامات السياسية والصراعات العسكرية والتنافس الدولي. المحور الإقليمي الأكثر تأثيرا والمعوّل عليه في تعزيز وتقوية ومن ثم إنجاح خريطة السراج هو محور الجزائر-القاهرة، مما يعني بطريقة أخرى ضرورة تصرف الحكومتان بطريقة توافقية إزاء الأزمة على افتراض أن الأزمة الليبية لا يمكن أن تحل بعيدا عن الأطراف الإقليمية، وهي المتضرر الأول من آثارها المأساوية.
ليس هذا فحسب، وإنما أظهرت التجربة السابقة في إدارة الأزمة أن التخندق مع القوى الدولية مثل فرنسا أو الولايات المتحدة سوف يعقّد عملية الوصول إلى الحل وتحريك الأزمة باتجاه الاستقرار الأمني؛ وفي نفس الوقت أن دول الجوار وحدها التي تتحمل الأعباء الأمنية وتتأثر بمخرجاتها السلبية (تدفق الأسلحة، الإرهاب، المهاجرين، الجريمة المنظمة).
صحيح أن القوى الدولية لاعب رئيسي في الأزمة الأمنية الليبية على الأرض من خلال نشر وحدات استخبارية وأخرى شبه قتالية على الأراضي الليبية، يتعلق الأمر هنا بكل من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وإيطاليا؛ ولكن معظم هذه الدول لا تريد التدخل بكل ثقلها في حل الأزمة، بل إن مقارباتها الأمنية عملت فقط باتجاه المحافظة على الوضع القائم وتوفير القدرات الاستخبارية واللوجستية من أجل القيام بالعمل الاستباقي لاحتواء أي تهديدات إرهابية ضد أراضيها. بالطبع مثل هذه المقاربات لا تساعد دول الجوار على تأمين حدودها وإسعاف الحكومة الليبية على استعادة الأمن والسيطرة على أراضيها.
يوجه العمل الإقليمي في دعم خريطة السراج نحو إقناع وتشجيع الأطراف على الانخراط في العملية السياسية الوطنية، طمأنة الأطراف لبعضها البعض على المشاركة في المشهد السياسي القادم، وضع ضمانات لعدم عودة الوضع السابق إلى السيطرة على البيئة السياسية الليبية بعد الانتخابات؛ والأكثر أهمية من كل ذلك، تحضير الأطراف الليبية للاعتراف المتبادل بأحقية وجود الآخر السياسي والاجتماعي والثقافي، طالما أنهم يقبلون الممارسة الديمقراطية ويرفضون الإرهاب.
يمكن الإشارة في هذا الصدد، إلى أن للجزائر علاقة وثيقة مع عدد من الأطراف الحزبية والمجتمع المدني والشخصيات المستقلة، ونفس الشيء بالنسبة للقاهرة؛ والتي يمكن أن توظف بفعالية في اتجاه إنجاز المهام السابقة وتأمين الطريق نحو جعل خريطة السراج قابلة للعمل على البيئة السياسية الفعلية لليبيا.
الأزمة هي وطنية-جوارية لا تُحل إلا بواسطة أطراف الجوار بالتعاون من الأطراف المحلية.