دراسات شرق أوسطية

دراسات مغاربية: تراث وادي سوف بالجزائر

منطقة وادي سوف

الداخل الى ولاية الوادي باحثا خلف أركانها الصامدة، الضاربة في عمق تراث المنطقة وهويتها، يلاقي الدهشة أمام رحابة أهلها، وقوة تمسك عناصرها التراثية بالبقاء، من مقهى حما الباهي مقصد “يا بنية العرجون”، الى مقهى “العوانة” أو عمال بالبناء باللغة العربية، الى جامع الـ55 قرون الوقف من أقارب أبو القاسم الشابي.


مقهى “حما الباهي” .. اليتيم الصامد في وجه “التبليط”

من أبرز “التحف” التقليدية المثبتة لهوية وادي سوف، المقاهي الرملية، أو بالأحرى “المقهى الرملي”، كونه لم يبق سوى مقهى يتيم على مستوى الولاية، وهو ما يحرمنا من بعثها بصيغة الجمع، تجسد المقهى الوحيد الصامد في “حماباهي”، ليراجع الزائر ذكريات تراث الولاية مع كوبه من الشاي بسعر لا يتجاوز 155 دينار.

يتوسط المقهى الرملي التقليدي “حما باهي” سوق الوادي على مستوى ساحة اليهود قديما، أي ساحة فلسطين حاليا، ويحتل المقهى التقليدي المتربع على مساحة بسيطة، يتوسطها محيط رملي، يجمع شمل الوافدين على الرمل مباشرة  لرشف الشاي على الطريقة التقليدية، في جو من اللعب من “دومينو”، على الأغلب، في حين أن الداخل اليه يلاحظ توسطه لدكاكين القشابة التقليدية، مع سمة التآكل التي أتت على مدخله البسيط نظرا لعوامل الزمن عبر قرن من الصمود، يوصلك بعده مدخله الطويل نوعا ما “كدهليز صغير” الى الساحة الرملية حيث تتحلق الجموع مع اكواب الشاي.

مقهى حما الباهي، المتوسط للسوق المركزي لوادي سوف، والضارب في العمق التاريخي، حيث يعود لما قبل القرن من الزمن، وشهد حقبات من الاحتلال الفرنسي وطالما جمع الوافدين، يعاني اليوم من عوامل الزمن من قدم وتفتت أرجائه في ظل قلة أو انعدام دور السلطات المعنية، في الحفاظ على هكذا معلم لتراث الولاية.

“الوسط” لدى زيارتها للمقهى أول ما لفت الانتباه هو الديكور التراثي للمقهى، على ضيق مساحته وبساطته، إلا أن الجو يلفحك بنسمات تراثية، سواء من ناحية الأرضية الرملية، أو طبيعة التجمعات الدائرية من طرف الرواد الذين جعلوا من الرمل موطئ جمع لهم، وأكواب الشاي في غدوها ورواحها، أو من جانب الاكتظاظ الذي يعرفه.

الإكتظاظ دلالة تشبث السوفيين بتراثهم

يعرف مقهى “حما باهي” اقبالا واسعا من طرف سكان المنطقة، وإن كان التركيز يقع على وجه الخصوص على فئة الكهول، في حين يعرف بعض العزوف من طرف الشباب وهو ما لقى الكثير من اللوم من طرف المشرف على  المقهى حاليا، نظرا لما يمثله من تراث للولاية وأهلها، وضرورة التمسك به، إلا أن نسبة العدد الكبير بداخله تكشف عن تمسكهم بهكذا عادات ضاربة في القدم، وسط جو من القصص التي تتجاذبها أطراف الحديث بين الفينة والأخرى مع لعب الدومينو، الذي يحول الرواد الى جماعات متحلقة حول دائرته تمزجها أكواب الشاي، احيانا بعض المشروبات الغازية، في فكر واحد، من الحياة العامة الى السياسة والرياضة كعموم الشوارع أو المقاهي الجزائرية.

المناعي .. عامل الزمن وهجران الشبان

كشفت لنا زيارة المكان، أن المقهى بتراثه المعنوي بخاصة، يجعله محلا أو المقهى الأول لعميد الأغنية السوفية عبد الله المناعي، بخاصة في يوم السبت، مبرزين أن صاحب رائعة “يا بنت العرجون” يفضل الجلوس على الرمل ورشف كوبه من الشاي، وسط أقرانه، وأهل ولايته، على تلك الرفاهية البعيدة عن التراث، إلا أن الحظ لم يسعفنا للقائه رغم أن زيارتنا توافقت ويوم السبت الأكثر إقبالا.

من الجانب السياحي وعلى رغم قدم وعدم تجديد المقهى، كشف لنا المشرف أن السياح بدورهم يقبلون على المقهى، من باب التركيز على أرضيته الرملية، والتي صارت جد نادرة عبر مختلف الأرجاء على رغم أنها الاساس في المناطق الصحراوية، فعلى مستوى الوادي يمثل مقهى حما باهي الجدار الوحيد الصامد أمام “التحديثات” ومواكبة التغييرات التي تجلبها.

“حما الباهي” .. قرون من الصمود

أكد لنا المشرف أن المقهى رغم قدمه وبمدة تتجاوز الـ100 سنة، إلا أنه حافظ على شكله الأول منذ إنجازه وبأنه لم تطرأ عليه أي تحديثات، رغم تجديد عدة مساحات قريبة منه، في حين تبقى الترميمات مع الحفاظ على شكله التراثي هي المطلب الاساسي والمغيب رغم كثرة الوعود.

الترميم يطمس الهوية والتقاليد

كشف لنا المشرف على المقهى، أن الوصاية سبق وأن وعدتهم أكثر من مرة بالالتفات الى المقهى ودعمهم من اجل ترميمه، آخرها كان منذ حوالي الـ5 سنوات ، في حين اكتفوا بترميم الساحة المحاذية بالسوق، دون الاهتمام بالمقهى، لتبقى الوعود رهينة التسويف، رغم أنهم طالما اشادوا بالمقهى ودوره التراثي، ليبقى الكلام حبرا على ورق، أو دون ذلك أو حتى بذل الجهود من أجل تشجيع هذا الصرح.

وفي ظل غياب التفات السلطات، أوضح لنا القائم على المقهى أن ايرادات المقهى غير كافية من أجل النهوض به وترميمه ليبقى التآكل هو السمة البارزة على أحد معالم واد سوف المغيبة.

للقعدة مذاق في مقهى برقينقات

بالمقابل وعلى بعد المسجد العتيق، نجد مقهى برقينقات، الذي تعود ملكيته حاليا الى “مصطفاوي” وهو من قرر بعد الاستقلال التخلي عن الساحة الرملية للمقهى وتبليطها، في حين حافظ على نمط آخر من التقاليد أو صورة وادي سوف للمرحلة الأولى من الاستقلال، بمجموعة من الأدوات التي كان يستخدمها رواده والمستأجرين للغرف المحاذية له، إبان تلك المرحلة، حيث تسجل الأدوات صورة تقليدية للأيام الماضية على محيط حيطان المقهى، المتميز بمساحته الاوسع المترامية عبرها الطاولات بكراسيها، في حين يفضل آخرون بساطة الأرض لتسهيل لعب “الدومينو”.

فهذا المثال التقليدي تحاذيه غرف للكراء للآن، في حين تلاحظ مختلف أدوات الشغل الخاصة بعمال البناء على وجه الخصوص، من جذع نخلة يقابلك عند مدخل المقهى، الى جلد الماعز على الباب، وصورة رملية على الحائط بالمدخل لـ”بنت العرجون” أو الفتاة السوفية.

وأوضح لـ”الوسط” القائمون على المقهى أنه يعود الى الحقبة الاستعمارية وبالتحديد أربعينيات القرن الماضي، حيث كانت ذات أرضية رملية، خاصة أغلب روادها من عمال البناء، حيث كانت مركز لتلقيهم أجورهم، ليتم تحويل أرضيتها من الجانب الرملي الى البلاط في الـ1962 الى 1963.

ومن أهم الأدوات التي يمكن تسجيلها يعلق بذهنك المنسج القديم، والفأس، مع مهراس قديم، وحتى الجفنة، وكلها أدوات عتيقة صامدة في المكان لتروي قصة عمال البناء الذين مروا عليها، أو بحسب تعبير مواطني الوادي “العوانة”.

المسجد الكبير .. أعتق بنايات المنطقة

يعود المسجد الكبير أو “العتيق” الى سنة 1590، بناه الشابي المسعودي، وتعود أصوله للحدود التونسية، وهو من نفس عائلة أبو القاسم الشابي الشاعر التونسي المعروف، حيث عمد الى تحويل قطعة الأرض الى وقف جزء منها لبناء المسجد والباقي لغرف للكراء عائداتها وقف للمسجد وبالتالي الى مديرية الشؤون الدينية حاليا.

وعرف المسجد على حد ما أكده لنا الإمام المتطوع بالمسجد محمد شبري، عرف سلسلة من التحديثات وحتى التوسيعات آخرها 1930، وهو الطراز الحالي للمسجد، على مساحة 32 على 20 متر.


“الشناوة” يختطفون صناعة “القشابة” السوفية أسطورة اللباس الصحراوي الجزائري


ويعد المسجد أعتق بنايات الوادي مع سوق الواد سيدي مسعود، ويحتوي على مكتبة واسعة وعريقة، بكتب قديمة منها فتاوى ابن تيمية، في فقه المالكي، مدونات الإمام مالك، والفقه الميسر الزحيلي.

واضاف لنا الامام اهمية المسجد نظرا لعراقته وأهميته كمعلم من معالم الوادي التي سجلتها “الوسط” اثناء زيارتها للمنطقة، كاشفا لنا ذكر المسجد في كتاب “الصروف في تاريخ الصحراء وسوف” لابراهيم العوامر .

قشابة الصوف اللباس المفقود

حاولت “الوسط” خلال جولتها عبر السوق المركزي بالوادي البحث عن الملابس التقليدية، أو القشابة الرجالية السوفية المصنوعة من الصوف، والحلي اللباس التقليدي النسوي، حيث لم نتمكن من العثور على الأولى وكان المتواجد من القشابة الرجالية هو الجلفاوية من الوبر، لكن أسوأ ما صادفنا وما اعتبرناه طعنة في ظهر التراث السوفي هو اختراق الصناعة الصينية للقشابة المحلية، بحيث يتم استيراد مادة صنعها كم “وبر” صيني جاهز من الصين، وهو وبر اصطناعي، بسعر حوالي 4800 دينار، لتستبدل بقشابة التراث بفعل عامل فارق السعر المقدر في بعض الحالات بـ 20 ضعفا، رغم هشاشة الدخيلة وعدم نجاعتها في الوقاية من برد الصحراء الجاف.

ويبدو ان المنتج الصيني لا يزال يراهن على أو يعزف على نفس الوتر في ايصال اختراقه حتى للتقاليد هو وتر السعر على حساب الجودة، وهو ما نجده متجسدا في هكذا مثال.، بل يتعداه أحيانا الى عدم تصدير القماش فقط، بل القشابة ككل.

وإن كانت القشابة السوفية تقاوم رغم الصعوبات التي تواجهها وجدنا أن الحلي النسائي بلغ درجة الاندثار بعثورنا عليه في المتحف فقط، دون باقي المحلات رغم كثرتها ورغم أن سوق الوادي هو المركزي، في حين جاء التبرير بعد مواكبتها وكذا بلونها الأسود غير الملائم للأعراس، لتبقى حاضرة باحتفال الوادي خلال شهر مارس فقط

سوف او وادي سوف هو اسم يطلق عنالمنطقة التي تقع في الجنوب الشرقي من القطر الجزائري محاذية للحدود مع تونس ،وعاصمة المنطقة هي مدينة الوادي ، كما يطلق اسم ” السوافة “على سكانالمنطقة.
وتعتبر منطقة سوف من اغنى واثرى المناطق في الجزائر من حيث التراثالغنائي و الشعري . فقد عرف عن سكان المنطقة حبهم الشديد للعلم والدين والشعر. والداخل الى مدينة الوادي يشعر من الوهلة تميز هذه المدينة عن باقي المدن الجزائريةوقد اطلق عن المدينة اسم ” مدينة الألف قبة ” لانه لا يخلو بيت سوفي من قبة وهذابسبب حرارة الجو بالمنطقة .
وقد ادرك الباحثون الأجانب القيمة التاريخيةوالإجتماعية لهذه المدينة فكتبوا عنها العديد من المؤلفات.وكانت وما زالت منطقة سوفتنجب صفوة علماء وفناني الجزائر ومصدر الذخيرة الثقافية فيها ، فمن لا يعرف المؤرخالكبير ابن المنطقة ” ابو القاسم سعد الله ” والفنان الكبير ” عبد الله المناعي ” الذي اخرج الأغنية السوفية الى العالمية بصوته المدوي و زرنته الصداحة ، واصواتاخرى جميلة ومبدعة في سماء الاغنية الجزائرية ( ادريس التومي ، محمد محبوب … .
سكن منطقة سوف مزيج من الأعراق ( البربر ، الزنوج ، العرب ) ولم يدخلهاالأتراك لشدة باس سكانها ورفضهم الوصاية العثمانية* ، ما سمح للمدينة الإبقاء علىخصوصيتها العمرانية و الثقافية ، فكل الدراسات الأنثروبولوجية التي اجريت علىالمنطقة اثبتت ذلك وخاصة من جهة اللغة اذ ان اللهجة السوفية هي من اقرب اللهجات الىالعربية .

الغناء في وادي سوف:

تزخر ولاية الوادي بألوان شتى من الغناء الذي يعكس تراث المنطقةوثقافتها عبر الأجيال، وقد تأثر الغناء بالمناطق المجاورة للوادي كتونس وليبيا، وظهر ذلك جليا في الطبوع التالية:

1- الغناء المحليوهي عبارة عن طابع غنائي وليدالثقافة المحلية باشعار قديمة موروثة او حديثة يكتبها الشعراء باللهجة المحلية علىالطريقة القديمة ، يُؤدى هذا النوع من الغناء بمصاحبة آلات محلية كالزرنة ( المزمار )والبندير ( الدف ) والدربوكة وهي منتشرة كثيرا بوادي سوف ويظم على ايقاعات محلية ك :
– الزقايري : وهو إيقاع ثنائي 2/4 معينة يكون مصحوبا بموسيقى على آلة المرجوع ( وهو مزمار عشاري اي به 10 فتحات ) وتقام عليه رقصة تسمى الزقايري .
– الرداسي: ” الموقف ” وهو مشهور بوادي سوف حيث إيقاعه بالضرب على الطبل، ويكون بضربة واحدةمتتالية اي ( 2/4 زمن مسموع وزمن صامت )وترافقه رقصة النخ التي تؤديها الصبايابتحريك رؤوسهن مع اسدال الشعر ، و توجد نفس الرقصة بدول الخليج العربي.
– الزندالي: وهو ايقاع جميل مركب 12/8 بخلاف المناطق الأخرى التي يكون فيها مبسطا 6/8و تألف عليه معظم الأغاني في المنطقة .
– الرقاصي: ويشبه الزندالي إلاّ أنهيختلف عليه في الوزن .
– بابا مرزوق : ويوجد هذا النوع في وادي سوف، ويقوم بهمجموعة من الرجال الزنوج بالعزف على آلة القرقابو والطبل مع إيقاعات قوية مرافقةلحركات راقصة مميزة لهذا النوع من الموسيقى ،
-الحضرة :وهو عبارة عن أداءإيقاعي يُؤدى بآلة البندير وهي غالبا وتمارس ضمن زوايا للطرق الصوفية، وتمتاز هذهالإيقاعات بالخفة والتردد المستمر ولا تصحبة آلات موسيقية .
– المديح : وهي منانواع الغناء الموجودة ، ويؤدى هذا اللون في مناسبة الختان او المولد النبوي الشريفوما .وتقرأ فيه القصائد المعروفة ( البردة ، الهمزية ، العروسية ….)

الآلات الموسيقية المحلية
البندير : وهو المعروف بالدفالزرنة : هي نفسها المزمار المستعملفي صعيد مصر واصل الآلك تركي ( صوزناي )
المرجوع : هي نفسها الزرنة انما بحجماكبر قليلا وعدد اكبر من الفتحاتالقرقابو : قطعتان من الصفيح مشدودتان بخيط مثلالكستانيات. يمسكان باليدين تستعملان في مصاحبة موسيقى “الوصفان” الزنوج الذينيسكنون المنطقة وهذه الآلت مستعملة في تونس ، ليبيا ، المغرب.

بعض ما قيل عن سوف والسوافة


قال الرحالة المغربي العياشي سنة 1663م: “…سوف هي خط من النخيل مستعرضفي وسط الرمل قد غلب على اكثره، وفيه بلاد عديدة وماؤها طيب غزير قريب من وجهالأرض. أخبرني أهل البلد أنهم إذا أرادوا غرس النخل بحثوا في الأرض قليلا حتى يصلونإلى الماء، فيغرسونها بحيث تكون أصولها في الماء ثم يردون عليها الرمل فلا تحتاجإلى السقي أبدا… وكثيرا ما يقتنون الكلاب للصيد… وجل معيشتهم منه (أي الصيد)ومنالتمر، وتمرهم من أطيب ثمار تلك البلاد.” رحلة العياشي المعروفة باسم “ماءالموائد”.

قال الشيخ العدواني على لسان الراوي صفوان: “…إذا احتجت إلىالمنع فعليك بسوف، فقلت له: شكوا أهلها من قلة معاشها، فقال لي: لا تجمع الحرمةوتمام النعمة…” وقال في وموضع آخر “سوف مانعة الهارب” الشيخ محمد بن محمد بن عمرالعدواني السوفي في تاريخه.

قال الرحالة ابن الدين الأغواطي في رحلته سنة 1826 م: “… ولا يخضع سكان وادي سوف إلى حاكم… وهم يتكلمون العربية، وأهل سوفيتمتعون باستقلال كامل، ولم يطيعوا أبدا أي سلطان ومعظم تجارتهم مع غدامس ففيهايبيعون العبيد…”

قال الشيخ إبراهيم العوامر في كتابه الصروف سنة 1916 م: ” في أواخر عام 1285هـ/سنة 1869م، وقع قحط كبير وغلاء مفرط قلّت فيه الحبوب واللحوموالألبان… فتضرر أصحاب المواشي والمزارع ضررا فادحا، ولكن أهل سوف كانوا أصحابتمر لم يقع لهم ضرر كبير… وانهالت النمامشة عندئذ على أرض سوف فعمت جميع القرىلما حل بهم من الجوع، فرقّ أهل سوف لحالتهم وبسطوا لهم أيدي العطاء والإعانة، بلوبعضهم التزم بإطعام بعض العائلات تماما وصيّرها من جملة عياله، وبعضهم يخرج التمريفرقها فيهم كما يفرق عليهم النقود والثياب والخضر والفواكه” إبراهيم العوامر – الصروف في تاريخ الصحراء وسوف ص 251.

قال الشيخ محمد الساسي معامير الزقيميالسوفي سنة 1927: “… وهاكم ما انتجته “صحراؤنا” الموات في زعمكهم من فحول الرجال: هذا الشيخ خليفة بن حسن من قمار، ناظم جواهر الإكليل في متن خليل، ونشأ بين أخرياتالمائة 12 وأوائل 13هـ، حتى أن الأمة المصرية النبيلة والتي تعرف قيمة الرجال وماكتبوه أوفدت فيما سلف إلى قمار – على ما بلغنا – أديب منهم للبحث عن جواهره السالفلنشره حتى يكون طرفة لنا ولكم ..” محمد الساسي معامير – التقويم الهجري ص 345 – 346.

قال الشيخ حمزة بوكوشة في رحلته عن مدينة الوادي سنة 1932: “… ومنهاتسورنا البروج المشيدة من بلدة الواديبلد صحبت به الشبيبة والصبا ولبست ثوبالعيش وهو جديدفإذا تمثل في الضميـر رأيــتـه وعليـــه أغصـان الشبــابتميـدوبلدة الوادي هي أم بلدان سوف لوجود مركز الحكومة بها، وأنها حديثةالعمارة بالنسبة للقرى التي حولها، وهي شديدة التمسك بالحجاب.” حمزة بوكوشة -جولةمن التلال إلى الرمال- في جريدة الوزير التونسية 1932.

قال الشيخ أحمد بنالطاهر منصوري في دره المرصوف سنة 2000 : “لأهل الزقم قديما عادات جد حسنة فيالتضامن والتعارف والتكافل الاجتماعي… ومن عاداتهم في المواسم والأعياد أنهميوزعون الطعام على بعضهم، ليذوق كل منهم من عشاء الآخر… ويا لها من عادات وتقاليدعربية إسلامية رائعة حقا، ليت الأجيال حافظت ولو على بعضها. وهذا وأن العاداتوالتقاليد في قرى سوف متشابهة في أغلب الأحوال” أحمد منصوري – الدر المرصوف فيتاريخ سوف ص 90-91.

وقال مفدي زكرياء عن وادي سوف في إلياذة الجزائر :
ويا وادي سوف العرين الأمين *** و معقـــل أبطالنـــــــا الثائريـنو مأوىالمـناجيـد من أرضنــا *** و أرض عشيرتنـــــــا الأقربيـنو ربض المحاميد أحرارغومــا*** و من حطموا الظلم و الظالمينو درب الســلاح لأوراســـــــنا *** و قدضاقت سبــل بالسالكينأينسى إبـن شهـرة أحرارنـــا *** تلقــف رايـتــــــهباليـمـيـــــــنأننسى ثلاثة أيــــام نحــــس *** و سوستال يندب فيالنائحينو أخضر يحصد حمر الحواصــل*** فيها و يقطـع منـــها الوتيــــــنوضرغامها الهاشمي الشريف *** يذيق “بواز” العـــذاب المهيــــنو كم كان سوف لضمالصفوف *** و جمع الشتات الحريص الضمينوقال الشاعر سعيد المثردي في إلياذةالوادي:
سأكتب تاريخ واديــــك شــــــعرا *** و إن صيغ ذكره يا ســـــوفنثـــراو أروي عن السمر أمجاد قومي *** فينطق واديك بالشعــــــردهــــــراسلوا أخضر الجند عن سر قومي *** سلوا جنة الوادي يعـــــرفخيـــراسلوا في المداشر غيطان نخلي *** سلوا الأرض في سوف شبرا فشبراتحدثأيا وادي ســــــوف النظال *** بما حقق السمر في الحــــــرب كرافمن أم فيالبيد فــــــوج رمــال *** نواة تنظم في الشعب ســـــــــــراو من سرب الفجرنحو الشمـال *** سلاحا لأوراس ينظـــــــــر ثــــــــأراو من فجر النورعنــــد الكثـــيب *** و عانق في غرة الشهـــــــر قـــدرافداء الجزائــــــرروح الشهيــــــد *** إلى جانب الرســــل يلقاه أجـــــراقال الأستاذ أبوبكر مراد بعنوان سوف العمالقة:
هذي التي أهـواهـا وتــهوانــــــي *** قصائدعشقها تنمو بوجدانيأزجي لــها الأشــــعار مــعتـــــرف *** صبــــابة حبمتيــــــم ولهانهي الضـــاد سل عـنها مـواطنـها ***تجد لها سوف خيرأوطـــــــانإمارة الشعر بعض من معالمها هنا *** يكللها نخليوكثبـــــــــــانيسوف ياسوف والشعر فيك رسالة*** وحبذا الشعر تبيـــانالتبيانيقال الشاعر السوري أحمد هويس:
مدينة الوادي ضمي صفوة النجب *** من رادة الفكـــر والابـــداع والأدبوعانقي النخوة العربـــاء في طرب *** باسمالأصالة والاسلام والنسبوقال في قصيدة أخرى:
غزال الوادي في عينيك سري ***فأطفئي لوعة النفس الأبيةأتيت أعانق النجوى وأهــــفو *** إلى ربـــــعهلالي الهــــويةقال الشاعر السوري أحمد دوغان:
يا صفوة الوادي أتيتوقصتي *** بين الجموع كما رأيت ترانيما كنت أبغي البوح إلا أنني *** في كل يومأشتري كتمانيورأيت في طبع النخيل أصالة ***عربية…أفتكذبالعينــــــــان؟قال الشيخ حمزة بوكوشة يناجي الوادي من بعيد:
سقاكالغيث يا وادي الرمال ***وصانتـــــك الأسنة والعـــــواليوما زالــــت بكالحصباء درا *** حصاهــا فائق أسنى اللئـــاليتذكرني مــــرائي البحر ليلا*** بنور البـــدر من فوق الرمـــــــالفتبعث في الفؤاد هوى دفينا *** فيلهي النفسعن مرأى الجمالقال أحمد بن الطاهر المنصوري في كتابه “أبطال نوفمبريتكلمون” تحت عنوان إلى السمراء بالوادي:
يا سوف قد غنيت بعد حـــــــداد *** وطربت لما أن سمعت الشادييا سوف قد غنيت باسمك بعدما *** ولّى الشباب وبحّ صوتالحادييا سوف ها قد جئت بعد غياب *** ضمآن أرشــــــف قطرة من وادلك فيالدماء وفي العيون توَهج *** والعشق يملأ أضلعي وفــــؤادي.

– تزخر ولاية الوادي بألوان شتى من الغناء الذي يعكس تراث المنطقة وثقافتها عبر الأجيال، وقد تأثر الغناء بالمناطق المجاورة للوادي كتونس وليبيا ومنطقة الزاب، وظهر ذلك جليا في عدة طبوع منها الأغنية التراثية وهي عبارة عن طابع غنائي محلي، تؤدى إيقاعاته عن طريق آلات محلية كالزرنة (صوت) والبندير (صوت) والدربوكة وهي منتشرة كثيرا  

دراسات مغاربية: تراث وادي سوف بالجزائر

بوادي سوف ويظم الزقايري وهو إيقاعات معينة على آلة الزرنة ” المرجوع ” وتقام عليها رقصة تسمى الزقايري ،الرداسي: ” الموقف ” وهو مشهور بوادي سوف حيث إيقاعه بالضرب على الطبل، ويكون بضربة واحدة متتالية وترافقه رقصة النخ ، الزندالي وهو طابع غنائي معروف في الوطن الجزائري، وله مقاطع موسيقية معينة، والذي يمتاز به

الزندالي في وادي سوف أنه من نوع 2/4 بخلاف المناطق الأخرى التي تكون من نوع 6/8.

الرقاصي ويشبه الزندالي إلاّ أنه يختلف عليه في الوزن.

الغيطة وهو طابع غنائي منتشر بوادي ريغ، ويكون بالطبل وآلة الزرنة مع إيقاعات خفيفة وراقصة، ويُؤدى هذا النوع في حفلات الأعراس رفقة استعرضات للخيل .

القرقابو (بابا مرزوق) ويوجد هذا النوع في وادي سوف، ويقوم به مجموعة من الرجال السود بالعزف على آلة القرقابو والطبل مع إيقاعات خفيفة مرافقة لحركات راقصة مميزة لهذا النوع، كما يرتدي أعضاء الفرقة لباس مميز حيث تكون الجبة بيضاء ومحزمة سوداء، بالإضافة إلى قبعات مزينة بالأبيض والأسود

الحضرة  هو عبارة عن أداء إيقاعي يؤدى بآلة البندير وهي غالبا ما تنتمي للطرق الصوفية، وتمتاز هذه الإيقاعات بالخفة والتردد المستمر ويكون مرفوقا في بعض الأحيان ببعض الألعاب الخطيرة، أما في وادي ريغ فيسمى

هذا النوع ” سيدي عمار بوسنة ” ولكن تستعمل فيه إضافة لآلة البندير آلة المزمار

المدح الديني

وهي من أهم الطبوع الموجودة بولاية الوادي، حيث تقام في الأفراح والمناسبات الدينية، وغالبا ما تكون كلماتها عبارة عن قصائد شعرية  ونظم في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قصائد في الزهد كما في البردة، ولا تكاد تخلو قرية من فرقة مديح تحيي المناسبات المختلفة..

المزود أو ” الشكوة ” وهو طابع غنائي تمتاز به منطقة وادي ريغ ويستعمل فيه إضافة إلى الشكوة الطبل وذلك بإيقاعات خفيفة

اللباس التقليدي مميزات و خصائص

– يتميز اللباس التقليدي  بخصوصيات ميزته عما هو موجود في المناطق الأخرى من الوطن، فروعي في هذا اللباس الذوق العام للمنطقة والظروف الطبيعية الخاصة بها.

الألبسة الرجالية منها القدوارة الجبة البيضاء وتلبس في الصيف ، السروال العربي أو الدلدولة ويلبس أيضا في الصيف ، البرنوس يصنع من الصوف أو الوبر ويلبس في الشتاء  ويوضع على الأكتاف ،
الشاش والعراقية ويلبسان صيفا وشتاء
الألبسة النسائية منها ملحفة وهي فستان واسع يسبل إلى الكعبين يصنع من أنسجة حريرية أو صوفية.
الحولي “الجلوالي” ويلبس فوق الملحفة ويوضع على الكتفين
البخنوق يصنع من الصوف ويوضع على الرأس ويكون مصبوغا بالأحمر والأصفر، ويغلب عليه عموما السواد
الحلي تكون من الفضة غالبا أما الذهب فعند الأغنياء ومنها
الخلة  تلبس على الصدر ويتكون من خمستين تعلقان على الكتفين ومنتصف الخلة يكون على صدر المرأة
السخاب يصنع من البخور والعطور، ويشكل منه حصيات هرمية ويوضع كالعقد الطويل على الصدر.
الخلخال وبه نقوش دقيقة وتلبس في الأرجل ، المقواس أو المقياس وهو نوع من الأساور التي توضع في المعصم وينقش عليها شكل هندسي يمثلالمعيّن بالإضافة إلى شكل الدوائر الملونة
الخمسة توضع فوق الجبهة وهي في اعتقادهم تطرد العين والحسد المشرف وهو حلقات توضع في الأذن يبلغ قطرها 14سم
وقد تغيرت أكثر هذه العادات وأصبح الرجال والنساء يلبسون اللباس العصري على حد سواء إلاّ بعض الشيوخ الكبار والعجائز مع بقاء اللباس الرجالي كالقدوارة والقشابية نظرا لأداء الشعائر الدينية كالصلاة أو بسبب الظروف الطبيعية.

أطباق من الوادي

– وتتميز مدينة وادي سوف بأكلاتها الشعبية عن غيرها من مناطق الوطن حيث تحضّر الأطباق من موادغذائية موسمية وأهمها السفة و المطابيق ، البرطلاق والبطوط . وإن تغيّرت عادات البيت السوفي، وابتعدت عن كثير من العادات المتوارثة إلاّ أن المرأة السوفية ما زالت تحضر الأطباق الشعبية كالكسكس بأنواعه إضافة إلى الأكلات العصرية التي ظهرت بشكل ملفت للانتباه. وما تزال المرأة في بعض القرى والمداشر محافظة على التقاليد الشعبية في الأكل، فلا يخلو اليوم من وجبة دسمة ثقيلة .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى