دراسة تحليلية لأحداث 11 سبتمبر 2001 وانعكاساتها إقليمياً ودولياً

أحداث 11 سبتمبر وانعكاساتها إقليمياً ودولياً

في الساعة التاسعة من صباح الثلاثاء، الحادي عشر من سبتمبر2001، اخترقت طائرة ركاب مدنية تابعة لشركة “أمريكان إيرلاينز” أحد برجي مركز التجارة العالمي، وأحدثت به ثغرة هائلة في واجهته، وأشعلت النار في طوابقه العليا، وبعد 18 دقيقة اخترقت طائرة أخرى المبنى الثاني للمركز، وأسفر الهجوم عن سقوط برجي مركز التجارة العالمي، ولم يمضى وقت طويل حتى هاجمت طائرة ثالثة مبنى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، في العاصمة واشنطن، بينما انفجرت طائرة رابعة في بنسلفانيا، وأدى الحادث إلى إصابة الولايات المتحدة الأمريكية بالشلل المؤقت، وأصيب الشعب الأمريكي بالذهول والرعب والخوف، وسرعان ما أعلنت حالة الطوارئ، وبدأت عملية إدارة الأزمة بتأمين حياة الرئيس الأمريكي، وزعماء الكونجرس، ونقلهم إلى أماكن غير معلومة، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية في إخلاء المباني الفيدرالية، ووضعت القوات الأمريكية في حالة تأهب قصوى، وأغلق المجال الجوي الأمريكي وإغلاق الحدود مع المكسيك وكندا، كما أغلقت جميع الجسور التي تربط جزيرة منهاتن بباقي نيويورك ونيوجرسي، وتوقف العمل في بورصة نيويورك، وطالبت الولايات المتحدة بعثاتها الدبلوماسية باتخاذ إجراءات قصوى للأمن، كما أخلت مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وأُجِّل اجتماع الجمعية العامة للمرة الأولى في تاريخها، وقد ترتب على الحادث تدمير كامل لبرجي مركز التجارة العالمي وجزء من البنتاجون، ومقتل وفقد نحو (6964) شخصاً، بالإضافة إلى الخسائر التي أصابت الاقتصاد الأمريكي.

أولاً: سمات هجمات الحادي عشر من سبتمبر

بالرغم من كون هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ليس الحادث الإرهاب الأول الذي يشهده العالم، وتتعرض له الولايات المتحدة، إلا أنه انفرد بجملة من الخصائص ميزته عن غيره من الأحداث الإرهابية التي شهدها العالم في تاريخه المعاصر، ومن أبرز هذه السمات:

  1. أن الهجوم أصاب مواقع حيوية وإستراتيجية، أثرت على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وهيبتها من الناحية الدولية، وانهارت معه المزاعم الأمنية الأمريكية، وهو ما دفع القيادة الأمريكية إلى القيام بمراجعة شاملة لمفهوم الأمن الداخلي ومؤسساته وبرامجه ضمن إستراتيجيات جديدة، تأخذ في حسبانها التهديدات الداخلية بالقدر نفسه الذي تأخذ به التهديدات الخارجية.
  2. أن هذا الهجوم لم ينطلق من دولة معينة، ولم ينفذه عدد محدد، يمكن الرد عليه وإلحاق الهزيمة به، بما يعيد للولايات المتحدة الأمريكية هيبتها ومكانتها، ولم يكن أمام الولايات المتحدة سوى إعلان الحرب على الجماعات الإرهابية، التي خططت لهذا الهجوم، وهذا يعنى أيضاً أن الرد لن يقتصر على هدف محدد يمكن القضاء خلاله على المجموعات المسؤولة عن الهجوم، وإنما يتعدى ذلك على ضرب مراكز تجمع هذه الجماعات داخل دول بعينها.
  3. أن هذا الهجوم، لم تتورط فيه دولة من الدول – لا بشكل مباشر أو غير مباشر- لأن حسابات الدول تختلف عن حسابات الأفراد، ولا توجد دولة من دول العالم الراهنة، يمكنها المجازفة بعمل من هذا النوع، مهما كان عداؤها للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يؤكد أن منفذي الهجوم ليسوا سوى أفراد ينتمون إلى فكر وعقيدة، ويتخذون مواقف حادة تجاه مسلك الولايات المتحدة الأمريكية: السياسي والعسكري.
  4. حتى يكون الرد الأمريكي متناسباً مع هذه الخسائر، ومحققاًلنزعة الانتقام، فلابد أن تكون الخسائر التي يتكبدها منفذو الهجوم، أشد وأبلغ من الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة، وهو ما لم يتحقق، فعلى الرغم من إسقاطها حركة طالبان وتشتيت تنظيم القاعدة وتدمير البنية الفوقية والتحتية لأفغانستان، التي هي في غاية الضعف أصلاً، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تشبع رغبتها في الانتقام، ومن ثم لم تجد  أمامها سوى أن تصطنع عدواً يتناسب وحجمها والتحرك الذي ينبغي أن تقوم به لتجعل من أسامة بن لادن ومجموعته قوة لها شأنها وخطراً يهدد الاستقرار والأمن العالميين، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم المتحضر للتحرك المشترك من أجل القضاء على هذا الخطر.
  5. أن الهجوم لم يأت من خارج الولايات المتحدة، وإنما من داخلها وعبر مطاراتها وأجهزتها المدنية المختلفة، ما ينسف قدرات الأجهزة الأمنية الأمريكية، كما أن الطريقة التي نفذ بها الهجوم، أذهلت الجميع وفاقت جميع التوقعات، كما أن الهجوم استهدف الولايات المتحدة الأمريكية، فقط، دون غيرها من الدول، ما يعني أنها مستهدفة لذاتها رد فعل على سياساتها ومواقفها.
  6. أن الجهة المستهدفة من الهجوم وهى الولايات المتحدة الأمريكية، يشترك معها العديد من الدول الكبرى، مثل دول حلف الناتو، في الدوافع التي ربما كانت تقف وراءه، مثل سياسات العولمة والهيمنة على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وفرض سياساتهما، ما يجعل تلك الدول تعي بجدية أبعاد ما حدث، وتتوقع حدوث الأمر نفسه لها في أي وقت من الأوقات.
  7. أن هذا الهجوم أدى إلى استنفار جميع الدول بلا استثناء، للوقوف صفاً واحداً للرد على المسئولين عنه، ومواجهة آثاره وتداعياته، خاصة أن بعض الدول توقعت أن يكون هذا الهجوم له امتدادات أخرى، بحيث يمكن أن يشملها، بحيث لا تستبعد تعرضها لهجمات مماثلة في المستقبل.

ثانياً: الحقائق التي فرضتها أحداث 11 سبتمبر

فرضت أحداث 11 سبتمبر على العالم مجموعة من الحقائق التي تمثلت في الآتي:

  1. أن هذه الأحداث – بالرغم من قيام مجموعة صغيرة بها – إلاَّ أنها فرضت تهديداً على أمن الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن الهجمات الانتقامية ضد حركة طالبان وتنظيم القاعدة لم تُعد للولايات المتحدة الأمريكية هيبتها التي فقدت نتيجة لهذه الأحداث.
  2. وضح للولايات المتحدة الأمريكية أن التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير الذي تتمتع به، يمكن أن يخترق، وأنها لابد أن تفكر في مجالات أخرى لحماية أمن مجتمعاتها، وأن تراجع سياستها تجاه الآخرين.

ثالثاً: انعكاسات هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة

إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر تُعَدّ حادثاً تاريخياً بكل المعايير، كما يُعَدّ أضخم وأجرأ هجوم مُعاد للولايات المتحدة الأمريكية، ينفذ داخل أراضيها منذ قيام الاتحاد الأمريكي، ولذلك نتجت عن تلك الهجمات تأثيرات قوية، خاصة على الصعيد الداخلي الأمريكي، نذكر منها:

  1. على صعيد “عقيدة الأمن القومي الأمريكي”

حيث اقتصرت هذه العقيدة في العقود الماضية على تصور “تهديدات إستراتيجية” من جانب عدو خارجي، يهدد الأرض أو المصالح الأمريكية، سواء كانت دولة أو عدة دول يمكن تحديدها، ويمكن الرد عليها في حالة نشوب عداء متبادل، وطُوِّرت هذه العقيدة بعض الشيء في السنوات الأخيرة لتتضمن مخاطر إما من قبل دول أو منظمات تمثل تهديداً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، لكن بإمكانها الأضرار بمصالحها سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها، أما الآن، فإن هذه الهجمات تُغير تلك الرؤى، حيث ظهر أن هناك منظمات أو مجموعات من الأفراد قد تكون قادرة على تشكيل وتنفيذ “تهديدات إستراتيجية” ضد الولايات المتحدة، تشل الحياة السياسية والاقتصادية بالداخل، وهو ما يمثل بالتأكيد انقلابا في الفكر الأمني والإستراتيجي الأمريكي، والذي يضع على المحك كل أنماط التفكير السائد بما فيها مشروع الدرع الصاروخي، الذي تأسس وفق الرؤية التقليدية لتصور التهديدات والمخاطر.

  1. الاتجاه نحو تكثيف آليات الأمن الداخلي

وهذا يعنى تشديد الرقابة على حركة المواطنين، خاصة في المرافق الكبرى والمزدحمة، وزيادة نشر كاميرات المراقبة في المناطق العامة، وهذا الأمر كان ينمو ببطء، ولكن وتيرته تسارعت بعد أحداث سبتمبر، إذ أصبحت أجهزة الرقابة قادرة على رصد وتصوير أي حادث في أي مكان بالمدن الرئيسية، وهذا التطور يقلق كثيراً منظمات حقوق الإنسان، ويفقد الأفراد الشعور بالخصوصية في ظل مراقبة دائمة.

  1. القيود التي تفرض على الجاليات العربية والإسلامية

حيث أصبحت هذه الجاليات تعانى من قيود إضافية ومراقبة لصيقة لأنشطتها، بل وإغلاق بعض الجمعيات الخاصة بها، وفى السنوات الأخيرة عانت هذه الجمعيات بالفعل من حملات تشويه كبيرة، كما عانت الجاليات الإسلامية من حملات تشويه أوسع، هذا بالإضافة إلى الانحياز ضد الجاليات في التشريعات، كما كان واضحاً في تشريع “قانون الأدلة السرية” الذي صمم ضد المشتبه بهم من المسلمين، حيث يحاكمون دون أن يعرفوا أو يعرف محاموهم تفاصيل الأدلة التي تدينهم، علاوة على التحريض ضد الجمعيات الإسلامية والعربية على مواقع الإنترنت.

  1. زيادة تطرف الجماعات اليمينية

زيادة تطرف الجماعات اليمينية وبعض المنظمات الأمريكية، ومهاجمتها للإسلام والمسلمين، بل والمطالبة بطردهم أو الحد من وجودهم.

رابعاً: بعض الإجراءات والقرارات الداخلية والتي تتعلق بالأمن القومي الأمريكي في ضوء أحداث 11 سبتمبر

  1. إنشاء مكتب للأمن الداخلي

في 20 سبتمبر 2001، أعلن الرئيس الأمريكي بوش، إنشاء مكتب جديد تابع للبيت الأبيض أطلق عليه مكتب الأمن الداخلي، وعيَّن توم ريدج حاكم ولاية بنسلفانيا مديراً لهذا المكتب، وقبل ثمانية أشهر من حلول الذكرى السنوية الثانية لهجمات سبتمبر، تحول هذا المكتب إلى وزارة كاملة للأمن الداخلي برئاسة ريدج، تقوم بالتعامل مع القضايا الأمنية. وأعلن ريدج، أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية لمكافحة الإرهاب عقب الهجمات، جعلت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر أمناً، وزادت من استعدادها للتعامل مع هذه التهديدات، مقارنة بأي وقت مضى، كما أشار ريدج كذلك إلى إنشاء “المركز المتكامل لمواجهة التهديد الإرهابي”، والذي مهمته التنسيق بين الأجهزة الأمريكية المختلفة العاملة في مجال الاستخبارات، كما أكد أن الحكومة اتخذت العديد من الإجراءات للتأمين على الشاحنات والسفن والطائرات المتجهة للولايات المتحدة من نقطة انطلاقها، مع نشر أجهزة قياس حساسة في مختلف المواقع الحيوية في المدن الأمريكية للكشف مبكراً عن وقوع هجمات مختلفة وأسلحة محظورة.

  1. إصدار قوانين مكافحة الإرهاب وأمن الطيران

حيث وافق الكونجرس الأمريكي على عدد من القوانين لتأمين الجبهة الداخلية ضد الإرهاب، أهمها ما عرف باسم القانون الوطني الأمريكي لعام2001، وقد تقدمت الإدارة الأمريكية بهذا المشروع بعد أحداث 11 سبتمبر بوقت قليل، ووافق عليه الكونجرس بأغلبية كبيرة، وقد تضمن هذه القانون، العديد من المواد التي دعمت من سلطات أجهزة الأمن الأمريكية في مواجهة الإرهاب ومن هذه المواد:

أ. إعطاء المدعى العام الأمريكي سلطة احتجاز الأجانب المشكوك في قيامهم بأنشطة إرهابية لمدة سبعة أيام دون توجيه اتهام لهم.

ب. إعطاء السلطات الفيدرالية الحق في التنصت على أجهزة التليفون المختلفة، التي يستخدمها الأفراد المشتبه فيهم وتسجيلها.

ج. أنه من حق أجهزة البحث الجنائي وأجهزة المخابرات المشاركة في المعلومات المتعلقة بالإرهابيين، كما أعطى القانون وزارة الخزانة سلطات أكبر لتُجمد الأرصدة المالية التي يشتبه بأنها تستهدف تمويل عمليات إرهابية.

د. كما نص القانون على زيادة أعداد قوات حرس الحدود على الحدود الشمالية للولايات المتحدة ثلاثة أضعاف، كما وافق على النصوص الخاصة بأمن الطيران والمطارات، حيث أصبح أمن المطارات-وفقاً لهذا القانون – ولأول مرة مهمة فيدرالية.

  1. إصدار الرئيس بوش، أمراً تنفيذياً بإنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة غير المواطنين المتهمين بالإرهاب، وخاصة أعضاء تنظيم القاعدة، أو هؤلاء الذين قاموا بمساعدتهم في القيام بالأعمال الإرهابية أو توفير الحماية لهم. واستنادا للأمر التنفيذي، فإن الرئيس بوش وحده ستكون له سلطة تحديد من يمثل أمام هذه المحاكم من المتهمين، لتصدر المحكمة أحكامها بأغلبية الثلثين، ويمكن أن تصل أحكامها إلى الحكم بالإعدام، كما أن قراراتها نهائية، وغير قابلة للاستئناف.
  2. إعادة هيكلة وزارة العدل

لعبت وزارة العدل دوراً هاماً في حملة مكافحة الإرهاب برئاسة وزير العدل الأمريكي جون اشكروفت، فبالإضافة للدور التقليدي لوزارة العدل في التحقيق ومكافحة الإرهاب، فإنها اهتمت أيضاً بمنع عمليات إرهابية في المستقبل، وكما قال اشكروفت- في جلسة استماع أمام الكونجرس- لا يمكن أن ننتظر الإرهابيين ليقوموا بضربتهم من أجل أن نقوم بإجراء التحقيقات وعمليات القبض عليهم، بل يجب أن نمنع أولاً ثم نحاكم ثانياً. كما أنشأت الوزارة وحدة خاصة لتعقب الإرهابيين الأجانب ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، والقبض على الموجود منهم داخلها، وقد بدأت وزارة العدل عملها في مكافحة الإرهاب وبالتحقيق في أحداث 11 سبتمبر عن طريق التعرف الدول التي جاء منها مختطفو الطائرات، وتعرف على تاريخهم بالولايات المتحدة الأمريكية عن طريق معاملاتهم المالية والاتصالات التي قاموا بها، ليصبح الهدف بعد ذلك هو محاولة الوصول للأشخاص الذين يحتمل أنهم قدموا لهم المساعدة أو كانوا على علم بتلك العمليات أو عمليات أخرى في المستقبل.

  1. إجراءات أخرى لحماية الأمن الداخلي

كذلك اتخذ عدد من الإجراءات الأخرى التي تهدف لحماية الأمن الأمريكي منها:

أ. قيام وزارة الخارجية الأمريكية في منح تأشيرات سفر للولايات المتحدة الأمريكية للذكور من العرب والمسلمين ما بين سن 16 إلى 45 سنة، من 25 دولة مختلفة، حتى تقوم سلطات الهجرة والمباحث الفيدرالية بإجراء تحريات أمنية عنهم.

ب. زيادة دوريات الشرطة حول خطوط البترول والغاز والكباري والأنفاق والطرق الرئيسية التي قد تكون عرضة لهجمات إرهابية.

ج. حظر الطيران فوق المفاعلات النووية، مع تشديد الإجراءات الأمنية حولها.

خامساً: آثار وانعكاسات هجمات 11 سبتمبر على السياسة الخارجية الأمريكية ورؤيتها للنظام الدولي وعلاقاتها مع الدول

تركت هجمات 11 سبتمبر بصمات واضحة على نمط السياسة الخارجية الأمريكية وتوجهاتها ونظرتها إلى العالم وترتيب أولوياتها، وكذلك تصنيفها لقوائم الحلفاء والأعداء، ومن أهم تداعيات أحداث 11 سبتمبر على السياسة الخارجية الأمريكية مايلي:

  1. حدوث تصادم بين اتجاهين في السياسة الخارجية الأمريكية

أ. الأول: يدعو إلى التدخل والانخراط التام في شؤون العالم وقضاياه، باعتبار أن موقع الولايات المتحدة الأمريكية ومكانتها ومصالحها القومية تنتشر في طول العالم وعرضه، وهذا الأمر يمكنها معه الانسحاب من مواقع النفوذ ومسارات السياسة الإقليمية في مناطق العالم المختلفة، ويُؤمن الديمقراطيون بهذا الاتجاه ويدافعون عنه.

ب. الثاني: يدعو إلى الانسحاب من القضايا الدولية والتقوقع الداخلي والبعد عن التدخل في مناطق العالم المختلفة، لأنه جر عليها عداء كثير من الشعوب ولا يحقق مصالح للولايات المتحدة بما يتناسب مع الثمن الذي تدفعه جراء ذلك، ويعتمد هذا الاتجاه الجمهوريون المسيطرون على الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش حينئذ، غير أن الإدارة الأمريكية من الصعب عليها اعتماد هذه السياسة، فالرد على الهجمات التي نالت من مكانة الولايات المتحدة الأمريكية دفعها إلى الانخراط في مناطق لم تكن راغبة في الانخراط فيها، فإصلاح الأضرار الجسيمة التي لحقت بصورة الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها قوة عظمى، يفترض تدخلاً وانخراطا في العالم، وليس مزيداً من الانعزال، لأن الانعزال قد يفهم منه أنه انسحاب من الميدان وهزيمة سياسية ومعنوية أخرى.

  1. وفرت هذه العمليات غطاءً دبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ سياسات متطرفة، واتخاذ إجراءات إقليمية ودولية، لم يكن بالإمكان قبولها في مرحلة ما قبل الهجمات، فقد أتبعت الإدارة الأمريكية سياسة خارجية مستقلة وصارمة، غير عابئة ببقية دول العالم.
  2. أثرت تلك الهجمات على تعامل الإدارة الأمريكية مع مختلف دول العالم، حيث حدث تصادم بين دول كانت حليفة للولايات المتحدة، بسبب الاختلاف حول السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر (مثل فرنسا وألمانيا)، كما حدث تقارب بين الولايات المتحدة ودول كانت في مصاف المنافسين لها مثل روسيا.
  3. السياسة الخارجية الأمريكية وهيكل النظام الدولي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر

اتخذت السياسة الخارجية الأمريكية من أحداث 11 سبتمبر نقطة انطلاق من أجل تغيير النظام الدولي، والتغيير المقصود هنا، هو تغيير في قواعد إدارة العلاقات الدولية، وتغيير في أنظمة بعض الدول على النحو الذي يثبت أحادية القطب الأمريكي وسيطرته على النظام الدولي، ونشر مبدأ الحرية الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية معياراً لسياستها منذ انخراطها في شؤون العلاقات الدولية.

وهذه الرؤية الأمريكية لا تقر، سياسة الاحتواء والتوازنات القوى والإستراتيجيات الردع، كما أنها لا تتعدى القواعد القانونية التي قامت عليها حركة العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والسبب في ذلك هو حدوث تغير في الأساس الفلسفي للرؤية الأمريكية الراهنة لمستقبل النظام الدولي. فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتزعم فريق الدول الداعية إلى الحفاظ على الوضع القائم، والاعتماد على مفاهيم وسياسات توازن القوى، أصبح واجباً أن تتحول إلى قوة داعية إلى تغيير النظام الدولي، حتى ولو استلزم ذلك عدم احترام مبادئ السيادة الوطنية للدول، بل وإمكانية التدخل في الشئون الداخلية وضع هذا التغيير من خلال تشكيل ائتلاف مع الدول الحليفة الجاهزة للتدخل، مثل بريطانيا. كما وضعت في حسبانها إمكان التدخل المنفرد من أجل تنفيذ هذا التغيير.

ووفقاً لهذه الرؤية الجديدة للمحافظين الجدد، فإن العبرة في التدخل من أجل التغيير وليس من المهم أن يكون هذا التغيير موافقاً للمبادئ والقواعد الدولية التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، أو الاتفاقيات والأعراف الدولية، ولكن من المهم هو ما إذا كان التدخل محدثاً للتغيير في الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية نحو الأحسن أو نحو الأسوأ.

أ. الوسائل الأمريكية لتنفيذ تلك السياسة

إن تنفيذ سياسة التغيير في الأنظمة الحاكمة بالدول، وفى شكل العلاقات الدولية، يعتمد على القوة الأمريكية، أو بالأحرى على التفوق الأمريكي الكاسح عسكرياً واقتصادياً، مع تعزيز لأدوار أخرى، مثل عناصر الاستخبارات، أو القوات الخاصة أو أدوات الإعلام، فضلاً عن تطوير إدارة المساعدات الاقتصادية بتوجيههاً لتحقيق هدف التغيير، وطبقاً لرؤية المحافظين الجدد، فإنه يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحافظ على مستوى تفوق كاسح على كل القوى الكبرى الأخرى حلفاء وأصدقاء وخصوم، ولذلك زادت إدارة جورج بوش الاتفاق العسكري من 232 مليار دولار إلى 352 ثم إلى 400 مليار دولار، ثم إلى 470 مليار دولار في أعوام 2002، 2003، 2004، كما بلغت ميزانية وزارة الأمن الداخلي حوالي 60 مليار دولار.

ب. التغيير في الأنظمة يتم طبقاً للأهداف الأمريكية

يرى أصحاب سياسة التغيير في الأنظمة والدول، أن هذا التغيير يرتبط بالأخطار التي تهدد الأمن الأمريكي والدولي، ولقد كان لأحداث 11 سبتمبر، أثرها الكبير في تحديد تلك الأخطار، فالإرهاب الدولي هو أول مصادر التهديد وأخطرها، ويليه الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في دول محور الشر، ثم الخلل في البنيان الاجتماعي والسياسي في بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية، ثم بعض الصراعات الإقليمية التي قد تؤدى إلى تهديد أمن المناطق التي تقع فيها أو الأمن الدولي على اتساعه، ومن ثم كان هناك هدفان على خريطة الأولويات الأمريكية:

الأول: يتمثل في ضرب حركات الإرهاب، خاصة تنظيم القاعدة الذي يعد أكبر هذه الحركات وأخطرها، وذلك باستخدام القوة العسكرية والاستخباراتية والمعلوماتية.

الثاني: ويتمثل في تغيير الأنظمة الديكتاتورية التي تدعم الإرهاب دعماً مباشراً، أو التي يمثل وجودها دعماً للإرهاب، من خلال عدائها للحرية والديمقراطية، ومثال ذلك دول “محور الشر”.

ج. العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الكبرى

المقصود بالدول الكبرى هنا: “روسيا والصين واليابان ودول الإتحاد الأوروبي”، كما ينظر إليه في مجموعه قوة اقتصادية كبرى، ويتحدد دور هذه الدول في النظام الدولي والتأثير على السياسة الدولية، في ضوء ما تتمتع به من قوة وما تملكه من تصورات لمستقبل النظام الدولي، وقدرتها على التفاعل مع القوة الأمريكية ومحاولات الولايات المتحدة فرض سيطرتها على النظام الدولي.

(1) مع الإتحاد الأوروبي

حدث خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي بعد أحداث 11 سبتمبر حول كثير من القضايا الدولية، ولعل من أبرزها استخدام القوة العسكرية في إطار الحرب ضد الإرهاب ونزع الأسلحة، وإستراتيجية الضربات الوقائية وغيرها من الوسائل التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير النظام الدولي. غير أن الخلاف في التصور والرؤية بين دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ليس خلافاً بين كل دول الإتحاد وإنما بين بعض دول الإتحاد وبين واشنطن، أما البعض الآخر فإنه يتفق مع معظم عناصر التصور الأمريكي لمستقبل النظام الدولي سواء من حيث الأهداف أو من حيث الوسائل، والأهم من ذلك أن الدول التي اختلفت في التصور مع الولايات المتحدة الأمريكية، لم تختلف معها في الأهداف، وإنما حول أنسب الوسائل لتحقيقها، وربما يكون من المهم التفرقة بين الأهداف المعلنة، وغير المعلنة في التصور الأمريكي.

وربما يكون من الأهداف غير المعلنة، إنشاء إمبراطورية أمريكية تنفرد بالسيطرة على العالم بما فيه أوروبا، واستخدام النفط ورقة ضغط على الأخيرة مستقبلاً، غير أن الدول الأوربية المؤيدة للتصور الأمريكي لا تقتنع بمثل هذه الأهداف الخفية. أما الأهداف المعلنة فتتمثل في مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. فالاختلافات بين الولايات المتحدة وبعض دول الإتحاد الأوروبي، تنصرف إلى رؤية الطرفين للأدوات والوسائل السلمية اللازمة للوصول إلى الأهداف التي تحظى بدرجة توافق عالية فيما بين الطرفين، أما الاختلافات حول أساليب العمل، فتنحصر في مسألة استخدام القوة في معالجة المشكلات الدولية، حيث يفضل الأوروبيون العمل من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

(2) مع اليابان

عملاق اقتصادي، وهو حليف وثيق الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبينهما توافق كبير في الرؤى والتصورات على مستوى الأهداف والوسائل، وتزداد درجة التوافق إذا كانت الرؤى تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وكل ما تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية وفيما يتعلق مكافحة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل أو تغيير الأنظمة، لا تعترض اليابان عليه، بل تعلن توافقها التام مع الأطروحات الأمريكية.

(3) مع الصين

قوة بشرية واقتصادية هائلة، كما تمتلك قوة عسكرية متنامية هي الأكبر والأهم في إقليمها، وبين الولايات المتحدة الأمريكية والصين علاقات اقتصادية قوية، حيث تُعد الولايات المتحدة هي السوق الرئيسي للمنتجات الصينية، وتحقق الصين فائضاً تجارياً مع الولايات المتحدة يزيد على سبعين مليار دولار سنوياً، ولا يمكن تصور أن تضحى الصين بهذا الفائض التجاري من أجل أي قضية إقليمية أو دولية، ولذلك فإن الصين رغم اعتراضها على الحرب ضد العراق دون قرار من مجلس الأمن، لم ترق بذلك الاعتراض اللفظي إلى أية إجراءات قد تضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

(4) مع روسيا

تعانى من مشكلات اقتصادية وسياسية، رغم الجهود المستمرة، في تحسين أوضاعها الاقتصادية والسياسية، ورغم مصالحها الهامة مع العراق- قبل الغزو- إلا أنها لم تستطع أن تحول رفضها المبدئي للحرب ضد العراق، إلى إجراءات ملموسة تمنع هذا الغزو أو تحول دون تحقيقه لمكاسب إستراتيجية أمريكية، وقد تنجح روسيا في ذلك خلال عقدين عندما تستعيد مركزها قوة عالمية لها تأثيرها، ولكنها الآن، في حاجة إلى الاستثمارات والمساعدات الأمريكية والأوروبية لإعادة بناء اقتصاد رأسمالي متقدم.

سادساً: آثار هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الإستراتيجية الأمريكية

مما لاشك فيه أن أحداث 11 سبتمبر أدت إلى تغيير واضح في الإستراتيجية الأمريكية وفيما يلي أبرز ملامحها:

  1. اتجه الخطاب السياسي الأمريكي إلى تدويل الأزمة أو إلى عولمة الأزمة، والمنطق الأمريكي في هذا الشأن أن ما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية هو عمل من أعمال الإرهاب الدولي، وأن العالم كله معرض لمثل هذه الهجمات ما لم يتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة هذا العدو الجديد الذي لم تتحدد ملامحه ولم تعرف أساليبه وإستراتيجياته بعد.
  2. تصنيف الدول، تبعاً لموقفها من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، حيث ذكر الرئيس الأمريكي أن الدول التي لم تقف مع الولايات المتحدة الأمريكية فهي مع الإرهاب، وبدأت في البحث عن نقطة موضوعية تستطيع من خلالها أن تنسج خيوط التحالف ضد الإرهاب ووجدت أن أنسب نقطة هي “الإسلام السياسي” الذي أتسع نشاطه مع السنوات الأخيرة بصورة أوجدت حساسية وقلق لعديد من القوى في العالم مثل الهند وروسيا والصين ودول الإتحاد الأوروبي.
  3. طرحت الولايات المتحدة الأمريكية دعوة إلى تجفيف المنابع المالية والاقتصادية لما تسميه بالإرهاب، كما حاولت توظيف هذه الأزمة من أجل تحقيق مصالح ومنابع وفوائد جديدة تساعدها على الاحتفاظ بموقعها المتميز على قمة النظام العالمي، وذلك من خلال السيطرة على موقع إستراتيجي هام بالقرب من الدول التي يمكن أن تشكل مصدر تهديد للمصالح الحيوية الأمريكية (روسيا– الصين – إيران)، وكذلك السيطرة على مواقع الطاقة المحتملة في المستقبل (بترول بحر قزوين) مع إحكام السيطرة على مناطق النفوذ التقليدية.
  4. كما تحددت معالم الإستراتيجية الأمريكية في الاتجاه نحو القيام بعمل عسكري كبير تتوافر له ضمانات تحقيق الانتصار بأقل تكلفة ممكنة، مع تصوير العدو بصورة مبالغ فيها، وكانت أفغانستان هي الميدان المناسب لتلك العمليات العسكرية التي هدفت في المقام الأول إلى تحقيق التماسك الداخلي خلف الإدارة الأمريكية، والتأكيد على أن الأمة الأمريكية في حالة حرب مع عدو خطير يهدد الحضارة والمدنية والقيم الأمريكية، وفى الوقت نفسه انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية “الضربات الوقائية” وهى الإستراتيجية القائمة على ضرورة القيام بعمل عسكري ضد أي دولة، ترى الولايات المتحدة أنها قد تشكل تهديداً لأمنها. وفى إطار هذه الإستراتيجية، كان قيام الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد بغزو العراق، بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل يهدد الأمن القومي الأمريكي.
  5. كما استغلت الولايات المتحدة الأمريكية أحداث 11 سبتمبر والحرب ضد الإرهاب، لتحقيق هدف مزدوج وهو السيطرة على أفغانستان من ناحية، وبسط سيطرتها على منطقة آسيا الوسطى من ناحية أخرى، كما تهدف أيضاً إلى محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة من ناحية ثالثة، علاوة على الاقتراب من القوى النووية في جنوبي آسيا (الهند وباكستان)، لإحباط أي حرب إقليمية في هذه المنطقة، قد تؤثر مستقبلاً على موازين القوى في المنطقة.

سابعاً: انعكاسات الإرهاب الدولي على الشرعية الدولية

إن أخطر الآليات لمواجهة الإرهاب، هي الفوضى الدولية، التي أعطت القوى الكبرى أو الدول الصغرى في آن واحد، الحق في مقاومة الإرهاب بواسطة الغزو أو العدوان العسكري أو اتخاذ إجراءات قهرية من دولة ضد دولة أخرى، وإضفاء مفاهيم جديدة للأمن والسلم الدوليين، بمعنى أن الشرعية الدولية باتت مهددة تماماً، وعاد العالم إلى شريعة الغاب، كما أن تحدى الشرعية الدولية، لم يقتصر على غزو العراق فقط، ولكن ظهرت آثاره في العديد من مناطق العالم ومثال ذلك:

  1. ما فعلته وما تفعله إسرائيل بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم استجابتها لأي قرار صادر من مجلس الأمن، وإطاحتها بالاتفاقات أو التعهدات أو المبادرات مع أي قوى أخرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية (الحليف الرئيسي لإسرائيل).
  2. أن هناك صراعاً خفياً يحدث في جورجيا تجاه موسكو، حيث ترى الأخيرة أن ما يحدث في جورجيا هو إرهاب، ومن ثم أكد الرئيس الروسي بوتين على عدم مهادنة الإرهاب الموجه ضد روسيا من الأراضي الجورجية بالقول :”سوف نهاجم الإرهاب في جورجيا، وسوف نحتفظ بحقنا في عمل عسكري إذا لم تقم تبليس[1]بتصفية جماعات الشيشان الإرهابية على أرضها.
  3. أن أحد “صور الحرب على الإرهاب” من وجهة النظر الأمريكية، كان يتحدد في معاونه الدول الصديقة في القضاء على الخلايا الإرهابية، ومن ثم فإن هذا التعاون يمكن أن يمس استقلال بعض الدول وكرامتها بالدرجة الأولى، ومثال ذلك: “حادث دخول طائرة أمريكية بدون طيار للمجال الجوى اليمنى والتنسيق مع السلطات اليمنية، في أواخر عام 2002، وإطلاقها صاروخين على سيارة مدنية، وقتل ستة يمنيين باعتبار أنهم إرهابيين”، وبالطبع يدخل ذلك في إطار التدخل المباشر في أمن الدولة وليس مساعدتها.

وبالطبع، فقد أنعكس ذلك مباشرة على الأمن والسلم الدوليين، وغيَّر العديد من المفاهيم في الأمن الوطني، وتغيرت بسبب ذلك أدبيات الحرب والسلام واختلطت الأوراق، وكانت الضحية الأولى هي الشرعية الدولية، والضحية الثانية هي قيم الإسلام وعقائده السمحة، والضحية الثالثة، هو النظام العربي والأمن القومي العربي الذي اخترق، أما الضحية الكبرى فتمثلت في السلام العالمي.

ثامناً: آثار هجمات 11 سبتمبر وتداعياتها على العالمين العربي والإسلامي

  1. العالم العربي

حدث تباين في المواقف العربية سواء تجاه أحداث سبتمبر أو التحالف ضد الإرهاب أو الهجمات ضد أفغانستان، فقد شجبت كل الدول العربية ما تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية من إرهاب باستثناء العراق، وعارضت كلا مصر والسعودية التحالف الدولي، بينما وافقت عليه دول عربية أخرى بشرط حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً.

كما عجز التفكير الإستراتيجي العربي عن التعامل مع تطور الأحداث منذ 11 سبتمبر، وسيطر التفكير قصير المدى ، ذو الطبيعة القطرية، على الرغم من أن الحادث هو صراع بين إستراتيجيات مختلفة على إعادة تشكيل آسيا والشرق الأوسط والمنطقة العربية، انطلاقاً من أفغانستان هذا بالإضافة إلى غياب الدور العربي، وقدرته على تشكيل موقف عربي موحد من هذه الأحداث، ولكن هذا الدور كان مغيباً تماماً عن توجيه مسار الأحداث والمواقف.

وقد كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، تأثيرها الواضح على قضيتين أساسيتين هما، العلاقات العربية – الأمريكية، والصراع العربي – الإسرائيلي، والتي يمكن إيجازها في الآتي:

أ. الانعكاسات على العلاقات العربية – الأمريكية

وقعت أحداث 11 سبتمبر، بينما كانت تشهد العلاقات العربية – الأمريكية، بعض مظاهر التوتر وعدم الاستقرار، بسبب الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل، والذي لم يتحرك لإثنائها عن المضي في سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين، ثم جاءت تلك الأحداث وما تلاها من تطورات لتضيف أسباباً أخرى للتوتر بين العرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجاوزت صورة العرب لدى الغرب مرحلة التشويه التي كانت سائدة قبل 11 سبتمبر، إلى احتمالات الصدام، حيث أستغل البعض تلك الأحداث في شن حملات سياسية ضد الدول العربية، خاصة ضد مصر والسعودية، وذلك من خلال هجوم إعلامي تدعمه بعض الدوائر المعادية بالولايات المتحدة الأمريكية.

وفى البداية حاولت الإدارة الأمريكية التقرب من الدول العربية بهدف دعم الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، وأعلنت التزامها بإقامة دولة فلسطينية، وأسفرت الجهود الأمريكية بهذا الشأن عن الاتفاق حول رؤية أمريكية لعملية السلام، انتهت بتقديم “خطة خريطة الطريق”،. التي لم يقدر لها أن تطبق حتى الآن.

واختارت الإدارة الأمريكية التعامل مع الأمة العربية من موقع استعلائي، وحاولت كسر إرادة هذه الأمة وهدر كرامتها، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بينهما، كما أدى إدراج العراق في قائمة دول “محور الشر” واتهامه بتطوير أسلحة الدمار الشامل، واتخاذ ذلك الأمر ذريعة لشن الحرب ضده، وانتهى الأمر بغزوه واحتلاله، على الرغم من الرفض العالمي والعربي لهذا الغزو، لأنه أتى دون تأييد أو شرعية دولية، حيث اعتبرت الأمة العربية بأنه إذلال للأمة، وفرض الهيمنة الأمريكية عليها.

ب. موقف النظام العربي في التوجه الأمريكي للحرب ضد الإرهاب

على الرغم من وجود محاولات “منفردة” ، قامت بها بعض الدول العربية لتحديد رؤيتها تجاه الأحداث وخاصة الحرب ضد الإرهاب، فإن رؤية عربية موحدة لم تتحقق لتحديد إستراتيجية شاملة للتصدي للتحديات والتهديدات الموجهة إليها، وبرغم صدور قرارات عديدة في مؤتمرات القمة وعلى المستوى الوزاري، إلا أن شيئاً منها لم ينفذ. وعلى سبيل المثال، قرارات مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ في أول مارس 2003، ومؤتمر قمة تونس في 28 مايو 2004، وتوصيات مؤتمر مكتبة الإسكندرية في مارس 2004 من أجل الإصلاح للحد من ظاهرة الإرهاب.

ودون الإدراك بأن هذا الحرب توجه بشكل “شبه كامل” تجاه الإسلام كعقيدة، وتجاه المنطقة التي تعتبر في نظر الولايات المتحدة الأمريكية “بيئة ينمو فيها الإرهاب”، فإنه يمكن إجمال الموقف العربي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في النقاط التالية:

(1) أن الدول العربية قبلت التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بصورة فردية، دون الإصرار على أن يكون التعامل من خلال نظام عربي، أو تجمع عربي داخل الجامعة العربية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تهدف من ذلك إلى تحقيق مصالحها في كل دولة على حدة، ودون أن تواجه تجمعاً عربياً يساند بعضه بعضاً.

(2) أن الولايات المتحدة الأمريكية تستغل الصراعات والتنافسات العربية – العربية، لتنفذ من خلالها من أجل تحقيق مصالحها، وقد جاءت المتغيرات المتتالية لتعمل على تفعيل أنماط العلاقات العربية – الأمريكية، ولتؤكد النفوذ الأمريكي بالمنطقة، بدءاً من حلف بغداد في منتصف عقد الخمسينيات، وانتهاءً بالتحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة الشرعية للكويت عام 1990/1991، والذي أدى إلى الوجود العسكري الأمريكي في بعض دول المنطقة.

(3) أنه منذ اعتلاء الإدارة الحالية برئاسة بوش الابن، التي اعتلت السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية – اعتباراً من يناير2001- أتت بالعديد من المتغيرات في التعامل مع الجانب العربي ومثال ذلك:

(أ) المغالاة في إشهار الانحياز الكامل لإسرائيل، والتنسيق الكامل مع إسرائيل، حيث تعددت زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي “أريل شارون” لواشنطن لتصل إلى سبعة زيارات خلال عامين، في الوقت الذي أعطى إسرائيل وعوداً عديدة في عدم المساس بالتجمعات الحالية للمستعمرات الإسرائيلية وغيرها.

(ب) احتلال العراق والإصرار على إقامة قواعد متقدمة، والشروع في إقامة دولة عراقية على النمط الديموقراطي الأمريكي، بحيث يصلح هذا النموذج لباقي الدول العربية.

ج. الانعكاسات على الصراع العربي – الإسرائيلي

كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر تأثيرها المباشر على دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي، بالنظر إلى عدة اعتبارات أهمها:

(1) وقعت هذه الأحداث قبل أيام من إتمام الانتفاضة الفلسطينية عامها الأول وما أحدثته الممارسات الإسرائيلية ضدها من توتر في المنطقة وانهيار مشروع السلام، الذي بدأ مع مؤتمر مدريد عام1991، بحيث سيطرت الحرب على مفردات الخطاب السياسي الإسرائيلي في ظل حكومة أريل شارون.

(2) وقعت هذه الأحداث، في ظل موقف أمريكي من جانب إدارة الرئيس بوش، اتسم بالتحيز الواضح لصالح إسرائيل، كما حصلت إسرائيل على دعم مادي ومعنوي ضخم من الولايات المتحدة الأمريكية، على اعتبار أنها تقوم بدور رئيسي في الحرب ضد الإرهاب الذي تشكله المنظمات الفلسطينية.

(3) بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حدث تطور في قضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي من عدة جوانب كالآتي:

(أ) في الوقت الذي ندد فيه العرب بالهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، فإنهم طالبوا في الوقت نفسه الوقوف ضد الإرهاب الإسرائيلي الموجه إلى الشعب الفلسطيني.

(ب) اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، إضافة إلى تحرك أوروبي نشط بالمنطقة، بهدف التوصل إلى تسوية سلمية.

(ج) مناداة بعض الأصوات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بضرورة التحرك من أجل إيجاد حل عادل لمشكلة الصراع العربي- الإسرائيلي، كما قامت الصحف الأمريكية والغربية بنشر العديد من المقالات والتعليقات التي تطالب، بضرورة مراجعة الولايات المتحدة لسياستها بمنطقة الشرق الأوسط، بحيث تكون أقل انحيازاً لإسرائيل.

(د) حدوث تغير في الموقف الأمريكي بعد غزوها للعراق، بتأجيل إقامة الدولة الفلسطينية “المنزوعة السلاح” طبقاً لما حددته خريطة الطريق، إلى عام 2009.

د. حالة النظام العربي وتداعيات الحرب ضد الإرهاب

مع تصاعد الأحداث، وخصوصاً مع إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على شن الحرب على العراق عام 2003، والتي مثلت أعلى درجة من التهديد، فإن حالة النظام العربي لم تكن مهيأة – ولا تزال – للتصدي للدوافع الأمريكية نحو الحرب، سواء ضد العراق أو ضد ظاهرة الإرهاب بشكل عام، أو لاستمرار الحشد العسكري الأمريكي في المنطقة، والأهم من ذلك كله، أن هذه المسببات لا تنبع من داخل النظام العربي نفسه، ولكن من خلال تأثير الولايات المتحدة على العديد من الدول العربية، وتعميق فجوة الثقة فيما بينها، وبما يحول هذه المسببات إلى تداعيات ومن أهمها:

(1) انقسام العالم العربي على نفسه، وتعدد توجهاته القطرية دون تنسيق في مجال الجوار العربي الجغرافي، وبالتالي فقد استحال تجميع الأهداف العربية التي تفرضها المصالح المشتركة في إطار إستراتيجية عربية موحدة لمواجهة الأخطار وتحقيق المصالح العربية.

(2) انخفاض الثقة المتبادلة على المستوى العربي، محصلة لسياسات وتوجهات بعض الأنظمة العربية.

(3) انعكاس آثار” تحقيق الأمن” على التوجهات السياسية لبعض الدول العربية، وهو أحد أثار حرب الخليج الثانية، إلى جانب رغبة بعض الدول “محدودة القدرة” في احتلال مرتبة أكبر من قدراتها من خلال التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية.

(4) أن حالة جامعة الدول العربية، لا تسمح لها بالتدخل المباشر حيث إنها مؤسسة تنسيق، وليست مؤسسة اتخاذ قرار، وأن دور جامعة الدول العربية، واجه تهميشاً من بعض الدول العربية، خاصة تلك التي تحاول أن يكون لها دور مؤثر على المستوى العربي، دون أن تمتلك مقوماته.

(5) أن الحرب ضد الإرهاب وتصاعدها، أدت إلى تقسيم الوطن العربي إلى مناطق اهتمام جغرافية، وهو ما يمثل خطورة على النظام العربي بالكامل، ويبدو ذلك واضحاً في مجال التوجهات السياسية لدول المشرق العربي، ومثل توجهات ليبيا للانفصال عن النظام العربي وغيرها.

  1. العالم الإسلامي

على الرغم من أن الرئيس بوش، قد حاول تدارك تداعيات استخدامه لعبارة الحرب الصليبية في حديثه عن الحرب ضد الإرهاب، سواء من خلال التقرب إلى المسلمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو من خلال التأكيد على أن الإسلام هو دين السلام، وإن هذه الحرب ضد الإرهاب، ومع ذلك فإن أحداث 11 سبتمبر كان لها تأثيراتها السالبة العديدة على نظرة الغرب للإسلام، وخاصة فيما يتصل بالإدعاءات الخاصة بعلاقته بالإرهاب، ما أدى إلى توفير بيئة مناسبة لبروز التيارات المتعصبة ضد العرب والمسلمين في الغرب وعلى سبيل المثال:

أ. بعد حديث الرئيس بوش عن حرب صليبيه، صرح رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيوبير لوسكوني، أن الحضارة الغربية المسيحية متقدمه عن الحضارة الإسلامية التي تتسم بالتخلف والركود.

ب. ساد الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية موجة عارمة من الغضب والكراهية ضد المسلمين، واتهمها بالإرهاب، وأنهم أعداء للحرية. واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية إجراءات قال المراقبون إنها عنصرية ضد المسلمين، ما أدى إلى سيادة موقف عام معادٍ للإسلام وسيادة اعتقاد غير صحيح بأن الإسلام مرادف للإرهاب.

تاسعاً: أثار هجمات 11 سبتمبر على القضايا الدولية المختلفة

  1. مكافحة الإرهاب

شكلت هجمات 11 سبتمبر نقلة نوعية خطيرة في نمط الإرهاب الدولي، وليس من قبيل المبالغة القول، إن الإرهاب الجديد، أصبح واحداً من الأشكال الرئيسية- أن لم يكن الشكل الرئيسي- للصراع المسلح على الساحة الدولية، ولا يقتصر أهمية هذا التحول على ما يمثله من تهديد جديد للأمن الدولي، ولكن أيضاً على ما استثاره من ردود أفعال من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الدولية الأخرى، والتي لم تقتصر فقط على شن حملة دولية واسعة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب، ولكنها وصلت إلى حد اعتماد الرئيس بوش، لموقف قوامه أن وقف الإرهاب، ومحاسبة الدول التي ترعاه، أصبحا التركيز الرئيسي للإدارة الأمريكية. وهو ما يعنى بوضوح أن أحداث سبتمبر قد غيرت السياسة الخارجية الأمريكية، بصورة جذرية، حيث أصبحت هذه السياسة موجهة بالكامل نحو أهداف مكافحة الإرهاب، بما ينطوي عليه هذا الأمر من تخصيص للموارد المادية والبشرية وإعادة تشكيل التحالفات الخارجية الأمريكية وعلاقاتها الدولية، وهو ما يعد أوضح تعبير عن المكانة التي بات الإرهاب يحتلها بوصفه شكلاً رئيسياً من أشكال الصراع المسلح على الساحة الدولية.

هذا، وقد أعطت هجمات سبتمبر مزيداً من قوة الدفع لجهود مكافحة الإرهاب، بحيث استحوذت الأدوات العسكرية على الجانب الأكبر من جهود مكافحة الإرهاب، حيث اندفعت الولايات المتحدة الأمريكية بقوة نحو القيام برد عسكري على الهجمات حتى قبل أن تتوافر الأدلة الكافية لها بشأن المسئولين عن هذه الهجمات، ووجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في حاجة إلى بناء تحالف دولي واسع النطاق لمكافحة الإرهاب، ولكنه ليس تحالفاً عسكرياً تقليدياً، وإنما يغلب عليه الطابع السياسي، ويركز على التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية والمالية، من أجل تعقب الجماعات الإرهابية وضرب شبكاتها العالمية وتجفيف مواردها المالية.

وتنبع أهمية التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، من أن هجمات 11 سبتمبر، أكدت أن الإرهاب الدولي أصبح يمثل تحدياً بالغ الخطورة، بحيث لا يمكن لأي دولة أن تواجهه بمفردها مهما كانت قدراتها، وفى الوقت نفسه، ركزت الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية على تطوير التشريعات لمكافحة الإرهاب، ليس فقط في المجال الأمني ولكن أيضاً في مجال تشديد إجراءات دخول الولايات المتحدة والإقامة فيها، وكذلك إعادة النظر في سياسات الهجرة.

  1. حقوق الإنسان

خلفت أحداث 11 سبتمبر، أجواء غاضبة داخل الولايات المتحدة تجاه العرب والمسلمين، بسبب شكوك المحققين الأمريكيين في وجود صلة بين جماعات إرهابية عربية وإسلامية،وهذا بدوره أدى إلى تراكم حالة العداء والتحفز داخل المجتمع الأمريكي، بما أدى على التأثير على حقوق هذه الطائفة سواء في العمل أو في الحياة، والتي تمثل أدنى حقوق الإنسان. كما كان احتجاز معتقلي القاعدة وطالبان في قاعدة جوانتانامو من دون تقديمهم لمحاكمة عادلة، يمثل كذلك انتهاكا لحقوق الإنسان[2].وقد حاولت الإدارة الأمريكية التخفيف من هذه الأوضاع ومعالجتها من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي الداعية إلى عدم اتخاذ ما جرى في سبتمبر، ذريعة لاضطهاد العرب والمسلمين.

  1. الديموقراطية

*من المفترض أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، يعبران عن نظام دولي، ارتضته أغلب دول العالم لإدارة الأزمات، ومن المفترض أيضاً أن إدارة الأزمات تتبع أسلوباً ديمقراطياً، حيث لا يمكن تصنيف عمل ما بأنه عمل إرهابي يهدد الأمن والسلام العالميين إلا إذا أقرت معظم الدول الأعضاء في هذه المؤسسة ذلك. وكذلك ينبغي ألا يتم القيام بأي عمل جماعي من شأنه إلحاق الأذى والدمار بعضو في هذه المؤسسة – كما حدث ضد العراق عندما قامت بغزو الكويت عام 1990- إلا بتوافق إرادة دولية جماعية، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية وهى تقوم بشن الحرب على الإرهاب لا ترغب في أن يشاركها أحدث في تعريف العدو وأسلوب مواجهته، وهو أمر يتنافى مع الديمقراطية على النطاق الدولي، ومن المسلم به أن إجهاد آليات الديمقراطية على النطاق الدولي، سوف يؤثر على الديمقراطية السياسية والاجتماعية في المجتمع الأمريكي ذاته، وبناءً عليه فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعلن بوضوح أن من يملك القوة بوسعه أن يكسر القواعد الديمقراطية المتعارف عليها، وأن يكون هناك، في هذه اللحظة، إمكان فصل الأمر داخلياً عن نظيره في الخارج.

والولايات المتحدة الأمريكية بعد انفرادها بالتحكم في الكثير من الحلقات السياسية والاقتصادية في العالم، تحولت من نظام ديموقراطي إلى إمبريالية حقيقية، إلا أن المثقفين الأمريكيين يعتقدون أن حكومة بلادهم لا ترغب في احتلال العالم، بل تريد نشر النظام والاستقرار فيه. وعلى الرغم من أن بعض المفكرين الأمريكيين على قناعة تامة بأنه لا مكان لغيرهم في مركز القمة بالعالم، إلا أن لديهم اعتقاداً بأنهم لا يملكون مقومات هذه المكانة، لاسيما وأن الساسة الأمريكيين ليس بإمكانهم التفكير للمدى البعيد، والدليل على ذلك النجاح العسكري في العراق، ثم الفشل في إعادة الاستقرار الإداري والاقتصادي فيه.

عاشراً: أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها على الاقتصاد العالمي

أضير الاقتصاد العالمي بشدة، نتيجة أحداث سبتمبر، حيث إن الاقتصاد الأمريكي يمثل أكبر اقتصاد في العالم، وما يصيبه يؤثر سلباً على الآخرين بشدة، وهذا يمثل أحد آثار العولمة الاقتصادية، وارتباط العالم بقرارات منظمة التجارة العالمية “الجات”، وكانت أهم التأثيرات على الاقتصاد والعالم وخصوصاً تجاه الدول النامية “ذات الاقتصادات محدودة القدرة – هو الكساد وتباطؤ النمو”.

أن التأثير الأكبر في المجال الاقتصادي، أصاب الدول العربية، واقتصاداتها العربية – بطبيعتها – محدودة التأثير نظراً لاعتمادها على اقتصادات الغربية المتقدمة، وقد بلغت الخسائر الاقتصادية العربية – طبقاً لما أكدته تقديرات اللجنة الاقتصادية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة – نتيجة لأحداث 11 سبتمبر كالآتي:

  1. انخفاض معدل النمو ببعض الدول العربية، وعلى سبيل المثال: “المملكة العربية السعودية من 4.5% عام 2000 إلى 1.5% عام 2002” – “الكويت من 4 % عام2000 إلى 1.5% عام 2002” – “الإمارات من 6.5% عام 2000 إلى 2.5% عام 2002” – “عُمان من 4.6% عام 2000 إلى 2% عام 2002”- “مصر من 5.5% عام 2000 إلى 3% عام 2002”.
  2. انخفاض في أسواق الأسهم العربية: حيث كان قطاع البترول من أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً، حيث تراجع الطلب العالمي خلال الجزء الباقي من عام2001، والنصف الأول من عام 2002، بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادي، إلى جانب التأثيرات السلبية على السياحة وحركة الطيران، وقد تراجع سعر برميل البترول خلال تلك الفترة من 27.6 دولاراً عام 2000 إلى حوالي 22 دولاراً، بانخفاض تزيد نسبته على 20%، ما أدى إلى انخفاض عائدات البترول العربية بنسبة تصل إلى نحو 23%.
  3. تدفقات الاستثمار العالمية تجاه العالم العربي: والتي تأثرت بشدة – طبقاً لتقديرات مؤسسة التمويل الدولية – فقد انخفضت رؤوس الأموال الخاصة إلى الأسواق الناشئة في العالم من 166 مليار دولار عام 2000، إلى 106 مليار دولار عام 2001، وتبعاً لذلك انخفضت تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى المنطقة العربية من 4.6 مليار دولار عام 2000 إلى 3.5 مليار دولار عام 2001.
  4. الاستثمارات العربية في الخارج: والتي تقدر ما بين 800 مليار – 1300 مليار دولار، فقد تأثرت نتيجة للكساد في الدول الصناعية المتقدمة، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، بالإضافة إلى تلك الاستثمارات التي أصبحت مهددة بمخاطر التجميد في إطار الحملة الدولية ضد الإرهاب.

كما أشار البنك الدولي إلى أن أهم الآثار الاقتصادية المترتبة على الأزمة تتمثل في:

  1. التأثير سلباً على معدلات النمو وخاصة في الدول النامية، ما يعنى مزيداً من الفقر.
  2. انخفاض حركة التجارة العالمية نظراً لزيادة تكلفتها بارتفاع رسوم التأمين، وتأخر نقل البضائع نتيجة تشديد الإجراءات الأمنية في المطارات والموانئ.
  3. زيادة أسعار المدخلات المستوردة واحتمال تأخر وصولها، ما يتطلب زيادة المخزون ويتبعه زيادة تكاليف الإنتاج الصناعي.
  4. انخفاض تدفق رؤوس الأموال للدول النامية، نظراً للمشكلات التي تعانى منها الأسواق المالية في هذه الدول.
  5. انخفاض أسعار السلع الأولية، بما فيها البترول ما يؤثر سلباً على الاقتصادات النامية، التي تشكل هذه السلع النسبة الأكبر من صادراتها.

أما تأثيراتها على الاقتصاد الأمريكي فيمكن إيجازها في الآتي:

  1. الانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي الأمريكي، والذي بدأ منذ منتصف عام2000، واستمر طوال الثمانية شهور الأولى من عام 2001، ثم ازدادت تأثيراته السلبية بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد ظهر تأثير ذلك في حدوث فجوة في مجال الاستثمار وذلك بانهيار مشتريات المعدات والبرمجيات، كما انخفضت معدلات التصدير، ولكن تأثيرها كان محدوداً بسبب انخفاض الواردات.
  2. الانخفاض في معدل النمو الذي ظل في معدل تدهوره، وكذلك معدلات الاستهلاك والاستثمار وغيرها من المعدلات المؤثرة فيه، وقد كان متوقعاً قبل 11 سبتمبر أن تحدث انتعاشة طفيفة في الفترة القادمة بارتفاع الـGDPبنسبة 1.3% في عام 2001 ثم إلى نسبة 3.3% في عام 2002، ولكن هناك عدداً من المشكلات سبق بيانها، يرجع سببها إلى أمور متعلقة بتأثير الاستثمارات الزائدة على الاقتصاد الكلي، وعلى معدل الإنتاج متوسط الأجل، وانخفاض ثقة المستهلكين.
  3. أن أحداث 11 سبتمبر، غيرت إطار تحليل السياسة الاقتصادية الأمريكية، حيث أصبح التحليل يتم في إطار اقتصاد حرب أكثر من أي شيء آخر، كما شكلت هذه الأحداث عودة للنصر الجيوسياسى للأيديولوجية، وللعنصر العسكري في مجال الاقتصاد.

هوامش

[1] تبليس هي عاصمة جورجيا.

[2] صدر مؤخراً في أكتوبر عام2006 قانوناً جديداً بالولايات المتحدة الأمريكية يحتم تقديم هؤلاء المعتقلين للمحاكمة.

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/Erhab/index.htm

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button