دراسات أوروبية-أورومتوسطيةدراسات سياسية

دراسة تحليلية نقدية لخطاب الرئيس الفرنسي ماكرون ضد الاسلام

د.وثاب خالد آل جعفر
خطاب “الازمة” للرئيس الفرنسي وازمة تعاطي العقلين العربي والاسلامي معها .
على هامش خطاب “رئيس فرنسا” الذي قال فيه :
” ان الاسلام يعيش أزمة عالمية وعلى كل الاصعدة .. ويحتاج اعادة تشكيل .. ثم هو يخص مسلمي فرنسا موجها بوجوب تجديده بما يلائم فرنسا الوطن “
مدخل :
الموضوع احوج ما يكون لوقفة نقدية تحليلية فكرية .. منه لما نقرأه من ردود افعال جلها :
– سب وشتم لـ ( الاخر ) صاحب المفردة والذي نحن بصدده .
– او استذكار لماض تليد مغموس ببكاء على الطلل .. وفق منطق “كنا وكنتم” والمؤسف ان هذه اللغة شابت حتى ردود علماء الامة ومفكريها .. دون الوقوف عند علتها نقدا وتحليلا .
اولا . مفردة “الازمة” نظرة من الداخل الاسلامي :
1. لما العجب مما تفوه به الرئيس الفرنسي ؟
– أليس ذاته منطق الكثير من المفكرين القوميين العرب العلمانيين كساطع الحصري وبورقيبة وعفلق وناصر ومدارسهم ؟
– أليس هو منطق الكثير من العوام العرب ممن نرصد كتاباتهم من على الصحف، وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ؟
– أليس ذات المنطق وذات الدعوة .. ما ينادى بها اليوم مشاريعا “إصلاحية” كالسيسي مع تأييد مؤسسة الازهر/الدينية له .. وابن سلمان وتأييد أئمة الحرمين/ الدينيين له .. والامارات وتأييد بعض الدعاة لهم ؟
– أليس منطقهم جميعا :
“ان الاسلام كدين ونصوص ما عاد يواكب العصرنة .. ويهدد البناء الوطني للدولة .. ويجب تحديثه من الداخل .. وتناول مواضيعا ذات مساس ببنيته بفهوم وطرح جديد كالحجاب والخمر والعقائد .. وحجب بعض ايات القران التي تخاطب الاخر بحجة التكفير .. واعادة صياغة مفهوم الاسلام للامة والفرد والدولة والوطن والوطنية والحكم .. الخ” . أليست نفسها دعوة ماكرون ؟ .
2. من حيث كونها “مفردة مستفزة” ؟
– ألم يستخدم بعض المفكرين الاسلاميين مفردة (الازمة) في دراسة الواقع والخطاب والفكر الاسلامي عند المسلمين ( طبعا المسلمين كفكر وليس الاسلام كدين) منذ جمال الافغاني وشكيب ارسلان مرورا بالغزالي ومالك بن نبي وطه العلواني وحتى يومنا هذا حيث البكار وبقية المجددين .. وقد استخدموا هذه المفردة .. او على شاكلتها كاعادة تشكيل العقل الاسلامي وغيرها .. ولم تثر المفردة استفزاز القارئ الاسلامي ؟
3. الواقع الاسلامي :
– الا يعيش العالم الاسلامي .. والفرد المسلم .. والعقل الاسلامي .. والخطاب الاسلامي .. والفكر الاسلامي أزمة حقيقية على ارض الواقع من حيث تسويقه وتعايشه مع الاخر ؟ فلماذا الهرب ؟
هذا إذا اردنا اخضاع القضية لصالح الامة وتفويت الفرصة على من اثارها والدوائر التي تحركه .
ثانيا . نظرة من الداخل الفرنسي والعالم الغربي “الاخر”:
هنا تحتاج آلة النقد ان تقف عند الجو العام للقائل :
– بيئته الفكرية: لتحديد علمية وهوية المفردة . وهل هي زلة لسان؛ أم مقصودة ممنهجة خلفها مقاصد اخرى .
– الطروحات التي سبقتها: لفهم سياق الجملة .
– الجهة المقصودة منها وأبعادها .. لمعرفة مسارها .
استنطاق تاريخي :
وقبل الخوض في الجو العام للمفردة والمحاور التي حددناها اعلاه .. استوقفتني حقيقة معاصرة في اننا لو قمنا بمراجعة سريعة لخطاب رؤساء اوربا ولو من اخر حرب صليبية لهم او من الثورة الفرنسية حدود نهضتهم لليوم .. ومع كل تفوقهم وقوتهم وظلمهم وتعسفهم ومناهجهم وجمعياتهم المعادية للاسلام .. لكن لم يتجرأ رئيس غربي واحد على الانتقاص من الاسلام كدين علنا .. بل هناك مجاملات مبالغ بها كاسلام نابليون .. وروتين تهنئة ملكة بريطانيا للمسلمين برمضان والعيدين .. وكذا الرئاسةالامريكية وباقي الدول الاوربية .. وحتى الفاتيكان .
وهذه اول مرة يستخدم فيها هكذا طعن صريح .. من مؤسسة رئاسية سياسية تدعي الديمقراطية ولديها مكون وطني اكثر من 7 مليون نسمة يدينون بالاسلام .. ولسنا بصدد جمعياتهم ومراكزهم البحثية .
من هنا:
جاءت وقفتنا النقدية من الداخل الفرنسي مصدر الازمة ووفق المحاور التي حددناها كخارطة طريق لنا :
1. ان البيئة الفكرية للرئيس الفرنسي صاحب المفردة .. ومن خلال مراجعة سيرته العلمية والفكرية .. هي بيئة إستشراقية ! .
وهكذا تم تحديد هوية المفردة .. في انها مقصودة معني بها تبعا للدوائر التي ينتمي اليها ذلك الرئيس وهي الدائرة الاستشراقية ..التي عودتنا ان تكون المختص بموضوعة دراسة العالم الاسلامي كخطاب وفكر رصدا وتفكيكا وحفرا .
2. الطروحات التي سبقت هذا الطرح الاشكالي .. وكما اسلفنا في ان اهمية ذلك سيوصلنا لسياق المفردة كما وسيعزز استنتاجنا في النقطة السابقة .. وقد وجدنا له طرح خطير مهم غاااااية في الاهمية .. يجب الوقوف عنده :
– هو : ان هذا الرئيس الغربي طرح قبل عام تصريح خطير بشر فيه بـ (( زوال هيمنة العالم الغربي على العالم )) مع ظهور قوى جديدة من الشرق .. لذلك هو يعلنها في اكثر من مرة بضرورة الحاق ( روسيا ) المسروقة من الشرق الى حاضنتها الغربية !. انتبهوا لها رجاءً !! .
3. واما الجهة المخاطبة لمعرفة مسار وهدف مشروعه :
– فأقرب تصريح لهذا الرئيس تم رصده : اعلانه الصريح الواضح الخالي من كل المجاملات الدبلوماسية المتعارف عليها حين قال : ان شخص اردوغان المسلم ونظام تركيا الاسلامي يمثلان له ( مشكلة شخصية ) .
وبالعودة لتفكيك هذا العداء بالبحث عن هوية اردوغان ونظامه .. وقد وجدناه ينتمي لمدرسة ( الاسلام الحركي الراديكالي ) أكثر مما هو كلاسيكي .
وهذا يكشف لنا حقائع خطييييرة جدا :
– ان هذا الرئيس والذي تكشفت لنا هويته الاستشراقية .. انما هو بصدد مواجهة الاسلام_السياسي_الحركي الناهض بجيله الجديد والذي باتت تركيا الملاصقة لاوربا مستقرا له .
– كما يكشف لنا هذا التحرك عمل فرنسا لاستعادة زعامتها للمدرسة الاستشراقية الاوربية التي هزمتها المدرسة الامريكية قرابة قرن من الزمان .
– وان هذا الرئيس الطموح (ماكرون) يحاول طرح نفسه كزعيم غربي في ظل عقدة تاريخية .. من خلال بوابة الاستشراق .. طموح يفضحه زواجه المريب من سليلة اسرة روتشيلد التي تكبره بثلاثين عاما .. وزيارته لبيروت وتكريم فيروز وكلنا يعلم ماذا تعني بيروت لأي مستشرق غربي .. ثم دخول غياهب الملف العراقي الذي تكاد امريكا تسد كل منافذه ليظل سرا امريكا .. والكل يعرف دور وموقع العراق بالنسبة للشرق .
الاستنتاجات :
– ازمة في الفكر الغربي عامة .
– ازمة في الفكر الاستشراقي خاصة .. يؤكد خطابها المأزوم الذي يصارع التجديد .. والذي يروم تصدير أزمته بتأزيم خطاب “الاخر” بالنسبة له .
– صراع بين مدرسة الاستشراق الاوربية والامريكية .
– فرنسا تقدم نفسها راعية للفكر الاوربي بديلا عن المانيا وبريطانيا .
– اعلان بدأ المواجهة مع لاسلام السياسي الحركي بجيله الجديد صاحب الطروحات المدنية ومركزه تركيا ومعها ماليزيا وباكستان .. يحاكي المواجهة الامريكية سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لما اطلق عليه حينها بـ “الاسلام الاصولي” . اذا هو مواجهة فكرية بادوات سياسية في مناورة مكشوفة للتغطية على انه صراع اديان .. لذلك سوف تعمد الدوائر الغربية لدعم الاسلام الكلاسيكي غير السياسي كالصوفية والمداخلة والجامية وما على شاكلة هذه المدارس وطروحاتها .. وقد يلعب الازهر في ظل السيسي دورا مهما في ذلك .
– غفلة المعاهد الاستشراقية والمراكز البحثية والاستخبارية الاوربية والامريكية “الغربية ” وفشل اشغالها الفترة الممتدة مابين سقوط جدار برلين والاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي .. حتى ظهور حركات التحرر العربي “الربيع العربي” والذي ظهر ان خلفه هذا الاسلام السياسي الحركي .. وقد اشغل العالم الغربي به فيما هو ينمو ويتمدد شرقا وغربا .
– خطاب الازمة هذا اعتراف غربي على تنامي الاسلام بلبوسه السياسي الحركي .. ونفوذه البيت الاوربي الغربي مشكلا خطرا فكريا غفلته حين انشغلت عنه بالجانب الاقتصادي والعسكري .. حتى بات كيانا حيا يشاركها البيت والفكر وحتى الهوية وهو الاخطر .
– احياء سياسة المحاور الدولية من جديد .. على اساس عقدي سواء “عقيدة دينية او عقيدة اقتصادية” مع استحضار البعد الجغرافي . محاور لاول مرة سيكون العالم الاسلامي حاضرا ولاعبا اصيلا فيها وليس هامشيا .
التعاطي مع القضية :
– نتمنى على المراكز الاسلامية البحثية اخضاع كلمة رئيس,فرنسا في سياق الدراسات الفكرية .
– يجب استخدام المفردة تحت عنوان : قال رئيس فرنسا او صرح احد زعماء العالم الغربي بها .. حتى تاخذ سياقها الصحيح في كونها تعبير عن خطاب الاخر .
وعدم استخدام مصطلح : “قال ماكرون” ليفهم منها انها زلة لسان تعكس رؤية فردية .. لما في ذلك من اماتة للخطاب ووجوب الوقوف عنده .
– كما نتمنى ان يكون استفزار المفردة استفزازا للعقل والفكر الاسلامي للنظر في حقيقة ان هناك ازمة على مستوى الخطاب والعلاقة مع الاخر .. والتي تعكس مصطلح الاسلام والعالم .. وعدم التهرب منها باستحضار التاريخ الذي بات “افيونا” مخدرا ادمنه العقل الاسلامي مستلذا به متهربا على صهوة خياله من الواقع .. وبذلك نحقق منها ربحا فكريا يسهم في موضوعة نهضة الامة ودعم المشاريع العاملة في هذا الميدان .. موجهين صفعة للدوائر الاستشراقية التي خططت بالضد من ذلك .. لنزيد في ازمتها عقدة جديدة تضيق عليم تجديدهم .
إشارة :
لنا دراسة موسعة رسالة ماجستير في “نقد العقل” تناولنا فيها نقد الخطابين العربي والاسلامي .. جاءت في وصاياها ضرورة واهمية تفعيل مراكزنا البحثية للدراسات ذات البعد النقدي .. وضرورة استحداث اقسام تتناول دراسة علوم “المستقبليات” والجيوسياسية والافكار .
ولنا بحث صغير تحت عنوان : (( الاستشراق بين الازمة والتجديد )) .. تناولنا فيه هكذا صراعات فكرية وخطابات تنافسية مأزومة . سنحاول نشره قريبا ان شاءالله .
___________________
1. “الاخر” : مصطلح فكري معاصر صار يستخدم للدلالة على العالم المسيحي الغربي .. يقابل مصطلح الـ(( انا )) الذي يقصد به الذات الاسلامية .
2 . هناك فرق بين :
– الفكر الاسلامي وهو نتاج عقل المسلمين غير المقدس ولا هو بالمعصوم .. والذي نحن بصدد تحديثه وتجديده ونقد خطابه . ولا حرج .
– والدين الاسلامي بنصيه القراني والحديث المقدسين المعصومين الثابتين .
فرق يكاد يكون اساس الخلاف بين الاسلاميين والعلمانيين ممن يجهلون ميدان وبيئة العمل الافتراضي .
3 . يمكن توظيف كلمة الرئيس الفرنسي نحو “ازمة المسلمين” كخطاب وفكر وسياسة .. بعيدا عن مفهومها كازمة للاسلام كدين .. حتى لا تذهب قدرية اثارتهم للازمة التي نحن احوج ما نكون اليها كمستفز عقلي لغير محلها فتضيع سدى .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى