دراسة شاملة حول التهديدات الامنية الجديدة في المغرب العربي (الجزء الثاني)

المبحث الثاني: الأمن من المنظور التوسعي

برزت هذه المقاربات في سياق دولي بدأ يشهد تغي ار في طبيعة المحددات والفواعل على مستوى النظام الدولي، انطلاقا من منتصف ثمانينيات القرن العشرين وهي نفس الفترة التي استدعت إعادة النظر في مفهوم الأمن نتيجة للتغي ارت الذي ط أرت على البيئة الدولية، وما صاحبها من اتساع في نوع المخاطر والتهديدات، بحيث لم تعد المقاربات التقليدية كفيلة باستيعاب وتفسير مظاهر المستجدات الجديدة ولم يعد الصمود يحيط بمسلمة المرجعية الدولاتية كمحور لجميع التفاعلات في الظاهرة الأمنية، الأمر الذي دفع بهذه المقاربات ما بعد الوضعية الجديدة إلى ضرورة تكييف البحث في مجال الد ارسات الأمنية  وتوسيعها بما يستجيب   وواقع هذه التحولات لاسيما بعد انتقال الانشغال والاهتمام إلى الوضع الذي كان يعيشه الأف ارد والجماعات داخل عديد الدول، فمثلت بذلك هذه التوجهات الفكرية والنظرية أحد أكبر الإسهامات في هذا المجال.

المطلب الأول: مدرسة كوبنهاغن

      كان معهد كوبنهاغن للسلام مند إنشائه عام 1985، منب ار نظريا ارئدا في د ارسة شؤون الأمن والسلام وفق خلفية فكرية نقدية، من أهم رواده نجد كل من باري بوازن Barry Buzan، وأولي وايفر Ole Waever، وياب دي وايلدJaap de Wilde، حيث غطت أعمالهم طيفا واسعا من القضايا الأمنية، لكن الدور الأهم والأكثر تأثي ار جاء عقب انضمام بوري بوازن إلى المعهد سنة 1988 كمدير أحد المشروعات البحثية للمعهد، وهو “السمات غير العسكرية للأمن الأوروبي”، تلاه بعد ذلك التحاق أولى وايفر بالمدرسة والتحاقه بباري بوازن في تأليف سلسلة من البحوث النظرية، من خلال هذه اللقاءات، طور هؤلاء المنظرون برنامجا بحثيا في الد ارسات الأمنية بديلا للمفاهيم والأطر الفكرية السائدة في الد ارسات الإست ارتيجية  التي هيمنت على طريقة مفهمة الأمن.  وقدم هؤلاء نظريتين لمفهمة وٕإعادة مفهمة الأمن، والظواهر المتصلة بها. الأولى كانت نتاجا جماعيا للمشروع المطور داخل المعهد، تحت إش ارف بوازن، وهو ما يعرف ب “الأمن المجتمعي”، فيما كانت الثانية متمثلة في الفكرة التي قدمها أولي وايفر حول الفعل التواصلي للأمن أو ما يعرف بنظرية الأمننة.

الأمن المجتمعي: كرد فعل على الأجندة البحثية الصاعدة للمدرسة، ت ازيدت الأصوات المنادية بضرورة تجاوز الأشكال المادية للتهديدات، وفك الارتباط التقليدي والتعسفي، بين مفهوم الأمن والدولة ،وضرورة اعتبار الأشكال الأخرى من الفواعل الأمنية غير الدولة[1]. لاسيما وأن السياق التاريخي لظهور المقاربة، ارتبط زمنيا  باندلاع موجات العنف والإبادة الجماعية بين الجماعات الاثنية والعرقيةفي كل من الجمهوريات السابقة السوفيتية ووسط إفريقيا، بالإضافة إلى ت ازيد وتيرة الهجرة إلى أوروبا ،وتصاعد حدة المشكلات الاجتماعية الناتجة عنها، وقد كشفت مرحلة ما بعد الحرب الباردة بحسب “بولدوين”، أن حقل الد ارسات الأمنية كان  يبدو مجه از بشكل سيئ لا يسمح له بالتعامل مع عالم ما بعد الحرب الباردة، وذلك بخروجها من هذه الفترة  بمفهوم ضيق للأمن الوطني واتجاهها لتغليب الأمن في شقه العسكري على الأهداف الأخرى للسياسة العامة. والتي  يمكن أن يرد ضمنها صيانة الاستق ارر المجتمعي، فعندما تحس مجموعة ما باللاّأمن إ ازء السلطة الإقليمية، أو المجموعات التي تشاركها نفس الإقليم، فإن ذلك يؤدي إلى ما يسميه Barry Buzan بالمأزق  المجتمعي. الذي يعتبره  مولر Muller   ناتج عن “غياب الأمن المجتمعي، والذي يرتبط بدوره بقدرة المجموعة على الاستم ارر مع المحافظة على خصوصياتها، في سياق من الظروف المتغيرة والتهديدات القائمة أو الممكنة. وبتحديد أكثر فإنه يتعلق بإحساس هذه المجموعة المعنية بأن هناك مساسا بمكونات هويتها كاللغة ،والثقافة، والدّين، والهوية والعادات، أو بأن تطورها لا يتم في ظروف مقبولة”. 

    كل ذلك أدى بعلماء مدرسة كوبنهاجن إلى الإق ارر بأن الأمن ليس مفهوما ثابتا، بل إنه بناء اجتماعي يتشكل عبر الممارسة وبشكل ديناميكي، وبهذا الشكل يمكن توسيعه ليتجاوز المنظور التقليدي الذي يركز على المفهوم الدولاتي الضيق للأمن، في وقت يمكن للدولة أن تكون سببا لانعدامه  ووضع المجتمع كموضوع مرجعي للأمن في مواجهة الدولة التي أصبحت المصدر الأساسي للتهديد[2].

  نظرية الأمننة: يهدف هذا المفهوم كاخت ارع غير مسبوق لهذه المدرسة بالأساس إلى تجاوز الصعوبات التي تواجه تقديم تعريف للأمن يمكن أن يحظى بالإجماع، حيث ظهرت النظرية لأول مرة في أعمال أولي وايفر(مؤسس النظرية) المبكرة عندما تطرق فيها إلى تأثير بنية الخطاب على تشكيل الفعل الأمني، والتي قام بتطويرها لاحقا كبرنامج بحثي في الد ارسات الأمنية بالاشت ارك مع مجموعة من الباحثين العاملين بالمعهد مثل:( بيار لوميتر، وايلي ازبيتا ترومر، ودي وايلد)، وآخرين غيرهم.

  يقصد مبتكرو هذه النظرية بالأمننة على أنها “ذلك البناء اللغوي البرغماتي الممارس من طرف نخبة ما والقائم على الاستدلال بوجود تهديد يمس البقاء المادي أو المعنوي لمرجعية أمنية ما بهدف شرعنة اللجوء لترتيبات استثنائية الغاية منها تأمين الكيان المرجعية محل التهديد من المخاطر المحدقة به”[3].    وبناء على هذا التعريف، فان تحديد المشكلة الأمنية يتم من طرف الدولة و بشكل محدد من طرفالنخب أو أصحاب السلطة، حيث سيجد هؤلاء أن من مصلحتهم-عبر توسيع نطاق القضايا التي يمكن أن تعتبر موضوعا للتهديد – إضفاء الطابع الأمني على بعض المشكلات دون الأخرى، والتي تدرك على أنها تهديدات أو مشكلات أمنية تتطلب معالجة استثنائية ،إذ يقول وايفر في هذا السياق:

“عندما يحدث التوسيع على طول هذا المحور، من المحتمل الاحتفاظ بنوعية معينة تتميز بها المشكلات الأمنية: الاضط اررية، أو الإستعجالية، ومن ثم تكريس سلطة الدولة في المطالبة بشرعية استخدام الوسائل الاستثنائية”.

  بالرغم من الدور الذي تؤديه السلطة في تعريف المشكلة الأمنية ومن ثم حدوث الأمننة، فإن هذه الأمننة لا تتم إلا بتدخل المجتمع، هذا الدور المحوري الذي يعطيه وايفر للمجتمع نابع من اعتبارين:

أولا: تبنيه الأمن المجتمعي كإطار بديل للأمن القومي (مرجعية المجتمع بدلا من الدولة).

ثانيا: تبنيه مفهوما لغويا للأمن يقوم على البناء الخطابي للفعل (حسب مقاربة ما بعد بنيوية).

    يقول وايفر في تعريفه للمفهوم، ما هو الأمن؟. بمساعدة نظرية اللغة، فإننا يمكن اعتبار الأمن فعلا خطابيا، وحسب هذا الاستعمال، الأمن ليس إشارة تحليل إلى شيء ملموس، الكلام في حد ذاته هو الفعل. وعليه الأمن هو القدرة على إضفاء الطابع الأمني على قضية لم تكن تعتبر أمنية قبل التكلم عليها، وهو النتائج السياسية للقوة التعبيرية للفواعل الأمنية، وهكذا يصبح الهدف الأساسي للأمننة هو تشريع استعمال الإج ارءات الاستثنائية، فبمجرد ذكر ما هو الموضوع المرجع المعرض للتهديد، فان ادعاءات تأمينه تعطي السلطة الحق في استعمال الإج ارءات الاستثنائية لتأمين بقائه.

  إن القضية إذن تنتقل من مجال السياسة العادية إلى عالم سياسة الطوارئ، حيث يمكن أن تبرر تجاوز تعليمات ولوائح الوضع العادي (الديمق ارطي) في صنع السياسة[4]. وٕإذا كان هذا الطرح يعطي مبرار لأمننة قضية ما، فان البناء الخطابي لأي فعل أمن يحتاج بشكل عام إلى لبنات أساسية تمكن من إضفاء الطابع الأمني على أي مسألة مدركة:

  • توضيح كيف يمس هذا التهديد ببقاء نوع الموضوع المرجع.
  • است ارتيجية التعامل عن طريق تحديد نوعية التدابير الإستعجالية لمواجهة الفعل محل التهديد.
  • مدى نجاح الخطاب في الحصول على رضا المواطنين إ ازء ما ي ارفق الأمننة من خرق لقواعد الرقابة والشفافية.
  • الذي يبرر ويضفي المشروعية للتهرب من الإج ارءات الديمق ارطية الطبيعية.[5]

   وهكذا تسعى الفواعل من خلال فعل الأمن لرفع قضية من عالم السياسة الدنيا (تحددها القواعد الديمق ارطية وٕإج ارءات صنع الق ارر ) إلى عالم السياسة العليا (تتميز بالاضط اررية، والأولوية الملحة عبر قضايا الموت أو الحياة).

المطلب الثاني: الأمن ضمن التصور النقدي

1 -الأسس والمنطلقات النظرية والفكرية: إن معرفة السياق التاريخي لظهور هـذه النظرية أمر على غاية قصوى من الأهمية كونه يساعدنا على قدر كبير في فهم التوجهات العامة لهذه النظرية والمواقف التي تتبناها منهجيا وعمليا. ظهرت النظرية النقدية في انتجات بعض المدارس الفكرية واسهامات عديد المفكرين كاتجاه فكري في مجالات الفلسفة، وعلم الاجتماع، والانتروبولوجيا، الا أن اسمها ارتبط  بمدرسة ف ارنكفورت للبحث الاجتماعي1923، التي تتبنى في أبحاث مفكريها نظ رة نقدية للمجتمع  تركز على الجانب الاجتماعي العملي في السلوك وتسعى جاهدة للبحث عن الطاقات الكامنة في الحرية والعدالة والسعادة حين تمارس تحت ظروف وشروط تاريخية محددة وتهدف إلى بناء نظام اجتماعي أفضل يحقق تلك الطاقات والظروف.

  تطورت الد ارسات النقدية من مجم وعة من الأطر الفلسفية، كان على أرسها الفلسفة الماركسية ، التي مثلت مرحلة فارقة في تشكل اسهامها النقدي، حيث تفترض وجود علاقة جدلية ص ارعية بين الأط ارف الأضعف اجتماعيا والطبقة الأرستق ارطية، بالتركيز على دور عاملي الثقافة والإيديولوجيا في تحديد أشكال العلاقة الإجتماعية وأنماط الص ارع بين هذه القوى، وحسب النقديين فإن الظاهرة الإجتماعية تفهم في سياقها التاريخي ، وبالتالي فإنه يمكن ملاحظة تأثير واضح للماركسية على النظرية النقدية ، رغم أن الفكر الماركسي يتميز أكثر بفكرة المادية التاريخية من أي مفاهيم أخرى[6].

   كنظرية اجتماعية معيارية حاولت النقدية – من خلال أعمال مدرسة ف ارنكفورت – فهم وتشخيص أسباب الأوضاع السيئة في الواقع الاجتماعي القائم، بإحاطة مواضيع جديدة في الحياة الاجتماعية لم تتناولها الد ارسات الماركسية التي ركزت على الطبقية كمتغير أساس في تشكل تفاعلات الهيمنة والسيطرة فأقحمت النقدية قضايا، كأثر السلطة على اللاوعي الجماعي، وأنماط الهيمنة السياسية في الظواهر الاجتماعية، التي لا تبدو فيها هذه الهيمنة جليا أو تلك التي يعتقد أن الهيمنة غائبة فيها تماما، مثل وسائل الإعلام التي عززت هيمنة السلطة بنشر أشكال ثقافية عميقة تغيب العقل التقديفي المجتمع[7].   

النظرية النقدية في مجال العلاقات الدولية:

  تبدأ النظرية النقدية باعتقاد ارسخ أن العمليات المعرفية ذاتها تتأثر بالمصالح السياسية، وأن نظريات العلاقات الدولية ليست استثناء مما سبق ،فهي تصاغ من خلال التأثي ارت الاجتماعية والثقافية والايديولوجية، وبالتالي فان مهام النظرية النقدية هو الكشف عن أثر هذه المحددات، فأولى بوادر ظهور النظرية النقدية كمقاربة جديدة لد ارسة العلاقات الدولية بدأت معالمها منذ 1976 عندما كتب روبرت كوكس” Robert Cox مؤلفه الشهير “في التفكير حول مستقبل النظام العالمي” The Thinking about The futur of the world order ، الذي أظهر من خلاله غياب الخاصية النقدية لإسهامات النظريات الوضعية في العلاقات الدولية ، وفي 1981 مع إصـدار” القوى الاجتماعية، الدولة، النظام العالمي، ماوارء العلاقات الدولية ” Social Forces , State , World Order. Beyond Internatoinal Rolation  أعاد كوكس طرح السؤال بدقة أكثر فقال ” النظرية هي دوما لشخص ما ومن أجل هدف معين”، حينها اعتبرت الانطلاقة للنظرية النقدية، وفي 1987 أصدر كوكس  كتاب “النظام العالمي والقوة” World Order and Power  الذي صنف كأول مرجع لهذه المقاربة الجديدة، و الحقيقة أن البداية في هذا التحليل كانت بفضل إسهامات أساتذة جامعة يورك الكندية مثل كوكس وجامعة ييل البريطانية و أمستردام الهولندية، ثم توسعت مع بداية التسعينات مع بروز أقطاب جديدة للبحث في اليابان وألمانيا وال ولايات المتحدة الأمريكية[8].

  ينحدر أغلب مؤسسي هذا الاتجاه الفكري من أصول غير أمريكية، ما يعني أن ثمة محاولة لدى أنصار هذا الاتجاه للحد من أزمة التنظير للعلاقات الدولية، كون أن هذا الأخير كان حك ار على منظرين أنجلو -سكسونيين بما يعبر عن بيئتهم دون سواها، وهنا مكمن الأزمة في بناء نظرية غربية وفق أفق عالمي.

    وينطلق النقديون من فرضية أساسية بصدد الاقت ارب للنظام الدولي القائم، وهو أن النظريات التقليدية في العلاقات الدولية أو نظريات حل المشكلة ” Problem – Solving  Theoryبتعبير كوكس، وخاصة النيو واقعية والنيو لب ارلية ليست نظريات غير متخصصة أو غير فعالة ، لكنها تقلصأونطولوجيتها في التحليل في الزمان ( تجاهل التفاعلات الاجتماعية – تاريخية، وسائل الإنتاج) والمكان ( اعتبارها الدولة فاعل وحيد و/ أو أساسي). وبهذا الصدد يقدم النقديون حجة واقعية على درجة معتبرة من القوة والإقناع؛ عندما عجزت النظريات السابقة عن التنبؤ بأحد أهم التغي ارت في النظام العالمي في القرن العشرين وهو انهيار المعسكر الشرقي، وذلك لأن الأنطولوجية Néo-Néo تجاهلت د ارسة العلاقات [ داخل – دولتيه ] من جهة، ومن جهة أخرى كانت غير قادرة على أن تضع في الحسابات التغي ارت الاجتماعية للقوى الاجتماعية التي سبقت انهيار الاتحاد السوفييتي.[9]

   مفهوماتيا، ترفض النظرية النقدية علنية مفاهيم، الفوضى الأبدية للنظام الدولي، مفهوم التوازن في نظام الثنائية القطبية، مفهوم المصلحة الوطنية، ومفهوم المأزق الأمني…الخ. معتبرة اياها مجرد مجموعة من المفاهيم الافت ارضية  والأطروحات الفكرية بشأن الطبيعة السياسية للفاعلين وعلاقتهم بالسيادة فقط2.

    قدمت النظرية النقدية تحليلا نقديا للفلسفة الوضعية، واعتبرتها فلسفة علم قاصرة ومضللة، وعاجزة عن فهم الحياة الاجتماعية، وأنها فلسفة متواطئة مع السلطات التي تمارس قه ار للانسان، وعنصر مساعد لخلق اشكال جديدة من التسلط واكتساب القوة، عكس الواقعية التقليدية التي تأخد بها كخلفية فكرية.[10]

    ويشرح روبرت كوكس  وستيفن جيل أنه ليس من الكافي تقديم الوقائع والمعايير ( الواقعية ، السياسية، الفوضى) كنتيجة للبناءات الاجتماعية ( الواقعية الجديدة)، فما يحدد الحقل السياسي فعلا هو الأخذ في عين الاعتبار أن هذه الوقائع الاجتماعية والمعايير هي نتيجة لعملية تاريخية في إطار ديناميكية أساسية هي مسار الص ارع بين القوى الاجتماعية المهيمنة على النظام العالمي والقوى الاجتماعية الأخرى. وهكذا فإن القوى الاجتماعية المهيمنة على النظام العالمي ليست نتيجة لبناءات اجتماعية بل نتيجة لص ارعات بين القوى الاجتماعية في فت ارت سابقة ومن خلال ما سبق يبدو بشكل واضح أن النظرية النقدية تتحدى الانطولوجيا الواقعية بكون الدولة فاعل وحيد ، وحدوي وعقلاني.

   نحو مارجعة مضموم الأمن: إعادة مفهمة الأمن: تشمل عملية إعادة مفهمة الأمن التي نادى بها أنصار النقدية الأمنية، فكرة توسيع المضمون النظري للأمن بشكل تتسع دائرته لتشمل مواضيع أخرى غير تلك الشائعة في الد ارسات الأمنية التقليدية والمرتبطة بتحسين الدولة لأدواتها العسكرية من أجلتوفير الغاية الأمنية، وبذلك يطرح النقديون مفردة “الأمن العميق” التي تعكس الخاصية المميزةللمسا ارت الجديدة في الد ارسات النقدية للأمن والتي تهدف الى الغوص في جوهر ظواهر السياسة العالمية، بهدف اعادة توجيه مسار البحث ليشمل جميع العناصر والمتغي ارت التي تدرج في سياق توسيع مفهوم الأمن، كانعكاس نظر واسع لحقيقة وطبيعة الوضع المرتبط أساسا بتغير أجندة السياسة الدولية بما يشمل التركيز على تحليل الأحداث داخل الدولة وعبر الوطنية.

   الموضوع المرجعي للتحليل: الفرد، جوهر الطرح النقدي: إن الخلل المنهجي في التحليل الواقعي الأمني المتسم بنزعة أولوية دور الدولة كأداة تحليل أساسية وتمجيد وجودها كفاعل حصري، جعل النظرية النقدية تعيد طرح السؤال من الأمن لماذا؟ إلى: الأمن لمن؟ أي من يجب تأمينه، من هنا تعتقد أنه لا يجب الخلط بين الأدوات والأهداف وبين الوسائل والغايات وتعتقد أن الدولة تهتم أكثر بقضايا الأمن الخارجي، لذا فهي الوسيلة أما الفرد فهو الهدف والغاية،  فيصبح الأمن كنجدة للبشر في حالة الانكشاف أمام أنظمة القهر والاضطهاد، وحسب هذا التصور ال ارديكالي فان الدولة – الأمة تجاوزها الزمن، بل أصبحث تشكل خط ار. ويعتقد كل من كيث كروزK Krause  و مايكل وليامزM Williams أن أمن الأف ارد يمكن  د ارسته على ثلاثة مستويات مختلفة هي: كأشخاص، كمواطنين، وكأعضاء في المجتمع والإنسانية (كجماعة شاملة).

   ففي ما يخص المستوى الأول كأشخاص، فالدولة لا تستطيع لا احت ـ ارم الحقوق الأساسية لهم ولا ضمان مصادر حاجاتهم الغذائية. أما فيما يخص المستوى الثاني :أمن المواطنين ، فإن الدولة ومؤسساتها يمكن أن تشكيل تهديد أساسي لأمن الأف ارد، المستوى الثالث: أمن الأف ارد باعتبارهم أعضاء في الجماعة الإنسانية، فالدولة غير قادرة على حمايتهم في مواجهة القوى الشاملـة كالتدهور البيئي والاقتصادي، إذ لم تشكل هي ذاتها تهديدا للبيئة بواسطة أسلختها الملوثة بيولوجية كانت أو نووية[11].

الانعتاق: التحرر في صلب الأمن: يعود إد ارج هذا المصطلح في الد راسات النقدية الى هوركايمر والذي  يعني به “حالة اجتماعية دون استغلال أو استعباد أين يتواجد فيه رعية أوسع من الفرد، أي الانسانية الواعية بنفسها أو بذاتها”، وبذلك يصبح التهديد معرفا في كل ما قد يعيق الفرد، مما يجعل الأمن مرتبط بغياب التهديدات والتحرير من الاكارهات المادية والانسانية التي تمنع الأف ارد من القيام باختيا ارتهم، فالحرب قد تكون  مهددة للأمن الانساني، لكن الفقر والعنف السياسي والكوارث الطبيعية والأم ارض هي كذلك تهديدات  ومعيقات لتحرير الفرد، وبالتالي تهديدات للأمن في مختلف مستوياته ، فالأمن حسب هذه الر ؤية لم يعد يعكس مصلحة أو بقاء دولة أو جماعة معينة، وانما حاجة الأف اردالوجودية للتأمين من التهديدات والمخاطر التي تتجاوز المصلحة أو البقاء القوميتين، وعليه يكونالانعتاق شرطا وجوبيا في إعادة تعريف الأمن أوصياغة أي سياسة أمنية، فكما يقول “بوث” “الظروف تتغير، مواضيع الانعتاق أيضا تتغير”.

    يقدم بوث تعريفا لمفهوم الانعتاق الذي يعنيه، في كتابه “نظرية الأمن العالمي” على أنه “كخطاب للسياسة، يسعى الانعتاق إلى حماية الناس من الظلم والقيود التي تحد من تنفيذهم لما اختاروه بحرية التوافق مع حرية الأخرين، إنه يمنحنا إطا ار ثلاثيا للسياسة كمرسى فلسفي للمعرفة، نظرية لتطور المجتمع، وممارسة لمقاومة الظلم. فالانعتاق هو فلسفة ونظرية”.[12]

   من خلال ذلك يبدو أن بوث يعطي تعريفا قيميا للانعتاق ويضعه في جوهر الفكر الفلسفي من خلال ربطه بمتغي ارت ترتبط بصميم الرغبة الانسانية في التخلص من القيود والانطلاق نحو الأمام بما يحقق استق ارر الطموح الانساني ،وفي هذا السياق يرى واين جونز أن د ارسات الأمن النقدية هي عبارة عن “محاولة لتطوير فهم موجه عبر الانعتاق، من أجل تنظير وممارسة الأمن”، ومن ثمة فان هذه الد ارسات هي البداية لاعادة التفكير في الأمن من الأسفل إلى الأعلى، من أجل الترويج “لانسانية أكثر انسانية.”

   كما يعطي كين بوث تفسي ار تلازميا ارديكاليا لمتغيري الأمن والانعتاق حين يقول:” إنّ الأمن في جوهره يعني غياب أي نوع من التهديدات. أما الإنعتاق فيعني تحرير الأشخاص ( سواء كانوا أف ارد أو جماعات) من القيود المادية والبشرية التي تقيد حريتهم وتمنعهم من تحقيق اختيا ارتهم. فالحرب أو التهديد باللجوء إلى الحرب، الفقر، تدني مستوى التعليم والاضطهاد السياسي هي إحدى هذه القيود. إنّ الأمن والتحرر وجهان لعملة واحدة، فالقدرة على التحرر، هي التي تحقق الأمن الحقيقي”[13].

   وعليه فإن مفهومي الأمن والانعتاق مت اربطين بشكل جدلي إذ يعني الأمن غياب تهديد الألم والخوف…، وبذلك يكون عنص ار أساسيا للكفاح من أجل التحرر وهو يشتمل كلا من الأدوات والأهداف. فتحقيق الأمن وتعزيزه يمكن أن يكون مهمة تحررية في حد ذاتها في البيئة المميزة بعدم الأمن الدائم، في الوقت نفسه يعتبرون التحرر عملية بدلا من أنه نقطة نهاية للسلوك الانساني، ومن ثمة يصلون الى نتيجة مفادها أنه لابد من توسع مفهمة الأمن لتشمل كل التهديدات للوجود الانساني.

المطلب الثالث: الأمن الانساني

   ارتبط  بروز مفهوم الأمن الإنساني بالتقرير الثاني حول التنمية الإنسانية الصادر عن برنامج الأممالمتحدة للتنمية  (PNUD/UNDP) (سنة 1994 و الذي حرره كل من الباكستاني “محبوب الحق”  والهندي “أمارتيا سان” الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد 1998 ، حيث يعرف الأمن ضمن هذا التقرير  كمنظور جديد للتنمية. ” الأمن متمحور حول الإنسان وحاجاته و كذلك حماية الإنسان من المخاطر المستعصية chronic threats  مثل المجاعة و  المرض و القهر السياسي و” احتمالات الإنقطاع المفاجئ والضار  لحاجات الإنسان اليومية …[14]  

 يلخص لنا هذا التعريف بدلالاته ما ورد في هذا التقرير الذي حدد أهم مرتك ازت الأمن الإنساني:

  • – عالمية الأمن الإنساني شامل عالمي؛ فهو حق للإنسان في كل مكان.
  • – الأمن الإنساني ممكن من خلال الوقاية المبكرة، وهي أسهل من التدخل اللاحق.
  • – الأمن الإنساني محوره الإنسان، ويتعلق بنوعية حياة الناس في كل مكان[15].
  • – مكونات الأمن الإنساني متكاملة يتوقف كل منها، وهي تتلخص في مكونين أساسيين: الأول: هو الحرية من الحاجة، والثاني: هو الحرية من الخوف.

   ففي البلدان المتقدمة يشغلهم التحرر من الخوف ،إذ يشعرون أن ما يهدد أمنهم هو خطر الجريمة وحرب المخد ارت وانتشار نقص المناعة المكتسبة وخطر الإرهاب، أما البلدان الفقيرة فيحتاج الناس إلى التحرر من الحاجة، والمتمثلة في الجوع والمرض وعدم وجود مأوى.  وبحسب ما ورد ضمن هذه النقاط، فان الأمن الإنساني يتجسد في صون ك ارمة الإنسان وتلبية احتياجاته المادية والوجدانية، ضمن إطار التنمية بمفه ومها الشامل، الذي تتداخل فيه الأبعاد الإنسانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي فان تحقيقه يبدأ من توفير الحاجيات الأساسية لكل للأف ارد ،وأينما كانوا دونما تمييز كشرط أساسي لا  يتحقق الأمن بدونه[16].

إن تأسيس مفهوم الأمن الإنساني في قلب الد ارسات الأمنية كأخر ما توصلت إليه أبحاث المفكرينيؤسس لمعرفة الأشياء الضرورية في حياة الإنسان، فهو مفهوم جيد للربط بين أمن الإنسان والنموالإنساني حيث الأول يرتبط ويفهم في حالة الاستعجال، ولهذا  أُنشئت خصيصا” لجنة الأمن الإنساني” في يناير 2001 بمناسبة الألفية الجديدة أين كلف الأمين العام السابق “كوفي عنان” اللجنة بالبحث عن العلاقة بين حالة ال لّاأمن والن ازعات والعنف من جهة والعلاقة بين الأمن والنمو من جهة أخرى حيث درجت بذلك إلى وضع إطـار ممارساتي لد ارسة موضوعات الأمن الإنساني وقد استعانت اللجنة بعبارتين هما “الحاجيات الأساسية” و” تهديدات أكثر أذى وانتشا ار”.1

   بالعودة لبروز مفهوم الأمن الإنساني في فترة ما بعد الحرب الباردة، يتبين لنا تطور هذا المفهوم وفقا لمسارين:

المسار الأول: يتمثل في بروز هذا المفهوم على المستوى الأكاديمي بعد مناقشته من قبل بعض الد ارسات الأكاديمية، في محاولة منها لنقد وتعميق المفهوم التقليدي للأمن ونقل مرجعيته من الدولة كأساس للتحيل إلى الفرد، وهو التحول الذي ت ازمن مع موجة التحولات الدولية الجديدة التي كشفت عن خطورة وعمق مصادر تهديد أمن الأف ارد في عصر العولمة ،إلى جانب مناقشة العلاقة بين مفهوم الأمن الإنساني، ومفاهيم أخرى كالتدخل الإنساني، حقوق الإنسان، التنمية البشرية، والحكم ال ارشد، فضلا عن كيف يمكن لمفهوم الأمن الإنساني أن يكون مرشدا لصناع الق ارر عند صياغة السياسات الأمنية، وذلك من خلال التركيز على الأبعاد الإنسانية للق ارارت السياسية والاقتصادية والأمنية.

المسار الثاني: ويتمثل في المسار الواقعي أو التطبيقي للمفهوم، من خلال تبني بعض الوحدات الدولية (دول، منظمات إقليمية ودولية) لمفهوم الأمن الإنساني كأساس لسياستها الداخلية والخارجية، وفي هذا الإطار، تعد اليابان وكندا والنرويج من أهم الدول التي اتخذت وطرحت مفهوم الأمن الإنساني كأداة حاسمة من أدوات سياستها الخارجية، بالإضافة إلى كل من منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ،فضلا عن المبادرة الإفريقية للأمن الإنساني[17].

 حضي مفهوم الأمن الإنساني باهتمام كبير سواء على مستوى الأمم المتحدة  بلجنتها للأمن الإنساني Human Security Commission أو عالميا عن طريق شبكة الأمن الإنساني Human

Security Network  التي تحتوي على 31 دولة بقيادة كندا – النرويج واليابان، أما على المستوى الأكاديمي فقد برز الاشتغال الكبير لمختلف الم اركز  البحثية المتخصصة في د ارسات هذا المفهوم  فضلا على دخوله إلى دائرة الحوا ارت النظرية النقدية[18].أين طرح جدلا واهتماما بحثيا واسعا حول طبيعة ومكونات هذا المفهوم،  وتوسيعه إلى ما وارء القضايا العسكرية، لأن التهديدات أصبحت مصادرها غير معلومة، وباتت تهدد بشكل كبير الإنسان.  وهي أسباب ساهمت في بلورة مفهوم الأمن الإنساني، انطلاقا من الإف ارازت الجديدة آنذاك  والتي ت ازمنت مع التحولات التي حملتها نهاية الحرب الباردة، نشير إلى ذلك في المحاور التالية:

التحول في طبيعة الفواعل الدولية: حيث لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد المؤثر في العلاقات الدولية، وبر زت فواعل أخرى كالمنظمات الحكومية وغير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني ،ومنظمات حقوق الإنسان، وحتى فواعل عبر وطنية كجماعات الإرهاب الدولي ، بحيث أصبحت تقوم بدور مهم ومؤثر في العلاقات الدولية.[19] وهو السياق الذي جعل هذا المفهوم يبرز بشكل كبير بسبب ت ارجع الأدوار التقليدية للدولة، إضافة إلى ت ارجع مبدأ السيادة واندثار ثلاثية واستفاليا المحكومة ب ـ(مبدأ السيادة، مبدأ المساواة بين الدول، مبدأ عدم التدخل)، وهو ما ت ازمن مع حركيات العولمة المتصفة بالتدفق المعلوماتي وميوعة الحدود، والتغير في المفاهيم. 

التحول في مصادر التهديد: إذا كان المفهوم التقليدي للأمن يتخذ من المصادر الخارجية ذات الصبغة العسكرية المصدر الوحيد لتهديد أمن الدولة، فتحولات البيئة الأمنية لفترة ما بعد الحرب الباردة كشفت عن عمق مشاكل الأمن الإنساني، بحيث لم تعد مصادر التهديد ذات صبغة عسكرية بل تعدت ذلك إلى مصادر تهديد أمن الأفارد، من مشاكل البيئة، قضايا اللاجئين، الفقر والأوبئة، تجارة المخد ارت، الجريمة المنظمة، الإرهاب الدولي ، وغيرها، فتعدد التهديدات وتنوع مصادرها وتشابك نتائجها وتوسع رقعة تأثيرها أدى بالبعض إلى الحديث عن أن عالم اليوم يشهد مخاطر جمة لا يمكن توقعها أو التنبؤ بها، وهو ما ذهب بالباحث “أولريش بيك” Ulrich Beck بوصفه بمجتمع المخاطرة[20].

تغير طبيعة النازعات الدولية وتازيدها: من أبرز التداعيات المصاحبة لنهاية الحرب الباردة، والتي كشفت عن مدى خطورة مصادر تهديد الأمن الإنساني، التغير في طبيعة الص ارعات التي يشهدها العالم، إذ أصبحت الص ارعات داخلية تدور بين الأف ارد داخل حدود الدول القومية أكثر منها بين الدول ، فقد ت ارجعت الحروب التماثلية بشكل كبير، لتظهر صور جديدة من الن ازعات الداخلية، وهو ما تجلى بوضوح في تفكك المعسكر الشرقي إلى عدة دول، فضلا عن الحروب الأهلية في آسيا وفي إفريقياعلى غ ارر الحروب الأهلية في الصومال وبورندي والسودان، بحيث مثلت البيئة الإفريقية ميزة لهذهالص ارعات التي تجلت بشكل واضح داخل الدول، وهي ص ارعات متعلقة بالهوية والدين والعرق في الأساس. حيث تشير الإحصاءات إلى أنه خلال الفترة من عام 1990 وحتى العام 2001 شهد العالم (57) ص ارعا رئيسيا داخل (45) دولة في مختلف أنحاء المعمورة، كانت حكومة الدولة أحد أط ارف الص ارع1.

 حدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1994 خارطة مضامينية حول المحتوى البعدي للأمن الإنساني في سبعة أبعاد حركية متكاملة  وغير مرتبة، تتمثل فيما يلي: الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي، الأمن الشخصي، الأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن المجتمعي، والأمن السياسي[21].

  يمكن القول أن الأمن الإنساني أخذ اهتماما كبي ار نظ ار للبيئة الأمنية المعقدة والمتشابكة في عصر العولمة الجديد، ذلك أن الإنسان أصبح  ركيزة أساسية في البناء الأمني، ولا يمكن الحديث عن تنمية في عدم وجود أمن الإنسان، فضلا على أن تهديد أمن الدولة م رتبط أساسا بتهديد الأمن الإنساني، فاليوم أصبح الإنسان محوار أساسيا في أي عملية تنموية تهدف إلى تحقيق الأمن الوطني وركيزة أساسية في تحقيق الأمن الشامل. وهو الإطار النظري الذي سيسمح بتحليل الواقع المغاربي خاصة عند الحديث عن الأمن المجتمعي والأمن السياسي نظ ار لخصوصية الدولة والأنظمة في هذه المنطقة.

المبحث الثالث:  المغرب العربي: دارسة جيوسياسية

   منطقة المغرب العربي من المناطق ذات البعد الاستارتيجي الهام عبر تطور العصور، حيث كانت هذه الأخيرة مهدا لتفاعل العديد من الظواهر الإنسانية والحضارية عبر التاريخ، بالإضافة لموقعها ذو البعد الحيوي في مجال السياسة الدولية في العصر الحالي، إذ تتوسط اتجاهات مسارح الأحداث العالمية، وتمثل أحد المنافذ الأساسية، ومناطق النفوذ الرئيسية لعديد الحركيات ذات البعد المحلي والدولي، لذا كان لا بد من التطرق في هذا المبحث إلى تجليات هذه الأهمية من خلال البحث في مكنونات هذه المنطقة، طبيعيا واجتماعيا وسياسيا، بحسب ما تقتضيه أي د ارسة جيوسياسية ، والتي تستدعي ضرورة إد ارج التحاليل التي تقوم بربط العلاقة بين ظروف وم ارحل تشكل الأنظمة السياسية ومختلف الفواعل الموجودة على المستويين الوطني والدولي، وربطهما بالفضاء الجغ ارفي لقياس درجة التأثير المتبادل، لذلك سيتم تناول في هذا المبحث جميع البنى المكونة لشخصية الدولة المغاربية ، والتي لا تكاد تمييز بينها في عديد المظاهر، في حين يبدو التمايز جليا في مكونات أخرى.

المطلب الأول:أهمية الموقع الجغارفي للمغرب العربي

إن إد ارج هذا العنصر ضمن هذه الد ارسة ينبع من أهمية  الدور المستمر الذي تلعبه الجغ ارفيا في توجهات النظام السياسي وفي التفكير الاست ارتيجي لصناع الق ارر وذلك لسببين، أساسيين:

   أولهما أن الموقع الجغ ارفي للدولة يرتب في أحيان، مجموعة أنماط سلوكية ثابتة نسبيا، بعضها يتعلق بإست ارتيجيتها العسكرية وبعضها بح ركياتها في مجال التجا رة الدولية، أما السبب الثاني فيترجم دور الموقع الجغ ارفي في تحديد الواقع الاقتصادي والسكاني والنفسي لإحدى للدول وانعكاس ذلك على نوعية علاقاتها مع الدول الأخرى ولاسيما التي تحدها أو القريبة منها جغ ارفيا.

ما يعزز من إد ارك مسلمة مفادها حتمية تأثير الموقع في حركة الأنظمة السياسية للدول، بالرغم من تأكيد بعض الجغ ارفيين السياسيين على أن الإد ارك الفعلي والعملي، لقيمة هذا العنصر يبقى ذو طبيعة م رنة مرتبطة بعديد الفواعل المؤثرة في داخليا وخارجيا في توجهات الدول وسياستها، لاسيما بعد التطور التقني والتكنولوجي عبر العالم.

 من هنا لابد من التطرق بشيء من التفصيل إلى ذلك الدور الأساسي الذي لعبته الجغ ارفيا في ترتيب نتائج تاريخية عميقة في تطور شخصية المغرب العربي واستكمال مقوماته، بل وفي فهم واقعه ،وكذا تحديد معالم  مستقبله.

  تحديد  مصطلح المغرب العربي: يتكون من شقين:

   المغرب: مصطلح لغوي ذو دلالات جغ ارفية، قصد به الكتاب العرب الاتجاه الأصلي الذي يحددمغرب الشمس، على عكس المنطقة الواقعة في شروق الشمس والتي تسمى بالمشرق،أما لفظ العربيفانه امتداد لحيز الدول العربية ،  وهو مفهوم حضاري إيديولوجي، لكن إذا كانت تسمية المغ رب العربي هي المتداولة في الأوساط الرسمية ،فان المنطقة عرفت عدة تسميات كالمغرب الكبير وهو مفهوم له قيمة مادية كمية وذو خلفية سياسية محضة ولا يرتبط بالقيم الإيديولوجية والحضارية[22]، كما نجذ لفظة “شمال إفريقيا”،  والتي تستعمل كثي ار في الأطروحات الأجنبية وهي تسمية عمودية ذو توجه جغ ارفي تاريخي، رغم أن أغلب الكتاب العرب لاسيما المغاربة منهم، يعتقدون أن توظيف هذا المصطلح ينم عن رغبة هؤلاء في سلخ الهوية العربية عن دول المغرب العربي، كما سميت باسم” بلاد البربر” نسبة إلى السكان الأوائل الذين استقروا بالمنطقة، وتطرح هذه التسمية إشكالا حول أصلها، إلا أنه ومهما يكن من أمرها، فان اغلب المصادر ترجع هذا اللفظ إلى الحضارة الرومانية التي أطلقتها على الشعوب التي لا تتكلم اليونانية عموما، لان البربر –كما تمت تسميتهم- كثي ار ما كانوا يسموا أنفسهم بالأمازيغ أي الرجال الأح ارر[23]. وٕإجمالا فان تسمية المغرب العربي تنم إضافة إلى ما سبق عن تميز هذا الفضاء، عربيا عن الغرب ومغربيا عن الع ربي[24].

   الموقع: باعتباره يقع شمال القارة الإفريقية، طبيعيا يطل المغرب العربي على البحر المتوسط الذي يحده شمالا بساحل طوله4837كلم، وعلى المحيط الأطلسي غربا بساحل طوله3146كلم، في حين تمتد حدوده على اليابسة شرقا مع كل من مصر والسودان، غربا مع دول الساحل الإفريقي. أما فلكيا يمتد المغرب العربي، ما بين خطي طول25° شرقا(الحدود الليبية المصرية) و17° غربا(تحديدا الساحل الأطلسي لموريتانيا)، ويتحدد من الشمال الى الجنوب، بين دائرتي عرض73°شمالا(بنزرت الليبية) و18° جنوبا(الحدود الج ازئرية) وبذلك يتربع المغرب العربي على مساحة تقدر ب ـ:

وهي موزعة بينها كالأتي:

الجزائر:2,381,741 كلم2.

ليبيا:1,759,540 كلم2.

موريتانيا: 1,030,700 كلم2.

المغرب:  446,550 كلم2.

تونس: 163,610 كلم2.

   موقع بلاد المغرب العربي جعل منها منطقة استقطاب حضاري وتنافس دولي، فهي معرضة لضغوط خارجية بدءً ا بالرومان وانتهاء بالهيمنة الأمريكية المعاصرة، هذا ولعل نظرة متفحصة في خريطة العالم السياسية تحدد لنا مواصفات موقع بلاد المغرب، فهي تتوغل في إفريقيا قارة المستقبل والإمكانيات الخام وتنفتح على أوروبا، حيث مركز الثقل الصناعي والتأثير الحضاري المعاصر ،وتتصل بالمشرق العربي وباقي الأقطار الإسلامية حيث تتوفر الثروات الطبيعية وتتركز حاليا الأطماع الاستعمارية والمخططات الصهيونية، ولا تنغلق عن باقي القوات الدولية الكبرى في العالم المعاصر كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقا والصين واليابان ودول أمريكا اللاتينية، وهذا ما جعل بلاد المغرب العربي تكتسي أهمية قصوى وبعدا دوليا في مجال التوازنات الإقليمية والعلاقات الدولية[25].

   يشكل المغرب العربي كتلة جغ ارفية موحدة متناسقة ذات خصائص مماثلة، لا توجد حواجز طبيعية فاصلة بينها، وتتخللها الأقاليم الجغ ارفية عرضا، وقد هيأت هذه الأوضاع الجغ ارفية تشابها كبي ار في الظروف المناخية والاقتصادية والاجتماعية، ويسرت سبل التواصل بين أقطارها وعززت عبر العصور عوامل التبادل بينها.

    أما بخصوص الشخصية الطبوغ ارفية  لبلدان المغرب العربي فإنها ذو ممي ازت طبيعية متجانسة ،فنجد السهول الضيقة والمنقطعة في المناطق التلية المحاذية للشريط الساحلي، وما يتخللها من جبال وهضاب في حين تمثل المناطق الصح اروية مساحة شاسعة إذ تمتد على ما يفوق 4000كلم انطلاقا من م وريتانيا غربا إلى ليبيا شرقا.

    وبخصوص المناخ فانه يتسم بالتنوع، ففي المناطق الساحلية نجد مناخا معتدل الح اررة في فصل الصيف وبارد ودافئ  مصحوبا بأمطار خلال الشتاء، ويتغير هذا المناخ كلما توغلنا باتجاه المناطق الصح اروية أين تعرف درجة الح اررة ارتفاعا شديدا  وأمطار تكاد تكون منعدمة.[26]

   إذا كان الموقع الجغ ارفي يسهم في تقارب الشعوب فان ما تحمله هذه الشعوب من مقوماتحضارية وقيم مشتركة هو المكون الأهم في مسار توحدها، وتجانسها السياسي والاجتماعي. ولعلأهمها:

   اللغة: إن وحدة المجتمع من وحدة اللغة، الدول القومية قامت على هذا الأساس على الأقل. فاللغة المشتركة إذن ليست مجرد وسيلة تسهل الاتصال بين البشر فقط، بل هي غالبا ما تعطي الفرد شعوار بالانتماء إلى ذلك المجتمع[27]، وهي كثي ار ما لا تعني غير هذا الشعور بالانتماء والأمان، وهي بوجهتها السليمة امتن اربط يشد الأف ارد، ويكون من مجموعهم أمة متميزة قادرة على البقاء والنمو ،وٕإذا ما أسقطنا ذلك على منطقة المغرب العربي فان ذلك يتجسد عينا، حيث تكتسي اللغة العربية بعدا وطنيا وقوميا وقد كانت ولا ت ازل أداة الحفاظ على الهوية الوطنية والتجانس حيث أن وحدة اللغة توجد نوعا من ذلك الشعور والتفكير الموحد لديهم، وتقوي الروابط الفكرية والعاطفية بينهم ،وٕإذا ما عدنا إلى أصل اللغة العربية في المنطقة فهي لغة وافدة ارتبطت بالفتوحات الإسلامية في المنطقة حيث استقر باستق ارر الإسلام فيها، وهي بذلك تشكل إرثا مشتركا لكل الشعوب المغاربية. وقد نصت على ذلك كل دساتير الدول المغاربية على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الدول المغاربية الخمس[28].

   الدين: العامل الديني أو العقائدي لأي أمة يعتبر في الحقيقة الوعاء الذي تلتقي فيه جميع الروابط بين الأف ارد، على هذا الأساس قامت العديد من الحضا ارت، لذا يولي سمير أمين في كتابه المشترك مع الدكتور برهان غليون “حول الدولة والدين” الأهمية الكبيرة للعامل الديني في حياة الشعوب ،لاعتباره بحسبه يؤدي وظيفة أساسية في تكوين وتسيير المجتمعات فهو الذي يحدد مصيرها وأساليب تفاعلها[29]. من هنا تعتبر الوحدة الدينية عامل من عوامل الت اربط الاجتماعي، لأن الدين اربطة روحية يقوي أواصر التماسك بين الأف ارد، ويقل ذلك التلاحم ويتلاشى في المجتمعات التي لا تتوافر فيها هذه الوحدة، بشكل يؤدي إلى التنازع والتباعد وعدم الاستق ارر، من هذا المنطلق فقد شكل الدين دوار هاما في مسار تطور الشعوب، كما شكل في عديد البناءات الاجتماعية والسياسية أساسا لشرعية السلطة ،هذا الأمر يجعلنا نقف على حقيقة موازية لا يمكن إغفالها، فمثلما كان الدين عاملا لبناء وحدة الشعوب وتماسكها، كان في كثير من الأحيان أداة سيطرة فعالة لبعض الأنظمة السياسية بهدف تثبيت شرعيتها وديمومتها من جهة، أو أداة تحريض أو في سبيل الضبط الاجتماعي والسياسي، وبالتالي فانالغرض من إثارة هذه النقطة هو بهدف الإث ارء بشكل يقود إلى إد ارك أهمية الدين سياسيا واجتماعياعبر تطور التاريخ، في البناء والتوحد[30]، وبالعودة إلى  شعوب منطقة المغرب العربي فإنها تجسد ذلك التناغم والتلاحم في أسمى درجاته، باسم الإسلام، فالمنطقة المغاربية ليست موحدة دينيا بالإسلام السني فحسب، بل هي موحدة مذهبيا بالمذهب المالكي (وحدة العامل الديني) [31]، كما أن الدول المغاربية بشكلها الحديث قامت على هذا الأساس إذ يعتبر الإسلام في دساتير هذه الدول من المبادئ التي لا تقبل التفاوض أو المزاحمة.

التاريخ: إذا كانت اللغة هي  روح الأمة فالتاريخ هو محدد قيمها وهويتها وٕإذا ما عدنا إلى تاريخ المغرب العربي الطويل فانك لا تستطيع أن تفصل بين جوانبه عند تحديد م ارحل تطور تاريخه، فهو يشكل كتلة موحدة في صناعة هذا الإرث، حيث شهد المغرب العربي لقاءات حضارية مختلفة تعامل معها وفق معادلة التحدي والاستجابة اغتناء وسلبا، تأث ار وتأثي ار، ومن بين هذه الحضا ارت نذكر حضارة الفينيقيين في القرن 9ق.م، ثم الحضارة الرومانية، وصولا إلى الحضارة الإسلامية التي شكلت تحولا فارقا في تطور البناء الحضاري للمنطقة ككل، بالإضافة إلى مقاومة الاستعمار الأوروبي خلال القرنين الماضيين إلى غاية تحقيق الاستقلال وبناء الدولة المغاربية الحديثة، كل هذه الأحداث سمحت بتحديد وعاء الهوية التاريخية المشتركة كنتيجة للمسار الموحد للشعوب المغاربية.

المطلب الثاني: الخصائص البنيوية للأنظمة السياسية في المغرب العربي. 

   قبل الدخول إلى أي د ارسة علمية لابد من تحديد بعض المفاهيم والمنطلقات الأساسية المرتبطة بالموضوع، فتحديد المتغي ارت خطوة أساسية وعملية في تأسيس إد ارك متبادل وفهم مشترك للموضوع أو الظاهرة قيد البحث، هذا الأمر ينطبق على ما سيرد من عناصر ضمن هذا المطلب الذي يحتوي بالإضافة إلى طبيعة الأنظمة السائدة في دول المغرب العربي على القوى الأخرى المساهمة في تشكل هذا النظام وهي مكونات المجتمع المدني في دول المغرب العربي بشكل يساعدنا على الإلمام في تحديد بنية أي نظام سياسي أو معيارية تقييمه كذلك، فأي نظام من خلال اتساعه أصبحت د ارسته ترتبط بشكل مباشر بد ارسة موضوع المجتمع المدني، الذي يعد من أهم ركائز النظام السياسي كونهيؤدي مجموعة من الوظائف الأساسية فهو يوفر إمكانية المشاركة السياسية والتعبير عن ال أري وتجميعالمصالح وتعبئتها وأداة من أدوات التجنيد السياسي والاجتماعي، ويساهم بإصباغ الشرعية على نظام الحكم، كما أن هناك من يربط بين نوع النظام الحزبي القائم وديمق ارطية النظام السياسي من عدمها فيعد النظام السياسي ذا الحزب الواحد شموليا وغير ديمق ارطي والنظام السياسي متعدد الأحزاب ديمقراطيا[32].

تطور الأنظمة السياسية في دول المغرب العربي : بين الإطار القانوني والوضع السياسي    إن د ارسة النظم السياسية تعتبر من أهم و أبرز مجالات علم السياسة الحديث الذي يتميز بالتجربة والتخصص، وذلك أن تحليل النظام السياسي أصبح يشكل حجر ال ازوية في فهم و تفسير سياسات الدول، الداخلية منها والخارجية في أدق تفاصيلها من خلال التطرق إلى البنية الهيكلية والدستورية للنظام وعلاقة هذه البنية بالوظيفة.

    يكشف الواقع الممارساتي داخل الأنظمة السياسية المغاربية، تجاواز في العديد من الحالات للنص الدستوري والقانوني، ولذلك يكون التفريق ضروريا لفهم الواقع السياسي في النظم السياسية المغاربية.

لكن تجدر الإشارة إلى أنه وفي ظل التحولات التي تعرفها العملية السياسية في دول المغرب العربي لابد أن نوضح أن العملية السياسية لا تعرف استق ارار بشكل عام في كل الدول المغاربية[33]، إضافة إلى ذلك وقبل الخوض في تفاصيل هذا المطلب لا بد أن نشير إلى بعض النقاط، فباستثناء المملكة المغربية ذات التوجه الملكي، فان النظم السياسية المغاربية جمهورية، حيث نصت كل الدساتير المغاربية عن ذلك ص ارحة، وٕإذا كانت تشترك هذه الدول في كثير من خصائص الحكم وواقع الممارسة المتشابهة، إلا أن بعض الظروف التي صاحبت تطور كل نظام تفرض علينا تناول كل بنية على حدى فإذا كانت العناصر التي تم إثارتها في المطلب السابق قد تم تناولها في إطار موحد يعكس انسجام دول المغرب العربي ككتلة تاريخية وجغ ارفية وحضارية واحدة، فان الأنظمة السياسية المغاربية ،تكشف عن بعض من التماي ازت القانونية والممارساتية، رغم تشاركها في جزء يسير من تلك الممارسة.   المملكة المغربية: عرف المغرب أول دستور مكتوب له بعد الاستقلال سنة1962 شارك الشعب فيإنشائه عن طريق الاستفتاء، وكرس لنظام ملكي دستوري ديمق ارطي اجتماعي، يمزج بين التقليديةالدينية والتاريخية الدستورية، وقد مثل هذا الدستور أساسا وهيكلا للدساتير الخمسة الآتية بعده[34]، حين كرس بشكل نهائي للملكية بوضعها في قلب البناء المؤسسي للمغرب.حيث يكشف عن ذلك آخر دستور للمملكة في 2011 إذ ورد في الفصل الأول من الباب الأول “نظام الحكم بالمغرب ملكية دستورية، ديمق ارطية برلمانية واجتماعية…”[35].

  يضم الإطار المؤسسي للمملكة المغربية ثلاث سلطات تقوم العلاقة على أساس الفصل بينها وهي:

السلطة التنفيذية: وتظم كلا من المؤسسة الملكية، برئاسة الملك الذي تؤول إليه السلطة عملا بنمط الخلافة الوارثية وكذلك الحكومة التي يقوم الملك بتعيينها، فرئيس الحكومة يتم تعيينه من الحزب الفائز في انتخابات مجلس النواب، في حين يعين الوزارء باقت ارح من طرف رئيس الحكومة. أما السلطة التشريعية تأخذ المملكة المغربية بثنائية السلطة التشريعية وتتكون من مجلسين هما: مجلس النواب ومجلس المستشارين، وذلك حسب ما نص عليه الفصل 06 من دستور 2011 “يتكون البرلمان من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس المستشارين، ويستمد أعضاؤه نيابتهم من الأمة، وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه”. ويضطلع البرلمان في مجمل صلاحياته بمهمة التصويت على القوانين،  ومارقبة عمل الحكومة، بالإضافة إلى تقيم السياسات العمومية، التي أصبحت كمعطى جديد من صلب العمل البرلماني. وبخصوص السلطة القضائية، فالقضاء في المملكة المغربية مستقل عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، حيث تصدر وتنفذ الأحكام باسم الملك الذي يعد ضامنا لاستقلال القضاء، كما يقوم  بتعيين القضاة بظهير شريف[36] باقت ارح من المجلس الأعلى للقضاء، الذي يعد أعلى هيئة في السلطة القضائية، يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يخص استقلاليتهم وتعيينهم  وترقيتهم وتأديبهم. أما التنظيم القضائي للمملكة المغربية فهو مكون من نوعين من المحاكم ،تتشكل الأولى من محاكم القانون العام أو المحاكم العادية التي تظم، المجلس الأعلى، ومحاكم الاستئناف، والمحاكم الابتدائية. أما الثانية، فهي المحاكم المتخصصة، والتي بدورها تظم، المحاكمالإدارية، والمحاكم التجارية، ومحاكم الاستئناف الإدارية، ومحاكم الاستئناف التجارية.[37]

     يكشف واقع الممارسة السياسية عن حقيقة أن الحقل السياسي المغربي بشكل عام، حقل مركب تتداخل فيه المرجعيات التقليدية الأصيلة بالمرجعيات الحداثية، بشكل يعكس زئبقية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، نتيجة ازدواجية الصريح والضمني، في معادلة الحكم، وما يمثله دور الملك في النظام السياسي المغربي،[38] بصفته يتمتع بصلاحيات دستورية وأخرى روحية لا يشاركه فيها أحد ولا يعهد بها إلى أي شخص باستثناء خليفته. فالملك في ممارسة مهامه لا يعترف بمبدأ الفصل بين السلطات، حيث يظهر حضوره جليا على مستوى كل السلطات والمؤسسات، فهو الذي يعين، وهو الذي يت أرس ويقرر، وهو الذي يعزل بشكل يجعله مهيمنا على كل مفاصل الحكم، كما لا يمكن خضوعه للمسائلة. [39]

المجتمع المدني: وضع أول دستور للمملكة المغربية مجموعة من القوانين التي تسمح بالتعددية الحزبية وٕإنشاء المنظمات المدنية وتضبط هذه الممارسة، وقد عرفت المملكة المغربية مند ذلك الحين وتواليا تأسيس عدد كبير من الأح ازب بمختلف والإيديولوجيات والتوجهات السياسية، وبرغم فتح المجال أمام الممارسة الحزبية مبك ار في المغرب، إلا أن تجربة الأح ازب السياسية تكشف عن تأثرها بنوعية العلاقة التي ربطت النظام السياسي المغربي بالمنظومة الحزبية عامة، حيث مارست السلطة حضواًرً فعلياً ومقراًرً في رسم إطار تحرك الأح ازب والمنظمات المدنية في ممارسة نشاطاتها، تارة بالتضييق على بعضها، أو اخت ارقها، و م ارت بخلق أخرى ورعاية استم اررها[40]، كما أن واقع بنية النظام السياسي ،يجعل من تأثير هذه الأح ازب والمنظمات ليس ذا وزن في معادلة الحكم، فالأح ازب السياسية و بالرغم مما تحمله من ب ارمج، فهي لا تمثل أكثر من توابع للحكم وليست منافسة له[41]، ودورها يقتصر على نشر الثقافة السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتمثيلهم، وهي بهذه الصفة ترتبط بالمجتمعالمدني أكثر من ارتباطها بالمجتمع السياسي، بشكل يقترب إلى دور باقي المنظمات المدنية التي لا يتعدى مجال نشاطها ا التأييد والتنشيط.[42]

الجازئر: تبنت الج ازئر غداة استقلالها نظاما جمهوريا في أول دستور تم تشكيله، وحافظت على هذا النهج الذي ضمنته كل الدساتير التي عرفتها الج ازئر برغم التعديلات و السياقات التي عرفها تطور النظام السياسي في الج ازئر، ويمكن إجمال تطور نظام الحكم في الج ازئر في مرحلتين:

المرحلة الأولى: تمتد من استقلال الج ازئر إلى غاية إق ارر التعددية السياسية التي تضمنها دستور سنة 1989 وشهدت هذه المرحلة نمط حكم تمثل في شخصنة السلطة وٕإتباع النهج الاشت اركي وتبني حكم الحزب الواحد، حيث سيطرة حزب جبهة التحرير الوطني على مفاصل السلطة كحزب طلائعي يهتم بتحديد سياسة الأمة، ويوجه وي ارقب مؤسسات الدولة.

المرحلة الثانية: عرفت الج ازئر تحولا فارقا في مجال الممارسة السياسية، بعد إق ارر دستور23فيفري 1989، والذي أرسى لعدد كبير من مبادئ الحكم الديمق ارطي، بتكريسه للتعددية كإطار منظم يضمن توسيع المشاركة في مجال صنع الق ارر، وفسحه المجال للعديد من الحريات، وأقر لمبدأ الفصل بين السلطات، وفي خضم هذا الدستور عرفت الج ازئر أول انتخابات رئاسية سنة 1995 لتشهد الج ازئر مرحلة جديدة من النظام الجمهوري الديمق ارطي، لاسيما بعد الأزمة التي عرفها البلد خلال المرحلة الانتقالية، وما صاحبها من موجات للعنف ،حيث بعد تولي الرئيس اليمين زروال مقاليد الحكم، بدأ التفكير في ضرورة بناء مؤسسات الدولة من جديد، وٕإعادة النظر في الآليات القانونية وسد الثغ ارت للتمكين للعملية الديمق ارطية، لذا أجمعت القوى السياسية على ضرورة تعديل الدستور بما يتجاوب وتطلعات المرحلة القادمة، فاستبدل دستور1989 الذي انتقل من دستور أزمة إلى دستور انتقالي ،بدستور جديد في فيفري 1996، والذي بدوره تعرض للتعديل مرتين في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (2002و2008) باقت ارح منه[43]، وذلك لرغبته في السير بالنظام الج ازئري إلى النظام الرئاسي، حين أكد مند توليه للرئاسة سنة1999 أن هناك خلط بين النظام البرلماني والرئاسي في ممارسة السلطة آنذاك. وشدد على ضرورة الفصل بين السلطات، إذ يجب أن تضطلع كل سلطة بمهام واضحة بما يضمن صيرورة عملها بشكل مستقل[44]، وتتلخص أهم السلطات فيما يلي:

السلطة التنفيذية: يمثلها رئيس الجمهورية وجهاز الحكومة الذي يعينه، وبالإضافة إلى قيادة البلاد ،يضطلع رئيس الجمهورية بمهام واز رة الدفاع وقيادة القوات المسلحة، وحماية الدستور وٕإق ارر السياسة الخارجية للأمة، ويوجهها، في حين تقوم الحكومة برئاسة الوزير الأول بالسهر على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية والسهر على تطبيق القوانين. أما السلطة التشريعية في الج ازئر فتتكون من البرلمان بغرفتيه ،وهما: المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وتتلخص مهام المؤسستين في عدة وظائف تشريعية ،ورقابية على أعمال الحكومة، ووظائف أخرى مالية وسياسية. وبخصوص السلطة القضائية، يأخذ النظام الج ازئري بازدواجية النظام القضائي، من خلال تأسيس محكمة عليا، تتولى تنظيم أعمال المحاكم، ومجلس أعلى للدولة يتولى تقويم أعمال الجهات القضائية الإدارية، ومحكمة تنازع تتولى الفصل في حالة تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا، والمجلس الأعلى للدولة. وبالتالي تختص المحكمة العليا بمجال القضاء العادي في حين يختص المجلس الأعلى للدولة بمجال القضاء الإداري.  المجتمع المدني: يرتبط الظهور القانوني لمختلف تشكيلات المجتمع المدني بدستور 1989 كما أسلفنا، والذي أقر للتعددية الحزبية مما سمح بتأسيساحزاب ذات توجهات إيديولوجية وفكرية مختلفة ،ومنظمات في مجالات متنوعة.

الأح ازب السياسية: عرفت الج ازئر مند إقرارها قانونيا ودستوريا بحرية إنشاء الأح ازب السياسية في دستور 1989 تشكيل تنظيمات سياسية مختلفة من حيث الأفكار والمبادئ، ولو أنها أخذت في البداية شكلا محتشما تمثل في الجمعيات ذات الطابع السياسي ثم تطورت إلى أح ازب سياسية، وتوالت عملية تنظيمها  وٕإنشائها، بشكل  ولد حركية كبيرة داخل المشهد السياسي الج ازئري، لاسيما بعد إصدار قانون جديد للانتخابات في 2011، ساهم في اعتماد عدد جديد من الأح ازب، لكن واقع العملية السياسية في الج ازئر، يكشف عن حقيقة أن  الأح ازب السياسية  ليست في موضعها الوظيفي الصحيح بسبب بنية السلطة التي لا تشجع على الديمق ارطية التمثيلية، بشكلها التنافسي الحقيقي، كما أن الواقع التنظيمي والسلطوي، لهذه الأح ازب يكشف عن العديد من الأزمات الداخلية والانقسامات داخل كثير من الأح ازب كانت السلطة السياسية طرفا غير محايد فيها، وهنا يذهب البعض إلى التشكيك في الاستقلالية الفعلية للأح ازب السياسية من الناحية الثقافية والتنظيمية عن السلطة، فيرى أنها أما امتداد لأحد الأجنحة أو تعمل لتأييد مشاريع السلطة دون أن تكون لها القدرة على اتخاذ مواقف مستقلة ومعارضة، وذلكلضمان البقاء السياسي.

    فالأمر برمته في الجزائر يرجع إلى غياب المعارضة السياسية الحزبية أو تهميش وتغييب المعارضة بمختلف الوسائل وتقزيمها بحيث لم تعد لها قوتها السياسية. أما الجمعيات فقد بلغ عددها في الجزائر حسب تصريح رسمي لوزير الداخلية والجماعات المحلية في الج ازئر في يناير2012 (93856جمعية)،  ورغم وجود عدد هائل من التنظيمات ذات التوجهات المتنوعة، فان مساهمتها تبقى محدودة للغاية، وهذا ارجع إلى التأثير السلبي للوضع غير الطبيعي، في مؤش ارت الديمق ارطية، على مستوى تنظيمات المجتمع المدني، وذلك رغم التسهيلات الإدارية والدعم المالي العشوائي وغير العقلاني مقابل نشاطها المناسباتي، كما أن أغلب هذه التنظيمات تعرف بمبايعتها المطلقة للسلطة.

موريتانيا: عرف النظام السياسي في موريتانيا تطوارت متلاحقة مند استقلاله إلى يومنا هذا يمكن إجمالها في مرحلتين:

المرحلة الأولى: تميزت بالممارسة الأحادية للسلطة غداة حصول البلاد على استقلالها السياسي، حيث  تم وضع أول دستور للبلاد في 20ماي1960 والذي تجلت أهم ملامحه في اعتماد نظام رئاسي بقيادة الرئيس “المختار ولد داده” الذي استمر حكمه لفترة طويلة، حيث جمع كل السلطات بناء على صلاحياته الدستورية، وكرس لنظام الحزب الواحد ممثلا في حزب الشعب[45]، وفي سنة 1978 تم الإطاحة بالرئيس ولد داده إثر انقلاب  عسكري، وابرز ما يميز هذه الحقبة هو توالي الانقلابات و سيادة النظام العسكري  الذي عمد إلى حل حزب الشعب ،و قضى على كل مظاهر الحياة الدستورية حين أصدر ميثاقاً دستورياً يمنع التعددية السياسية.

المرحلة الثانية:  تميزت ببدء مسار التحول الديمق ارطي، حيث صدر في 20 جويلية 1991 أول دستور مدني يكرس للتعددية والحريات وتم تنظيم أول انتخابات رئاسية وتشريعية . ويمكن اعتبار هذه الفترة، بمرحلة التوجه نحو بناء المؤسسات الدستورية والتعددية الديمق ارطية ،ورغم استم ارر نهج الانقلابات والص ارع على السلطة إلا أن هذه الفترة حاولت أن تعبر عن نفسها عبر التنظيمات الحزبية وعبر المجتمع المدني. وهذا ما تكشفه الانتخابات التي حدثت طوال هذه الفترة ، كان أخرها تلك التي أوصلت سلطة الانقلاب –قبل ذلك – إلى السلطة، لكن بشرعية انتخابية في 2009.

   وبالنظر إلى مك ونات السلطات الثلاث داخل النظام السياسي والعلاقة بينها فان الدستور ينص علىمبدأ الفصل بين السلطات وتتلخص في السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية الذي يمارسسلطته بواسطة الوزارء، الذي يقوم بتعيينه، ويقوم رئيس الجمهورية بتحديد السياسة الخارجية والأمنية للأمة، في حين يتولى الوزير الأول، مهمة إعداد وتنفيذ السياسة العامة. أما السلطة التشريعية فتتكون من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وتتلخص مهمتها في اقت ارح مشاريع القوانين والرقابة على أعمال الحكومة من خلال المسائلة والاستجواب والتحقيق. وتتميز السلطة القضائية باستقلالها عن السلطتين سالفتي الذكر، تتولى إقامة العدل، على كافة أ ارضي الجمهورية من خلال التنظيمات المشكلة لمهام هذه السلطة[46].

المجتمع المدني:  عرفت موريتانيا بعد الاستقلال في دستورها الأول 1959 تطبيق التعددية الحزبية  ،حيث عمد العديد من الشخصيات الوطنية إلى تشكيل الأح ازب ، لكن هذا النشاط لم يدم طويلا بعد أن لجأ ولد داده إلى إلغاء التعددية بحجة أن هذا الأمر قد يزيد من تشتيت الوحدة الوطنية وتعميق الانقسامات بين أبناء البلد الواحد، وتم صهر جميع القوى الوطنية في حزب واحد هو “حزب الشعب الوطني” الذي قاد البلاد طيلة فترة ولد داده، إلى غاية سنة 1991 أين تم العودة إلى خيار التعددية الحزبية، وتم بذلك تشكيل عدد من الأح ازب السياسية والجمعيات وغيرها من مظاهر النشاط النقابي والحقوقي، لكن هذه الأح ازب لم تكن ذو تأثير في الساحة السياسية والمجتمعية الموريتانية نظ ار لطبيعة نظام الحكم الذي عرف سيطرة المؤسسة العسكرية وعدم احت ارم الحياة المدنية في العملية السياسية[47]، إضافة إلى نمط المجتمع الموريتاني الذي يرتبط بالأساس بالأبعاد الهوياتية المشكلة  والعاكسة لخصوصيات المجتمعات المحلية الموريتانية، حيث يعترف المجتمع الموريتاني بأولوية وأسبقية القبيلة على الدولة وجاذبية وكاريزما المكون الاجتماعي على الروابط المدنية، ما جعل في كثير من الأحيان هذه التشكيلات أمام حكم التوجهات القبلية والمناطقية[48].

تونس: شكل النظام الرئاسي والنهج الاشت اركي ممثلا في الحزب الاشت اركي الدستوري، الخيار الأوللواضعي الدستور التونسي سنةَ 1959 إلا أن هذا النظام سرعان ما تطور إلى نظام رئاسوي يجمع كلالسلط بيد رئيس الجمهورية، ويجعل منه محور النظام السياسي، واستكمالا لذلك، عمد لحبيب بورقيبة إلى تنصيب نفسه رئيسا مدى الحياة في محاولة منه لإنهاء ص ارع خلافته. وتقرر ذلك بمقتضى القانون الدستوري عدد 75 -31 المؤرخ في 91 مارس 1975، وبعد وصول زين العابدين إلى السلطة في نوفمبر1987، قام بتعديل الدستور في جويلية1988 بهدف فتح المجال أمام التعددية السياسية ،وعمل على إلغاء مبدأ الرئاسة مدى الحياة ليصبح الترشح لرئاسة الجمهورية وحسب الدستور التونسي مشروطا بالحصول على ثلاثين توقيعا من أعضاء البرلمان أو رؤساء البلديات[49].

   كما أجرى وفي فت ارت مختلفة العديد من التعديلات التي تنص على توسيع مشاركة الشعب والأح ازب السياسية عن طريق فتح مجال الحريات والحقوق، لكن ذلك لم يمنع بن علي من البقاء في الرئاسة لمدة 32 سنة، إلى غاية2011 أين  عرفت تونس أحداثا تطالب برحيله،  وٕ اثر هذا الوضع قام بن علي بالتخلي عن منصبه، ليتقرر اللجوء للفصل 75 من الدستور الذي بنص على حالة شغور منصب الرئيس،  وفق ذلك وفي يوم السبت 51 جانفي 2011 تم تولي رئيس مجلس النواب محمد “فؤاد المبزع ” منصب رئيس الجمهورية،  وتم انتخاب مجلس تأسيسي في 32 اكتوبر2011 مهمته إعداد دستور جديد للبلاد، وتعيين رئيس جمهورية بصفة مؤقتة يتولى مهمة تسيير شؤ ون الحكم خلال الفترة الانتقالية، وبالفعل تم ذلك وانتخب الدكتور منصف المرزوقي رئيسا للبلاد، وتمت صياغة دستور جديد باسم الشعب، وقعه الرئيس في 27 جانفي2014 ليؤسس بذلك لمرحلة جديدة نحو بناء الديمق ارطية ( سنأتي على تفصيل ذلك في الفصلين المواليين)، أما بخصوص السلطات الثلاث، فان الدستور الجديد قد حدد ملامحها، التي تتلخص فيما يلي:

 تتكون السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية  والحكومة، حيث ينتخب رئيس الجمهورية لمدة 5 سنوات في دورتين متتاليتين أو منفصلتين، أما الحكومة يعين رئيسها من طرف رئيس الجمهورية، من الحزب أو ائتلاف الأغلبية في الانتخابات التشريعية والوزارء وكتاب الدولة يختارهم رئيس الحكومة بالتشاور مع الرئيس، ويختص رئيس الجمهورية بتمثيل الدولة وضبط السياسات العامّة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي، فيما تتلخص مهام  الحكومة في ضبط السياسة العامة للدولة وتنفيذها. أما بخصوص السلطة التشريعية، فقد أق رها الدستور في هيئة تسمى “مجلس نواب الشعب” تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية ويقوم بمبادرة اقت ارح القوانين ومناقشة السياسة العامة، ومسائلة الحكومة، وقد تضمن أحكاما تعلقت بالسلطة القضائية، والإطار القانوني  لصدور الأحكام من المحاكمواستقلالية القضاة وتسميتهم والضمانات اللازمة لهم وتركيبة المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العلياومجلس الدولة واختصاصها، وتتبع هذه المحاكم إجمالا إما للقضاء العدلي(العادي) ال ارجع إلى وازرة العدل أو القضاء الإداري ال ارجع إلى الوازرة الأولى. بشكل يجسد ازدواجية السلطة القضائية[50].

المجتمع المدني: بعد انتقال تونس من النظام الأحادي إلى النظام التعددي، الذي كرسه دستور 1988، عرفت بداية تأسيس جديد للعمل الحزبي، تلخص في الترخيص لبعض الأح ازب بم ازولة النشاط السياسي، لكن هذه الممارسة الجديدة كانت صورية، في ظل سيطرة الحزب الدستوري على جميع الهيئات التمثيلية، وعلى سلطة الحكم، كما عرفت تونس تأسيس عدد كبير من الجمعيات والنقابات، انتقل من حوالي2000 جمعية سنة 1987 إلى حوالي 9000 جمعية في2009، غير أن نشاط أغلب هذه الجمعيات ظل محدودا ومضايقا، بسبب القبضة الأمنية للسلطة السياسية في مجال تحركها.[51] لكن وبعد الأحداث التي عرفتها تونس في ديسمبر 2010، لعبت الأح ازب السياسية ومنظمات الأخرى دوار هاما  وبدا نشاطها حاض ار بل وفاعلا من خلال صياغة الشعا ارت وتأطير المحتجين وٕإصدار البيانات، إلى أن تم تنحي الرئيس بن علي، ليبدأ المجتمع المدني في تونس مرحلة جديدة نحو إعادة تنظيمه وفتح مجال الحريات أما الممارسة الديمق ارطية، وبدا أنه يلعب دوار مهما في رسم المرحلة القادمة من النظام السياسي في تونس.[52]

ليبيا: بعد إعلان استقلال ليبيا في 24 ديسمبر1951 قررت الجمعية الوطنية تبني نظام ملكي دستوري بقيادة الملك إدريس السنوسي، وذلك حسب ما ورد في أول دستور ليبي في أكتوبر 1951 ، وكانت آنذاك ليبيا تأخد شكل الدولة الفيد ارلية. وفي 72 من ابريل 1963 تم تعديل الدستور وٕإلغاء النظام الاتحادي الفيد ارلي، لتتحول ليبيا إلى مملكة موحدة، حيث استمر حكم الملك السنوسي لمدة 91 سنة قبل أن يتم الإطاحة به في الفاتح من سبتمبر 1969 من طرف مجموعة من الضباط، الذين قاموا بإلغاء الملكية وأصدروا إعلانا دستوريا تم بموجبه إنشاء مجلس لقيادة الثورة، يقوده الملازم معمر القذافي، الذي أصبح رئيسا للجمهورية الليبية، وفي مرحلة حكمه، بدأ القذافي في رسم ملامح نظام سياسي جديد يأخذ طابعا استثنائيا ،إذا ما قورن بأشكال الحكم السائدة في مختلف دول العالم، حيث سار بليبيا إلى نظام جماهيري ، هذا النظام شرح تفاصيله في الكتاب الأخضر الذي وضعه بمثابةدستور للجماهيرية الليبية الاشت اركية العظمى، ويقوم هذا النظام على سلطة الشعب في تسيير الحكمعن طريق الديمق ارطية المباشرة، وأنشئت لذلك مؤسسات جديدة، تتمثل في الم ؤتم ارت الشعبية التي تعتبر كأداة للتشريع، واللجان الشعبية كأداة للتنفيذ، استمر حكم القذافي للبلاد مدة 24 سنة، قبل أن تعصف به رياح التغيير اثر موجة العنف المسلح التي شهدتها البلاد بداية من 71 فيفري 2011، والتي أدت إلى مقتله في مواجهات عنيفة مع كتائب ما يسمى بالثوار، لتدخل البلاد مرحلة جديدة، كان أولها إنشاء المجلس الوطني الانتقالي في 72 فيفري 2011، من طرف المعارضة المسلحة، كأول هيئة سياسية انتقالية، وكان بمثابة حكومة الأمر الواقع، حيث أصدر في 3 أوت أول إعلان دستوري ،يعلن عن قيام ليبيا كدولة ديمق ارطية، ويتضمن أحكاما لمرحلة الانتقال إلى جمهورية رئاسية، وٕإج ارء انتخابات لمؤتمر وطني عام، مهمته وضع دستور جديد للبلاد، وقيادة البلاد خلال المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية.[53]

  عرفت ليبيا أثناء حكم القذافي رؤية جديدة بخصوص الأداء السياسي والتمثيل النيابي والتي كانت مستمدة من فلسفة الكتاب الأخضر ،والقائمة على حكم الشعب لنفسه، حيث أن غياب المؤسسات الرسمية بشكلها الطبيعي، أدى إلى انهيار الدولة خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت مقتل القذافي ،ويمكن الإشارة إلى بعض المؤسسات القائمة التي تؤدي أدوا ار مؤقتة خلال هذه الفترة ،فالسلطة التنفيذية أوكلت مهامها إلى رئيس الوزارء الذي تم تعيينه من قبل المؤتمر الوطني العام. الذي يعتبر بمثابة سلطة تشريعية، باعتباره  ھيئة منتخبة، حيث انتخبه المواطنون في شهر جوان 2012 وأدى اليمين في الشهر الموالي. ويعتبر هذا الاقت ارع أول انتخابات حرة تجرى في ليبيا منذ أكثر من أربعين عاما. يتكون المجلس من 200 عضوا، ثمانون منهم يمثلون الأح ازب السياسية والباقي من المستقلين.

السلطة القضائية وفقا للإعلان الدستو ري الصادر عام 2011، يجب أن تكون السلطة القضائية مستقلة. ويحظر إنشاء محاكم استثنائية. جميع المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم بحكم قضائي. كما يحظر الإعلان الدستوري إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بالمتهمين.

ولعل من نافلة القول أن نشير إلى أن هذه المرحلة الانتقالية، تعرف العديد من الصعوبات نتيجة لمخلفات النظام السابق، بالإضافة إلى طبيعة المجتمع الليبي ذو الخصوصية التقليدية، القائمة على النمط القبلي والجهوي، الذي عادة ما يعيق أي مسار توافقي، كما أن طبيعة التحول الذي عرفته ليبيا والذي أخذ شكلا عنيفا، ازد من تعميق الإشكالات، مما يطرح تحديات ثقيلة أمام إعادة بناء الدولةسنأتي على تفصيل ذلك في الفصليين المواليين).

المجتمع المدني: اتجهت كل التشريعات في فترة حكم القذافي إلى تجريم إنشاء جميع إشكال التنظيم المستقل، وبعد سقوط نظام القذافي، ألغى المجلس الوطني الانتقالي، جميع القوانين الاستثنائية،1 وأصدر قانون رقم (92) في 2 ماي 2012، خاص بإنشاء و تنظيم الأح ازب السياسية2، وبالفعل تم إنشاء أح ازب سياسية، في ظرف قياسي وذلك بهدف المشاركة في انتخابات المؤتمر العام ،أما بخصوص الجمعيات فقد دخل الليبيون في سباق محموم من أجل تأسيس الجمعيات، وأنشأت لذلك الحكومة المؤقتة وازرة للثقافة والمجتمع المدني،3 وتشير معطيات هذه الوازرة إلى وجود ما بين 2000 إلى 2400 منظمة  تنشط في مختلف المجالات.4

المطلب الثالث: استخلاص الفضاءات الجيوسياسية للمغرب العربي

1 – الفضاء المتوسطي: 

   يستمد الفضاء المتوسطي تسميته من البحر المتوسط الذي شكل على مدار التاريخ منطقة تماس وجذب جيو حضاري وتاريخي ارتبطت بمتغي ارت السيطرة والنفوذ وصولا إلى مظاهر التعاون والتنسيق ،حيث تعود تسمية البحر المتوسط بهذا الاسم إلى النصف الثاني من القرن الثالث ميلادي عندما أطلق الجغ ارفي البحار سولينوس اسم المتوسط على تلك الرقعة الجغ ارفية المائية التي تتوسط القا ارت الثلاث أسيا، أوروبا وٕإفريقيا[54]، لكن هذه التسمية – وان كانت هي المعتمدة- فان هذا البحر قد عرف تسميات متعددة بتعدد الحضا ارت والثقافات، حيث سماه المصريون القدماء ب “الأخضر الكبير، وسماه الرومان “بحرنا” (Merenostrum)، و”البحر المقدس” و”بحر فلسطين” عند العب ارنين، وعند الأتارك باسم ” البحر الأبيض”.

   تقدر مساحة البحر المتوسط بحوالي 5،2 مليون كلم2، تقسم إلى حوضين كبيرين هما، الحوض الشرقي بمساحة 65,1 مليون كلم2، والحوض الغربي بمساحة 85،0 مليون كلم2،  ولاعتبا ارت

جيوست ارتيجية، هناك من يقسمه إلى ثلاثة أحواض، شرقي، أوسط، وغربي، لكن الشائع هو التقسيمالذي يقوم على معطيات جيولوجية. ويمتد من مضيق جبل طارق إلى ساحله الشرقي على مسافة3800 كلم، وعلى مسافة 800 كلم بين مدينة الج ازئر العاصمة ومدينة جنوة، وعلى مسافة 140 كلم بين تونس وصقلية، و13 كلم بين اسبانيا والمغرب الأقصى، ويبلغ أقصى عمقه 5150 متر ،ومتوسطه 150 متر، ويتميز المجال المتوسطي بالتنوع وعدم التجانس، حيث تنتشر به الكثير من الجزر الصغيرة اليونانية والتركية بالإضافة إلى جزر كبيرة كصقلية وكورسيكا وسردينيا، كما يتميز بالتقسيمات الفرعية كالبحر الأدرياتيكي، وايجة، التي ارني… وشبه جزر كشبه جيرة أيبيريا، شبه الجزيرة الايطالية وشبه جزيرة البلقان[55].

  جعلت هذه التكوينية المتميزة للبحر المتوسط أهمية خاصة، أهلته لأن يكون في مركز الأحداث ومحور العديد من التفاعلات على مر التاريخ، بل وكثي ار ما كان هو الحدث بعينه، وهو ما أشار إليه المؤرخ الفرنسي “فرناند ب ارندل” Fernand Brendel حين عدد في مؤلفه المتوسط خصائصه بقوله:

” ما هو المتوسط؟… ألف شيء في نفس الوقت…فهو ليس مجرد مشهد طبيعي بل هو مشاهد طبيعية… ليس بح ار بل بحوار متواصلة… ليس حضارة بل حضا ارت متناغمة…”، وقد تطرق في مؤلفه إلى تحليل التفاعلات التي عرفها البحر المتوسط على مدار التاريخ والتي ارتكزت على الص ارع وكسب النفوذ والسيطرة بين شعوب وحضا ارت إنسانية كبرى تشكلت على ضفافه، فهو حسبه وبحكم مقوماته الطبيعية والتاريخية والحضارية يرسم خطوطا للتماس، قابلة لأن تحول إلى خطوط للنار وجبهات للقتال بين الحضا ارت المتباينة والمتجاورة، وهو ما كان عبر العديد من المحطات التاريخية أين سبقت المد الاستعماري حروب وغزوات بين الحضا ارت السابقة[56].

  وبالتالي فان الموقع الجغ ارفي لدول المغرب العربي الذي أوجدها على الضفاف الجنوبية للبحر المتوسط، ما كان ليجعلها على هامشية حركيته التاريخية السابق بيان مدها وجزرها، فهي ترتبط بشماله مع دول أوروبا بعلاقات تمتد إلى قرون من الزمن عرفت أشكال الحرب والغزو والاستعمار… وهو ما كان وارء وجود انعكاسات على تشكل وبنيوية الدولة المغاربية، خاصة في ظل بروز فواعل وأخطار أمنية تشكل اهتماما مشتركا ، فعادة ما يتم اعتبار جنوب المتوسط مصدر تهديد مباشر لشماله بما يصدره له من أخطار أمنية وعوامل مخلة بالاستق ارر، لكن في المقابل ناد ار ما يشار إلى ما يمكن أن تشكله الضفة الشمالية. بالنسبة لجنوب المتوسط، وبحجم مدركاته التي تحكمها تجاربخضوعه للاستعمار يمكن اعتبار أوروبا كذلك مصد ار للتهديد والتوجس بسبب اقتصادها المهيمن علىالمنطقة وثقافتها التي تهدد هويات المجتمعات في الجنوب والمشروع الأوروبي الذي يتعارض في كثير من الأحيان مع مساعي التخلص من أثار الاستعمار والتبعية.1

  هذا التأثير عادة ما تشكل في أطر متعددة للتعاون والتنسيق بغرض البحث عن بدائل أنجع لمعالجة الإشكالات التنموية، ومجابهة التحديات الأمنية التي تشكلت وانتشرت في هذا الفضاء الجيوسياسي الهام ،كالمباد ارت التعاونية في شكل: مسار برشلونة، مجموعة 5+5، سياسة الجوار الأوروبي ،الاتحاد من أجل المتوسط… وهي آليات لم تتمكن من تحقيق الكثير بهذا الشأن، لكنها تبقى مسا ارت واقعية للتفاعل التقليدي بين دول الفضاء في ظل تنامي ص ارع كسب النفوذ الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والصين في المنطقة.

1– فضاء الساحل الإفريقي: 

  يرجع تعريف منطقة الساحل الإفريقي2بهذا الاسم الى فترة التواجد الفرنسي بالمنطقة، إلا أن شساعة المنطقة المذكورة، جعلت من عملية تحديدها وتعريفها إشكالا لدى الدارسين لهذا الفضاء، يتجلى ذلك من خلال المقاربات المعيارية المتعددة في تحديد الدول التي تنضوي ضمن هذا الحيز الجيوسياسي ،حيث عبر عن ذلك فالباحث “أندري بورجو” Andre Bourgeot بأن منطقة الساحل الإفريقي ” عبارة عن صح ارء  وهي بمثابة إقليم بدون حدود”[57].

2 الساحل الافريقي، أو الساحل الصح اروي، بلاد غرب السودان، والسهل الإفريقي، تسميات متعددة صادفنها إ ازء عملية بحثنا في م ؤلفات بخصوص تاريخ المنطقة، ومهما يكن من قصد بخصوص هذه التسميات فان، تسمية الساحل الصح اروي تجمع بين منطقتي الساحل والصح ارء الكبرى، وبلاد غرب السودان فقد وردت في كثير من الم ارجع العربية والإسلامية حيث جاء اسم بلاد غرب السودان مقابلا للسودان الشرقي_ دولة السودان حاليا_  نظير الصلات التاريخية والاقتصادية تمثلت في التبادل التجاري، أما تسمية السهل الإفريقي فقد جاءت كترجمة حرفية من طرف بعض الكتاب للمصطلح الفرنسي Sahel Africain.

 إلا أنه جغ ارفيا يشار إلى الساحل الإفريقي من خلال المنطقة الواصلة بين شمال إفريقيا، وٕإفريقياجنوبي الصح ارء، وهي تمتد من البحر الأحمر شرقا إلى المحيط الأطلسي غ ربا1 بمعطيات تشيرتقديريا إلى حوالي 5500 كلم طولا، وبعرض من 350 إلى 500 كلم[58].

  يمكن تحديد الدول المشمولة بهذا التعريف كالأتي: موريتانيا، مالي، النيجر، تشاد، السودان، يضاف إليها أج ازء محددة من دول أخرى كالج ازئر والسينغال واريتريا… هذا التحديد يتطابق جزئيا مع مجموع الدول المشكلة للجنة الساحل الإفريقي لمكافحة التصحر المنضوية تحتها تسع دول وهي: السينغال ،موريتانيا، مالي، بوركينافاسو، النيجر، نيجيريا، التشاد، السودان، اريثيريا، يضيف إليها البعض جزر ال أرس الأخضر.

    هناك عدة تجمعات إقليمية عرفها الساحل انطلاقا من التحديد الجي وسياسي وطبيعة النشاط الذي يبنى عليه التجمع، ولعل أهم تجمع يمكنه أن يقرب من حصرنا للمنطقة من خلال الد ارسة، هو ذلك الذي أنشئ حديثا في 61 فب ارير 2014 بنواكشط، ويضم كل من مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، وأطلق عليه تجمع دول الساحل الخمس، لأنه الأقرب إلى توصيف مجال الد ارسة.

تتمتع منطقة الساحل بخصائص جغ ارفية وقيمة جيوسياسية جعلت منها فضاء بالغ الأهمية من الناحية الجيواست ارتيجية، فهي منطقة محورية في حركة التنقل شمال وجنوب، وما بين شرق وغرب القارة الإفريقية، علاوة على امتلاكها لعوامل جذب داخلية  بفعل مواردها الطبيعية الهائلة.

   يمتد التواصل الجغ ارفي بين منطقتي المغرب العربي والساحل الإفريقي، من الخلال الامتداد الطبيعي للصح ارء الكبرى، التي تعتبر من أكبر صحاري العالم بمساحة تقدر ب(9,065,000 كلم) و بامتداد يصل مسافة (4,830 كلم) من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر ،وجنوبا بعمق (1,930كلم) داخل منطقة الساحل الإفريقي. وهي بذلك معظم مساحة موريتانيا، الج ازئر، النيجر، ليبيا ومصر، وكذا جزء من جنوب المغرب وتونس، وجزء من مناطق شمال مالي والتشاد والسودان.[59]     من ممي ازت هذا الإقليم  ذلك الانبساط الطبيعي في مظاهر الشخصية التضاريسية ،بحيث لا توجد به انكسا ارت عميقة وواسعة أو مرتفعات، الأمر الذي جعل من الصح ارء فضاء للتفاعل، وحلقة هامة في مسار التواصل التاريخي والحضاري لمماليك وشعوب المنطقة، ففيها تشكلت قديما أغلب الطرق التجارية ال اربطة بين مختلف الأقاليم، ومعها انتقلت السلع والأفكار والثقافات وتواصلت من خلالهاالأجناس، ما ساهم بشكل كبير في توغل الحضارة الإسلامية التي انتقلت من شمال إفريقيا ،إلىعمقها، بحيث ينتشر الإسلام في كل دول الساحل بشكل كبير، لاسيما الطرق الصوفية كالطريقة القادرية والطريقة التيجانية… الخ، بالإضافة إلى التمازج العرقي والاثني بين عديد القبائل خاصة على مستوى الصح ارء الكبرى[60].

   تمثل الفترة الاستعمارية مرحلة فارقة في تاريخ إفريقيا جعلتها تسهم بشكل كبير في رسم واقع ومستقبل القارة من خلال إف ارز كل مظاهر التخلف والاستن ازف والإلحاق الثقافي، بالإضافة إلى التفكك الاجتماعي الذي غذته التقسيمات الحدودية الموروثة عن الاستعمار والذي تعد دول الساحل مثالا لها ،هذا الأمر جعل من بناء الدولة الوطنية الحديثة في الساحل، غاية في الصعوبة، نظ ار لعلاقة السلطة في هذه الدول بمختلف البنى الاجتماعية، التي يعد فيها الانتماء للقبيلة موازيا لولاء السكان للدولة خاصة أن البناءات القبلية في المنطقة تتميز بالتعقيد والتشابك[61]، ناهيك عن امتداد هذا الولاء في بعض الأحيان إلى خارج حدود الدولة و الذي عادة ما يتشكل في مظاهر الانفصال أو التمرد ، لكن هذا العامل قد لا يكون وحيدا في الحكم على ذلك ،إذ يعد الفقر والتخلف وفشل الدولة في تحقيق التنمية والتوزيع العادل للثروة، لاسيما في ظل الانتشار غير المنظم للسكان وغياب السيطرة التامة للسلطة المركزية على كل أقاليم الدولة ، قد يكون عاملا أخ ار مغذيا وأحيانا محددا في إثارة كل مظاهر اللاأمن.

   فرغم توافر اغلب دول الساحل على موارد اقتصادية هامة، كالنفط والمعادن خاصة اليوارنيوم في التشاد والنيجر التي تحتل المرتبة ال اربعة عالميا في إنتاج هذه المادة الحيوية، بنسبة 7،8 بالمائة من

الإنتاج العالمي[62]. بالإضافة إلى  حوض تاوديني  Bassin de Taoudéni بمالي وما يحتويه من ثروات معدنية (بترول ويورانيوم)، حيث وصفه بعض المحللين بـ “الإلدورادو المعدني”1 هذا إضافةإلى عمليات التنقيب الكبيرة التي تقوم بها مختلف الشركات العملاقة في هذه الدول كشركة ريبسولالاسبانية في مالي وغاز بروم الروسية في النيجر2 هذه  العامل الذي يسميه البعض بلعنة الموارد[63].

    إن هذا الفشل في مسار بناء الدولة الحديثة في الساحل الإفريقي جعل منها منطقة استقطاب دولي لمختلف القوى الدولية، الباحثة عن الموارد والنفوذ، يتجلى ذلك من خلال التواجد الكبير للشركات  الفرنسية العاملة في مجال التنقيب والاستخ ارج ومن ثمة الاستغلال، هذا المعطى جعل من الساحل الإفريقي عرضة للانكشاف أمام مخططات مختلف القوى الكبرى.

   وبالتالي فان هشاشة بناء الدولة في الساحل نجم عن الفشل السياسي في التعاطي مع العاملين الاقتصادي والاجتماعي، ما أنتج حركات أزموية ، أدت إلى ظهور بؤر توتر مزمنة، وانتشار كبير لمظاهر التهديد العابر للحدود، هذا الواقع أثر بشكل مباشر على الحالة الأمنية لدول المنطقة، ودفع بالدول المغاربية إلى اعتبار مسالة الاستقارر من الشواغل الأساسية في توجيه علاقاتها مع هذه الدول.

    أمام هذا الوضع الإقليمي المتأزم، بدا الجانب الأمني أساسا لتعاطي المغاربي مع قضايا الساحل الإفريقي، ويأتي هذا التعاطي واقعيا انطلاقا من قياس دول المغرب العربي لدرجة التأثير والتأثر، إذ تعد الج ازئر وموريتانيا وليبيا بواقعها الحالي أكثر الدول عرضة لإف ارازت، التهلهل السياسي والتشرذم الاجتماعي، في دول الساحل، ما حدا بالدول المغاربية منفردة وفي مقدمتها الج ازئر بحكم الجوار الحدودي الواسع و باعتبارها دولة محورية إلى إطلاق عديد المباد ارت في مجال التعاون والتنسيق  الأمني ، في محاولة منها لإف ارغ المنطقة من النشاطات التي يمكنها أن تمس أمنها القومي من جهة،   وقطع الطريق أمام المشاريع الأجنبية للقوى الكبرى ال ارغبة في التواجد المستمر في المنطقة تحت مسمى حماية مصالحها الاقتصادية وتحقيق الأمن العالمي. جاء هذا التحرك الميداني من خلال الدعم اللوجستي والمساعدة التقنية، والتنسيق ألعملياتي، هذا الدور يأتي مرة أخرى مكرسا لمبدئها ال ارسخ ب ـ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أما المغرب فقد عمد إلى التركيز على التنسيق الأمني والتكوين في مجال م ارقبة الحدود، حسب ما ورد في وثيقة إعلان الرباط، بالإضافة إلى تفعيل دور العامل الديني المستمد من شرعية الملك الدينية والتاريخية، في حين لا ازلت تسعى موريتانيا للعب دور اكبر انطلاقا من كونها دولة ساحلية ودولة مغاربية ،إلا أنها لا تملك خيا ار أمنيا ناضجا ضد أي تهديد أمني  بسبب ضعف المنظومة الأمنية، لكنها تسعى إلى تفعيل العمل المشترك بينها وبين ماليوالنيجر والتشاد من خلال بعث تكتل امني واقتصادي جديد يستجيب للتطلعات المشتركة لدولالساحل. وقطع الطريق أمام الجزائر والمغرب

   يكشف هذا التعاطي المنفرد بسبب غياب رؤية إست ارتيجية مشتركة عن مدى التنافس المغاربي لتحقيق النفوذ في منطقة الساحل، ولعب دور ريادي في السير بدول الساحل إلى مواجهة التهديدات الأمنية وفق السياسات المطروحة من طرف هذه الدول، بما يقود إلى تقوية بناء الدولة في الساحل وٕإعطاء مجال أوسع لشركات تنموية سواء انف ارديا أو حتى في إطار الرؤية المشتركة للقوى الدولية ذات البعد التأثيري في هذه المنطقة.

الهوامش

[1] سيد أحمد قوجيلي ،تطور الدارسات الأمنية ومعضلة التطبيق في العالم العربي، سلسلة د ارسات إست ارتيجية: مركز الإما ارت للد ارسات والبحوث الإست ارتيجية، العدد:169، ص 62.

[2] تاكايوكي ماموار، مفهوم الأمن في نظرية العلاقات الدولية.ترجمة: عادل زقاع ،مرجع سبق ذكره.

[3] حسام حمزة ،الدوائر الجيوسياسية  للأمن القومي الجازئري، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. باتنة: جامعة الحاج لخضر ،2010-2011، ص83.

[4] سيد أحمد قوجيلي، تطور الد ارسات الأمنية ومعضلة التطبيق في العالم العربي، مرجع سبق ذكره، ص72.

[5] حسام حمزة ،المرجع السابق، ص93.

[6] الحيدري إب ارهيم، مدرسة فارنكفورت من نقد الفكر إلى نقد المجتمع، متوفر على: www.ahewar.org

[7] حسن مصـدق ،يورغن هابرماس، ومدرسة فارنكفورت: النظرية النقديــة التواصلية. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005.

[8] جون بيلس وستيف سميت ،عولمة السياسة العالمية، ترجمة: مركز الخليج للأبحاث، الاما ارت العربية المتحدة:

مركز الخليج للأبحاث ،2004، ص380.

[9] -Frèdirick Guillaume Duffour ,Aperçu Du Contributions Des Néogramsciens et Des Théories Critiques Au

Tournant RéFlexif Des Théories De La Sécurité. www. Conflits. Org/ Document 1531 . Html .316،عبد الناصر جندلي، مرجع سبق ذكره، ص 2

[10] أنور فرج ،مرجع سبق ذكره، ص454.

[11] سليم قسوم، مرجع سابق، ص ص. 151 ـ153.

[12]   -Ken Booth. Theory of world Security.Cambredge University Press.2007.p 110.

[13] – Pinar Bilgin, ’’ Critical Theory’’, In. Paul D. Williams (Ed), Security Studies : An Introduction, London :

Routledge, 2008, p100.

[14] امحند برقوق، الأمن الانساني ومفارقات العولمة ،موقع سياسة، متوفر على ال اربط:

  http://www.politics-ar.com/ar/index.php/permalink/3059.html

[15] خديجة عرفة محمد أمين ،الأمن الإنساني: المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي، الرياض: مركز الد ارسات والبحوث، 2009، ص34.

[16] سعيد، محمود شاكر، خالد بن عبد العزيز الحرفش ،مفاهيم أمنية، الرياض: جامعة نايف للعلوم الامنية ،2010، ص21.

[17] خديجة عرفة محمد أمين ،مرجع سابق الذكر، ص ص. 04 -50.

[18] أمحند برقوق ،المرجع السابق الذكر.

[19] خديجة عرفة محمد أمين ،مرجع سابق الذكر، ص41. 

[20] أولريش بيك، مجتمع المخاطر العالمي: بحثا عن الأمان المفقود، ترجمة: علا عادل وآخرون، القاهرة: المركز القومي للترجمة،2013، ص22.

[21] Human Development Report 1994, by the United Nations Development Programme (UNDP), New York :

Oxford University Press, 1994, p25.

[22] إسماعيل مع ارف، التكتلات الاقتصادية الاقليمية، الج ازئر: ديوان المطبوعات الجامعية ،2012، ص147.

[23] عبد الواحد دنون طه وآخرون، تاريخ المغرب العربي، ليبيا: دار المدار الإسلامي ،1997، ص71.

[24] محسن عوض، محاولات التكامل الإقليمي في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، بيروت: م ركز د ارسات الوحدة العربية، العدد:121، 1989، ص57.

[25] ناصر الدين سعيدوني ،وحدة المغرب العربي بين الحتمية التاريخية والواقع المعاش، المجلة الج ازئر للعلاقات الدولية، الج ازئر: ديوان المطبوعات الجامعية، العدد:03،1986، ص45.

[26] صبيحة بخوش ،اتحاد المغرب العربي: بين دوافع التكامل الاقتصادي والمعوقات السياسية 19892007، الأردن: دار الحامد للنشر والتوزيع ،2010، ص77.

تضاف إلى هذه الدول الصح ارء الغربية باعتبارها قضية مسجلة لدى الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار، وهي دولة عضو في الاتحاد الإفريقي دون اتحاد المغرب العربي.

[27] جميلة قسمون ،اللغة العربية وتشكيل الهوية في ظل العولمة، أبحاث المؤتمر الدولي الأول للغة العربية، متوفر على

   http://www.arabiclanguageic.org/view_all_research.php?id=35&page=5 :ال اربط

[28] عبد اللطيف عبيد، المسألة اللغوية في المغرب العربي: جذورها وأثرها في تشكيل الهوية وتحديد الانتماء، مجلة الجامعة المغاربية، العدد:02، ليبيا ،2007، ص71. 

[29] سمير أمين، برهان غليون ،حول الدولة والدين، بيروت: دار الف ارجي ،2003، ص 45 

[30] علي خليفة الكواري  وآخرون ،الاستبداد في نظم الحكم العربية، بيروت: مركز د ارسات الوحدة االعربية، 2005، ص122. 

[31] طويل نسيمة، أثر المتغي رات الدولية على مسار التجربة التكاملية الدولية، مداخلة ألقيت ضمن أشغال ملتقى بعنوان:

مسار التكامل المغاربي بين الاعتباارت القطرية والتحديات الخا رجية، جامعة بسكرة: أيام 05-60 مارس ،2009. 

[32] فاروق طيفور، النظام السياسي الجازئري “دارسة مقارنة للنظام الجمهوري-الرئاسي-البرلماني، الفرص والبدائل

،د ارسات إست ارتيجية، الج ازئر:الدار الخلدونية للنشر والتوزيع، العدد:02،2006، ص11.

[33] فباستثناء الج ازئر والمغرب وموريتانيا تعرف كل من ليبيا وتونس م ارحل انتقالية وغير مستقرة نحو إعادة بناء الدولة ولذا يتسم المشهد السياسي في كلا الدولتين بعدم التبات بشكل يجعلنا نركز على مستجدات وتطوارت بناء العملية السياسية تماشيا مع توقيت تحرير هذه المذكرة.

[34] شهرازد صح اروي ،هيكلية التحول الديمقارطي في المنطقة المغاربية (تونس، الجازئر، المغرب)، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص: د ارسات مغاربية، جامعة بسكرة،2011 -2012، ص09.

[35] عبد اﷲ الت اربي ،تعديل الدستور في المغرب تطوارت في سياق من الثوارت، مبادرة الإصلاح العربي: إصلاح الدستور ،2011، ص80.

[36] يعد بمثابة مرسوم يختص بإصداره الملك فقط دون غيره.

[37] تم تلخيص هذه الفقرة من دستور المملكة المغربي الصادر في 92 جويلية 2011.

[38] محمود صالح الكروي، مكانة الدين في النظام الملكي المغربي، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد:19، بيروت:

مركز د ارسات الوحدة العربية ،2008، ص 173.

[39] عبد الرحيم العلام، صلاحيات الملك في الدستور المغربي: د ارسة نقدية ،المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد

41-42، بيروت:مركز د ارسات الوحدة العربية ،2014، ص 143.

[40] محمد المالكي ،تطور الأحازب السياسية في البلدان العربية، ضمن مشروع: تطور الأح ازب السياسية في البلدان العربية، بيروت: المركز اللبناني للد ارسات ،2007، ص36.

[41] خالد عليوة ،تحولات الصارع السياسي في المغرب، في: جدلية الدولة والمجتمع (مؤلف جماعي)، المغرب:إفريقيا الشرق ،1994، ص 245.

[42] إدريس جنداري ،التجربة الحزبية في المغرب: غموض التصور وٕإعاقة الممارسة، سلسلة تقييم حالة، الدوحة: المركز العربي للد ارسات والأبحاث السياسية، فب ارير 2012، ص40.

[43] الج ازئر التقرير السنوي ،مركز القاهرة لدارسات حقوق الانسان، القاهرة ،2012، ص327.

[44] كفاح عباس رمضان، مستقبل النظام السياسي في المغرب العربي: الج ازئر أنموذجا ،مجلة دارسات إقليمية، جامعة الموصل، العدد: 21، 2011، ص41. 

[45] عبد اﷲ ولد اب ارهيم، النظام السياسي الموريتاني، المجلة الموريتانية للاقتصاد والقانون، نواكشط، العدد:15،

1994،ص23.

[46] ديدي ولد السالك، الاصلاحات الدستورية المطلوبة لانجاح الانتقال الديمق ارطي في موريتانيا ،(مجموعة الخب ارء المغاربيين)، مركز الدارسات المتوسطية والدولية. العدد:11، 2013، ص 8.

[47] هيفاء أحمد محمد، موريتانيا بين الانقلاب العسكري والحكم المدني ،مجلة الدارسات الدولية، العدد:42، جامعة بغداد ،2009، ص94.

[48] بوحنيية قوي، المجتمع المدني الج ازئري: بين ايديولوجيا السلطة والتغيير السياسي، الدوحة: مركز الجزيرة للدارسات

،2014، ص30.

[49] شهرازد صح اروي ،المرجع السابق الذكر، ص 73.

[50] دستور الجمهورية التونسية، الصادر في 62 جانفي 2014. 

[51] أحمد مالكي وأخرون ،تونس الاسباب والسياقات والتحديات، الدوحة: المركز العربي للأبحات ود ارسة السياسات ،الطبعة الأولى، 2012، ص212.

[52] نفس المرجع، ص 218.

[53] Rapport, Libye : Un Avenir Incertain, Center International de Recherch et d Etudes sur la terrorisme. Paris,     Mai 2011.

[54] Abi Sébastien, la méditerrané plurielle : entre unité et diversité, FMES, P03.

[55] يسري الجوهري ،جغارفية البحر المتوسط، الاسكندرية: منشأة المعارف ،1984، ص90.

[56] منصور لخضاري، الامتدادات الجيوسياسية للأمن الوطني الج ازئري، مجلة شؤون الأوسط،  العدد:143، بيروت:

مركز الد ارسات الاست ارتيجية ،2012. ص61.

[57] Andre Bourgeot, Sahara : espace géostratégique et enjeux politique(niger), Chaier des recherches CNRS

laboratoire d’anthropologie sociale,Autrepart(16) , 2000 , p43.

[58] Henri Plangol et Francois Lanche, La Situation securitaire dans les pays de la zone saharien , report presente par les depute a l’ assemble national française , N: 4431,6 mars 2012,p7 .

[59] Angel Rabasa, ungoverned terretories: understanding andreducing terrorism risks, united states, RAND Corporation,2007, p174.

[60] محمد سنوسي العم اروي، الروابط التاريخية لدول ضفتي الصح ارء  وأثرها على الأمن المغاربي، مداخلة ألقيت ضمن

أشغال الملتقى الدولي بعنوان: التهديدات الأمنية للدول المغاربية في ضوء التطوارت الارهنة (الرهانات والتحديات)، جامعة قاصدي مرباح  ورقلة: كلية الحقوق والعلوم السياسية، أيام 27-82 فب ارير ،2013.

[61] محمد مهدي عاشور،  التعددية الإثنية: إدارة الصارعات وٕإستارتيجيات التسوية، الأردن: المركز العلمي للد ارسات السياسية، الطبعة الأولى،2002، ص01.

[62] شمسة بوشنافة، است ارتيجية الاتحاد الأوروبي للأمن والتنمية في منطقة الساحل: است ارتيجية من أجل الساحل الرهانات والقيود، مداخلة ألقيت ضمن أشغال الملتقى الدولي بعنوان: التحديات الأمنية للدول المغاربية في ضوء التطوارت الارهنة ( الرهانات والتحديات)، جامعة قاصدي مرباح ورقلة: كلية الحقوق والعلوم السياسية، أيام 72 و82 فب ارير ،2013.

[63] Brono carton, pascale lamontagnes ,Le pétrole en Afrique : la voilence faite aux peupeles , Belgique :

Groupe de  recherche pour uneStratigie economique alternative ( GRESEA).

المصدر رسالة ماجستير من اعداد سعيدي ياسين بعنوان التحديات الامنية الجديدة في المغرب العربي

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button