دراسة شاملة حول التهديدات الامنية الجديدة في المغرب العربي (الجزء الثالث)

الفصل الثاني: التحولات السياسية في المغرب العربي وٕإشكالية التهديد الأمني 

   تتلازم المراحل الانتقالية في كثير من الأحيان مع بروز التهديدات الأمنية ذلك أن هذه المرحلة من التحولات السياسية غالبا ما يصاحبها فراغ في مؤسسات الدولة بين سلطات سابقة وأخرى جديدة ،وتتنوع التهديدات الأمنية الناجمة عن هذه الظاهرة بين أشكال قديمة كانت تعرفها الدولة وأخرى جديدة تكون بفعل الأحداث السياسية وتأثي ارتها أو القوى السياسية وجماعات المصالح المرتبطة بالنظام السياسي السابق والتي تحاول الاستثمار في الف ارغ الأمني بافتعال بعض الإشكاليات الأمنية قصد العودة إلى السلطة أو على الأقل المحافظة على الحد الأدنى من المصالح والمكاسب السابقة.

 هذا الوضع تعيشه الدول المغاربية التي شهدت تحولات سياسية بدرجات متفاوتة. وامتدت تأثي ارته لتشمل فواعل أخرى كان في مقدمتها الموجة الجديدة من الحركات الإرهابية، وت ازيد مخاطر الهجرة غير الشرعية، واحتمالات الانقسام في ليبيا وتدفق الأسلحة منها على مالي الذي أعطى زخما جديدا لانتشار مظاهر مختلفة للعنف البنيوي في المنطقة.

المبحث الأول: مظاهر التحولات السياسية في دول المغرب العربي

   شكلت تونس المنطلق للأحداث الشعبية التي تجتاح الدول العربية منذ 2011، وقد تباينت تأثي ارتها من دولة إلى أخرى تأث ار بالسياق السياسي والاجتماعي الذي تعيشه كل دولة، فبالنسبة للحالة التونسية بقيت في أدنى حدود العنف حيث اقتصرت على بعض الاضط اربات وأعمال النهب والسرقة الضيقة والمحص ورة، كما أن الأجهزة الأمنية لم تقم بممارسات عنيفة كبيرة جدا، وسرعة خروج الرئيس زين العبدين بن علي من السلطة ساهم في الحفاظ على جل مؤسسات الدولة مما جعل الانتقال سلسلا إلى حد كبير. أما في الحالة الليبية فتعنت الرئيس معمر القذافي جعل البلاد تدخل في دوامة عنف كبيرة جعلتها القوى الغربية إلى جانب بعض الدول العربية مطية للتدخل العسكري الذي فاقم الأوضاع أكثر ،مما انعكس على المرحل الانتقالية لاحقا خاصة في ظل ضعف مؤسسات الدولة إبان حكم القذافي ،حيث استمرت حالة العنف لدرجة أصبحت فيها ليبيا توسم بالدولة الفاشلة.

  وفي نفس السياق المغاربي وبالنسبة للج ازئر والمملكة المغربية وموريتانيا، فإن هذه الدول لم تشهد انتفاضات شعبية كبيرة إلا أنها عاشت بعض الحركات الاحتجاجية التي اضطرت الأنظمة إلى الإقدام على بعض الخطوات كانت في جلها إصلاحات ذات طابع دستوري.

  جل هذه التحولات كانت لها تأثي ارت على التهديدات الأمنية السابقة حيث فاقمتها وأعطتها أبعاد جديدة كان أهمها تعميقها أكثر خاصة في ظل الدور السلبي الذي لعبته الأط ارف الخارجية في طريقة معالجتها لتلك الأزمات.

المطلب الأول: المسار الإنتقالي في تونس

الثورة الشعبية… تعدد التسميات وٕإشكالية الاصطلاح؟ 

   يطرح مفهوم الثورة إشكالا معرفيا بين عديد المفكرين، بالرغم من قدم ظهور المصطلح، وذلك نتيجة اتساعه واستخداماته المتعددة في التعبير عن ظاهرة أو وضع ما، ففي العلوم التجريبية استخدم مصطلح (Re-volition)  كمفهوم فلكي للدلالة على “حركية دائرية متكررة”، تشير إلى دوارن الإج ارم السماوية في مدارها ككل مرة وفي زمن جديد، تم انتقل إلى باقي العلوم، وأصبح لكل علم ثورته[1]، حيث يشير دومنيك لوكورت Dominique Lecourt إلى “إن الأصل الفلكي للمصطلح ظل ارسخا ،لأن الثوارت أحداث قابلة للتك ارر، بل هي دورية ترسم وتحقب تاريخ العلوم وتاريخ الشعوب” وبالتالي فان الطابع الثوري للعلوم يط أر حين يقوم العلماء بإحداث تغي ارت في مخططاتهم، ووفقا لظروف معينة ،نحو إثباتات نظرية جديدة تقود إلى تقدم التفكير العلمي، وهي بمثابة دورة جديدة نحو إسقاط النظرياتالخاطئة، هذا التفسير استخدمه، ريموند ويليام Raymond Williams للتعبير على مضمون الدوارنالذي يعني “دوال الأمور” بمعنى انقلاب حالة ت رتيبها، فيصبح وضع رؤوسها إلى أدنى وأدناها إلى أعلى[2].

  تطور مفهوم الثورة بعد ذلك من مرحلة زمنية لأخرى، مع تنوع اقت اربات المفكرين، كل بحسب اختصاصه وأيديولوجيته، وانتقل فيما بعد إلى المجال السياسي والاجتماعي، انطلاقا من الثورة الفرنسية 17891799 التي تعد كمرجع بحثي في إسقاط ظاهرة الثورة على أي نموذج ثوري أخر لاعتبارها الحالة الامبريقية الأنسب لقياس حركيات التغيير والتحول الجدري أو النسبي، خاصة وأنها أرست لتحول نظمي وبنيوي، يقوم على ثلاثية العدالة والحرية والمساواة[3]، إلا أن كارل ماركس karl Marx وفي تحليله للثورة الفرنسية وجدا أن طابعها السياسي  كان أكثر وضوحاً  وتأثي اًرً  من طابعها الاجتماعي . فالحكم علي  أي  ثورة  يجب أن  يكون نابعاً  من أهداف اجتماعية معينة ،لذا فقد ركز على الجانب الاجتماعي للثورة بإقامة نسق تاريخي  للتطور الاجتماعي   من خلال التركيز على  الأساس المادي  ،حيث فسر التاريخ بأنه ص ارع بين الطبقات لا الأجناس . فإحلال نظام إنتاجي  بنظام آخر  يؤدي  إلي  ظهور ضغوط سياسية وتغي ارت تتبعها الثورة، وهي الأفكار التي اعتمدت عليها الثورة البلشفية (1917) في مواجهة هيمنة ال أرسمالية الإقطاعية[4].

 ومع تبلور العلوم الإنسانية بشكل عام حاول بعض المفكرين إعطاء تعريف إج ارئي لمفهوم الثورة إذ نق أر في:

قاموس الموسوعة العربية: على “أنها بمثابة تغير جوهري في الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلد معين، لا يتبع في أحداثه الوسائل المقررة في النظام الدستوري لذلك البلد”.

  ويفصل الدكتور خير الدين حسيب في المعنى الدقيق لظاهرة الثورة، من خلال وصف وتفسير مجمل الأفعال والأحداث التي تقود إلى تغي ارت جذرية في الواقع السياسي والاقتصادي وأيضا الاجتماعي لشعب أو مجموعة بشرية ما  وبشكل كامل وعميق، وعلى المدى الطويل، وينتج منه تغيير في بنية التفكير الاجتماعي للشعب الثائر، وفي إعادة توزيع الثروات والسلطات السياسية”[6].

  يمكن تفسير الثورة من خلال هذه التعاريف المتنوعة على أنها عملية دينامية تفسر  تلك التغي ارت الجذرية التي تط أر على مختلف التوازنات والعلاقات داخل البنية يتم من خلاله الانتقال من الوضع السياسي والاجتماعي السائد نحو بناء جديد عبر فترة زمنية غير محددة، هذا الوضع يقود إلى بناء منظومة قيمية وفكرية وممارساتية تختلف عن النمط السابق في طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع[7].

  وتجدر الإشارة إلى أنه في منتصف القرن العشرين عرف العالم نماذج أخرى للفكر الثوري تمثل في انتشار الحركات الثورية ذات الطابع التحرري، والتي اختلفت إلى حد ما عن التفسي ارت التي ساقتها الثورة الفرنسية، أو التحليل الماركسي، فانتشر هذا النمط الثوري بشكل لافت واستطاع أن يسيطر على النماذج المرجعية في فهم ظاهرة الثورة، وتعد الثورة التحريرية الج ازئرية مثالا ارئدا في هذا النمط من الظاهرة الثورية.

   لكن بالعودة إلى التاريخ الإسلامي والعربي، لا يمكن العثور على نماذج حقيقية بالمعنى الاصطلاحي للثورة، ولعل ذلك يرجع بالأساس إلى الإ رث التاريخي الذي يجد تبري ارته في ما احتكمت إليه أصول الممارسة السياسية تحت حكم الخلافة الإسلامية عبر مختلف م ارحلها، فكان مفهوم الثورة أقرب إلى معاني الخروج عن الحاكم، والمجاهرة برفض سياساته، وٕإحداث قطيعة لا رجعة فيها، للعودة إليه كحاكم أوجبت الضرورة الشرعية طاعته[8]، لذلك ظل مصطلح الخروج مرتبطا بمفهوم الفتنة التي كانت تعني في التاريخ الإسلامي  الص ارع الأهلي الذي  يمس بالعنف، التوازن السياسي  الاجتماعي القائم بين جماعات أهلية،   وربما  يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الإسلامي  لوحدة الجماعة واستق اررها التي ارتبطت بدورها بتعزيز ديناميات التمصير  ،أي  بناء المدن المستقرة وخططها مقابل نمط الاجتماع البدوي  الع ربي  المنقسم والمضطرب  ،ولهذا فإن مفهوم المؤرخين العرب لما  يصفه المؤرخون المعاصرون بـ  “الثورة ” خاضع للسياق الذي  حكم إنتاجه  ،وهو اعتبار الخروج على الجماعة تق ويضاً  للعم ارن  ،والخروج على الجماعة أو الأمة هو الأصل في  ذم الخوارج  ،أما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه  ،فالبعض اعتبره خروجا على الجماعة  ،والبعض الآخر اعتبره أم ار مشروعا  ،بل واجب في  بعض الحالات، كل هذا حال دون أن يعرف العالم الإسلامي والع ربي، نماذج اسقاطية  للمعنى الحقيقي للثورة بمدلولها المعاصر[9]، لكن ذلك لا يخفي استخدام هذا المصطلح في كثير من الأحداث التي عرفتها الدولة الوطنية العربية بعد الاستقلال كالانقلابات والتمردات…الخ، وذلك ليس قياسا بالمعنى الحقيقي للمصطلح وٕإنما كشعار كان يهدف من خلاله قادة الفعل إلى تبرير تحركاتهم ومنحها شرعية شعبية مثل ما حدث في الج ازئر سنة 1965 وفي ليبيا سنة [10]1969.

   انطلاقا من الإحاطة النظرية والتاريخية الوجيزة بالثورة، تطرح دينامية الح ارك العربي الحالي بتوالي أحداثه إشكالية الإسقاط النظري لفهم مدلولاتها الاجتماعية، واستق ارء مغازيها السياسية، واستش ارف مسا ارتها المستقبلية، بشكل يدع لطرح تساؤلات حول دلالة أحداث هذه التحولات ودوافعها ومآلات جنوحها.

   ذلك أن مفهوم “الثورة” يشار الذي به إلى نظام اجتماعي وسياسي وثقافي جديد. تبرزه دينامية التغيير التي تقود إلى تشكل قطيعة ارديكالية مع ممارسات الماضي  وٕارساء كيان سياسي جديد يقوم على الأسس الحقيقية للفعل الثوري، وبغض النظر عن الطابع الذي يتسم به هذا التغيير ( التمرد ،الاحتجاج، الانتفاضة…)، فان ثورية أي حركة تتحدد بمضمون المشروع الذي تحمله، وقدرته على مدى إعادة تحديد علاقة السلطة بالمجتمع والثروةة، أم تعيد إنتاجها بشكل جديد.

   وبذلك فان ما حدث في دول ما يطلق عليه إعلاميا “الربيع العربي” ليس أكثر من تعبير عن حركة مطلبية اجتماعية سياسية، عبرت عنها حركات شعبية، بشعا ارت واضحة، لكن في غياب قيادات فكرية ريادية، ومشاريع مجتمعية ثورية، ورؤية مستقبلية واضحة، لم ينتج عنها حتى الآن تغير جذري في المجالات الاجتماعية والسياسية يمكن التأسيس عليه ووسمها بالثورة ،ولكن هذا ليس معناه القطعالنهائي بين مجريات الأحداث الحالية ومآلاتها المستقبلية لأننا مازلنا في سياق الحدث وحركيته، ولايستبعد على المستوى المتوسط والبعيد أن يحدث تغي ارت شاملة يستحق حينها وسمها بالثورة.

    نخلص بناء على هذا إلى أن ما حدث في تونس يمكن اعتباره عملية تحول سياسي نتيجة افتقاره لمرجعية فكرية  ولا يعدو أكثر من وصفه بأنه عملية احلالية1، سمحت بتغيير جزئي في منظومة الحكم، نتيجة الهيجان الشعبي ال ارفض للواقع القائم والساعي لقلبه للوصول إلى وضع مغاير تماما ،ومن ثمة فان هذه التغي ارت جرى التواتر على وصفها في تونس على أنه “ثورة شعبية” تهدف إلى إرساء وضع جديد يقود إلى إعادة تغيير نمط العلاقة بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية.

  وٕاذا شاع تداول لفظ الثورة في الأوساط الشعبية، ومن طرف بعض الاتجاهات الفكرية على المسار التحولي في هذا البلد، فلا يمكن أن ننفي حقيقة افتقار الح ارك التونسي لقيادة واضحة، فهذه الأحداث جاءت متسارعة ضد نظام شمولي تسلطي، واتسمت بطابع شعبي يتجلى من خلال الشعار الذي تردد وحمل نداء شعبيا عاما انصهرت فيه جميع القوى المشاركة، تحت ارية التغيير وبشعار ،”الشعب يريد إسقاط النظام”[11] حيث يفسر الدكتور المولدي الأحمر هذا الالتفاف والاستقطاب الكبير بثلاث دوافع رئيسية هي:

 1 يعتبر الإحلال أحدا أوجه التحول السياسي ويطلق عليه كذلك نمط التحول من أسفل، حيث تأتي هذه العملية بمنأى عن رغبة السلطة في التغيير وتقودها المعارضة في البلدان التي تتوافر على معارضة قوية، وقد تكون نتيجة لتعبئة جماهيرية، أو حدوث هيجان شعبي نتيجة فشل النظام في تجاوز الأزمات وتحقيق الرغبات الشعبية في الإصلاح والتنمية، وعادة ما يتم ذلك عن طريق تحالف قوى المعارضة مع الجماهير الشعبية ال ارفضة للوضع القائم، وقد تنتهي  بهذا الوضع وفي حالات إلى الإطاحة بالنظام وٕإحلال نخبة جديدة محل النظام القديم تطمح لإرساء وبناء نظام جديد ، فبحسب لينز Linz   فان جذور وأسباب النمط الاحلالي ترجع في الغالب إلى حدوث أزمة وطنية خطيرة لا يستطيع النظام التسلطي حلها، وتؤدي إلى حدوث تعبئة جماهيرية واسعة النطاق ضد النظام ويمثل هذا النمط نوعا من عملية الانتقال الديمق ارطي والتحول التي لا تهيمن عليها النخب، بدلا من ذلك يأتي التغيير أساسيا على الأقل في بداياته من الضغوط المنبثقة عن القاعدة الشعبية، وترغم النخب على الخضوع للإ اردة الشعبية، بعبارة أخرى فان المطالب الشعبية هي التي تؤسس وتحرك هذا النمط من عملية الانتقال وليس المواثيق بين النخب. لمزيد من التفاصيل انظر: صامويل هنغتنتون ،الموجة التالثة: التحول الديمقارطي في أواخر القرن العشرين، ترجمة عبد الوهاب علوب، الكويت: دار سعاد الصباح، الطبعة الأولى ،1993.

  -تضرر أغلب الفئات الاجتماعية من السياسة العامة المتبعة في البلاد، سواء على المستوىالاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي،  والتي واكبت انتشار الحريات الفكرية والسياسية.

  • تحول النخبة السياسية الحاكمة – نتيجة بقائها زمنا طويلا في إدارة دواليب السلطة خارج كل م ارقبة ومنافسة – إلى مجموعة ضيق من الأف ارد والعائلات والزبائن( ،الأوليغارشية) مما ترتب عنه فقدانها قدرتها التنظيمية والأخلاقية على التواصل مع الغالبية الواسعة من أف ارد المجتمع.
  • أن التجانس الذي دعمته سياسة بناء الدولة الوطنية الجديدة خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين جعلت من العروش والجهات والتقسيمات بين الريف والحضر مفردات غير وظيفية في حشد جماهير المتضررين من الأزمة السياسية والاجتماعية للبلاد على نطاق رغم أن بداية الأحداث كانت في مناطق معزولة وبعيدة[12].

  وعليه فإن وصف “الثورة” الذي أطلق على الح ارك التونسي، لم يحظى كذلك بإجماع فكري وسياسي لدى الكثير من الباحثين، ومواقف الدول، وقد يرجع ذلك لدى البعض إلى منظومة القيم التي حملها هذا التحول في اعتماده على النموذج الغربي الديمق ارطي، أو في افتقاره إلى النضج الحقيقي للوصول إلى معنى الثورة، وغياب مبرارت وجود الفعل الثوري الحقيقي، في حين يذهب آخرون انه لا يعدو حركية معتادة في تطور الشعوب، وقلل من شأن فعاليتها في تحقيق التغيير المنشود، أما البعض الآخر فيذهب أبعد من ذلك ويصفها بأنها مجرد تنفيذ لأجندة خارجية انطلاقا من نظرية المؤامرة، نحو تقسيم الوطن العربي من جديد لاسيما بعد انتقال العدوى إلى دول أخرى كمصر وليبيا… حيث يذهب المفكر محمد حسنين هيكل إلى تشبيه ما حدث بمثابة “سايس بيكو جديد” نتيجة وجود الوطن العربي اليوم أمام “ثلات مشاريع ونصف” تسعى لتقسيمه واستغلال موارده فيقول: ” على الساحة الآن وبالتحديد ثلاث مشروعات ونصف ..الأول غربي يبدو مصمماً ولديه فعلاً من أدوات الفعل  والتأثير ما يشجع طلابه، والثاني مشروع تركي يبدو طامحاً، والثالث مشروع إي ارني يؤذن من بعيد على استحياء ثم أخي اًرً نصف مشروع أو شبح مشروع إس ارئيلي يتسم بالغلاظة[13]. وفي هذا السياق أيضا يندرج ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كيسنجر” في ربطه للح ارك العربي بالدور الأمريكي المسبق في رسم معالمه إذ يقول: “إن هناك سبع دول عربية تمثل أهمية إست ارتيجية واقتصادية للولايات المتحدة. وكل الأحداث التي تجري في هذه الدول تسير بشكل مرضي للولايات المتحدة وطبقاللسياسات المرسومة لها من قبل”.

  أحداث المسار الانتقالي في تونس:

    تعود بداية أحداث الح ارك في تونس إلى يوم 81 ديسمبر 2010 أين خرج آلاف المحتجين بمدينة سيدي بوزيد للتعبير عن السخط العام على أوضاع التهميش، والتضامن مع الشاب “محمد البوعزيزي” الذي أضرم النار في جسده كرد فعل على تعامل قوات الأمن معه، على إثر ذلك انطلقت المظاه ارت وخرج آلاف المتظاهرين ال ارفضين للكثير من السلبيات الموجودة من بطالة وعدم وجود عدالة اجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم، حيث شملت المظاه ارت مدناً عديدةً في تونس وكان عدد الثوار يت ازيد بشكل مستمر ويت ازيد معه حماسهم وشجاعتهم  يوماً بعد يوم، وبدأ الأمر يخرج عن نطاق السيطرة الأمنية، وهو ما دفع النظام السياسي في تونس لاستخدام أساليب وطرق مختلفة في محاولة لإخماد هذه المظاه ارت, وقد تنوعت هذه الأساليب ما بين ترهيب وترغيب ولكنها فشلت جميعها في إيقاف طوفان الغضب التونسي[14].

   كما عمل النظام على خلق الفوضى عبر سحب قوات الأمن من الأحياء والشوارع، ما أدى إلى انتشا ار عمليات نهب وسلب واسعة، فالبرغم من الطابع الإج ارمي لهذه العمليات، إلا أن أغلبها كان بدافع الجوع، ولمواجهة عدم الاستق ارر الذي تسبب فيه الف ارغ الأمني، ولتجاوز ذلك شكل الشباب التونسي بالتعاون مع الأهالي (لجان حماية) لغرض المحافظة على الأمن وسلامة الأهالي.

    وقد لعب المجتمع المدني دوار كبي ار في الدفع بالحركة الاحتجاجية لبلوغ مستوى النضج، وكان أهمها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي نافس من خلال دوره الحزب الدستوري في المشروعية التاريخية، والقدرة التنظيمية، الأمر الذي ساعد على إنجاح الانتفاضة التونسية، خاصة مع ظهور تحالف واسع بين مختلف فئات المجتمع المدني في مواجهة نظام بن علي، فبالرغم من أن الانتفاضة بدأت على أرضية مطلبية من قبل الشباب العاطل عن العمل فان التفاف الأح ازب السياسية والاتحادات العمالية والمهنية، والمثقفين والفنانين حول الشباب، وتضامنهم معهم وانضمامهم إلى حركتهم الاحتجاجية، كل ذلك ساعد على توسع نطاق الانتفاضة طبقيا ومناطقيا، مما أدى إلى ت ازيد الضغوط على النظام بشكل غير مسبوق[15].

   أدت الأحداث التونسية –بشكل مفاجئ– إلى تنحي الرئيس السابق زين العابدين بن علي عنمهامه وتفويضها بشكل مؤقت إلى الوزير الأول وفق الفصل 65 من الدستور. وسرعان ما تم الإعلان – في غضون ساعات – عن الشغور النهائي لهذا المنصب واللجوء تبعا لذلك للفصل 57 من الدستور الذي يتولى بمقتضاه رئيس مجلس النواب الرئاسة بشكل مؤقت لفترة تت اروح بين خمسة وأربعين وستين يوما ينظم خلالها انتخابات رئاسية1. فقد أعلن محمد الغنوشي عن توليه منصب الرئاسة، غير أن خطوته وجدت معارضة صريحة من خب ارء قانون دستوري ت ونسيين، وبحلول صباح اليوم التالي 51 يناير،  أُعلن من جديد عن ف ارغ منصب الرئاسة في شكل دائم، ومن ثم تولي رئيس البرلمان المنصب، ولكن المدهش أن الرئيس المؤقت، “فؤاد المبزع” قام في كلمته الأولى للشعب التونسي بتكليف رئيس الحكومة السابق “محمد الغنوشي” بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تعمل على إج ارء انتخابات برلمانية في أسرع وقت، محاولة من المجموعة الحاكمة تطبيع الأوضاع، وٕإعادة التماسك والاستق ارر للنظام والدولة، وٕإضفاء شرعية دستورية على عملية التطبيع2.

    وبعد الرفض الشعبي لحكومة الغنوشى الانتقالية  اضطرها ذلك إلى التقدم باستقالة جماعية،  وتعيين الباجي قائد السبسي رئيسا للحك ومة وهنا بدأ مسار الأحداث يشهد تطوارت نبأت عن رغبة عارمة في تغيير نظام بن على بالكامل، حيث تقدم المحتج ون بمجموعة من الطلبات منها3:

  • إيقاف العمل بالدستور وحل مجلسي النواب والمستشارين، بالإضافة إلى حل حزب التجمع الدستوري الحاكم بحكم قضائي وتصفية أمواله وممتلكاته.
  • إج ارء انتخابات مجلس شعبي تأسيسي على أن تكون مهمة المجلس صياغة دستور جديد يتم بعدها التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية.
  • تكوين الهيئة العليا لتحقيق أهداف (الثورة) والإصلاح السياسي والتحول الديمق ارطي وتضمممثلي الأح ازب والمنظمات والخب ارء وممثلين عن الشباب تكون مهمتها إعداد النصوص التشريعية ذات العلاقة بالتنظيم السياسي واقت ارح الإصلاحات الكفيلة بتحقيق أهداف (الثورة) إلى حين انتخاب مجلس تأسيسي يتولى دوره التشريعي والرقابي.
  • سن العفو التشريعى العام عن رموز المعارضة من المقيمين والمنفيين.

   وفي خضم هذه التجاذبات أضحت تونس تعانى حالة ص ارع سياسي بين ما يمكن تسميته بالنخب القديمة والنخب الجديدة خلال المرحلة الأولى من مسار التحول الديمق ارطي الذي شهدته الدولة بإج ارء انتخابات المجلس التأسيسي واختيار الرئيس الذي يقود ذلك المسار في مرحلته الانتقالية وما يرتبط بها من تأسيس وتكوين مؤسسات وهيئات يانتقال ة تتم عبرها عملية التحول تلك، ولأنها مرحلة انتقالية سمتها الأساسية عدم الاستق ارر وصولا لتشكيل مؤسسات مستقرة فمن الطبيعي أن تشهد حالة من الص ارع بين القوى السياسية المحسوبة على نظام بن على وبين القوى الجديدة التي أفرزتها الثورة سواء تلك القوى (الثورية) التي تتخذ من الشارع وسيلة الضغط الأساسية تحقيقا لأهداف الثورة أو تلك التي عادت إلى واجهة العمل السياسي بعد سنوات من الحرمان على اعتبارها كيانات وحركات حزبية محظورة أو تلك القوى التي تمرست في العمل السياسي من اليساريين والليب ارليين والعلمانيين[16].  

 وبشكل عام عرف المشهد السياسي في تونس بعد الح ارك الشعبي حالة من التنوع، وتجلى ذلك على نحو خاص أثناء انتخابات المجلس التأسيسي في 32 أكتوبر 2011، تنافست خلالها 1500 قائمة حزبية ومستقلة، ضمت ما يقارب 01 آلاف و500 مرشح يمثلون 100 حزب سياسي، وساهمت الانتخابات في إنتاج خريطة سياسية جديدة تكونت من عدد من القوى البارزة التي تباينت ب ارمجها ومواقفها من كيفية إدارة المرحلة الانتقالية ،وانتقل المشهد الحزبي تدريجيا من التشتت والكثرة إلى الانتظام ضمن جبهات سياسية وازنة يمكن حصرها في أربعة أساسية هي: جبهة الترويكا الحاكمة ،والجبهة الليب ارلية، والجبهة اليسارية/القومية، وجبهة الإنقاذ[17].

المطلب الثاني: فشل الدولة في ليبيا   مفهوم الدولة الفاشلة:  

   مصطلح “الدولة الفاشلة” حديث الظهور نسبيا، ارتبط بالتحولات التي عرفها الاتحاد السوفيتي سابقا خلال نهاية ثمانينيات القرن العشرين، ومن ثمة دخل إلى النقاشات الأكاديمية كمفهوم جديد، يحاول تفسير تلك الأزمات السياسية الحادة التي برزت في عديد الدول، كالصومال، أفغانستان، البوسنة والهرسك…الخ. لكن استخدامه لم يحضى بضبط قانوني أكاديمي، وبقي مفهوما معياريا يخضع للاستعمال السياسي والاست ارتيجي، في التعاطي مع الأزمات السياسية التي انتشرت، وأصبحت منتجة ومغذية لانتشار عوامل التهديد نتيجة غياب الاستق ارر السياسي[18].

   لكن ذلك لم يمنع من وجود بعض المحاولات التي سعت إلى إخضاع مفهوم الدولة الفاشلة لضبط أكاديمي حيث كانت هناك بعض الد ارسات التي تناولت المفهوم وحولت التعريف به، لكن هذه التعريفات لم تحظى بإجماع أكاديمي، وبقيت ترتبط بمفاهيم السيادة والأمن الإنساني، وٕإشكالات التهديد وانتشار العدوى. ففي هذا السياق يرى “لرونالد زيمرمان” Roland Zimmerman أن الدولة الفاشلة “هي الدولة التي لا تملك قوة أو سلطة شرعية على إقليمها وهي الدولة التي لا تستطيع القيام بوظائفها الأساسية وخاصة احت ارم القانون)[19]. ويعرف “بيار سونركلاين” Pierre de Senarclens الدولة الفاشلة بأنها الدول التي لم تستطع إقامة السلم المدني، مما يؤدي إلى حالة شيوع من الفوضى المستديمة، هي دول يتواجد ممثلوها الدبلوماسيين في الخارج وفي المنظمات الدولية، لكن سيادتها تعتبر وهمية، كونها لا تستطيع ضمان الحد الأدنى من النظام العام والقانون داخل إقليمها”

   ويربط “دونالد بوتر” Donald Potter بين الدولة الفاشلة وغياب القدرة على تحمل مسؤولياتها اتجاه مواطنيها والتي تتضمن أداء ال وظائف المتعلقة بتوفير السلع السياسية مثل الأمن والصحة والتعليم والفرص الاقتصادية والحكم ال ارشد والنظام العام والقانون والبنى التحتية الأساسية مثل النقل والاتصال”. وهذا الطرح يذهب إليه كذلك باري بوازن، الذي يشير إلى أن قياس قوة الدولة، لا يتم إلا من خلال مع رفة مدى قدرة النظام السياسي على تسيير وضبط درجة التناسق الاجتماعي والسياسي والجغ ارفي، وبالتالي فإن أي دولة لا تستطيع تحقيق ذلك المعنى ولعل هذا التحليل يقترب قليلا منمفهوم السيادة كمحدد أساسي في معادلة القوة والتأثير1.

   وتنطلق عملية تحديد هذا المفهوم في الواقع، من تلك المظاهر التي تشكل التوت ارت والن ازعات العميقة عاملا هاما في إضعاف الدول وبناء الفشل، بحيث تؤدي نحو الانقسامات التي تتسم بالخطورة وتتجلى في التمردات المسلحة التي تقودها فصائل ضد القوات الحكومية، ويتخذ العنف طابعا تصاعديا ومستم ار فيها، يكون غرضه تحقيق مطالب سياسية وجغ ارفية، كالمطالبة بالاستقلال مثلا، ما قد يضعف قدرة الدولة المركزية، ويقود إلى تدهور المستوى المعيشي، ويزداد الأمر خطورة إذا ما اتخذ هذا الن ازع طابعا أهليا، بين تكوينات المجتمع، فيصبح الص ارع حول الأرض والموارد، وترتفع نسب الج ارئم ويتعطل عمل القوانين داخل إقليم الدولة،  وتصبح فعالية الحكومة الرسمية لا تتعدى السيطرة على العاصمة وحماية بعض المؤسسات الهامة، هذه العوامل وما سبقها إجمالا تعد عاملا محددا في الحكم على فشل أي دولة2.

 وابتداء من 2005 بدأ كل من “صندوق دعم السلام” “Fund for peace” ومجلة “Foreign Policy”، بنشر تقرير سنوي حول الدول الفاشلة يعتمد على أقوى وأكبر نظام لجمع المعلومات، الذي يضم أعداد هائلة من المصادر المفتوحة من أخبار ومقالات وتقارير إعلامية دولية ومحلية ووثائق عمومية وتقارير وازرة الخارجية الأمريكية بالإضافة إلى د ارسات مستقلة. كما يستعمل الصندوق كأداة للتحليل برنامج “Conflict assement system tools” التي تعرف اختصا ار بـ “Cast” وهي أداة لتقييم الص ارعات “Softwar indexes”.

  ترتب الدول بناء على 21 مؤش ار لإنكشافية الدولة “Indicators of state vulnerability” يت اروح كل مؤشر ما بين 1 إلى 10 (0 الأكثر استق ارر /01 الأقل استق ارر) ليكون مجموع النقاط التي تحتسب للدولة بناءا على هذه المؤش ارت 120 نقطة وتكون أعلى الدول حصولا على النقاط هي الأكثر فشلا[20]. وتتلخص ابرز المعايير في: الن ازعات الداخلية، تدهور الاقتصاد، عدم تفعيل دور مؤسسات الدولة وٕإدارتها، نسبة الجريمة، الضغط الديمغ ارفي، النزوح الداخلي والخارجي، وجودمجموعات الانتقام، عدم احت ارم حقوق الإنسان، وتدخل الدول الأخرى في شؤون الدولة الفاشلة[21].

  إلا انه وفي التقرير الأخير الذي ورد خلال 2014، تم الاستعاضة عن مفهوم الفشل “بالهشاشة” مع الإبقاء على نفس المعايير السابقة لقياس درجة الهشاشة البنيوية للدول ومدى الاستجابة. على اعتبار أن هذا المفهوم يتسم بنوع من المرونة والتكيف في التعاطي مع جميع النماذج المختلفة بسبب الدينامية التي تعرفها الدول، في التحرك عبر مسا ارت من الاستق ارر نحو الأزمة أو الص ارع، ثم تخرج منها مرة أخرى نحو الانتعاش والاستق ارر والتنمية[22].

  غير أنه تجدر الإشارة إلى أن التطابق النسبي أو الجزئي بين هذه المعايير، من خلال ارتفاع مؤش ارت الفشل، لا يمكنه أن يعطي حكما قطعيا بفشل أي دولة فحسب، بل ويطرح سؤالا جوهريا هو ،ما يمكن أن ينجر عن هذا الانهيار من اعتباره مناخا حيويا لبناء التهديد؟، هذا التفكير جعل من التحول في اعتبار انهيار الدول، مسألة إنسانية أو قضية انتهاك لحقوق الإنسان كما ساد الاعتقاد في تسعينات القرن الماضي، إلى اعتباره بمثابة معضلة أمنية، حيث يسوق الباحث نعوم تشومسكي، من التجربة الأفغانية كمثال، حين استطاع قطاعا غير رسمي تمثل في تنطيم القاعدة الذي أخد من الدولة رهينة، وحولها إلى قاعدة انطلاق لعمليات الإرهاب الدولي[23].

ليبيا ومؤشارت الفشل الدولاتي:

    في ال اربع عشر من فب ارير 2011، أصدر (213) شخصية ممثلة لمجموعة من الفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية، بيانًا، يطالبون فيه بتنحي العقيد معمر القذافي،عن السلطة مؤكدين على حق الشعب الليبي في التعبير عن أريه بمظاه ارت سلمية لتحقيق هذا المطلب.

وفي 15 فب ارير احتشد في بنغازي عدد كبير من المحتجين المطالبين بالإف ارج عن (110) من السجناء السياسيين، الذين تعاملت معهم الشرطة بعنف مفرط، أفضى إلى سقوط قتلى. لتنطلق ش اررة الأحداث في أرجاء المدن الليبية بعد هذا التاريخ، وفي 20 فب ارير ،أعلنت أكبر قبيلتين في ليبيا (ترهونة  وورفلة) انضمامهما للثوار[24]، حيث سيطر الحضور القبلي على واجهة الأحداث ما بين  قبائل عُرفت بالتحاقها المباشر بالجماعات المقاتلة ،  وقبائل لم يكن بإمكانها القيام بأفعال أكثر نشاطا، أولأسباب أخرى هناك قبائل لأهميتها، حرص القذافي على محاصرتها للحيلولة دون انضمامها إلى الثوار، مثل قبيلة ترهونة ورشفانة التي تحتل مواقع إست ارتيجية حول ط اربلس، لكن الدور الذي قامت به هذه القبائل كان حاسما في تعجيل الإطاحة بالنظام خاصة بعد دورها في سقوط العاصمة ط اربلس.

  أمام هذا الوضع ونظ ار للدور البارز الذي لعبته القبيلة  في واجهة الأحداث ظهر نوع من تصنيف المناطق على طول الخطوط القبلية، بصدارة  مدن معينة على غ ارر مص ارتة والزنتان لواجهة المعارك ،بل أدى مسار ومشاهد الأحداث إلى ما يمكن وصفه بعملية استقطاب اجتماعي وسياسي من خلال هذا الدور الرئيسي للقبيلة، حيث أصبحت ليبيا مقسمة بشكل واضح بين القبائل والمناطق النشطة في الح ارك الليبي من جهة، وأولئك الذين كانوا سلبيين أو تم تجنيدهم من قبل كتائب القذافي[25].

   في خضم ذلك، سارع قادة الح ارك الليبي لتشكيل المجلس الوطني الانتقالي أوائل مارس 2011، ليكون واجهة لهذا الح ارك أمام العالم الخارجي، وهو أول نقطة فاصلة في مسار إسقاط السلطة التي كانت قائمة، إذ أدى لنشأة كيان جديد في البلاد قبل سقوط النظام، حيث استحوذ  هذا المجلس على شرعية ثورية نازع بها شرعية نظام القذافي الذي سريعا ما فقد السيط رة على شرق البلاد في أسبوع واحد، نتيجة للمعارك الكبيرة التي قادتها المعارضة ضد نظام القذافي الذي كانت قواته تتقدم في مناطق أخرى بقوة السلاح وما ارفق ذلك من مجازر ومظاهر دموية، دفعت بالكثير من أعضاء النظام لإعلان انشقاقهم وانضمامهم للأحداث المتصاعدة ضد نظام القذافي كخطوة يمكن أن تساهم في إسقاطه. كما اتخذ المجتمع الدولي العديد من الخطوات التصعيدية ضد القذافي لإرغامه على التنحي وتمت إحالته وعدد من رجاله إلى محكمة الجنايات الدولية بسبب تورطهم في ج ارئم ضد الإنسانية[26].

أما ميدانيا فقد صاغ ق ارر مجلس الأمن 1973 والقاضي بتنفيذ حظر جوي على ليبيا، وق ارر الجامعة العربية رقم 7298 والقاضي بضرورة تحمل مجلس الأمن مسؤولية تدهور الأوضاع في ليبيا ،المبرارت القانونية اللازمة لقيام الحلف الأطلسي بالتدخل عسكريا  وتوجيه ضربات لم اركز القيادات وخطوط الإمداد الرئيسية لقوات القذافي، بعد تقدمها نحو مدينة بنغازي، ليتم بذلك استهداف مواقع ثقل قوات النظام وتدميرها أو إضعافها[27]، لتجرى المعارك الأخيرة للص ارع الذي دام ثمانية أشهر حول المعاقل الأخيرة للقذافي في بني وليد، جنوب غرب مص ارتة، وسرت[28].  وفي 32 أكتوبر، وبعد ثلاثة أيام من مقتل القذافي وسقوط سرت – مسقط أرس الزعيم وآخر معاقل الموالين له – أعلن المجلس الوطني الانتقالي بأن ليبيا تحررت بالكامل[29]، ليبدأ عهد جديد في ليبيا، والذي اتسم بغياب مظاهر الدولة، وبروز ص ارع بين القوى التي افرزها هذا الح ارك تمثلت في قوى الداخل أو من معارضة الخارج، والنخب الموروثة من عهد القذافي سواء المؤيدة له أو المنشقة عنه والمعارضة على الثروة والنفوذ والسلطة في ليبيا. كما يعبر هذا الص ارع عن رغبة الطرفين في تصفية حساباتهما منذ عهد القذافي. فالميليشيات وكتائب الثوار السابقين ترفض تقوية الجيش من أجل إبقاء سيطرتها على العديد من المناطق، بالإضافة لاتخاذ بعض التيا ارت الجهادية مواقف متشددة ضد الدولة والجيش عموما باعتبا رهما أدوات في يد قوى خارجية وممثلين لاتجاهات غير إسلامية[30].

   كما عجزت الدولة الليبية عن الحفاظ على الأمن وفرض النظام حتى في العاصمة ط اربلس المستباحة من قبل الأط ارف المتقاتلة ،وتعتمد في بقائها على دعم الميليشيات الموالية لها ،بينما هي عاجزة حتى عن إجبار منتسبيها على الالت ازم بق ارارتها على مستوى آخر فإن الأزمة بينت مدى الاضط ارب في المنظومة العسكرية ويظهر ذلك في الانقسام بين الولاء لرئاسة الأركان  وقادة الميلشيات[31] التي لعبت  دواًرً حاسماً  في الإطاحة بنظام القذافي  وباتت تشكل اليوم مشكلة كبيرة بعد سقوط النظام،  وعددها يكتنفه الغموض؛ حيث يقدرها البعض بمائة ميليشيا، في حين يقدرها آخرون بثلاثة أضعاف هذا الرقم،  وُذي كر بأن أكثر من 000,521 ليبي كانوا يحملون السلاح بعد نهاية الأحداث، ولا تنظر هذه المجموعات إلى نفسها على أنها تعمل تحت قيادة سلطة م ركزية؛ حيث أنها تتبع إج ارءات منفصلة في تسجيل أعضائها وأسلحتها وفي إج ارءات اعتقال واحتجاز المشبوهين. وقد اصطدمت هذه المجموعات ببعضها على نحو متكرر[32].

   ويرتبط تكاثر عدد الميليشيات، الذي يعود في جذوره إلى الوسائل التي أطيح بالقذافي من خلالها، اليوم إلى عدد من الخصائص الأخرى للمشهد السياسي. فهناك من جهة غياب حكومة فعّالة وتمثيلية وشرعية بشكل كامل، وهناك الانقسامات المجتمعية الكبيرة (بين المعسكر ذي الاتجاه الإسلامي والمعسكر ذي الاتجاه العلماني، إضافة إلى الانقسام بين ممثلي النظامين القديم والجديد) من جهة أخرى[33]. كل هذه الأوضاع ساهمت في تعميق الأزمة الليبية وتصاعد موجات العنف والص ارع، بهدف الاستحواذ على أكبر قدر من النفوذ وولاء المواطنين الليبيين من جهة ،وٕإضعاف الأط ارف الأخرى من جهة ثانية.

المطلب الثالث: الاحتجاجات الشعبية في الجازئر، المغرب وموريتانيا. 

    لم تبقى الدول المغاربية الأخرى (الج ازئر، المملكة المغربية، موريتانيا) بمنأى عن موجة الحركات الاحتجاجية إذ اجتاحتها هي الأخرى بعض المظاه ارت والمحاولات للتغيير بالرغم من محدوديتها الشعبية حيث انحصرت في إطار ضيق يتمثل في بعض التنظيمات السياسية المعارضة في موريتانيا ،والحركات اللانظامية (التي لا تخضع لأي تأطير حركي منظم كالأح ازب السياسية) في المملكة المغربية حيث قاد الاحتجاجات شباب 52 فبراير، أو المظاه ارت الشبابية المطلبية في الج ازئر والتي حاولت المعارضة السياسية تحويلها إلى حركة منظمة، وأيضا انحصارها من الناحية الجغ ارفية في حيز محدود تركز على العواصم والمدن الكبرى، ومن جهة ثالثة لم تمتد لفترة زمنية طويلة إذ لم تتسم بالديمومة مثل المظاه ارت (السبتية) في الج ازئر.

  هذه الملاحظات حول الحركات الاحتجاجية في الدول الثلاث لا تنفي قدرتها على التأثير في المسار السياسي، بالرغم من فشلها في إحداث زخم مشابه للانتفاضة التونسية وٕإحداث تغيير ارديكالي، إلا أنها استطاعت دفع الأنظمة السياسية للقيام ببعض الإصلاحات تجنبا لأي إنزلاقات قد تؤدي إلى تهديد استم اررية الأنظمة في هذه الدول التي وجدت نفسها بين مطرقة النموذج التونسي وسندان النموذج الليبي.

 مفهوم الاحتجاج الشعبي:

  ظاهرة الاحتجاج من الظواهر الإنسانية التي تعد أسلوبا من أساليب التعبير ال ارفضة أو ال ارغبة في أمر ما، وتسعى إلى تحقيقه باستعمال أحد الإشكال أو الأنماط المختلفة للفعل الاحتجاجي، فالحركات الاحتجاجية، هي بمثابة فعل مصاحب لتطور جميع الأنظمة، لكن في النظم الديمق ارطية عادة ما تؤدي إلي تطوير النظام ولفت انتباهه إلي ثغ ارت ومظالم اجتماعية أو تهميش سياسي يؤدي إلي تحسين أدائه وأحيانا تجديد نخبته. أما في النظم غير الديمق ارطية فإنها تكرس وربما تعمق أزماته، لأنه يعجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين السياسية، وقد يستجيب لجانب من المطالب الاجتماعية عن طريق تغيي ارت في بنية العلاقة بين النظام والمحتجين، ويعمل علي التحايل عليها، فيلبي جانباً، ويرفض ج وانب كثيرة مما تجعله غير قادر على الاستفادة منها من أجل التطور الديمق ارطي والانفتاح السياسي[34].

   يرجع استخدام مصطلح الاحتجاج في العصر الحديث إلى الاهتمام بتلك الحركيات الاجتماعية المتمثلة في سلوك التظاهر والاعتصام، كمظاهر احتجاجية خلال القرن التاسع عشر، حيث يعد الكاتب الأمريكي ديفيد هنري David Henry  أول من استعمل، هذا المفهوم،  في مقال شهير له نشر سنة  1849، بعنوان  “العصيان المدني”[35]. إلا أن هذا المفهوم أخد تفسي ارت نظرية متعددة، لاسيما في مجال علم الاجتماع السياسي. حيث عنت نظرياته بتقديم تفسي ارت مختلفة للحركات الاحتجاجية ،ودوافع ظهورها، فربطت الكثير منها نشأتها بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في حين ركزت نظريات أخرى على السلوك الجمعي والانسلاخ الاجتماعي، الحرمان النسبي، في ق ارءة تطور الحركة الاحتجاجية، وانحسارها إلى أف ارد الطبقات الفقيرة والوسطى، أما د ارسات أخرى فقدمت تفسي ار اقتصاديا نتيجة إتباع الدولة لسياسات اقتصادية خاطئة، تزيد من حدة الاختلالات الاقتصادية داخل المجتمع من فقر وبطالة، وتدني مستوى معيشي، تنشأ معها أوضاع غير مألوفة في المجتمع ( جريمة، عنف، طلاق، مخد ارت…)، وتقود نحو مزيد من عدم الاستق ارر، وتؤدي إلى بروز مزيد من الحركات سعيا إلى تغيير وضع المجتمع3.

  يركز الأمريكي تيد روبرت غير Ted Robert Gurr في كتابه لماذا يتمرد البشر؟ على فكرتينأساسيتين ،”هما العنف السياسي، والحرمان النسبي، فالحرمان النسبي الذي تعاني منه الشعوب أو الجماعات قد يكون سببا رئيسيا لتمرد البشر، وهو ما ينجم عنه عنف سياسي، فكلما ازدادت شدة الحرمان النسبي ونطاقه، ازداد حجم العنف الجماعي المتوقع، ويعرف “روبرت غير” الحرمان النسبي على أنه إد ارك الأط ارف الفاعلين للتناقض بين توقعاتهم، وقد ارتهم المتعلقة بالقيم، وتتمثل توقعات القيم بالسلع، وظروف الحياة التي يعتقد البشر أن لهم الحق فيها، أما قد ارت القيم فهي السلع والظروف التي يظنون أنهم قادرون على الحصول عليها والاحتفاظ بها”[36].

  لكن ربط “غير” العنف السياسي للبشر بالسخط الذي يتولد عند عدم تلبية النظام السياسي لحاجاتهم المادية، يبقى أم ار نسبيا، لأن أحيانا تكون دوافع غير مادية وارء احتجاج البشر، فالبحث عن “العدالة” و”الك ارمة” و”الحرية ” و”الديمق ارطية” قد تكون من أولويات الفعل الاحتجاجي.

  يذهب البعض الآخر إلى أن غياب الحرية السياسية والمشاركة السياسية، يدفع لظهور قوى مهمشة سياسيا، فيقدم بارتا تشاتري Partha Chaterjee دافعا قويا لظهور الحركة الاحتجاجية، كنتيجة طبيعية لتهميش المجتمع سياسيا، وشعوره بالاغت ارب السياسي، وغياب دور الوسطاء السياسيين (مؤسسات المجتمع المدني) في الحوار والاتصال بالسلطة، لتظهر الحركة الاحتجاجية كفعل سياسي يهدف إلى إيصال المطالب الأساسية لأف ارد المجتمع إلى السلطة.

   ويؤكد “فرنسوا شازل”  Francois Chazelأن الحركة الاحتجاجية هي “بمثابة فعل جماعي للاحتجاج بهدف إق ارر تغي ارت في البنية الاجتماعية والسياسية”. لكن الحركة الاجتماعية قد تتسم بدرجة من التنظيم لبلوغ هدف التغيير والتجاوز ،كما أنها قد تلتزم بنوع من التعبير غير السلمي، وغير المنظم نسبيا، وتنخرط في مظهر من مظاهر الاحتجاج العنيف المختلفة. وهذا ما يتوقف عليه طبيعة ومدى حساسية القضية المولدة للحركة الاحتجاجية[37].

1 -الحركات الاحتجاجية في الجزائر 2011 :

   تعد ظاهرة الاحتجاجات لازمة لتطور الدولة الج ازئرية، حيث ومند الاستقلال حاولت مجموعة من الحركات الاجتماعية، وبعض النخب، استخدام أساليب احتجاجية للتعبير عن رفض سياسات السلطة ،أو المطالبة بحق من الحقوق سواء الاجتماعية أو السياسية، أو الثقافية، ولعل أهمها نجد ،(أزمة التعريب 1965، أحداث القبائل1980، أحداث أكتوبر1988…).

  ابتداء من مطلع جانفي 2011 برز منحى تصاعدي للحركات الاحتجاجية، التي اتخذت أشكالامتعددة، وارتبطت بفئات مجتمعية مختلفة، ويمكن تقسيم تلك الأحداث إلى ثلاثة مظاهر بارزة:

  • أحداث الزيت والسكر.
  • احتجاجات السبت.
  • أحداث الجنوب.

1-1أحداث الزيت والسكر:

  ارتبط إطلاق هذا الوصف بتلك الاحتجاجات التي انطلقت مباشرة، بعد سريان ق ارر زيادة أسعار بعض المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، أبرزها الزيت والسكر، وكانت الانطلاقة من ولاية وه ارن يوم 03 جانفي، ثم بعدها بيومين في أحياء العاصمة، لتعرف انتشا ار واسعا نحو مدن الشرق الج ازئري[38]. وخلفت هذه الاحتجاجات 05 قتلى وأزيد من 600 جريج، منهم 300 شاب و320 شرطي، بحسب تصريحات منسوبة لوازرة الداخلية[39].

   تعد هذه الموجة من الأحداث من أعنف الاحتجاجات التي عرفتها الج ازئر بالرغم من أن العنف فيها لم يتعدى الرمزية، واقتصر على بعض عمليات التخريب، بغرض لفت الانتباه، لكن الاختلاف يكمن في كونها جاءت في سياق وضع إقليمي غير مستقر، نتيجة للأوضاع التي كانت تعرفها تونس. هذا ال وضع دفع بالرواية الرسمية على لسان وزير التجارة، إلى اعتبار ما حدث لا يعدو كونه مطالب شعبية ارفضة للارتفاع في أسعار المواد الغذائية، التي اعتبرها تخضع لتحولات السوق الدولية[40]، لكنه طمأن بأن الحكومة تعمل على إيجاد حلول عاجلة من خلال تخصيص 35 مليار دينار لدعم استق ارر أسعار هذه المواد محليا. ونجحت الحكومة في رهانها حول ما حدث من خلال ربطه بأسباب اقتصادية بحثة (ارتفاع أسعار المواد الأساسية)، وٕإبعاده عن دائرة التوظيف السياسي، أو محاولة استثماره لمجا ارة التجربة التونسية في تطورها نحو المطالبة بالتغيير وٕإسقاط النظام[41].

   وتتمثل الظروف التي ميزت هذه الاحتجاجات بشكل عام في العشوائية وضعف التنظيم، وغياب الشعا ارت، حيث برز حضور شباب الأحياء الشعبية، والفئات الفقيرة، على اعتبار أن الحدث اقتصادي واجتماعي يمس بشكل مباشر الوضعية المعيشية للمواطنين، ورغم محاولة بعض الأح ازب السياسيةالمعارضة والمنظمات الانخ ارط في هذه الأحداث من خلال دعمها، وتحميل النظام السياسي مخرجات سياساته إلا أن المحتجين رفضوا أي محاولة استغلال لهذه الأحداث التي قد يتم الالتفاف عليها وتوجيهها نحو محاكاة تجربة تسعينيات القرن الماضي، من خلال ربط ما حدث بمطالب سياسية محلية، ووضع إقليمي مساعد، ناهيك عن نجاح الحكومة في التعامل مع هذه المطالب على أساس اجتماعي نتيجة الوضع المالي المريح الذي يسمح بش ارء السلم الاجتماعي. هذا المتغير الذي أصبح فيما بعد بمثابة سلوك ناظم لتعاطي النظام السياسي مع كثير من الأحداث اللاحقة.

1 2-احتجاجات السبت:

  ترتبط هذه الأحداث بتلك المسي ارت التي اعتزم حزب “التجمع من اجل الثقافة والديمق ارطية” المعارض تنظيمها في سياق الظروف التي عرفتها الج ازئر بداية 2011، وانخرطت فيها بعض الأح ازب والمنظمات الوطنية، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الوطنية، وتم اختيار يوم السبت من كل أسبوع باعتباره يوم عطلة، لتنظيم مسي ارت بالجازئر العاصمة مع إمكانية توسيعها لتشمل باقي الولايات الأخرى.

  في يوم 22 يناير 2011، قام أعضاء حزب التجمع من اجل الثقافة والديمق ارطية بتحدي ق ارر السلطات ال ارفض للترخيص بإقامة أي مسي ارت داخل العاصمة، وحاولوا بقيادة  رئيسهم سعيد سعدي التجمع بساحة أول ماي استعدادا للسير نحو مقر المجلس الشعبي الوطني للمطالبة بالإف ارج عن السجناء الذين اعتقلوا خلال المظاه ارت الأخيرة، ورفع قانون الطوارئ الساري مند 1992. لكن الإج ارءات الاستثنائية التي اتخذتها قوات الأمن حالت دون تنظيم هذه المسيرة، التي تحولت فيما بعد إلى تجمع أمام مقر الحزب.

 في يوم السبت 29 يناير 2011 شهدت ولاية بجاية مسيرة مطالبة بالتغيير، شارك فيها مئات الأشخاص، بما فيهم طلبة الجامعات والثانويات، كان قد دعا إليها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمق ارطية، ثم تلتها مسي ارت متكررة في مدينة تيزي وزو. في حين واصلت السلطات تضييق الخناق على محاولات حزب سعيد سعدي، في تنظيم أي مسيرة في الج ازئر العاصمة.

  وعرف هذا الأسبوع ميلاد “تنسيقية وطنية للتغيير والديمق ارطية”، ضمت ممثلين عن ” حزب التجديد الج ازئري، وحركة الإصلاح الوطني، والحركة من أجل الشباب والديمق ارطية، وحركة الانفتاح، وكذا جمعية العلماء المسلمين، ومنظمات نقابية مستقلة، وشخصيات سياسية منهم رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور”. وفي محاولة للضغط على السلطة، وجهت نداء على عزمها تنظيم مسيرة ضخمة بالعاصمة، لكن ونظ ار لل وزن السياسي للتنسيقية أبدت الحكومة أكثر ليونة هذه المرة، ودعت التنسيقية إلى تنظيم تجمع شعبي داخل القاعات. لكن نشطاء التنسيقية، أصروا على الخروج إلى الشارع، وفيالسبت 21 فيفري 2012 شارك أكثر من 800 ناشط، في تجمع بساحة أول ماي حاملين شعا ارتتطالب بالرحيل وتغيير النظام[42].

   تواصلت احتجاجات يوم السبت بانتظام لفترة تزيد عن الشهرين، لكن وفي ظل ضعف الاستقطاب ،بدليل انحساره في معاقل التنظيم (تيزي وزو وبجاية)، وظهور مسي ارت مناوئة، ونجاح السلطات في مواجهة مسي ارت التنظيم، بالتضييق عليها، وقد شاركها بعض المواطنين ال ارفضين لمثل هذه الدعوات برمي المجتمعين بالبيض كما حصل مع سعيد سعدي، والناشط الحقوقي يحي عبد النور. مما قادها نحو الفشل دون أن تحدث أي تأثير بالمقارنة مع الأحداث التي سبقتها. 

 13 أحداث الجنوب:

شهد الجنوب الج ازئري هو الآخر العديد من الاحتجاجات التي تباينت في أسبابها ومدتها الزمنية ،وكذلك طريقة تعامل السلطة السياسية معها.

1 3– –1 أحداث ورقلة:

  شكلت الأحوال الاقتصادية السيّئة وضعف التنمية المحلية في مناطق الجنوب وارتفاع نسب البطالة، دافعا قويا لدى سكان ولايات الجنوب، وقد بدأت الاحتجاجات في الجنوب الج ازئري في شهر فيفري 2013 عندما تظاهر مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل أمام مقرّ  “الوكالة الوطنية للتشغيل” بورقلة،  وقام خرّيجو الجامعات منهم بحرق شهاداتهم الجامعية احتجاجًا على أوضاعهم المعيشية والبطالة، وقد جابهت مصالح الأمن هذه التظاه ارت بأساليبَ قمعية، منها استخدام الغا ازت المسيلة للدموع، وضرب المتظاهرين وتفريقهم بالقوّة، إضافةً إلى أساليب التخويف والمحاصرة الأمنيّة من خلال التحقيق مع الداعين إلى التظاه ارت واستجوابهم واحتجازهم، وتحويلهم إلى القضاء بتهم تجمهر غير الشرعي[43].

    تسبب هذا التعاطي الأمني العنيف مع المحتجين في رفع درجات التذمر، واتساع مظاهر الرفض والتضامن من طرف سكان الولايات الجنوبية المجاورة، فعرفت دائرة الاحتجاجات اتساعا مطردا ،وحمل المتظاهرون شعا ارت تندد بالتهميش، وضعف التنمية المحلية، ومشاكل السكن، وانتشار البطالة، وطالبوا بأولوية شباب المناطق الجنوبية في التوظيف بالشركات الاقتصادية العاملة في الجنوب، خاصة الشركات النفطية كسوناط ارك، التي يسود اعتقاد عام بأن وجود مقر المديرية العامةبالعاصمة يفتح الباب أمام شبهات التوظيف غير القانوني، ما يحول دون حصول أبناء الجنوب على  مناصب عمل في مؤسسات موجودة بمناطقهم[44]، في هذا الصدد تم إنشاء  “اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالين”، والتي حاولت تأطير الشباب الغاضب، حيث قامت بتنظيم مجموعة من المظاه ارت كتلك التي دعت إليها بولاية الوادي، في 30 مارس 2013، تحت شعار ” مليونية لإقامة دولة القانون.

    اتسمت جهود الدولة أمام هذا الوضع المتأزم باتخاذ جملة من الإج ارءات العملية، حيث لجأت إلى  تغيير ولاة ستة ولايات جنوبية، وهي ورقلة، تمن ارست، اليزي، تندوف، البيض، والوادي، وفيما بعد والي غرداية، كما أعلنت عن عدد من الإج ارءات من أجل تكوين شباب الجنوب، وتوظيفهم في الشركات الطاقوية، لكن الشباب لم يثقوا بوعود الحكومة، بسبب خبرتهم السابقة بمثل هذه الوعود التي لا  يلتزم بها، واستمروا في الاحتجاج، وطالبوا بلقاء المسؤولين الحكوميين الرسميين بشكل مباشر، من أجل مناقشة مطالبهم، ووضع الآليات الفعالة لضمان تنفيذها، لكن السلطة حاولت تفريغ هذه الاحتجاجات من الشرعية، مستخدمة خطابا إعلاميا وسياسيا يصفها بأنها احتجاجات ذات طابع جهوي،  وقد تكون لها مطالب انفصالية[45].

1 3– –2 أحداث غرداية:

    تعرف أزمة غرداية خصوصية تتعدى الاحتجاجات التي عرفتها الج ازئر مند 2011، حيث تكتسي طابع الركود عادة، وتتجه نحو منحى تصاعدي تارة أخرى، وتتخذ من العنف أسلوبا تبادليا بين أط ارف الأزمة، رغم مساعي التهدئة، والجهود المبذولة محليا ومركزيا، في محاولة لإنهاء الص ارع الدائر بين الإخوة الفرقاء، ولعل  تعقيدات الوضع في غرداية له مبرارته، نتيجة للنسيج الاجتماعي والطابع العم ارني، الذي تتميز به هذه المنطقة.

  تعود ش اررة الأحداث التي كانت مدينة “بريان” مسرحا لها، إلى تصرفات بعض شباب المنطقة عشية احتفالات المولد النبوي الشريف، في الإف ارط في استعمال المفرقعات، الذي وصل حد الترهيب، الأمر الذي أدى إلى تطور صدامات بين شباب الأحياء، وأدخل المدينة في دوامة عنف، انتقلت فيما بعد إلى البلديات المجاورة”[46].

تنحوا الق راءات المتعددة في تفسيرها لما وقع في بريان منحنيات مختلفة، فمنهم من استعمل عبارة”الفتنة الطائفية” لوصف حدة العنف بين “العرب” و”بني مي ازب” اعتمادا على اختلاف التصنيف الإثنيللفريقين المتصارعين، ومنهم من أرجع ذلك لوجود مذهبين دينيين مختلفين هما المذهب المالكي والمذهب الإباضي مستعملا في تفسي ارته وق ارءاته عبارة “الفتنة المذهبية”، ومنهم من وضع هذه المواجهات في منطق استم اررية عدم الاعت ارف الرسمي بـ” أزمة الأقليات” في الج ازئر على اعتبار أن مي ازبيي المنطقة يمثلون أقلية إثنية  ومذهبية، ومنهم من ربط هذه الأحداث بفشل وضعف منطق الدولة المركزية في التعامل مع الخصوصيات المحلية للعديد من مناطق الج ازئر وفي هذه الحالة لا تمثل غرداية استثناء نظ ار لوجود العديد من الخصوصيات المحلية في مناطق مختلفة من الج ازئر، ومنهم من رجح فرضية تأثير “المؤامرة”، “اليد الخارجية” . ومهما يكن من أمر التحقيقات وحقيقة الأمر، فان استم ارر هذه الأزمة، ببعدها السوسيو ثقافي بدون شك يعد عاملا مؤث ار نحو بناء تماسك وطني حقيقي يقود إلى المشاركة في عملية التنمية وتثمين الجهود المبذولة نحو ذلك”[47].

  بالإضافة إلى ما سبق، نجد الاحتجاجات المهنية  التي تعرفها مختلف القطاعات والمؤسسات ،وتهدف إلى تحسين الوضع المهني والاجتماعي للعمال، وهي التي تعبر عن نفسها عن طريق الإض اربات القطاعية والمسي ارت ذات البعد الوطني، هذه المطالب التي تملك قوة تفاوضية كبيرة في ظل الوضع المالي للبلاد،  وتتسم أساليبها بنوع من التنظيم والسلمية، وتؤطرها تلك الحركات الاجتماعية المتمثلة في النقابات والحركات العمالية[48].

  • – الاحتجاجات في المملكة المغربية:

   لم تخرج الاحتجاجات في المغرب عن سياق الح ارك العام الذي كانت تشهده المنطقة المغاربية ،حيث  أطلق نشطاء شباب حملة واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تدعو إلى التظاهر بهدف الضغط على النظام الملكي، لإق ارر إصلاحات دستورية وسياسية، وتحسين الوضع الاجتماعي للشعب المغربي. لقيت هذه الحملة تجاوبا شبانيا، وتجسدت في تأسيس حركة 02 فيفري، والتي ضمت نشطاء ثلاث صفحات فيسبوكية هي: حرية وديمقارطية، الشعب يريد التغيير، ومن أجل الك ارمة الانتفاضة هي الحل. لقيت الدعوة تجاوبا جماهيريا كبيار، وانصهرت فيها العديد من القوى السياسية والمنظمات الحقوقية ،التي أعلنت دعمها لدعوات الإصلاح التي دعت إليها الحركة.

في 02 فبارير شهدت المدن المغربية مسي ارت حاشدة، حيث قدر عدد المتظاهرين بحسب وسائلالإعلام بحوالي 150 ألف متظاهر، كان أهمها بالعاصمة الرباط، وحملت خلالها شعا ارت سياسيةواقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية كان أهمها:

  • تعديل الدستور وٕإق ارر نظام ملكي، يقوم على الديمقارطية البرلمانية.
  • إق ارر المزيد من الحريات العامة.
  • تحقيق العدالة الاجتماعية، وم ارجعة سياسة توزيع الثروة.
  • دسترة اللغة الامازيغية كلغة وطنية، والعمل على تثمينها.
  • تشديد سياسات الرقابة ومحاربة الفساد، وٕإطلاق س ارح السجناء السياسيين[49].

  مثلت هذه المطالب حركة 02 فيفري، لكن المسي ارت لم تخلو أيضا من بعض الأصوات المنادية برحيل حكومة عباس الفاسي ،ومحاسبة بعض المسؤولين، كما أن اتساع دائرة الاحتجاجات(35 بين مدن وقرى) إلى القرى والمدن الصغيرة، فتح المجال لشعا ارت محلية كالتهميش و(الحقرة)، والسكن ،والكهرباء. وتواصلت الحركة الاحتجاجية، على مدار أكثر من ثلاتة أشهر، وعرفت جنوحا نحو العنف في بعض الأحيان نتيجة للاستعمال المفرط للقوة من طرف رجال الأمن، كرد فعل على بعض العمليات التخريبية التي صاحبت هذه المسي ارت. وانتهت بتوجيه خطاب ملكي للشعب المغربي يوم 90 مارس 2011 يعبر من خلاله الملك على الشروع في إق ارر إصلاحات واسعة تمس جميع القطاعات ،ودعا المحتجين إلى ضرورة إد ارك واقع التحديات بالمنطقة المغاربية، والتحلي بروح المسؤولية، وعدم الانزلاق نحو أعمال العنف.

  • – الاحتجاجات في موريتانيا: استبقت أح ازب المعارضة الموريتانية بقيادة الرئيس الأسبق احمد ولد دادة ح ارك الشارع الموريتاني، وأطلقت دعوات للتظاهر عبر تنظيم مسي ارت ومهرجانات شعبية في العاصمة نواكشط ابتداء من يوم 21 يناير 2011، وبالرغم من تركيز قوى المعارضة على رهان الواقع الاجتماعي في محاولة لحشد تأييد شعبي من خلال حمل شعا ارت تندد بالواقع المعيشي للمواطنين. إلا أن هذه المبادرة لم تحضا بالتفاف جماهيري حولها، لاسيما بعد إقدام السلطة على تنظيم مهرجانات شعبية موازية لها، كان الهدف منها عرض حصيلة انجا ازت الرئيس محمد ولد عبد العزيز، والدعوة إلى الحوار والمحافظة على الاستق ارر لاستكمال بناء الدولة[50].

شكلت النداءات التي أطلقها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة البداية الفعلية للاحتجاجاتالشعبية في موريتانيا، وتمخض عن هذه الحملة إنشاء تنسيقية شباب 25 فب ارير، ت ازمنا مع أولىالمحاولات الميدانية التي انطلقت في ذات اليوم، والذي صادف يوم الجمعة، حيث انطلقت العديد من المظاه ارت عبر مختلف مساجد العاصمة نواكشط، وجابت شوارع المدينة الكبرى، وانتهت بساحة بلوكات التي تعد أحد أكبر ميادين العاصمة الموريتانية نواكشط وأكثرها حساسية وخطورة بسبب وقوعها في عمق المدينة بين المباني الحكومية ومقار البنوك والمؤسسات الهامة في الدولة، أين قرر المئات من الشباب تنظيم اعتصام مفتوح، حتى تحقيق مطالب الحركة الاحتجاجية1.

  تنوعت مطالب المحتجين في موريتانيا، بين الدعوة إلى إصلاح النظام وٕإسقاطه بشكل نهائي، كما شملت المطالب أيضا قضايا اجتماعية من قبيل تشغيل الشباب وتقليص البطالة،  ورفع مستويات الأجور، وتعميق الوحدة الوطنية ،والتنديد بممارسات العديد من المسؤولين في أجهزة ومؤسسات الدولة2. وقد استمرت الاحتجاجات على مدار أشهر متعددة، لكن انحسارها بالعاصمة نواكشط، ونجاح السلطات الأمنية في فض اعتصام ساحة بلوكات، أدى إلى إضعافها، إضافة إلى ذلك تعاطي النظام السياسي مع هذا الح ارك، الذي ت اروح بين إبداء النية في الاستجابة لمطالب الإصلاح، وبين مساعيه لإضعافه عن طريق توظيف معطى الانتماءات القبلية، الذي أحدث شرخا كبي ار في وتيرة الفعل الاحتجاجي في موريتانيا، لاسيما بعد إقدام النظام السياسي على تعيين بعض النشطاء في مناصب المسؤولية. وقيام البعض منهم وبإيعاز منه بالانخ ارط في العملية السياسية من خلال تأسيس حزب سياسي باسم “الح ارك الشبابي” يتولى مهمة مفاوضة النظام حول مطالب الحركة الاحتجاجية[51].

  بالرغم من الضغط الذي مارسته الحركة الاحتجاجية في موريتانيا ،والبوادر التي كانت تشير إلى مساعي المحتجين في التركيز على تكارر النموذج التونسي والمصري من خلال محاكاة الشعا ارت ،وكذا الاعتصامات في الساحات الكبرى، وتعبئة الجماهير في أيام العطل خاصة يوم الجمعة. إلا أن نظام ولد عبد العزيز قد نجح في مهمة التخفيف من حدة وتط ور الفعل الاحتجاجي في موريتانيا ،واستطاع أن يتحول بمطالب المحتجين من رحيل النظام، إلى إطلاق ورشات إصلاح وطني شامل ،بمشاركة قوى المعارضة، التي شاركت في ح ارك الشارع الموريتاني.

المبحث الثاني: العوامل المفسرة للتحولات السياسية

    جاءت هذه العوامل بمثابة مجم وعة الأسباب الرئيسة غير المباشرة التي ساهمت في تشكل ت اركمية هذه الأحداث، كنتيجة لفشل الدولة المغاربية في الاستجابة لمختلف الانشغالات الأساسية للمواطنين في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي من جهة، وعدم قدرتها على مواكبة مختلف التحولات والتطوارت المتلاحقة عبر العالم بداية من نهاية الحرب الباردة، أين بدأ العالم يشهد إعادة تشكل النماذج والخيا ارت، لينعكس ذلك على مسار الدولة المغاربية طيلة عقدين من الزمن، أين بلغ الوضع حد الانفجار فجاءت هذه العوامل بمثابة مسوغات واقعية للأحداث سالفة الذكر.

المطلب الأول: الطف رة الشبابية وانتشار وسائل الاتصال الحديثة

   ساد انطباع سلبي عن الأجيال الجديدة في الوطن العربي حيث نظر للشباب بأنه غير مسي س ،وقليل الاهتمام بالسياسة والشأن العام، قياسا بالأجيال السابقة له، وأن ثقافته الاجتماعية والفكرية ضحلة، وأنه جيل لا يبالي بأي قضية خارج دائرة الفردية المجردة، ومتشبع بقيم النفعية، والاستهلاك ،والغ ارئزية، والرغبة الجامحة في امتلاك أسباب الاستمتاع وفرصه، التي يوفرها المجتمع الاستهلاكي[52].

1- الطفرة الشبابية: شكل حضور عنصر الشباب اهتماما بالغا لدى دارسي الح ارك الذي عرفته دول المغرب العربي، من خلال الدور البارز لهذه الفئة في إحداث هذا التأثير داخل بيئة أنظمة هذه الدول، حيث ينطلق البعض من الخلفيات الديمغ ارفية للمجتمعات المغاربية، نحو تفسير أهم المحركات الأساسية لفكرة التغيير داخل هاته الدول.

يمثل الشباب في دول المغرب العربي نسبا عالية مقارنة بالعديد من دول العالم، حيث يشير الجدول التالي إلى نسبة الشباب داخل هذه الدول وهي كالأتي:

الجدول رقم 1(): يبين نسب الشباب من مجموع السكان خلال عام 2010 

نسبة الشباب الى السكان(اعمار من 0 -52)مجموع السكان (بالملايين)  الدولة
  38,2  6,36ليبيا
  43,5  10,48تونس

                                                         

  47,6  35,47الج ازئر
  47,7  31,95المغرب
  59,3  3,28موريتانيا
المصدر: الأمم المتحدة، قسم الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، شعبة السكان.

http://www.un.org/usa/population/meeting/egm-adolescents/roudi.pdf

  تكشف هذه البيانات عن ارتفاع نسبة النشىء في الدول المغاربية مقارنة بالفئات العمرية الأخرى ،حيث يشير الديمغ ارفيون إلى أن هذا الوضع المجتمعي إذا ما صاحبته ظروف سياسية واقتصادية معينة، يجعل المجتمع أكثر عرضة للتعبئة العامة من أجل التغيير السياسي، والمطالبة بدور أكبر للشباب، وٕإعطاء روح المبادرة والمشاركة في عملية البناء، ما يضع الجسد الاجتماعي الذي يمثل فيه الشباب القوة الحية في مواجهة الجسد السياسي للدولة[53]، لاسيما في ظل ارتفاع مستوى  النفاذ الى التعليم، دون توفير ب ارمج تنموية لإدماج وم ارفقة هذه الفئات، بالإضافة إلى التباين الصارخ في التنمية المناطقية، وهو ما كان دافعا مباش ار لانطلاق الأحداث من منطقة سيدي بوزيد ومن طرف شاب حاصل على شهادة جامعية[54].

الجدول رقم 2(): الخصوبة الإجمالية (عدد الولادات لكل امأرة) في الدول الخمس باستثناء موريتانيا نتيجة عدم توفر المعطيات
موريتانياالمغربالج ازئرتونسليبياعام
  /  7,15  7,38  7,25  7,18  1960
  /  6,79  7,38  6,21  7,59  1970
  /  5,4  6,49  4,92  6,18  1980
  /  3,6  4,13  3,13  4,5  1990

                                                         

  /  2,25  2,53  3,04  4,0  2000
  /  2,18  2,14  3,04  4,1  2010
  /  1,9  1,82  1,72  4,5  2020
  /  1,81  1,72  1,67  4,9  2030
المصدر: يوسف محمد الصواني وريكاردو رينيه لاريمونت، الربيع العربي: الانتفاضة والاصلاح والثورة، مرجع سبق ذكره، ص23.

  توضح هذه البيانات تغي ارت التركيبة السكانية بالاعتبا ارت المتوقعة والاعتبا ارت ذات الأثر الرجعي ،حيث يظهر الجدول أنه بينما كان معدل الإنجاب يت اروح بين 16,7 في ليبيا، و25,7 في تونس ،و38,7 في الج ازئر، و15,7 في المغرب، قد ت ارجع بشكل كبير سنة 2010 مع توقعات باستم ارر ت ارجعه لعقود قادمة[55]،  ويرجع الباحثون هذا الأمر إلى التطور الحاصل في هذه المجتمعات من ارتفاع المستوى التعليمي خصوصا لدى الم أرة، وميل الأسرة إلى ثقافة تنظيم النسل وانتشار حبوب منع الحمل، ناهيك عن ارتفاع مستوى الرعاية بخصوص الأطفال بسبب التطور الطبي وانتشار اللقاح الذي ازد من ثقة الأسر في بقاء أطفالهم على قيد الحياة[56]. وبالتالي تكشف هذه البيانات أن التعاطي السياسي والاقتصادي مع هذه القضايا في السابق كان يجب أن يستمر في اتجاه التوسع والتنمية حتى يتمكن من الاستجابة والتخفيف من المطالب الاجتماعية الاقتصادية للسكان على المدى القريب والمتوسط.

الجدول رقم 3: متوسط العمر في الدول الخمس باستثناء إحصائيات موريتانيا غير المتوفرة. 

موريتانياالمغربالح ازئرتونسليبياعام
  /  17,5  18,2  18,9  18,4  1960

                                                         

  /  16,3  15,8  16,8  17,4  1990
  /  18,5  16,9  18,5  16,5  1980
  /  19,7  18,1  20,8  17,7  1990
  /  22,6  21,7  24,7  21,9  2000
  /  26,3  26,2  28,9  25,9  2010
  /  30,1  30,7  33,3  27,9  2020
  /  34  35,3  37,8  31,4  2030
المصدر: يوسف الصواني وريكاردو رينيه لاريمونت، المرجع السابق الذكر، ص33.

  تشير أرقام هذا الجدول إلى أن متوسط العمر خلال العشر سنوات الأخير قد استقر على الأرجح بالقرب من سن 52 وهو بمثابة السن المناسب لتبلور اد اركات الشباب للوضع العام بعد مسار تعليمي ،والإقبال على مواجهة ظروف الحياة، مما يؤكد بأن هذه المجتمعات لا ازلت تتمتع بفتوة عالية، مقارنة بدول أخرى لكن بالنظر كذلك إلى اتجاهات هذه البيانات، نلاحظ أن هذا الرقم سيرتفع في البلدان الخمس بحلول عام 2025 إلى ما فوق سن الثلاثين الذي يعد العتبة العمرية للفرد الأكثر ميلا للمشاركة في الحركات الجماهيرية للرفض السياسي، وبالتالي يعد سن الثلاثين بوابة لمعظم الشباب المعتاد على العمل السياسي للدخول في علاقات أكثر رازنة، التي تنطوي على الحياة المهنية والعائلية، ما يمنعهم من اتخاذ أشكال من السلوكات الخطرة، بما في ذلك الحركات وأعمال المقاومة السياسية، التي من شأنها تعريض حياتهم للخطر. لا ينطبق هذا التفسير على الجميع، إلا أنه يحمل حدا كبي ار من الصحة، فمن البيانات المتوافرة لدينا، يمكن القول، من المنظور العام، انه على الرغم من أن المنطقة تعيش ظروف سياسية مثيرة الآن، لكن من غير المرجح أن تتجسد هذه الظروف في المستقبل، نظ ار إلى الانخفاض في معدلات الخصوبة وشيخوخة السكان المتنبأ بهما.

2- انتشار وسائل الاتصال الحديثة:  شكل توافر وسائل الاتصال الحديثة، عاملا مهما في م ارفقة وتغطية الأحداث، فبالرغم من أن هذه الوسائل لا تندرج ضمن العوامل الأساسية للتغيير داخل هذه المجتمعات إلا أنها لعبت دوار هاما في ت اركمية متطلبات هذا التغيير ومنحه القدرة على النمو، عن طريق تشكيل الوعي، وبلورة الأفكار لدى الشباب، وم ارفقة هذه الأحداث بمختلف مسا ارتها[57]. لذلك فمن المهم الحديث عن تلك الفائدة النسبية لهذه الأدوات في سياق التحولات التي شهدتها هذه الدول.

   باستثناء الفعل المباشر للشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإض ارم النار في جسده، بشكل منعزل فان توسيع نطاق التحرك الاحتجاجي في جميع الدول تم بالاعتماد على الفضاء الواسع الذي منحته الوسائل الاتصالية الحديثة، للشباب في القدرة على التحرك والتعبئة والتنظيم دون قيود المكان، وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة إعلام جديد يضاف إلى منظومة “الإعلام البديل”[58]، الذي أصبح يوازي في تأثيره الإعلام التقليدي الرسمي بشكل خاص، ما دفع الأخير للتكيف معه ومحاولة الانخ ارط في هذا المجال من خلال فتح صفحات له بمواقع التواصل الاجتماعي وفتح المجال للمواطنين للمشاركة في صنع الحدث من خلال إرسال ما يلتقطونه من صور وفيديوهات، وهو ما بات يعرف بصحافة المواطن.

   ونتيجة لذلك وجدت النخب الجديدة، فيما تتيحه هذه الشبكات من تطلعات إعلامية البديل الأسرع والأبلغ للتعبير عن مواقفها، وحشد الدعم لها، وتمكنت بذلك من تحقيق عنصر المشاركة عن طريق إحداث تأثير فعال نحو تشكيل وعي مشترك بقضايا التغيير[59]، وبالتالي فقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن منصات تكنولوجية، مكنت مئات ألاف المستخدمين من التشارك الفوري والالتفاف حول معلومات وأهداف وشعا ارت ومطالب ورؤى موحدة، ويشكل موقع الفايسبوك أهم هذه المواقع من حيث تفاعل المشتركين[60].

  على عكس ما كان متوقعا تكشف هذه الأرقام عن النقص الكبير في أعداد انخ ارط مواطني الدول المغاربية في الاستفادة من خدمات شبكة الانترنيت، وموقع الفايسبوك، لكن ذلك ربما يرجع إلى طبيعة الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتهاوي ،ودور الأنظمة السياسية في ذلك، إلا أن تتبع مسار الأحداث يحيلنا إلى أن التحدي الحقيقي لا يقع على مستوى معرفة حجم التفاعل الالكتروني فحسب، بل يتعداه إلى الإق ارر بقدرة هذه النخب في الانتقال من الحشد الافت ارضي إلى الحشد الواقعي[61]. وهذا ما نجح فيه هؤلاء النشطاء بالتركيز على التذمر العام اتجاه الوضع المعيشي بشكل أساس، والذي وصل بالمواطنين إلى الالتفاف حول هذه الحركات التي اتخذت بعدا جماهيريا كبي ار بعيدا عن منطق الولاءات والانتماءات، بالإضافة إلى دور الوسائل الاتصالية الأخرى كالقنوات التلفزيونية، والهواتف المحمولة…الخ).

المطلب الثاني: التهميش الاقتصادي والاجتماعي

   ظهر مصطلح التهميش خلال سبعينيات القرن الماضي في أوروبا، لتفسير بعض الظواهر الاجتماعية السلبية التي ظهرت في المجتمعات الأوروبية، ويعد الكاتب الفرنسي لرنيه لنوار أول من استأثر باستعماله في كتابه “ضحايا الإقصاء” سنة 1974 لتحليل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لبعض الفئات التي عجز الاقتصاد الفرنسي عن دمجها في فترة نموه، ثم اتسع استخدام المفهوم إلى علوم أخرى كعلم النفس، وأصبح يستعان به في ربط عديد الظواهر الإنسانية والاجتماعية.

  وعلى الرغم من الطبيعة الملتبسة لمصطلح التهميش كمفهوم، إلا أنه ومع التطور الحاصل في أدوات البحث العلمي تم صقله تدريجيا وأظهر قدرة على تفسير ت اركم عمليات لها أصولها في قلب السياسة والاقتصاد والمجتمع، وتحديد المسافة بين الأف ارد والجماعات والمجتمعات، في علاقتها مع م اركز السلطة والموارد والقيم السائدة[62].

  في هذا السياق، وبالعودة إلى دول المغرب العربي، تعاني الشعوب المغاربية من تدني مستويات المعيشة لدى فئات واسعة من السكان، نتيجة فشل السياسات الاقتصادية المنتهجة في إحداث التأثير الايجابي على الواقع الاجتماعي للسكان، وبالرغم من الارتفاع النسبي لمعدلات النمو– باستثناء تونس سنة 2010- في اقتصاديات هذه الدول، التي تشترك في المقام الأول باعتمادها على مداخيل الريع بمختلف مصادره(البترول، الموارد الطبيعية، التحويلات بالعملة الصعبة، المساعدات الخارجية…الخ)، لم تنجح أي من النماذج المنتهجة في تحقيق معدلات مرتفعة نحو تحسين الظروف الحياتية للفرد.

  ويرجع  الدكتور هبة عبد المنعم هذا الفشل إلى غياب الإطار المؤسسي الداعم للنمو المستدام، وذلك بما يعني القوانين والتشريعات الكفيلة بتحسين إدارة الموارد وٕإحداث تنمية مستدامة، حيث لا ت ازل الدول المغاربية متأخرة في مجال الشفافية وحوكمة المؤسسات، ولا ازلت بيئة الأعمال في هذه الدول تعاني من ارتفاع مستويات الفساد[63]، الذي فتح الباب لفئة قليلة من أبناء المجتمع لتكديس الثروة وتحويل الأموال، وزاد في توسيع الفجوة بينها وبين الفئات الأخرى من الشعب.

  ولعل أزمة التشغيل تقع على أرس الإشكالات التنموية لدول المغرب العربي، حيث تعد نسب البطالة في هذه الدول من بين الأعلى على المستوى العربي والعالمي، كما يوضحه الجدول الأتي:

    تكشف بيانات الجدول عن المعطيات المتوفرة خلال السنة التي سبقت انطلاق الاحتجاجات في دول المغرب العربي على أن ارتفاع معدلات البطالة هو مؤشر هام على إخفاق هذه الدول في إدارة أهم الموارد التنموية ألا وهو أرس المال البشري، ويرجع هذا التدني في مستويات العمالة في هذه الدول إلى الانكماش الذي أصاب القطاع العام نتيجة التحولات الهيكلية التي تبنتها هذه الدول مع نهاية القرن الماضي، بالإضافة إلى صغر حجم القطاع الخاص وتواضع أدائه وضعف قدرته على خلق فرص عمل بشكل يحقق توازن حقيقي على مستوى سياسات التشغيل لدى هذه الدول، ويخفض من معدلات الفقر المنتشرة في هذه البلدان.    لكن مشكل البطالة ليس مقياسا وحيدا لقياس حالة الفقر[64]، إذ يكشف واقع الشغل في هذه الدول على أن الوظيفة لا تستلزم التحرر من الفقر، حيث لا يعني حصول المرء على العمل في حالات كثيرة أنه صار قاد ار على تلبية حاجاته الأساسية، لاسيما في ظل الاضط اربات التي عرفتها الأسواق العالمية مند 2008، وما صاحبها من ارتفاع مت ازيد في أسعار المواد الاستهلاكية، دون م ارجعة سياسات الأجور لكثير من القطاعات في هذه الدول.

   هذه الأوضاع تعكس مشكلة غياب مظاهر العدالة الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المغاربية، التي ترجمت في معاني الإقصاء والظلم، نتيجة عدم التوزيع العادل للثروة، وتكافئ الفرص خاصة في المناطق الريفية والبعيدة، ونقص ترقية دور الم أرة في الحياة العامة، بشكل أدى إلى بروز نمط من التهميش الفئوي، وبالتالي فان الاستثمار في مكافحة التهميش ليس فقط قضية إنسانية للنهوض بأوضاع الفئات المهمشة في هذه المجتمعات ورفع الغبن عنهم فحسب وتمكينهم من الوصول إلى حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه بالقدر نفسه استثمار في التنمية الإنسانية، ودعم الأمن الإنساني لسلامة المجتمعات واستق اررها ووحدة الت ارب الوطني[65]. لأن  شعور الإنسان عادة بأهميته ودوره في المجتمع يشكل بالنسبة له دافعا نحو الاندماج والمشاركة في الحياة العامة، حيث يقول فاكلاف هافيل vaclav Havel في مقالته السياسية “سلطة من لا سلطة لهم” (The Power of the powerless)   أن أف ارد هذه المجتمعات كانوا في وضع “ما دون المواطن” وهو ما يفسر أن الكلمة الأولى التي تم الهتاف بها في المظاه ارت هي “الك ارمة”[66].

المطلب الثالث: غياب الحريات السياسية

   يشكل الإرث التاريخي والاجتماعي معطى حقيقي للوقوف على بنيوية الدولة في المغرب العربي ،والتي تعاني منذ نشأتها من أزمة حكم حقيقية لازمت تطورها، إذ تقوم في مجمل أساليبها على علاقة انفصالية عمودية تهدف إلى احتواء المجتمع وضبط حركته، فعلى الرغم من محاولات هذه الأنظمة ،تبني إصلاحات سياسية وديمق ارطية تؤدي إلى إطلاق الحريات السياسية والمدنية، وحرية تشكيل الأح ازب والجمعيات والاتحادات، ووضع آليات تضمن ن ازهة الانتخابات وحرية الإعلام والصحافة، إلا أن هذه الب ارمج والسياسات عجزت عن تعزيز وتطوير الحياة السياسية، كونها جاءت بمحاولات جزئية أو شكلية أو ظرفية أو ب ارغماتية لم تمس جوهر المشكلة وأبعادها الحقيقية (المنظومة السلطوية)، ولم تتوصل إلى تأسيس مجال سياسي حقيقي وحديث مبني على مقتضى السياسة المدنية المعاصرة[67].

  وعلى الرغم من تبني هذه النظم لشكل جديد من الممارسة السياسية بإق ارر التعددية –باستثناء ليبيا – إلا أنها رسمت لها حدود ضيقة بهدف التعبير الشكلي عن الاختلاف والتنافس على السلطة. وبالتالي لم يتعدى مجال هذه الممارسة طابع الديمق ارطية الشكلية، التي يعترف ببعض مبادئها على مستوى الخطاب السياسي والنصوص القانونية دون تكريسها على مستوى الممارسة الفعلية.

   يعد النموذج التسلطي الحالة النسبية الأقرب لوصف هذه النظم بحسب تصنيف خوان لينز Juan linz والذي يقوم على: التعددية الحزبية المحدودة، والتنافس المحدود على السلطة، وانغلاق فضاء المشاركة السياسية، بالإضافة إلى شخصنة السلطة واحتكارها لفائدة فرد أو أقلية. وعليه تصبح العملية السياسية ككل مجرد ظاهرة آلية في يد السلطة، تعمل على استخدامها نحو تجديد الشرعية القانونية وبأساليب غير دستورية وفق منطق السلطة دون الشرعية السياسية التي ت ارجعت بسبب تآكل مصادرها الثلاث (تقليدية، كارزمية، عقلانية) نتيجة التحول المجتمعي النوعي، وتأزم منظومة الحكم المغاربية نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية المت ازيدة بهدف إج ارء تحول ديمق ارطي وفق أسس سياسية سليمة تقوم على توسيع قاعدة المشاركة السياسية ،واحت ارم الإ اردة الشعبية، نحو بناء قواعد مؤسسية لمصدر الشرعية الحديث ألا وهو المصدر العقلاني المؤسسي الدستوري[68].

  لكن استم ارر سياسات الانغلاق أدى إلى إضعاف مؤسسات المجتمع المدني وتدجين عدد كبير منها، ما افقد الثقة لدى المواطنين وانص ارفهم عن الانخ ارط في العمل السياسي، دون إخفاء التذمر من أسلوب السلطة في التعاطي مع الشأن العام، والتضييق على مجال الحريات السياسية والمدنية، والتي عملت السلطة على ضبطها بأساليب التحكم والسيطرة، عن طريق ترسانة واسعة من الأدوات القانونية والأمنية والإدارية، وباستخدام النموذج السلطوي القائم على البوليسية والسطوة الحديدية، ما أدى إلى بروز قوى دينية ومناطقية تحولت فيما بعد إلى أهم فاعل سياسي في مواجهة هذه النظم التسلطية1.

  يكشف تقرير مؤشر الديمق ارطية الذي صدر في 2010 وضم 167 بلد عن احتلال دول المغرب العربي م ارتب متأخرة، في مجال الممارسة الديمق ارطية من خلال استقصاء العملية الانتخابية والتعددية والحريات المدنية وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية والثقافة السياسية، ويوضح الجدول الأتي ترتيب الدول المغاربية الخمس[69]:

جدول رقم (08) يوضح مارتب الدول الخمس من مؤشر الديمقارطية 

المؤشرالمرتبةالبلد
  1,49  158ليبيا
  2,79  144تونس
  3,44  125الج ازئر
  3,79  116المغرب
  3,86  115موريتانيا

 Democracy in retreat ,Economist Intellegence Unit, 2010 :المصدر                   

    كما عانت هذه الدول في مجال الحريات الإعلامية، وما يتصل بها من حرية التعبير وال أري، التي تسمح للفرد بالتعبير عن مواقفه وآ ارئه عبر القنوات الإعلامية التقليدية كالصحف والتلفزيون…الخ ،وقامت بتقييد هذه الحريات، باستم ارر احتكارها للمجال السمعي البصري، والسماح بإنشاء فقط بعض الج ارئد والمجلات، والتي بدورها تخضع لرقابة وتضييق مستمر من طرف هذه السلطات، وتمارس مهامها في هامش محدد، أما الإعلام المرئي فيخضع وبدون استثناء إلى الاحتكار القصدي للسلطة ،ولم تبرز أي محاولات نحو تحرير هذا القطاع ،وٕإعطاء مجال أوسع للمبادرة. إذ تتميز وسائل الإعلام

في هذه الدول على غ ارر باقي الدول العربية بغلبة التوجهات الرسمية على وسائل الإعلام، حيث يتمالتركيز من خلالها على الأخبار الرسمية التي تحتل الصدارة في الصحف والإذاعة والتلفزيون ،ويخصص لها وقت أكثر وأهم، وذلك مقابل تهميش الأخبار التي تهم قطاعات واسعة من المواطنين أو تمسهم في حياتهم اليومية. وغالبا ما تنتظر المؤسسات الإعلامية أثناء الأحداث الطارئة التوجيهات والتعليمات الرسمية للتحرك، وهذا ما يؤدي إلى فقدان مصداقية الإعلام وانعدام ثقة المواطن فيه   .

   وفي جل الدول المغاربية تتميز المواد الإعلامية في الصحف والإذاعة والتلفزيون بطابع السرد والوصف والتقريرية وبتقديم الوقائع والأحداث بشكل منعزل عن التحليل المتعمق لتفسير دلالات الأحداث وسياقاتها العامة السياسية الاجتماعية الاقتصادية والثقافية. مما لا يساعد المواطن على فهم الأحداث والوعي بخلفياتها، وهو ما يؤدي إلى تكريس حق المواطن في الإعلام والمعرفة.

    ويمتاز تعامل الدول المغاربية مع وسائل الإعلام بالسلطوية بحيث أن السلطة تكون المحور الأساسي للخطاب الإعلامي والأنظمة الحاكمة هي التي تقوم بتوجيه وسائل الإعلام على مستوى الموضوعات المتناولة والقيم التي يتم تكريسها والاختيا ارت السياسية مما يؤدي في الغالب إلى تغييب المعارضة والنقد الموضوعي لصالح خطاب أحادي لا يحترم حق المواطن في إعلام متعدد منفتح وديمق ارطي[70]. وبصفة عامة تتشابه في الغالب السياسات الإعلامية في هذه الدول على مستوى احتواء الإعلام وٕإدماجه في مؤسسات السلطة السياسية وتوظيفه لأغ ارض سياسية إيديولوجية ودعائية وذلك على حساب حق المواطن في إعلام موضوعي نزيه يخدم مصالح المجتمع والمواطن قبل كل شيء.

   وبشكل عام هناك غياب الشفافية والتدفق الحر للمعلومات والأخبار داخل العالم العربي، ولم يتم إعارة اهتمام كبير للسياسات الإعلامية في المغرب العربي، وفي غالب الأحيان لم يكن هناك وعي بأهميتها، فقد كانت هناك عفوية وارتجالية في رسم السياسات العامة وغياب الاست ارتيجيات الإعلامية على المدى البعيد. وعدم الإق ارر بأن ملكية الدولة لوسائل الإعلام يعني ملكية الشعب لها، أدى إلى أن السياسات الإعلامية لم تكن تستجيب لحاجيات المجتمع وآمال المواطنين. وهذا ما نجم عنه غياب قوة وتأثير ال أري العام لضعف وسائل الإعلام وعدم اهتمامها بحاجيات وخيا ارت المواطنين. حيث يثبت التقرير العالمي الذي أصدرته منظمة م ارسلون بلا حدود في 2010 عن الوضع الصعب الذي يعيشه الصحفيين، والوضع المزري لحرية التعبير داخل هذه الدول، نتيجة الرقابة الأمنية والقضائية، وغياب الحماية القانونية للصحفيين ،فقد كشف التقرير عن الاستم ارر في ت ارجع هذه الدول في تصنيفها الذي جاء كالأتي: (موريتانيا 95) (الج ازئر133) (المغرب136) (ليبيا160) (تونس166) في نفس السنة.   

المبحث الثالث: الفواعل المهددة للأمن في المغرب العربي. 

   في خضم الأحداث التي عرفتها دول المغرب العربي والتي أفرزت بيئة مهيأة لإنتاج وتقوية التهديد الأمني على كافة الأصعدة وذلك في ظل ت ارجع الدور الأمني للدولة المغاربية الذي بات يتسم بنوع من الفوضوية نتيجة للتحولات السياسية التي اجتاحت المنطقة،  حيث برزت في هذا الإطار مجموعة من الفواعل المهددة والمحاصرة لمنطقة المغرب العربي، اتسمت بالقدرة الهائلة على الانتشار والتغلغل ما خلف وضعا أمنيا معقدا ومهلهلا سمح بت اربط هذه الفواعل التي تركزت أساسا في انتقال الظاهرة الإرهابية من مرحلة الانحسار إلى مرحلة الانتشار، وتدفق السلاح الليبي عبر جل الأقاليم المغاربية وامتداد ذلك إلى منطقة الساحل الإفريقي، مما ساهم في تشابك د ارسة هذا الواقع بشكل تفكيكي بغية إحصاء مكامن الخطر ومآلات ذلك على واقع ومستقبل الدولة في المغرب العربي.

المطلب الأول: تعقيدات الظاهرة الإرهابية

    شاع توظيف مصطلح الإرهاب في كتابات ومداخلات الإعلاميين والرسميين والجامعيين والأكاديميين حتى أحدث زخما علميا، فضلا عن تداوله بين العوام من الناس بفضل الهالة الإعلامية التي رفعته إلى صدارة ما يشغل ال أري العام العالمي، ولكن مع هذا من الصعوبة بما كان إيجاد تعريف جامع ومانع للإرهاب، والسبب الرئيسي في ذلك هو صعوبة التخلي عن الترسبات الفكرية  والإيديولوجية وحتى الذاتية في تحديد تعريف متفق على استخدامه في فهم الظاهرة، وهو ما أشار إليه الباحث باسكال بونيفاس Pascal Boniface بقوله:” كيف نعرف الإرهاب؟…باختصار يمكن القول بأن الإرهاب يعبر دائما عن الآخرين…لا أحد يصف نفسه بهذا الوصف، بينما كل واحد يرمي بذلك على خصومه” [71]. وبالتالي أصبحت الكلمة عبارة عن وصف يطلقه فرد أو جماعة أو دولة على مالا يروق لهم من تصرفات الآخرين، حتى صار لها استعمالات غير محددة واستخدامات لم تكن معروفة من قبل. من هنا يفسر غياب إجماع نظمي نحو إحاطة الظاهرة بجوانبها، وعليه سنحاول تقديم بعض التعريفات القيمية لتحديد هذا المصطلح.

 يعرف الفقيه سوتيل ” الإرهاب بأنه عبارة عن عمل إج ارمي مصحوب بالرعب أو العنف، قصد تحقيق هدف محدد”[72]. ويعرفه محمود شريف البسيوني ” الإرهاب إست ارتيجية تتسم بعنف دولي الطابع تدفعها أيديولوجية صممت لإدخال الرعب في فئة من مجتمع ما لتحقيق مكاسب سلطوية أو دعائية لحق أو ضرر، بصرف النظر عن الجهة المستفيدة، سواء كان المنفذون يعملون لمصلحتهم أو مصلحةغيرهم”[73].

  وعرفته اتفاقية قمع الإرهاب التي وضعت في عهد عصبة الأمم سنة 1937 بأنه ” كل اعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي بمصادره المختلفة، وهو بذلك يمكن النظر إليه على أساس أنه جريمة دولية أساسها مخالفة القانون الدولي، ويعد الفعل إرهابا دوليا ،وبالتالي جريمة دولية سواء قام به فرد أو جماعة أو دولة، كما يشمل أيضا التفرقة العنصرية التي تباشرها بعض الدول”. بدورها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب 1998 تعريفه بالقول: “كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت دوافعه وأغ ارضه، يقع تنفيذا لمشروع إج ارمي فردي أو جماعي ،ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد الم ارفق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر”[74].

  أما على مستوى الدول فتعرفه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال وازرة الخارجية في تقريرها الصادر في أكتوبر 2001 على أنه ” ذلك العنف المتعمد ذو الدوافع السياسية والذي يرتكب ضد غير المقاتلين، وعادة بنية التأثير على الجمهور، حيث المقاتلين هم المدنيون إلى جانب العسكريين غير المسلحين أو في غير مهامهم وقت تعرضهم للحادثة الإرهابية، أو حين لا توجد حالة حرب أو عداء ،والإرهاب الدولي هو الذي يشترك فيه مواطنو أكثر من دولة”[75].

  أما التعريف الج ازئري للإرهاب: ورد التعريف القانوني في القسم ال اربع مكرر من قانون العقوبات الج ازئري سنة 195 تحت عنوان: الج ارئم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية ضمن المادة 78 مكرر فقرة 30، حيث حددت الأعمال الإرهابية كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الت اربية واستق ارر المؤسسات وسيرها العادي وذلك عن طريق بث الرعب في أوساط السكان والاعتداء المعنوي أو الجسدي على الأشخاص وتعريض حياتهم للخطر، وعرقلة حركة المرور أو حرية التنقل في الط رق والتجمهر  والاعتداء على رموز الأمة والجمهورية ونبش القبور، إضافة إلى الاعتداء على وسائل المواصلات والنقل والاستحواذ عليها من شأنها تعريض سلامة الإنسان أو الحيوان للخطر، وعرقلة عمل السلطات العمومية وسير المؤسسات أو الاعتداء على حياة أعوانها أو ممتلكاتهمأو عرقلة تطبيق القوانين والتنظيمات”[76]

   يتضح من خلال التعريفات الواردة أن هناك اختلاف واضح حول العناصر المأخوذة في تحديد تعريف الإرهاب، وتنطلق هذه الصعوبة من مدى إد ارك كل طرف لتجليات الظاهرة الإرهابية، فبين من يحصره على أساس أنه فعل:

  • يتسم بالعنف والعدوان وبين من يعرفه على أساس أنه رعب.
  • بين من يعرفه على أساس داخلي وبين من يوسعه على أنه فعل دولي.
  • بين من يعرف الإرهاب كظاهرة، وبين من يفرق بينه وبين الكفاح المسلح.
  • بين من يقصره على أفعال الأف ارد والجماعات وبين من يضيف لذلك الدول.
  • بين من يركز على الفعل بحد ذاته ومن يركز على الدافع كمعيار لتمييز الأعمال الإرهابية عن غيرها من الأعمال الإج ارمية الأخرى.

من الإرهاب المحلي إلى الإرهاب عبر الوطني: 

  حظيت ظاهرة الإرهاب بنقاش أكاديمي واسع، وباهتمام سياسي ودبلوماسي بالغ لدى صناع الق ارر في دول المغرب العربي، نظ ار لما أصبحت تمثله الظاهرة من خطر إقليمي جاثم في المنطقة، انطلاقا من واقع بنيوية الدولة في المنطقة، فبالرغم من الإق ارر بأن جذور الظاهرة ليست بالجديدة إلا أن إف ارازت الوضع الإقليمي الحالي يجعل من الظاهرة تتصدر الشواغل الأمنية لهذه الدول، نظ ار لتشابكها وت ازوجها مع العديد من الظواهر الأخرى التي أضحت تتكامل معها، وتتغذى من واقع البيئة الأمنية الحالية، التي تكشف عن عدم صلابة الت ارص الأمني في مواجهة الظاهرة بين دول المغرب العربي.

   تنتشر الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها وانتماءاتها في معظم الأ ارضي المغاربية، وتتخذ من الأخيرة مواقع لها، إذ عرفت هذه الدول بعد الاستقلال محاولات لتأسيس حركات إسلامية تتولى النضال السياسي للتعبير عن إيديولوجيتها من أجل إقامة المشروع الإسلامي بحسبها، لكن الرفض المشترك في كل الدول حال دون تحقيق ذلك، مما دفع ببعض القيادات الإسلامية إلى انتهاج العمل السري، في نشر الدعوة والنهج، في حين اتخذت مجموعات أخرى طابعا عدائيا في التعبير عن مواقفها تجاه الدولة، كحركة الشبيبة الإسلامية في المغرب التي قامت ببعض العمليات التخريبية ،والاغتيالات المنظمة كان أبرزها اغتيال المعارض السياسي عمر بن جلول سنة 11975، وجماعةبويعلي في الج ازئر التي قامت هي الأخرى ببعض الأعمال الإرهابية خلال الفترة ما بين (1980 –

1987)، كان أبرزها الهجوم المسلح على مدرسة الشرطة صومعة (ولاية البليدة) سنة 21985.

   لكن مع بداية تسعينيات القرن الماضي ،ونتيجة للتحولات الدولية التي شهدها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ،وكذا انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في فيفري 1989 بعد انه ازمها، بدأ المقاتلون العرب بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، وصادف أن ت ازمن ذلك مع بداية عهد التعددية في دول المغرب العربي، حيث وجدت التيا ارت الإسلامية بمختلف روافدها الأرضية الخصبة لتجسيد مشروع الدولة الإسلامية، إلا أن فشل التجربة الج ازئرية بعد نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ أجهض من طموحات هذه التيا ارت في تحقيق هدفها المنشود، ما دفع بالكثير من ال ارديكاليين في الحركة الإسلامية إلى الاقتناع بعدم جدوى النهج السياسي والدعائي، وبدؤوا في التحول نحو تبني النشاط الإرهابي على اعتبار أن الدولة خارجة على أسس الشرع. وأنه لا يمكن إحداث تغيي ارت سياسية إلا باستخدام العنف ،وما لبث هذا الأسلوب أن انتقل وعم باقي دول المغرب العربي.

  شكلت سنة 2007 منعرجا حقيقيا في نشاط الجماعات الإرهابية بعد تحول هذه الحركات إلى تنسيق وتدويل نشاطها، حيث وجه نائب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري نداء إلى الأخيرة في 30 نوفمبر 2006 تحت عنوان ” أمة الاستلام في المغرب، أمة الصمود والجهاد، هؤلاء أبناؤكم الذين اتحدوا تحت ارية الإسلام والجهاد ضد أمريكا، فرنسا، اسبانيا وغيرها ،طهروا أ ارضيكم من العبيد، معمر القذافي، زين العابدين بن علي، عبد العزير بوتفليقة، ومحمد السادس”[77]

  تكلل هذا النداء في يوم 42 يناير 2007 بإعلان قائد الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالج ازئر “عبد المالك درودكال” بالانتماء رسميا إلى التنظيم الجديد تحت اسم ” القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي “AQMI”، ثم انضمت له مجموعة المقاتلين الإسلامية الليبية بقيادة أبو الليث الليبي، ومجموعة المقاتلين المغاربة بقيادة الإرهابي أبو البارء، ودخل التنظيم الجديد العمل الميداني وتم استهداف وضرب العديد من المنشآت والأهداف العامة بالج ازئر، المغرب وموريتانيا، تحت لواء القاعدة.

  بعد التحولات التي عرفتها دول المغرب العربي بداية من 2011، وما نتج عنها من أزمات بنيوية ،خاصة الأزمة الليبية التي بدا الوضع في ظلها أكثر ملائمة أمام الحركات الإسلامية الجهادية على الصعيد اللوجستي، بسبب انتشار السلاح واتساع المناطق غير الخاضعة لسلطة الدولة، وكذا تفريغ السجون في ليبيا وتونس من السجناء والذي أدى إلى خروج العديد من الإرهابيين وعودتهم إلى النشاط في ظل الوضع الملائم[78].

  شكل هذا الوضع الجديد فرصة حقيقية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث امتزج الموقف القيادي ما بين مباركة هذه التحولات باعتبارها قامت ضد الأنظمة التسلطية الموالية للغرب ،وما بين تحذير من التوجيه غير الصحيح لمسار هذه التحولات، حيث كتب أبو يحي الليبي وهو المفتي الشرعي للتنظيم رسالة بعنوان “ثوارت الشعوب بين التأثير والتأثر” واعتبر أن هذه الأحداث بمثابة فرصة سانحة يجب استثمارها ،”لكن مع عدم الاندفاع وارء صيحات التغيير من غير تثبت واستبصار”، وهو ما عبر زعيم تنظيم القاعدة في تحذيره من الطبيعة العلمانية للتغيير، بعد الدعوات إلى إقامة الديمق ارطية في الدول المنتفضة، محذ ار من الخروج عن الإسلام، باعتبار أن الديمق ارطية ” لا يمكن سوى أن تكون غير دينية”.

   أما ميدانيا فقد أصبح نشاط تنظيم القاعدة في المنطقة مرتبط برؤية جيوبوليتيكية جديدة، تنطلق من المغرب العربي مروار بالصح ارء الكبرى ووصولا إلى منطقة القرن الإفريقي، وصارت تحركاته أكثر تعقيدا بعد تحول دول الساحل إلى مسرح حقيقي وقاعدة خلفية بالمنطقة. ولعل أكثر تبعات هذا الوضع يبرز من خلال الهجوم الذي قام به أحد فروع التنظيم بالجنوب الج ازئري على منشأة الغاز بمنطقة “تيقنتورين”، والذي كشف عن تورط إرهابيين من جنسيات ليبية وتونسية ومالية ونيجيرية… في حين تم استخدام الأسلحة الليبية المهربة، وتم التخطيط والتنفيذ انطلاقا من الأ ارضي المالية.

  بالإضافة إلى ذلك وبعد سقوط كل من النظام التونسي والليبي، شهدت المنطقة ميلاد تنظيم إرهابي آخر  تحت اسم “أنصار الشريعة” بقيادة سيف اﷲ بن الحسين (المكنى أبي عياض التونسي)، الملقب بشيخ الجهاديين في تونس، وفي ليبيا بزعامة محمد على الزهاوي (المكنى أبي مصعب) وكلا الرجلان تم الإف ارج عنهما سنة 2011، حيث قام هذا التنظيم بالعديد من العمليات في تونس كان أبرزها الهجوم على السفارة الأمريكية هناك، واغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد الب ارهمي، أما في ليبيا فقد قامت إحدى خلايا التنظيم باغتيال السفير الأمريكي في سبتمبر 2012 ببنغازي، وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية بشأن ولاء هذا التنظيم “للقاعدة” إلا أن أغلب المختصين يربطون بينهذين التنظيمين، نظ ار لان مؤسسيه يعدان من أبرز المقاتلين المغاربة في أفغانستان إبان الغزوالسوفيتي، بالإضافة إلى بعض الوثائق التي عثرت عليها القوات الخاصة الأمريكية في منزل زعيم تنظيم القاعدة آنذاك بعد مقتله، كشفت عن رغبة أسامة بن لادن  في تغيير تسمية التنظيم، حيث ورد من بين الأسماء المقترحة “أنصار الدين” و”أنصار الشريعة”، مما دفع البعض للقول أننا ربما في مواجهة الصف الثاني لتنظيم القاعدة، خصوصا بعد انتشار خلاياه عبر كل من مصر واليمن وسوريا في حين ليس هناك ما يكشف عن تنسيق محتمل بين هذه الخلايا ولا ما يؤكد على ارتباطها التنظيمي بهذا الأخير[79].

   في مقابل ذلك وبالإضافة إلى تنظيم القاعدة في المغرب العربي والجماعات المتصلة به، يبرز تنظيم أخر وافد إلى المنطقة المغاربية، يتمثل في “الدولة الإسلامية”، وهو جماعة إرهابية أخذت تسميتها من ما يسمى “الدولة الإسلامية في الع ارق والشام” سابقا، ويعد هذا التنظيم أكثر خطورة في الوقت ال ارهن نتيجة تمدده المستمر وقدرته على التجنيد والتحرك، حيث يحظى بولاء كبير من بعض الجماعات الإرهابية، التي أعلنت عن بيعتها لزعيمه إب ارهيم عواد السام ارئي المكنى (أبو بكر البغدادي)[80]. ففي الج ازئر أعلن منشقون عن القاعدة من كتيبة الهدى وبعض س اريا التنظيم عن إنشاء فرع “جند الخلافة” التابع للدولة الإسلامية وعبروا عن بيعتهم لأبي بكر البغدادي، وفي ليبيا أعلنت جماعة ناشطة في شرق مدينة درنة عن قيام “إمارة إسلامية” تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، أما في تونس فقد أعلنت كتيبة “عقبة بن نافع” عن انضمامها إلى تنظيم الدولة الإسلامية ومبايعتها لزعيمها.

وبالإضافة إلى ذلك يعرف هذا التنظيم بكل من سوريا والع ارق التحاق مت ازيد للشباب في المغرب العربي، ما قد يزيد من قوة التنظيم مستقبلا إذا ما عرف عودة المقاتلين المغاربة من الجبهات الرئيسية للتنظيم، حيث كشف تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” أن عدد المغاربة المتواجدين  في هذه المعاقل  يتجاوز 4500 مقاتل، من بينهم 3000 تونسي و1500 مغربي و250 ج ازئري، ما يطرح تخوفا من إعادة تك ارر تجربة المقاتلين المغاربة الأفغان، خصوصا في ظل تغلغل هذا التنظيم بإفريقيا بعد البيعة التي حظي بها من طرف جماعة بوكو ح ارم النيجيرية أخطر الجماعات الإرهابية في إفريقيا جنوب الصح ارء، ما قد يتيح إمكانية محاصرة التنظيم للدول المغاربية مستقبلا إذ ما استمر تصاعد هذا المدالإرهابي[81].

  نشير من خلال ما سبق إلى أن هذه التنظيمات الإرهابية قد تغذت من أفكار دخيلة مستمدة من تجربة المقاتلين العرب في أفغانستان، وقد تتكرر مع تجربة المقاتلين العرب في الع ارق والشام، حيث يمكن تقسيم الإسلام السياسي المتطرف إلى ثلاث أجنحة:

الجناح الأول:” الأفغان المغاربة” الذين قاتلوا مع أح ازب المجاهدين الوجود السوفيتي في أفغانستان .1989

الجناح الثاني: السلفيين الجهاديين” الذين قاتلوا في الع ارق عقب الغزو الأمريكي في مارس 2003. [82]  الجناح الثاث: هم الجهاديين في الع ارق وسوريا تحت امرة تنظيم “الدولة الاسلامية” بعد 2011.

   لكن هذه التجربة يمكن القول بأنها قد استفادت كثي ار من بيئة التهميش والانغلاق السياسي ،ومحدودية المستوى التعليمي لدى فئة كبيرة من الشباب المغاربي، فكان مصير هذه الرغبات أقرب إلى التجسيد حيث يقول في هذا الشأن الدكتور برهان غليون مدير مركز د ارسات الشرق الأوسط بجامعة باريس 3 “أن أصل الظاهرة هي الظروف الاستثنائية التي تعيشها مجتمعاتنا والتي تحن مسؤولون عنها، فقبل أن نتوجه إلى الخارج فإنها فتكت ولا ازلت تفتك أسس الحياة الاجتماعية، الاقتصادية ،السياسية والفكرية، فتدهور شروط الحياة الإنسانية وانحطاط القيم والتهميش وتهييج الأحقاد عملوا على تنمية العنف ليتحول إلى آلة فتاكة ليس لها حدود[83].

الهوامش

[1] يُمنى طريف الخولي، فى العلم. طفرة ثورية ومسار تقدمى ،من موقع الأهارم، متوفر على ال اربط التالي:

     http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=677442

[2] سلمان العودة، اسئلة الثورة، بيروت: مركز نماء للبحوث والد ارسات ،2012، ص43. 

[3] منصور لخضاري ،استارتيجية الامن الوطني في الجازئر20062011. جامعة الج ازئر3، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتواره: تخصص : التنظيم الإداري والسياسي ،2012 -2013، ص 392. 

[4] وفاء علي داود، التأصيل النظري لمفهوم الثورة والمفاهيم المرتبطة بها ،مجلة الديمقارطية: نقلا عن موقع: تاريخ الاطلاع: 10 سبتمبر 2014.

http://democracy.ahram.org.eg/News/422/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%   B5%D9%8A%D9%84-

[5] وفاء لطفي ،الثورة والربيع العربي: اطلالة نظرية. لندن: مركز المشرق العربي للد ارسات الحضارية والاست ارتيجية ،

  .2013

[6] خير الدين حسيب، حول الربيع الديمق ارطي الع ربي: الدروس المستفادة. مجلة المستقبل العربي، العدد: 386، أبريل

2011، ص9. 

[7] خليدة كعسيس،”الربيع العربي” بين الثورة والفوضى. مجلة المستقبل العربي، العدد:421، بيروت: مركز د ارسات الوحدة العربية، ص 224. 

[8] منصور لخضاري، است ارتيجية الأمن الوطني في الج ازئر 2006-2011، المرجع السابق، ص393. 

[9] وفاء علي داود ،المرجع السابق. 

[10] اب ارهيم اب ارش ،النظرية الساسية بين التجريد والممارسة، القدس: دار الجندي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى ،

2012، ص304.

[11] منصور لخضاري، است ارتيجية الأمن الوطني في الج ازئر 2006-2011، المرجع السابق، ص394.

[12] الأحمر المولدي، الطابع المدني والعمق الشعبي للثورة التونسية، في: ثورة تونس: الأسباب والسياقات والتحديات(مجموعة مؤلفين)، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ود ارسة السياسات ،2012، ص128.

[13] (هيكل: ما يجري ليس ربيعا عربيا بل ثوارت تسليم مفاتيح): من موقع: تاريخ الدخول 11 جوان 2013.

    http://www.albawaba.com

[14] على عبده محمود، الثورة التونسية  الأسباب .. عوامل النجاح .. النتائج، الهيئة العامة للاستعلامات، على ال اربط:

http://www.sis.gov.eg/Newvr/8/34.htm

[15] خيري عبد الرازق جاسم، النظام السياسي التونسي بعد التغيير ،مجلة السياسية والدولية، الع ارق: الجامعة المستنصرية، العدد 25، 2014، ص 61.

[16] المرجع نفسه.

[17] لتفاصيل أكثر أنظر: أنور الجمعاوي، المشهد السياسي في تونس: الدرب الطويل نحو التوافق، مجلة سياسات عربية، العدد6، يناير/2014، ص72-58.

[18] Helman Gerald B and Steven R. Ratner. Saving failed states.Foreign Policy. 1992 Jennifer.P3.  

[19] Robert Schutte. La sécurité humaine et l’Etat Fragile. traduction : Antonia C.Durnsteiner.Human security-

journale-.issu. Feb 2007 P. 92.

[20] Fund for     peace,      «     Failed     StatesFAO       »,23     December     2007.      obtenu      en      parcourant:

www.fundforpeace.org/failed states index FAO.htm

[21] شاكر ظريف ،المرجع السابق. ص 89. 

[22] حافظ النويني ،المرجع السابق. 36. 

[23] ف ارنسيس فوكوياما ،بناء الدولة. النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الواحد والعشرين، ترجمة: مجاب الإمام، الرياض: العبيكان للنشر، الطبعة الأولى ،2007، ص ،167. 

[24] مختصر من يوميات الثورة الليبية المنشورة في صورة مرفق إلكتروني، لمجلة السياسة الدولية ،2012. على ال اربط:

  http://www.acrseg.org/6885

[25] يوسف محمد الصواني وريكاردو رينيه لاريمونت ،الربيع العربي: الانتفاضة والاصلاح والثورة، بيروت: منتدى المعارف ،2013، ص143.  

[26] كامل عبد اﷲ ،ليبيا: ثلاث سنوات  الفواصل والمفاصل والمستقبل، مركز العربية للدارسات،  32/20/2014. على ال اربط:http://studies.alarabiya.net/future-   

[27] عبد الكريم باسماعيل، التدخل العسكري لحلف شمال الاطلسي في الوطن العربي ،دفاتر السياسة والقانون، العدد:12، جامعة ورقلة: كلية الحقوق والعلوم السياسية ،2015، ص222.

[28] مجموعة الأزمات الدولية، المحافظة على وحدة ليبيا: التحديات الأمنية في مرحلة ما بعد القذافي ،مجموعة الأزمات الدولية، تقرير الشرق الأوسط رقم 115،  41/21/2011، ص50. 

[29] المرجع نفسه، ص60. 

[30] محمود بيومي ،الصارع في ليبيا بين الحسم والتوسع والاستنازف، منتدى البدائل العربي للد ارسات ،40/60/2014، ص10. 

[31] نفس المرجع، ص30. 

[32] مجموعة الأزمات الدولية، المحافظة على وحدة ليبيا: التحديات الأمنية في مرحلة ما بعد القذافي، مجموعة الأزمات الدولية، المرجع السابق الذكر، ص30.

[33] نفس المرجع، ص50. 

[34] الشيماء عبد السلام اب ارهيم ،سوسيولوجيا الحركات الاحتجاجية. من موقع الأهارم. تاريخ الدخول: 6 أكتوبر 2013.

   http://www.ahramdigital.org.eg/articles.aspx?Serial=1491435&eid=5221

[35] اشرف عبد العزيز عبد الباقي، المحتجون: كيف تؤئر المظاه ارت والاعتصامات في سياسات الدول. من موقع

السياسة الدولية:  تاريخ الدخول: 11 اكتوبر 2013.http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/2092.aspx                          3 رضوان محمود المجالي، الحركات الاحتجاجية في الأردن: د ارسة في المطالب والاستجابات. المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 38، ربيع 2013، ص 02. 

[36] تيد روبرت غير ،لماذا يتمرد البشر، مركز الخليج للأبحاث ،2004، ص12، 31.

[37] رضوان محمود المجالي ،المرجع السابق، ص02. 

[38] منصور لخضاري، است ارتيجية الأمن الوطني في الج ازئر 2006-2011،  المرجع السابق الذكر، ص 403. 

[39] عبد الناصر جابي ،الحركات الاحتجاجية في الجازئر: جانفي2011، (تقييم حالة). الدوحة: المركز العربي للأبحاث ود ارسة السياسات، فيفري2012، ص 9.   

[40] نفس المرجع، ص 9. 

[41] منصور لخضاري،  إست ارتيجية الأمن الوطني في الج ازئر 2006-2011، المرجع السابق الذكر، ص 404. 

[42] الاحتجاجات الج ازئرية 2011. من موقع  :

     http://ar.wikipedia.org/

[43] الحركة الاحتجاجية للعاطلين عن العمل في جنوب الج ازئر ، من موقع: المركز العربي للأبحاث ودارسة السياسات.

  http://www.dohainstitute.org/release/d79b229b-4a03-4016-a501-0889369ed357

[44] يس هويري، إصلاحات سياسية لتهدئة الجبهة الاجتماعية المشتعلة: ق ارءة في الواقع الاجتماعي الج ازئري. الج ازئر:

مجلة الإرشاد، العدد الأول ،2011. ص 22. 

[45] الحركة الاحتجاجية للعاطلين عن العمل في جنوب الج ازئر ،مرجع سبق ذكره. 

[46] منصور لخضاري، است ارتيجية الأمن الوطني في الج ازئر 2006 -2011،  المرجع السابق، ص 361. 

[47] مصطفى مجاهدي وأخرون ،غرداية: رهانات المجتمعي والجماعاتي، من موقع:

  http://www.crasc-dz.org/article-337.html

[48] سمير أمين  وآخرون ،المجتمع والدولة في الوطن العربي في ظل السياسات الارسمالية الجديدة. القاهرة: مركز البحوث العربية والإفريقية، 1997، ص 54. 

[49] إدريس لكريني، محاسبة الديمق ارطية: التداعيات المحتملة لاحتجاجات حركة 02 فب ارير في المغرب. مجلة السياسة الدولية، العدد 184، القاهرة، ابريل 2011، ص 19. 

[50] من موقع ويكيبيديا: تاريخ الدخول 90 يناير 2014 .    http://ar.wikipedia.org

[51] بوحنية قوي ،(الج ازئر، المغرب، موريتانيا) في ظل الربيع العربي:اصلاحات أم استعصاء ديمق ارطي. من موقع:

http://www.bchaib.net/mas/index.php?option=com_content&view=article&id=176:-mag-&catid=10:2010-

12-09-22-53-49&Itemid=7

[52] عبد الإله بلقزيز ،ثوارت وخيبات في التغيير الذي لم يكتمل، ط1، بيروت: منتدى المعا رف ،2012، ص123.

[53] يوسف محمد الصواني وريكاردو رينيه لاريمونت، الربيع العربي: الانتفاضة والاصلاح والثورة، مرجع سبق ذكره، ص03.

[54] خيرة بنت الشيخاني، واقع الشباب المغاربي ودوره في الثورة وما بعدها، ورقة مقدمة ضمن أشغال ندوة: المغرب العربي والتحولات الاقليمية الارهنة، الدوحة: مركز الجزيرة للد ارسات ،17-81 فب ارير 2013.

[55] يوسف الصواني و ريكاردو رينبه لاريمونت ،الربيع العربي: الانتفاضة والإصلاح والثورة، بيروت، منتدى المعارف ،

2013، ص23.

[56] هاشم نعمة، مؤش ارت التحول الديمغ ارفي في بلدان المغرب العربي. الحوار المتمدن، العدد:862، 2004، على ال اربط:      http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=19285

[57] بشرى جميل الاروي، دور مواقع التواصل الاجتماعي في التغيير: مدخل نظري. مجلة الباحث الاعلامي، العدد:18،

2012، ص 59. 

[58] نفس المرجع، ص 79.

[59] نادية بن ورقلة، دور شبكات التواصل الاجتماعي في تنمية الوعي السياسي والاجتماعي لدى الشباب العربي. مجلة د ارسات وابحاث، الج ازئر: جامعة الجلفة، العدد: 11، 2013،

[60] الحاج تيطواني، أدلجة الاعلام في عصر العولمة والتحولات الدولية ال ارهنة في العالم العربي،مجلة الحكمة للد ارسات الاست ارتيجية، الج ازئر، العدد: 23، 2013، ص 33. 

[61] وليد رشاد زكي، من التعبئة الافت ارضية الى الثورة،  موقع الاهارم:  على ال رابط:

                            http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=478664&eid=897

[62] محسن عوض ،قضايا التهميش والوصول الى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، القاهرة: اصدا ارت المنظمة العربية لحقوق الانسان ،2010، ص 6. 

[63] هبة عبد المنعم، أداء الاقتصادات العربية خلال العقديين الماضيين: ملامح وسياسات الاستق ارر. اصدارت صندوق النقد العربي، ص33.

[64] المرجع نفسه، ص 63. 

[65] أحمد عبد الكريم، غياب الايديولوجيا عن الثوارت العربية ،مجلة الدارسات الدولية، العدد51، جامعة بغداد ،2012، ص164. 

[66] سيلفي فلوريس وآخرون ،الكتاب السنوي للبحر المتوسط: المتوسطي 2012. عمان: دار فضاءات للنشر والتوزيع ،

2014، ص107.   

[67] أحمد عبد الكريم ،المرجع السابق الذكر، ص166.

[68] علي العودة العقابي، الح ارك الجماهيري الشعبي الواسع والتغيير في البلدان العربية: د ارسة في الأسباب والنتائج والتحديات، مجلة قضايا سياسية، العدد: 32 -33، جامعة النهرين ،2013، ص131. 

[69] Democracy index 2010 : Democracy in retreat ,Economist Intellegence Unit, 2010.

[70] الحاج التيطواني ،مرجع سبق ذكره، ص43. 

[71] منصور لخضاري ،إست ارتيجية الأمن الوطني في الج ازئر 2006-2011، مرجع سبق ذكره، ص 104. 

[72] عبد الوهاب حومد ،الإجارم السياسي. بي روت: دار المعارف ،1964، ص 220. 

[73] محمد عبد المحسن سعدون، مفهوم الارهاب وتجريمه في التشريعات الجنائية الوطنية والدولية. مجلة مركز دارسات الكوفة، العدد السابع ،2008، ص 136. 

[74] هارون فرغلي ،الارهاب العولمي وانهيار الامبارطورية الأمريكية. القاهرة: دار الوافي للنشر ،2006، ص 52. 

[75] نفس المرجع، ص 72. 

[76] منصور لخضاري ،است ارتيجية الأمن الوطني في الج ازئر 2006-2011، مرجع سبق ذكره، ص 104. 

[77] Luis Matines, Al Qaida au Maghreb Islamique, européen union, Instute for sécurity studios, 2007.

[78] الطيب بوعزة، القاعدة في المغرب الاسلامي: من موقع الجزيرة، على ال اربط:

 http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2007/8/19/%

[79] توفيق المديني ،تونس: الثورة المغدورة وبناء الدولة الديمقارطية، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى،2013، ص128,

[80] حسن أبو هنية، تنظيم الدولة الإسلامية، النشأة، التأثير، المستقبل، الدوحة: مركز الجزيرة للدارسات، 2015.

[81] هارون زيلين، تحليل سياسات، من موقع: معهد واشنطن للسياسات، على ال اربط:

 http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/up-to-11000-foreignfighters-in-syria-steep-rise-among-western-europeans

[82] توفيق المديني، المرجع السابق الذكر، ص 152.

[83] برهان غليون، أصل العنف في مجتمعاتنا… والسياسات الدولية غير العادلة ذ ارئع ،من موقع الحوار المتمدن، على ال اربط:

  .2013 تاريخ الاطلاع: 12 ماي  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=437

المصدر رسالة ماجستير من اعداد سعيدي ياسين بعنوان التحديات الامنية الجديدة في المغرب العربي

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button