دراسات أمريكا الشمالية و اللاتينيةدراسات سياسية

دروس من العالم … كيف تحولت البرازيل للديمقراطية: مقارنة البرازيل و مصر

تتشابه ظروف البرازيل و مصر في نواحي كثيره جدا:

١- كلتا الدولتين هما الأكبر في المحيط من حيث عدد السكان. البرازيل هي اكبر دوله في امريكا اللاتينيه و تعدادها حوالي ٢٠٠ مليون نسمه.

٢- كلتا الدولتين تتشاركان مع المحيط و لكن تختلفان عنه في ذات الوقت. يمكن القول انه بالرغم ان مصر دوله عربيه اسلاميه لكن توجد ايضا ثقافه مصريه خالصه و كذلك لهجه مصريه خالصه و لا عيب في هذا. ذات الكلام يمكن ان يقال عن البرازيل. تشترك البرازيل مع المحيط انها دوله لاتينية كاثوليكيه لكنها في ذات الوقت تتحدث البرتغاليه بلهجه برازيليه خاصه عكس المحيط المتحدث بالإسبانية.

٣- ينظر المحيط كله لمصر و البرازيل انهما دولتان قائدتان، ليس من ناحيه غني الفرد لكن من ناحيه التأثير الثقافي و السياسي.

٤- كلتا الدولتان لهما تاريخ طويل من الثورات. و تاريخ طويل من الحكم العسكري و تباين كبير في دخل الفرد بين أغنياء جدا و فقراء جدا.

٥- كلتا الدولتان بهما نهران كبيران. النيل في مصر و الأمازون في البرازيل.

٦- كلتا الدولتان ليستا دولتين بحريتين بالرغم من وجود شواطئ طويله جدا فيهما. كلتاهما دولتان زراعيتان بالأساس و لا تعتمد علي أسطول بحري.

ربما تتميز البرازيل عن مصر بغناها و تنوع الموارد الطبيعيه فيها بحكم وضعها الجغرافي في غابات الأمازون و قاره بكر لم تكتشف الا حديثا بالمقارنه بمصر قطعا.

في عام ١٩٦٤ حدث انقلاب عسكري علي التجربه الديمقراطيه الوليده في البرازيل بعد عام واحد بالضبط من انتخاب الرئيس جواو جولارت في انتخابات حره و ديمقراطيه، تماماً كما حدث في مصر عام ٢٠١٣. و قد تعرضنا للانقلاب و احداثه و تشابها مع احداث مصر في سلسله كامله (مصدر ١). و قد رأينا تشابها يكاد يكون تطابقا مع مصر، مثلا:

١- تظاهر كثير من الشعب البرازيلي ضد الرئيس المنتخب بسبب ظروف اقتصاديه صعبه و بدعم من الكنيسه و رجال الاعمال و الاعلام. و ظهر لاحقا انهم جميعا خططوا مع الجيش لدفع الناس للتظاهر.

٢- رفض الجيش البرازيلي علي مدي عقود إطلاق وصف انقلاب علي ما حدث.

٣- تم اتهام كل من يرفض الانقلاب في البرازيل بانعدام الوطنيه، تماماً مثلما حدث في مصر.

٤- تعرض الشباب البرازيلي المعارض لحوادث قتل و اختفاء قسري.

(و عندما كتبنا سلسله الانقلاب في البرازيل لم يكن هذا قد حدث فعلا. و لكننا توقعناه و هو ما حدث فعلا)

٥- ضخ الغرب استثمارات كبيره في البدايه في صوره قروض للبرازيل أدت لظهور ما بدا انه انتعاش اقتصادي اطلق عليه المعجزه البرازيليه لكنه ادي في النهايه لانهيار الديكتاتوريه في البرازيل و عودتها للديمقراطيه. مثلما حدث في مصر حيث ضخ الخليج أموال كبيره لدعم الانقلاب. مثلما رأي الغرب ان انقلاب البرازيل هو جزء من مواجهه الشيوعيه في امريكا اللاتينيه، رأت الامارات و السعوديه ان دعم الانقلاب في مصر هو جزء من الحرب ضد الاسلام السياسي في المنطقه التي تقودها الامارات (مصدر ٢).

٦- قامت حكومه الانقلاب في البرازيل بقمع كل معارضه باستخدام الجيش و الشرطه. و استخدم التعذيب علي نطاق واسع.

٧- و ياللعجب وضع الجيش في البدايه رئيس مدني إمعه استمر فتره بسيطه و سلم بعدها السلطه لقائد الانقلاب الحقيقي في البرازيل الجنرال كاستيلو برانكو.

(و عندما كتبنا سلسله الانقلاب في البرازيل لم يكن السيسي قد “انتخب” رئيساً بعد و لكننا توقعنا ذلك من تحليل حاله البرازيل. و صدق ما توقعناه وقتها. انظر مصدر ١).

٨- اعتمد الانقلاب في البرازيل علي الهاء الشعب “بملاهي” مثل بطوله العالم لكره القدم (كان هذا وقت بيليه). و الفارق هو ان ملاهي البرازيل كانت حقيقيه و لكنها ملهيه دون حدوث تطور حقيقي. فالبرازيل فعلا حصلت علي كأس العالم وقتها و لكن لا يودي ذلك لحدوث تطور حقيقي. بينما في مصر فحتي تلك الملاهي معظمها فناكيش غير حقيقيه.

(و توقعنا عام ٢٠١٣ ان يلجأ الانقلاب في مصر لذات سياسه الإلهاء كما في البرازيل و ذلك قبل ان يظهر الفناكيش للوجود و تصبح سياسه مستقره. و بالفعل حدث ما توقعنا تماماً).

٩- من اللطيف ايضا ذكر ان قاده الانقلاب في البرازيل فضلوا ايضا ارتداء نظارات سوداء! و كان القضاه العسكريون البرازيليون ايضا يرفضون التصوير!

نفس ما يفعل السيسي من تفضيل النظارات السوداء. و يبدو ان القاتل و المجرم دوما يتحاشي مواجهه الناس.

سنقوم الان بتتبع كيف تحولت البرازيل للديمقراطيه كي نتعلم و لا نكرر اخطاء الآخرين و كي لا نعيش في خيالاتنا.

—————————-

كان العامل الاقتصادي عاملا فاعلا في سقوط الانقلاب البرازيلي. فكل الانقلابات في العالم بالطبيعة تأتي بوعود اقتصاديه ضخمه. و بعضها كما في البرازيل يستطيع تحقيق ما يبدو انه حاله رواج اقتصادي. اي انقلاب يأتي و يقول انه سيحقق معجزات اقتصاديه. و نحن رأينا الاوهام التي نشرتها الصحف المصريه في عام ٢٠١٣ مثل انه مع يناير ٢٠١٤ سيعلن عن مشروع سيغير وجه الحياه علي ارض مصر مثلا. و هذه قطره من فيض وقتها.

لكن مع مقدم الثمانينات تجمعت عده عوامل أدت لحدوث خلل اقتصادي شديد في الاقتصاد البرازيلي:

١- تراكمت الديون التي اخذها الانقلاب طوال الستينات و السبعينات لدي المؤسسات و البنوك الغربيه و اصبحت واجبه السداد في الثمانينات و كلها بالدولار مما شكل عبئا ضخما علي ميزانيه الحكومه البرازيليه.

(لاحظ ان كثير من دعم الخليج لمصر هو في صوره ديون حتي و ان كانت ميسره و بشروط سياسيه و ليست اقتصاديه. و الحكومه المصريه الان تتفاوض علي قروض جديده من البنك الدولي – مصدر ٣ – و هي بدايه سياسه ستعتمدها الحكومه المصريه في السنوات القادمه لسد العجز في الميزانيه عن طريق الديون بعد تقليل دول الخليج لدعمها الميسر. و الفارق ان مصر علي شفا ان تقترب ديونها الخارجيه من حدود غير أمنه بعد مأساه الاستيدان بالدولار و المصري لحفر تفريعه غير مجديه لقناه السويس. لذلك توقعنا ان ما احتاج عشرين سنه في البرازيل كي يحدث سيأخد سنوات فقط في مصر بسبب ضعف الاقتصاد المصري الشديد مقارنه بالاقتصاد البرازيلي – مصدر ٤).

٢- اعتماد انقلاب البرازيل سياسه ابقاء معظم الدعم في مكانه حتي لا يثير ضده الفقراء. ادي هذا لبقاء ضغوط ضخمه علي ميزانيه الحكومه البرازيليه. و عندما حلت ديون البرازيل، طالب صندوق النقد الدولي البرازيل بإلغاء الدعم و بالفعل بدأت البرازيل في محاوله تقليصه في اسوء وقت ممكن للمواطن البرازيلي عندما كان الاقتصاد يتدهور بالفعل مما ادي لازدياد حاله السخط.

(يحاول نظام السيسي التعلم من هذا بتقليص الدعم من البدايه. لكنه يخطو بخطوات بطيئه جدا خوفا من انفجار الشعب المصري. و تصريحات السيسي الأخيره ان الاسعار ستنخفض – مصدر ٥- هي مؤشر علي تخوفه من هذا الموضوع. فمن يتحدث عن خفض الاسعار في الأغلب لن يرفع الدعم الا ببطء و علي شرائح معينه علي افضل الأحوال. و لم يحدث في العالم ان قام انقلاب عسكري برفع الدعم. لذلك توقعنا ان يخطو السيسي ببطء في هذه السياسه حتي مع ضغط المؤسسات الدوليه و يعتمد علي التجريب و إطلاق بالونات الاختبار. فهذا نطام مخابراتي بالأساس و يعتمد علي ما يقوله الناس لتكوين سياساته.)

٣- مع قدوم الثمانينات تراجعت اسعار المواد الاوليه في العالم و أهمها البترول. و اعتمد اقتصاد البرازيل وقتها علي تصدير المواد الاوليه و كانت كلها ذات اسعار مرتفعه جدا في السبعينات بعد حرب ٧٣ كما نذكر. مع انهيار سعر البترول و تراجع كل اسعار المواد الاوليه بالتبعية تراجع الاقتصاد البرازيلي بشده.

(مثل ذلك يحدث الان في المنطقه. فأسعار البترول تراجعت بشده و في الأغلب ستستمر كذلك لفتره مما قلص من قدره الخليج المعتمد علي البترول، علي الاستمرار في دعم نظام السيسي)

٤- مع النمو السكاني و تزايد الفقر في البرازيل برزت علي السطح مشكله الاراضي. فمعظم الاراضي في البرازيل كانت تحت سيطره الجيش و الدوله و الأغنياء. و الفقراء يعيشون في عشوائيات (يطلق عليها فافيلا) غير قابله للتمدد و محصوره جغرافيا بالرغم من ازدياد سكان العشوائيات بمعدلات كبيره. لذلك مع حلول الثمانينات انطلق الفقراء و استحوذوا علي الاراضي المجاوره لهم بوضع اليد. و نشأ صراع كبير بين الجيش و الدوله من ناحيه و فقراء البرازيل من ناحيه. و في موقف تاريخي قررت الكنيسه الكاثوليكيه في البرازيل (مؤسسه تماثل في المكانه الازهر في مصر)، الوقوف لجانب الفقراء في مطالبهم المشروعه بالأرض بالرغم ان الكنيسه الكاثوليكيه كانت ضالعه في انقلاب ١٩٦٤.

(سيحدث هذا الوضع في مصر قريبا. و نحن نري بداياته في استيلاء الجيش علي الجزر في النيل و طرد سكانها. و تأسيس الطريق الدائري في القاهره هو ما سيسرع الامر. فالعشوائيات و الكومبوندات الان متقاربون بشكل كبير و يحدهم عن النمو الطريق الدائري و المحور. و مع مرور الوقت ستلتهم العشوائيات كل الاراضي الزراعية المحيطه بالطريق الدائري كما يحدث الان و ستنطلق اما في الصحراء اذا دعمتها الدوله او ستحاول التهام الكومبوندات. و السيسي يعد الفقراء بالبناء في الصحراء بمشاريع مكلفه جدا و من محض الخيال – مصدر ٦ – و لن تحدث لانه لا يملك الأموال و هو نظام موال للاغنياء بالطبيعة و التأسيس. و بالتالي نتوقع ان نقطه الصدام بين العشوائيات و الكومبوندات قادمه.)

٥- طفره التوقعات. فعندما اتي انقلاب البرازيل عمل للناس من البحر طحينا. و بالفعل حدث بعض من الطحين خلال السبعينات. و تحدث العالم عن المعجزه البرازيليه. و كانت توقعات الناس في السماء. و مع الانهيار الاقتصادي في الثمانينات بقيت التوقعات لكن حلت الحقيقه. و هذه دائماً صدمه كبيره.

(السيسي يحاول جاهدا ان يعدل عن كل ما وعد به. و ما نغمه “مفيش” الا هذه المحاوله. لذلك من المهم جدا تذكير الناس دوما بوعوده و وعود من حوله الورديه.)

٦- تراجعت اهميه البرازيل بالنسبه للدول المانحه مع قدوم الثمانينات.

في السبعينات كانت الولايات المتحده في حرب ضروس ضد الشيوعيه. و كانت حرب فيتنام في أوجها. و لم تكن الولايات المتحده لتقبل هزيمه في فيتنام و حكما يساريا معاديا في اكبر دول امريكا اللاتينيه.

لكن مع تورط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الثمانينات و اصطياد امريكا له هناك و العجز الروسي البادي وقتها حتي عن محاوله اللحاق بامريكا في التكنولوجيا و ظهور علامات التفسخ الاقتصادي علي الاتحاد السوفيتي، قلت حاجه امريكا لدعم ديكتاتوريات امريكا اللاتينيه اليمينيه المواليه لها. بالعكس اصبحت تلك الديكتاتوريات عبئا عليها. و بالعكس فحدوث تحول ديمقراطي في البرازيل سيكون اقل تكلفه لامريكا و كذلك اكثر اتساقا مع سياسه الولايات المتحده الداعمه للديمقراطيه في دول شرق أوروبا التي وقتها كانت تريد التحرر من الهيمنه السوفيتيه.

(نظام السيسي بالنسبه للخليج و بعض الغرب و اسرائيل هو نظام وظيفي هدفه تثبيت موقف مصر الي جانب الخليج في الحرب ضد ايران و الحرب في سوريا و منع ان تتخذ مصر موقف مستقل عن الخليج. و بالطبع الي جانب ان الخليج يكره الديمقراطيه المصريه و احتمالات ان تصبح عدوي تنتقل لمجتمعات الخليج – مصدر ٧. و هنا تصبح حاله مصر اكثر تعقيدا من البرازيل. فداعم الانقلاب البرازيلي ديمقراطي في الأساس و هو حكومه امريكا. داعم الانقلاب في مصر الرئيسي في الخليج و اسرائيل و الجماعات اليمينيه الامريكيه، يكرهون الديمقراطيه. لذلك نري ان مستقبل الديمقراطيه في مصر له علاقه بكيفيه تسويه وضع داعش و الوضع السوري. فتدخل امريكا و الغرب و تركيا السياسي لصالح سوريا حره سيودي لتغيير الأوضاع في مصر لانه ستقل الحاجه لنظام قمعي في مصر و ان ستبقي رغبه الخليج في عدم انتشار الديمقراطيه في العالم العربي. اما ان انتصرت روسيا و الامارات و الاردن في سوريا فهذا سيثبت الوضع في مصر لفتره طويله حيث ستتلاحم الديكتاتوريات معا. و المنطقه لا شك حبلي بكل التطورات.)

هذا عن الاقتصاد و هو العامل الاول في تسريع عوده البرازيل للديمقراطيه. و لكنه ليس العامل الوحيد إطلاقا. فلا تحدث ثوره و تحول ديمقراطي فقط لأسباب اقتصاديه و الا تقمع بسهوله او تكون دون راس و دون توجه.

في الحلقه القادمه سنتعرض للعامل الثاني الذي سرع عوده الديمقراطيه في البرازيل و هو عامل التوحد السياسي لدي الطبقه الوسطي البرازيليه او ما يطلق عليه الاصطفاف و كيف تعامل الجيش البرازيلي معه (كي نشوقكم، اطلق الجيش البرازيلي سلسله من التفجيرات في البرازيل كي يقوض توحد الطبقه الوسطي و السياسين البرازيلين ضده).

المصادر:

——–

١- سلسله الانقلاب في البرازيل:

Jawdablog.org/category/الانقلابات-العسكرية/الحكم-العسكري-في-البرازيل/

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى