دراسات سياسية

دروس يجب تعلمها من الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا

د. لقرع بن علي (أستاذ العلوم السياسية في جامعة مستغانم)
تعد ظاهرة الانقلابات العسكرية من السمات المميزة للنظام السياسي في تركيا منذ منتصف القرن العشرين، ويعود ذلك الى الدور الكبير الذي لعبته المؤسسة العسكرية في بناء النظام السياسي التركي. لكن منذ بداية الالفية الثالثة وبالتزامن مع وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة عن طريق الانتخابات دخلت تركيا في مسار اصلاحي شامل على كل المستويات وحققت نجاحات كبيرة جعلتها قوة صاعدة في اقليمها الشرق اوسطي. ويبدو ان هذا النجاح جلب لها اعداء في الخارج وفي نفس الوقت جعل القيادة التركية (أردوغان) وحكومة حزب العدالة والتنمية عرضة للانتقادات حول سياساتها لاسيما الخارجية منها. وفي هذا السياق اتضح جليا ان هناك جزءا من العناصر التي تنتمي للمؤسسة العسكرية والقوى السياسية الموالية لها غير راضية عن هذه السياسات وتعمل في الخفاء من اجل اسقاط القيادة الحالية وحكومتها. في هذا الاطار وقع في ليلة 15 جويلية 2016 انقلاب عسكري في تركيا لكنه لم ينجح وفشل في الوصول الى اهدافه. وهنا طرحت التساؤلات حول فشل هذا الانقلاب مقارنة بنجاح حركات انقلابية اخرى وقعت في دول مجاورة لتركيا ولاسيما في العالم العربي (مصر مثلا). أن القراءة التقييمية للمحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا في صائفة 2016، افرزت لنا مجموعة من الدروس يمكن حصرها فيما يلي: 1- رغم فشل الانقلاب الا انه يجب القول ان المءسسة العسكرية عندما تحس ان مصالح الدولة في خطر يجب عليها ان تتحرك لانقاذ البلد لكن بدون التعاون مع الاجنبي وبدون تجاوز الشرعية الشعبية. 2- الانقسامات داخل الجيش لا تساعد على انجاح الانقلاب، وبالتالي يجب عدم تركيز كل السلطات العسكرية والامنية في جهاز واحد وبالتالي يجب الفصل بين الجيش وجهاز المخابرات وظيفيا وبنيويا بحيث لا يكون احدهما تابعا للاخر. 3- القيادة التي تتمتع بالشرعية الشعبية يحميها الشعب، ولا يمكن نجاح انقلاب عسكري على سلطة منتخبة بطريقة ديمقراطية. 4- النظام الديمقراطي يتطلب وجود احزاب سياسية تؤمن بالديمقراطية مهما كان نوع الحزب الذي يحكم، فالمعارضة التركية رغم اختلافها مع اردوغانت الا انها رفضت الانقلاب. 5- الديمقراطية لا تستورد ولا تفرض بالقوة وانما هي ثقافة يكتسبها الشعب ويمارسها في سلوكياته مع مرور الوقت حتى تترسخ في المجتمع الى ان تصبح من اساسياته فلا يمكن الاستغناء عنها. وهذا يعني ان الديمقراطية يبنيها الشعب ويحميها الشعب. 6- لا يمكن الوثوق بالاطراف الخارجية ويجب عدم التحالف معها ضد مصلحة الدولة والامة، فالقوى الخارجية تبحث عن مصالحها فقط ومواقفها متغيرة ودائما تنحاز للطرف المنتصر. فبمجرد ان قام الشعب التركي بالانحياز لاردوقان ضد الانقلاب تغيرت مواقف امريكا والدول الاوربية لصالح اردوغان رغم انها لم تندد في البداية بالانقلاب العسكري الذي يعد عملا منافيا للقيم الديمقراطية التي تؤمن بها تلك الدول وتدافع عنها. 7- لقد برز بشكل واضح تاثير الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي والوسائط الاخرى المشابهة في حسم الامور لصالح الديمقراطية. وهنا اصبح الامر جليا انه في عصر الانترنيت والفايسبوك والتويتر…الخ لا يكفي السيطرة على التلفزيون الرسمي والاذاعة الرسمية لانجاح الانقلاب، وبالتالي فالتكنولوجيات الحديثة للاتصال هي اكبر وسيلة مدعمة للديمقراطية ضد الديكتاتورية والاستبداد.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى