دوافع وتداعيات القرار الاستراتيجي الأمريكي بنقل السفارة من تل أبيب الى القدس في ديسمبر 2017

د. إبراهیم یوسف عبید

أستاذ العلوم السیاسیة المساعد/ کلیة الآداب والعلوم الانسانیة/ جامعة الأقصى- غزة- فلسطین

مجلة دراسات اقلیمیة, السنة ١٣, العدد ٤٠, الصفحة ٥-٦٥

مستخلص البحث

تسعى الدراسة للوقوف على ماهیة الدوافع التی تحرکت من خلالها إدارة الرئیس “دونالد ترامب” بنقل السفارة الأمریکیة من تل أبیب إلى مدینة القدس فی دیسمبر 2017، والتنبؤ بالتداعیات المحتملة لهذا القرار، وانعکاساته على السیاسة الأمریکیة تجاه قضیة القدس، مع تسلیط الضوء على العوامل المؤثرة والمتمثلة بدور مؤسسات صنع القرار، والمناخ السیاسی الأمریکی الداخلی، وطبیعة البیئة الدولیة. کما وتتناول الدراسة الأهداف المرجوة للقرار وأدوات التنفیذ، وتداعیاته السیاسیة والقانونیة والدیموغرافیة، وعلى العلاقات العربیة-الأمریکیة. وتنطلق الدراسة من فرضیة رئیسة مفادها، “وجود علاقة ودور للنخبة المتنفذة فی صناعة السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی عهد ترامب، والقرار الأمریکی بنقل السفارة الأمریکیة للقدس”. وسوف تستند الدراسة بالتحلیل على عدة مناهج، هی:(منهج نخبة القوة، والمنهج السلوکی، والمنهج البنیوی، منهج صنع القرار).

المقدمة:

سعت سلطات الاحتلال الإسرائیلی منذ احتلالها لمدینة القدس فی السابع من حزیران/یونیو ١٩٦٧م، إلى تکریس انشطتها الاستیطانیة فیها، الرامیة إلى فرض الوقائع والحقائق الجدیدة على الأرض الفلسطینیة. وهذه الوقائع مکنّت المفاوض الإسرائیلی التهرب من قضایا الوضع النهائی، وأعطته مساحة من المماطلة والمراوغة على مدار سنوات المفاوضات الإسرائیلیة- الفلسطینیة، ونجح فی إتاحة الفرصة لحکوماته المتعاقبة للاستناد إلى مبدأ “کسب الوقت” لقضم مزیداً من الأراضی الفلسطینیة الجدیدة، وإدراجها کأمر واقع ضمن حدود ما یُعرف “بلدیة القدس الکبرى”. فضلا عن طمس المعالم التاریخیة والحضاریة لهذه الأراضی، وإحداث تغییرات دیموغرافیة، وخلخلة سکانیة على حساب الفلسطینیین، ناهیک عن إحاطتها بالجدار الأمنی الفاصل- جدار الفصل العنصری- لعزلها عن محیطها الفلسطینی والعربی. یحدث هذا کله فی ظل رعایة الولایات المتحدة غیر النزیهة لعملیة التسویة بین الفلسطینیین والإسرائیلیین منذ انعقاد مؤتمر مدرید ١٩٩١م. بالرغم من سیاساتها المعلنة تجاه القدس منذ عام ١٩٦٧م، والمتمثلة فی:

–           ضرورة الإبقاء على مدینة القدس موحدة.

–           وضع المدینة یتحدد نهائیاً من خلال التفاوض بین أطراف النزاع.

–           ضمان حریة الوصول للأماکن المقدسة لاتباع الدیانات الثلاث من حجاج وزوار وغیرهم.

اتبعت الإدارات المتعاقبة إلى جانب السیاسة الأمریکیة المعلنة، سیاسة غیر معلنة تجاه قضیة القدس اتسمت فی غالب الأحیان بالانسجام مع السیاسات والرؤى الإسرائیلیة، إذ وقفت الإدارات الأمریکیة موقفاً منحازاً لصالح إسرائیل، وخاصة فیما یتعلق بنقل سفارتها للقدس، ففی ٢٣ تشرین الأول/أکتوبر ١٩٩٥م، أصدر الکونجرس الأمریکی قانون عُرف باسم “قانون سفارة القدس لسنة ١٩٩٥م”، نص على الشروع بتمویل عملیة نقل السفارة الأمریکیة من “تل أبیب” إلى القدس، على أن یتم ذلک فی حدّ أقصى ٣١ أیار/مایو١٩٩٩م. إلا أن ذلک القانون تضمن بنداً یسمح للرئیس الأمریکی بتأجیل تنفیذ القرار لمدة ستة أشهر إذا رأى أنه ضروری لـ “حمایة المصالح الأمنیة القومیة الأمریکیة”[١]. ومنذ إدارة الرئیس “بیل کلینتون”، وحتى نهایة إدارة الرئیس أوباما کان التأجیل یتم تلقائیاً کل ستة أشهر، رغم أن هؤلاء الرؤساء کانوا قد وعدوا ناخبیهم أثناء ترشحهم بنقل السفارة الأمریکیة من تل أبیب إلى القدس. وفی ١ جزیران/یونیو من العام ٢٠١٧م، انضم الرئیس الأمریکی الحالی “دونالد ترامب” لمعسکر أسلافه، وأجّل تنفیذ نقل السفارة لمدة نصف عام. ثم عاد فی ٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧م، وأعلن عن نقل سفارة بلاده إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائیل.

لذلک، تسعى الدراسة لتحلیل الدوافع والأسباب التی دفعت الرئیس دونالد ترامب لاتخاذ قرار استراتیجی یتنافى مع سلوک أسلافه من الرؤساء الأمریکیین السابقین.

انطلاقاً من هذه المعطیات ستتناول الدراسة بالتحلیل العوامل المؤثرة فی القرار الاستراتیجی الأمریکی بنقل السفارة الأمریکیة للقدس، ودوافع هذا القرار، والأدوات التی أثرت فی توجهات الرئیس ترامب، ومن ثم تداعیات ذلک على مستقبل الصراع العربی الإسرائیلی، والدور الأمریکی فی عملیة التسویة. وعلیه، سیتم تقسیم الدراسة إلى المحاور الآتیة:

  1. المحور الأول: ماهیة القرار الاستراتیجیة (تأصیل نظری).
  2. المحور الثانی: العوامل المؤثرة بالقرار.
  3. المحور الثالث: أهداف القرار.
  4. المحور الرابع: أدوات تنفیذ القرار.
  5. المحور الخامس: تداعیات القرار على واقع مدینة القدس، وعلى مستقبل الصراع وعملیة التسویة.

 

أهداف الدراسة:

سعت الدراسة لتحقیق الأهداف الآتیة:

– تسلیط الضوء على العوامل المؤثرة فی القرار.

– تحلیل وفهم أثر البیئة الداخلیة الأمریکیة وطبیعة المناخ الدولی على القرار.

– استعراض دوافع القرار الأمریکی، والأدوات التی اعتمد علیها.

– تحلیل تداعیات القرار على مستقبل الصراع وعملیة التسویة.

تساؤلات الدراسة:

سعت الدراسة للإجابة عن الأسئلة الرئیسة الآتیة، وهی:

  1. ما مفهوم القرار الاستراتیجی؟
  2. ما دور المؤسسات الأمریکیة الرسمیة فی تنفیذ القرار بنقل السفارة الأمریکیة للقدس؟
  3. کیف انعکس تأثیر البیئة الداخلیة الأمریکیة وبیئة النظام الدولی على القرار الأمریکی؟
  4. ما دوافع القرار الأمریکی، وما الأدوات التی اعتمد علیها؟
  5. إلى أی مدى انعکس القرار على واقع الصراع العربی- الإسرائیلی؟

منهج الدراسة:

اعتمدت الدراسة على المناهج الآتیة:

  1. منهج نخبة القوة: یطرح هذا المنهج الافتراض بأن صنع السیاسة یتسم أساساً بعدم مشارکة المواطنین وأن السیاسات النابعة من هذه العملیة تتصف بالتعبیر عن مصالح هذه النخبة. ووفقاً لهذا النموذج تترکز السلطة فی أیدی عدد محدود من النخبة السیاسیة الحاکمة ذات المصالح المشترکة، وعلى المستوى الداخلی تسعى هذه النخبة إلى التأثیر فی الرأی العام وتوجیهه. أما خارجیا فإنها تتبع سیاسات تعتمد على القوة وتؤثر سلبا فی السلام العالمی[٢].
  2. المنهج السلوکی: یهتم بدراسة السلوک الفعلی للقوى السیاسیة وتحلیله فی الأدوار والوظائف السیاسیة أکثر من اهتمامه بمحتوى القواعد الدستوریة أو الأنماط الإیدیولوجیة، لأن هذه القواعد والأنماط هی مجرد بنیة فوقیة تستمد مشروعیتها من الموافقة الجماعیة على الحلول التی تطرحها. وهذه الموافقة ُتبنى على الضرورات الأساسیة التی تنجم بدورها عن مجموعة من المعطیات على المستوى المعنوی للتصورات والمعتقدات، وعلى المستوى المادی للرغبات والحاجات. وهذا یرتبط بالضرورة بسلوکیة القوى السیاسیة والطبقیة المتنافسة، وبتوازنات هذه القوى وتفاعلاتها بکل تمایزاتها.[٣] بمعنى آخر، تحلیل السلوک الخارجی للدول من فرضیة أساسیة مؤداها أن “سلوک الدول هو فی واقع الأمر سلوک الأفراد الذین یتصرفون باسمها”، فأصبح ” الفرد ” الوحدة الأساسیة للتحلیل، وأصبحت من البیئة النفسیة للفرد النقطة الجوهریة فی التحلیل، ویرتکز التجدید الذی جاءت به السلوکیة ونظریات صناعة القرار فی السیاسة الخارجیة على نقطتین أساسیتین: الفرد کوحدة تحلیل مرکزیة، البیئة النفسیة الفرد فی مواجهة فرضیة العقلانیة[٤].
  3. المنهج البنیوی: مفهوم المستویات البنیویة لـ”دیفید إیستون”، الذی یتأثر بالبنیویة المارکسیة، ویؤکد على وجود مستوى بنیوی کّلی ومستوى بنیوی جزئی، والعلاقة بینهما تکون إما اختیاریة حرة، أو إجباریة مقیدة، أو تنسیقیة حاضنة. وتعتمد طبیعة هذه العلاقة على طبیعة البنیة السیاسیة والمحددات المجتمعیة العامة، أی أن هذا المفهوم یقوم على الدمج بین التحلیل البنیوی وتحلیل النظم[٥].
  4. منهج صنع القرار: عملیة دینامیکیة تتألف من مجموعة من العناصر والأبعاد والمراحل؛ وتتم ضمن إطار مؤثرات وقیود محددة ومتعددة، وتضمنُ السلوکیات الهادفة والتفاعلات المؤسّسیة والسّلوکیةِ التی تُفضی إلى اتخاذ القرَار الذی یقومُ على المُفاضلةِ والموازنةِ بینَ عددٍ من البدائلٍ المتاحة، وبما یعبّر عن علاقاتِ وتوازناتٍ القُوى فی المجتمعِ، ویحُقق الأهدافَ بأقلّ قدرٍ ممکنٍ من استخدام الإمکاناتِ المادیّة والفنیّة والبشِریة[٦].

المحور الأول: ماهیة القرار الاستراتیجی (تأصیل نظری).

القرار الاستراتیجی: هو الذی یصدر عن مستویات سیاسیة علیا لتحقیق أهداف بعیدة المدى. بمعنى أخر، هو مسؤولیة القائد العام، أو هو عموماً مسؤولیة أعلى مستویات صنع القرار. وعن توقیت اتخاذ القرار الاستراتیجی، یقول الأستاذ الدکتور عبد الناصر سرور المختص فی العلاقات الدولیة: “قد یصدر فی أوقات طبیعیة معتادة ولکن فی حال وجود مشکلة جوهریة فإن ذلک یحتاج قراراً مهماً بعید الأثر، وقد یوجد القرار الاستراتیجی أیضاً فی موقف الأزمة”[٧].

تعنی الأزمة ارتفاع درجة التهدید الموجه إلى المصالح الجوهریة، والقیم العلیا للدولة، والمجتمع مع ضیق ومحدودیة الوقت المتاح لاتخاذ القرار، وارتفاع احتمالات التحرکات المفاجئة من الخصم. ومن ثم فإن الأزمة هی موقف تتزاید فیه درجة عدم الیقین إزاء نوایا الخصم وتحرکاته وأهدافه، وإزاء تطور الموقف لاحقاً. وبالآتی فإن هذا الموقف قد یفرز ضغوطاً نفسیة[٨].

أما عن ماهیة القرار؛ فهو قرار یتسم بصفة الاستراتیجیة، والقرار یفترض وجود مشکلة أو موقف یحتاج إلى حل، وتوافر أکثر من حل بدیل، لکل منها منافع وعیوب وتکلفة، ویتم اختیار أحد هذه الحلول البدیلة کی یصدر فی شکل قرار من السلطة السیاسیة لتنهی به المشکلة أو الموقف بطریقة ما. وصفة الاستراتیجی هنا تعنی أن المشکلة أو الموقف الذی یحتاج إلى حل هو مشکلة أو موقف مهم وعام وذو أثر على المسار العام لتطور المجتمع[٩]. ویتمیز القرار الاستراتیجی بمجموعة من الخصائص، منها:

–       القرار الاستراتیجی لیس قراراً روتینیاً، بل قراراً تفرضه الاحتیاجات الاستراتیجیة التی تفرزها البیئة الخارجیة، والرؤیة والطموحات الوطنیة المستقبلیة الشاملة التی لها علاقة بحمایة المصالح الحیویة للدولة، ودورها ومکانتها الاقلیمیة والدولیة[١٠].

–    یرتبط القرار الاستراتیجی بالزمن من حیث الظروف البیئیة المحیطة والمتحکمة سواء (داخلیاً أو خارجیاً أو دولیاً)، فهو مرتبط بالزمن، وبأهداف مطلوب تحقیقها مستقبلیاً، وینطوی على الحسابات التاریخیة والأوضاع القائمة، وحسابات مستقبلیة قائمة على التوقعات والاحتمالات المرتبطة بحسابات الماضی والحاضر[١١].

–    یؤدی التأخر فی صناعة القرار الاستراتیجی تجاه القضایا الاستراتیجیة المطروحة أو صناعة القرار الاستراتیجی (على أساس معلومات غیر محدثة زمنیاً وغیر مواکبة للتطورات الحدیثة) إلى قرارات إستراتیجیة غیر موضوعیة، بل یمثل انفصال الدولة عن الزمن وتفکک وتقویض نظامها السیاسی ویهز ویشکک فی مکانتها الإقلیمیة والدولیة، ویهدد مصالحها الحیویة[١٢].

– تُعدُ سرعة اتخاذ القرار الاستراتیجی وتوقیته، من العوامل المحددة لکفاءة وفعالیة القرار الاستراتیجی فی خلق الحلول وتقریر المواقف، وتعزیز مکانة الدولة فی محیطها الإقلیمی والدولی، خاصة فی وقت الأزمات[١٣].

– القرار الاستراتیجی عادة ما یکون نتیجة تفاعل وتناغم بین المستوى السیاسی والعسکری فی الدولة، ومثال على ذلک (القرار الاستراتیجی الأمریکی بغزو العراق عسکریاً فی مارس ٢٠٠٣).

المحور الثانی: العوامل المؤثرة فی اتخاذ القرار الأمریکی

هناک مجموعة من العوامل المؤثرة فی صنع القرار السیاسی الاستراتیجی، کدور القائد وشخصیته، والترکیب الاقتصادی والاجتماعی، والرأی العام، والأحزاب السیاسیة، جماعات المصالح، واللوبیات، وطبیعة النظام السیاسی، … إلخ[١٤]. فعملیة صنع القرار تؤثر فیها مجموعة من العوامل، والمؤثِّرات النفسیة والاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة، کما تتضمن مجموعة من العناصر والاعتبارات التی یتخَّذ القرار بناء علیها.

إن القرارات الاستراتیجیة الأمریکیة کما المعلوم، لا تتبلور فی العدم أو تأتی بفعل نزوة سیاسیة قد تنتاب مزاج الرئیس فجأة، بل على العکس من ذلک، فهی نتاج عملیة سیاسیة ممنهجة، ومدروسة، ولیست اعتباطیة. وهذا ینطبق على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، وعلى الأرجح أنه جاء ضمن نسقین متکاملین یُحدّدان جدلیة صنع القرار فی الولایات المتحدة، هما:[١٥]

–    الأول، سیاق استباقی تستغله جماعات الضغط فی الولایات المتحدة بالاستثمار مادیاً وسیاسیاً وأیدیولوجیاً فی المرشحین الأمریکیین خلال حملاتهم الانتخابیة، بهدف حشد الرأی العام لمصلحة المرشح، ونهایةً بإضعاف خصومه المنافسین له فی السباق الرئاسی.

–    الثانی، سیاق تفاعلی یهدف إلى الوقوف على مدى التزام المرشح بوعوده الانتخابیة التی قطعها لناخبیه، واعتماد خطاب یُشید بمصداقیة سلوکه السیاسی، ویعزز سیاسته بصدقیته ویخدم المصالح الاستراتیجیة للولایات المتحدة.

 یعد القرار الأمریکی بنقل السفارة الأمریکیة من “تل أبیب” إلى القدس، والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائیل انقلاباً على اتفاقات السلام، وعلى قرارات الشرعیة الدولیة وانحیازاً کاملاً لإسرائیل کدولة یهودیة، ونکراناً للشعب العربی الفلسطینی صاحب الأرض والجغرافیا والتاریخ.

لقد شکلت البیئتین المحلیة والدولیة سّیاقاً ومساراً، ضروریین فی تشجیع الرئیس “دونالد ترامب” لإعلان سیاسته الجدیدة تجاه القدس، فقد تحدّى معارضیه من الجمهوریین فی البیت الأبیض، وحلفاءه فی شتّى العواصم بما فیها: (لندن وباریس وستوکهولم)، ولم یکترث بالعزلة الدبلوماسیة للولایات المتحدة خلال التصویت فی مجلس الأمن، والجمعیة العامة. وشدد فی خطابه عن حالة الاتحاد أمام جلسة مشترکة لمجلسی النواب والشیوخ الأمریکیین قائلًا” “إننی أقدمت على إجراء کان قد حظی بتصویت بالإجماع فی مجلس الشیوخ قبل سنوات، لقد اعترفتُ بالقدس عاصمة لإسرائیل”[١٦].

لا شک ان هناک مجموعة من الاعتبارات والعوامل التی أدّت إلى الاعلان عن هذا القرار، سواء فی بعدها الاستراتیجی أو السیاسی أو العقائدی أو حتى النفسی، فضلا عن علاقته بقیادات جماعات الضغط أو اللوبی الإسرائیلی، تأثیر الجماعات المسیحیة الأنغلیکانیة (الانجیلیین). هذا ما ستتناوله الدراسة رصداً وتحلیلاً للوقوف على الدوافع والتداعیات.

کتبت صحیفة “نیویورک تایمز” الأمریکیة فی ٢٢ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧م، مقالاً جاء فیه: “إن القادة الإنجیلیین المحافظین، الذین شجعوا الرئیس دونالد ترامب حتى وصوله إلى رئاسة الولایات المتحدة، کانوا سبباً رئیسیاً فی اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائیل، لأنها على رأس أولویاتهم، وأنهم مارسوا ضغوطهم فی هذا الاتجاه خلال لقاءات عدة مع ترامب ونائبه “مایک بنس” ومساعدیهم فی البیت الأبیض، حیث أکد ترامب التزامه بتنفیذ وعده”[١٧].

وبغض النظر عن تلک الروایات وإن صحت، فما لا شک فیه، أن الولایات المتحدة الأمریکیة تمارس سیاسة الهیمنة والغطرسة، کقطب أوحد انطلاقاً من عدة اعتبارات، أبرزها[١٨]:

–    التفوّق العسکری النوعی على بقیة دول العالم، وانتشار القواعد الأمریکیة عبر العالم.

–    السیطرة على أغلب مصادر الطاقة.

–    بناء التحالفات العسکریة والسیاسیة مع دول محوریة على قواعد مشترکة أیدیولوجیة وسیاسیة.

  هذه المرتکزات وغیرها، هی من دفع إدارة ترامب إلى الإعلان فی ٦ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧ نقل السفارة الأمریکیة للقدس، وفی إطار هذه الاعتبارات، یثار التساؤل الرئیس وهو: ما هو دور المؤسسات الرسمیة فی عملیة صنع القرار الاستراتیجی الأمریکی المتعلق بنقل السفارة الأمریکیة من “تل أبیب” إلى القدس؟، وما تأثیر البیئتین الداخلیة والدولیة فی اتخاذ هذا القرار؟

للإجابة على هذا التساؤل لابد من استعراض ما یأتی:

  1. الرئیس:

فی آذار/مارس ٢٠١٦، ألقى “دونالد ترامب” خطاباً أمام لجنة الشؤون العامة الأمریکیة- الإسرائیلیة (إیباک)، تعهّد فیه بنقل “السفارة الأمریکیة إلى القدس أو کما وصفها حینها “العاصمة الأبدیة للشعب الیهودی”[١٩].

لم یکن قرار ترامب بنقل السفارة محل توافق بین مستشاریه؛ ففی حین عارضه وزیرَا الخارجیة، (تیلرسون)، والدفاع، ( ماتیس)، ومدیر وکالة الاستخبارات المرکزیة (CIA)، (مایک بومبیو)، فقد أیّده کلّ من نائب الرئیس، (مایک بینس)، والسفیرة الأمریکیة فی الأمم المتحدة، (نیکی هالی)، وسفیر الولایات المتحدة فی إسرائیل، (دیفید فریدمان). کما أیده أیضاً، صهره ومستشاره “جارید کوشنر”، والمبعوث الأمریکی الخاص للسلام فی الشرق الأوسط، “جیسون جرینبلات”[٢٠].

أعلن بعد ذلک الخطاب الملیاردیر الیهودی، (شیلدون أدیلسون) دعمه لحملة ترامب للرئاسة، وتبرّع بمبلغ ٢٠ ملیون دولار إلى اللجان السیاسیة الانتخابیة الخاصة بحملة ترامب، ثم تبرع مرةً أخرى بمبلغ ١,٥ ملیون دولار لتنظیم مؤتمر الحزب الجمهوری الذی أعلن ترامب رسمیاً مرشحاً للحزب[٢١].

ومنذ انتخاب ترامب رئیساً للولایات المتحدة، لم یتوقف أدیلسون عن تذکیره بوعده فی نقل السفارة للقدس، ولم یخف تذمّره من ضغوطات مستشاریه التی أثمرت فی حزیران/یونیو ٢٠١٧، بتوقیعه قرارا بتأجیل نقل السفارة، إلى أن أعلن ترامب فی ٢٧ تشرین الثانی/نوفمبر ٢٠١٧ نیته نقل السفارة، رغم تحذیرات وزیرَی الدفاع والخارجیة[٢٢].

وقد ساهمت مجموعة من العوامل المتداخلة، ودفعت باتجاه اتخاذ قرار نقل السفارة للقدس، ویمکن استعراضها على النحو الآتی:[٢٣]

–    على المستوى الداخلی، بدأت التحقیقات حول تدخل روسیا فی الانتخابات الأمریکیة تقترب من طاقم الرئیس وبعض أعضاء إدارته. وخاصة بعد توجیه الاتهام لمستشار الرئیس للأمن القومی “مایکل فلین”، على خلفیة (البیان الکاذب) الذی أدلى به لمکتب التحقیقات الفیدرالیة (FBI) بشأن تدخل روسیا فی الانتخابات الأمریکیة. فضلا عن نزاید الشکوک حول تورط صهرة “جارید کوشنر”، وبعض أقطاب إدارته؛ وهذا مؤشر على أن الرئیس ترامب أصبح فی وضع داخلی یزداد صعوبة. ویبدو أن هذا الوضع المأزوم قد دفع ترامب إلى طلب الدعم من اللوبیات الصهیونیة المؤثِّرة. یضاف إلى ذلک، حرص ترامب على إرضاء قادة وأفراد الحزب الجمهوری المؤیدین لنقل السفارة وخاصة المحافظین والإنجیلیین. فضلا عن الشخصیات التی دعمته، مالیاً وسیاسیاً وإعلامیاً، للفوز فی الانتخابات الرئاسیة، أمثال الملیونیر الیهودی الذی دفع ٢٥ ملیون دولار مقابل أن یقوم ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل. من المرجح أن تکون هذه المواقف قد ساهمت فی دعم ترامب فی مساعیه لنقل السفارة للقدس.

–    على المستوى الخارجی، الواقع العربی المتشرذم والمنقسم على نفسه، الذی انهکته الحروب الداخلیة، ناهیک عن انقسام مجلس التعاون الخلیجی، الذی حافظ لفترة طویلة على وضع سیاسی واقتصادی مستقر نسبیاً، وخاصة بعد اتساع دائرة الخلاف مع قطر. ویبدو أن ترامب قد عوّل على امتصاص غضب حلفاءه العرب، قطر ومصر والسعودیة، والأردن، الذین یحتاجون باستمرار للدعم الأمریکی، ولعل ذلک ما جعل ردود الفعل العربیة الرسمیة خجولة جداً.

لقد شغل قرار الرئیس الأمریکی “دونالد ترامب” بنقل السفارة الأمریکیة إلى القدس الرأی العام العالمی، فعمت المظاهرات والاحتجاجات والتصریحات الرافضة والمنددة بهذا القرار معظم دول العالم التی وصفته بغیر العقلانی والطائش. منها تصریح وزیر الخارجیة الهولندی “هالبهزیلیسترا” الذی وصف قرار ترامب أنه: “خطوة غیر عقلانیة وستضر بمسار السلام”[٢٤]. ووصفته العدید من الشخصیات القانونیة والحقوقیة بـ “غیر العقلانی” ویخالف المعاهدات الدولیة، وقرارات محکمة العدل الدولیة التی تقر بحق الشعب فی تقریر مصیره وتقریر حقوقه السیاسة والاقتصادیة[٢٥].

وعندما یکثر الحدیث عن القرارات غیر العقلانیة، أو المتهورة، أو الطائشة- کما وصفها الکثیر من السیاسیین، وعلماء النفس- التی اتخذها الرئیس ترامب، کقرار نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس؛ وما یمکن أن یترتب على هذا القرار من تداعیات، فإن الأمر یتطلب تسلیط الضوء على البیئة النفسیة للرئیس ترامب، للوقوف على طریقة وطبیعة تفکیره، والسمات الشخصیة التی تتسم بها شخصیته، من خلال مجموعة من الدراسات والتقاریر لعلماء واخصائیین نفسیین (داخل الولایات المتحدة وخارجها)، وذلک على النحو الآتی:

١. البروفیسور “ولیام دوهیرتی”، أستاذ علم النفس بجامعة “مینیسوتا”، نشر فی حزیران/یونیو ٢٠١٦م “عریضة إلکترونیة” أسماها “مناهضة الترامبیة” وحصدت تواقیع أکثر من ٢٢٠٠ اختصاصی بالصحة العقلیة، وعلق دوهیرتی بالقول: “نعم، یعتبر الأمر بالنسبة لی استثناءً، إذ أن الواقع الذی یطالعنا یجسد تهدیداً للدیمقراطیة بعینها”[٢٦]، یقصد شخصیة وسلوک الرئیس ترامب.

٢. الدکتورة”جولی فوتریل”، قالت: “أن النرجسیة هی إحدى أبرز السمات النفسیة لترامب، وأن هذه النرجسیة تمنعه من رؤیة الواقع، لذا لا یمکنک استخدام المنطق لإقناع شخص مثله”[٢٧].

  1. الدکتور “ستیفن بوزر” صاحب کتاب: “الخطر الواضح القائم: النرجسیة فی عهد دونالد ترامب” قال: “إننا نحرص على عدم وضع تشخیص سریری هنا، للقول إن ترامب یعانی من اضطراب الشخصیة النرجسیة. وقد سلطنا الضوء على الصورة التی یظهر بها عبر الشاشة، والتغریدات، والتعلیقات[٢٨]”.
  2. الطبیب النفسی الأمریکی “جون غارتنر” عقب اجتماع لخبراء فی الطب النفسی فی “جامعة یال” الأمریکیة، بتاریخ ٢٨ کانون الثانی/ینایر ٢٠١٧م، قال: “إن أطباء وخبراء فی علم النفس رأوا أن من واجبهم الأخلاقی تحذیر الرأی العام الأمریکی من مخاطر المرض النفسی الذی یصیب رئیس البلاد”[٢٩].
  3. الدکتور “محمد المهدی“، أستاذ الطب النفسی بجامعة الأزهر، مصر، تحدث على فضائیة المحور المصریة عن شخصیة الرئیس الأمریکی دونالد ترامب، قائلاً: “تظهر علیه علامات غریبة من اضطرابات نفسیة منذ تولیه قیادة الولایات المتحدة”. وأضاف: “أن أحد الأطباء النفسیین الدولیین تحدث عن أن “ترامب” یعانی من النرجسیة الخبیثة، ویبدو أنه عاطفی ومرح ومؤثر فی الناس لکنه فی النهایة یرى الآخرین أداة لخدمة مصالحه”. وأشار: أن ترامب یمیل إلى الطائفیة والعنصریة، ویشبه الدیکتاتور أدولف هتلر من ناحیة الشعور بالعظمة، وأن بعض الأطباء النفسیین یرون أن ترامب خطر على العالم والسکوت على التشوهات النفسیة له خیانة لأمریکا والعالم والإنسانیة”[٣٠].

٦. الأستاذ الدکتور قاسم صالح، رئیس الجمعیة النفسیة العراقیة، أعد دراسة حلّل فیها شخصیة الرئیس ترامب سیکولوجیاً، وتوصل فیها إلى عدة نتائج، منها: أن ترامب هو شخصیة استعراضیة، مولع سیکولوجیاً، یحب الظهور والشهرة، إذ قدم لمدة إثنی عشر عاماً برنامجاً تلفزیونیاً بعنوان “ذی أبرنتیس” أجرى فیه اختبارات لعدد من المرشحین للالتحاق بشرکاته العملاقة، وأخذ الأمریکیون یلقبونه “الدونالد ترامب الشهیر”، وأصبحت تسریحة شعره رمزاً للنجاح فی الأعمال خلال الثمانینات من القرن المنصرم[٣١]. فی ضوء تلک المعلومات التی تتعلق بسلوکیاته، یمکن تحدید أهم صفاته الشخصیة على النحو الآتی[٣٢]:

–    الطموح وتحقیق الوصول الى أکثر من قمة.

–    الانفراد بالرأی.

–    الاستعراضیة وحب الظهور.

–    السرعة فی اتخاذ القرارات.

إن المتتبع لسلوکیات الرئیس ترامب خلال أکثر من عام على تولیه رئاسة الولایات المتحدة، یلاحظ بوضوح اتباعه سیاسة تتطابق مع التوجهات والرؤى الإسرائیلیة وتلبی مطالب التیار المسیحی المتصهین داخل إدارته. ومن الأمثلة على ذلک، قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، ونقل السفارة الأمریکیة من “تل أبیب” الى القدس. إن هذا القرار اعتداء على الحقوق التاریخیة للفلسطینیین، وتجاوز للأعراف الدبلوماسیة وقرارات الشرعیة الدولیة، والقانون الدولی؛ فالرؤساء الأمریکیین الذین سبقوه وعدوا هم أیضاً بنقل السفارة الأمریکیة للقدس لکنهم لم ینفذوا هذا الوعد، وذلک وفقاً لحسابات استراتیجیة دقیقة تتعلق بالرؤیة والمصالح الأمریکیة فی المنطقة، هذا فضلا عن شخصیتهم التی قد صقلتها وطورتها البیروقراطیة والدبلوماسیة التی تخضع للتخطیط الطویل والابتعاد عن الارتجال. إلا أن ترامب باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائیل وإشادته المستمرة بنفسه بأنه یمتلک صفات لم تکن موجودة عند نظرائه السابقین کالشجاعة والجرأة والانجاز السریع، وکأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل لیست قضیة سیاسیة کبرى، وإنما قضیة شخصیة تتعلق به، وبالنرجسیة التی تسیطر على سلوکه وبحاجة دائمة للمزید من الإعجاب والإطراء، ویبدو أن المظاهرات والاستنکارات وموقف مجلس الأمن والاتحاد الأوربی المعارض لقراره، وهو صورة مکملة لهذا المیل الغریزی فی أن یکون موضع اهتمام الجمیع وشغلهم الشاغل. أمثلة أخرى کذلک، انسحاب الولایات المتحدة من الیونسکو، وفک الالتزام بعقد اللاجئین للأمم المتحدة، وقراره بمنع دخول لاجئین من ست دول إلى الأراضی الأمریکیة، الذی لم توافق علیة المحکمة العلیا…الخ. خلافاً للنهج والسلوک الذی سلکته واعتادت علیه الإدارات السابقة القائم على الالتزام بالعقود.

إلى جانب النزعة النفسیة التی تسیطر على سلوک ترامب حسب التحلیل النفسی، فمن المرجح أن یسعى ترامب لإضفاء بعد دینی فی سلوکه وخاصة تجاه القدس، لتحقیق غایات عدة، منها:  لفت الأنظار عن مشاکله الداخلیة والتحقیقات التی وصلت طاقمه فی البیت الأبیض، بخصوص العلاقة السریة مع الروس، التغطیة على فضائحه الجنسیة المتزایدة، وإرضاء تیار الیهودیة المسیحیة المتنفذ فی المؤسسات السیاسیة والاقتصادیة الأمریکیة؛ ولعل ذلک ما دفعه إلى الاقدام على هذه الخطوة، وهو یدرک أنها تشکل خروجاً على الشرعیة والقوانین الدولیة، وتجاوزاً للحقوق الوطنیة للفلسطینیین، والقومیة والدینیة للعرب والمسلمین، فضلاً عن تعطیلها لحل القضیة الفلسطینیة.

وباعتقادی أن الرئیس ترامب استند إلى العامل الدینی عندما وصف القدس بأنها “عاصمة الشعب الیهودی التی أقیمت فی العصور القدیمة”، وهو وصف فیه اقتباسات دینیة لدى الیهودیة السیاسیة والمسیحیین الإنجیلیین الذین یؤمنون بنبوءة أن القدس عاصمة إسرائیل التی ستشهد نهایة العالم. فقد استحوذ موضوع القدس على جزء کبیر من حملته الانتخابیة رغم أن مسیرة حیاته لا تؤکد أنه کان متدیناً، لکن یبدو أنه کان یرغب فی إعادة حشد اللوبی الیهودی الصهیونی المتنفّذ فی الولایات المتحدة لصالحه، کما أن قیامه بتعیین “مایک بینس” نائباً له یصب فی هذا الجانب، والمعروف أن بینس ینتمی إلى “الحرکة الإنجیلیة”.

٢. نائب الرئیس (مایک ریتشارد بینس):

حسب سیرته الذاتیة فإن “مایک بینس” بدأ إعادة “اکتشاف مسیحیته” فی المرحلة الجامعیة من دراسته، وبحلول عام ١٩٩٥م، التحق بکنیسة “غرایس الإنجیلیة”، ومن ثم أخذ یصف نفسه بأنه: “مسیحی، ومحافظ، وجمهوری”، أما عن مسیحیته فهی: “مسیحیة تجدیدیة کاثولیکیة إنجیلیة”[٣٣]. فهو من التیار الإنجیلی الذی یرى فی دعم إسرائیل مقدمة لمعرکة “هرمجدون” وعودة المسیح المخلص، ونهایة الزمان. وفی مقابلة له مع دوریة الکونجرس الامریکی عام ٢٠٠٢م، صّرح بینس قائلا: “”دعمی لإسرائیل ینبع بدرجه کبیرة من معتقدی فی الإنجیل، وعد الرب إبراهیم أولئک الذین یبارکونک أبارکهم، وأولئک الذین یلعنوک ألعنهم”[٣٤].

ألقى بینس خطاباً فی الکنیست الإسرائیلی خلال زیارته لإسرائیل فی ٢٢ کانون الثانی/ینایر ٢٠١٨م و”کان أشبه بخطبة الواعظ الإنجیلی فی الأراضی المقدسة”، حیث اتسم خطابه بالتعصب المسیحی للصهیونیة، فقد قسّم العالم إلى أخیار وأشرار، إلى أصدقاء وأعداء، إلى جنة وجحیم، فقال: “إسرائیل، الشعب المختار، الذی وعده الله بهذه الأرض، وبالقدر ذاته من الأهمیة أن یعود الشعب الیهودی إلى أرضه الموعودة هو أمر حتمی، من وجهة النظر (المسیحیة- الإنجیلیة)، من أجل تقریب یوم القیامة وعودة یسوع”[٣٥]. وفیما یتعلق بتوجهاته بالنسبة للسیاسة الخارجیة، فقد کانت له الکثیر من المواقف المتعلقة بالمنطقة العربیة، وقضایا الصراع العربی- الإسرائیلی وهی کالآتی:[٣٦]

–           یعتبر من أشد المؤیدین لإسرائیل، ومن کبار مناصریها، وعد بأن تفتتح السفارة الأمریکیة فی القدس قبل نهایة عام ٢٠١٩م، وقال: “یشرفنی أن أکون أول نائب رئیس أمریکی یزور القدس بصفتها عاصمة لدولة إسرائیل”[٣٧].

–           عبر علانیة عن تأییده لقیام إسرائیل بقصف إیران، واعتبر أن الاتفاق النووی معها هو مصیبة، وأن الولایات المتحدة لن تجدده إلا إذا وافقت إیران على تعدیله وفق الشروط الأمریکیة، وأن تأجیل الأمر سیسهل على إیران الحصول على السلاح النووی[٣٨].

–    أید بقوة احتلال الولایات المتحدة للعراق عسکریاً فی عام ٢٠٠٣م، إبان رئاسة “جورج بوش الابن” وفترة نفوذ تیار “المحافظین الجدد”، ودعا الرئیس جورج بوش الابن حینها لزیادة القوات الأمریکیة فی العراق.

عموماً، منذ أن أعلن الرئیس الأمریکی “دونالد ترامب” عن القدس عاصمة لإسرائیل وقرار نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس، تحدثت الصحافة الإسرائیلیة عن الدور الذی لعبه بینس فی اقناع ترامب بضرورة الإعلان عن قراره بنقل السفارة. ومن المرجح أن نائب الرئیس “مایک بینس” والسفیر الأمریکی فی تل أبیب “ودیفید فریدمان” قد مارسا ضغوطاً کبیرة من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل ونقل السفارة إلیها[٣٩]. وقد کان لهذا القرار شعبیة بین المحافظین والمسیحیین الإنجیلیین، ومنهم نائب الرئیس “مایک بینس” الذی یؤمن بأحقیة إسرائیل فی المدینة.

٣. جیسون غرین بلات (مبعوث الأمریکی لعملیة السلام بالشرق الأوسط):

جیسون غرین بلات یهودی متدیّن، عاش فی الماضی فی إسرائیل. وتعلم فی حلقة دینیة فی “هار تسیون” بمستوطنة “غوش عتصیون” فی الضفة الغربیة، وألف کتاب “المرشد السیاحی للعائلات فی إسرائیل”، یعمل بموجب وصایا أیام السبت والتقالید الیهودیة، یرسل أولاده إلى مدارس یهودیة، ویؤدی الصلاة فی الکنیس. یضع قلنسوة سوداء کبیرة، خاصة أیام السبت وفی المناسبات الخاصة بالمجتمع الیهودی[٤٠].

تشیر السیرة الذاتیة لغرین بلات أنه لا خبرة له فی مجال السیاسة الخارجیة، فقد قضى حیاته المهنیة فی عالم التجارة والأعمال، عین فی ٢٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٦ فی منصب “ممثل خاص مکلف بالمفاوضات الدولیة”، وهو منصب جدید استحدث داخل الإدارة الأمریکیة فی عهد ترامب[٤١].

وکالة “بلومبیرغ” الأمریکیة أوضحت أن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، جاء بموافقة وتأیید من فریق ترامب للوساطة فی الشرق الأوسط، والمتضمن وعلى رأسهم “جیسون غرین بلات”، الذی کان حاضراً فی الصورة التفصیلیة لقرار نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل[٤٢].

قال غرین بلات فی کلمة له فی مؤتمر المعهد للأمن القومی الإسرائیلی: “عندما اتخذ الرئیس ترامب القرار التاریخی بالاعتراف بالقدس فهو لم یکتب التاریخ من جدید، وإنما اعترف بواقع واضح: القدس هی مکان تواجد الحکومة الإسرائیلیة والکنیست والمسکن الرسمی للرئیس ورئیس الحکومة، والمرکز الروحی للشعب الیهودی منذ ألفی عام. نحن نعتقد أن الاعتراف بهذا الواقع هو خطوة مهمة لیس لإسرائیل فقط، وإنما من أجل وضع أساس لسلام حقیقی دائم”[٤٣].

اجمالاً، إن وجود شخصیات أمریکیة “یهودیة” ضمن فریق ترامب المسؤول عن ملفات الشرق الأوسط کغرینبلات، ساهمت بقدر کبیر فی اقناع الرئیس ترامب بأهمیة إصدار قراره المتعلق بنقل السفارة الأمریکیة إلى القدس، وأعطت الحکومة الإسرائیلیة هامشاً کبیراً من الحریة فی تسریع وتیرة تهوید القدس وبغطاء من فریق ترامب، وعلى رأسهم غرین بلات.

  1. جارید کوری کوشنر:

ولد جارید کوشنر یوم ١٠ ینایر/کانون الثانی ١٩٨١ لعائلة یهودیة أرثوذکسیة من ولایة نیوجیرسی تنتمی سیاسیاً للحزب الدیمقراطی، ولها علاقات جیدة مع لجنة الشؤون العامة الأمریکیة-الإسرائیلیة “ایباک”[٤٤]، درس کوشنر فی مدرسة یهودیة خاصة فی “لیفینغستون بنیوجیرسی”، والتحق بجامعة هارفارد حیث حصل على درجة فی علم الاجتماع کما درس فی جامعة نیویورک، حیث حصل عام ٢٠٠٧ على شهادة فی القانون.

خلال الفترة من ٢٠١١-٢٠١٣م، قدمت عائلة کوشنر تبرعات مالیة للمستوطنات والجیش الاسرائیلی، فقد بینت المستندات الضریبیة للسنوات ذاتها أن العائلة تبرعت بـ”٨ ملیون دولار بواسطة صندوق “تشارلز وسریلکوشنر” الذی یعمل والد کوشنر عضواً فیه[٤٥]. وقد ذکرت صحیفة “هآرتس العبریة” أن عائلة کوشنر قد أعطت أموالاً خلال تلک السنوات للمجموعة التی تُمول بناء مستوطنةٍ “بیت إیل” المقامة على أراضی مدینة البیرة الفلسطینیة.

فضلا عن العلاقات التجاریة الواسعة بین “شرکة عائلة کوشنر” وکبریات الشرکات الاسرائیلیة، أمثال: “مینورا میفتاشیم” التی أبرمت عقداً استثماریاً مع شرکة العقارات المملوکة لعائلة کوشنر بقیمة ٣٠ ملیون دولار، وکذلک “بنک هبوعلیم” الإسرائیلی الذی حصلت منه “شرکة کوشنر” على أربعة قروض[٤٦].

وحول العلاقة الاقتصادیة لـ”جارید کوشنر” بالشرکات الإسرائیلیة، وانعکاساتها على دوره کوسیط لعملیة السلام فی الشرق الأوسط، أجرینا مقابلة مع البروفیسور عبد الناصر سرور (أستاذ العلاقات الدولیة، بجامعة الأقصى، فلسطین)، فقال: “تقاطعت المصالح الاقتصادیة، والتوجهات السیاسیة، والقناعات الدینیة التوراتیة لجارید کوشنر، بحیث أصبح بمثابة الشخصیة الأکثر تأثیراً فی توجهات ترامب، ودفعته باتجاه اتخاذ قراره بنقل السفارة من تل أبیب إلى القدس”[٤٧].

فی ذات السیاق قال الدکتور خالد سعید (رئیس مرکز الدراسات الإسرائیلیة فی القاهرة): “إن صهر الرئیس الأمریکی جارید کوشنر هو من وضع خطة نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس والاعتراف بها کعاصمة لإسرائیل”. وأضاف: “أن کوشنر یسعى إلى إعادة القضیة الفلسطینیة إلى نقطة الصفر، خاصة أن علاقته برئیس الوزراء الإسرائیلی “بنیامین نتنیاهو” تعود لفترات طویلة، وتربطه به علاقات قویة، حیث استغلها کوشنر فی التأثیر على مراکز صناعة القرار واستخدام الفیتو ضد القرارات التی مُررت فی مجلس الأمن بشأن فلسطین”[٤٨].

وقال واصل أبو یوسف (القیادی بمنظمة التحریر الفلسطینیة): “إن کوشنر لا یمکن أن یکون مبعوثاً محایداً إذا کان مؤیداً للمستوطنات الإسرائیلیة”. وذهب الأستاذ هانی المصری (مدیر المرکز الفلسطینی لأبحاث السیاسات والدراسات الفلسطینیة)، لمدى أبعد إذ قال: “إن کوشنر سیکون ممثلاً لإسرائیل بدلاً من الولایات المتحدة”[٤٩].

وعلیه، یمکن ربط الدور الذی لعبه کوشنر فی تشجیع الرئیس الأمریکی ترامب على اتخاذ قراره بنقل السفارة الأمریکیة للقدس، وصلاته التجاریة العمیقة مع الشرکات الإسرائیلیة من ناحیة، وعلاقته الشخصیة مع عائلة رئیس الوزراء الإسرائیلی “بنیامین نتنیاهو” من ناحیة ثانیة، ویهودیته من ناحیة ثالثة. مما یدلّل على أن مصالحة التجاریة مع إسرائیل ستوثر على قرارته السیاسیة- کونه مستشار ترامب لعملیة السلام-، قد بدا ذلک واضحاً من خلال تأیید کوشنر لقرار نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس.

٥. (دیفید فریدمان) السفیر الأمریکی فی إسرائیل:

فریدمان یهودی متطرف، ینتمی للطائفة الارثوذکسیة، عمل محامٍ متخصص بقضایا الإفلاس، یصنف من المتحمسین للاستیطان والمؤیدین له، وهو صدیق مقرب من الرئیس ترامب رافقه منذ ١٥ عاماً، عینه ترامب مستشاراً للعلاقات الأمریکیة- الإسرائیلیة خلال حملته الانتخابیة، ثم عین سفیراً للولایات المتحدة لدى إسرائیل[٥٠].

تعتمد خطة فریدمان- کسفیر للولایات المتحدة فی “تل أبیب”-على دعم إسرائیل من محاور ثلاث، هی:[٥١]

  1. تعزیز الاستیطان الإسرائیلی، وتکریسه فی الضفة الغربیة، والقدس.
  2. الوقوف فی وجه الیهود الأمریکیین (اللیبرالیین) الداعمین للسلام مع الفلسطینیین والداعیین إلى حل الدولتین.
  3. نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس ومباشرة عمله کسفیر منها.

ویتسم فریدمان بوجهة نظر متطرفة تجاه قضایا الصراع والحل السلمی، منها على سبیل المثال لا الحصر:[٥٢]

  • یرفض مسألة حل الدولتین بصورة قطعیة، ویشبه الیهود الأمریکیین الذین یؤیدون حل الدولتین، بالیهود الذین ساعدوا النازیین فی الحرب العالمیة الثانیة.
  • یدعم الاستیطان الاسرائیلی فی الأراضی المحتلة عام ١٩٦٧، ویرأس جمعیات تنشط فی دعم الاستیطان فی الضفة الغربیة.
  • یطالب رسمیاً بإسقاط اصطلاح (محتلة) عند الحدیث عن الأراضی الفلسطینیة المحتلة ١٩٦٧م، من قبل وزارة الخارجیة الأمریکیة.[٥٣]

عند وصوله لتسلیم أوراق اعتماده لرئیس الوزراء الإسرائیلی “بنیامین نتنیاهو” صّرح فریدمان قائلاً: “أنوی العمل بلا کلل لتعزیز العلاقات الثابتة التی تربط بین بلدینا ودفع السلام قدماً فی المنطقة، وأنتظر بفارغ الصبر أن أفعل ذلک من السفارة الأمریکیة فی العاصمة الأبدیة لإسرائیل، القدس”[٥٤].

وفی تقریر نشره موقع “واللاه العبری” فی ٩ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧م، جاء فیه: “إن السفیر الأمریکی فی إسرائیل، دیفید فریدمان، هو الذی عمل بشکلٍ مستمر، فی حث الرئیس دونالد ترامب، على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، ونقل السفارة الأمریکیة إلیها”[٥٥]. وشبه التقریر فریدمان: بـ”البطل الهادئ” الذی عمل على الحفاظ على دیمومة تقدم العملیة؛ أی قرار نقل السفارة”[٥٦]. وقد أکد الکاتب الأمریکی “بیل فان أوکین” فی مقال نشره على موقع “وورد سوشلیست” : أن فریدمان کان من المتحمسین لنقل السفارة الأمریکیة إلى القدس، وقد لعب دوراً بارزاً فی التأثیر على الرئیس بالإسراع فی اتخاذ هذا القرار”[٥٧]. بعد صدور قرار نقل السفارة الأمریکیة للقدس قال فریدمان: “أتطلع للعمل من القدس العاصمة الأبدیة لإسرائیل”[٥٨].

٦. الکونجرس الأمریکی:

منذ العام ١٩٩٠م، بدأ الکونجرس الأمریکی یتشدد تجاه قضیة القدس، ویزداد تأثیراً فی مواقف الإدارات الأمریکیة المتعاقبة؛ حیث یقوم مرکز القوة الیهودی وجماعات الضغط بدور کبیر فی صوغ هذه المواقف. وقد وافق الکونغرس على اعتبار القدس عاصمة أبدیة لإسرائیل من خلال القرار الرقم ١٠٦ لعام ١٩٩٠م.

وفی ٢٣ تشرین الأول/أکتوبر ١٩٩٥م، أقر مجلس الشیوخ الأمریکی بأغلبیة ٨٣ مقابل ٣٤، وامتناع ٢٢ عضواً فی دورته رقم ١٠٤، قراراً شدد على النقاط الآتیة بشأن القدس:[٥٩]

– ضرورة أن تبقى القدس عاصمة لدولة إسرائیل.

– وجوب بقاء القدس مدینة موحدة مع ضمان حریة الوصول.

 وعلى الرغم من أن قرار الکونغرس ملزم، لکنه یتضمن بنداً یسمح للرؤساء بتأجیل نقل السفارة ستة أشهر لحمایة “مصالح الأمن القومی[٦٠]. وفی إطار محاولات الکونجرس الأمریکی فرض الأمر الواقع على القدس کعاصمة موحدة لدولة إسرائیل، یمکن رصد ما یأتی:[٦١]

١- نجحت لجنة العلاقات العامة الأمریکیة- الإسرائیلیة “إیباک” فی دفع رجال الکونجرس إلى تقدیم مسودة مشروع قرار یطالب بالاعتراف بالقدس کعاصمة لإسرائیل “لا تقبل التقسیم”. ویشمل مشروع القرار الذی تقدم به السیناتور “براوتوباک” فی ١٩ نیسان/إبریل ٢٠٠٥م على ما یأتی:

أ- یجری تداول مشروع فی مجلس الشیوخ والکونجرس یدعو للاعتراف بالقدس کعاصمة غیر مقسمة لإسرائیل قبل ١٨٠ یوماً من اعتراف الولایات المتحدة بالدولة الفلسطینیة.

ب- تشریع مشترک: من أجل الاعتراف بالقدس کعاصمة غیر مقسمة لإسرائیل قبل اعتراف الولایات المتحدة بالدولة الفلسطینیة ولغایات أخرى. فان مجلس الشیوخ فی الکونجرس یقرر:

الجزء الأول: هذا التشریع المشترک یمکن تسمیته بتشریع القدس.

الجزء الثانی: توصل الکونجرس إلى النتائج الآتیة:[٦٢]

–       لقد کانت القدس عاصمة الشعب الیهودی لأکثر من ٣ آلاف عام.

–       لم تکن القدس أبداً عاصمة لأیة دولة أخرى غیر الشعب الیهودی.

–       القدس مرکزیة للیهودیة وقد ذکرت فی التوراة ٧٦٦ مرة.

–       القدس هی مقر الحکومة الإسرائیلیة بما فیها الرئیس والبرلمان والمحکمة العلیا.

–       ینص قانون الولایات المتحدة الأمریکیة على أن سیاسة الولایات المتحدة هی أن القدس یجب أن تکون العاصمة غیر المقسمة لإسرائیل.

–       لکل دولة سیادیة الحق فی تحدید عاصمتها.

– إسرائیل هی الدولة الوحیدة التی لا تقیم فیها الولایات المتحدة سفارة فی المدینة المعلنة کعاصمة ولا تعترف بالمدینة کعاصمة.

– یجب السماح لمواطنی إسرائیل بحریة العبادة طبقاً لتقالیدهم.

– یعبر نقل السفارة الإسرائیلیة من تل أبیب إلى القدس عن دعم الولایات المتحدة المتواصل لإسرائیل وللقدس غیر المقسمة.

الجزء الثالث: یتم نقل موقع سفارة الولایات المتحدة فی إسرائیل من تل أبیب إلى القدس فی مدة لا تزید عن ١٨٠ یوما قبل الاعتراف بالدولة الفلسطینیة[٦٣].

الجزء الرابع: الاعتراف بالقدس غیر المقسمة عاصمة لإسرائیل، ولن تعترف الولایات المتحدة بالدولة الفلسطینیة حتى قیام المجتمع الدولی بحل وضع القدس بالاعتراف بالمدینة على أنها العاصمة غیر المقسمة لإسرائیل[٦٤].

الجزء الخامس: موقف الکونجرس من حریة العبادة یتمثل فی وجوب السماح لمواطنی إسرائیل کحق أساسی من حقوق الإنسان المعترف بها من الولایات المتحدة، وقرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة رقم ١٨١ الصادر فی ٢٩ تشرین الثانی/نوفمبر ١٩٤٧ بالعبادة بحریة وطبقا لتقالیدهم[٦٥].

خلال ولایة الرئیس باراک أوباما” فی المدة من ٢٠٠٩-٢٠١٦م، وبالرغم من معارضة حوالی ٧٤% من الرأی العام الأمریکی لاستمرار النشاط الاستیطانی الإسرائیلی، والمطالبة الشعبیة الواسعة لإدارة أوباما بسیاسة أقل مساعدة لإسرائیل ولاسیما دعم النشاط الاستیطانی، إلا أن توجهات أعضاء الکونجرس لم تتطابق مع الرأی العام الراجح لدى الغالبیة، وقد ترجمت هذه التوجهات على النحو الآتی:[٦٦]

– وجه حوالی ٧١ عضوا ً من مجلس الشیوخ فی العاشر من أب/أغسطس م٢٠٠٩ خطابا ً إلى الرئیس أوباما تضمن ضرورة قیامه بتشجیع القادة العرب للتطبیع مع إسرائیل.

– عرض النائب “دان بورتون” مشروع قانون فی السادس من أغسطس ٢٠٠٨م طالب فیه إدارة أوباما بالاعتراف بالقدس کعاصمة لإسرائیل، ونقل السفارة الأمریکیة من تل أبیب إلى القدس بحلول عام ٢٠١٢م، وإلغاء سلطة الرئیس الأمریکی فی تأجیل نقل سفارة واشنطن من تل أبیب إلى القدس.

فی حزیران/یونیو ٢٠١٧م، تبنى مجلس الشیوخ الأمریکی قراراً یدعو إلى نقل السفارة الأمریکیة فی إسرائیل من “تل أبیب” إلى القدس، وتسویة الصراع العربی- الإسرائیلی على أساس حل الدولتین[٦٧].

عموماً، لعب الکونجرس الامریکی دوراً بارزاً ومارس ضغوطاً هائلة، على الإدارات السابقة لدفعها لنقل السفارة الأمریکیة القدس، وکثیراً ما کانت حجة الکونجرس أن الولایات المتحدة تقییم سفارات فی ١٨٤ دولة والدولة الوحیدة التی لا یوجد بها سفارة للولایات المتحدة هی إسرائیل، لذلک، کان إعلان ترامب نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس بمثابة انتصار طال انتظاره.

٧. المجمع الصناعی العسکری (MIC):

یشیر مصطلح المجمع الصناعی العسکری إلى العلاقات السیاسیة والمالیة بین الکونغرس، والبنتاغون (وزارة الدفاع)، والصناعة الحربیة التی تدعم الجیش. وهذه العلاقات تشمل تقدیم تبرعات سیاسیة، وحشد التأیید للإنفاق الدفاعی، وإطلاق حملات ضغط لکسب تأیید السلطة التنفیذیة. هذا النوع من العلاقات هو ما یسمیه علماء السیاسة بـ “المثلث الحدیدی”، لوصف التداخل بین صنع القرار السیاسی، والعلاقة بین لجان الکونغرس والبیروقراطیة، أی السلطة التنفیذیة، وتسمى أحیاناً الوکالات الحکومیة، ومجموعات الضغط (اللوبی)[٦٨]. وقد بات هذا المصطلح متداولاً ومعروفاً فی الاوساط السیاسیة بعد “خطاب الوداع” للرئیس الأمریکی “أیزنهاور” عام ١٩٦١م الذی حذر فیه المجتمع الأمریکی من تنامی نفوذ ما اسماه (المجمع الصناعی العسکری)، وتأثیره فی حریات الامریکیین ودیمقراطیتهم[٦٩].

والواقع أن المجمع الصناعی العسکری قد تعاظم دوره فی صنع السیاسة الخارجیة الأمریکیة فی ستینیات القرن المنصرم، فی إطار الحرب الباردة، وکانت جهوده موجه ضد الشیوعیین، وبعد انتهاء الحرب الباردة، بدأ بلعب دور فی التحریض على الاصولیة الاسلامیة فیما یسمى بـ (الحرب على الإرهاب). وفی هذا الصدد یقول السیناتور الأمریکی ورئیس لجنة العلاقات الخارجیة بمجلس الشیوخ الأمریکی الأسبق “ولیم فولبرایت” فی کتابه (ثمن الإمبراطوریة، م١٩٨٩): “إنه قد تم إضفاء الطابع العسکری على اقتصادنا؛ حیث اکتسب سباق التسلح قوة دفع هائلة بسبب المصالح الاقتصادیة الضخمة والغوغائیة الأیدیولوجیة التحریضیة. وترتب على تورطنا العسکری فی مختلف أنحاء العالم أن أصبح المجمع الصناعی العسکری قوة بالغة التأثیر تدفع الى سباق تسلح یجنى منه أرباحاً طائلة، وقد أصبحت للأمریکیین مصالح مؤکدة فی هذا السباق لأنه مصدر ربح لمؤسسات کبرى ومصدر رزق لعمالة واسعة”[٧٠]. ویقول السیاسی الأمریکی “ریتشارد بیرل”: “إن المجمع الصناعی العسکری الذی حذر منه أیزنهاور ونبه مبکراً یشکل خطراً على سلامة القرار الأمیرکی”[٧١].

فی أصول قرار ترامب بشأن القدس، ورغم الأصوات الأمریکیة التی تحفظت على توقیت وسیاق القرار، وحذرت من تداعیاته، یبدو أن الإدارة الأمریکیة کانت مصرة وبشدة على اتخاذ هذا القرار، لأن مؤسسات الدولة کانت معنیة به، وینسجم قرار نقل السفارة إلى القدس مع المفهوم الأمریکی للأمن القومی الذی یجعله مرادفاً للهیمنة العالمیة، ویعبر عن مصالح المجمع العسکری الصناعی الأمریکی فی صنع السیاسة الخارجیة الأمریکیة لمضاعفة أرباحها. وقد لاقى قرار نقل السفارة ترحیباً لدى غالبیة الرأی العام الأمریکی الذی شوهت صورة العرب والمسلمین فی عقله ووجدانه[٧٢]. ویعزز القرار أیضاً، دور أجهزة ومؤسسات الدولة فی الولایات المتحدة التی خلقت تنظیمات مثل: (القاعدة وداعش)، وهو دور یعبر عن مصالح أمریکیة تستفید من صناعة عدو تحاربه، أو تزعم محاربته، وتأجیج بؤر التوتر والتطرف والصراع.

٨. تیار المسیحیین (الانجیلیین):

یمثل الإنجیلیون نحو ٢٥% من اجمالی الشعب الأمریکی، وقد صوتوا له بنسبة ٨٠% فی انتخابات ٢٠١٦م، وهی نسبة تفوق کثیراً نسبة الأصوات التی منحوها للرئیس الأسبق “جورج بوش الابن”. وتمثل قضیة نقل السفارة من “تل أبیب” إلى القدس إحدى أولویات الإنجیلیین، وقد ضغطت هذه الجماعة على ترامب للتعجیل بقرار نقل السفارة وإعلان القدس عاصمة لإسرائیل[٧٣].

تعد قضیة نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائیل هدف مهم ومسعى دینی بالنسبة لهم؛ إذ یرون فی هذا الأمر أنه تحقیق لنبوءاتهم الدینیة التی تمهد لعودة المسیح المُخلص، وبدایة الطریق نحو معرکة نهایة التاریخ التی یؤمن بنبوءتها الإنجیلیون، حیث یعتقد هؤلاء أن معرکة “هار مجدو” ستقع فی سهل “مجیدو” بقیادة المسیخ الذی سیکون مخلصاً للیهود، وسنداً لهم[٧٤].کما أنها مستمدة من قراءاتهم للعهد القدیم، حیث یقول: “وأقیم عهدی بینی وبینک وبین نسلک من بعدک فی أجیالهم عهداً أبدیاً لأکون إلهاً لک ولنسلک من بعدک، وأعطی لک ولنسلک من بعدک أرض غربتک کل أرض کنعان ملکاً أبدیاً وأکون إلههم”.[٧٥]

وبالاطلاع على أدبیات العلاقة بین الدین والسیاسة فی الولایات المتحدة، سنجد عالماً مثیراً للغایة، إذ أن نسبة مهمة من الناخبین المتدینین یعتقدون أن قیام دولة إسرائیل یعتبر تحقیقاً لنبوءات الکتاب المقدس، لأنها علامة على عودة المسیح إلى الأرض مجدداً. ویؤمن ترامب بهذه النبوءة، ولهذا فهو بمثابة “بطل قومی” لدى الإنجیلیین، حتى القس الإنجیلی “فرانکلین بیلی غراهام”، صّرح فی کانون الثانی/ینایر ٢٠١٧م، بأنه: “لم یکن هناک أی دور للقراصنة الروس فی اختیار ترامب، بل الرب هو الذی تدخل فی اختیاره”، وکان القس نفسه قد قال فی أیلول/سبتمبر ٢٠١٧م: “نحن نعیش الآن علامات اقتراب عودة المسیح” وکان مرکز “بیو للأبحاث” قد أجرى استطلاعاً للرای فی عام ٢٠١٣ قد کشف عن أن نصف المسیحیین فی الولایات المتحدة یعتقدون بعودة المسیح قبل عام ٢٠٥٠م[٧٦].

وقد أکد هذا المدلول “مارتن أندیک”، السفیر الأمریکی الأسبق فی إسرائیل، والمبعوث الامریکی للسلام، ونائب رئیس مرکز “بروکینغز” الأمریکی للأبحاث، حیث قال: “إن قرار الرئیس ترامب نقل سفارة الولایات المتحدة إلى القدس ما هو إلا شکلّ من أشکال الإغراء لقاعدته الإنجیلیة المسیحیة والمتشددة”[٧٧].

والواضح أن الانجیلیین یتمتعون بحضور قوی فی إدارة ترامب ویعد نائب الرئیس “مایک بنس” واحداً منهم ینتمی للتیار المسیحی المحافظ المتشدد، ویرعى تنظیم دروس توراتیة أسبوعیة فی البیت الأبیض.

تبنى “ترامب” بعد فوزه أجندة الیمین المسیحی فی عدة قضایا: “کتعیین القضاة المحافظین، و”معارضة والاجهاض”، وطریقة الاحتفال بعید المیلاد. لکن أکثر هذه القضایا أهمیة هی علاقة إسرائیل بالقدس”. وقد صرّح “جونی مور” الناطق باسم مجموعة المستشارین الإنجیلیین للرئیس ترامب لقناة (CNN) الأمریکیة: “أن الرئیس قد أثبت لمؤیدیه الإنجیلیین أنه یقول ما یفعل، ویفعل ما یقول”[٧٨]. کما علّقت القسة “باولا وایت”، من مرکز “نیو دیستینی” الإنجیلی على قرار ترامب بقولها: “نحن الإنجیلیون فی حالة نشوة لأن إسرائیل بالنسبة لنا أرض مقدسة والشعب الیهودی أغلى صدیق”[٧٩].

ختاماً، إن “قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، یعد انتصاراً للمعسکر المسیحی المتصهین داخل البیت الأبیض، ویثبت أن الولایات المتحدة لم تعد راعیة للعملیة السلمیة ولا راعیاً مؤتمناً علیها، کما أن القرار ذاته یعکس طبیعة النفوذ الکبیر الذی یتمتع به کبار المسؤولین فی الدائرة الداخلیة الضیقة المحیطة به، وفی مقدمتهم نائب الرئیس مایک بنس، وصهره جارید کوشنر، والسفیر الأمریکی لدى “تل أبیب” دیفید فریدمان”، وتیار المسیحیین الإنجیلیین، وکذلک اللوبی الصهیونی، وغیرهم.

  1. البیئة الداخلیة فی الولایات المتحدة:

عند الحدیث عن البیئة الداخلیة الأمریکیة ودورها فی التأثیر على القرار والسیاسة الخارجیة، لابد من مقاربة الموضوع من خلال دراسة محددات السیاسة الأمریکیة فی الداخل الأمریکی، التی تتمثل على سبیل المثال، فی: (الرأی العام، ووسائل الاعلام، ومنظمات المجتمع المدنی، ورجال الأعمال، إلخ). کما یتطلب الأمر أیضاً دراسة الوضع الجیوسیاسی للولایات المتحدة الأمریکیة، التی بدأ فیها النظام العالمی الذی انشأته وقادته لوحدها لأکثر من ربع قرن یتغیر، وفی لحظة وصلت فیها مشاعر الخوف والغضب داخل المجتمع الأمریکی الى نقطة الذروة. وذلک من خلال القاء الضوء ابتداء على حالة التحول لدى الناخب الأمریکی، هذا التحول الذی تحرکه مشاعر الخوف من القادم والغضب على ما هو قائم، وکذلک حالة التحول فی النظام العالمی، ودور الولایات المتحدة الأمریکیة فی توجیه عملیة التحول هذه لا سیما على الصعید العالمی، لغایات ایصالها الى المألات التی تخدم شعار “أمریکا أولاً”، ومن ثم فهم ما یدور فی منطقة الشرق الأوسط کأحد مکونات النظام العالمی والتی تعیش بدورها حالة تحول جذریة منذ ما یعرف بـ”ثورات الربیع العربی”[٨٠].

ویبدو أن المجتمع الأمریکی لا یأبه کثیراً بالسیاسة الخارجیة، فحساباته الداخلیة وتعقیداتها قد تبعده عن الاهتمام بسیاسة بلاده الخارجیة، خاصة وقت السلم. وهو ما انعکس على ردة الفعل الأمریکیة الداخلیة على قرار الرئیس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، والإعلان عن نقل السفارة الأمریکیة إلیها، فهناک شرائح واسعة من المجتمع الأمریکی ممثلة بالعمال، والفلاحین فی الأریاف، والمتذمرین، والمحتجین على زواج المثلیین، قد تملکتهم مشاعر الغضب على ما آلت إلیه أحوالهم وأحوال بلادهم، وسیطر علیهم الإحساس بالخوف على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وتملکتهم مشاعر التذمر من الشریحة السیاسیة الأمریکیة التقلیدیة لعدم إصغائها لهم ولمطالبهم، تلک المشاعر التی بلا شک ستقود الى تغیرات وتحولات اجتماعیة وسیاسیة واقتصادیة داخل المجتمع الأمریکی الأمر الذی بدوره سیکون له إثاره على السیاسات الأمریکیة الداخلیة والخارجیة[٨١].

بمعنى آخر، أن الرئیس ترامب تمکن من إغواء شعبه بالرغم من انحدار شعبیته (حسب استطلاعات الرأی الأمریکیة)، حیث نجح- إلى حدٍ ما- فی توجیه المجتمع الأمریکی نحو قضایاه الداخلیة، وخاصة الجانب الاقتصادی، ومن الأمثلة على ذلک:[٨٢]

–    اللعب بذکاء على الداخل الأمریکی، من خلال الحالة الاقتصادیة، وهذه النقطة غابت إلى حد بعید عن الرؤساء السابقین الذین اهتموا بالسیاسة الخارجیة وأعطوها أولویة على الوضع الاقتصادی للبلاد. فقد نجح ترامب من خلال سیاسته الخارجیة فی ضخ الأموال إلى الداخل الأمریکی عبر سیاسة “فرض جزیة” على جمیع الدول التی تحمیها بلاده، لاسیما دول الخلیج العربی التی یأخذ منها أموالا ًطائلة بین الفترة والأخرى تحت حجج مختلفة.

–    استغل ترامب وجع الشارع الأمریکی فیما یخص موضوع البطالة وفرص العمل، وتمکن من الحد من مستوى البطالة، وضبط الحدود مع المکسیک، وأقنع المواطن الأمریکی بأن الحد من سیاسة التهریب على الحدود مع المکسیک سیعود علیهم بالفائدة الاقتصادیّة.

–    تمکن ترامب من استغلال نقاط الضعف فی سیاسة أسلافه الذین خاضوا حروب فی المنطقة وکلفت بلادهم الکثیر من الأموال والأرواح، واستخدم سیاسة مغایرة تقوم على مبدأ ضرب العدو من خلال الحلفاء، دون خسائر بشریة أو مادیة فی صفوف الأمریکیین. فخلال دعایته الانتخابیة کان یذکر الأمریکیین “بأننا دفعنا فی العراق ٧ ترلیون دولار، ولم نحصد شیء”، أی أنه لعب على الوتر الحساس الذی عانى منه الأمریکیون خلال احتلالهم للعراق فی أذار/مارس ٢٠٠٣ والذی کلفه مالا وقتلى وهذا الموضوع حساس بالنسبة للشعب الأمریکی، لذلک نجده الیوم یطالب بالانسحاب من سوریا، وتشکیل قوات عربیة لحمایتها.

–    استغل ترامب عدم اکتراث الشعب الأمریکی بالسیاسیة، ووجه اهتمامه نحو الاقتصاد والرفاهیة بکافة مکوناتها. وهذا الکلام أکدته تجربة المخرج والساخر السیاسی “عامی هورویتز” فی جامعة کالیفورنیا فی بیرکلی، حیث أظهرت هذه التجربة جهل الأمریکیین بالسیاسة إلى حد بعید. حیث قام المخرج بتجربة اجتماعیة فی جامعة “کالیفورنیا”، لوح فیها بعلم تنظیم “داعش” دون أن یواجه أیة ردة فعل سلبیة.

یمکن القول، أن ترامب استطاع اللعب على أوجاع الأمریکیین الاقتصادیة فعالج جزءً منها، ولم یتمکن الاعلام الأمریکی من توجیه الشعب ضد سیاسته الخارجیة علماً أنهم کتبوا عنه آلاف التقاریر وحارب أغلب فنانوا الولایات المتحدة سیاسته الاقصائیة التی یمارسها بحق شعوب العالم وعنصریته المفرطة.

لذلک، قبل أسبوع من إعلان نقل السفارة للقدس، کانت استطلاعات الرأی غیر مهتمة بموضوع القدس، بل اتسمت الإجابات حوله أحیاناً بالصمت، وأحیاناً بالبرود من الجهات الاستطلاعیة. وبعد حوالی أسبوعین من الإعلان لاحظ “أریک زویس” المختص فی استطلاعات الرأی العام العالمیة ذلک أیضاً، باستثناء استطلاع من شبکة (CNN) یظهر نتائج متقاربة فی رفض الأغلبیة البسیطة لنقل السفارة، وربما یکون لهذا أسباب عدة تحتاج لتفکیر ورصد، منها أن الإعلام الأمریکی لم ینشغل بهذا القرار بالقدر الکافی برغم علاقته المتوترة مع “ترامب”[٨٣].وربما یکون لتوالی القرارات الداخلیة التی تهم الشعب الأمریکی أکثر، ولا سیما الإرهاصات التی سبقت إقرار مجلس الشیوخ الأمریکی لخطة “ترامب” بتخفیض الضرائب کما وعدهم مع السنة الجدیدة، فضلاً عن أجواء الإجازات وأعیاد المیلاد، وغیرها.

وعلیه، یبدو أن الرئیس ترامب قد استغل عدم اهتمام الشعب الأمریکی بالسیاسة الخارجیة، فضلا عن عوامل وأسباب أخرى سلطت الدراسة الضوء علیها أنفاً، قد أعطته مساحة فی اتخاذ هذا القرار دون تردد، أو قلق من ردة الفعل الأمریکیة الداخلیة.

٩-البیئة الدولیة:

بعد أحداث سبتمبر عام ٢٠٠١م، اتجهت الولایات المتحدة نحو التغییر فی قواعد إدارة العلاقات الدولیة، وتغییر أنشطة بعض الدول أو الوحدات التی تشکل عضویة النظام الدولی، أو على النحو الذی یکرس أحادیة القطب الأمریکی وسیطرته على النظام الدولی. وهذه الرؤیة لا تقر بسیاسة الاحتواء ولا توازنات القوى ولا استراتیجیات الردع ولا تقدس القواعد القانونیة التی قامت علیها حرکة العلاقات الدولیة، بل تؤمن بتغیر النظام الدولی ولو استلزم ذلک عدم احترام مبادئ السیادة الوطنیة للدول[٨٤]. وهذا ما قامت به إدارة الرئیس ترامب التی تجاوزت القانون الدولی، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بخصوص القدس التی اعتبرتها منطقة محتلة حسب القرارات الصادرة عن الجمعیة العامة للأمم المتحدة مجلس الأمن ذات الصلة.

من الواضح أن الإدارة الأمریکیة فی عهد ترامب قد استغلت حالة البیئة الدولیة المنشغلة بأوضاعها الاقتصادیة والأمنیة، ومحاربة ما یسمى بالإرهاب وعلى رأسه تنظیم “داعش”، وانشغال الدول العربیة بصراعاتها الداخلیة، وأوضاعها المتأزمة، لتمریر مخططاتها تجاه القضیة الفلسطینیة لتصفیتها والبدایة من القدس التی تمثل رمزیة کبیرة للفلسطینیین والعرب والمسلمین.

١٠- البیئة العربیة:

یتضح من خلال المواقف العربیة الضعیفة والخجولة التی صدرت بعد إعلان الرئیس الأمریکی “دونالد ترامب” نقل السفارة الأمریکیة من “تل أبیب” إلى القدس أن الدول العربیة لم تکن تعطی اهتماماً حقیقیاً لتصریحات ترامب خلال حملاته الدعائیة فی انتخابات الرئاسة الأمریکیة ٢٠١٦م. واعتبرت هذه التصریحات مجرد ووعوده انتخابیة یصعب تنفیذها، وتأتی فی إطار استرضاء اللوبی الصهیونی فی الولایات المتحدة والیمین المتطرف فی إسرائیل.

وما أثار الاستغراب حقاً، أن العدید من الدول العربیة- کما تبین لاحقاً- کانت على علم کامل بموقف ترامب وإصراره على تنفیذ قرار النقل. وبالآتی، فإن هذه الدول لم تکن تعد العدة لمواجهة هذا القرار الأمریکی بل کانت تعد لمواجهة أیة ردود أفعال شعبیة وجماهیریة متوقعة إزاء هذا القرار. والأسوأ من ذلک ما کشفت عنه أجهزة الاستخبارات الإسرائیلیة عن تواطؤ عربی بهذا الشأن؛ فقد کشف وزیر الاستخبارات الإسرائیلی “یسرائیلکاتس”: “إعلان ترامب جاء بالتنسیق الکامل مع بعض الدول العربیة، وإنه دعاهم إلى المساهمة فی احتواء الغضب الفلسطینی المحتمل ومنعهم من اتخاذ أیة خطوات أو ردود أفعال على هذا القرار”[٨٥]. وکانت صحیفة “جیروزالیم بوست” الإسرائیلیة قد قالت: “إن الفلسطینیین سیصابون بخیبة أمل إذ کانوا یتوقعون ردود فعل صارمة من الدول العربیة تجاه قرار إدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، وأن ردود الفعل العربیة ستقتصر على التندید بالقرار الأمریکی، ما لم یکن رد فعل الشارع العربی عنیفاً بما یفوق التوقعات”[٨٦].

کما أن مواقف هذه الدول من القرار، اسهمت فی تمادی إدارة ترامب أکثر فی هذا المجال، وفی السیاق، نقل المعلق السیاسی الإسرائیلی فی القناة العاشرة “باراک رفید” عن مسؤول کبیر فی الإدارة الأمریکیة قوله: “إن الولایات المتحدة مرتاحة تماماً للتندید المنضبط، الذی صدر عن الدول العربیة المعتدلة، بشأن قرار الرئیس ترامب، وأن الولایات المتحدة تراهن على أن الموقف الذی اتخذته الحکومات العربیة سیسهل علیها المساعدة فی احتواء ردة الفعل الفلسطینیة”[٨٧]. وقد تزامنت هذه المواقف مع تصریحات لکتاب وإعلامیین عرب، بدأوا بحملة ضد الفلسطینیین مشککین بأحقیتهم فی أرضهم، ومدعین بأنه لا توجد أیة أدلة تشیر إلى انتماء الفلسطینیین تاریخیاً إلى فلسطین، بل ونشرت بعض القنوات العربیة دراسة شککت فی عروبة الکثیر من الدول العربیة واعتبرت إن أصولهم فی الغالب تعود إلى الیهودیة.

وهذا ما ألمح إلیه وزیر الخارجیة الفلسطینی “ریاض المالکی”، بالقول: “إن “فشل الدول العربیة فی اعتماد قراراتها التی اتخذتها على مدار سنوات طویلة ماضیة، هو الذی شجع الولایات المتحدة على التمادی فی نهجها الخاطئ، وقرارها الباطل بشأن القدس، وهو الذی شجع أیضاً دولة صغیرة مثل غواتیمالا أن تقرر نقل سفارتها للقدس”[٨٨].ولا شک أن هذه التصریحات تعبّر عن خیبة أمل الفلسطینیین من ردود الفعل العربیة على قرار ترامب المتعلق بالقدس، وکذلک التعاطی الإقلیمی والدولی مع القضیة الفلسطینیة.

ومما لا شک فیه، أن الموقف الضعیف الذی خرج من معظم الدول العربیة بشأن القضیة الفلسطینیة بشکل عام والقدس على وجه الخصوص، شجع الرئیس ترامب فی التمادی بمخططاته لإفراغ القضیة الفلسطینیة من محتواها وإلغاء رمز هذه القضیة وهی القدس الشریف لصالح دولة الاحتلال الإسرائیلی.

 

المحور الثالث: أهداف وأبعاد القرار

سعى “دونالد ترامب” منذ بدء حملته الانتخابیة فی العام ٢٠١٦م، إلى التأکید على أن القدس الموحدة هی العاصمة الأبدیة لدولة إسرائیل، ووعد بنقل السفارة من تل ابیب إلى القدس إذا فاز فی الانتخابات، وإذا کان نقل السفارة الأمریکیة الى القدس هو تنفیذ لوعد انتخابی، فإن إدارة ترامب أرادت تحقیق جملة من الأهداف، منها:[٨٩]

–    الأول: تصحیح ما یسمى بـ(الظلم التاریخی) الذی وقع منذ قرابة السبعة عقود. فحین أقدم الرئیس الأمریکی “هاری ترومان” على خطوته بالاعتراف بإسرائیل، بعد ١١ دقیقة فقط من إعلان قیامها فی أیار/مایو ١٩٤٨، لم یتعدَ ذلک الاعتراف کونه إقرار بالأمر الواقع. وإذا کان نقل السفارة بمثابة تصحیح للماضی، فإنه أیضاً إعادة التوازن إلى السیاسة الأمریکیة إزاء الدبلوماسیة المستقبلیة بشأن المدینة.

–    الثانی: تحقیق هدف أوسع من أهداف السیاسة الأمریکیة، ألا وهو المساعدة فی إصلاح أزمة الثقة التی وقعت مع حلفاء الولایات المتحدة، العرب أو الإسرائیلیین على حد سواء، فی الشرق الأوسط. ولذلک فإنّ فتح صفحة جدیدة فی الشرق الأوسط یتطلب من ترامب الالتزام بإعادة إرساء الثقة والعلاقة الحمیمة بین واشنطن وشرکائها فی المنطقة، وهذه استراتیجیة یمکنه مثلاً تسمیتها “حلفاء أمریکا أولاً”.

لذلک ارتکزت الأهداف الأمریکیة تجاه القدس على أبعاد ثلاثة، هی[٩٠]:

البعد الأول: الدافع القانونی: یناقش القانون الأمریکی الذی أصدره الکونغرس الأمریکی بشأن نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس فی العام ١٩٩٥ وفرض على الرؤساء الأمریکیین تنفیذ ذلک الأمر.

البعد الثانی: الدافع السیاسی: یتعلق بطبیعة المجتمع السیاسی الأمریکی الذی قام على إفناء الهنود الحمر السکان الأصلیین لأمریکا، والعلاقة المتجذرة مع اللوبی الصهیونی المسیطر فی الولایات المتحدة وعلاقاته مع الحزبین داخل الولایات المتحدة الأمریکیة، ومن ثم تأثیره على الانتخابات الأمریکیة، وکیف شکل ذلک دافعاً لقرار ترامب.

البعد الثالث: الدافع الدینی یناقش تأثیر الکنیسة الإنجیلیة التی یخضع لها العدید من المسؤولین الأمریکیین والذین یؤمنون بوجوب ظهور المخلص فی صهیون.

ویضع الاعتراف الأمریکی بالقدس عاصمة موحّدة لإسرائیل الولایاتِ المتحدة فی حالة تعارضٍ مع المجتمع الدولی، فضلاً عن مخالفته قرار الأمم المتحدة الذی یعتبر أن الأجزاء الشرقیة من المدینة أراضٍ محتلة” من قبل إسرائیل. لکن مما لا شک فیه، أن قرار الاعتراف جاء بمثابة تعزیز للموقف الإسرائیلی فی المفاوضات وعلى حساب الفلسطینیین الذین ینادون بالقدس الشرقیة کعاصمة لدولتهم المستقبلیة. ورغم عدم وضوح الفوائد السیاسیة التی ستعود على الولایات المتحدة جراء هذا الاعتراف، الا أن الاقرار أظهر ارتیاحاً وفرحاً کبیرین بین تیار المحافظین من الجمهوریین، وتیار المسیحیین الإنجیلیین الذین یشکلون قسماً کبیراً من قاعدة ترامب السیاسیة.

المحور الرابع : آلیات تنفیذ القرار

من المرجح أن تتولى وزارة الخارجیة الأمریکیة أمر تنفیذ هذا القرار، وهو ما أکده وزیر الخارجیة الأمریکی، “ریکستیلرسون”، الذی أعلن أن وزارته ستبدأ فوراً فی تنفیذ توجیهات الرئیس، “دونالد ترامب”، بخصوص نقل سفارة الولایات المتحدة فی إسرائیل إلى القدس. وقال “تیلرسون”: “إن قرار ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل یستجیب لحقائق الیوم، وأن هذه المدینة تحتضن کلا من الهیئة التشریعیة الأعلى للبلاد وقضاءها الأعلى ومکتبی الرئیس ورئیس الوزراء”[٩١]. وقال: “لقد أجرینا مشاورات مع عدد کبیر من الأصدقاء والشرکاء والحلفاء قبل اتخاذ الرئیس هذا القرار… ونحن على یقین بوجود إمکانیة لتحقیق سلام طویل الأمد”[٩٢].وأشار تیلرسون إلى أن وزارته “ستبدأ على الفور عملیة تطبیق القرار المتخذ من خلال المباشرة بإعداد نقل سفارة الولایات المتحدة من تل أبیب إلى القدس”[٩٣].

ومن المتوقع أن یتم تنفیذ القرار بنقل السفارة إلى القدس من خلال عدة خطوات قدمها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وهو من المراکز البحثیة المهمة التی یعتمد علیها صانع القرار فی الولایات المتحدة لا سیما غدارة “ترامب”، وهی على النحو الآتی:[٩٤]

الخطوة الأولى: اختیار موقع للسفارة فی القدس یکون بوضوح غرب خط الهدنة المحدد عام ١٩٤٩، المعروف أیضاً بخط ١٩٦٧. وکان هذا الجزء من القدس خاضعاً للسیادة الإسرائیلیة المسلم بها منذ قیام دولة إسرائیل. لا یشمل هذا الجزء أی مقدسات- فهو یتألف من أحیاء تتسم بالرتابة. ولا بدّ من بذل جهد خاص لإیجاد موقع یشرف على المواقع الأهم فی هذا الجزء من المدینة، حیث تکون مجاورة لبعضها البعض بشکل ملائم: البرلمان الإسرائیلی – الکنیست، المحکمة العلیا، المکاتب الحکومیة، الجامعة العبریة والمکتبة الوطنیة الجدیدة.

الخطوة الثانیة: مناطق القدس الواقعة غربی خط عام ١٩٦٧م، هی جزء من أرض إسرائیل التی تملک الحق السیادی الذی تتمتع به أیة دولة، والمتمثل بإنشاء عاصمتها فی أرض غیر متنازع علیها. وأن هذه الخطوة ستبطل فکرة وهمیة مفادها أن المنطقة الشاسعة التی تضم أجزاء القدس الواقعة غرب وشرق خط ١٩٦٧ هی کیان منفصل یعود للمجتمع الدولی، کما ورد فی اقتراح التقسیم الصادر عن الأمم المتحدة فی عام ١٩٤٧م. وهی لم تتحول إلى واقع ملموس، لأن العرب رفضوا اقتراح التقسیم وأعلنوا الحرب على إسرائیل لمنعها من تحقیقه، وبعد خسارتهم فی الحرب، أصبحت مناطق القدس الواقعة فی الجانب الغربی لخطوط الهدنة خاضعة للسیطرة الإسرائیلیة.

وبعد مرور نحو ٧٠ عاماً على انتهاء الحرب، وقیام دولة إسرائیل، تضع الولایات المتحدة أخیراً حداً لسیاسة غیر منطقیة تجعل الوضع المسلم به لمناطق القدس الواقعة غرب خط هدنة عام ١٩٤٩ مرهوناً بالجدال المستمر على المناطق الواقعة شرقه. لقد اکتفت الولایات المتحدة من حرمان إسرائیل من حق سیادی وطنی أساسی بإقامة عاصمتها فی أرض غیر متنازع علیها.

الخطوة الثالثة: مواجهة الفلسطینیین والعرب الذین یهددون باللجوء إلى العنف بسبب الخطوة الأمریکیة لما یحمله ذلک من معنى حقیقی: هل ینکرون أن مناطق القدس غربی خط ١٩٦٧ هی مناطق إسرائیلیة؟ هل یطالبون بحق فی تلک الأراضی؟ بعد عقود من مطالبة العالم بالحدّ من مزاعم الیهود والإسرائیلیین بحقهم فی شرق خط ١٩٦٧م، هل یطالبون بضمّ إسرائیل غربی هذا الخط إلیهم أیضًا؟ إذا عارض الفلسطینیون والعرب والمسلمون خطوة الولایات المتحدة، کما هو مشار إلیه أعلاه، فهم بذلک یعتبرون أن إسرائیل، حتى ضمن خطوط ١٩٦٧، غیر شرعیة. وأنه من المهم مواجهة المتطرفین الفلسطینیین والعرب الذین ینکرون حق الیهود فی تقریر مصیرهم. إنها فرصة مهمة لتوضیح أن الولایات المتحدة لن ترضخ لهذا الأمر، وأنه على أیة دولة أخرى أن تحذو حذوها. 

الخطوة الرابعة: دعوة کافة الدول الأخرى التی تربطها علاقات دبلوماسیة مع إسرائیل أن تسیر على خطى الولایات المتحدة. وتوجیه الدعوة بشکل خاص إلى الدول التی صوّتت لصالح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ٢٣٣٤ الذی رفض بشکل تام مطالب الیهود والإسرائیلیین بضمّ شرقی خط ١٩٦٧، وکذلک الدول التی شارکت فی مؤتمر باریس الذی أکّد القرار. فقرارهم هذا أکد أن الأراضی الواقعة غربی خط ١٩٦٧، بما فی ذلک القدس هی أراضٍ إسرائیلیة. ویوفّر هذا التفسیر دلیلًا قانونیاً کافیاً لنقل السفارة إلى القدس.

عموماً، إن تصریحات ترامب ومساعدیه، تؤکد أن الإدارة الأمریکیة عازمة على نقل السفارة إلى القدس وأن خطوات تنفیذ هذا القرار بدأت تطبق على الأرض، ومن المحتمل أن یتم اللجوء الفوری إلى نقل السفارة وطاقمها بالکامل إلى القدس، أو استبدالها بخطوات تدریجیة فی محاولة للتخفیف من ردود الأفعال. ویشمل ذلک إمکانیة إبقاء موقع السفارة فی تل أبیب، مع نقل عمل السفیر إلى غربی القدس، انطلاقًا من وجود إقرار دولی وعربی، وفلسطینی إلى حد بعید، بسیادة دولة الاحتلال على الشطر الغربی من المدینة، أو نقل عمل السفیر إلى مقر القنصلیة القائم على الخط الفاصل بین شطری المدینة الشرقی والغربی، أو ربما الإعلان عن الشروع فی بناء مبنى جدید للسفارة بالقدس، بحیث یتم إرجاء النقل إلى حین الانتهاء من هذه العملیة.وقد یشمل هذا السیناریو إمکانیة نقل السفارة دون إعلان الاعتراف رسمیًا بالقدس عاصمة موحدة لإسرائیل، أو العکس، مع إعلان الالتزام بنقل السفارة فی الوقت المناسب. 

المحور الخامس:تداعیات القرار

من المتوقع أن یکون لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائیل، ونقل السفارة الأمریکیة إلیها تداعیات وانعکاسات على أکثر من صعید، وهنا تسعى الدراسة لرصد وتتبع التداعیات المحتملة، على:

–    الصعید السیاسی.

–    الصعید القانونی.

–    الصعید الدیموغرافی والجغرافی.

–    صعید العلاقات العربیة- الأمریکیة.

  1. الصعید السیاسی والدور الامریکی فی عملیة التسویة:

على الرغم من أن الرئیس ترامب حرص على تأکید أنّ قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل یجب ألّا یمس بقضایا الوضع النهائی، فإن إعلانه هذا کان ضربة کبیرة لعملیة السلام. وتعقیباً على هذا القرار، قال رئیس السلطة الفلسطینیة الرئیس “محمود عباس”: “إن إعلان ترامب الذی تضمن قرار نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس یمثل إعلاناً بانسحاب واشنطن من الدور الذی کانت تلعبه خلال العقود الماضیة فی رعایة عملیة السلام… وأن القیادة تعکف على صیاغة القرارات بالتشاور مع الدول الصدیقة، وأن الأیام المقبلة ستشهد دعوة الأطر الفلسطینیة لمتابعة التطورات”[٩٥]. وبحسب رسالة بعثتها الخارجیة الأمریکیة إلى سفاراتها فی العواصم الأوروبیة، فقد طلب من الدبلوماسیین الأمریکیین أن یوضحوا للمسؤولین الأوروبیین “أن القدس ما زالت قضیة من قضایا الوضع النهائی بین الإسرائیلیین والفلسطینیین وأنه یجب على الطرفین تقریر أبعاد سیادة إسرائیل فی القدس خلال مفاوضاتهم”[٩٦]. وهو ما أکده وزیر الخارجیة تیلرسون بقوله:”لم یُشر الرئیس إلى أی وضع نهائی بالنسبة للقدس، وکان واضحاً بأن الوضع النهائی بما فی ذلک الحدود سیترک للتفاوض واتخاذ القرار بین الطرفین”[٩٧]. والمعروف أن القرارات الدولیة الخاصة بالقدس تنص على أن القدس الشرقیة التی تقع ضمن حدودها الأماکن المقدسة (الیهودیة والمسیحیة والإسلامیة)، هی أرضٌ محتلة.

وتکمن الخطورة فی هذا القرار، أنّ إسرائیل سوف تسعى لاستغلال القرار الأمریکی لإخراج القدس من دائرة التفاوض فیما یتعلق بقضایا الوضع النهائی. ومن هنا، یصبح أیّ حدیث عن أنّ قرار ترامب لا یتضمن مصادرة لحق الفلسطینیین فی مناقشة قضایا الوضع النهائی، ومن ضمنها القدس، فی المفاوضات، هو حدیث لا قیمة له، خصوصًا أنّ التقاریر التی تنشر عن ملامح إطار لحل یعمل علیه فریق جارید کوشنر، تستبعد القدس الشرقیة من الحل أو تدعو إلى تأجیل بحثها سنوات، حتى لو قامت دولة فلسطینیة[٩٨]. ورداً على هذا التوجه، قال “جریم بانرمان” محلل سابق فی الخارجیة الأمریکیة: “إن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل شأن داخلی محلی للوفاء بالوعود الانتخابیة، لکن الأمر له آثار ضخمة على الوضع الأمریکی فی الشرق الأوسط، کما أن الوضع النهائی لمدینة القدس یجب تحدیده بالاتفاق بین الطرفین الفلسطینی والإسرائیلی” واعتبر ذلک “إنه تغییر جوهری فی موقف التفاوض الأمریکی”[٩٩].

ومما لا شک فیه، أن قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل، ودعوته للخارجیة الأمریکیة ببدء تحضیرات نقل السفارة، قد أنهى عملیًا سیاسةً اتّبعها أسلافه الثلاثة (کلینتون- بوش الابن- باراک أوباما)، على مدى أکثر من عشرین عاماً، بتأجیل قرار النقل إلى أن یتم التوصل إلى تسویة سلمیة توافقیة بین الطرفین الفلسطینی والإسرائیلی.

وعلى الرغم من تأکیده التزام إدارته “القوی بتسهیل التوصل إلى اتفاق دائم للسلام”، وفق رؤیة حل الدولتین، فإنّ دعم ترامب هنا لحل الدولتین جاء مشروطًا بموافقة الطرفین. وهو ما یعید المفاوضات إلى مربعها الأول؛ إذ یمنح إسرائیل حق الفیتو، والحال أنها ترفض الاعتراف بدولة فلسطینیة عاصمتها القدس الشرقیة، بناءً على قرارات الشرعیة الدولیة[١٠٠].

وتعقیباً على قرار الرئیس ترامب وتداعیاته على عملیة التسویة، یقول “جیمس زوغبی” رئیس المعهد العربی الأمریکی: “إن نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس لن ینهی عملیة السلام، لأنه لا وجود لعملیة السلام، وأضاف: “لن أقول أیضاً إنه سیضعف الثقة بالولایات المتحدة لأنها خسرت مصداقیتها بالفعل فیما یتعلق بالنزاع الفلسطینی- الإسرائیلی، إنها خطوة غبیة محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدی إلى إشعال العواطف وتعریض حیاة الناس للخطر”[١٠١].

عموماً، إن الاعتراف الأمریکی بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الإسرائیلی ونقل السفارة الأمریکیة إلیها أثبت الانحیاز الکامل للولایات المتحدة وتبنیها للروایة الإسرائیلیة، بل التوراتیة، وستمثّل هذه الخطوة تجسیداً سیاسیاً وعملیاً لحسم قضیة القدس قبل الشروع فی أیة مفاوضات، وتؤکد أن هذه القضیة لم تعد جزءاً من قضایا الحل الدائم. وهذا یمثّل تکریساً عملیاً آخر للاعتراف الأمریکی بسیطرة إسرائیل على القدس.

٢. على الصعید القانونی:

إن الإعلان الأمریکی بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل ونقل السفارة إلى القدس ینطوی علیه أبعاد قانونیة بالغة الخطورة، تمثّل انقلاباً دراماتیکیاً على الموقف الأمریکی من احتلال إسرائیل للأراضی الفلسطینیة بعد حرب ١٩٦٧، وینسف مواقف واشنطن من قضیة الاستیطان فی المدینة. فمثل هذا الاعتراف یعنی أن الولایات المتحدة لم تعد ترى فی الوجود الإسرائیلی فی القدس الشرقیة نوعاً من أنواع الاحتلال، وهو ما یعنی اعترافاً أمریکیاً بقانونیة کل المستوطنات الیهودیة التی بنتها إسرائیل بعد حرب العام ١٩٦٧، والتی دُشّن جزء منها على أراض تتبع الضفة الغربیة وتم إلحاقها بحدود بلدیة الاحتلال فی القدس[١٠٢]. لذا ستتناول الدراسة الابعاد والتداعیات القانونیة للقرار الأمریکی على مستوى القانون الدولی والقانون الإسرائیلی، وذلک على النحو الآتی:

‌أ. على مستوى القانون الدولی

ینص القانون الدولی المستند خصوصاً إلى قرارات الأمم المتحدة على أن الأراضی الفلسطینیة أراض محتلة بما فی ذلک القدس الشرقیة، وأنه یحظر على قوة الاحتلال تغییر الوضع القانونی والجغرافی والدیموغرافی فیها. وباعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائیل، یشرعن الاحتلال الإسرائیلی ویعطیه إجازة قانونیة، فی خرق واضح للقرار رقم ٢٤٢ الذی أصدره مجلس الأمن الدولی التابع لمنظمة الأمم المتحدة فی ٢٢ تشرین الثانی/نوفمبر ١٩٦٧، ووافقت علیه واشنطن، والذی یقوم على مبدأ عدم جواز اکتساب أراضی الغیر بالقوة، والاعتراف بالقدس عاصمة للدولة المحتلة ینفی هذا المبدأ[١٠٣].أضف إلى ذلک، أنه یشکل تفویضاً لإسرائیل من خارج إطار الأمم المتحدة، بأن یستخدم قدراً على القوة، وأن یفرض وتیرة أسرع للتهوید والاستیطان، دون أن یخشى الإدانة الدولیة. وهذا یعنی أن سلطات الاحتلال ستأخذ هذا القرار إلى حیز التنفیذ حیث یترکز اهتمامها فی المسجد الاقصى ومحیطه، وفی سلوان، وفی تحقیق الأغلبیة السکانیة، وفی انهیار الجدار من حول القدس. بلغة اخرى، فإن هذا القرار سیفتح الباب امام مواجهات میدانیة جدیدة فی القدس، ستشکل المرکز المشتعل للصراع مع الکیان الصهیونی على مدى السنوات المقبلة[١٠٤].

‌ب. على مستوى القانون الإسرائیلی

تمثّل عملیة الاستیلاء على الأرض وإفراغ الحیز من سکانه الأصلیین جوهر المشروع الاستیطانی الإسرائیلی فی فلسطین عمومًا وفی القدس على وجه الخصوص، وقد استخدمت الحرکة الصهیونیة وإسرائیل وسائل مختلفة لتحقیق هذه الغایة. ویمکن اعتبار المنظومة القانونیة، والجهاز القضائی الذی یحکم بموجبها، من أهم الوسائل التی اعتمدتها إسرائیل، لإضفاء الشرعیة على الواقع الذی فرضته بالقوة[١٠٥]. وقد اعتمدت دولة الاحتلال على مجموعة من التقنیات القانونیة والإجرائیة التی تمنع أی حمایة للسکان الواقعین تحت الاحتلال من إجراءات التهوید ومصادرة الأرض. ولا شک فی أن لیبرالیة القضاء الإسرائیلی تواطأت مع الاحتلال، بصفتها أحد أجهزته[١٠٦]. فضلا عن أن الیمین المتطرف بدأ یسیطر مؤخراً على القضاء أیضاً لسد أیة فجوة یمکن أن تتسرب منها مبادئ مثل حقوق الإنسان وغیرها؛ إذ یجری تغییر النخب فی النظام القضائی، ووزارة القضاء، والمستشار القضائی للحکومة، والمحکمة العلیا، والمحاکم الأخرى. هذا فضلا عن تغلغل الیمین وجمعیات یمینیة استیطانیة فی مراکز القوى واتخاذ القرارات ذات التأثیر فی مشروع تهوید القدس؛ بالاستیلاء على أملاک الفلسطینیین، وتسریع البناء الاستیطانی فی الأحیاء الفلسطینیة ذاتها، وعدم الاکتفاء بتطویقها بالأحیاء الاستیطانیة. وتضطلع بذلک هذه الأطر القانونیة بدور مشجع وملائم لقرار ترامب، وکذا لمشاریع إسرائیل الاستعماریة. وتبقى بنیتها متعارضة غیر متناسقة مع القوانین والمعاهدات الدولیة المذکورة سابقًا؛ إذ إنها تصر على سیادة القانون الإسرائیلی والتشریعات المختلفة الأخرى على مناطق محتلة[١٠٧].

٣. على الصعید الدیموغرافی والجغرافی:

تعد سیاسة التخطیط المنتهجة من قبل سلطات الاحتلال بمثابة الأداة الأساسیة لتهوید القدس، فهی تستهدف الوجود الفلسطینی فی المدینة، وتعزلها، وتغلقها بوجه الفلسطینیین الراغبین فی البقاء أو القدوم للإقامة فیها، وتجبرهم على الهجرة القسریة جراء القیود التی تحول دون ممارسة الفلسطینیین لحقهم الأساسی فی البناء والسکن فی القدس. یشار إلى أن سیاسة التخطیط المنتهجة فی القدس الشرقیة تستهدف المساس بعملیة “تحجم تطویر والبناء” بالنسبة للفلسطینیین، وتشجع المشاریع الاستیطانیة على أراض الفلسطینیین التی یتم الاستیلاء علیها ومصادرتها[١٠٨].

تضع سلطات الاحتلال الإسرائیلی منذ احتلالها لمدینة القدس خططًا فی مجالی الجغرافیة والدیموغرافیة، وتستخدم تقنیات مشتقة من هذه المجالات من أجل تزویر التاریخ والوجود الفلسطینی، فضلا عن نفی انتمائه لهذ الأرض. وتمثّل الدیموغرافیة فی حالة القدس محوراً مهماً فی صراع الوجود؛ إذ تسعى إسرائیل من الجغرافیة والدیموغرافیة إلى خلق واقع جدید یهدد الفلسطینیین داخل المدینة المقدسة.

وتقوم الحرب الدیموغرافیة الإسرائیلیة على عملیة سلب الأراضی الفلسطینیة وإلحاقها بالقدس الغربیة، من خلال أسالیب التهجیر والاستیطان؛ ومن ضمن ذلک هدم البیوت، ومصادرة الأرض بحجة المنفعة العامة باعتبار الاستیطان الیهودی منفعة عامة، وإعلان مناطق بأکملها منتزهات وطنیة، وإخراج کتل سکانیة عربیة من القدس بواسطة جدار الفصل تتجاهل حکومات إسرائیل المتعاقبة بأنها تمثل دولة محتلة، وأنها تطبق قوانین السیادة الاسرائیلیة على مدینة القدس المحتلة والاراضی المصادرة مخالفة بذلک قوانین وقرارات الامم المتحدة[١٠٩].

وجوهریًّا، تتعامل إسرائیل مع سکان القدس على أنهم مقیمون دائمون، وکأنهم حصلوا على تأشیرة دخول إلى القدس؛ أی إنهم لیسوا سکانًا أصلیین، بل إنهم مقیمون زوار. وهذا یعنی إمکانیة إلغاء هذه الإقامة، إذا تغیر مکان الإقامة أو “نقل مرکز الحیاة”، لأغراض العمل مثلًا. وتبقی هذه الحالة القانونیة الملتبسة السکانَ العرب الأصلیین فی حالة من انعدام الأمان والاستقرار[١١٠].

وقد ساهم الخلط والضبابیة المفهومیة، فی تعریف القدس على المستوى الحدودی والجغرافی، فی خلق إشکالیة تخدم دائماً جانب الاستیطانی الإسرائیلی فی ترسیخ فکرة “خصوصیة القدس”. فقد سعت الکتابات الإسرائیلیة لوضع تصور للقدس ضمن شرط أغلبیة یهودیة وأقلیة فلسطینیة؛ وذلک من خلال ترسیم الحدود لوضع کل الکتل الاستیطانیة داخل القدس، وترک القرى الفلسطینیة خارجها[١١١].ناهیک عن أسالیب العنف والارهاب التی واستعملتها إسرائیل فی السیطرة على الأرض من خلال قوانین انتزاع الأراضی “للمصلحة العامة”، التی یمکن اعتبارها مناطق محفوظة أی خزانات أو احتیاطیاً للمستوطنات مستقبلاً، وإحاطة التجمعات الفلسطینیة بالمستوطنات وتفتیتها من خلال زرع بؤر استیطانیة أو مناطق خضراء داخلها لتسهیل السیطرة الأمنیة علیها عند الحاجة، فضلا عن جدار الفصل العنصری الذی جعل ١٥٠ ألف فلسطینی خارج تعداد القدس … إلخ[١١٢]. وبناء علیه، توجد محاولات متعمدة لتعقید سیاسات التخطیط والتقسیم الخاصة بالأراضی الفلسطینیة، وکذلک حرمان السکان الفلسطینیین من استغلالها؛ وکلها أمور الغرض منها إجبار الفلسطینیین على الرحیل. فبعد أن احتلت إسرائیل القدس أصدرت ثلاثة قوانین، وسّعت بموجبها منطقة القدس وحدود البلدیة.

  1. على صعید العلاقات العربیة- الأمریکیة:

تعتبر إدارة ترامب نفسها حلیفاً قویاً للمملکة العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة ومصر، وتتعامل معهم کرکیزة من رکائز التحالف الإقلیمی ضد إیران. وبالآتی، فإن نقل السفارة یضع حلفاء واشنطن من العرب فی موقف حرج وصعب. لکن هل سیؤثر الموقف الأمریکی تجاه القدس فی قدرة واشنطن على العمل بشکل مباشر ومریح مع هذه الدول. أعتقد أن الدول العربیة فی هذه المرحلة لیس لدیها من التأثیر (سیاسیاً أو اقتصادیاً) على الولایات المتحدة لتجبرها على تأجیل القرار ولیس إلغاؤه. على الرغم من حاجة الولایات المتحدة لهذه الدول فی مواجهة إیران، ففی الوقت الذی تسعى فیه إدارة ترامب لمواجهة إیران، وتطبیع العلاقات بین إسرائیل والدول العربیة، جاء هذا القرار. واکتفت الدول العربیة بالتندید والاستنکار.

ورغم التهویل الذی رافق قرار نقل السفارة من قبل الأطراف العربیة، ثبت فیما بعد انه مجرد دغدة للعواطف بقیت العلاقات العربیة- الأمریکیة على حالها، وکأن القرار لم یصدر، وفی إطار التهویل العربی، فسفیر السعودیة فی واشنطن “خالد بن سلمان” صرح قائلاً أن: “أی إعلان للولایات المتحدة عن وضع القدس قبل الوصول إلى تسویة نهائیة قد یکون له عواقب ضارة، وقد یعزز من التوترات فی المنطقة، لکن سیاسة المملکة کانت وما زالت مؤیدة للشعب الفلسطینی وقد تم إبلاغ ذلک للإدارة الأمریکیة”[١١٣].

وفی إطار الحدیث عن الحساسیة الجیوسیاسیة للقدس لدى العالم العربی والإسلامی، تعتبر المدینة موطن المسجد الأقصى، وثانی أکبر مکان مقدس لدى المسلمین، وبالرغم من البعد العاطفی لهذه المدینة فی قلوب العرب والمسلمین، إلا أن ردود الفعل لم تکن بالحد المتوقع، وهو ما تناولته الصحف الأمریکیة التی کشفت رضا الولایات المتحدة عن رَّدات الفعل العربیة والإسلامیة على قرار نقل السفارة، والتی وصفت بأنها خافته، مع أن هناک وسائل إعلام أمریکیة ومراکز بحثیة هولت من ردة الفعل الشعبیة فی العالم العربی والاسلامی، وهذا ما أکده “جیمس زغبی” رئیس المعهد العربی الأمریکی قائلاً: “سوف یکون الأمر مروعاً إذا تطور لحدوث أعمال عنف، لکن الخطأ یقع على الأشخاص الذین تسببوا فی ظهور هذا العنف”[١١٤]. وفی دراسة لمرکز (CSIS) للدراسات الاستراتیجیة فی واشنطن، حول التداعیات الاستراتیجیة وانعکاساتها على العلاقة مع الدول العربیة والاسلامیة، قالت الدراسة: “سیضر بمصالح الولایات المتحدة الاستراتیجیة وبمصالح إسرائیل الأمنیة، وسیتسبب فی مشاکل لحلفائنا العرب وسیسیئ لمکانة الولایات المتحدة ودورها فی الشرق الأوسط”[١١٥].

ووفقًا لوسائل الإعلام الأمریکیة فقد حذرت الخارجیة الأمریکیة جمیع سفاراتها حول العالم ودعتهم إلى تعزیز الوضع الأمنی تحسباً لأی احتجاجات عقب إعلان ترامب، وقد علق المحلل السیاسی الأمریکی بانرمان بالقول: “القدس لیست مجرد قضیة فلسطینیة، إذا وضعتها فی سیاق النزاع الفلسطینی- الإسرائیلی فقط فلن تفهم أبداً أهمیة القدس، هذا الأمر ربما یسبب ضعفاً فی موقف الإدارة الأمریکیة، حیث یبدو أنها لا تفهم کیف تؤثر القدس فی المنطقة بأکملها وفی العالم الإسلامی کذلک”[١١٦]. وتعقیباً على هذا التحذیر، یقول مرکز الدراسات الاستراتیجیة فی واشنطن (CSIS): “سیُوجِد خلافاً مع حلفائنا فی أوروبا، وسیساعد على تجنید إرهابیین ومتطرفین جدد، وسیمنح إیران وحزب الله وروسیا الفرصة لاستغلال هذا الغضب والانقسام لمصلحتهم”[١١٧].

عموماً، یبدو أن وسائل الاعلام الأمریکیة والإسرائیلیة، ومعها العربیة قد بالغت فی ردة الفعل العربیة والإسلامیة تجاه قرار ترامب بنقل السفارة الأمریکیة من تل أبیب إلى القدس، لکن یبدو أن صانع القرار فی الولایات المتحدة کان متوقعاً لمحدودیة الرد العربی والإسلامی (رسمیاً وشعبیاً) على هذ القرار.

وعلیه، فإن تداعیات القرار الأمریکی وتأثیره على العلاقات العربیة مع الولایات المتحدة لن یکون له تأثیر ملموس، بدلیل أن هناک دولاً عربیة مؤثرة تتبنى الرؤیة الأمریکیة بوضعها الحالی تجاه حل القضیة الفلسطینیة.

 

الخاتمة:

على الرغم من موجة الغضب العارم الذی اجتاحت معظم بلدان العالم رفضاً وتندیداً بنقل سفارة الولایات المتحدة إلى القدس، لأن ذلک القرار منافیاً ومخالفاً لقواعد القانون الدولی وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الخاصة بمدینة القدس، التی تعتبر أراضٍ محتلة، کما أن القرار یتنافى مع اتفاقیة أوسلو بین إسرائیل ومنظمة التحریر التی ارجأت الحدیث عن القدس لمفاوضات الوضع النهائی.

وعلى الرغم من المعارضة الدولیة الکبیرة لهذا القرار، فیبدو أن الولایات المتحدة ماضیة دون تراجع فی تنفیذ هذا القرار، وهناک مجموعة من العوامل یمکن تصنیفها على النحو الآتی:

–    ما یتعلق بالولایات المتحدة، لم یسجل على الولایات المتحدة (تاریخیاً) أنها تراجعت عن القرارات التی اتخذتها على مستوى السیاسة الخارجیة. ومثال على ذلک، “مبدأ مونرو” الذی وضعه الرئیس الأمریکی “جیمس مونرو عام ١٨٢٣م؛ وینص على تطبیق سیاسة العزلة فی الولایات المتحدة الأمریکیة فی علاقاتها الخارجیة. ومع ذلک تدخلت الولایات المتحدة فی قضایا الکثیر من بلدان العالم، ومنها على سبیل المثال: الحربین العالمیتین، الأولى (١٩١٤-١٩١٨م)، والثانیة (١٩٣٩-١٩٤٥م)، دون الإعلان عن إلغاء مبدأ العزلة-مونرو. بمعنى آخر، أن غطرسة الولایات المتحدة، وکبریائها، وتعاظم نفوذها منعها من إلغاء قراراتها التی اتخذتها فی مراحل سابقة، خاصة المتعلقة بالشؤون الخارجیة.

–    ما یتعلق بالعلاقات الاستراتیجیة مع إسرائیل، والأمثلة على ذلک کثیرة جداً، منها تعهد الإدارات الأمریکیة المتعاقبة (بدون استثناء) الحفاظ على أمن وتفوق إسرائیل، ناهیک عن التجانس الکبیر القائم بین إدارة ترامب المنتمیة للتیار المسیحی المتصهین واللوبی الصهیونی والمجمع الصناعی العسکری الأمریکی، والحکومة الإسرائیلیة الیمینیة المتطرفة. وکذلک، تبینی إدارة ترامب لمواقف الحکومة الإسرائیلیة ولرؤیتها لحل القضیة الفلسطینیة وهی رؤیة تتماشى فقط مع ما تریده إسرائیل، دولة فلسطینیة مقطوعة الأوصال، قابلة للحیاة مع الترکیز على البعد الأمنی، ومن العوامل التی تؤکد عدم تراجع الإدارة الأمریکیة عن قرارها بنقل السفارة إلى القدس.

–    ما یتعلق بالواقع الفلسطینی، یعانی الفلسطینیون منذ أکثر من ١١ عام من الحصار والاغلاق الذی تفرضه إسرائیل على قطاع غزة، وقد ازدادت الأمور تعقیداً بعد الانقسام الفلسطینی- الفلسطینی الذی انتهی بسیطرة حرکة حماس على غزة، والسلطة الفلسطینیة على الضفة الفلسطینیة، وهو ما سبب ضرراً کبیراً للمشروع الوطنی الفلسطینی، وأدى إلى تراجع الدعم والتعاطف الدولی مع القضیة الفلسطینیة، کما ساهم أیضاً فی تأخیر وتراجع فرص الحل، وأعطى دولة الاحتلال الإسرائیلی هامشاً کبیراً من المناورة والتهرب من استحقاق التسویة، وتراجعت معها الولایات المتحدة کراجعیة للتسویة، بحجة أن السلطة غیر مؤهلة لإقامة دولة ما دامت غزة خارج سیطرتها ولا تستطیع استردادها. ناهیک عن الاعتداءات الإسرائیلیة المتکررة على قطاع غزة والتی انتجت واقعاً مأساویاً فی غزة نتج عنه ازدیاد الأوضاع تعقیداً وبؤساً.

–           ما یتعلق بالواقع العربی، تعیش الدول العربیة واقعاً صعباً، فقد أرهقت العدید من الدول العربیة مثل، لیبیا وسوریا بحروب داخلیة فیما یسمى “الربیع العربی” وأدخلت العراق فی صراعات طائفیة مزقته وأضعفته، ولا تزال الأوضاع فی تونس ومصر غیر مستقرة، أما الیمن فتشهد منذ أکثر من ثلاث سنوات حرباً طاحنة باسم “التحالف العربی” ضد جماعة الحوثیین المدعومة من إیران، ولا أحد یستطیع التنبؤ بنهایة هذه الماسی. ناهیک عن الحرب الإعلامیة (التی تغذیها الولایات المتحدة وإسرائیل) والتی خلقت اصطفافاً مصطنعاً قسم العرب والمسلمین بین معسکرین، سنی بقیادة السعودیة، وشیعی بقیادة إیران. بمعنى آخر، أن الواقع العربی أُشغل بقضایاه الداخلیة التی کبلته، وأضعفت تحرکاته، بل وأنهکت قواه. فضلاً عن أنظمته الرجعیة المستبدة التی فقدت التأثیر فی مجریات الأحداث، وأصبح دورها هامشیاً على مستوى السیاسة الدولیة، لدرجة ان الرئیس ترامب هاتف معظم رؤساء هذه الدول وأخبرهم عزمه على إعلان قرار نقل السفارة الأمریکیة غلى القدس، وهذا مؤشر قوی على ان الولایات المتحدة لم تعد تعیر أی اهتمام أو أهمیة لهذا الدول. وبالآتی، لن تستطیع الدول العربیة أن تؤثر على الإدارة الأمریکیة وتجبرها على التراجع عن هذا القرار.

–    ما یتعلق بالوضع الدولی، منذ انهیار الاتحاد السوفیتی ١٩٩١م، والولایات المتحدة تهیمن وتتحکم بشکل کبیر فی مخرجات السیاسة الدولیة، وتلعب دوراً واضحاً فی التأثیر فی توجهات الدول فیما یتعلق بسیاستها تجاه الشرق الأوسط، ولاسیما القضیة الفلسطینیة، وبالرغم من المعارضة الکبیرة التی واجهها قرار ترامب بشأن القدس، إلا أن هذه الدول لن تدخل فی صراع دبلوماسی، أو مواجه سیاسیة فی الهیئات الدولیة مع الولایات المتحدة، وستکتفی ببیانات التندید والاستنکار. بمعنى آخر، ما هی المکاسب التی ستعود على هذه الدول فیما لو عارضت سیاسة الولایات المتحدة ووقفت ضدها؟ أعتقد أن هذه الدول لن تضحی بمصالحها مع الولایات المتحدة لقاء مواقف انسانیة وتصریحات إعلامیة، قد تنصف الفلسطینیین الذین یعانون منذ أکثر من ٧٠ عاماً احتلالاً ظالماً یواجهه الفلسطینیون، وإدارات أمریکیة تدعم إسرائیل وتبرر جرائمها وعدوانها بحق الفلسطینیین.

ختاماً، اعتقد أن المناخ الدولی العام یتلاءم ویتناغم مع السلوک الأمریکی تجاه الشرق الأوسط، وأن إدارة ترامب، قد اختارت الزمان المناسب لإصدار قرارها المتعسف غیر القانونی بحق القدس، کما أن هذا السلوک ینسف کل جهد یمکن أن یساهم فی ایجاد حل عادل للقضیة الفلسطینیة، وقضیة القدس.

الهوامش والمصادر



[١] تقدیر موقف، خلفیات اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائیل وتداعیاته، مرکز الجزیرة للدراسات والابحاث، ١١ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص٣.

[٢] عبد الناصر سرور، دوافع وتداعیات القرار الاستراتیجی الأمریکی باحتلال العراق عسکریاً ٢٠٠٣، غزة، مجلة جامعة الأقصى، المجلد الرابع عشر، العدد الأول، ینایر ٢٠١٠، ص ٥٦.

[٣] أحمد ناصوری، دراسة تحلیلیة لعملیة صنع القرار السیاسی، دمشق، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادیة والقانونیة، المجلد ٢١، العدد الأول- ٢٠٠٥، ص٢٧٠.

[٤] Richard Snyder, H. w. bruck. Burton sapin. “Decision making as an approach to the study of   international politics” in ed: Stanley Hoffman, Contemporary theory in international relation. Ed :٥ U.S.A: prentice national politics. p: ١٥٣.

[٥]ناصوری، دراسة تحلیلیة لعملیة صنع القرار السیاسی، مرجع سابق، ص٢٧٠.

[٦] زهرة صالح، صناعة القرار السیاسی، سلسلة کتیبات برلمانیة ٢٠١٦، معهد البحرین للتنمیة السیاسیة، ٢٠١٦، ص٩.

[٧] سرور، دوافع وتداعیات القرار الاستراتیجی الأمریکی باحتلال العراق عسکریاً ٢٠٠٣، مرجع سابق، ص ٥٧.

[٨] المرجع السابق، ص ٥٨.

[٩] نفس المرجع السابق، ص ٥٧.

[١٠] عبد المنعم عبد المنعم، القرار الاستراتیجی فی ضوء المتغیرات الدولیة (دراسة فی صنع القرار)، القاهرة، المکتب العربی للمعارف، ص ٧٠.

[١١] المرجع السابق، ص ٧١.

[١٢] نفس المرجع السابق، ص٧٣. 

[١٣]Nasser Mattar Al Zubaidi, USA and its Management of, International Crises (Applied Analytical Thesis), Dissertation for a Phd, World (ST.Clements) University, Iraq-Baghdad, ٢٠١٠, pp ٢.       

[١٤] ناصوری، دراسة تحلیلیة لعملیة صنع القرار السیاسی، مرجع سابق، ص٢٧٥.

[١٥] محمد الشرقاوی، ترامب والقدس: قراءة من الدّاخل، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، سباط/فبرایر ٢٠١٨، ص١-٥.

[١٦] President Donald J. Trump’s State of the Union Address, The White House, January ٣٠, ٢٠١٨.                                                                                                                     

https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/president-donald-j-trumps-state-union-address/

[١٧] جیمس أولیفانت وجون وایتسایدز، ضغط المسیحیین الإنجیلیین ساهم فی دفع ترامب لاتخاذ قرار القدس، وکالة رویترز، إعداد منیر البویطی للنشرة العربیة- تحریر: نادیة الجویلی، ٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧.

https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKBN١E١١MF

[١٨] ولید شرارة، الانحدار المتسارع للإمبراطوریة الأمریکیة، صحیفة النهار البیروتیة، العدد ٣٣٥٥، ٢٢ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص١١.

[١٩] عین على القدس، ترامب وکلینتون یدخلان بورصة التملق للدولة العبریة، تقریر صادر عن إدارة الأبحاث والمعلومات فی مؤسسة القدس الدولیة، ٢٣-٢٩ آذار/مارس ٢٠١٦، ص٢٨-٢٩.

[٢٠] إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائیل: الدوافع والمعانی والأفاق، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات (تقدیر موقف)، وحدة تحلیل السیاسات فی المرکز العربی، کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص٣.

[٢١]زاهر زکار،قرار الرئیس الأمریکی دونالد ترامب بشأن القدس دوافعه وآفاقه، مجلة الرافد الفکری، ١ أذار/مارس ٢٠١٨.                                http://www.alraafidmag.com

[٢٢]الراصد، (الشئون الدولیة)، نشرة تصدر عن مرکز غزة للدراسات والاستراتیجیات، أکادیمیة الادارة والسیاسة، کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص١٤.

[٢٣] خلفیات اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائیل وتداعیاته (تقدیر موقف)، مرکز الجزیرة للدراسات، ١١ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧ ص٣.

[٢٤] رسالة القدس، نشرة اخباریة یومیة تصدر عن اللجنة الوطنیة الفلسطینیة للتربیة والثقافة والعلوم، منظمة التحریر الفلسطینیة، ٧ کانون الاول/دیسمبر ٢٠١٧، ص١٦.

[٢٥] هبه البیه، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل مخالف للقانون الدولی، الدوحة، صحیفة الرایة القطریة، ٢٥ شباط/فبرایر ٢٠١٨، العدد ١٣٠٧٧، ص١٧.

[٢٦]The Ethics of Diagnosing Trump from Afar, the University of Minnesota, August ١٦, ٢٠١٦.      

https://consortium.umn.edu/news/ethics-diagnosing-trump-afar

[٢٧]Can Psychologists Diagnose President Trump? Ethical or Not?, Posted on March,astral tides,    dr. chrisbrayley, rmt,١٣, ٢٠١٧ by cbrayley ٢٤ .                                                              

https://astraltides.wordpress.com/٢٠١٧/٠٣/١٣/can-psychologists-state-the-obviou.

[٢٨]Leonard Cruz and Steven Buser, A Clear and Present Danger: Narcissism in the Era of President Trump, Chiron Publications, July ٢٦, ٢٠١٦.                                                        

[٢٩]May Bulman, Donald Trump has ‘dangerous mental illness’, say psychiatry experts at Yale conference, ٢١-٠٥-٢٠١٧

   https://www.msn.com.   

[٣٠] قناة المحور الفضائیة، برنامج تسعون دقیقة، ٢٠ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، انظر:

   https://www.youtube.com/watch?v=BFLMdkdyAwU

[٣١] قاسم صالح، شخصیة ترامب: تحلیل سیکولوجی، تونس، المؤسسة العربیة للعلوم النفسیة، مجلة بصائر نفسانیة، العدد ١٦-١٧، صیف ٢٠١٧، ص٤٠-٤٥.

[٣٢]  المرجع السابق، ص ٤٣-٤٤.

[٣٣] محمد علی صالح، مایک بینس.. الوجه الآخر لترامب، صحیفة الشرق الأوسط، ٢٣ تموز/یولیو ٢٠١٦،

[٣٤]McKay Coppins, God’s Plan for Mike Pence, Will the vice president-and the religious right-be rewarded for their embrace of Donald Trump, The Atlantic magazine, ٢٠١٨.                           

https://www.theatlantic.com/magazine/archive/٢٠١٨/٠١/gods-plan-for-mike-pence/٥٤٦٥٦٩.      

[٣٥] نوعا لنداو، واعظ إنجیلی على منصة الکنیست، رام الله، صحیفة الأیام الفلسطینیة،٢٤ کانون الثانی/ینایر ٢٠١٨، العدد ٧٩٦١، ص١٠. (نقلاً عن صحیفة هأرتس الإسرائیلیة).

[٣٦]ناجح شاهین، زیارة مایک بنس وإلحاح السؤال حول طرق المواجهة، رام الله، صحیفة الحدث الفلسطینی، ٦ شباط/فبرایر ٢٠١٨، العدد ١٠١، ص٢١.

[٣٧] الراصد (الشؤون الدولیة)، نشرة اخباریة یومیة، تصدر عن مرکز غزة للسیاسات والإستراتیجیات- أکادیمیة الإدارة والسیاسة، ٢٣ کانون الثانی/ینایر ٢٠١٨، ص٥.

[٣٨] أودی سیغال، أول نائب رئیس أمیرکی یخطب فی الکنیست، رام الله، صحیفة الأیام الفلسطینیة، ٢٤ کانون الثانی/ینایر ٢٠١٨، العدد ٧٩٦١، ص ١٠. (نقلاً عن صحیفة معاریف الإسرائیلیة)

[٣٩] صحیفة العربی الجدید، العدد ١١٩٤، ٨ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص٤.

[٤٠] یردین لیخترمان، ٥ حقائق عن مبعوث الرئیس ترامب لشؤون الشرق الأوسط، ٣٠ أذار/مارس ٢٠١٧م، وکالة المصدر الاعلامیة.

https://www.al-masdar.net

[٤١]غرینبلات.. یهودی بإدارة ترامب أولویته فلسطین، الجزیرة نت، ٥ شباط/فبرایر ٢٠١٧.

http://www.aljazeera.net/home/print/fdd٦٨١٥٤-٥cb٧-٤edd-a٨d٠-fc٦٨٠f٠d٧٦٩٦/c٥١٣٥٤bd-df٥٢-٤١١٤-a١٨٣-٢a٧٢f٦cd٥da٦

[٤٢]الراصد (الشؤون الدولیة)، نشرة اخباریة یومیة، تصدر عن مرکز غزة للسیاسات والإستراتیجیات- أکادیمیة الإدارة والسیاسة، ٤ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص ١٠-١٢.

[٤٣] صحیفة الشرق الأوسط اللندنیة، ١ شباط/فبرایر ٢٠١٨، العدد ١٤٣١٠.

[٤٤] زهیر المالکی، مطبخ ترامب، صحیفة المثقف العربی، ١٢ شباط/فبرایر ٢٠١٧، العدد ٣٨١٣.

[٤٥] معاذ العمری، زوج ابنة ترامب مرشح لتولی الملف “الفلسطینی- الإسرائیلی”، صحیفة الشرق الأوسط، ٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٦، العدد ١٣٨٨٩.

[٤٦] صحیفة الایام الفلسطینیة، ١٧ کانون الثانی/ینایر ٢٠١٨، العدد ٧٩٥٤، ص١٥. (نقلاً عن “هفینغتون بوست” الأمریکیة). وأیضاً: روبرت فیسک، کیف أثرت صفقات کوشنر مع إسرائیل على عملیة السلام؟، صحیفة الایام الفلسطینیة، العدد نفسه، ص ١٥. (نقلاً عن صحیفة “الإندبندنت” البریطانیة).

[٤٧] مقابلة شخصیة مع البروفیسور عبد الناصر سرور بتاریخ ١٢ حزیران/یونیو ٢٠١٨، الساعة ١١,٠٠ صباحاً، غزة.

[٤٨] نجاة صادق، صهر ترامب.. علاقاته الاقتصادیة مع إسـرائـیل، صحیفة الخلیج الیوم، ٣ أذار/مارس ٢٠١٨.

http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:AyQEzck٦gCcJ:www.khalij.today/world/artical١٨٧٣٠٤٥+&cd=١٦&hl=ar&ct=clnk&gl=ps.

[٤٩] مایان لوبیل، تحقیق: بالنسبة لمستوطنی الضفة الغربیة.. جارید کوشنر هو رجلهم، وکالة رویتر للأنباء، ١ شباط/فبرایر ٢٠١٧.

https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKBN١٥G٥B٠

[٥٠] صحیفة الوسط البحرینیة، ١٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٦، العدد ٥٢١٥، ص٢٣.

[٥١]Lara Friedman, Ambassador-nominee David Friedman, In His Own Words, American for Peace Now, ١٩/١٢/٢٠١٦, pp١-٦.                                                                                           

[٥٢]Roxanne Perugino, President-elect Donald Trump Nominates David Friedman as US Ambassador to Israel, Arab Center Washington DC, December ٢١, ٢٠١٦, pp١-٣.                      

[٥٣] صائب عریقات، املاءات الرئیس ترامب المرحلة الجدیدة: فرض الحل (حزیران/یونیو ٢٠١٧- أذار/مارس ٢٠١٨)، الدراسة رقم ٢٢، أریحا، جامعة الاستقلال، مرکز الدراسات الإستراتیجیة، ص١٥.

[٥٤] صحیفة البیان الاماراتیة، ١٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٦، العدد ١٣٣٣١، ص ٢٢.

[٥٥] صحیفة الشروق المصریة ١١ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ٣٢٣٥، ص٧.

[٥٦] صحیفة الشرق الأوسط اللندنیة، ١١ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ١٤٢٥٨.

[٥٧] بیل فان أوکین، ترامب ینسف عملیة السلام فی الشرق الأوسط، صحیفة تشرین السوریة، ١٠ کانون الاول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ١٣١٠٤، ص١١.

[٥٨] أسعد عبد الرحمن، اهو الطریق إلى حرب دینیة؟، الراصد (شئون صهیونیة)، نشرة تصدر عن مرکز غزة للسیاسات والاستراتیجیات، کلیة الإدارة والسیاسة، ١٧ شباط/فبرایر ٢٠١٨، ص٤.

[٥٩] نزار أیوب، مدینة القدس: بین الاستعمار الإسرائیلی والقبول الأمیرکی، الدوحة، المرکز العربیّ للأبحاث ودراسة السیاسات، کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص١٥.

[٦٠] صحیفة العربی الجدید، ٧ کانون الاول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ١١٩٣، ص٤.

[٦١] عبد الناصر سرور، الموقف الأمریکی من قضیة القدس (١٩٦٧-٢٠٠٩)، بیروت، المجلة العربیة للعلوم السیاسیة، ربیع ٢٠١٠، العدد ٢٦، ص ١٢٣.

[٦٢] المرجع السابق، ص ١٢٤.

[٦٣] ولید عوض، مشروع قرار فی الکونغرس یسعی للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائیل مقابل الاعتراف بفلسطین، ٢٥ نیسان/إبریل ٢٠٠٥، القدس العربی، العدد ٤٩٤٩، ص ٦.

[٦٤] (تقریر)، أحمد الشجاع، تهوید الأرض المبارکة، مجلة عودة ودعوة، . أنظر:

http://awda-dawa.com/Pages/Articles/Default.aspx?id=١٠٦٥

[٦٥]عوض، مشروع قرار فی الکونغرس یسعی للاعتراف بالقدس، مرجع سابق، ص ٦.

[٦٦] سرور، الموقف الأمریکی من قضیة القدس، مرجع سابق، ص١٢٥.

[٦٧] صحیفة النهار، ٧ حزیران/یونیو ٢٠١٧، العدد ٣٠٩٢، ص ٢٦.

[٦٨] صباح کنعان، المجمع العسکری الصناعی: عدو من داخل أمریکا، صحیفة الخلیج الاماراتیة، ٧ نیسان/إبریل ٢٠١٢.

[٦٩] صالح المعایطة، المجمع الصناعی العسکری یدیر استراتیجیة الأمن القومی الأمیرکی، صحیفة الرأی الأردنیة، ١١ تموز/یولیو ٢٠١٢.

http://alrai.com/article/٥٢٦٢٠٨.html

[٧٠] طه عبد المنعم، فی أصول قرار ترامب بشأن القدس، الاهرام الیومی، العدد ٤٧٨٥٠، ٩ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧.

[٧١] صناعة القرار الأمریکی الآن، المتابع الاستراتیجی (١٥-٢)، مرکز الکاشف للمتابعة والدراسات الاستراتیجیة، شباط/فبرایر ٢٠٠٨، ص٣١.

[٧٢] عبد المنعم، فی أصول قرار ترامب بشأن القدس، مرجع سابق.

[٧٣] الراصد (شئون دولیة)، قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائیل، نشرة تصدر عن مرکز غزة للسیاسات والاستراتیجیات، کلیة الإدارة والسیاسة، ١٢ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص ٢٦.

[٧٤] ترامب یعترف بالقدس عاصمة لإسرائیل: عوامل داخلیة أمیرکیة ضاغطة، صحیفة الاعمار والاقتصاد اللبنانیة، کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ٣٣٧، ص ٩.

[٧٥] صالح الرقب، لیس للیهود حق دینی فی فلسطین، مجلة الجامعة الاسلامیة، کانون الثانی/ینایر ١٩٩٨، المجلد السادس، العدد الأول، ص ٤.

[٧٦] حسین مجدوبی، الأسباب الدینیة التی تقف وراء قرار ترامب بشأن القدس، صحیفة القدس العربی، ١٢ کانون الاول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ٩٠٣٤، ص ٢٢.

[٧٧] المرجع السابق، ص٢٢.

[٧٨] جمال البدری، تعقیبا على رأی القدس العربی “استراتیجیة الأمن القومی الأمریکی وأعمدة الإخضاع الأربعة، صحیفة القدس العربی، ٢٣ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، الخدد ٩٠٤٥.، ص ٢١.

[٧٩] حلمی الاسمر، إعلان استئناف الحروب الصلیبیة، صحیفة العربی الجدید، ٢٨ کانون الاول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ١٢١٤، ص١٦.

[٨٠] أحمد عیسى، القضیة الفلسطینیة فی عهد ترامب (١+٢)، وکالة أکد الإخباریة، غزة، ١٨ إبریل/نیسان ٢٠١٧. أنظر:

https://www.amad.ps/ar/?Action=PrintNews&ID=١٦٩٢٨٨

[٨١] أحمد عیسى، لقضیة الفلسطینیة فی مرحلة الرئیس ترامب، مرکز راشیل کوری لحقوق الانسان، ١٧ نیسان/إبریل ٢٠١٧.

[٨٢] صحیفة المجد الأردنیة، ١٠ أیار/مایو ٢٠١٨. انظر:

http://almajd.net/٢٠١٨/٠٥/١٠                              

[٨٣] سامر أبو رمان، قراءة فی استطلاعات الرأی العام الیهودی والصهیونی والأمریکی والعربی حول نقل السفارة، صحیفة المجتمع، کانون الثانی/ینایر ٢٠١٨، العدد ٢١١٥، ص ٢٥.

[٨٤] سرور، دوافع وتداعیات القرار الإستراتیجی الأمریکی باحتلال العراق، مرجع سابق، ص ٦٣-٦٤.

[٨٥] صحیفة الاخبار اللبنانیة، ٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ٣٣٤٢، ص٤.

[٨٦] الجزیرة نت، نقلاً عن الصحافة الإسرائیلیة، ٦ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧.

http://www.aljazeera.net/home/print/f٦٤٥١٦٠٣-٤dff-٤ca١-٩c١٠-١٢٢٧

[٨٧] صحیفة العربی الجدید، ٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ١١٩٣، ص٥.

[٨٨] عین على القدس (تقریر القدس الإخباری الأسبوعی)، ٧-١٣ آذار/مارس ٢٠١٨، مؤسسة القدس الدولیة، ص٢٣.

[٨٩]Robert Satloff, What Trump Would Gain From Moving the U.S. Embassy to Jerusalem, January ٢٥, ٢٠١٧, The Washington Institute for Near East Policy.                                     

                                       للمزید راجع أیضاً موقع المرکز الدیمقراطی العربی على الانترنت “نقل السفارة الأمریکیة إلى القدس: أهداف ومکاسب ترامب وتأثیرها على مصالح واشنطن”.

[٩٠] أحمد الغندور، الدوافع الأمریکیة وراء إعلان ترامب بشأن القدس، ٥ مارس ٢٠١٨م، دنیا الوطن.

https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/٤٥٨٣١٦.html

[٩١] قناة روسیا الیوم، تیلرسون: سنبدأ فورا تنفیذ أمر ترامب حول القدس،  تقریر: رفعت سلیمان، ٦ کانون الأول دیسمبر ٢٠١٧، الساعة ٩:٥٠م.

[٩٢] محمد الروحانی، ما دور اللوبی الیهودی فی صناعة القرار الأمریکی؟ للمزید أنظر:

https://www.yamanyoon.com/?p=٩٤٨٠٨

[٩٣] حکیمة شکروبة، أمریکا تهود القدس بفرض تعایش بین فلسطین وإسرائیل فی ظل الصراعات والنزعات، الحیاة برس. أنظر:

https://www.alhayatp.net/?app=article.show,٩٩٢٦

[٩٤]Einat Wilf, A How-To Guide for Moving the U.S. Embassy to Jerusalem, the Washington Institute for Near East Policy ٣٠ January, ٢٠١٧.

http://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/a-how-to-guide-for-moving-the-us-embassy-to-jerusalem

[٩٥] صحیفة الأخبار اللبنانیة، العدد ٣٣٤٢، ٧ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص٣.

[٩٦] بلال ضاهر (محرر)، ندوة بعنوان: قرار نقل السفارة الأمریکیة ووضع القدس القانون والسیاسی، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، الدوحة، ٢٤ شباط/ فبرایر ٢٠١٨. انظر:  

   https://www.arab٤٨.com

[٩٧] صحیفة الأنوار البیروتیة، ٩ کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، العدد ١٩٦٨٠، ص٨.

[٩٨] بلال ضاهر، مرجع سابق.

[٩٩] علی حرب، لآثار الضخمة لنقل السفارة الأمریکیة إلى القدس، ترجمة حفصة جودة، ٧ کانون الاول/دیسمبر ٢٠١٧، أنظر:

http://www.noonpost.org/content/٢١٠٦٠

[١٠٠] محمد حربی، قرار ترامب یخرج القدس من التفاوض، صحیفة الوطن القطریة، العدد ٢٥ شباط/فبرایر ٢٠١٨، ص٨.

[١٠١] على حرب، مرجع سابق.

[١٠٢] صحیفة العربی الجدید، العدد ١١٨٩، ٣کانون الأول/دیسمبر ٢٠١٧، ص٤.

[١٠٣] ضاهر، مرجع سابق.

[١٠٤] محسن صالح (محرر)، التقریر الإستراتیجی الفلسطینی ٢٠١٦-٢٠١٧، مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات، بیروت، ٢٠١٨، ص١٨٦-١٨٧.

[١٠٥] معهد فلسطین لأبحاث الأمن القومی، ٦ نیسان/إبریل ٢٠١٨، انظر:

http://www.ipnss.ps/article.php?idarticle=٢٤

[١٠٦]المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، أنظر:

https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/Jerusalem-Embassy-Alquds-Legal-and-Political-Status-Report.aspx

[١٠٧] ضاهر، مرجع سابق.

[١٠٨] ورقة موقف “سیاسة هدم المنازل فی القدس المحتلة جریمة حرب وجریمة اضطهاد ضد الانسانیة”، مؤسسة المقدسی للتنمیة وتطویر المجتمع، القدس، ص٣.

[١٠٩] المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، مرجع سابق.

[١١٠] ضاهر، مرجع سابق.

[١١١] عدنان ابو عامر، سیاسة الکیان الصهیونی تجاه مدینة القدس، المرکز العربی للدراسات الانسانیة، ٢٠٠٩، صص٨-١٨ بتصرف.

[١١٢] المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، مرجع سابق.

[١١٣] صحیفة الاقتصادیة، الریاض، العدد ٨٨٢١، ٥ کانون الاول/دیسمبر ٢٠١٧.

[١١٤] على حرب، مرجع سابق.

[١١٥] عبد الله الشایجی، تداعیات قرار نقل السفارة إلى القدس على القضیة الفلسطینیة، مجلة الفیصل، العددین ٤٩٧-٤٩٨، أذار/مارس- نیسان/إبریل ٢٠١٨، دار الفیصل للنشر، الریاض، ص٣٣.

[١١٦] على حرب، مرجع سابق.

[١١٧]الشایجی، مرجع سابق، ص٣٣.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button