دراسات سياسية

دور التنمية السياسية في بناء النظام السياسي والتطور الديمقراطي

يعرف بعض الكتاب التنمية بأنها هي “عملية متصلة تتكون من مجموعة من التبدلات والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية والتي تشارك في فعلها عبر تغذية عكسية متبادلة”، تعمل على تطوير قدرات الاقتصاد والمجتمع وتوفير الطاقات البشرية والموارد المادية والمالية لتعزيز وترشيد الإنتاج الاقتصادي، مما يسمح بالتالي بتوقير مستوى لائق من العيش للمواطنين في إطار من الأمن بشكل مطرد أو متصل(2)، التنمية من خلال هذا التعريف لم تقتصر على زيادة الدخل الفردي الحقيقي ورفع مستوى الرفاهية الاجتماعية للشعب وتقليل التفاوت الطبقي، وإنما أصبحت تعني التغيير الحضاري الذي يشمل مختلف نواحي الحياة المادية والمعنوية(3)، أي إن مفهوم التنمية لم يعد يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل أضحى يتضمن أبعاداً أخرى اجتماعية وسياسية وثقافية، أي إنها عملية تغيير شاملة تستهدف القضاء على كل أنواع التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتحسين المستوى المعاشي للشعب والقضاء على تخلفهُ واستغلاله، التنمية بذلك عملية ذات نظرة شمولية لكل عناصر البنية الاجتماعية، حيث تأخذ بالحسبان إن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها، وإقامة مجتمع ديمقراطي موحد، ومن هنا يمكن القول بأن التنمية هي: عملية تغيير مستمرة ومتصاعدة وموجهة لتحقيق احتياجات المجتمع المادية وغير المادية.

 

إن التنمية تهدف إلى تغيير شامل لجميع مكونات المجتمع المادية والثقافية وبناءاً على ما تقدم وعند التصدي لتحديد مفهوم التنمية فإننا نجد، اتفاقاً بين الباحثين على إن التنمية هي عملية حضارية مدروسة ومخططة تهدف إلى إيجاد تحولات كبيرة، في القطاع الاقتصادي – الزراعي – الصناعي – الاجتماعي- والخدمي، وكذلك في الإطار السياسي(4)، وبعبارة أخرى إن التنمية تهدف إلى نقل المجتمع من حالة التخلف إلى حالة التقدم في جميع مجالات الحياة وتحقيق العيش السعيد للمواطنين، وتطوير الإنسان، وإنقاذه من حالة التخلف إلى حالة يمكن إن يساهم في عمليات البناء الشامل للمجتمع، وهذا الأمر بحاجة إلى وجود بلد مستقل ومحقق للوحدة الوطنية، وخالي من موضوع المشاكل العرقية والهويات الفرعية، ومتمتعة بقدر كافي من الاستقرار السياسي، إذ لا وجود للتنمية في ظل مجتمع تعاني وحدتهُ الوطنية من المشاكل وكثرة الانقلابات العسكرية التي يقوم بها أبناء الشعب ضد النظام القائم، وفي مقابل ذلك ما يقوم به النظام ضد أبناء الشعب في فرض القوانين الخاصة بمنع التجول وتشكيل المحاكم العسكرية والتغييرات الوزارية المستمرة وتطبيق الأحكام العرفية(5)، وذلك من أجل السيطرة على أعمال العنف التي تصدر من تلقاء ذلك، فالتنمية في الجانب السياسي في البلدان النامية، حيث تواجه معضلات ولاسيما ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، وهذا ما يؤدي إلى تسخير كل الطاقات والجهود من أجل تثبيت أركان النظام القائم، وتدعيم حالة الاستقرار السياسي فيها(6)، لذلك فإن هذه البلدان، لم يكتب لها أن تعرف التنمية بالرغم من إنها غنية وتمتلك ثروات هائلة، حيث نلاحظ إنها تأتي في مراكز متدنية بالنسبة إلى دول العالم.فال

 

أنظمة السياسية التي تتمتع بنوع كاف من الاستقرار السياسي، هي تلك الأنظمة التي تمكنت من بناء آليات ومؤسسات تتيح أكبر قدر ممكن من الحراك الاجتماعي وتداول القوة الاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع، لذلك فإن الديمقراطية التي ينادي بها أي نظام سياسي لا تقاس من خلال عدد الأحزاب التي أجيز لها أن تمارس العمل السياسي، وإنما من خلال التداول السلمي والفعلي للسلطة بين الجميع، وعبر الطبقات الاجتماعية المختلفة، مما يترتب على ذلك من آثار على المستوى الواقعي بحيث تتاح المشاركة الشعبية، وتكافؤ الفرص لكافة إفراد المجتمع دون تمييز(7).

 

إضافة إلى ذلك فأن الإقرار بمبدأ التعددية السياسية لا يعني وحده بأن الديمقراطية قد تحققت، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة والثروة من قبل فريق واحد أو طائفة اجتماعية معينة، وبناءا عليه ولكي تحقق التنمية أهدافها المذكورة، بشكل عام، وهدفها المتعلق بتعزيز فرص التلاحم الوطني، بين أعضاء الجماعة الوطنية، بشكل خاص، وبالذات الجماعات الوطنية المتشرذمة أو التي تتكون من جماعات عدة، فأن الضرورة تقتضي أن تكون هذه التنمية متوازنة في مضامينها وإبعادها وأهدافها وعلى النحو التالي(9).

 

يجب أن تكون التنمية شاملة في توجهاتها، أي لا ترتكز على جانب واحد دون الأخر، لذلك فهي تشمل جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. يجب أن تكون التنمية متوازنة في توجهاتها، بين المركز والمحيط، أي لاتركز على المراكز الرئيسية كالعاصمة أو المدن الكبرى فقط، وإنما يجب أن تتوزع بشكل عادل على مختلف المناطق في الدولة، في الريف والمدينة، وذلك لان أي خلل في التوزيع سوف يؤدي إلى خلل في بناء تحقيق الوحدة الوطنية(10)، حيث أن التفاعل بين الريف والمدينة مهم جدا في عملية تحقيق الاندماج القومي بين الجماعات الاثنية والعرقية المختلفة داخل الدولة، لان هذا التفاعل يؤدي إلى تعزيز فرص التكامل الوطني أو القومي، وهذا يتطلب اعتماد أسلوب التخطيط الإقليمي المتوازن الذي يكفل تنمية وتائر الإنتاج والخدمات وفقا إلى اعتماد موازنة مرسومة لكل الإقليم السياسي، والتي تقود إلى وحدة اقتصادية وأثنوغرافية(11). أن عملية التنمية يجب أن تكون ذات طابع وطني أو قومي شامل، فالتنمية لايمكن “أن تحقق حركتها الفاعلة ما لم يكن هنالك استبدال للوحدات القرابية لتحل محلها الوحدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمهنية والمتخصصة الجديدة”(12). يتضح مما تقدم أن التنمية الغير مرسومة والغير متوازنة بين الاقاليم سوف تؤدي إلى خلل كبير داخل الدولة نفسها ومن ثم ظهور حركات معارضة أو مناهضة للنظام السياسي، أو تقوم بالمطالبة بالانفصال عن الدولة ألام، وخاصة في الاقاليم التي تعاني من أوضاع اقتصادية متدنية جدا.

 

 

المحور الثاني: التنمية السياسية

تعتبر التنمية السياسية من المفاهيم الحديثة، وبعداً أساسياً من أبعاد التنمية الشاملة، فالتنمية السياسية جزءاً من التنمية الشاملة انبثق منها وتفرع منها، ويعرفها الباحثون بأنها “هي تنمية قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتهم بوضوح، وقدراتهم على تعبئة كل الإمكانات المتاحة لمواجهة هذه المشكلات بشكل عملي وواقعي، أو تنظيم الحياة السياسية ومتابعة أداء الوظائف السياسية في إطار الدولة، وتطوير النظم السياسية والممارسة السياسية لتصبح أكثر ديمقراطية في التعامل وأكثر إحراجاً لكرامة الإنسان ومطاليبه، هذا إلى جانب تمثل الجماهير لقيم الديمقراطية وتحقيق المساواة السياسية بين أبناء المجتمع”(13).

 

وينظر بعض الباحثين إلى إن التنمية السياسية هي عملية تتضمن بناء المؤسسات وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وترشيد تولي السلطة، بهدف تحقيق قسط من الاستقرار السياسي(14)، وهذا يدل على إن التنمية السياسية تهدف بصورة رئيسية إلى بناء النظام السياسي وإجراء عمليات التحديث عليهِ فيصير نظاماً عصرياً متطوراً، متحولاً بذلك من النظم الشمولية إلى النظم الديمقراطية، فالتنمية السياسية تعني في أحد أبعادها مزيد من المشاركة في العملية السياسية، بواسطة التكوينات الاجتماعية العديدة(15)

 

 

لذلك من الضروري أن تتركز الجهود على الارتقاء بعملية التنمية ومقوماتها الأساسية وهي:

 

التمايز: أي “التمايز في الأدوار والأبنية السياسية وهو ما يقتضي تعدد الأبنية ووضوح الأدوار بحيث يكون لكل بنيان أدوارهُ ووظائفهُ السياسية المحددة فلا تقتصر في هيئة واحدة، بالإضافة إلى ذلك فيجب القيام بأنواع جديدة من هذه البنية والأدوار كقيام الأحزاب السياسية وجماعات المصالح ووسائل الاتصال الجماهيري وغيرها”(16).وفي حقيقة الأمر فان الدول التي قطعت شوطا طويلا في مجال التنمية السياسية لاتتميز بغياب الصراع، ولكن تميزها يكون في وجود آليات ومؤسسات لتنظيم الصراع من حيث أشكاله ومشاكله وكيفية معالجتها وحلها، وهكذا فإن المؤسسات تلعب دوراً كبيراً في البلدان المتقدمة، حيث إنها تقدم إطار للعملية السياسية، لهذا فإن النظام السياسي يتصف بالتخصص الوظيفي والتمايز وتوزيع الأدوار بين مختلف الأجهزة الحكومية والغير حكومية، مثل الهيئات التنفيذية والمجالس التشريعية(17) والمؤسسات القضائية والأحزاب السياسية والنقابات وغيرها “وتنوع كبير من الوظائف التي تحقق إنجاز العمل السياسي” بقلة الأجهزة وتعددها وينقصها التخصص في العمل الوظيفي.المساواة: أي يجب أن تسود في المجتمع أحكام وقواعد قانونية تتصف بالعمومية، وهذه القواعد تنطبق على جميع أفراد المجتمع دون استثناء بغض النظر على انتماءاتهم العرقية والمذهبية أو الإقليمية(19)، وعندما يكون هناك تولي للمناصب في المجتمع فيجب أن يكون على أساس الكفاءة والجدارة والتأهيل، وليس على اعتبارات ضيقة كالعلاقات الشخصية والقرابة والجاه وغيرها.

 

القدرة: وهي تعني تنمية قدرات النظام السياسي على معالجة المشاكل مثل الانقسامات والتوترات التي تحدث في المجتمع وكذلك تنمية قدرات النظام السياسي التنظيمية والعدالة التوزيعية وكذلك الإبداع والتكيف في مواجهة التغيرات المستمرة التي يمر بها المجتمع، أي قدرة النظام السياسي على تنظيم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع وفقاً إلى القانون، واتخاذ القرارات الإلزامية التي تتعلق بتعبئة وتجميع الموارد البشرية والمادية وتوزيع القيم وفقاً لمبدأ المساواة ومقتضيات العدالة. يتضح مما تقدم إن التعددية السياسية من المسائل الضرورية الملحة لكل بلد حر يعيش باستقلال ويسعى نحو بناء ديمقراطي وتكوين نظام سياسي جديد يستوعب كل القوى الوطنية والقومية، وإقامة مصالح جديدة قائمة على التوزيع العادل للثورات الوطنية والقيام بعملية البناء السياسي، وذلك عن طريق مشاركة جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية الفاعلة في المجتمع التي باستطاعتها المساهمة والمشاركة في عملية صنع القرار السياسي والحفاظ على عملية تداول السلطة سلميا، ولهذا فالتعددية السياسية تعتبر عنصرا مهما من عناصر وجود الديمقراطية وبناء الوحدة الوطنية.

 

 

المحور الثالث: مقومات التنمية السياسية

 

أن عملية التنمية السياسية بوجه عام تخلق الظروف والشروط الملائمة للتطور الديمقراطي، فالتنمية السياسية تهدف في النهاية إلى بناء النظام السياسي، وإجراء عمليات التحديث عليه ليصبح نظاما عصريا ومتطورا وديمقراطيا، فالتنمية السياسية بذلك تفترض التخلص من بقايا السلطات التقليدية بخصائصها التي لم تعد تناسب البناء الجديد، وهذه الحالة تتطلب وجود عملية مواجهة مستمرة مع البقايا الراسخة التي ما تزال تؤثر سلبا في اتجاهات الأفراد والمجتمع.

 

ومثال على ذلك لابد من قيام بعملية نفسية وإجرائية لجعل الأفراد يؤمنون بأن الحكومة هي آلية من آليات تحقيق أهدافهم ومصالحهم وطموحاتهم(20) وهنا من المفروض أن يتسع المجال للتغيير المؤسسي واستمرارية تغيير النظام السياسي، بحيث يكون لدى الأفراد القابلية للموافقة على الأشكال الجديدة للسلطة التنظيمات والطرق الجديدة لتداول السلطة.

 

 

ومن اجل التطبيق الفعلي للديمقراطية يجب التركيز على مقومات التنمية السياسية ونذكر منها:

1. المشاركة السياسية.

2. التعددية السياسية.

3. التداول السلمي للسلطة.

4. حماية واحترام حقوق الإنسان.

 

وسنأتي لاحقاً إلى توضيح هذه المقومات وبشكل مختصر، وسنبين دورها في تحقيق الديمقراطية والمساواة بين أفراد المجتمع.

 

 

أولاً: المشاركة السياسية

 

المفهوم العام والبسيط للمشاركة السياسية هو حق المواطن في أن يؤدي دوراً معيناً في عملية صنع القرارات السياسية، هذا في أوسع معانيها، وفي أضيق معانيها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب تلك القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاكم(21)، وهي تعني، عند صموئيل هنتنكتون وجون نيلسون، “ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع قرار الحكومة، سواء أكان هذا النشاط فردياً أو جماعياً، منظماً أو عفوياً، متواصلاً أو منقطعاً، سلمياً أم عنيفاَ، شرعياً أو غير شرعي، فعالاً أم غير فعال”(22)، وهذا ما ذهب إليه د.عبد المنعم المشاط، حيث عرّفها بأنها “شكل من الممارسة السياسية يتعلق ببنية النظام السياسي وآليات عملياتهُ المختلفة، إذ يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المدخلات سواء كانت التأييد والمساندة أو المعارضة، ولكنها تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي بالصورة التي تلاءم مطالب الأفراد والجماعات الذين يقدمون عليها”(23).

 

والمعنى الأكثر تداولاً لمفهوم المشاركة السياسية هو “قدرة المواطن على التعبير العلني والتأثير في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين يفعلون ذلك”(24).

وهناك نفراً من الباحثين استخدم مفهوم المشاركة السياسية بمعنى “أن تصدر القرارات العليا تعبيراً عن رغبة المجتمع، ولهذا تتطلب الأمور ظهور التنفيذ النيابي، ونظم الانتخابات والاستفتاء والاستعانة بالخبراء”(25 إن العملية السياسية تتم عن طريق ممارسة أعداد كبيرة من اللاصفوة السياسية، العمل السياسي والاندماج السايكلوجي في العملية السياسية(26)، وهذا يعني إشراك الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية والعرقية في الحياة السياسية العامة، وتمكينهم من أن يلعبوا دوراً واضحاً في العملية السياسية، أي تكون السلطة عن طريق التمثيل فيها(27) وتعتبر المشاركة السياسية بعداً أساسياً من أبعاد التنمية البشرية، حيث عرفها إعلان “الحق في التنمية” الذي أقرتهُ الأمم المتحدة عام 1986م عملية التنمية بأنها عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد، التي يمكن عن طريقها أعمال حقوق الإنسان وحرياتهُ الأساسية(28) يتضح مما سبق إن العلاقة بين المشاركة السياسية والتنمية البشرية، هو إن الأولى لازمة لتحقيق الثانية، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية، بدون مشاركة فعلية وحقيقية من قبل شرائح المجتمع وبمختلف انتماءاتهم الأثنية والإقليمية والاجتماعيةوعليهِ يمكن القول إن المشاركة السياسية تعتبر المظهر الرئيسي للديمقراطية، حيث إن ازدياد المشاركة السياسية من قبل الشعب في العملية السياسية يمثل التعبير الحقيقي عن الديمقراطية، ولكن من أجل تحقيق مشاركة سياسية فعالة يتطلب تواجد مجموعة من الشروط لتحقيق ذلك، منها رفع درجة الوعي الإسلامي من خلال القضاء على الأمية والتخلف، وحرية وسائل الإعلام، وحرية الرأي والتعبير، وتقوية وتفعيل التنظيمات السياسية الوسيطة من الأحزاب وجماعات مصالح وجماعات ضغط وتفعيل دور المؤسسات والهيئات في الدولة، كمؤسسات المجتمع المدني باعتبارها أداة مهمة من أدواة مراقبة أعمال الحكومة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي داخل المجتمع، وبناء المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب القوى السياسية الراغبة في المشاركة السياسية، وعند توفير الشروط المذكورة آنفاً فمن الممكن الحديث عن وجود مشاركة سياسية فعالة من قبل الجماهير، وهذه المشاركة سوف تعود على المجتمع بعد فوائد يمكن استخلاصها في هذا الصدد كما يلي(29).

 

1. إن المشاركة تعني تحقيق مساهمة أوسع للشعب في رسم السياسات العامة وصنع القرارات واتخاذها وتنفيذها.

2. إن المشاركة تعني إعادة هيكلة وتنظيم بنية النظام السياسي ومؤسساتهُ وعلاقته بما يتلاءم وصيغة المشاركة الأوسع للشعب في العملية السياسية وفعالياتها.

3. إن المشاركة السياسية أضحت أحد المعايير الرئيسية لشرعية السلطة السياسية في أي مجتمع.

4. إن المشاركة السياسية توفر للسلطة فرص التعرف على رأي الشعب ورغباته واتجاهاته.

5. إن المشاركة السياسية توفر الأمن والاستقرار داخل المجتمع.

6. إن المشاركة السياسية تمثل الإرادة العامة للشعب.

7. إن المشاركة السياسية تعني القضاء على الاستبداد والتسلط والانفراد بالسلطة.

8. إن المشاركة السياسية تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية في المجتمع.

9. إن المشاركة السياسية تلعب دوراً كبيراً في بناء وتحقيق الوحدة الوطنية بين الجميع.

 

 

يتضح مما تقدم إن إتاحة الفرصة لجميع سكان الدولة للمشاركة الشعبية باتخاذ القرارات وإدارة شؤون البلاد، سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين عنهم، أي بمعنى الإسهام في الحياة العامة، يولد الأمن والاستقرار السياسي داخل البلاد، لان المشاركة السياسية هي إحدى الشروط الأساسية للقدرة على رص الصفوف لتحقيق الوحدة الوطنية، وكذلك تحقيق أهدف التنمية السياسية.

 

 

ثانياً: التعددية السياسية

 

إن التعددية السياسية ظاهرة ليست بالجديدة في المجتمع الواحد وإنما هي ظاهرة قديمة وخير دليل على ذلك في الآيتين الكريمتين، (12،13 من سورة الأحزاب)، حيث نجد قول الله سبحانهُ وتعالى (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد)، (وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب)(30)، والتعددية الحزبية وجدت قبل البعثة النبوية وخلالها، حيث كان المجتمع المكي هو الوعاء الذي يستوعب جميع الذين يعيشون فيهِ، حيث كانت كل قبيلة من القبائل تشكل حزباً قائماً بحد ذاتهِ ومستقلاً عن الأحزاب الأخرى، وكانت الزعامة أي السلطة يتم توزيعها عن طريق الاتفاق بين الأحزاب أو الكتل التي كانت موجودة آنذاك والدليل على ذلك قول الله سبحانهُ وتعالى في الآيتين الكريمتين (22و20) من سورة الأحزاب (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو إنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائهم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً)(31)، (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسولهُ وصدق الله ورسولهُ وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً)(32)، الأحزاب المعنية في السورتين المذكورتين أعلاه هي الكتائب التي كونت جيش مكة المشرك الذي تجحفل لحرب المسلمين في غزوة الخندق(33)، وقد أشار الرسول محمد (ص) إلى وجود التعددية الحزبية عند اليهود والنصارى، حيث أكد على إن اليهود تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة وتفرق النصارى على اثنتين وسبعين فرقة(34).

 

ومن خلال الاستعراض السريع لتاريخ التعددية السياسية الذي يهمنا هنا هو تعريف ظاهرة التعددية الحزبية، فيعرفها د.سعد الدين إبراهيم على إنها “مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها(35).

بينما يعرفها د.محمد عابد الجابري بأنها “مظهر من مظاهر الحداثة السياسية التي هي أولاً وقبل كل شيء وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه “الحرب” عن طريق السياسة أو بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار السلم القائم على الحلول الوسطية(36).

 

والخلاصة التي نستطيع أن نحددها إجمالاً إن التعددية السياسية لها نماذج عدة فمنها التعددية الحقيقية ومنها التعددية الشكلية، فالتعددية الحقيقية قائمة على وجود أحزاب مختلفة من البرامج والأيديولوجيات، وهذه الأحزاب تتنافس فيما بينها عن طريق الانتخابات الحرة التي تحري بصورة دورية، أما التعددية الشكلية فهي في إطارها الخارجي تحمل مظاهر التعددية السياسية، أي تكون من عدة أحزاب، ولكن النظام القائم أقرب إلى نظام الحزب القائم، وهو الحزب المسيطر(37)، ومن هذا فإن التعددية السياسية تعني الاختلاف في الرأي والطروحات الفكرية واختلاف في البرامج والأيديولوجيات والمصالح والتكوينات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية.

 

وعليهِ فمن الممكن أن نميز بين التعددية السياسية والتعددية الحزبية، فالتعددية السياسية تتصف بالشمولية، أي إنها يجب أن تتضمن تعددية حزبية، لأنها تمثل قوة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية مختلفة، أما التعددية الحزبية لا تعني تعددية سياسية، إذا كانت هناك سيطرة كاملة لحزب واحد وتهميش للأحزاب الأخرى، أي إن التعددية الحزبية جزء مكمل للتعددية السياسية(38).

 

ووفقاً إلى ذلك فإن التعددية السياسية تعتبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق الديمقراطية ومظهر من مظاهرها الأساسية وعنصر من عناصر وجود الديمقراطية، ولكن لا يغيب عن البال إن تحقيقها هو أمر سهل، لذلك لا يمكن تحقيق الديمقراطية، بين عشيةً وضحاها “فإرساء نظام ديمقراطي معناه إقامة بنيان متكامل يشمل مكونات عديدة مثل الضمانات المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان بما في ذلك حرية التعبير العلني، وتكوين الجمعيات والانضمام إليها وسيادة القانون، وإجراء انتخابات حرة نزيهة يتنافس فيها الجميع على فترات دورية، ووجود نظام متعدد الأحزاب يسمح بتداول السلطة بصورة رسمية ومنظمة، وفوق ذلك ضرورة وجود نظام للضبط والمراقبة يجعل المنتخبين للمناصب العامة، مسؤولين مسؤولية كاملة أمام الناخبين”(39) لذلك فأن مبدأ إقرار التعددية السياسية لا يعني تحقيق الديمقراطية، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة والثروة من قبل فئة أو جهة واحدة أو طائفة اجتماعية معينة، أو بدون التداول السلمي للسلطة، وتوزيع الثروة بين الجميع وفقاً إلى مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق والجدارة، وبدون ذلك فمن الصعب الادعاء بتحقيق الديمقراطية(40).

 

بهذا المعنى تعتبر الديمقراطية شكل من أشكال ممارسة السلطة، على أن يكون هناك اتفاق ووئام بين جميع أعضاء الجماعة الوطنية والقوى والأحزاب السياسية، على شكل الممارسة، فالمسألة الديمقراطية تبقى شكلية دون مساهمة الجميع في ممارستها، بحيث تحقق في النهاية الوحدة الوطنية عن طريق مشاركة جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية المؤثرة في المجتمع التي بإمكانها المشاركة في عملية صنع واتخاذ القرار السياسي والحفاظ على مبدأ تداول السلطة عن طريق:

 

1. مبدأ سيادة القانون.

2. مبدأ عدم الجمع بين السلطات.

3. مبدأ لا سيادة لفرد ولا قلة على الشعب.

4. مبدأ ضمان حقوق الأفراد.

 

ووفقاً إلى ذلك فالديمقراطية بهذه الحالة ليست فقط أحزاب أو انتخاب، وإنما هي مجموعة من الأفكار والقيم التي ينتجها أفراج المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة السياسية والتوجيهية، وإن أهم هذه القيم هي الإيمان بالتعددية الحزبية والتسامح السياسي والفكري(41).

 

وبعبارة أخرى إن الديمقراطية هي المشاركة السياسية وحقوق الإنسان، وهذا جوهر التعددية الحزبية، فالتعددية الحزبية تعني التسامح واحترام حقوق الآخرين وحق الفرد في اختيار من يمثله في السلطة وضمان حقه في عملية صنع القرار السياسي، وإن الإطار القانوني والمؤسسي لنظام التعددية السياسية والحزبية الذي يجب أن يقوم عليهِ النظام السياسي في أي بلد هو.

 

1. إن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يمارسها بطريقة غير مباشرة عن طريق المجالس المحلية والمنتخبة.

 

2. يجب أن يقوم النظام السياسي على التعددية السياسية والحزبية وذلك من أجل تداول السلطة سلمياً وتنظيم الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي، ولا يحق استغلال الوظيفة العامة أو المال لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين.

 

3. يجب أن يقوم المجتمع على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة.

 

4. جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة.

 

5. يجب أن تكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي وحرية الصحافة.

 

6. كل مواطن له الحق في الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء.

 

7. الاعتماد على مبدأ حرية النشاط الاقتصادي.

 

8. العمل على مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

 

 

ثالثاُ: التداول السلمي على السلطة

 

المقصود بالتداول السلمي على السلطة، هو عدم جعل الحكم في قبضة شخص واحد، أي التعاقب الدوري للحكام في ظل انتخابات حرة، وبذلك سوف يمارس هؤلاء الحكام المنتخبون اختصاصاتهم الدستورية لفترات محددة سلفاً، وبهذا سوف لا يتغير اسم الدولة ولا يتبدل دستورها ولا شخصيتها الاعتبارية بتغيير الحكام والأحزاب الحاكمة، وبهذا فإن السلطة هي اختصاص يتم ممارسة من قبل الحاكم بتخويل من الناخبين وفق أحكام الدستور، أي إن السلطة ليس حكرا على أحد، وإنما يتم تداول السلطة وفقاً لأحكام الدستور الذي يعتبر السلطة الذي لا تعلوه سلطة أخرى.

 

يتضح مما تقدم إن مبدأ التداول السلمي على السلطة من قبل الأحزاب والحركات السياسية يعتبر من أبرز آليات الممارسة الديمقراطية، فمن غير الممكن الحديث عن قيام دولة ديمقراطية ما لم يكن هناك إيمان واعتراف بمبدأ التداول السلمي على السلطة من خلال تبادل الحركات والأحزاب لمواقع الحكم داخل الدولة(43) وهذا يعني إن السلطة السياسية لم تعد حكراً على أحد أو لحساب حزب معين أو جهة معينة على حساب مصلحة الآخرين، وإنما السلطة يتم إدارتها من قبل الأحزاب والحركات السياسية التي تحصل على الأغلبية من أصوات الناخبين أثناء العملية الانتخابية، ولهذا فإن مبدأ التداول السلمي على السلطة قائم على أساس المنافسة الحرة مابين القوى السياسية، حيث تصير المنافسة وفقاً للأحكام الدستورية والقانونية، دون الخروج عنها، لأن الخروج عنها يعني الخروج عن القانون والنظام، ومن ثم الخروج عن الديمقراطية بل مفاهيمها، لذلك فالتداول السلمي على السلطة، يعني الاعتراف بشرعية النظام السياسي من قبل الشعب ومزاولة ذلك النظام لأعماله الدستورية وفقاً للقانون، وهذا الأمر بحد ذاتهِ يعتبر ترسيخ لأسس وقواعد الوحدة الوطنية، لأن الشعب بكل طوائفه، أغلبية وأقلية ممثلاً في هذه السلطة وحقهُ مصان وفقاً لأحكام الدستور، وبهذا يصبح جميع أفراد المجتمع ينتمون بقوة إلى المجتمع، ويشاركون بصورة فعاله في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويتمتعون بنصيب عادل من عوائدها، وبالتالي فإن ذلك سوف ينعكس بشكل إيجابي على أمن واستقرار البلد، وذلك لأن مسألة تداول السلطة ومشاركة الجميع فيها، ومن خلال قنواتها المعروفة، سوف يحقق نوع من الإجماع السياسي، الذي يعتبر أساساً لبناء وتحقيق الديمقراطية.

 

 

رابعاً: حماية واحترام حقوق الإنسان

 

إن مسألة حقوق الإنسان والاعتراف بها من قبل الدساتير والتشريعات الداخلية في الدولة، أو في الاتفاقات الدولية والإقليمية لم يتحقق لها الاحترام والفاعلية المطلوبة ما لم يكن هناك ضمانات تعمل على حمايتها، والمقصود هنا بالضمانات الوسائل والأساليب المتنوعة التي يمكن بواسطتها حماية الحقوق والحريات من أن يعتدى عليها(44).

 

ويقصد بحماية حقوق الإنسان “مجموعة الإجراءات التي تتخذ على الصعيد الدولي والإقليمي وعلى الصعيد الوطني من قبل الجهات المختصة في بلداً ما ببيان مدى التزام سلطات هذا البلد بحقوق الإنسان والكشف عن الانتهاكات المرتكبة ووضع المقترحات لوقف هذه الانتهاكات بإحالتهِ إلى القضاء الوطني أو إلى قضاء دولي لمحاسبتهم”(45).

 

في سياق هذا المفهوم لحقوق الإنسان وممارستهِ في مجتمع ما، فإن هذه الحقوق لا تحقق بمجرد النص عليها في دستور الدولة وقوانينه ولا بمصادقة هذه الدولة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته، فممارسة الحقوق والحريات لا نجدها إلا في ظل مجتمع حر يتمتع بنظام حر(46)، والصفة الرئيسة التي تميز هذا النظام هي خضوع سلطة الحكم للقانون عن طريق الضمانات التي تكمل الحقوق والحريات العامة، والتي في جوهرها عبارة عن مبادئ قانونية تضمن انصياع السلطة لمطالب الحرية، ويمكن إن نتناول هذه المبادئ على الشكل الآتي:

 

1. مبدأ سيادة القانون.

2. مبدأ الفصل بين السلطات.

3. مبدأ الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية.

4. مبدأ استقلال السلطة القضائية.

5. مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين.

6. مبدأ الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة وقراراتها.

 

 

1. مبدأ سيادة القانون يعتبر من أحدى الضمانات الأولى والمبدئية لحماية حقوق الإنسان، حيث تخضع سلطة الحاكم في الدولة للقانون خضوع المحكومين لهُ وفقاً للدستور الذي يضع قواعد الحكم الأساسية، ويقرر الحقوق والحريات الخاصة للأفراد والجماعات، وبهذا يتحقق للأفراد المركز القانوني في مواجهة سلطة الحكم(47).

 

2. مبدأ الفصل بين السلطات:

المقصود بالسلطات هنا هو المؤسسات والهيئات العامة الحاكمة في الدولة وهي حسب وظائفها تقسم إلى ثلاثة سلطات تشريعية- تنفيذية- وقضائية.

والمراد هنا بالفصل بين السلطات الثلاث كضمانة من ضمانات حقوق الإنسان، هو أن تكون لكل سلطة من السلطات الثلاث في الدولة اختصاصاتها المحدودة. بحيث تكون كل سلطة منفصلة عن الأخرى انفصالاً مرناً، وذلك لمنع قيام حكم مستبد بتركيز السلطة بيد واحدة أو جهة واحدة، وبحيث تمارس كل سلطة رقابتها على الأخرى مع ضمان الحريات والحقوق في المجتمع(48).

والفصل بين السلطات، يعني عدم تركيز السلطات في الدولة في يد واحدة أو هيئة واحدة، فالشخص لا يجوز له أن يتولى أكثر من وظيفة واحدة من وظائف الدولة الثلاثة، التشريعية – التنفيذية أو القضائية، فمثلاً لو اجتمعت السلطة التشريعية أو التنفيذية في يد واحدة فقد يحدث أن يعّدل القانون لمراعاة أغراض شخصية وبذلك يفقد التشريع الغرض الأساسي لهُ وهو وضع قواعد عامة مجردة لتطبق على كل الحالات(49).

 

3. مبدأ الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية:

المقصود هنا بهذا الفصل هو عدم تدخل السلطة العسكرية في الشؤون السياسية، ومنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وعدم ممارسة العسكريين للسلطة القضائية.

4. مبدأ استقلال السلطة القضائية:

 

القضاء معناه العام هو الفصل بين الناس في الخصومات والنزاعات على سبيل الإلزام، ودور القضاء كبير في المجتمع وذلك لإنصاف المظلومين، فالقضاء هو الوسيلة التي تسترجع بها الحقوق إلى أصحابها وتُصان بها الحريات والأعراض والأموال، وإن قيام القضاة بأداء وظائفهم بحرية واستقلال يعد من أكبر الضمانات لحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة، وهذا يعني أن يتساوى أمام القضاء الجميع تحت سماء العدالة.

ويقوم مبدأ استقلال القضاء على مبدأ أساسي وهو “لكي تتحقق المساواة وتضمن العدالة في الحكم القضائي، يجب أن يتمتع القاضي بالاستقلال التام والحرية الكاملة في عملية اتخاذ القرار القضائي”(50).

 

5. مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين:

المقصود هنا بالرقابة القضائية، هو حماية حقوق الإنسان من تجاوزات السلطة التشريعية، وذلك من خلال منع المشرع من انتهاك المبادئ التي تهدف لضمان حقوق الإنسان أثناء عملية تشريع القوانين، ولتحقيق هذا الهدف يجب إنشاء محكمة دستورية عليا يكون اختصاصها الحكم بإلغاء القانون إذا ثبت عدم دستوريته، وتتجسد الرقابة في وجوب خضوع القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية للرقابة القضائية للتأكد من مطابقتها للنصوص الدستورية.

 

6. مبدأ الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة وقراراتها:

وهذا المبدأ يختص بحماية الحقوق والحريات من تجاوزات السلطة التنفيذية، وذلك من خلال مراقبة أعمال الحكومة والإدارة، عن طريق السلطات القضائية والتي تشمل تصرفات الإدارة وقراراتها، في حالة ثبوت الإساءة في استعمال السلطة فتقوم السلطة القضائية برد الأمور إلى ما كانت عليهِ، وتصحيح الخطأ والحكم بتعويض المتضررين(51)

 

 

الهوامش

 

1. د.ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997، ص ص205-206.

2. يوسف الصائغ، التنمية العربية من قصور الماضي إلى هاجس المستقبل، مجلة المنتدى (منتدى الفكر العربي)، السنة 9، العددان 106- 107 تموز/ آب، 1994، ص13.

3. د.عبد السلام إبراهيم بغدادي، الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في أفريقيا، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، 1993، ص286.

4. النشرة الإستراتيجية، مركز دراسات العالم الثالث للدراسات والنشر، العدد1، لندن، تموز 1981، ص20.

5. حسن درويش العشري، التنمية الاقتصادية، بيروت دار النهضة العربية للنشر، 1979، ص51.

6. برهان غليون، المحنة العربية (الدولة ضد الأمة)، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية.

7. المصدر نفسه.

8. د.عبد السلام إبراهيم بغدادي المصدر نفسهُ، ص286.

9. المصدر نفسهُ، ص288.

10. المصدر نفسهُ، ص286.

11. المصدر نفسهُ.

12. قيس النوري، ما الانثروبولوجيا؟، الموسوعة الصغيرة، 175، بغداد، دار الشؤون الثقافية، 86، ص116.

13. د.عبد السلام إبراهيم بغدادي، المصدر السابق، ص288.

14. علي الدين هلال، نحو إطار نظري لتحليل عملية التنمية السياسية، الإسكندرية، الهيئة العامة للكتاب، 1978، ص149.

15. عبد المتجلي يحيى، التنمية السياسية في العالم الثالث، مجلة الباحث العربي، العدد9، تشرين الأول – كانون الأول1986، ص77.

16. المصدر نفسهُ.

17. د.صادق الأسود، محاضرات التنمية السياسية، تأريخ المحاضرة 29/2/1988.

18. المصدر نفسهُ.

19. د.عبد السلام إبراهيم بغدادي، المصدر السابق، ص284.

20. د.ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي، المصدر السابق، ص217.

21. جلال عبد معوض، أزمة المشاركة السياسية في العالم الثالث، في علي الدين هلال وآخرون، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1983.

22. عبد المنعم المشاط، التنمية السياسية في العالم الثالث، نظريات وقضايا، الإمارات العربية، مؤسسة العين للنشر والتوزيع، 1988، ص36.

23. المصدر نفسه

24. ثامر كامل محمد، إشكالية الشرعية والمشاركة وحقوق الإنسان في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد 251، 2000، ص ص117-118.

25. نبيل السمالوطي، بناء القوة والتنمية السياسية، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978، ص147.

26. سعد الدين إبراهيم، المجتمع والدولة في الوطن العربي، مشروع استشراق مستقبل الوطن العربي، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، 1985، ص86.

27. المصدر نفسه.

28. محمد فائق، حقوق الإنسان والتنمية، مجلة المستقبل العربي، السنة22، العدد251، يناير 2000، ص ص102-103.

29. علي عباس مراد، التنمية السياسية وأزمة المشاركة، مشكلات وتجارب التنمية في العالم الثالث، (بغداد دار الحكمة 1990).

30. القرآن الكريم: سورة (ص) الآية 12-13.

31. القرآن الكريم: سورة الأحزاب، الآية من 20-22.

32. المصدر نفسه.

33. أحمد حسن يعقوب، طبيعة الأحزاب السياسية العربية، بيروت، الدار الإسلامية، 1997، ص85.

34. المصدر نفسه.

35. د.رياض عزيز هادي، من الحزب الواحد إلى التعددية، دار الشؤون الثقافية العامة، 1995، ص63.

36. محمد عابد الجابري، التعددية السياسية وأصولها وآفاق مستقبلها، (حالت المغرب)، ندوة منتدى الفكر العربي، عمان، 1979، ص107.

37. المصدر نفسه.

38. جليل إسماعيل مصطفى، التعددية السياسية في الأردن وجذورها الفكرية، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، 1997، ص19.

39. د.عبد السلام إبراهيم بغدادي، المصدر السابق، ص291.

40. برهان غليون، فكرة الوحدة في المغرب العربي، تكوين الجماعات الوطنية، دراسات عربية، السنة 22، العدد 1 حزيران 1986، ص25.

41. د.ثناء فؤاد عبد الله، آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي، المصدر السابق، ص16.

42. د. علي خليفة الكواري، مفهوم الديمقراطية المعاصرة، قراءات أولوية منة خصائص الديمقراطية والمبادئ العامة المشتركة للدستور الديمقراطي في المسألة الديمقراطية في الوطن العربي (مجموعة باحثين)، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2000، ص20.

43. د.حسين علوان البيج، التعاقب على السلطة في الوطن العربي، بغداد، مجلة دراسات إستراتيجية، عدد4، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، 1998، ص173.

44. باسل يوسف، حماية حقوق الإنسان في الجامعة العربية، الواقع والخلفية السياسية، بغداد، مجلة الدراسات السياسية، ع9، بيت الحكمة، صيف 2002، ص ص118-119.

45. حسين جميل (حقوق الإنسان في الوطن العربي: المعوقات والممارسة)، ورقة عمل مقدمة إلى أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، ط2 (بيروت: المركز، 1977)، ص530.

46. د. رياض عزيز هادي، حقوق الإنسان (تطورها – مفاهيمها – حمايتها)، كلية العلوم السياسية جامعة بغداد، 2005، ص111.

47. حسين جميل، حقوق الإنسان في الوطن العربي، المصدر السابق، ص533.

48. المصدر نفسه، ص534.

49. د. رياض عزيز هادي، المصدر السابق، ص133.

50. المصدر نفسه.

51. حسين جميل، المصدر السابق، ص535

————————

حميد حسين كاظم الشمري

باحث في المركز – تدريسي في كلية القانون – جامعة كربلاء

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى