دراسات مغاربية

ديموانتحارية!!! – الدكتور محمد مراح

تأملت البوم خروج المظاهرات الأسبوعية، في سياق ظرف وباء عالمي  تزداد وتيرة خطورته  على البشر لحظة بلحظة، يصير التعامل معه بأعلى درجات الجدَ، ولا يمكن أن يسمى أدنى تهاون في التعامل معه إلا بجريمة ضد الإنسانية .

لم أجد تعبيرا أنسب للمشهد المرعب من حديث السفينة: فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا “[أخرجه الأمام البخاري].

كيف هذا ؟ القوم المستهمون على السفينة هم الملايين الذين خرجوا في بكرة الحراك ، ومن لم يخرجوا لكنهم باركوا الخروج ، لأهدافه المحددة الواضحة الشرعية { رفض عهدة الهزء والتحقير، ومحاربة الفساد }، حقق المستهمون  بمساندة حاسمة شجاعة من قيادة الجيش الوطني الشعبي ، وموقف تاريخي و بطولي من قائده الرمز بقية مصطفى بن بولعيد ، الفريق أحمد قايد صالح رحمه الله . عاد الجزء الأكبر من المستهمين إلى أسرابهم سالمين . لكن الوحي الخفي أبى للسفينة إلا الانقسام إلى ركبان السَُفل { أقلية}، وركبان العُلو{ أغلبية} .فانداحت الدائرة حولا ونيف ، يُصرَ فيه ركبان السُفل على هدم المركب بمن فيه ، إذ لا يكون مركبا صالحا إلا بهدمه ونقضه  لوحا لوحا، ومسمارا مسمارا، دون طرح تصور عملي مقبول لإعادة بناء المركب .

ورغم الخلاف والاتفاق مع هذا المسلك ، فقد بقي الميدان فسيحا للتعبير والخروج أسبوعيا مرتين بقبعتين إحداهما مشوهة مزيفة . وحملت خلال كل تلك الخرجات شعارات ظاهرها على الأقل ديمقراطي مقبول، وبعضها  شعارات غير أخلاقية، واستفزازية.

إلا أن هذا اليوم الجمعة 13 /3/ 2020  أسفرت عن حقيقة مرعبة ألا وهي قرار الخارجين ثقب السفينة وخرقها ، دون أدنى اعتبار للمخاطر المحققة من جريرتهم، وزادوا الفعلة شناعة برفع شعار استهتاري، وظفوا فيه الوباء الوبيل توظيفا ، يُدرج أصحابه تحت طائلة المعلنين حربا مدمرة على البلد والعباد، تحت قبعة { الديمقراطية}، لتصير الحالة على الحقيقة {ديموانتحارية}!

المسؤولية إذن وفق الحديث الشريف منوطة إذن بركبان العلو : {فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا } .  وبالطبع فإنَها موزعة على هؤلاء بحسب مواقعهم الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية . فيجب تحملها بقوة المركز والإرادة واستشعار المخاطرة بأرواح الناس .

 فإن تكن أعظم الدول وأكبر المؤسسات الدولية باتت تسلم بأعاصير كورنا العاتية على العنصر البشري، وتقرر بكل شدة وقوة على أن من أشد أساليب المواجهة التي يمكن أن تخفف من شراسة الوباء : أساليب الوقاية التي تكاد عناصرها جميعا تجتمع تحت سقف توقيف التجمعات مهما تكن أهميتها ، وضرورتها . حتى أن دولا قررت نشر قواتها الأمنية في البلاد لإجبار الناس على الدخول لبيوتهم و مكثهم فيها . وأن أعلى هيئة أممية في العالم { هيئة الأمم المتحدة} قررت صرف موظفيها من العمل في مقرها الكبير، والاكتفاء بالعمل عن بعد .

فأي مبرر يبقى للإصرار على خروج في كثير من تفاصيله ودوافعه في الأوقات الاعتيادية شُبهُُ ، ومآرب مدمرة للوطن واستقراره وقيمه ؟!!

إذن المسؤولية عظيمة، والخطورة أعظم، فإن تطلب الأمر فلتفعل حالة طوارئ ، فنحن كباقي دول العالم قبالة خطر وجود العنصر البشري .

ختاما لنقيهم أحوالنا  إزاء الوضع على ضوء قول  الله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى