دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

ذهبت أم عمرو للمنامة وعادت.. فأين “السلام” ومتى “الازدهار”؟

محمد عبدالرحمن عريف

ما تم نقله عن الجاحظ أنه دخل يومًا مدينة، فوجد فيها مُعلمًا كامل الآداب، فانصرف منه على أن يعود إليه ليستمتع بمجالسته، وجاء يومًا لزيارته، فإذا مكانه مغلقًا، فسأل عنه فقيل له مات له ميت فحزن عليه وجلس في بيته يتلقى العزاء؛ فذهب إليه في بيته فإذا هو جالس مطأطيء الرأس فقال له عظّم الله أجرك، فرد لقد ذهب الحمار بأم عمرو… فلا رجعت ولا رجع الحمارُ فعلمت أنها ماتت فحزنت عليها وأغلقت مكتبي وجلست في الدار أتقبل العزاء.

لم تكن البداية ولن تكون النهاية مع أمهات كأم عمرو.. فهي ورشة البحرين التي حضرت تحت عنوان “السلام من أجل الازدهار” والتي اعتبرها مستشار الرئيس الأمريكي وصهره كوشنير مدخلاً لتنفيذ (صفقة القرن)، كواحدة من المحاولات الأمريكية المتكررة التي تسعى إلى تكريس الوجود الصهيوني في فلسطين والوطن العربي، وتصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية. وكشفت هذه الدعوة المشبوهة الفهم الغربي المعكوس لواحدة من آخر قضايا التحرر الوطني في العالم، أو تصويرها كقضية اقتصادية ومالية تنحصر بجمع المليارات من الدولارات.. على أن يتم من خلالها رشوة الشعب الفلسطيني والدول المعنية بالصراع للتنازل عن حقوق وطنية وقومية ودينية وإن لم تسقط بتقادم الزمن.

إنها مغالطة كبرى تلك التي تحاول الإدارة الأمريكية، وكل المروجين لـ”صفقة القرن” ترويجها، وهي ربط “السلام” بـ”الازدهار”، فيما الحقائق الملموسة تثبت أن الأمّة، عانت وما تزال، أصعب الظروف منذ أن اختار بعض حكامها ما يسمى بطريق التسوية السياسية مع العدو الصهيوني. فهل جلب “سلام” كامب ديفيد الازدهار لمصر وهي التي تعاني ما تعانيه اليوم من ضيق اقتصادي واجتماعي؟، وهل حقق “سلام” أوسلو جزءاً ولو يسيراً من طموحات الشعب الفلسطيني الذي قدّم وما يزال الشهيد تلو الشهيد على طريق تحقيق أهدافه المعروفة؟. وهل حقق “سلام” وادي عربة الازدهار للشعب الأردني؟.

في شهر نكسة العرب كان مؤتمر المنامة.. وإن لم يقبل أحد من الفلسطينيين بتبريرات من هذا القبيل فالجانب الاقتصادي لا يمكن أن يكون سوى تتويج لمسار سياسي عادل وثمرة له. لا يمكن أن يكون سابقاً له، ناهيك أن يكون بديلاً أو «رشوة» لإسقاط الحل السياسي القائم بالضرورة على إنهاء الاحتلال وحل الدولتين. وحضر الرد الفلسطيني: “لماذا أيتها الشقيقة البحرين؟»… هكذا تساءل صائب عريقات في سياق تأكيد الرفض الفلسطيني لمؤتمر المنامة. ولم يأته الجواب من المنامة ولا واشنطن بل من المحلل السياسي بالقناة 13 الإسرائيلية (باراك رافيد)، قال فيه: «دعوة الولايات المتحدة إلى مؤتمر اقتصادي في العاصمة البحرينية المنامة كان عبارة عن الجزء الاقتصادي من الخطة الأمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالرغم من إعلان السلطة الفلسطينية مقاطعة هذا المؤتمر».

يوضح (رافيد) أن الولايات المتحدة تقسم خطة السلام إلى جزأين، اقتصادي وسياسي، وذلك بعد مناقشات طويلة وتقديرات داخل البيت الأبيض بعد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها للخطة، حيث تأمل الولايات المتحدة من إعلان القسم الاقتصادي لوحده أن يشكل ضغطاً شعبياً على رئيس السلطة الفلسطينية وقيادتها للقبول بالقسم السياسي نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الفلسطينيون في الضفة والقطاع. قد تكون صورة لن يقولها سياسي بمثل هذا الوضوح، هو إستعمال الورقة الاقتصادية للضغط على الفلسطينيين، بل ومساومتهم وابتزازهم، لقبول ما لا يمكن قبوله مما يجعل الهدف من مؤتمر البحرين هو «تمرير صفقة القرن التي هي ليست حلاً، وإنما هي محاولة لإضفاء شرعية أمريكية ودولية على استمرار الاحتلال، ومحاولة لفرض التطبيع بين العرب وإسرائيل».

وفق ما قاله مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الفلسطينية. فقد هدف مؤتمر البحرين لـ«تمرير صفقة القرن التي هي ليست حلاً، وإنما هي محاولة لإضفاء شرعية أمريكية ودولية على استمرار الاحتلال، ومحاولة لفرض التطبيع بين العرب وإسرائيل».. للأمريكيين طبعا فهم آخر للموضوع يسعون لترويجه حالياً، فها هو المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية (ناثان تك) يقول إن «هدف ورشة البحرين رفع مستوى عيش المواطن الفلسطيني العادي، من خلال حشد الدعم لإيجاد سبل جديدة للوصول لهذا المبتغى، والمؤتمر شكل فرصة لطرح جزء من الخطة الاقتصادية على الحاضرين والاستماع لردودهم للتعامل معها»، لافتاً إلى أن «واشنطن قامت بدراسة عميقة ومتأنية للقضايا السياسية الفلسطينية العالقة، وبالتالي ستعمل على معالجتها بشكل دقيق جداً».

واقع المعلومات تتحدث أن “البيت الأبيض سيعلن عن القسم الأول من (خطته للسلام) في الشرق الأوسط”. فواشنطن عقدت ورشة اقتصادية بالبحرين للتشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية. ولتجمع عدداً من وزراء المالية بمجموعة من الاقتصاديين البارزين في المنطقة، وفي هذا الصدد قال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين “إنني أتطلع إلى هذه المناقشات المهمة حول رؤية توفر للفلسطينيين فرصاً نوعية جديدة لتحقيق إمكانياتهم الكاملة. ستساهم هذه الورشة في جمع القادة من عدة قطاعات ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط لبحث سبل تعزيز النمو الاقتصادي والفرص المتاحة للشعوب في هذه المنطقة المهمة”.

رد فعل فلسطيني جاء برفض رجال أعمال فلسطينيون كبار، خطط الولايات المتحدة لعقد مؤتمر اقتصادي في البحرين، الذي أصبح بمثابة مقدمة خطة السلام في الشرق الأوسط التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومع مناشدة واشنطن للفلسطينيين والقادة العرب لحضور المؤتمر انضم رجال الأعمال الفلسطينيون إلى السياسيين في القول بأن مطالبهم السياسية يجب تلبيتها في أي خطة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأبدى منظمو استطلاعات الرأي والمحللون الفلسطينيون أيضاً شكوكاً عميقة حول أحدث حلقة في سلسلة جهود السلام الأمريكية الطويلة، والتي يقودها هذه المرة جاريد كوشنر صهر ترامب ومبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.

يبقى أن إسرائيل تقول إنها تتخذ مثل هذه الإجراءات لدواع أمنية. وتساءل البعض كيف تنتظر أن يستثمر الناس في فلسطين إذا كانوا لا يستطيعون الدخول؟ إذا كانوا لا يملكون السيطرة، ولا يتوافر لديهم إطار العمل القانوني، وبيئة الأعمال، لحماية أنشطتهم؟. إنهم يتخذون جانب إسرائيل، على الصعيد السياسي، ويريدون التحدث معهم في القضايا الاقتصادية فحسب. لكن ذلك ليس مساراً صحيحاً. فحقًا عن أي سلام وأي ازدهار تحدث العرب؟.. وهم ما بين “تطبيعات وصفعات” لأجل “سلام وازدهار”. وإن ذهبت أم عمرو للمنامة وعادت.. لكن أين “السلام” ومتى “الازدهار”؟.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى