دراسات سياسية

رفات الجندي الإسرائيلي والعقل السياسي العربي

وليد عبد الحي

ما أن تم الكشف عن تسليم روسيا رفات الجندي الاسرائيلي المدفون في سوريا لحكومته حتى انقسم العرب الى تيارين، التيار الاول رأى في ذلك طعنة من الرئيس الروسي “للتحالف أو على اقل تقدير للصداقة العربية الروسية، والتيار الثاني التقط الفرصة ” ليفضح ما يعتبره النفاق الروسي” بالوقوف الى جانب العرب في أزماتهم وقضاياهم.
يبدو ان العقل العربي ما زال غير قادر على الفكاك من الخلط بين الأخلاق السياسية والاخلاق الفردية رغم ان الفكر السياسي فصل بينهما منذ كوتيليا وابن خلدون وصولا لميكيافيللي وجون ديوي والكسندر دوغين.
فروسيا لم تأت الى سوريا من باب ” الشهامة والوفاء ” ولم تُسقَط طائراتها من قبل تركيا واسرائيل او يُقتل جنودها او تتزاحم على النفوذ مع ايران في سوريا من باب ” حاتم الطائي”، بل جاءت لتحقيق مصالح استراتيجية منصوص عليها – ومنشورة – في وثائق استراتيجية السياسة الخارجية الروسية الموقع عليها من قبل بوتين منذ تسع سنوات تقريبا، وهذه الوثائق تكشف عن مصالح مشتركة وأخرى متناقضة مع اسرائيل، وحوار بينهما لم ينقطع لا حاليا ولا في الفترات التاريخية منذ الاعتراف باسرائيل زمن الاتحاد السوفييتي.
من الضروري معرفة ان في اسرائيل حوالي مليون ونصف مليون اسرائيلي من اصول روسية،وان في روسيا هناك أكثر من مائة الف اسرائيلي بينهم حوالي 80 الف يعيشون في موسكو ويندسون في مؤسسات اقتصادية وثقافية واجتماعية …الخ.,ان اللغة الروسية هي اللغة الثالثة في اسرائيل ، ولا ننسى ان بوتين يمثل الشخصية الروسية الأكثر تفهما لاحتياجات اسرائيل على غرار الشخصيات القومية الروسية الهامة مثل جيرونوفسكي او الكسندر بوفين( اول سفير روسي لاسرائيل بعد عودة العلاقات عام 1991)، ويكفي ان نعلم ان روسيا واسرائيل تشاركا في انتاج اسلحة طلبتها الصين عام 1999 من اسرائيل وبقيمة مليار دولار، ووقع نفس التعاون لصالح الهند ايضا عام 2004، كما ان روسيا اشترت من اسرائيل طائرات بدون طيار في اربع صفقات(2009 و 2010 و 2015 بقيمة مجموعها حوالي 850 مليون دولار، ويكفي ايضا ان نتذكر ان اسرائيل اخذت موقفا محايدا ولم تعترض على ضم القرم لروسيا عام 2014 وهو ما اغضب الولايات المتحدة، بل إن بوتين دعا نيتنياهو للمشاركة في افتتاح معبد يهودي في القرم في مارس الماضي، وخلال الفترة من سيبتمبر 2015( تاريخ دخول روسيا عسكريا في الازمة السورية) الى الآن التقى بوتين مع نيتنياهو عشر مرات، وخلال هذه الفترة( مع فوز ترامب بالرئاسة الامريكية) عملت اسرائيل على محاولة تخفيف القيود التجارية الامريكية مع روسيا مقابل الضغط الروسي لكبح الدور الايراني في سوريا وهو ما صرح به افيغدور ليبرمان في مايو 2018، كما تتهم بعض التيارات السياسية الاسرائيلية لا سيما بيني جنتس(زعيم تيار ازرق ابيض) بأن بوتين يعمل على دعم نجاح نيتنياهو في الانتخابات القادمة بعد ايام، ولعل اعادة الرفات يقع ضمن هذا الدعم.
ويجب ان لا ننسى ان السواح الروس هم الأكبر عددا في نسبة السواح لاسرائيل، وان روسيا هي الممول الأول- في اغلب الفترات- لاسرائيل بالبترول، واسرائيل تجري نقاشا حاليا للانضمام للاتحاد الجمركي مع روسيا في نطاق البحث في انشاء منطقة تجارية حرة للتجمع الاوراسي.، ناهيك عن التعاون العلمي في المجالات الطبية والنووية …الخ بين الطرفين، والموقف الواحد للطرفين من ” بعض ” التنظيمات الاسلامية بخاصة المخاوف الروسية من امتدادات هذه الحركات الى اراضيها في الشيشان وداغستان …الخ.
بالمقابل هناك نقاط تباين كثيرة بين اسرائيل وروسيا في الموقف من التسوية الفلسطينية(بخاصة ان روسيا احد اطراف اللجنة الرباعية) وفي الموقف من تفاصيل الازمة السورية بل ونمط العلاقة مع تنظيمات المقاومة بخاصة حماس وحزب الله..الخ.
وعليه، فالعلاقات الدولية تقوم على فن التوفيق بين المصالح المتناقضة والمصالح المشتركة دون اسقاط المفاهيم الفردية مثل ” الصداقة والاخوة والحب والكره والمكايدة والكرم ” على هذه العلاقات الا من باب الدعاية السياسية. والمشكلة في السياسات العربية هي انها تريد من روسيا أو من ايران أو من الصين ان تتصرف “كدول عربية” وطبقا ” للمصالح العربية” في الوقت الذي تعمل فيه هذه الدول طبقا لمنظورها ومصالحها الاستراتيجية ..ومن اراد ان تتحقق احلامه عليه أن يستيقظ أولا كما قال الصادق النيهوم، فهل عرفت الدبلوماسية العربية ما هو المقابل الذي حصلت عليه روسيا من اسرائيل لتسليم رفات الجندي الاسرائيلي؟ أنا أزعم ان هناك مقابل قد يكون تعاون استخباراتي او مصالح في المنطقة او خارجها او مساندة في مواقف سياسية في محافل دولية او تسليم اسرار تقنية او علاقة مع اللوبي اليهودي في امريكا أو دعما لحملة نيتنياهو الانتخابية كما اسلفت….الخ.
أخيرا، يجب الفكاك من اسقاط المفاهيم الفردية في السلوك الفردي على آليات التفاعل الدولي التي لها منطقها الذي يبدو انه يستعصي على العقل السياسي العربي…ربما.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى