رهاب الاسلام: صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا

هناك قراءات مختلفة لأسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا منها قراءة ثقافية ترى أن صعود الإسلاموفوبيا هو انعكاس لمشاعر سلبية عميقة مدفونة في وعي المواطن الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وتعبير عن تحيز تاريخي وثقافي ضد الإسلام كدين وضد المسلمين وحضارتهم. فيما تربط القراءة الثانية أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ببعض الأحداث الدولية التي أثرت بقوة على العلاقات بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأس هذه الأحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية وما تبعها من هجمات إرهابية – رفع مرتكبوها شعارات إسلامية – ضربت مجتمعات غربية مختلفة مثل إسبانيا وبريطانيا. مضافاً اليها الصدامات الثقافية بين الجانبين. أما القراءة الثالثة المطروحة فتعتمد رؤية سياسية اقتصادية ترى أن صعود الإسلاموفوبيا خلال السنوات الأخيرة انعكاس لبعض التغيرات المجتمعية الكبرى التي لحقت بالمجتمعات الغربية والإسلامية خلال العقود الأخيرة، وعلى رأس هذه التحولات تراجع قوى اليسار الغربي التقليدية التي سادت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وصعود قوى اليمين الثقافي والديني في الغرب والعالم الإسلامي خلال الفترة ذاتها.

من جانبنا لا ننفي هذه القراءات ولكننا نعيب عليها ظواهريتها اي دراستها للاسلاموفوبيا كظاهرة منعزلة. في حين تؤكد نظربة الاستقراء والنظريات التحليلية انه لا يمكن رد الحدث المتكرر الى مبدأ المصادفة وقراءته كظاهرة معزولة. فلدى تكرار الحدث فهو يتحول الى ظاهرة لها آلياتها المتسببة في تكرار ظهورها. وهذه الآليات لا يمكن التماسها عبر القراءة الظواهرية. اذ ان القراءة التحليلية تفرض نفسها في هذه الحالات.
وفي تصدينا لتحليل ظاهرة الاسلاموفوبيا نجد انها موقف سياسي عنصري له جذوره القائمة على المحددات الانثروبولوجية للشعوب التي انتشر فيها الاسلام. وهو ما سهل طرح الاسلام كعدو حضاري للغرب قبل سنوات من تفجيرات 11 سبتمبر. وهو أيضاً الذي يبرر الهيستيريا الغربية من امتداد الاسلام وانتشاره في مجتمعاتها.
فلو نجح الاسلام في اختراق الحصار الاتني المفروض عليه منذ ظهوره والدخول الى المجتمعات الغربية كديانة تحظى بالاعتراف فان ذلك سوف يسقط السؤال الاكبر الذي قامت عليه الاسلاموفوبيا ومعها المجازر المرتكبة ضد المسلمين تحت شعار الخوف منهم والوقاية من خطرهم. والسؤال هو: لماذا يكرهوننا؟!.
من الناحية التحليلية فان هذا السؤال ،والحروب وتهديدات الحروب الكامنة خلفه، يعتبر تحويراً نفسياً لفكرة أنا أكره الآخر بما يشعرني بالذنب فيصبح من الأفضل تحوير الفكرة الى انه يكرهني ولذلك فاني اكرهه. وعندها تصبح ممارسة الكراهية مشروعة.
هذه الورقة تحاول إعادة الأمور الى نصابها عبر فضح حيلة التحوير اللاواعية ورد السؤال الى أصله المدعوم بأحداث كراهية تاريخية. بحيث يتحول السؤال من لماذا يكرهنا المسلمون؟. الى السؤال الأصلي لماذا يكره الغرب المسلمين؟.

النشأة التاريخية للمفهوم
تشير الدراسات الأكاديمية الغربية الى أن النشأة الأولى لاستخدام مفهوم “الاسلاموفوبيا” في الأدبيات والكتابات الغربية تعود الى عشرينيات القرن الماضي، حيث استخدمه مستشرق بلجيكي هو هنري لامينس ـ الذي عاش في لبنان لسنوات ـ في سياق كتاب له عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما ان المصطلح ورد ذكره أيضا في كتاب للرسام الاستشراقي الفرنسي ايتيان ديني بعنوان: “الشرق كما ينظر اليه من الغرب”.
ويتكون مصطلح “الاسلاموفوبيا” من نحت لغوي لمفردتين الاسلام، و”فوبيا” ذي الجذور الاغريقية بدلالة الخوف غير المبرر والمصطلح على ترجمتها ب “الرهـاب” على وزن “فعال” الخاص بالإمراضية.
غير ان الأبعاد السياسية لمفهوم “الاسلاموفوبيا” بدأت تتبلور منذ أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي اثر بروز ظاهرة ما يسمى “الصحوة الاسلامية” أو “صعود الاسلام السياسي” في العالم العربي والاسلامي، وخاصة بعد الثورة الإيرانية بزعامة الإمام الخميني عام 1979، وتزايد الاهتمام الغربي بدراسة ظاهرة تنامي الصعود السياسي للتيارات الاسلامية والاصولية وتأثيرات ذلك على الغرب.

وارتبط مفهوم “الاسلاموفوبيا” في الكتابات الغربية بمجموعة من المسلمات المسبقة والسلبية عن الاسلام والمسلمين. وبخاصة بالصورة النمطية الهوامية التي بدأتها المخابرات البريطانية عبر لورنس العرب وملاحظاته. وأكملتها المخابرات الاميركية في سياق عملها على رسم قوالب نمطية للأمم والشعوب بهدف وضع قوالب سلوكية للتعامل معهم. وتجدر الاشارة هنا الى ان معظم علماء النفس والانثروبولوجيا الذين رسموا هذه القوالب كانوا من العلماء اليهود المهاجرين من المانيا هرباً من النازية.
هذا وتضيف القتاعات الشعبية في الغرب تشويهات اضافية لصورة الاسلام والمسلمين. وهي قناعات خاطئة مبنية على فوقية المستعمر وتعالي التفوق العلمي والتكنولوجي. مضافاً اليها الإنطباعات الإستشراقية المرتبطة بدورها باهداف استحبارية واستعمارية بما يفقدها موضوعيتها.
وقد أسهمت دراسة أصدرتها مؤسسة “راينميدتراست” البريطانية غير الحكومية في عام 1997 في بلورة تعريف محدد لماهية “الاسلاموفوبيا” في الرؤية الغربية وقد استندت في ذلك الى معايير ثمانية هي:
1ـ اعتبار الاسلام جسما أحاديا جامدا يندر ان يتأثر بالتغيير.
2ـ النظر الى الاسلام باعتباره يتسم بالتميز عن “الآخر”، وانه ليس له أي قيم مشتركة مع الثقافات الاخرى، وهو لا يتأثر بها أو يؤثر فيها.
3ـ اعتبار الاسلام عنيفا وعدوانيا ومصدر خطر، مفطورا على الارهاب والصدام مع الحضارات.
4ـ النظر الى الاسلام باعتباره يحتل مرتبة دونية بالنسبة الى الغرب، وذا نزعة بربربة وغير عقلانية، وبدائيا.
5ـ الرفض التام لأي نقد يمكن أن يقدمه طرف إسلامي حيال الغرب.
6ـ اعتبار مشاعر العداء تجاه المسلمين هي أمر عادي وطبيعي.
7ـ استعمال العداء تجاه الاسلام لتبرير أي ممارسات تمييزية تجاه المسلمين وابعادهم عن المجتمع وعزلهم أو تهميشهم.
8ـ اعتبار الاسلام أيديولوجية سياسية لتحقيق مصالح عسكرية وسياسية.
والواقع ان هذه المعايير مستعارة من ملفات الاستخبارات البريطانية يوم كانت تسمى “انتليجانس سرفيس” حيث عمل هذا الجهاز على تفكيك هذه المعايير واحدا بعد الآخر. حيث عمد لفرض ادخال التغيير عبر طرح بدع اشتقاقية للإسلام آخرها الدعوة للاسلام البروتستانتي الذتي تعقد في اميركا مؤتمرا سنوياً بحضور عرب ومسلمين يكرهون انفسهم. اضافة للجهود التبشيرية الهائلة والمستمرة وأخيراً إعتماد مفهوم “الاسلاموفوبيا” إستناداً الى هذه المعايير تحديداً. فلولا هذه المعايير لكان مصطلح “العداء للإسلام” أكثر دقة وموضوعية ودلالة واسهل استخداماً لإنسجامه مع المصطلحات العنصرية الاخرى مثل العداء للسامية والعداء للأجانب والملونين وغيرها.
وها هو المصطلح يشيع اليوم مسجلاً انتصاره على مصطلحات بديلة بعضها لا يزال متداولاً لغاية الآن وأشهرها مصطلح الشرق أوسطي.
ولعل سبب شيوع الاسلاموفوبيا وغلبته يعود الى انه يبرر العداء للإسلام دون الاعتراف به. اذ يحول العداء للإسلام من مظهر تمييزي الى رد فعل مرضي ناجم عن ممارسات ومظاهر اسلامية متعارضة والقيم الغربية بدءاً من الحجاب ولغاية حوادث 11 سبتمبر.

الدراسـات الإسلامية السـابقة
أضاف علم الألسنية سلاحاً جديداً في خدمة الإعلام الغربي وبخاصة لجهة إبتكار المصطلحات ومرونة استبدالها بمصطلحات بديلة عند الحاجة. بما يتيح للإعلام الغربي اللعب على المصطلحات وترويجها معتمداً على بنيتها اللسانية المدرعة. اذ تأخذ حبكة المصطلح في دراساتها المعطيات السياسية والاجتماعية الى جانب المعطيات اللغوية. وهو ما يسهل فرض الاعلام الغربي لهذه المصطلحات. وهكذا رأينا تعاقب مصطلحات “النظام العالمي الجديد” وبعده “العـولمة” ومن ثم “النظام الاقتصادي الجديد”. حيث كان كل منها يطرح وكأنه نظرية عقائدية متكاملة ومدعومة بقوة الغرب بحيث يصبح الاعتراض على المصطلح موازياً لمعاداة الغرب بأكمله. ثم يسقط المصطلح ليحل مكانه مصطلح بديل للنظرية العقائدية مقروناً بذات الحماية الغربية والخضوع في الدول النامية واسلامية خصوصاً.
وهكذا فان استعراضنا للدراسات الاسلامية السابقة حول الاسلاموفوبيا يقودنا الى مجموعة مقالات يغلب عليها التبرير والدفاع وفصل الجزء عن الكل. كما انها ركزت على البحث عن اصول هذا الخوف الغربي من الاسلام. حيث نميز قراءات ثلاث هي:
القراءة الثقافية الحضارية
وهي تعتبر الخوف والمصطلح المشتق عنه انعكاساً لمشاعر سلبية عميقة مدفونة في وعي المواطن الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وتعبير عن تحيز تاريخي وثقافي ضد الإسلام كدين وضد المسلمين وحضارتهم الإسلامية. وهي قراءة منقوصة لأن الثقافة الشعبية في الغرب تقرأ كلمة “يهودي” على انها كل ذلك مضافاً اليها الخبث والعدوانية والميل للخيانة والتآمر. حتى ان هذه الدلالة لكلمة “يهودي” كانت موجودة في الموسوعات الغربية الكبرى وتم سحبها في السنوات الاخيرة بعد احتجاجات يهودية مكثفة. لكنها باقية في اللاشعور الغربي.

القـراءة الحدثية الصـدمية
وهي تربط الاسلاموفوبيا ببعض الأحداث الدولية التي أثرت بقوة على العلاقات بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأس هذه الأحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية وما تبعها من هجمات إرهابية – رفع مرتكبوها شعارات إسلامية – ضربت مجتمعات غربية مختلفة مثل إسبانيا وبريطانيا. مضافاً اليها الصدامات الثقافية الحضارية بين الجانبين. وهذه القراءة هي في رأينا قراءة ظواهرية تبريرية اذ قبل الجمهور الاميركي ،والغربي معه، إتهام المسلمين ،تحت مسمى الشرق أوسطيين، بتفجير مبنى اف بي آي في أوكلاهوما الذي نفذته عام 1995 الميليشيات الاميركية الآرية. ولو كان الرئيس كلينتون خاضعاً لنفوذ المحافظين الجدد لكان بامكانه تثبيت التهمة على المسلمين وإطلاق الحرب التي اطلقها بوش لاحقاً عليهم. وهذا المثال كاف لتبيان الميل الغربي نحو المواقف العدائية للإسلام قبل حصول اي من الحوادث التي تحملها هذه القراءة مسؤولية قبول وشيوع الاسلاموفوبيا في الغرب.
القـراءة السياسية الإقتصادية
وهي تربط صعود الإسلاموفوبيا خلال السنوات الأخيرة ببعض التغيرات المجتمعية الكبرى التي لحقت بالمجتمعات الإنسانية خلال العقود الأخيرة، وعلى رأس هذه التحولات تراجع قوى اليسار الغربي التقليدية التي سادت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وصعود قوى اليمين الثقافي ومعه الأصوليات الدينية في الغرب والعالم الإسلامي خلال هذه الفترة. وهنا نسجل ضرورة التفريق بين الاصولية الاسلامية المعيشة في مختلف الفترات والحقبات التاريخية وباقي الاصوليات الدينية. وتجنباً لدخول في جدالات نظرية لا مكان لها في هذا السياق نفضل نقل القراءة الى ترجمة صموئيل هانتنغتون لها ب “صدام الحضارات” وهو ما يطرح السؤال عن سبب انتقاء الإسلام والكونفوشية كعدوتين حضاريتين للحضار الغربية. والقراءة المعروضة لا تقدم الاجابات لهذا السؤال وبالتالي فهي بدروها ناقصة.
ختاماً فان هذه القراءات ساهمت بإضاءة جوانب في غاية الاهمية حول الموضوع لكنها بقيت مفتقدة للتكامل في منطلقاتها النظرية كما في الإمكانيات المتاحة لها للإستعانة بالعلوم الانسانية والدراسات عبر الحضارية عداك عن إهمالها عوامل اساسية مثل تعددية المذاهب الاسلامية وتعددية الأعراق المعتنقة للإسـلام.

الدراسـات الغربية السـابقة
في دراسة له عام 2005 بعنوان: “الاسلاموفوبيا وتأثيرها على الشباب” اعترف المجلس الاوروبي بأن “الاسلاموفوبيا” تشكل انتهاكا لحقوق الانسان وخطرا على التماسك الاجتماعي في المجتمعات الاوروبية.

حيث تشير الدراسة الى ان “الاسلاموفوبيا تعني التخوف والاحكام المسبقة تجاه الاسلام والمسلمين وما يتعلق بهم، سواء تم التعبير عنه بالأشكال اليومية للعنصرية أو التمييز أو في أشكاله الأكثر عنفا، فالاسلاموفوبيا هي انتهاك لحقوق الانسان وتشكل خطرا على التماسك الاجتماعي”.
وترصد الدراسة ان “التخوف من الاسلام يبدأ بتوجيه الاهانات الشفهية، ويصل الى حد الاعتداء الجسدي والاعتداء على أماكن العبادة والممتلكات والقبور، لذلك هناك حاجة ماسة الى قيادة سياسية حازمة تدافع عن المساواة بين جميع الاوروبيين بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية والدينية.
وفي دراسة أخرى أقر “المركز الاوروبي لمراقبة العنصرية وكراهية الأجانب” في تقرير له صدر في ديسمبر عام 2006 بعنوان: “التمييز العنصري والخوف من الاسلام” بأن هناك تمييزا واضطهادا تجاه المسلمين في أوروبا في مجالات العمل والتعليم والسكن والمعاملة في الواقع الاجتماعي.
حيث ارتبط صعود ظاهرة “الاسلاموفوبيا” في المجتمعات الغربية خلال العقود الثلاثة الماضية ـ التي اكتسبت زخما أكبر بعد أحداث 11 سبتمبر والهجمات الارهابية على كل من مدريد عام 2004، ولندن عام 2005 ـ بعدد من الظواهر السياسية والاجتماعية في المجتمعات الغربية.

فبالاضافة الى التصعيد السياسي والاعلامي في الخطاب الغربي بشأن الحرب ضد الارهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، ومحاولة الربط صراحة أو مواربة بين الارهاب والاسلام والسعي لقرنه بالتطرف ـ مما أوجد مشاعر عدائية تجاه الاسلام والمسلمين، اقترنت بممارسات تمييز قانونية وحقوقية ضد الجاليات الاسلامية في المجتمعات الغربية من قبل مؤسسات الدولة الرسمية الأمنية والسياسية وغيرها ـ يمكن ان نضيف الى ذلك تداعيات أزمة اليسار في المجتمعات الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات حيث تراجعت شعبية قوى اليسار الاوروبي، وتراجعت معها قدرته على المطالبة بتكريس قيم المساواة الحقوقية والقانونية والاجتماعية وتعزيز دولة الرفاه الاجتماعي، التي استفادت منها الجاليات العربية والاسلامية في أوروبا والغرب خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت قوة وجدارة خطاب المساواة اليساري تعطي حجة سياسية وقانونية لسياسات العدالة الاجتماعية وتطبيق حكم القانون ورفض أي ممارسات للتمييز العنصري.

ولكن مع تراجع اليسار، انتهزت قوى اليمين السياسي والديني والعنصري المتطرفة الفرصة وصعدت من خطابها المعادي للمهاجرين الذين تم اعتبارهم السبب وراء تفاقم مشكلات الباحثين عن عمل وحرمان السكان الاوروبيين الاصليين من فرص العمل عبر مزاحمتهم لهم في سوق العمل، وقبولهم بأجور أقل.
ورافق ذلك حملات تشويه ضد المهاجرين والجاليات الاسلامية واعتبارها تشكل تهديدا لمنظومة القيم والتقاليد السائدة في المجتمعات الغربية، وفي سياق ذلك تأتي الحملات التي تستهدف ارتداء “الحجاب” حيث تم اعتباره في فرنسا وهولندا يشكل تهديدا للطابع العلماني للمجتمع. واتخذت السلطات اجراءات لمنع ارتداء الحجاب في المدارس وأماكن العمل، على الرغم من مخالفة ذلك لمفاهيم الحرية الفردية التي تقدسها المجتمعات العلمانية الغربية.

بالإضافة الى هذه الرؤى الترصدية نجد العشرات من الدراسات الغربية التي تتطرق الى الموضوع من زوايا مختلفة وعبر اختصاصات عديدة. لكننا نتوقف عند دراسة للمؤرخ فريد هاليداي بعنوان ” الاسلام والغرب خـرافة المواجهة ” إذ يرى ان خرافة المواجهة بـين الاسـلام والغرب، هي خرافة مسـتديمة من جهتين متناقضتين في الظاهر. من المعسـكر الغربي بالدرجة الاولى ولكن ليس في الغرب حصراً. هذا المعسـكر الذي يسـعى لتحويل العالم الاسـلامي الى عدو آخر. ومن معسـكر اولئك الذين يدعون، من داخل البلدان الاسـلامية نفسـها، الى المواجهة مع العالم غير المسـلم، وخصوصاً العالم الغربـي. وهي تنطوي على محاجة، فهي اذ تنتقد ايديولوجيات من سـعوا طويلاً الى الهيمنة على العالم الاسـلامي، فانها تنتقد ايضاً الكثير مما يحدث بوصفه رداً «بديـلاً» «محلياً» «اصيلاً» من داخل هذه البلدان نفسـها. وبهذا المعنى فان هذا الكتاب جوبه بالرفض من قبل المجموعتين على حد سـواء.ونتوقف عند تفريق هاليداي بـين الاسـلام الديني والاسـلام السـياسـي، حيث الاخير هو مجرد طرح غير قابل للتنفيذ ومختلف باختلاف الزمان والمكان. بل يكاد هاليداي يـجـزم بعدم وجود اسـلام سـياسـي واحد. بتأكيده وجود رؤى متعددة يؤكد عجزها عن تقديم الحلول الناجمة للمشـاكل الاجتماعية الاقتصادية التي بررت ظهورها وقبولها في بلدان عديدة.

ويناقش المؤلف الاسـلام السـياسـي، مبتعداً عن الاسـلام بمفهومه الديني. معلناً ان مناقشـته تتناول طرح الاسـلام كنظام سـياسـي اجتماعي، فيعلن عدم اعتقاده بجـدوى اعتبار الوقائع السـياسـية الاجتماعية، التي يصح فيها هذا المصطلح كجزء من ظاهرة واحدة. لأنه يـرى ان هذا المصطلح لا يملك دلالة موحدة اقله على مسـتوى التحليل السـياسـي. خصوصاً ان للمصطلح دلالات متغيرة من زمن لآخر ومن مكان لآخر وتغير هذه الدلالات يجد برهانه في الفروقات الدلالية بـين الاسـلام العربـي (الأموي والعباسـي)، وبـين الاسـلام الفارسـي والطوراني وايضاً بـين الحركات الاسـلامية المعاصرة، حيث يلاحـظ توظيف الرموز والمعتقدات الدينية توظيفات مختلفة.

لكننا نقف هنا للتأكيد على جهود المؤلف للتمسـك بموضوعية تحليله ونظرته لتطبـيقات الاسـلام السـياسـي. وفي المقابل نسـأل عن اليهودية السـياسـية والخرافات المؤسـسة لها، وايضاً عن شـيزوفرانيا او تعدد شـخصيات هذه اليهودية. والسـؤال هنا ليس معترضاً اذا كان المؤلف معتمداً نهج الاسـتقراء التاريخي. حيث اليهودية تعتبر ان الالتـزام بنظامها السـياسـي ـــ الاجتماعي جزء من الايمان اليهودي، ولا تقبل التفريق بـين يهودية دينية واخرى سـياسـية. بل ان مجرد محاولات التفريق قد فشـلت في التجربة الاسـرائيلية. فهل يجوز ان تقدم تحليلاً للشـرق الاوسـط السـياسـي يتجاهل هذه الوقائع؟. خصوصاً ان المؤلف سـيتابع هذا التجاهل في حديثه عن خصوصية الشـرق الأوسـط، فيرى عدم جدوى اعتبار هذه المنطقة احدى اكثر مناطـق العالم تأزماً في حقبة ما بعد 1945 . ويقدم لذلك الدلائل بالتذكير بسـخونة الشـرق الأقصى في الفترة عينها. ويخلص الى التنبـيه مما يمكن ان يسـمى «نرجسـية اقليمية»، شـرق اوسـطية، تميل لاعتبار اقليمها متفرداً في دراميته وأهمية احداثه.

والواقع انني اوافـق المؤلف على اسـتعمال مصطلح «النرجسـية» لأن درامية الشـرق الأوسـط إنما تنبع من الجروح النرجسـية، التي حدثت في جغرافية هذه المنطقة غداة الحرب العالمية الأولى. فكان أول هذه الجروح تحطيم حلم الدولة العربـية الكبرى، ومن ثم وعد بلفـور، واتفاقية سايكس ـــ بـيكو، واقتطاع تركيا لقسـم من السـاحل السـوري الشـمالي… الخ من الجروح النرجسـية ـــ الجغرافية التي لا تـزال قابلة للتفجـير، والتي كان يمكن للمؤلف ان يتابع على ضوئها مناقشـة قضايا عديدة لاحقة في كتابه، فبالرغم من هول صراعات الشـرق الاقصى، فإنها كانت ملتزمة باطار ايديولوجي، في حين ان صراعات الشـرق الأوسـط، هي صراعات ناجمة عن التفكيك القسـري للمنطقة. وهي صراعات قابلة للامتداد عبر الاجيال.
من هنا تأتي قابلية صراعات المنطقة للانفجار السـريع، ولتغير انظمتها السـياسـية، واتجاهاتها، وايضاً من هنا خروج هذه الصراعات بقدر كبير من الشـلة الأوسـع للسـياسـة الدولية كما يقول المؤلف.

كما يثر المؤلف موضوعاً في غاية الاهمية وهو موضوع العنف داخل الامة الشـرق اوسـطية. فيرى ان ضحايا هذا العنف هم من السـكان المحليـين، على عكـس الانطباع السـائد عن توجه هذا العنف نحو الاوروبـيـين والغربـيـين اجمالاً. والواقع ان هذا الانطباع قد نجم اسـاسـاً عن التضخيم الاعلامي الغربـي لحوادث العنف الموجه نحو الغربـيـين مع تجاهل تام لعنفهم المضاد وللعنف الداخلي. وهذا الاخير يجد تفسـيره وتبريـره من خلال مرض تعدد الشـخصيات (الانتماءات) الناجم عن الجراحات الجغرافية الوحشـية، التي لم تجد شـفاءها لغاية اليوم، والتي يسـتطيع التيار الديني وحده ان يقدم وعداً بشـفائها يرتبط بالعقيدة.

بعد هذه الاسـتقراءات والعروض المتتالية يصل المؤلف الى محور كتابه، وهو قضية المواجهة بـين الاسـلام والغرب أو “صدام الحضارات”. رافضاً فكرة وجود صراع كامن مسـتمر بـين الاسـلام والغرب، كما يرفض فكرة اعادة احياء هذا الصراع كنـتيجة لنهاية الحرب الباردة، عبر طائفة الديماغوجيـين من اوروبـيـين واميركيـين كما عبر بعض المسـلمين المحليـين، الذين افترضوا ان سـقوط الاحزاب التابعة للشـيوعية المنهارة سـتفسـح المجال لصعود احزاب اسـلامية، سـتحل مكان البلشـفية في تهديدها للغرب وفي عدوائه.
ويـرى المؤلف ان هذه الافكار حول صدام الحضارات باتت شـائعة في الغرب كما في الدول الاسـلامية مما يجعل من محاولات وضعها في اطارها الصحيح عملية تتحدى كل الاطراف وقناعاتهم، دون ان يعني ذلك عدم وجود السـبل للتعامل مع طائفة طويلة من المسـائل المعقدة الموحية بحتمية الصراع اذا لم يتم ايجاد الحلول لها.

وهذا طرح يتسـم بالموضوعية وبجدية لا تتأثر بشـائعات الفكر التي تكاد تصل الى حدود المسـلمات والبديهيات. فهذا الصراع ظل كامناً طوال قرون، والفراغ الفكري المتخلف عن سـقوط الشـيوعية غير كاف نظرياً لاعادة احياء هذا الصراع. وبالتالي فانه مرشـح للكمون لمدة زمنية مقبلة، كما ان الاسـتقراء التاريخي يثبت ان الصراعات وان سـارت نحو الحروب فان نهايتها الخمود. وكان المؤلف قد مهد لهذه الفرضيات بتبـيانه ان الارهاب والصراعات الشـرق اوسـطية توجهت نحو الداخل وليس نحو الخارج ـــ الآخر… (الغرب). لكن الذي يـبقى مسـيئاً الى موضوعية المؤلف وسـلامة منطـق عرضه الفكري هو تجاهله لكون اسـرائيل رمزاً تجسـيدياً للغرب، يتجاوز احتلال الاراضي الى انتهاك الحرمات الدينية الاسـلامية والمسـيحية.
وباللجوء الى تأكيد توزع خارطة القوة العسـكرية، يحاول هاليداي، تأكيد عجز الاسـلام عن خوض مواجهة متكافئة مع الغرب. فالامبراطورية العثمانية (الاسـلامية) سـقطت

منذ العام 1918، ولا سـبـيل لبعث رديف لها. وحتى اذا حصل ذلك فان القوة العسـكرية لن تتكافأ مع قوة الغرب. ويحاول هاليداي تحليل اسـباب شـيوع اعتقاد صدام الحضارات، فيجد ان الدول الاسـلامية قد خاضت تجارب علمانية فشـلت في حل مشـاكلها الاجتماعية ـــ الاقتصادية ـــ الثقافية، فوجدت في الاسـلام الملجأ والملاذ. اما في الغرب فان اوروبا باتت تخاف من موجات هجرة سـكان العالم الثالث اليها. اما الولايات المتحدة فهي تخشـى من الوان التعددية المقبلة اليها من بلدان العالم الثالث. وهي تعددية لم يعد بامكان نظام القيم الاميركي اسـتيعابها. فهي تحمل معها تعددية دينية وثقافية ولغوية. وهذا الخوف الأوروبـي ـــ الاميركي يـبطن الرفض الذي يشـكل قاعدة انطلاق شـائعات صدام الحضارات برأي هاليداي.

خلاصة، هل نتفق مع فكرة خرافية صدام الحضارات أم نختلف معها؟. في رأينا ان القارئ لا يملك حق الاتفاق او الاختلاف حول هذا الموضوع لأن هناك حكومات عالمية تعتمد هذه الشـائعة وتتصرف على اسـاسـها، بما يوحي بتحويلها من مجرد شـائعة الى واقع عالمي. حتى يـبدو وكأن العالم يسـير نحو حرب باردة جديـدة، حيث لا حسـاب لكمية الاسـلحة بل للقدرة على تحقيق الاذى. العالم الثالث من جهته ليس مذنباً اذا كان يعد ملياراً من المسـلمين بـين سـكانه الذين يحلمون بهجرة الى مدن الصفيح الغربـية فيمنعون من ذلك بحجة الخوف من الإسلام أو الخوف من زيادة نسبة المسلمين بين سكان تلك الدول.

فـي تجليـات الصدام الغـربي مع الإسلام
بعد حروب بوش واحتلاله لدولتين اسلاميتين وتهديداته العسكرية والسياسية للدول الاسلامية المجاورة لهما هل يمكننا الإستمرار في اعتبار صدام الحضارات مجرد خرافة؟. وكيف نعتبرها كذلك وقد أعلن بوش عن صليبيتها وعن الوحي الذي يحركه لتنفيذها؟. وماذا عن إقتران عسكرية بوش بحروب الفوضى البناءة التي قوضت توازنات دول المنطقة وهددت الدول المقاومة لهذه الفوضى؟.

لقد خلفت حروب بوش العسكرية واللينة أكثر من مليون قتيل وثلاثة ملايين مصاب من المسلمين. وهي حملت عـنوان “الصـدمة والترويع” مارستها شعوب تسأل “لماذا يكرهوننا؟”. وهي ممارسة يفسرها الطب النفسي وفق السيرورة التالية: “طالما انكم تكرهوني دون سبب فسأعطيكم الأسباب التي تبرر كرهكم لي”.
ولعل هذه السيرورة تفسر فنون التعذيب في السجون الاميركية العابرة للبلدان من غوانتانامو الى أبو غريب مروراً بسجن باغرام الافغاني. ونكتفي هنا بتقارير التحقيقات الاميركية التي بينت ان طائفة من كبار الاطباء النفسيين الاميركيين هم الذين وضعوا برامج تعذيب المعتقلين. ونذكر بالمناسبة ان عضوية الاتحاد السوفياتي في الجمعية العالمية للطب النفسي قد علقت لعشر سنوات (من 1979 الى 1989) لاستخادم الاختصاص في التحقيق مع المعتقلين السياسيين المحليين. فهل تستحق الولايات المتحدة تعليق عضويتها في الجمعية لفترة مماثلة بعد كل هذه الممارسات؟ ومن يطالب بذلك.

وبالعودة الى التحقيقات الاميركية حول الممارسات اللاانسانية ضد المسلمين تقول الصحف الاميركية ان مستشاري الرئيس أوباما الاستخباريين قد نصحوه بوقفها لانها ستضع القيم الاميركية موضع اتهام وتشكيك. كما انها سوف تستبع محاكمة الرئيس بوش ونوابه وقادته العسكريين بما يشكل كارثة على جهاز القيم الاميركي. كما على المصداقية الاميركية ونماذج الديمقراطية الاميركية المعدة للتصدير. وبالفعل اوقفت هذه التحقيقات.
وبما اننا نتحدث عن الفوبيا والهلع فهل يمكن قياس مستوى الخوف الفعلي والرعب الواقعي الذي خلفته حروب بوش على الشعوب المحتلة؟. وبالمقارنة مستوى رعب الشعوب المسلمة التي هددت على مدى سنوات بالتعرض لعدوان مماثل؟.

لقد ولدت الحروب الغربية على المسلمين آثاراً متطابقة مع شعارها “الصدمة والترويع” وهو ترويع حقيقي ومعيش وليس خوفاً هيستيرياً متخيلاً كما في حالة الاسلاموفوبيا.
وبالعودة للطب النفسي فان أكثر الضحايا المسلمين تضرراً يتوزعون على فئتين. الأولى توحدت بالمعتدي الغربي فوضعت نفسها في خدمته إتقاءً لعدوانه ورغبة في إقلاب تهديداته وأذيته الى فوائد. وهذه الفئة ستتعرض لصدمات نفسية عنيفة بعد نهاية تهديد العدوان لانها ستعيش حالة فقدان الهوية وأزمة وجودية قد تؤدي الى الانتحار بعد محاولات التبرير واظهار التوبة وغيرها من الدفاعات. أما الفئة الثانية فهي فئة المتعرضين للكارثة المعنوية. حيث خوفهم وحزنهم ومعاناتهم يتخطى الفردية الى الجماعة. اذ يشعر الفرد ان التهديد لا يطال شخصه وانما يهدد مثالياته (دينه وقيمه ووطنه وعائلته واستمرارية نوعه… الخ). وهي معاناة متضخمة لات نتهي بإنتهاء التهديد. بل لعلها تنطلق بعده.
ووفق المعطيات العلمية النفسية فان حروب بوش قد خلفت عشرات الملايين من المسلمين المصابين بالصدمات النفسية. وهؤلاء يمكن تبرير افعالهم العدوانية ان ارتكبوها.
في المقابل فان انتقاء مصطلح الاسلاموفوبيا بديلاً من مصطلح “العداء للإسلام والمسلمين” يهدف لتبرير هذا العداء بمرض نفسي هو الفوبيا. وهو تبرير لممارس عداوة الاسلام كما لمن ينتقد هذه الممارسة.

لكن الفوبيا ليست بالمرض الذي يرفع المسؤولية عن المصاب به وبالتالي قهي لا تعفي ممارسيه من مسؤولية اعمالهم وممارساتهم.
في المقابل فان التحليل النفسي يعتبر الفوبيا احد اشكال الهيستيريا وبالتالي فهي قابلة للانتقال بالعدوى. كما انها قابلة للتحول الى جماعية لتعم شعوب باكملها. وهذا تحديداً ما فعلته المخابرات وتتابعه عبر حملات التخويف الاعلامية العارمة للجمهور الغربي قبل حدوث اي فعل يمكن تصنيفه على انه ارهاب اسلامي.
وبالانتقال الى ما بعد حوادث 11 سبتمبر يكفي ان نتابع أثر عرض صورة الطائرتين وهما تخترقان برج التجارة العالمي كي ندرك سهولة تحريك الهيستيريا الجماعية لدى الجمهور الاميركي والغربي عامة.

و بالمتابعة الصحفية يتبين لنا ان ادارة بوش اتخذت من اثارة الهيستيريا عن طريق التخويف سياسة معتمدة. اذ كلما ارادت هذه الادارة الضغط على الكونغرس وعلى الجمهور كانت تلجأ لبث شائعة تخويفية عن توقع عمل ارهابي قادم. وعندها يستسلم الكونغرس والجمهور معاً. ومع غياب اللوبي الاسلامي او العربي في الولايات المتحدة بات مصطلح الاسلاموفوبيا يحل مكانه دون ان يوظف لغاسة الآن لمصلحة الآسلام. لكن تاجر التخويف كان عليه ان يدرك ان الانفعالات التي يسببها هذا التخويف يمكنها ان تستخدم ضد المصالح الاميركية والغربية.
ختاماً فان الاسلاموفوبيا هي اضطراب نفسي قابل للكمون كما هو قابل للإثارة وهو يحول المعانين منه الى فئران تجارب ليس فقط لبوش وادارته ومحافظيه الجدد بل ايضاً لكل من يريد إثارة هذه الهيستيريا. وتكفي شائعة غاطسة مسوقة عبر الانترنت لذلك.
وهكذا فانننا لا نرى في الاسلاموفوبيا ظاهرة ،كما تفترض غالبية الدراسات السابقة، بل نرى فيها اضطراباً هيستيرياً جماعياً يستوجب العلاج. دون ان يعني ذلك مسامحة الممارسات الهيستيرية كون الهيستيريا لا تلغي المسؤولية. وأيضاً دون ان يعني ذلك التوقف عن ملاحقة المتلاعبين بعقول الملايين من البشر بجرم معاداة الانسانية. وعند هذا المحور يجب التوقف لقبول او رفض اية دعوة قادمة لحقوق الانسان.

عـلاج الإسلاموفوبيـا
يقسم علاج الاسلاموفوبيا الى شقين بحسب الجمهور المستهدف. فهنالك علاج الجمهور الغربي المصاب بهيستيريا الخوف من الاسلام وهو علاج يقع على عاتق الغرب الذي يملك امكانياته. كما انه معني مباشرة بمساعدة مرضاه وتأمين سعادة جمهوره. عداك عن حاجته لحماية مجتمعه من احتمالات سوء توجيه اسلاموفوبيا لتتحول ضد مجتمعاته. وللأميركيين مثلاً ان يتخيلوا الضرر الذي قد يلحق بهم نتيجة مجرد انذار ارهابي كاذب. فالاسلاموفوبيا يمكنها ان تتحول من هيستيريا جماعية الى جنون جماعي كما حدث ايام بوش. من هنا فاننا نعطي الاولوية للعلاج الوقائي للمجتمعات والجماعات المسلمة المتعرضة للممارسات الهيستيرية لهؤلاء المرضى الغربيين.

العـلاج الوقائي للإسلاموفوبيا
يتوجه هذا العلاج لوقاية الافراد والجماعات والمجتمعات المستهدفة بالممارسات الهيستيرية للمرضى المصابين بالاسلاموفوبيا. وهي ممارسات تؤثر على المستقبل العربي والاسلامي وتهديد مصير الجاليات العربية والاسلامية في الغرب من ناحية، وتغذية صناعة العدوان الغربي على العالمين العربي والاسلامي.
حيث يؤكد استاذ العلوم السياسية الاميركي د.وليام بيكر ،مؤسس منظمة التآخي الاسلامي ـ المسيحي في أميركا، ان الاسلاموفوبيا هي جزء من سياسات تصنيع الخوف التي برع فيها تاريخيا المجمع العسكري الصناعي السياسي في الولايات المتحدة الاميركية بهدف تبرير سياسات الانفاق الهائلة على كل جديد في عالم السلاح والتدمير والقتل. وهو ما يدرج علاج “الاسلاموفوبيا” في إطار حماية الأمن القومي العربي والاسلامي بمنع تجار وصناع الحروب من آلية تصنيع الذرائع للعدوان على العرب والمسلمين.
ويتضمن هذا العلاج الوقائي الخطوات التالية:

تظهير وعرض المذابح المرتكبة بحق المسلمين
مع إعتقادنا بان الحـوار المباشر يقدم فرصة علاج دينامي هامة فاننا نستبعده بسبب النظر غير المتساوي. فالمحاور الغربي يرفض أن يرى الامور من غير زاويته لاعتقاده الراسخ بتفوق ثقافته المنتجة لرؤيته. بما ينطوي على إحتقار لرؤية محاوره المسلم. وهو ما يعطل اسلوب العلاج عن طريق الحوار. ونحن لا نتخلى عن هذا العلاج بصورة عشوائية بل استناداً للتجارب الحوارية السابقة التي لم تخرج بالنتائج المتوخاة.
من هنا إقتراحنا مخاطبة مشاعر التعاطف الانسانية لدى الإنسان الغربي عن طريق عرض الافلام والصور والاشخاص لضحايا المذابح المرتكبة بحق الشعوب العربية والمسلمة. حيث لا يفرق معظم جكهور الغرب بين العربي والمسلم. وتأتي هذه العروض بهدف إستثارة مشاعر الذنب لدى مرضى الاسلاموفوبيا كون مشاعر الذنب علاجاً ناجعاً لهذا المرض.

إطلاق هيئة دولية للدفاع عن الجاليات المسلمة في الخارج
تتصاعد الإساءات للإسلام والمسلمين مع كل موجة هيستيريا خوافية من الاسلام. ولقد ارتفع منسوبها عموماً بعد حوادث سبتمبر. مع الاشارة لتعرض المهاجرن المسلمين لإشتقاق جديد للإسلاموفوبيا يروج له العنصريون الغربيون. وتتعلق المخاوف الجديدة بزيادة النسبة المئوية للمسلمين في بلدان الهجرة.
هنا لا بد من الاعتراف بان الأزمات السياسية والاقتصادية والتقنية للحكومات الاسلامية والعربية تضيق هامش مناورتها السياسية لحماية جالياتها المهاجرة. لذلك شهدت السنوات الاخيرة موجات هجرة معاكسة. إذ لم يتمكن بعض المهاجرين تحمل هذا الكم من الإساءات لأشخاصهم ولقيمهم ولديانتهم.
من هنا نجد ان إطلاق هيئة دولية للدفاع عن حقوق الجاليات المسلمة في الخارج هي الخطوة العملية للتحرك. على ان تقوم الحكومات بتقديم ما يمكنها من دعم سياسي ومادي لهذه الهيئة. على ان تؤسس لها فروع في مختلف بلدان المهجر.

تعـزيز التواصل مع المفكرين الغربيين المتنورين
في المقدمة نذكر بجهود واعمال الفيلسوف الفرنسي الكبير جاك بيرك الذي تعمق في دراسة الثقافة الاسلامية، وقام بترجمة معاني القرآن الكريم: “انه من الضروري مكاملة الاسلام في النسق الفكري الغربي، مؤكدا ان الفكر الغربي سوف يغنم الكثير بانفتاحه الايجابي على هذا الدين العظيم وهذه الحضارة الاسلامية الرائعة بدلا من الاحكام المسبقة الموروثة حولها”. وهذه المكاملة هي بد ذاتها مشروع فكري متكامل يتطلب مؤسسة فكرية لانتاجه. بما يستتبع الدعوة لعدم الاستمرار في اهمال انشاء هذا النوع من المؤسسات العلمية والفكرية. كما نذكر في المجال الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي وغيره من المتنورين ممن يجب التواصل وإقامة الروابط والصلات معهم.

تـرجمة التراث الإسـلامي
رصدت الإحصائيات الغربية ،الأميركية خصوصاً، تنامي حشرية الجمهور للإطلاع على الدين الاسلامي وإقباله على الكتب المعنية به والمساعدة على فهم الإسلام. وإذا كان مشروع تصحيح صورة الاسلام في العقل الغربي متعثراً في اجواء العداء الحالية فلنا ان نكتفي بطرح مشروع ترجمة التراث الاسلامي بدءاً من الكتب التي تبسط فهم الاسلام ولغاية امهات الكتب التراثية. وهو مشروع قابل للتنفيذ تدريجياً وفق الامكانيات المتوافرة. على ان يقترن المشروع بفهرسة الترجمات المتوافرة وتسهيل الحصول عليها عن طريق الانترنت. وكذلك توفير سبل مواجهة الإساءات للإسلام عبرالتجارب المتوافرة وأهمها بحسب علمنا تجربة مركز الدراسات والابحاث لتصحيح صورة الاسلام بمدينة فاس المغربية الذي تم بدعم واسناد من جامعة القرويين العريقة بفاس، حيث تأسس هذا المركز في عام 2007 ويهتم برصد الحملات المعادية للاسلام والمضامين التي تنشرها وسائل الاعلام الغربية لتشويه صورة المسلمين ويعمل على الرد عليها في مخاطبات مباشرة لتلك الصحف والوسائل الاعلامية أو عبر اصدار منشورات ومطبوعات خاصة ترد على تلك المزاعم.

تفعيل الأدوار السياسية والاجتماعبة للجاليات المسلمة
بات الإسـلام حاضراً في المجتمعات الاميركية والاوروبية حتى أصبح عدد المسلمين في دول الاتحاد الاوروبي يقدر بالملايين. ويجب إستغلال إنفتاح المجتمع الاوروبي المستند الى قيم الاحترام والتسامح وحرية التعبير والتفكير ويقوم على أساس المواطنة، وبالتالي فإن تقليص الحريات او الحقوق بالنسبة لأي جماعة سوف يضر بمبدأ الانتماء. وتايلاً بالانسجام داخل المجتمع الاوروبي المعني. وبهذا يمكن تشجيع المسلمين على التكامل في مجتمعات هجرتهم والمشاركة الفاعلة في نشاطاتها المجتمعية وحياتها السياسية. مع إبعاد أي توظيف سياسي لهذه المشاركة لتجنيب المهاجرين الشكوك التي توقظ الاسلاموفوبيا في وجههم.

رصد المسلمين كارهي أنفسهم
تتجاوز إساءات بعض المسلمين للإسلام ولجالياتهم الإساءات الصادرة عن غير المسلمين. وهؤلاء قد يحاولون التوحد بالعنصريين لتجنب أذيتهم. ثم يقعون في تقليدهم وبنافسونهم في تطبيق العداء لجالياتهم او حتى لأبناء بلدهم الأم. وهؤلاء يتخذون لجماعاتهم تسميات مختلفة مثل الليبيراليين والمسلمين البروتستانت والمتأمركين العرب وغيرها. وهم یعقدون مؤتمراً سنوياً تحت شعار تحديث الاسلام وعصرنته. لكن الاطلاع على الاوراق المقدمة في هذا المؤتمر تبين ان المسألة تتعلق بإلغاء الاسلام لا تعديله. مما يجعل من الضروري رصد هذه الحالات إحتياطاً لإساءاتهم. 

د. محمد احمد النابلسي

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button