سقوط ورقة التوت وتجار الحروب في عصر العولمة

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3
أعلن الرئيس الأمريكي أمس الإستراتيجية الجديدة القائمة على كسب نصر واضح في أفغانستان، وبالموازاة مع ذلك أعلن أن أمريكا غير معنية ببناء الديمقراطيات في الخارج، وإنما هي معنية بالحرب على الإرهاب، المحافظة على مصالحها وأمن حلفائها؛ وهذا يعني العودة من جديد إلى مبدأ جورج بوش الابن “نقل الحرب إلى حقل الآخرين”، والدفع بأعداد القوات المسلحة من المشاة والمدرعات والمدفعية إلى مسرح العمليات القتالية في بؤر التوتر سواء في الشرق الأوسط أو جنوب أسيا أو شرق أسيا.
المفارقة الإستراتيجية المثيرة للاهتمام أن القوات الأمريكية قاتلت في أفغانستان منذ نهاية 2001 والعراق (2003-2011) تحت شعار نشر الديمقراطية والدفاع عن العالم الغربي الديمقراطي المتحضر، وكانت النتيجة مأساوية عام 2008 بظهور أزمة مالية حادة بدأت بأزمة العقار في أمريكا ثم ضربت الاقتصاد العالمي. أما استراتيجية ترامب فهي من اجل الانتصار في حرب لاتماثلية مع جماعات تمرد صغيرة ومبعثرة. تقضي أطروحة كلاوزفيتز أن الإستراتيجية هي تحقيق أهداف السياسة بواسطة الأدوات العسكرية، المشكلة في إستراتيجية ترامب افتقارها لهدف سياسي يستحق سفك دماء الأمريكيين من أجله عند تجريدها من هدف نشر الديمقراطية، كشعار جذاب للرأي العام الأمريكي والعالم الغربي بشكل عام؛ حتى ولو كان مزيفا من الناحية الواقعية.
يقضي تجريد إستراتيجية القتال الترامبية من نشر الديمقراطية الاستنتاج بأن هذه الإستراتيجية منسجمة إلى حد بعيد مع اعتقادات ترامب الأساسية الشخصية حول تفوق الجنس الأبيض على غيره من الأجناس الأخرى، لذلك هذه الأخيرة غير مؤهلة ولا تستحق الديمقراطية؛ لأن الديمقراطية هي من إنتاج الجنس الأبيض ولا تليق إلا به، ويجب أن تبقى حبيسة عليه فقط كأسلوب حياة. وهذا يعني بطريقة أخرى لا تستحق إلا نيران البنادق عندما تعارض إرادة الجنس الأبيض أو تعكّر صفو مصالحه. من منظور التاريخ الإستراتيجي، تحاكي إستراتيجية ترامب الجديدة في بعض جوانبها، إستراتيجية أدولف هتلر القائمة على هرمية الأجناس يتقدمها الجنس الآري، الذي يجب أن يسحق الآخرين لكي يخضعوا لإرادته؛ وكانت النتيجة أن لقي حتفه على بوابات ستالين غراد وفي رمال شمال إفريقيا.
الشيء المميز في إستراتيجية ترامب أنها تعطي الأولوية للقوة العسكرية في التعامل مع حركات التمرد والجماعات الإرهابية، والاعتماد الكلي على القادة العسكريين في إدارة الحروب غير النظامية، من خلال تفويض صلاحيات كبيرة للقادة الميدانيين في تحديد الخيارات وطرق القتال والمبادرات القتالية وفق ظروف حقل المعركة؛ وهذا يعني من الناحية التطبيقية، أنه إذا اقتضت ظروف القتال إبادة مدينة أو قرية كاملة يتحصن داخلها المتمردون، فإن القادة الميدانيون مفوضون للقيام بذلك.
إحدى النتائج الأولية المحتملة بشكل عالي لإستراتيجية ترامب هي توسيع دائرة الحروب غير النظامية لتشمل مناطق عديدة، توفر فرصا كثير لتجريب طرق القتال اللاتماثلي الجديدة المستخلصة من حرب العراق وسوريا. بالطبع مثل هذه الحرب سوف تتطلب استخدام كل مكونات ونظم القتال لثورة المعلومات في الشؤون العسكرية، التي عادة تتميز بأنها ذات كلفة عالية. ليس هذا فحسب، وإنما إجبار الكونغرس على زيادة النفقات العسكرية لتغطية تكاليف معدات هذه الحرب خاصة الذخائر الذكية، طائرات بدون طيار، والعربات المدرعة السريعة المجهزة بنظم الحاسوب الدقيقة. سوف تزداد هذه النفقات بشكل متسارع كنتيجة لتوسيع دائرة الحرب غير النظامية بانضمام أجيال جديدة من الشباب للقتال، لمنع سيطرة الجنس الأبيض الترامبي على بلاد المسلمين من منظور قادة التجنيد في جماعات التمرد والإرهاب.
سوف تعود المخرجة النهائية لهذه الحروب إلى الحسابات البنكية الخاصة بشركات ترامب ومن معه في الولايات المتحدة، وتوفير مزيد من مصادر التمويل للصناعات العسكرية الأمريكية من أجل إدارة المنافسة الإستراتيجية مع اللاعبين الرئيسيين في النظام الدولي (الصين وروسيا). من المنظور الإستراتيجي الترامبي، تستحق الشعوب الأخرى الموت والسحق بواسطة القذائف الذكية للطائرات بدون طيار والقاصفات الإستراتيجية ونيران الجنود الأمريكيين، طالما أن ذلك سوف يبقي التفوق الإستراتيجي للجنس البيض الذي يعتلي الدبابة.
من منظور البعد الثقافي في التحليل الإستراتيجي، سوف تتزود هذه الحروب بواسطة مصادر متدفقة من الوقود للاشتعال عبر إقليمي بواسطة إدراك الطرف الآخر أن إستراتيجية ترامب هي حرب صليبية جديدة من أجل الجنس الأبيض؛ خاصة وأن الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتذكر فلتة اللسان لجورج بوش الابن عام 2001 عندما أطلق وصف “الحرب الصليبية” على إستراتيجيته العالمية للحرب على الإرهاب؛ وهي الفلتة التي أشعلت بؤرا جديدة للنزاعات الدامية وأنتجت مزيدا من الجماعات الإرهابية بدلا من تحقيق الأمن.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button