سوريا وحماس – وليد عبد الحي

بعيدا عن التشنج السياسي والذيول النفسية المستعصية التي ترسبت من موقف حركة حماس خلال الأزمة السورية والذي ارى أنه موقف ” موهوم” وكان أقرب ” لاندفاع طفولي” ومفاجئ اذهل صانع القرار السوري الذي سمع في مراحل سابقة المديح المفرط من قيادات حماس سرا وجهرا..ومن يعود لما كتبته في الفترة من 2011 الى 2014 في مواقع الكترونية وفي دراسات علمية منشورة يجد انني نبهت قيادة حماس انها ستصل الى ما نحن عليه الآن تماما .

وبعد التغير الذي أصاب قيادة حماس في الفترة الاخيرة، وتمسك حماس بثوابت استراتيجية في الكفاح الفلسطيني، وبعد أن اصبحت سوريا في وضع يمكنها من استئناف الحياة الطبيعية رغم تعقيدات ذلك وبعيدا عن اية مواقف مع النظام السياسي السوري او ضده ، اصبحت قاعدة ” الضرورات تبيح المحظورات” واجبة التطبيق :

أولا: يجب ان تعيد القيادة السورية النظر في موقفها من حركة حماس ، وهو أمر تبرره معطيات عديدة:

أ‌- لقد فر جنود وضباط من الجيش السوري والتحقوا بتنظيمات المعارضة ومارسوا الفعل العسكري ضد الجيش السوري، لكن الحكومة السورية اصدرت بيانات وعدت فيها بالعفو عنهم إذا عادوا الى مواقعهم السابقة، كما شكلت لجان مصالحة في سوريا ، فمن الطبيعي والحالة هذه ان يتم النظر لمواقف قيادة حماس –بخاصة قيادة حماس الجديدة ذات التوجه الأكثر وضوحا- من نفس المنطلق، ومن الأرجح ان التغير في قيادة حماس هو تعبير ضمني عن محاولة لتمهيد الطريق امام العودة لما كان عليه الوضع في العلاقة مع سوريا قبل الازمة. 

ب‌- هل يمكن للعراق مثلا ان يبقى اسير الموقف السوري عندما ذهب الجيش السوري لمقاتلة العراق ابان أزمة الكويت، من الضروري تغليب المتغير الاستراتيجي على المتغير التكتيكي، والتركيز على الاتجاه العام لا على الحدث العابر رغم قسوته، وها هو الجيش العراقي والجيش السوري يقفان جنبا الى جنب في مواجهة داعش، حيث ساد التفكير العقلاني وتغليب الاستراتيجي على التكتيكي.

ت‌- إن قادة قطر – مثلا – الذين انفقوا مائة وسبعة وثلاثين مليار دولار في الحرب على سوريا، واتهموا ايران لتدخلها في سوريا واتهموا حزب الله ، واصطفوا الى جانب حماس خلال الحرب السورية، هم انفسهم الذين يقولون الآن ان إيران ليست عدوا لهم بعد ان حاصرهم الاخوة في مجلس التعاون العربي، ويقولون بأن ايران هي الرئة التي تتنفس منها تلك الدولة، ومن الواضح ان ايران تريد سحب هذه الدولة من معسكر خصومها، وهو ما يستوجب على القيادة السورية ان تفكر من نفس المنطلق لسحب حماس من معسكر خصوم سوريا ، لاسيما بعد ان وصفت دول الخليج حركة حماس بأنها ضمن قائمة التنظيمات الارهابية.

ث‌- ان كان هناك ما يفرق سوريا عن حماس، فان ما يجمعهما أكبر وأكثر اهمية، ان الصراع مع الكيان الصهيوني والدعم الامريكي الاهوج له يستوجب ” وحدة المقاومة ” لمواجهة هذا الاعصار القادم مع صفقة القرن التي بدأت بضم القدس وتبعها ضم الجولان، أي أن الخصوم لا يفرقون في عدوانهم بين سوريا وفلسطين، وهو ما يستدعي التنبه له.

ج‌- الدرس التاريخي: تذكرنا صفحات التاريخ بأن “الراسمالية” و ” الشيوعية ” هما الاكثر خصومة لبعضهما ، لكنهما وقفا كتفا الى كتف ضد النازية والفاشية، كما اسقط الاتراك طائرة حربية روسية لكنهما تجاوزا هذه العقدة من خلال منظور براغماتي ايجابي بينهما، وكما قال الرئيس الامريكي ابراهام لنكولن ان افضل طريقة لتدمير خصومك هي تحويلهم الى ” أصدقاء”، فمن باب أولى العودة لصداقة استراتيجية سابقة.

ح‌- ان الواقع الشرق أوسطي يخلق ملابسات يحتار حتى الكومبيوتر في استيعاب تداخلاتها وتسارعها وتغير خريطة التحالفات، فالعداء مثلا بين البعث السوري والبعث العراقي كان اقسى من الصراع بين البعث والاخوان المسلمين، وهو ما يفسر العجز في الفكر السياسي العربي عن التمييز بين الاستراتيجي والتكتيكي، ومن الضروري ان تدرك سوريا ان “المتاهة” التي تورطت فيها حماس هي متاهة ناتجة عن سوء تقدير ومتسرع دون تدبر .

ثانيا: رغم ما نُقل مؤخرا عن مصادر رسمية سورية عن عدم وجود أي تواصل بين حماس وسوريا، فالواقع الاقليمي يشي بأن ايران وحزب الله والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية وقوى سياسية أخرى لن تتوقف عن جهود ترميم الجسور بين حماس وسوريا، لان أي بناء لحلف مقاوم مع وجود هذا الشق في جدار هذا التحالف بكل اشكالياته وهمومه يشكل ” ديفرسوار” استراتيجي سيعود بالنفع على العدو .

ثالثا: ان ” وحدة القرار” بين حماس والجهاد الاسلامي اصبح أكثر من ضرورة استراتيجية لكي لا يتكرر نموذج الصراع بين البعث السوري والبعث العراقي أو نموذج الصراع الحالي بين فتح وحماس ، ومن المؤكد ان جهات دولية وعربية واسرائيلية تعمل على تكرار النموذج الصراعي في العلاقة بين الجهاد وحماس ، ولعل انشاء مثل هذه القيادة الموحدة بين حماس والجهاد ما يزيد من فرص طمأنة الجانب السوري من ناحية ويعزز الجبهة الداخلية الفلسطينية، وكل مماطلة في هذا الاتجاه ستنتهي بخسارة لكليهما وحينها لا ينفع الندم…..وفي تقديري أن:

1- البراغماتية السورية .

2- التغير في قيادة حماس ومحاولة التنصل الهادئ من موقف القيادة السابقة 

3- قسوة التوجهات الأمريكية الاسرائيلية القادمة في المنطقة 

4- تعكر صفو العلاقة بين الاخوان المسلمين والسند الخليجي

5- حرص ايران وحزب الله بشكل خاص على ترميم العلاقة بين سوريا وحماس

كلها عوامل تعزز احتمالات فك العقدة السورية الحمساوية شريطة التخلص من ثقافة ” القبلية السياسية” …ربما..وان غدا لناظره قريب.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button