تحليل السياسة الخارجيةدراسات شرق أوسطيةنظرية العلاقات الدولية

سياسة ايران الخارجية حيال منطقة الخليج العربي خلال عقد التسعينات وافاقها المستقبلية

رسالة مقدمة الى مجلس معهد القائد المؤسس للدراسات القومية والاشتراكية العليا، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير من قسم الدراسات الدولية.

من  اعداد الطالب رائد صالح علي بأشراف الدكتور حبيب عبد القادر الشاوي

المقدمة

احتلت منطقة الخليج العربي الاولوية في سلم اهتمامات السياسة الخارجية الايرانية، على نحو جعلها ترنو دوماً ببصرها نحو هذه المنطقة لاكتساب واحتلال المكانة المتميزة والمشاركة بفاعلية في خضم مايجري في هذا الاقليم من تفاعلات، بحكم الارتباط المكاني وبالتالي الامني، ولاسباب ذات صلة وثيقة بالنزعة القومية الايرانية الرامية لتحويل الخليج العربي الى (بحيرة فارسية)، بعدما نجحت في توظيف مابحوزتها من عناصر وامكانات لصالح حركتها السياسية، وهي الاهداف التي برزت بشكل خاص في عهد الاسرة البهلوية منذ عشرينات القرن المنصرم حيث افلحت ايران ومنذ عام 1979 في توظيف العامل الديني كعنصر مضاف في خدمة استراتيجيتها التي لم تختلف في جوهرها على مدى العهود المتعاقبة على الحكم في ايران، وهو ماطبع السياسة الخارجية الايرانية في الخليج العربي بطابع التطرف والتشدد طوال العقد الاول من عمر ثورتها في ظل الحماس الايدلوجي الذي سيطر على ادراك صناع السياسة الايرانية، بشكل افضى الى القطيعة والفتور في العلاقات الايرانية- الخليجية، ازدادت بفعل الحرب العراقية- الايرانية، التي مثلت دليلاً بارزاً على النمط المتطرف الذي اتخذه مسار السياسة الخارجية الايرانية، على نحو حمل ايران اكلافٍ باهضة من وراء هذه السياسة.

ومنذ مطلع التسعينات من القرن العشرين شهد النظام الدولي تحولاً جوهرياً بفعل أفول نجم القطبية الثنائية، وغياب القوة الدولية الموازنة للولايات المتحدة التي غدت المهيمنة على النظام السياسي العالمي وتفاعلاته بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو ما انعكس على اقليم الخليج العربي الذي بات رازحاً تحت الهيمنة الامريكية سياسياً وامنياً، حيث غدت الولايات المتحدة الموجه الرئيس لتفاعلات المنطقة، ومما حتم على ايران اعادة ترتيب اوراقها في ظل عجزها عن تحقيق مشروعها الذي بشرت به، بالبحث عن وسائل جديدة لتحقق مقاصدها ازاء المنطقة في ظل القيود البيئية الجديدة، من خلال التحول الذي شهدته سياستها الخارجية التي اتخذت مسارات اكثر اعتدالاً واقل تطرفاً ميّزت سلوكها السياسي الخارجي خلال هذه الحقبة ضمن اطار سعيها للتكيف مع التحولات الدولية والاقليمية الجديدة بغية تحييد ضواغطها، خصوصاً وان هذه التحولات قد تزامنت مع ماشهدته ايران من تطورات على الصعيد الداخلي بعد وفاة الخميني.

من هنا يأتي اهتمام هذه الدراسة بالسياسة الخارجية الايرانية حيال منطقة الخليج العربي خلال عقد التسعينات من القرن العشرين حيث تمّ التركيز على سياسة ايران تجاه دول مجلس التعاون الخليجي دون العراق نظراً للظروف الاستثنائية التي ألمت به من جراء العدوان الثلاثيني الغاشم والحصار الجائر، مما كان له الدور في الحيلولة دون اداء العراق لدوره الاقليمي، من خلال تحجيم قدراته وتحييدها على النحو الذي منح ايران قوة مضافة ومجالاً واسعاً للتحرك.

فرضية الدراسة:

بناءاً على ذلك فان هذه الدراسة سوف تستند على فرضية مفادها ان السياسة الخارجية الايرانية خلال عقد التسعينات من القرن العشرين اخذت تنحو منحىً اعتدالياً- واقعياً تجاه المنطقة، كإنعكاس للمتغيرات الدولية والاقليمية والداخلية والتي كانت بمجملها عوامل ضاغطة دفعت ايران باتجاه التخفيف من حدة اندفاعها السابق، ضمن اطار بحثها عن هوية اقليمية جديدة مغايرة لما سبق، من اجل المضي في متابعة مقاصد سياستها الخارجية بأساليب جديدة بحيث تصب في النهاية في خدمة استراتيجيتها تجاه المنطقة، وبغية اثبات هذه الفرضية، فأن هذه الدراسة ستتوخى الاجابة عن التساؤلات الاتية: ماهي المتغيرات الخارجية والداخلية المؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية الايرانية حيال منطقة الخليج العربي خلال عقد التسعينات، وماهي اهداف تلك السياسة وادوات تنفيذها، والهياكل المساهمة في صنع هذه السياسة، ومن ثم ماهي محصلة السياسة الخارجية الايرانية تجاه المنطقة في ظل المعطيات التي افرزتها هذه الحقبة، واخيراً ماهي افاقها المستقبلية؟.

منهجية الدراسة:

استندت هذه الدراسة في معالجة موضوعها على المنهج الوصفي التاريخي الذي يقوم على وصف الوقائع والاحداث التاريخية التي لها صلة بموضوع الدراسة، وتفسيرها. وكذلك تمّ الاعتماد على منهج التحليل النظمي، الذي يستند في تحليله على مدى قدرة الدولة على الاستجابة للضغوط البيئية (الخارجية والداخلية) والتكيف معها من خلال السلوك السياسي الخارجي الذي تنتهجه هذه الدولة وفقاً لامكاناتها ومواردها([1]). وقد حاول الباحث خلق نوع من الترابط بين المنهجين على النحو الذي من شأنه ان يفضي الى تحقيق الاهداف المتوخاة من هذه الدراسة.

هيكلية الدراسة:

في ضوء التساؤلات التي طرحتها فرضية الدراسة، فقد تضمنت هذه الرسالة مقدمة ومدخل تمهيدي واربعة فصول وخاتمة، توزعت على النحو الاتي:

مدخل تمهيدي، تضمن التعرف على بداية الاهتمام الايراني وجذوره التاريخية بالخليج العربي في مرحلتين، الاولى: منذ عهد الاسرة البهلوية التي تسلمت السلطة في عشرينات القرن العشرين بعد سقوط حكم الاسرة القاجارية عام 1921 وحتى عام 1979 وهو العام الذي اطيح فيه بالنظام الملكي، واما المرحلة الثانية من عام 1979 وحتى نهاية عام 1989.

الفصل الاول: وبعنوان “المتغيرات الخارجية المؤثرة في صنع السياسة الخارجية الايرانية حيال الخليج العربي”، حيث تمّ فيه الاحاطة بالمتغيرات الخارجية التي تركت تأثيراً مهماً على صانع القرار السياسي الخارجي الايراني، فقد تمّ التركيز على دراسة الدول عوضاً عن الاحداث، لذلك توزع الاهتمام بدراسة هذه المتغيرات في مبحثين: الاول: تمّ فيه تناول المتغيرات الدولية وشملت الاتحاد السوفيتي (سابقاً)- روسيا الاتحادية (حالياً)، وكذلك الولايات المتحدة، في حين انصرف المبحث الثاني لدراسة المتغيرات الاقليمية، حيث شملت ابرز اللاعبين الاقليميين في المنطقة ضمن المحيط الاقليمي لايران وهم: تركيا، (اسرائيل)، الباكستان، جمهوريات اسيا الوسطى والقوقاز والعراق.

والفصل الثاني: وعنوانه “المتغيرات الداخلية المؤثرة في صنع السياسة الخارجية الايرانية حيال الخليج العربي”، اشتمل هو الاخر على مبحثين اولهما: انصرف لدراسة المتغيرات المادية وهي: الموقع الجيو-سياسي، والوضع الاقتصادي والامكانات والقدرات العسكرية، واما المبحث الثاني: فقد تناول المتغيرات المجتمعية وهي: الايدلوجية، المؤسسة العسكرية، التكوين الاثني، والتيارات السياسية.

واما الفصل الثالث: فهو بعنوان عملية صنع السياسة الخارجية الايراني، وتضمن مبحثين، الاول: تمّ فيه تناول اهداف السياسة الخارجية الايرانية والتي انقسمت بدروها الى ثلاث اهداف: امنية وسياسية واقتصادية، واما المبحث الثاني: فقد توخى دراسة هياكل صنع السياسة الخارجية الايرانية التي شملت: مؤسسة ولاية الفقيه، والسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمؤسسات الاخرى التي لها صلة بالسياسة الخارجية الايرانية وهي مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجلس الامن القومي.

واخيراً الفصل الرابع: بعنوان “محصلة السياسة الخارجية الايرانية تجاه الخليج العربي وآفاقها المستقبلية، حيث تمّ فيه تناول السلوك الايراني حيال القضايا المهمة في المنطقة ومستقبلها في ثلاثة مباحث. اهتم المبحث الاول بدراسة الموقف الايراني من احداث الخليج مابين 1990 و1991، في حين تناول المبحث الثاني الموقف الايراني من الترتيبات الامنية في المنطقة منذ عام 1991، واخيراً في المبحث الثالث تناولت الدراسة الافاق المستقبلية للسياسة الخارجية الايرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي من خلال ثلاث مشاهد مستقبلية وهي: مشهد الاستمرارية ومشهد التغيير ومشهد الاستمرارية والتغيير.

وتطرقت الخاتمة لتتناول اهم الامور التي تمّ بحثها في ثنايا هذه الرسالة والاستنتاجات الرئيسية التي توصلت اليها.

واخيراً ثمة صعوبات غير قليلة جابهت كتابة هذه الرسالة وفي مقدمتها ندرة المصادر الحديثة التي تخص القضايا الداخلية، وبصفة خاصة في ظل التحولات التي طرأت خلال مدة الدراسة، لكن الباحث وبجهد حثيث حاول تذليل تلك الصعوبات قدر المستطاع، واجراء الموازنة بين المصادر لاعتماد الارصن من بينها من اجل الخروج بهذا الجهد الاكاديمي المتواضع، الذي نتمنى ان يكون قد حقق ولو جزء يسير من الاهداف التي توخينا تحقيقها من هذه الدراسة فالكمال لله وحده، وتبقى الحكمة هي ضالة المؤمن بأخذها من أي وعاء خرجت، والله الموفق.

تحميل الدراسة

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى