منهجية التحليل السياسي

شرح الفروق بين المفهوم والمصطلح والتعريف

يعتقد الكثير من الباحثين أن “المفهوم” و”المصطلح” و”التعريف” مترادفات لفظية، والواقع أن كل واحد منها يختلف عن الآخر؛ حيث لكل دلالته وماهيته.

 

حدد الدكتور “وجيه المرسي أبو لبن” الفروق بين هذه الكلمات بطريقة جاذبة لافتة للنظر، وذلك على الوجه التالي:
1- المفهوم فكرة أو صورة عقلية تتكون من خلال الخبرات المتتابعة التي يمر بها الفرد؛ سواء كانت هذه الخبرات مباشرة، أم غير مباشرة، فعلى سبيل المثال:يتكون المفهوم الصحيح “للصلاة” من خلال خبرة المتعلم التي يكتسبها في المراحل التعليمية المختلفة، ومن خلال أدائه للصلاة على الوجه الصحيح، وكذلك يتكون مفهوم “الإنفاق في سبيل الله” لدى المتعلم من خلال المعرفة التي تقدم له في محتوى مناهج التربية الإسلامية، ومن خلال مواقف الحياة المختلفة، ويتسم كل مفهوم بمجموعة من الصفات والخصائص التي تميزه عن غيره، فمفهوم”الزكاة” يختلف مثلاً عن مفهوم “الحج”.

كما يشترك جميع أفراد المفهوم في الصفات والخصائص التي تميزه عن غيره من المفاهيم الأخرى، “فالركوع” مثلاً أحد أفراد مفهوم الصلاة يختلف عن أحد أفراد مفهوم الحج كالطواف مثلاً،وهكذا.

وتعتبر خاصيتا التجريد والتعميم من أهم خصائص المفهوم، فمفهوم “الإنفاق” مثلاً من المفاهيم غير المحسوسة، ويتجسد فيما يبذل من مال في سبيل الله، وهو في الوقت نفسه مفهوم عام يشمل: الإنفاق بالمال، أو الجهد، أو الوقت.

2- يختلف المفهوم عن المصطلح في أن المفهوم يركز على الصورة الذهنية، أما المصطلح فإنه يركز على الدلالة اللفظية للمفهوم، كما أن المفهوم أسبق من المصطلح، فكل مفهوم مصطلح، وليس العكس، وينبغي التأكيد على أن المفهوم ليس هو المصطلح، وإنما هو مضمون هذه الكلمة، ودلالة هذا المصطلح في ذهن المتعلم؛ ولهذا يعتبر التعريف بالكلمة أو المصطلح هو “الدلالة اللفظية للمفهوم”، وعلى ذلك يمكن القول بأن كلمة الصلاة مثلاً ما هي إلا مصطلح لمفهوم معين ينتج عن إدراك العناصر المشتركة بين الحقائق التي يوجد فيها التكبير وقراءة القرآن، والقيام والركوع والسجود، والتشهد والسلام، وكلمة “الحج “مصطلح لمفهوم معين ينتج عن إدراكنا للعناصر المشتركة بين المواقف؛كالإحرام، والطواف حول الكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمرة، والوقوف بعرفات، والنزول بالمزدلفة، والرجم، والحلق أو التقصير…، فالملاحظ مع كلمتي (الصلاة، والحج) أنه تم أولاً التعرف على أوجه الشبه والاختلاف في خصائص كل كلمة، ثم تحديد الخصائص أو العناصر المتشابهة، ووضعها في مجموعات أو فئات أُطلق عليها اسم المفهوم (الصلاة – الحج).

3- تترادف كلمة “مصطلح” و”اصطلاح” في اللغة العربيّة، وهما مشتقتان من “اصطلح” (وجذره صلح) بمعنى: “اتفق”؛ لأنّ المصطلح أو الاصطلاح يدلُّ على اتفاق أصحاب تخصص ما على استخدامه للتعبير عن مفهوم علميّ محدد، ومَن يدقق النظر في المؤلَّفات العربيّة التراثية، يجد أنها تشتمل على لفظَي: “مصطلح”، و”اصطلاح” بوصفهما مترادفين، و”الاصطلاح هو اتفاق القوم على وضع الشيء، وقيل: إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر لبيان المراد”. والمصطلحات هي مفاتيح العلوم على حد تعبير الخوارزمي، وقد قيل: إن فَهم المصطلحات نصف العِلم؛ لأن المصطلح هو لفظ يعبر عن مفهوم، والمعرفة مجموعة من المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في شكل منظومة، وقد ازدادت أهميّة المصطلح وتعاظَم دوره في المجتمع المعاصر الذي أصبح يوصف بأنه “مجتمع المعلومات”، أو “مجتمع المعرفة “، حتى إن الشبكة العالمية للمصطلحات في فيينا بالنمسا اتَّخذت شعار “لا معرفة بلا مصطلح”؛ (علي القاسمي).

4- التعريف في اللغة: من عرف الشيء؛ أي: علِمه، وعرَّف الأمر؛ أي: أعلَم به غيره، وعرف اللسان: ما يفهم من اللفظ بحسب وضعه اللغوي، وعرف الشارع: ما جعله علماء الشرع مبني الأحكام.

أما في الاصطلاح، فهو عبارة عن ذكر شيء تستلزم معرفته معرفة شيء آخر، وينقسم إلى تعريف حقيقي، ويقصد به أن يكون حقيقة ما وضع اللفظ بإزائه من حيث هي، فيعرف بغيرها، وتعريف لفظي، ويقصد به أن يكون اللفظ واضح الدلالة على معنى، فيفسر بلفظ أوضح دلالة على ذلك المعنى؛ كقولك:الغضنفر الأسد، وليس هذا تعريفًا حقيقيًّا يراد به إفادة تصور غير حاصل، إنما المراد تعيين ما وضع له لفظ الغضنفر من بين سائر المعاني”.

المصادر:
1- أبو لبن، وجيه المرسي؛ التربية الإسلامية وتنمية المفاهيم الدينية، الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبو لبن.

http://kenanaonline.com/users/wageehelmorssi/posts/268140

2- القاسمي، علي، لمصطلحية: علم المصطلح، وصناعة المصطلح، جمعية الترجمة العربية وحوار الثقافات.

www.atida.org/makal.php?id=188

*************

تحديد مصطلحات ومفاهيم وافتراضات ومحدِّدات البحث العلمي

يستخدم الباحثون مفاهيم ومصطلحات وافتراضات معيَّنة (غير الفرضيَّات) في أبحاثهم، كما تعاق أبحاثهم بمحدِّدات معيَّنة، وتلك ممَّا تلزم إشاراتُ الباحث إليها في إجراءات بحثه.

مصطلحات ومفاهيم البحث: لا بدَّ لأيِّ باحث من قيامه بتعريف المصطلحات التي سوف يستخدمها في بحثه حتَّى لا يساء فهمها أو تفهم بدلالاتٍ غير دلالاتها المقصودة فيها بالبحث، فكثيراً ما تتعدَّد المفاهيمُ والمعاني الخاصَّة ببعض المصطلحات المستخدمة في الأبحاث التربويَّة، لذلك لا بدَّ أن يحدِّد الباحث المعاني والمفاهيم التي تتناسب أو تتَّفق مع أهداف بحثه وإجراءاته، وتعريفُ المصطلحات يساعد الباحث في وضع إطارٍ مرجعيٍّ يستخدمه في التعامل مع مشكلة بحثه، وتنبغي منه الإشارةُ إلى مصادر تعريفات مصطلحات بحثه إذا استعارها من باحثين آخرين،أو أن يحدِّدَ تعريفاتٍ خاصَّة به، فمثلاً يتألَّف عنوان دراسة : تقويم وظيفة المدرسة الثانويَّة في بيئتها الخارجيَّة والمجتمع المحيط بها من خمسة مصطلحاتٍ علميَّة هي: تقويم، وظيفة، المدرسة، البيئة، المجتمع، وهي مصطلحاتٌ تستخدمها عدَّةُ تخصُّصات علميَّة؛ تختلف فيما بينها في مفاهيمها فتضيق وتتَّسع الإطاراتُ العلميَّة لتلك المصطلحات من تخصُّصٍ علميٍّ إلى آخر، بل تختلف داخل التخصُّص الواحد من فرع إلى آخر، وليمتدَّ هذا الاختلافُ من باحثٍ إلى آخر في الفرع الواحد؛ لذا لا بدَّ من تحديدها بإيضاح مفاهيمها التي سيستخدمها الباحث في هذا البحث لدفع احتمال لبس أو سوء فهم أو تفسير متباين لبعضها، هذا إضافة إلى ما سيستخدمه البحث من مصطلحات أخرى على الباحث أن يوضِّحَ مفهومه لها في المبحث النظريِّ من بحثـه، ويمكن أن تكونَ مؤقَّتاً في مواضع استخدامها لتساعده على تقدُّم بحثه لتنقل لاحقاً إلى مكانها الذي يعتاده الباحثون في صدر البحث.

يقول الفرَّا ( لعلَّ من الواجب على الباحث الالتزام به هو تحديدُ معنى كلِّ مفهومConcept يستخدمه في بحثه إلى جانب قيامه بتعريف المصطلحات العلميَّة Technical terms التي يستعين بها في تحليلاته، لأنَّ مثل هذا وذاك خدمة له ولقرَّائه، إذْ يتمكَّن بذلك من التعبير عمَّا يريد قوله بطريقة واضحة وسليمة بحيث لا ينشأ بعدها جدلٌ حول ما يعنيه بهذه المفاهيم أو يقصده من تلك المصطلحات الفنيَّة والعلميَّة، وكثيراً ما يكون أساس الجدل والاختلاف في الرأي نتيجة لعدم وضوح الباحث فيما يرمي إليه من مفاهيم وتعابير ممَّا قد يترتَّب عليه فهمٌ خاطئ لهذا الباحث، والمفهوم هو الوسيلة الرمزيَّة Simbolic التي يستعين بها الإنسان للتعبير عن الأفكار والمعاني المختلفة بغية توصيلها للناس، والمصطلحات هي أدوات تحصر المفاهيم وتقلِّصها وتحدِّدها.

افتراضات البحث: ويقصد بها تلك العبارات التي تمثِّل أفكاراً تعدُّ صحيحةً ويبني الباحثُ على أساسها التصميمَ الخاصَّ ببحثه، وتسمَّى أحياناً بالمسلَّمات وهي حقائق أساسيَّة يؤمن الباحثُ بصحَّتها وينطلق منها في إجراءات بحثه، فعلى الباحث أن يشيرَ إلى تلك الافتراضات التي يعدُّها صحيحةً وغير قابلة للتغيير، وعموماً لا تعدُّ الافتراضات مقبولةً إلاَّ إذا توافرت بياناتٌ موضوعيَّة خاصَّة تدعمها، وتوافرت معرفةٌ منطقيَّة أو تجريبيَّة أو مصادر موثوقة يمكن الاطمئنان إليها، ومثل تلك الافتراضات في موضوع الدراسـة في المثال السابق افتراض يقول: يمكن أن يكونَ لدى طلاَّب المدرسة ومعلِّميها وعياً بمشكلات مجتمعها المحيط بها أكبر من وعي غيرهم، وفي موضوع دراسةٍ لتقويم البرامج التدريبيَّة التي ينفِّذها المشرفون التربويُّون لمعلِّمين ، يمكن أن يكون من افتراضاتها: يستطيع المعلِّمون أن يشاركوا في تقويم برامج تدريبهم، ومن المؤكَّد أن قيمة أيِّ بحث سيكون عرضة للشكِّ إذا كانت افتراضاته الأساسيَّة موضع تساؤلات؛ ولذلك فإنَّ على الباحث أن يختار افتراضات بحثه بعناية، وأن يضمِّنَ جميع افتراضات بحثه مخطَّط بحثه، وأن يتذكَّر دائماً أنَّه من العبث أن يضمَّنَ مخطَّط بحثه افتراضات ليست ذات علاقةٍ مباشرة بموضوع بحثه.

محدِّدات البحث: كلُّ باحث لا بدَّ أن يتوقَّعَ وجود عوامل تعيق إمكانيَّة تعميم نتائج بحثه، تلك العوامل هي ما يسمِّيها الباحثون محدِّدات البحث، فلا يخلو أيُّ بحثٍ من مثل تلك المحدِّدات؛ لأنَّ البحث الذي تتمثَّل فيه خصائصُ الصدق والثبات بصورة كاملة لا يُتَوَقَّعُ أن يتحقَّقَ علميّاً، وتصنَّف محدِّداتُ البحث في فئتين، في فئة تتعلَّق بمفاهيم ومصطلحات البحث، فكثير من المفاهيم التربويَّة مثل التعلُّم، التحصيل، التشويق، الشخصيَّة، الذكاء هي مفاهيم عامَّة يمكن استخدامها بطرق مختلفة، وتعريفاتها المحدَّدة المستخدمة بالبحث تمثِّل تحديداً لنتائج البحث بحيث لا تصلح لتعميمها خارج حدود تلك التعريفات.

وفي فئة من المحدِّدات تتعلَّق بإجراءات البحث، فطريقة اختيار أفراد أو مفردات الدراسة وأدوات جمع بياناتها وأساليب تحليلها وإجراءات تطوير أدواتها وغيرها أمثلة على هذه الفئة من المحدَّدات، ولذلك حين يشعر الباحثُ أنَّ بعض إجراءات البحث غير ملائمة تماماً ولكنَّه لا يستطيع أن يجعلَها أكثر ملاءمةً فلا حرجَ عليه إذا ما أفصح عن ذلك وعدَّه أحد محدِّدات البحث التي استطاع أن يميِّزها.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى