دراسات شرق أوسطية

صفقة “ترامب” الكبرى!

بقلم: أحمد طه الغندور.

29/2/2020

        لا شك أن الناظر في سياسات “ترامب” الدولية قد يصاب بالدهشة للتضارب الظاهر فيما بينها، ولكن المتابع الحقيقي لهذه السياسات يدرك بأنها ليست عشوائية، وأنها تنبع عن استراتيجية معينة.

ولن نذهب بعيداً، إذا تحدثنا عما حدث اليوم في الدوحة من توقيع اتفاق بين “طالبان” والولايات المتحدة يقضي بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بالرغم من أن الولايات المتحدة تعتبر “طالبان”؛ “حركة إسلامية متطرفة”!

وقبل أيام قليلة تُعد على أصابع اليد الواحدة، يُصرح الرئيس الأمريكي أثناء زيارته للهند بأن “الولايات المتحدة والهند متحالفتان بقوة للدفاع عن مواطنينا ضد الإرهاب الإسلامي الراديكالي”، وبحسب مراقبين؛ فقد اعتبرها البعض تحريضاً مباشراً ضد مسلمي الهند، لاسيما أنه قد أعقبها أعمال عنف “طائفية” طالت مسلمي الهند ـ ولا تزال ـ ولم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ سنوات، والتي تحظى برعاية رئيس الوزراء الهندي “مودي”، الذي يعتبره “ترامب” بأنه هو “الزعيم الاستثنائي” و”القائد الناجح للغاية”!

وإذا أضفنا لذلك بأن “إدارة ترامب” لم تحفل بالجرائم اللاإنسانية التي لحقت بطائفة “الإيغور” المسلمة من قِبل السلطات الصينية طوال السنوات الماضية من حكم “ترامب”، والتي كان يجري وقتها مفاوضاته التجارية مع الصين، ليعلن “ترامب” فجأة قبل شهرين فقط عن عقوبات بحق أعضاء في الحكومة الصينية لمواجهة “الانتهاكات الجسيمة بحق الإيغور”!

ثم ماذا عن القرار “الخرافي” باعتبار ” القدس ” عاصمة أبدية للاحتلال؟!

هل النظر لهذه السياسات، يعطي الانطباع بأن “ترامب” وإدارته يميزان بين ” مسلم ” جيد وآخر سيئ وغير مقبول، أحدهما يستحق الحماية والعطف من السيد “ترامب”، والأخر لا يكن له الاحترام، بل قد يصدر “القرار” بأن يُحرمه من وطنه ليستبيحه أخرون!

بالتأكيد أن الخبير بالسياسة يدرك بأن هذا غير صحيح على الإطلاق، فالرئيس الأمريكي منذ البدايات الأولى لحملته الانتخابية للفوز بالرئاسة وهو يعلن بشكل صريح عن كراهيته للإسلام والمسلمين، وخطواته التمييزية ضد المسلمين والتي ابتدأت بسياسة منح تأشيرات الدخول للولايات المتحدة!

إذن ما هي المرتكزات التي ينطلق منها “ترامب” في سياساته الدولية؟

لا شك أن “ترامب” و “المحافظين الجدد” الذي ينتمي إليهم يستمدون فكرهم من إثنين من الكتاّب في الولايات المتحدة هما “صامويل هنتنجتون” وتلميذه “فرانسيس فوكوياما”، بالإضافة إلى تعاليم “الكنيسة الأنجليكانية”!

فقد قدم “هنتنجتون” نظريته “صراع الحضارات” في كتابه المعنون بـ “صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي”، والتي تقول: “بأن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة”.

وقد ركز “هنتنجتون” على الإسلام وقال بأن “حدوده دموية وكذا مناطقه الداخلية”، مشيراً لصراعات المسلمين مع الأديان الأخرى مثل الصراع في السودان وجنوبه، بين الهند وباكستان والصراعات داخل الهند نفسها بين المسلمين والهندوس، وتساءل “هنتنجتون” ما إذا كانت الهند ستبقى دولة ديمقراطية علمانية أو تتحول إلى دولة هندوسية على صعيد سياسي”، لذلك فالإسلام “هو العدو الأول لأمريكا والحضارة الغربية.

كما جادل “هنتنجتون” بأن العوامل الثقافية تساعد في بناء تكتلات اقتصادية متماسكة مثل حالة “النمور الآسيوية” وتقاربها مع “الصين”، وربما تنضم “اليابان” إليهم برغم انتمائها لحضارة مميزة بحد ذاتها، وهو ما سيؤدي لنمو الهويات الإثنية والثقافية للحضارات وتغلبها على الاختلافات الأيديولوجية، وبذلك تكون العدو الثاني لأمريكا والحضارة الغربية.

ثم يأتي التلميذ “فوكوياما” في كتابه “نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ليشرعن “جنون العظمة” الذي يرى في أبسط صوره ” أن أمريكا أولاً” ولا اعتبار للقانون الدولي، فيقول: “إن ادعاء الحق المطلق سلوك طغياني، ولكن هذا لا يعني أن جميع الأفكار والمعتقدات متساوية، وإن كانت كذلك، لن يكون هناك موقع أخلاقي أسمى يمكن من خلاله تقييم وإطلاق الأحكام على أكثر السلوكيات بغضاً وبشاعة، بغياب أساسي لمفهوم الحق”!

وكأن “فرعون” ينبعث من جديد؛ “ما أوريكم إلا ما أرى”.

نخلص من ذلك أن ما يُحرك “ترامب” في الشرق عامةَ، ما هي إلا دوافع استعمارية بشكلها “العقائدي” أو “حرب الموارد الطبيعية والاقتصادية”!

الرئيس الأمريكي لا يحفل بالهند ومصيرها في النزاع الداخلي، ولكن المهم له، ألا تنضم إلى “الصين” كما حدث مع “باكستان”، لا يحفل بـ “أفغانستان” لكنه يريد جنوده وميزانياتهم في مهام أخرى في الشرق الأوسط، هو لا يهتم بمصير “الإسرائيليين” إن لم يتحولوا إلى المسيحية مع وصول “المخلص”، فهم “أول وقود المحرقة”!

فهل بعد كل هذا يحفل بالزعامات العربية التي لم تحترم عقيدتها، وأوطانها؟!

إن “دونالد ترامب” يسعى إلى أن تمتد ولايته في الحكم سنوات طويلة، وقد عبر عن ذلك أمام مؤيديه في ولاية “كارولينا الجنوبية” مازحاً، “أنه سيترأس أمريكا لمدة 25 عاماً”!، وأضاف؛ “إن مجلس الشيوخ الذي يتحكم به الحزب الجمهوري سيضع التعديلات ضمن الدستور لتمديد مدة الرئاسة إلى 25 عاماً”!

ترى؛ هل ينجح “ترامب” في تمرير “صفقته الكبرى” مع الزمن ليشعل الحروب التي يريدها في السيطرة على العالم؟

وهل ازدياد كراهيته للإسلام والمسلمين سيمنحه مزيداً من الثقة بالنصر في معاركه القادمة؟!

وهل هذه الحروب ستضع أمريكا “أولاً”، أم هي بداية فقدان السيطرة؟!

الإجابة البسيطة على هذه التساؤلات الكبيرة تأتي من “الصين”، في حكمة “صن تزو” إعرف عدوك “، لأن “ترامب” قد أخطأ خطأً فادحاً في اعتبار الإسلام عدواً!

كما أننا لا نحتاج ربع قرن من الزمان على نهاية “حقبة ترامب وصفقته الكبرى”!

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى