صناعة مصادر التمزق المجتمعي والآثار الاستراتيجية

عامر مصباح
(جامعة الجزائر 3)
بدأت الأزمة الأمنية في منطقة الخليج تأخذ أبعادا خطيرة باتجاه مزيد من التعقيد وتعميق الخلاقات السياسية والأمنية، التي سوف تنعكس مباشرة على البنية المجتمعية للمنطقة التي هي أصلا قابلة للعطب الشديد وفي حالات أخرى عالية الهشاشة.
سوف تخلق الرزمة الأولى والثانية من العقوبات الاقتصادية والتجارية انطباعات خطيرة لدى الرأي العام الخليجي والعربي، تعمل على تعميق حالة اليأس والإحباط التي تترجم في بحث الكثير من الناس بشكل عشوائي عن انتماءات أخرى، أو بدائل أخرى لهذه الحكومات، ولا تجدها إلا في الجماعات الإرهابية وممارسة مزيد من العنف الوحشي والأعمي ضد الذات.
من ناحية المقارنة، نجد أن بعض الدول أو معظمها التي فرضت مقاطعة وعزلة على دولة قطر، وتقديمها للعالم ككبش فداء للسياسات الخاطئة التي مورست منذ عام 2011، تعقد علاقات تجارية وأمنية واقتصادية جيدة مع إسرائيل، وتتبادل معها الوفود سريا أو علنيا، وتنظر لها كحليف فعلي أو محتمل. ولا تبدي أي موقف تنديد أو شجب للأعمال الإسرائيلية في حصار قطاع غزة، توسيع الأنشطة الاستطانية، قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية.
في مقابل ذلك، تعمل تلك الدول بفعالية كبيرة في تنفيذ عقوبات تجارية واقتصادية وإعلامية وسياسية ضد دولة شريكة في النظام الإقليمي الفرعي، وشريكة للورطة الخليجية في أزمات سوريا واليمن؛ إنها تحاكي العقوبات الغربية ضد روسيا أو سوريا؛ كل ذلك سوف يخلق انطباعا إضافيا بعدم وظيفية السياسة العربية في مواجهة الأزمات الأمنية التي تعصف بالمنطقة، والتي أخذت تزحف من ركن إلى آخر، وإذا استمرت هذه السياسات فسوف تمتد إلى داخل المجتمعات التي توصف بأنها آمنة. والسبب في ذلك، أن السياسة الأخيرة ضد قطر لا تحظ بدعم شعبي، وفق آراء الناس على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو السبب الذي جعل النائب العام في دولة الإمارات يصدر قانونا يجرم كل من يتعاطف مع قطر على مواقع التواصل الاجتماعي بالسجن لأكثر من عشر سنوات.
ليس هذا فحسب، وإنما طبيعة الرزمة الثانية من العقوبات التي تصف مجموعة من الناس والكيانات بالإرهاب، والتي تمس أناسا ينظر لهم في المنطقة كرموز دينية وثقافية، كشخصية يوسف القرضاوي (بغض النظر عن مواقفه السياسية نتفق معها أو لا). إن أحد النتائج السريعة لرمي الناس بالإرهاب أو تخويفهم بهذا البعبع هي خلق الدافعية للانتماء إلى الجماعات الإرهابية. الأكثر من ذلك، أن التطرف في سياسة محاربة الإرهاب سوف يمزق المجتمعات ويعمق الأزمات ويذكي الاضطرابات الأمنية في البلدان العربية؛ أكثر ما يحتوي تهدات الإرهاب ويكبح انتشاره
من الناحية الاستراتيجية، تجدر الإشارة إلى أن الخاسر الأكبر من هذه الأزمة هو السعودية باعتبارها دولة محورية تبحث عن الثقل الاستراتيجي، لا يصنع هذا الأخير فقط بواسطة زيادة القوة العسكرية، وإنما أيضا بتوسيع دائرة الحلفاء والأصدقاء في المنطقة وخارج المنطقة. من الناحية التقييمية، نجد أن السعودية لحد الآن قطعت علاقاتها مع دولتين في المنطقة وهي إيران وقطر، وأن بعض الدول الأخرى أبدت امتعاضها من هذه السياسية. السبب في ذلك أن المشكلات القائمة هي مركبة وممتدة من المستوى الوطني إلى الدولي، وليس من السهل حلها بقرارات سريعة وغير متروية؛ وإنما بحاجة إلى حوار استراتيجي مستمر وعميق، ويتطلب تناولات متبادلة.
إذا أصبحنا في اليوم في العالم المعولم لا نستطيع أن نفرض آراءنا على أولادنا بالقوة وإنما بالحوار والإقناع وحتى تقديم التنازلات في بعض الأحيان خوفا من فرارهم من البيت، فكيف الوضع بالنسبة للعلاقات الدولية؟؟

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button