دراسات سياسية

طهران بين نزعتين – وليد عبد الحي

بعد مرور ما يقرب من أربعة عقود على الثورة الإيرانية، تلوح ملامح “قلق” اجتماعي يكشف عن احتقان مزمن امتصته لفترة طويلة التحديات الخارجية لا سيما ما تعلق منها بالبرنامج النووي الإيراني الذي يشكل المشروع الاكثر إجماعا وتوافقا عليه بين الشرائح والتيارات الإيرانية المختلفة..
يقوم النظام السياسي الإيراني على التوازنات السياسية في بنية السلطة (حرس ثوري يقابله جيش تقليدي ،رئيس منتخب شعبيا يعلوه مرشد ينتخبه مجلس خبراء هو نفسه منتخب ، ومجلس شورى يحدد صلاحية المترشحين له مجلس صيانة الدستور، ثم مجلس تشخيص مصلحة النظام كمرجع لتسوية ما يدب من خلاف حول درجة التطابق بين السياسة والشرع).، لكن هذه التوازنات تختل أحيانا بفعل عوامل اهما :

أولا: التباين بين سُمك الجدار الديني في بنية النظام وبين رقته في المجتمع الإيراني، فنسبة الإيرانيين الذين يعطون الدين ” دورا قليلا او هامشيا او معدوما” في الحياة السياسية هم حوالي 56% طبقا لمعدل عدد من استطلاعات الرأي الايراني ، والملفت للنظر أن النسبة الكبرى من المعارضين للدور السياسي لرجل الدين هم من الشباب من الفئة العمرية 18-35، مع الأخذ في الاعتبار ان المجتمع الإيراني مجتمع فتي، وهو ما يعني ان على النظام ان يستجيب لتوجهات هذه الشريحة الكبرى ويخفف من سمك جداره .

ثانيا: الاحتقان الاقتصادي: لعل اطول حصار اقتصادي تعرضت له دولة استنادا إلى قرار اممي من مجلس الامن هو الحصار على إيران، كما ان الحرب العراقية الإيرانية لمدة ثمانية سنين والانخراط في أزمات الاقليم الحالية كلفت الاقتصاد الايراني تكلفة هائلة،لكن النظام نحج في عبور هذه المآزق لولا أن توزيع الثروة ما زال يشكل مشكلة هامة، فالطبقة الوسطى بشريحتيها العليا تشكل 32% من السكان والدنيا تشكل 15% ،و تشكل الطبقة العليا 4,3%،اما الطبقة الفقيرة ففيها شريحتان طبقة الفقر النسبي وتمثل 42% تليها في قاع المجتمع طبقة الفقر المدقع وتمثل 6,7%.
ويعاني الاقتصاد الايراني (اجمالي الناتج المحلي حوالي 395 مليار دولار) الى جانب ذلك من تراجع اسعار النفط،وهو أمر ترك أوزاره على طاولة صناع القرار ، لا سيما ان له انعكاسات على الاستقرار السياسي الذي بلغ عام 2017 حوالي 85,8 من 120 نقطة، وهو ما يجعلها ضمن مجموعة الدول متوسطة الاستقرار، لكن الملاحظ ان معدل الإستقرار في ايران هو في تحسن منذ 2010 حتى الإن حيث تحسن ما مجموعه 11.5 نقطة منذ 2010، مما يعني ان ميكانيزمات التكيف في الدولة والمجتمع تفعل فعلها رغم الاحتقان.

وتشكل المخدرات- الى جانب البطالة والتضخم- واحدة من عوامل عدم الاستقرار في ايران، لا سيما ان لإيران حدودا تصل الى 975 كيلو متر مع افغانستان التي تعد احد اهم مصادر انتاج المخدرات في العالم وتجعل من إيران معبرها الأهم للخارج ،وهو ما يؤدي إلى اشتباكات شبه يومية مع مهربي المخدرات التي تكلف الاقتصاد الايراني ما يعادل حوالي 8,5 مليار دولار سنويا، ناهيك عن العنف الاجتماعي الذي يتولد منه، فحوالي 40% من السجناء في ايران هم ممن لهم صلة بالمخدرات التي يتعاطاها حوالي 2,25 مليون ايراني.

ما زلت أرى ان النظام السياسي الإيراني ببنيته الحالية-وبتبايناته الداخلية بين المحافظين والمعتدلين- غير آيل للسقوط رغم الاحتقانات والمظاهرات الحالية التي اشرت لها وكنت قد نبهت لها سابقا وقلت انها ستحدث في عام 2017، لكن التحدي الذي سيواجهه النظام هو ما بعد خامنئي، فإذا نجح النظام في تجاوز مرحلة الصراع على شخص المرشد وطبيعة المنصب ومن يتولاه فإن النظام ماض في طريقه التي بدأت منذ 2010 نحو مزيد من الاستقرار ، بينما ستعرف المنطقة مشهدا مختلفا إذا فشل النظام الإيراني في مرحلة ما بعد خامنئي لإن بنية النظام الاقليمي ستشهد إعادة تشكيل من جديد، وأرجح بالحدس –رغم ان الامر يحتاج لمزيد من التدقيق- ان النظام يواجه نزعتين هما ” التغير أو التكيف “،وأرى انه سيعمل على وضع اسس في المرحلة القادمة لترتيب البيت الإيراني وربما قبل غياب خامنئي لضمان الديمومة للنظام والمجتمع..فالمثل الفارسي يقول ” ترقيع ثوبك العتيق خير من استعارة ثوب من الآخرين”…

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى