اصدارات الكتب

عرض كتاب المركز الدستوري لرئيس الجمهورية دراسة في الدساتير العربية

عنوان الكتاب : المركز الدستوري لرئيس الجمهورية دراسة في الدساتير العربية

أسم المؤلف : د.علي يوسف الشكري

سنة النشر : 2014

رقم الطبعة : الاولي

التعريف بالكتاب :

يُقرن الفقه الدستوري ديمقراطية النظام السياسي بحُرية الحياة الحزبية و الإنتخابات الحُرة النزيهة ، إذا لا يُمكن الحديث عن نظام ديمقراطي يحظر الأحزاب السياسية أو يُقيدها على نحو يجعل منها تابعة له أو مجرد أدوات لتنفيذ القرارات الصادرة عنه .

مِن هُنا حرصت غالبية نُظم الحُكم الحديثة على إتاحة الحياة الحزبية، لكن ذلك وحده لا يكفي لتوافر الشرط الأول من شروط ديمقراطية النظام السياسي، فليس العِبرة بإجازة تأسيس الأحزاب السياسية، و لكن بالمساحة الممنوحة لها في الحياة السياسية ، فالنُظم الأكثر دكتاتورية في العالم تنص في صُلب دساتيرها على إجازة تأسيس الأحزاب السياسية ، لكنها تقمع في الواقع كل من يجرأ على طلب تأسيس الحزب ، بل أن مجرد التفكير بتأسيس الحزب قد يُعد في نظرها تآمر على النظام السياسي .

مِن هنا تجد أن هذه النُظم تتبنى نظام الحزب القائد أو الحزب الواحد الذي يُعد هو و العدم سواء بلحاظ أن الحزب الواحد هو حزب النظام القابض على السُلطة و المنّظر لسياسته و المُنفذ لقراراته ، ففي ظل هذه النُظم يُعد حزب الرئيس مؤسسة دستورية و على حد سواء مع باقي المؤسسات بل هو من يقودها حيث تُسند رئاسة السُلطات الثلاثة عادة لقادة الحِزب ، و هذه الرئاسة كفيلة لتحويلها إلى أجهزة تابعة للحزب ، و هو ما يُفسر التلازم الحتمي بين الإحتفاظ بالقيادتين، القيادة في الحزب و القيادة في السُلطة ، و تسبق الأولى الثانية ، فالرئاسة الأولى مِن مُستلزمات الرئاسة الثانية و ليس العكس و بذلك يحِل الحزب محل الدولة في إدارة شؤونها.

         أما الركن الثاني مِن أركان ديمقراطية النظام السياسي ، تبنى فكرة الإنتخابات بأصولها الصحيحة القائمة على حُرية الإختيار ، و النزاهة و الشفافية فالعِبرة ليس بالنص على إختيار قيادة الدولة (الرئيس – الحكومة – البرلمان) بالإنتخاب ، لكن العِبرة بحرية الإختيار ، و خيارات الناخب ، فقد تجري الإنتخابات وِفق المعايير العالمية الشكلية (الترشح – الإختيار المباشر – القائمة الإنتخابية – صندوق الإقتراع – المرقب الدولي – الإعلان – الطعن – التصديق – أداء اليمين)، لكن حرية الترشح مقصورة على قيادات الحزب أو اللذين تم تزكيتهم من قِبله ، فمثل هذه الإنتخابات هي و العدم سواء ، بل عدمها أولى مِن إجرائها .

لقد تبنت غالبية الدساتير العربية ، النظام الجمهوري إسلوباً للحكم ، لكنها إختطت لنفسها إسلوباً خاص في تداول السُلطة ، فأسست في تبنيها هذا لدكتاتورية يرث فيها الخلف السلف ، فولدت نوع ثالث من أنظمة الحكم يصح أن نطلق عليه الجمهوريات الملكية أو الجمهوريات الوراثية ، دون أن تلتفت لإرادة الشعب و ميوله و إتجاهاته ، فقد مكث بعض الرؤساء العرب في سدة السُلطة عقود ، فاقت في سنواتها تِلك التي مكث فيها الملوك العرب ، حيث لا يعتلي الملك عادة سدة العرش إلا بعد مُضي العمر به أو حتى شيخوخته بفعل إستمرار سلفه في سدة العرش حتى وفاته .

و المُلاحظ أن رأس السُلطة في نُظم الحُكم الجمهورية العربية يُشرعن عادة لمكوثه بسدة الحكم ، مرة مِن خلال الدستور ، حيث ينص الدستور على إطلاق عدد ولايته ، و بإنتهاء الولاية يُعاد إنتخابه لولاية أخرى شاء الشعب أم أبى . و مرة يُحدد الدستور عدد الولايات ، و قبل إنتهاء الولاية بأيام أو أشهر قليلة يُعدل النص الدستوري على نحو يجوز إعادة إنتخاب الرئيس لولاية أخرى و مِن الرؤساء من إتخذ من الظرف الإستثنائي حجة و مُبرر لتمديد ولاياته .

وإبتدع الفكر الدكتاتوري العربي إسلوباً جديد لإختيار رئيس الدولة ، لم يسبقه إليه إلا نابليون عام 1804 حيث إستفتى الشعب الفرنسي على إختياره قنصلاً عاماً لفرنسا مدى الحياة .

ومنذ ذلك التاريخ و حتى عام 1956 لم تتبن الدساتير المعاصرة الإستفتاء الشخصي إسلوباً لإختيار الرئيس ، و في عام 1956 أصّل الدستور المصري لآلية جديدة لإختيار الرئيس من خلال الإستفتاء الذي لا يترشح فيه سوى شخص القابض على سدة الرئاسة ، و هو حكماً الرئيس بصرف النظر عن رأي الشعب حيث لا بديل و لا مُنافس له .

وفي أعقاب النص على الإستفتاء الشخصي في دستور عام 1956 ، جاء النص صريحاً على ذات الآلية في دستوري 1964 و 1971 المصريين ، و عن مصر أخذت العديد من الدساتير العربية بذات الآلية في إختيار الرئيس ، مِن بينها السودان في عهد جعفر نميري ، و سوريا في عهد حافظ الأسد و الجزائر في عهد هواري بو مدين ، و العراق في عهد صدام حسين .

وحُكم الرئيس في الجمهوريات الملكية أو الجمهوريات الوراثية لا ينتهي إلا إستثناءً بالوفاة أو الإنقلاب أو الثورة تحديداً ، بلحاظ أن باقي حالات إنتهاء ولاية الرئيس إستثناءً لا تنطبق على الرئيس في الجمهوريات الوراثية العربية فمِن غير المُتوقع ، إستقالته أو إقالته نتيجة الإتهام و المحاكمة ، كما أن العجز الصحي الذي ينتهي إلى إنهاء الولاية غير وارد إلا إذا إتخذ صيغة الإنقلاب .

إننا نعتقد أن لكل نظام سياسي ، و إسلوب لإدارة الحكم في الدولة ، بيئة و مناخ ، ومقدمات و مُستلزمات ، فما يصلح في بلد و ينجح لا يعني بالضرورة صلاحيته و نجاحه في دولة أخرى ، بل أن ما يصلح للدولة في زمن مُعين قد لا يصلح لها في زمن آخر ، و هو ما يُفسر تناسخ الدساتير و نظم الحكم و آليات إدارة الدولة ، إذ نادراً ما تحتفظ الدول في دساتيرها لقرون من الزمن ، و من إحتفظ به حرص على إدخال التعديلات اللازمة عليه ، من ذلك دستور الولايات المُتحدة لعام 1787 الذي عُدل ست و عشرين تعديلاً ، و الدستور السويسري الصادر عام 1848 و الذي ظلت أحكامه سارية المفعول حتى عام 2000 ، حيث صدر دستور جديد نظّم الأوضاع الدستورية في الدولة ،  و طرأ على دستور عام 1848 تعديل هام عام 1874 ، تحولت بموجبه سويسرا من دولة كونفدرالية إلى دولة فيدرالية .

ويقرن جانب من الفقه السياسي و الدستوري ديمقراطية النظام السياسي بنظام الحكم البرلماني ، و يقيناً أن هذا الإعتقاد يجانب الصواب ، و بُني هذا الإعتقاد على التجربة القاسية التي عاشتها العديد من البلاد العربية منذ مطلع العقد الخامس من القرن العشرين و حتى العقد الأول من القرن الحادي و العشرين ، إذ هيمن على سدة الرئاسة ، بل تفرد في إدارة الدولة ، القابض على سدة الحُكم و قيادات حزبه ، و تحول عامة الشعب إلى مُتلقين للأوامر مُنفذين لها ، غير قادرين على مناقشتها و لو بعد حين .

والواقع أن دكتاتوريات الجمهوريات الوراثية لم تتبنَ إلا النظام الخاص إسلوباً للحكم ، و لم تتبنَ النظام الرئاسي أو المختلط آلية لإدارة الدولة كما يعتقد البعض ، مِن هنا تهافت أصحاب القرار الجديد في الوطن العربي بعد عام 2003 على تبني النظام البرلماني إسلوباً لإدارة الدولة لإعتقادهم أن هذا النظام يقي من الإستبداد و يقيم سياجاً منيعاً لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم ، حيث لا يُمارس الرئيس في ظل هذا النظام سِوى بدور شكلي بروتوكولي ، و تتركز غالبية الصلاحيات التنفيذية الهامة بيد رئيس مجلس الوزراء و الوزراء و هو ما يُهيئ مقدمات و مُستلزمات الديمقراطية .

والواقع أن النظام البرلماني ليس له أن ينجح دون مقدمات ضرورية أولها الحرية الحزبية الملتزمة و ليس تلك القائمة على الفوضى أو القوة من أجل الإحتفاظ بسدة الحكم ، و ثانيهما المعارضة الجادة التي تسعى لتقويم الأخطاء لا البحث عن الزلل من أجل التشهير أو التي تختلق الأزمات المُفتعلة مِن أجل إسقاط القابض على السُلطة و حزبه و الحلول محله ، ثم الفصل المرن بين السُلطتين التشريعية و التنفيذية مع إحتفاظ كل منهما بحدود صلاحياته ، و إيجاد قضاء أو مجلس قادر واقعاً على الفصل في النزاع بعيداً عن التأثير السياسي ، و أخيراً وجود فكر مؤمن بهذا النظام و تحديداً مِن قِبل القابض على السُلطة أو مصدر القرار يتقبل النزول عن السُلطة في حالة الهزيمة بإنتظار إعادة ترتيب أوراقه مِن أجل إعتلائها مرة أخرى بشخصه أو مِن قِبل أشخاص آخرين في حزبه .

مِن هنا نرى أن على المُنّظر السياسي و حامل الفكر الدستوري العربي إعادة النظر فيما ذهب إليه من التلازم بين ديمقراطية نظام الحُكم و النظام البرلماني ، و عليه أن ينظر أولاً إلى البيئة السياسية و يُقيمها قبل المضي في إختيار طبيعة النظام الدستوري و إلا فليس هناك من يدعي بدكتاتورية النظام الدستوري الفرنسي في الولايات المُتحدة (بعيداً عن سياسته الخارجية) أو دكتاتورية النظام الدستوري الفرنسي في ظل دستور عام 1958 الذي تبنى النظام المُختلط إسلوباً للحُكم ، أو دكتاتورية النظام السويسري الذي تبنى ولما يزل النظام المجلسي آلية لإدارة الدولة .

والملاحظ أن الدول العربية التي سبقت و أن إنقلبت على نظم الحكم الوراثية (العراق – مصر – ليبيا) ، و تبنت النظام الجمهوري بديلاً عنه ، و خضعت و على مدى عقود من الزمن لحكم الأسرة الواحدة ، لم تنادِ بالعودة إلى تبني النظام الوراثي ، لكنها ثارت على القابض على سدة السُلطة و أطاحت به و إستبدلت نظام حكمه بنظام جديد يقوم على التعددية ، و الحرية الحزبية ، و تداول السُلطة ، وإذا أصاب حقبة حُكم بعض هذه الأنظمة الفوضى و الإضطراب و عدم الإستقرار و ربما التراجع الإقتصادي فهو أمر مُتوقع ، بلحاظ التأسيس الجديد ، و حداثة التجربة ، و عدم التمييز بين المصطلحات و الإخفاق في التطبيقات ، و رد الفعل العكسي على التجارب السابقة ، فضلاً عن معارضة و مقارعة إتباع نظم الحكم الزائلة و مناصبتها العداء للقابضين الجُدد على السُلطة و الذين قضوا جُل حياتهم في المعارضة .

لقد تناولنا مفردات هذا الكتاب في فصول متماثلة ، تضمن كل منها ثلاثة مباحث خُصِص الأول لدراسة إختيار الرئيس و إنتهاء ولايته ، و أُفرد الثاني لدراسة صلاحياته ، و تُرك الثالث لدراسة علاقة الرئيس بباقي سُلطات الدولة و الواقع أن هذا التكرار الشكلي كان مقصودٌ بذاته بلحاظ مستلزمات الدراسة المقارنة التي كانت تسعى لإستكشاف واقع المركز الدستوري لكل رئيس من الرؤساء في الأنظمة الجمهورية العربية ، و هي مُهمة شاقة بلا شك بفعل الحاجة لتجنب التكرار الناشئ عن تكرار دراسة ذات المفردة في كل فصل من الفصول .

نأمل أن يسهم هذا الجهد المتواضع في إضافة لبنة جديدة للمكتبة القانونية العربية في حقل الدراسات الدستورية التي تهتم بدراسة و بحث كل ما يتعلق برئيس الدولة .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى