دراسات اقتصادية

علم الاقتصاد السياسي و فروع العلوم الاجتماعية الأخرى

يعتبر سلوك الإنسان و تصرفاته المختلفة موضوع الدراسة المشترك لكل فروع العلوم الاجتماعية المتعددة التي يتعلق موضوعها بمختلف مظاهر النـشاط الإنساني داخــل المجتمع ( الاقتصاد السياسي، علم السياسة، الجغرافيا، التاريخ، علم النفس، علم الاجتماع…)، فكل تخصص معرفي يدرس هذا السلوك من زاوية معينة و يحاول أن يفهم طبيعة العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع و في سياق تطورها و تغيرها عبر الزمن، و لا يمكن دراسة أي مجال لنشاط الإنسان دون الرجوع إلى المجالات الأخرى.

يعتبر سلوك الإنسان و تصرفاته المختلفة موضوع الدراسة المشترك لكل فروع العلوم الاجتماعية المتعددة التي يتعلق موضوعها بمختلف مظاهر النـشاط الإنساني داخــل المجتمع ( الاقتصاد السياسي، علم السياسة، الجغرافيا، التاريخ، علم النفس، علم الاجتماع…)، فكل تخصص معرفي يدرس هذا السلوك من زاوية معينة و يحاول أن يفهم طبيعة العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع و في سياق تطورها و تغيرها عبر الزمن، و لا يمكن دراسة أي مجال لنشاط الإنسان دون الرجوع إلى المجالات الأخرى.

و لكن رغم هذا الترابط بين مختلف الظواهر الاجتماعية، و جد الباحثون أنه لتسهيل عملية البحث العلمي و التوصل إلى النتائج الأكثر دقة كان لابد من وجود تقسيم منهجي للعلاقات الاجتماعية، و بناءا على ذلك تتولى كل مجموعة من الباحثين جانـب من جوانب هذه العلاقات و تدرسها منفردة([1])، و لكن تبقى الحدود بين هذه الفروع الاجتـماعية مــتداخلة إلى حد كبير و التي تحاول كلها تفسير و فهم طبيعة العلاقات بين الأفراد داخل المجتمعات في إطارها المكاني و الزماني المتغير.

و على اعتبار علم الاقتصاد السياسي أحد هذه العلوم الاجتماعية الذي حقق قدر من الاستقلالية بموضوعه و مناهجه و قوانينه و نظرياته، غير أننا نجد الباحثين الاقتصاديين لا يستعينون بما تم التوصل إليه في الحقول الاجتماعية الأخرى من طرق و مناهج و مواضيع تساعد على اكتمال البناء المعرفي لهذا العلم، و سنحاول من خلال هذا العنصر فهم طبيعة العلاقة بين علم الاقتصاد السياسي و بين باقي فروع العلوم الاجتماعية الأخرى و إبراز الاعتماد المتبادل فيما بين الاقتصاد و هذه العلوم.

1- الاقتصاد السياسي و علم السياسة:

يعتبر علم السياسة من العلوم الأكثر ارتباطا بعلم الاقتصاد، فالظاهرة السياسية و الاقتصادية تشكلان في الواقع وجهان لعملة واحدة، تعتبر الدولة من الموضوعات الرئيسية التي يهتم بدراستها علم السياسة، و في الوقت ذاته تعتبر قوة الدولة و استقرارها الاقتصادي من أهم مواضيـع البحث و الدراسة لدى الاقتصاديين، و يعتبر الماركانتيلون من الأوائل الذين أكدوا على هذا الارتباط الموضوعي بين الاقتصاد و السياسية، كما أن تطور الأحداث السياسية و الاقتصادية حتى يومنا الحاضر تزيد من حجم هذا الارتباط بين الظواهر السياسية و الاقتصادية.

لذلك يستحيل على الباحث في الاقتصاد أن يتجاهل ما يتم التوصل إليه في حقل علم السياسة، و كذلك الشأن بالنسبة للباحث السياسي، فالكثير من الأزمات السياسة اليوم التي يتولد عنها نزاعات سياسية و حروب مستمرة، يرجع تفسيرها إلى عوامل اقتصادية ( الصراع في السودان، في نيجيريا، الحرب الأمريكية على العراق ترجع أسبابها حسب الكثير من الدارسين إلى رغبة الو.م.أ لضمان مصدر مستمر من الطاقة حتى تحافظ على استقرار اقتصادها الداخلي)، كما أن دراسوا النظم السياسة المعاصرة يؤكدون على الترابط الوثيق بين الاستقرار السياسي من جهة و الرخاء الاقتصادي من جهة أخرى، فكلما تمكن نظام سياسي معين من تأمين حاجيات الاقتصادية لمواطنيه، كلما زاد الاستقرار السياسي داخله، كذلك نجد أن من متطلبات الحكم الراشد المعاصر ضرورة ضمان الحقوق الاقتصادية للأفراد و التأكيد على تطبيق تنمية مستدامة فعالة من شأنها أن تطور الجوانب المادية للدولة و الأفراد.

كذلك نجد أن شكل النظام السياسي و قيمه و إيديولوجيته عوامل رئيسية في تحديد بنية النظام الاقتصادي، بحيث نجد أن النظم الديمقراطية الحرة تتبنى بالضرورة نظام اقتصادي رأسمالي حر، عكس النظم الاشتراكية التي تدعو إلى تطبيق مبادئ الاقتصاد الموجه و المركزي التخطيط.

2- الاقتصاد السياسي و علم الاجتماع:

يعرف علم الاجتماع بأنه:” علم القوانين العامة للتطور المجتمع الإنساني”.فموضوع علم الاجتماع يتعلق إذن بالظواهر الاجتماعية ( السسيولوجية) في حركتها الكلية، في حين أن علم الاقتصاد السياسي يهتم بمستوى واحد من مستويات الظواهر الاجتماعية و هو المستوى المتعلق بالارتباطات المادية، و لقد انصرف بعض الاقتصاديين لدراسة السسيولوجية الاقتصادية أي الاعتبارات أو الدوافع الاجتماعية للتصرف الاقتصادي،و يمكن تلخيص العلاقة بين الاقتصاد و علم الاجتماع في النقاط التالية:

– أهمية النشاط الاقتصادي و تأثيره على الكل الاجتماعي، أي أثر الأساس الاقتصادي في تحديد طبيعة التفاعلات و بنية العلاقات الاجتماعية، و يعتبر ابن خلدون من الأوائل الذين أبرزوا طبيعة هذه العلاقة، بحيث يرجع سبب ظهور المجتمع إلى الضرورة الملحة التي تدفع الناس للتجمع بهدف إنتاج و سائل المعيشة، أي أنه أعطى تفسير مادي لنشأة المجتمع، فالمجتمع ظاهرة طبيعية أدى إليها عمران التكافل الاجتماعي.

كما تظهر أهمية التحولات في البنى الاجتماعية على طبيعة التفاعلات الاقتصادية، و ذلك بأثر حركة مجموع المجتمع على تحول النشاط الاقتصادي للمجتمع. ( كيف تؤثر المكونات الاجتماعية و الثقافية على اختيارات أو سلوكيات الأفراد الاقتصادية؟ و في هذا الإطار يمكننا أن نفهــم و نفسر كيف أن الخمر كسلعة لا يتم التعامل بها في مجتمعات إسلامية، عكس المجتمعات الغربية بسبب الاختلاف الثقافي و الاجتماعي،).

– كما تتجلى العلاقة بين العلمين و تكون أكثر وضوحا من خلال ظهور تخصص فرعي ضمن الاقتصاد هو( علم الاقتصاد الاجتماعي)، أو ضمن علم الاجتماع هو(علم الاجتماع الاقتصادي)، فالأول هو اتجاه يميل إلى تفسير المعطيات أو الظواهر الاقتصادية اعتمادا على الظواهر الاجتماعية و واقع البنية الاجتماعية، أما الثاني فهو يزودنا بالمعرفة الضرورية الخاصة بالإطار الاجتماعي الذي يمارس في ظله النشاط الاقتصادي.

3- الاقتصاد السياسي و علم التاريخ:

كما يرتبط الاقتصاد بالتاريخ لأن هذا الأخير يسعى لمعرفة الأحداث و الوقائع و تفسيرها عبر تطورها التاريخي، في حين أن الاقتصاد يعمل على استكشاف و صياغة القوانين التي تحكم التفاعلات الاقتصادية، لذلك يحتاج الاقتصادي لمعرفة نتائج عمل المؤرخ أي معرفة الإطار التاريخي و الزمني النشاط الاقتصادي لنتأكد من صحة القوانين الاقتصادية و عموميتها، فالتاريخ يعتبر بمثابة المختبر التجريبي للباحث الاقتصادي الذي يسمح له بتتبع الظاهرة عبر مراحل تاريخية مختلفة ليكتشف بعدها مواطن التكرار في أسباب الظاهرة الاقتصادية ليصل في النهاية إلى التعميم و يؤسس القانون الاقتصادي، لذلك يعتبر المنهج التاريخي من أدوات و طرق التحليل التي لا يمكن أن يستغني عنها الباحث الاقتصادي ( ارجع للعنصر السابق حول المنهج التاريخي، لتتضح الرؤية أكثر حول حجم الارتباط الوثيق بين علم الاقتصاد و التاريخ).

كما أن المؤرخ بدوره يحتاج إلى معلومات اقتصادية لأنها تسهل عليه جزءا من بحثه و يحتاج كذلك إلى التحليل الاقتصادي لأن التطورات المادية الاقتصادية للمجتمعات يمكن أن تستعمل كوسيلة تفسير للتابع المراحل التاريخية، و هذا ما يؤكده كارل مارس في نظرياته حول التطور التاريخي للمجتمعات، بحيث يرجع السبب في انتقال البشر من مرحلة إلى مرحلة تاريخية إلى التحول في طبيعة علاقات الإنتاج المادي ( الجدلية المادية/المادية التارخية)، فمثلا وصول التاريخ الإنساني للمرحلة الرأسمالية ظهر نتيجة سيطرت الطبقة البورجوازية على وسائل الإنتاج مقابل خضوع الطبقة العاملة لسيطرتها، هذا الوضع سيغير التاريخ و يدخل البشر مرحلة تاريخية جديدة و هي الاشتراكية ثم الشيوعية، نتيجة تحول علاقات الإنتاج، بحيث تصبح ملكية وسائل الإنتاج بيد الطبقة العاملة لتزول بذلك الملكية الخاصة و الطبقة البورجوازية، و هكذا يتطور التاريخ البشري استنادا إلى عوامل اقتصادية مادية مرتبطة بتحول علاقات الإنتاج و الملكية.

4- الاقتصاد السياسي و القانون:

تتمثل العلاقة بين الاقتصاد و القانون في المجتمعات البشرية في أن القانون هو الإطار التنظيمي المحدد لمختلف التفاعلات الاقتصادية، فالعلاقة بينهما علاقة وطيدة إذ أن القانون يدرس القوانين التي اختارها مجتمع ما لنفسه، و ما كانت هذه القوانين سوى ترجمة لواقع البنيات الاقتصادية التي تفرضها على المجتمع.

فالقانون قد يكون رأسماليا في الدول الديمقراطية، و قد يكون اشتراكيا ضمن الدول الاشتراكية، أو إسلاميا أو إقطاعيا، فالهيكل أو الشكل يعتبر من أهم المعايير المعتمدة للتفريق بين نظام اقتـصادي و آخر، و المقصود بالشكل الإطار القانوني و الحقوقي الذي ينظم العلاقات الاقتصادية داخل كل نظام اقتصادي. فكل دولة لها جزء من تشريعاتها القانونية المتعلقة بالشق الاقتصادي مثل: القانون التجاري، و تسيير المشاريع الخاصة أو العامة، و قوانين المالية العامة، و قانون التأمين…الخ.

5- الاقتصاد السياسي و علم النفس:

يرتبط كذلك علم الاقتصاد السياسي بعلم النفس، فالاقتصاد التقليدي انطلق أساس من أرضية نفسية تتعلق بالأنانية، معتبرا أن التصرفات الاقتصادية تعتمد على المصلحة الشخصية و تعلق الفرد بضرورة إشباع رغباته، وهنا نجد أن الحاجة كأحد عناصر المشكلة الاقتصادية هي حالة نفسية بالدرجة الأولى، تحرك الفرد للقيام بنشاطات اقتصادية لتلبيتها، كما أن لعدة ظواهر اقتصادية مثل الظواهر النقدية أو ظاهرة القيمة أو ظواهر التقلبات الوقتية أرضية نفسية لا يشك في صحتها. فتأثير الشائعة مثلا على الحياة الاقتصادية يؤكد على صحة هذا التصور، لنفرض مثلا أن شائعة مفادها أن أزمة اقتصادية ستحل بالمجتمع، فترى الأفراد نتيجة هذه الشائعة يهرعون إلى المصارف لسحب ودائعهم و أو لشراء الذهب، و هذا ما جرى فعلا عام 1929، عام الضائقة و الأزمة الكبرى التي عرفها النظام الرأسمالي بأمريكا، فبعد الانخفاض الكبير الذي حدث في بورصة نيويورك تدافع الناس نحو صناديق المصارف لسحب ودائعهم و شراء الذهب خوفا من انهيار قيمة الدولار، إلا أنهم بعملهم هذا ساهموا مساهمة فعالة و قوية في تخفيض أسعار الدولار، إذ كثر عرضه في السوق لشراء الذهب و قل طلبه نظرا لسلسلة الانخفاضات التي كانت تصيبه من جراء هذه الأزمة. بصورة أخرى الشائعة خطرة و خطيرة، فهي و إن كانت تحمل أخبار بلا أساس من الصحة لا تلبث و أن تـضر بالاقتصاد و تخلق بذلك “أساسها”، و إن كانت الشائعة مدعومة بأساس واقعي فإنها تزيد من حجم قوة الواقعة و كبر تأثيرها على المجتمع الاقتصادي، حتى أن “ألبير أفتاليون Albert Aftalion” الاقتصادي الفرنسي يبني كامل نظريته النقدية على أساس نفسي.

6- الاقتصاد السياسي و الجغرافيا:

الجغرافيا هي دراسة العالم كوسط يعيش فيه الإنسان، و النقطة التي يلتقي فيها هذه الفرعين من المعرفة هي تلك الخاصة بتوطن النشاط الاقتصادي ( الوحدات الإنتاجية لهذا النشاط )، و هنا يزودنا علم الجغرافيا بالمعرفة الخاصة بالوسط الطبيعي للنشاط الاقتصادي، فاحتواء رقعة جغرافية على ثروة النفط أو الذهب أو أي معدن أو مورد طبيعي مهم، سينعكس هذا حتما على طبيعة النشاط والمستوى الاقتصادي و المعيشي لتلك المنطقة أو الدولة.

كما أن تتأكد هذه العلاقة ضمن ما يعرف بـ”الجغرافيا الاقتصادية”، و هي علم البحث عن القوى المحركة و الموارد الطبيعية في بلد معين، و عندما نتحدث عن الموارد الطبيعية فإننا نكون بصدد الحديث عن أحد عوامل المتعلق بالأرض إلى جانب العمل و رأس المال.

7- الاقتصاد السياسي و الديموغرافيا:

الديموغرافيا علم يهتم بدراسة قضايا السكان من حيث: حركة السكان، الهجرة، توزيع السكان، الخصوبة في الإنجاب و التكاثر، تحديد النسل، التخطيط العائلي، و يسجل نمو المواليد و الوفيات، متوسط العمر…الخ، فحالات السكان و حركتهم و بناهم الفكرية و طباعهم و بيولوجيتهم هي جميعها محاور يدرسها الديمغرافي في أبحاثه، في المقابل يذهب علماء الاقتصاد السياسي في تعريفهم للنشاط الاقتصادي إلى اعتبار الإنسان هو الفاعل الأساسي في النشاط الاقتصادي، و من هنا يتضح التداخل الكبير بين هذين العلمين، فالعوامل الديموغرافية تؤثر حتما على السلوك الاقتصادي للإنسان، فهي التي تحدد له شروطه الأساسية: القوة العاملة كما و كيفا، و كذلك مدى الحاجات التي يمثل إشباعها الهدف النهائي للنشاط الاقتصادي.

و بناءا على هذا تتفاوت المجتمعات في درجات توفيرها للاحتياجات الكمية و الكيفية لسكانها، و بما أن الموارد المتاحة في الطبيعة ناذرة فإن نوعية السكان تؤثر في هذه الموارد و تسخرها حسب متطلباتها، فاقتصاديات بلد معين تعد غير مستقرة إذا لم يتناسب و حجمها السكاني بالزيادة و النقصان، و من أبرز الاقتصاديين الذي ن ربطوا بين الاقتصاد و السكان “روبرت مالتوس” في نظريته السكانية، بحيث اعتقد بأن الحجم المتزايد للسكان مقابل قلة الموارد و نذرتها سيؤدي بالضرورة إلى حالة عدم الاستقرار.

الاستاذ نبيل بويبية

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى