فخ المساعدات الاقتصادية والثمن السياسي

وليد عبد الحي

هل يبني التسول دولا؟
تشكل المساعدات المالية والاقتصادية لدول العالم النامية بخاصة أحد جسور الاقتصاد السياسي الدولي والمعولم على حد سواء ، وكل محاولة لتقديم المساعدات الدولية على أنها قارب النجاة للاقتصاديات المتعثرة لا تساندها أي من الدراسات الكمية المتخصصة في هذا المجال ، وهو ما يتضح في المؤشرات التالية:
أولا: حجم المساعدات :
تشكل المساعدات الدولية من اجمالي الاقتصاد العالمي حوالي 0.10 % من الاقتصاد العالمي الذي يبلغ مطلع عام 2019 حوالي 143 تريليون دولار( على اساس ppp وليس ( Gdp، وتحتل الصين مع نهاية عام 2018 المرتبة الاولى في” حجم ” المساعدات الدولية ( وليس النسبة المئوية للمساعدات من اجمالي الناتج المحلي الصيني) ، وتبلغ قيمة المساعدات الصينية حوالي ( 38 مليار) تليها الولايات المتحدة (31 مليار)، ولكن لو حسبنا نسبة المساعدات الى اجمالي الناتج القومي( وليس المحلي ) فإن الاتحاد الاوروبي يقدم 0.47% من اجمالي ناتجه وتقف السويد على راس الدول الاوروبية بنسبة 1.40% تليها النرويج(1.05%) وليكسيمبورغ (0.93%) والدنمارك (0.85%) وهولندا( 0.76%) ، بينما في الدول العربية تقف قطر على راس الدول العربية( 1.24%) تليها الامارات ( 1.09 %)، اما الولايات المتحدة فتحتل المرتبة 20 بين الدول المانحة من حيث نسبة ما تقدمه الى اجمالي الناتج المحلي..
أما الدول المتلقية فالجزء الاكبر من المساعدات الدولية يذهب تقريبا الى 25 دولة بينها 5 دول عربية أهمها العراق ومصر والاردن وسوريا الى جانب اسرائيل.
ثانيا: جدوى المساعدات في التنمية :
يتم تبرير أغلب المساعدات بأنها تستهدف أغراض التنمية( على اختلاف قطاعاتها)، لكن المؤشرات تشير وبشكل قاطع إلى نتيجتين واضحتين:
أ- تشير دراسة عالم الاقتصاد البريطاني الحاصل على جائزة نوبل Angus Deaton والذي عمل مع البنك الدولي واستنادا لدراسته التطبيقية على دول مثل الهند وجنوب افريقيا الى أن المساعدات الدولية كانت سببا واضحا في ” تعميم الفساد في الدول النامية التي تتلقى المساعدات ولم يكن له اثر في التنمية” . أما دراسة William Easterly وعنوانها “Can Foreign Aid Buy Growth?” والتي تدرس معامل الارتباط بين النمو الاقتصادي والمساعدات في فترة طولها 30 سنة في افريقيا فتكشف ان علاقة الارتباط علاقة عكسية ، فكلما زادت المساعدات كان معدل التغير في معدلات النمو أقل.
وفي دراسة اخرى انجزها الباحثان Arvind Subramanian and Raghuram Rajan وكان عنوانها“Aid and Growth: What Does the Cross-Country Evidence Really Show تبين ان معدلات النمو في الدول التي لم تتلق المساعدات كانت اعلى في معدلات نموها من الدول التي تلقت المساعدات ، وحيث ان الدراسة تغطي فترة طويلة من 1960 الى 2000 أي خلال اربعين سنة، فإن ذلك يزيد النتائج وجاهة علمية.
تتدعم هذه النتائج بدراسة Carol Lancaster التي توصلت في نتائج دراستها وعنوانها Foreign Aid: Diplomacy, Development, Domestic Politics الى نفس النتيجة عن عدم جدوى المساعدات في النمو الاقتصادي.
اما الاستاذ الجامعي والباحث في البنك الدولي William Easterly فقد أكد وبنماذج كمية في دراسته وعنوانها The White Man’s Burden ان البيروقراطيين والأفراد المعنيين بالمساعدات في الدول الغنية فشلوا في تقديم اية مؤشرات كمية واضحة على أي دور للمساعدات في دعم معدلات النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
ب- قطاعات المساعدات: تتوزع المساعدات على عدد من القطاعات مثل الاغراض العسكرية والأمنية والسياسية لاسيما في الجوانب التي تخدم التخطيط الجيواستراتيجي للدول المانحة مثل
1-بناء او استمرار قواعد عسكرية للدولة المانحة
2-دعم التحالف العسكري او السياسي الذي يخدم الدولة المانحة من خلال المساعدات
3-للحفاظ على الانظمة الموالية او لمساندة دول او جماعات سياسية او مسلحة في دول مجاورة للدولة التي تتسلم المساعدات.
4-تحسين صورة الدولة المانحة لدى المجتمع المتلقي بخاصة في الدول التي تتسم صورة الدولة الكبرى فيها بصورة سلبية ، وتتوجه هذه ا لمساعدات للجانب الثقافي والسياسي مع التركيز على دور الصحافة ودور النشر ومراكز الابحاث والفضائيات والندوات…الخ.
5-لاغواء دول للانفصال عن كتلة معادية على غرار ما جرى في مشروع مارشال المعروف.
6-لاضعاف قوة جذب ايديولوجيات معينة كما كان الحال في فترة الحرب الباردة، فالاتحاد السوفييتي كان يقدم مساعدات لتدعيم الفكر الماركسي مقابل المساعدات المقدمة من الغرب لدعم الفكر الرأسمالي .
اما المساعدات الاقتصادية فتدل دراسات Round & Odedokun ودراسات الباحث Radelet ان اغلب المساعدات تذهب للدول ذات الطبقات الوسطى الاكبر وليس للدول الفقيرة ، لكن الاخطر هو المساعدات المشروطة(Tied aid) (سرا او علانية) حيث تقوم الدولة المانحة بوضع شروط على الدولة المتلقية بخصوص تصرفات اقتصادية معينة لتحديد مثلا شراء سلعة معينة من جهة معينة(في الدولة المانحة او فروع شركاتها تحديدا )، فمثلا تدل الوثائق المستندة لها هذه الدراسات المتخصصة ان الولايات المتحدة تضع شروطا على مساعداتها في 75% من المساعدات، كما ان معدل المساعدات الدولية العامة المشروطة اقتصاديا هي 50% من المساعدات الدولية ، فمثلا عندما تشترط دولة مانحة على الدولة المتلقية للمساعدة الشراء من جهة معينة ، قد يترتب عليه خسائر للدولة المتلقية لأنها –الدولة المتلقية- يمكن لها الحصول على السلع ذاتها من اسواق اقل تكلفة او أكثر رخصا.، وهو الاستنتاج الذي خلصت له دراسة Radelet.
ويتساءل Round & Odedokun في دراستهما عن سر ان أغلب مساعدات الدول الاستعمارية (بريطانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال تذهب مساعداتها لمستعمراتها السابقة ؟، او أن المساعدات الفرنسية تذهب بنسبة عالية لتدعيم اللغة الفرنسية، كما أن الصين تقدم المساعدات للدول بمقدار مواقف الدولة المتلقية ضد دولة تايوان التي تعتبرها الصين جزءا من اقليمها .
وعند النظر في توزيع المساعدات على القطاعات المختلفة يتبين مثلا أن المساعدات الامريكية موزعة على النحو التالي:
أ‌- 46% من المساعدات تذهب للقطاعات العسكرية والأمنية والسياسية.
ب‌- 38% من المساعدات لأغراض اقتصادية( التي تخدم اقتصاد الدولة المانحة)
ت‌- 16% لأغراض انسانية يتركز أغلبها على جمعيات المجتمع المدني واللاجئين والكوارث الطبيعية
ولو أخذنا عينة من اعلى الدول المتلقية للمساعدات الامريكية يتبين لنا أن اعلى عشر دول لتلقي المساعدات ومن بينها ( الاردن ومصر والعراق واسرائيل ) تشكل المساعدات العسكرية والامنية 63.7% من مجموع المساعدات.
والملاحظ ان كل الدراسات التي تناولت موضوع العلاقة بين انماط التصويت في الامم المتحدة وبين الدول التي تتقدم في وقت التصويت للحصول على قروض من المؤسسات الدولية وجدت ان العلاقة واضحة وارتباطية بشكل واضح، أي ان هذه الدول تصوت طبقا لرغبة الدولة المانحة.
ثالثا: التفاوض على المساعدات:
تشمل النقاط التي يدور حولها التفاوض بين الدولة المانحة والمتلقية الجوانب التالية ، ويتم وضع شروط عند كل بند من هذه البنود:
1- معايير اختيار الدولة الاولى بالمساعدة( أي من يخدم الدولة المانحة أكثر)
2- كمية المساعدات: كلما كانت المساعدات اكبر تكون الشروط أثقل
3- زمن تقديم المساعدات، وهنا يتم اختيار الزمن طبقا لمصلحة الدولة المانحة
4- قنوات تقديم المساعدات ( ثنائية أو جماعية ، مع جهات رسمية او غير رسمية…الخ)، وتحبذ الدول المساعدات الجماعية على الثنائية لكي لا يتم الكشف عن الشروط الخاصة بدولة مانحة معينة .

وللتدليل على كل ما سبق يكفي ان نقف عند بعض الملاحظات:
1- قال ترامب في خطابه امام الجمعية العامة عام 2018 ” سنقتصر مساعداتنا الخارجية على من يحترمنا –وبصراحة – لاصدقائنا فقط “، والاحترام هنا- في راي ترامب- هو مدى الاذعان لشروطه.
2- زادت المساعدات الامريكية لدول اوروبا الشرقية خلال الحرب الباردة، ثم تراجعت المساعدات الامريكية لاوروبا مباشرة مع اعلان انهيار الاتحاد السوفييتي، أي ان مبرر تقديم المساعدات لم يعد قائما.، ثم عادت المساعدات للارتفاع من جديد بعد احداث 11 سيبتمبر وما ترتب عليه من تنظيمات ارهابية
3- أن أغلب المساعدات لدول العالم الثالث تذهب لنظم سياسية قمعية وهو ما لا يستقيم وفكرة المساعدة الانسانية.
إذن، التسول لا يبني دولا ، والمساعدات لا تقود للتنمية ، و تزيد من نسب الفساد والاستبداد، بل إن ما تقدمه دول الشمال الأوروبي هو ” لضمان عدم تدفق فقراء العالم كمهاجرين الى هذه الدول المانحة ، لأن ذلك يحمي هذه الدول المانحة من الجريمة والارهاب ويحول دون تنامي الفاشية من جديد ناهيك عن الحفاظ على هويتها الاوروبية…ونسبة ما هو انساني حقا في المساعدات الدولية لا يتعدى 0.9%.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button