فرضيات صراع الهوية السياسية ومستقبل الديمقراطية في كردستان

د.خضر القرغولي واخرون

المقدمة

ليس من شك، إن هناك قضية واشكالية تواجه المجتمعات المعاصرة، إلا وهي مسالة التطابق بين هوية الانسان وهوية الشعب من جهة، وهوية النظام السياسي والدولة من جهة ثانية، والحقيقة المدركة، ان الاختلافات والتباينات في الهويات لاي مجتمع أو دولة تعد مسألة نسبية وليست مطلقة، وهي متغيرة في الزمان والمكان، فكل المجتمعات تحوي داخلها درجة من درجات التنوع القومي و/أو الديني و/أو السياسي، ولقد استطاعت بعض الدول ان تحقق لافرادها وشعوبها ونظامها السياسي قدر من التناسق يكفل اقصى درجات التماسك السياسي بين المواطنين، بينما اخفقت في دول اخرى ليبرز قدر متزايد من التصدع والانشقاق بين هويات الافراد والمجتمع والنظام السياسي، وهو ما تعاظم ظهوره بفعل تداعيات الحضارة المعاصرة، واحساس الافراد ان ما يربطهم بمجتمعاتهم ونظمهم السياسية ودولهم، اما ان يكون قابلاً للتفاعل معه، أو يكون امراً غير مقبول الاستمرار في التفاعل معه.

واشكالية الهوية، لا تقتصر على الكيانات التي وصلت إلى مرحلة الدولة، انما هي قائمة في العديد من الكيانات التي تهدف إلى بلوغ مرحلة الدولة، وإقليم كردستان واحدة من التكوينات الاجتماعية-السياسية التي تتجه لتظهر هويتها السياسية على غرار ما قام به الاتراك عام 1924 والفرس من قبلهم والعرب على اختلاف دولهم التي شكلوها، على اسس من الهويات التي تجمع اغلب مكونات الشعب الموجودة لديها، بينما ظل الشعب الكردي اكبر امةً بلا دولة جامعةً له يعبر هويته القومية.

إشكالية البحث: تكمن اشكالية البحث من صراع الهويات في اقليم كردستان، يرتبط بتعدد وتنوع واختلاف المكونات الاجتماعية والثقافية، والتي تبدأ بالقومية والدين واللغة وتمر بالسياسة وتنتهي بالقبيلة والطائفة، فمع نجاح القيادات الكردية او الزعامات في توظيف البعد القومي كبعد اساسي ومركزي في عملية بناء النموذج السياسي وتحقيق الدولة الكردية، إلا ان ذلك لا يمنع من وجود دائرة واسعة من الهويات القبلية والطائفية والدينية بالشكل الذي يفتح الباب امام تعددية واقعة داخل الجسد الكردي وهي ان لم توظف بشكل ايجابي فلربما ستعمل على اضعاف هذا الجسد ومن ثم بذر نزعة الاختلاف اولاً والشقاق والتجزئة ثانياً .

ويمكن اجمال مشكلة البحث في الاسئلة الاتية :

  • ما الهويات الدينية والقومية والقبلية في كردستان العراق ؟
  • ما القوى الداخلية والخارجية المؤثرة على وجود الهويات المختلفة، ومدى تأثيرها في اقليم كردستان ؟
  • الى اي مدى يؤثر صراع الهويات على النظام السياسي والحكومة في اقليم كردستان ؟
  • ما احتمالات وفرضيات صراع الهوية السياسية في اقليم كردستان، وما تأثيره في الديمقراطية ونظامها السياسي ؟

هدف البحث: في هذا البحث المتواضع، يسعى لتحقيق الغايات الاتية :

  1. دراسة الهوية في دلالاتها وابعادها ومكوناتها الاساسية وعلاقاتها بما هو ثابت ومتغير من عناصرها، ومن جهة الوعي في علاقاتها مع مكوناتها من جهة، ومع الاخر من جهة ثانية، ومن اقترابها وابتعادها عن الوعي بها داخل الثقافة الواحدة، وعلاقتها بعملية التثاقف التي لا تكف عن التواصل والتطور والتغيير من جهة ثالثة.
  2. ايصال الهوية المراد اعتمادها للدولة والنظام السياسي إلى حالة مقبولة يرغب المجتمع نفسه بها كهوية جامعة تستوعب الفرد والمجتمع داخل علاقة متفاعلة وتضامنية غير منعزلة عن النظام السياسي الذي سيمثلها.

فرضية البحث: يقوم البحث على فرضية مفادها وجود صراع الهويات في اقليم كردستان، بسبب غياب الديمقراطية التي تتيح مشاركة كل ابناء المجتمع في تصميم هوية الدولة، لأن الهوية اوصلت الجماعات الاولية إلى قناعات تتراوح بين اسقاط الدولة وبناء بديل عنها بهويتها الفئوية، او الانفصال عنها، او السعي إلى تدميرها من الداخل ان كانت الظروف المحلية والإقليمية والدولية لا تسمح بهكذا تحول.

أهمية البحث: يستمد البحث اهميته من ان صور الصراع الموجودة في الإقليم، تتوزع بين اتجاهات عدة، لعل ابرزها: الهوية القومية، والهوية الدينية، والهوية القبلية، والهوية السياسية، وهناك هوية سياسية اخرى وان كانت هي الاضعف الا وهي الهوية العراقية. ولكن اقوى هوية موجودة الان هي الهوية القومية لأن المصلحة القومية الكردية ما زالت فوق كل الهويات الاخرى، وهذا ما يفسر عوامل تماسك اقليم كردستان بصورته الحالية وقوة فاعليته وما حققه من نموذج اقتصادي ناجح نسبياً مقارنة مع باقي مناطق العراق. وهذه الهويات الخمس موجودة لا يمكن انكارها، لانه اذا ما حدث ذلك ستحدث ردة فعل تعيد المواطن الكردي إلى ولاءاته الاولية السابقة على الولاء للإقليم، وهذه نقطة نعتقد جازمين انه لا يوجد اي سياسي كردي سيغامر بالعودة اليها، وانهاء نحو عقدين من المسار الناجح في ادارة الإقليم، وانما سيكون الخيار المفترض ان تتشكل الهوية السياسية بطريقة الحوار وهو ما يحتاج للديمقراطية في اتمامه، وعليه فأن الاتفاق على مناقشة موضوع الهوية سيدفع بالديمقراطية إلى تحقيق مقاصدها، لانها التجربة الانجح في ادارة الإقليم.

منهجية البحث: يستعين البحث بمنهج دراسة الحالة، وهي المسألة الكردية وذلك بهدف الوصول الى معرفة فرضيات صراع الهوية السياسية لإقليم كردستان العراق، فضلاً عن استخدام منهج الصراع (نظرية الصراع)، لدراسة كيفية توظيف المسألة الكردية في ادارة الصراع بينهما، وفي ضوء هذه المنهجية تحددت هيكلية البحث في المحاور الاتية :  

أولاً / كردستان والهويات المتقاطعة (الدينية والقومية والقبلية)

ثانياً / القوى الداخلية المؤثرة وخيارات الهوية والاتجاه في كردستان

ثالثاً / القوى الخارجية المؤثرة وخيارات الهوية والاتجاه في كردستان

رابعاً / صراع الهويات وتأثيره على كردستان: احتمالات خيار الدولة

خامساً / خيار الدولة الكردية والتعامل مع فرضيات الهوية

المحور الاول / كردستان والهويات المتقاطعة (الدينية والقومية والقبلية)

يعيش الكرد هم جماعة قومية واحدة، في اطار رقعة جغرافية متصلة، ويجمعهم الدين، الا ان المصالح الاقليمية والدولية قد انتهت الى توزيعهم بين خمس دول هي: تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا، وأرمينيا. وفيما عدا أرمينيا، التي يعد الوجود الكردي فيها مستقراً بدرجة لا تجعله يمثل مشكلة، فان هذا الوجود يعد مشكلة كبرى في كل من تركيا والعراق وإيران، والى حد ما سورية، نتيجة مساقات السياسة وتوازناتها وعجز هذه الدول عن ايجاد آلية سياسية واقتصادية وثقافية لاستيعاب الكرد داخل دولة وطنية تعطي حقوقاً متساوية لمواطنيها، فتحولت هذه المشكلة إلى صراع مسلح اخذت تعانيه هذه الدول، ولقد تفاوتت اساليب التعامل مع الكرد من انكار تام لوجود التمايز القومي، كما هو الحال في تركيا وإيران، إلى اعتراف ونوع من الحكم الذاتي، كما حصل في العراق، ووصولاً به إلى مستوى اعلان المناطق الكردية مناطق إقليمية مميزة بإقليم سياسي محدد

واذا ما اتينا إلى أصل الكرد، نجد ان المؤرخون مختلفين في تحديد تلك الاصول، الا ان الرأي الاكثر رجحاناً هو ذلك الذي يرجعهم إلى اصول آرية، ذلك ان لغتهم تنتمي إلى عائلة اللغات الآرية، وان تاريخ سكنهم منطقة كردستان انما يعود إلى قرون عدة سبقت ميلاد المسيح، وهناك رأي يقول ان الكرد انما هم حصيلة تزاوج بين اصول عدة ولجت المنطقة واستقرت فيها، الا ان المتفق عليه بين أغلب الآراء هو ان وجودهم في كردستان، انما يعود الى هجرات الجماعات الهندواوروبية التي استقر قسم منها في مناطق كردستان في الألف الثاني قبل الميلاد

والكرد غالبيتهم من المسلمين السنة، والقليل منهم من المسلمين الشيعة الاثنا عشرية الذين يتركزون في مناطق جنوب غرب إيران، وفي اقصى شرق العراق (الكرد الفيلية)، وفي عصور مختلفة اعتنق بعض الكرد اليهودية والمسيحية، وبعضهم كان من غير الموحدين باعتناقه ديانات أخرى متعددة مثل اليزيدية، والعلي الهية

وقد تأثر تطورهم الاجتماعي والسياسي والثقافي بعوامل عدة منها :

  1. التفاعل مع طبيعة موطن الكرد، لوجود الجبال والسهول والاودية.
  2. قيام حياة رعوية ارتبطت بشكلٍ مباشرٍ بتأثير الطبيعة.
  3. طغيان الانماط القبلية والتنقل والغزو والفروسية.
  4. الحياة الزراعية الريفية.
  5. الحياة الحضرية التجارية الادارية في المدن.
  6. تنوع الشعوب والثقافات التي قطنت هذه المنطقة الى جانب الكرد والتي تمازجت عبر التاريخ من آرية وسامية وعربية وأرمنية وتركمانية واشورية وكلدانية .

واذا ما رجعنا الى التاريخ سنجد ظاهرتين ميزتا الوجود الكردي:

الظاهرة الاولى: ان الكرد عشقوا الجبال، ففرقتهم الى جماعات قبلية غير متحدة في اغلب تاريخهم، بمعنى آخر انهم ارتبطوا بالقبيلة اكثر مما ارتبطوا بالقومية، ولم يغير من هذا المنطق الا الاحزاب اليسارية والشيوعية تحديداً في تجاوز الكرد الطابع القبلي، ودفعه نحو الاقتراب من العامل القومي، وتحديداً بعد الخمسينيات من القرن الفائت. وان مناطق الكرد وبسبب طبيعتها القبلية والجبلية المعيقة للبناء القومي كانت عرضة لغزوات اقليمية وسيطرة عليها من الامبراطوريات الكبرى، فسيطر عليها طوعاً العرب المسلمون، ثم سيطر على اغلب مناطقهم العثمانيون وباقي المناطق خضعت لامبراطورية فارس، وهذا الامر تاكد في معاهدة ارضروم التي نقلت السيادة إلى مدينة السليمانية من الدولة الفارسية الى الدولة العثمانية عام 1847، واستمر الحال حتى الحرب العالمية الاولى، عندما عمل الحلفاء على تسوية وضع الدولة العثمانية، فشكلت بريطانيا العراق، واعطته جزءا من كردستان، وبقي لايران ما كانت تسيطر عليه من مناطق كردستان، واعطى لتركيا المناطق التي تحيط بديار بكر.

اما الظاهرة الثانية: فهي اللغة االكردية، فالكرد يتحدثون عدة لهجات مختلفة، حسب المنطقة، فبسبب وعورة المنطقة الكردية، وصعوبة الاتصالات، وظهور الحدود الرسمية بين الدول التي توزع بينها وجود الكرد، تفرق السكان إلى قبائل منعزلة ومتباعدة، مما ادى إلى نمو اختلاف في اللهجات التي يتكلم بها الكرد. ومع مرور الزمن دفع ذلك إلى اختلاف اللهجات من منطقة جغرافية إلى أخرى، وتنقسم اللهجات الكردية الحالية إلى لهجات عدة أهمها الكرمانجية التي يتحدث بها اكثر من 50% من الكرد، وتستعمل في الكتابة والتعليم، ولاسيما في المناطق الكردية العراقية ومعظم كرد تركيا وسورية وارمينيا، وهناك اللهجة البادنانية (البهدنانية) التي يتحدث بها كرد العراق في دهوك واربيل، كما توجد اللهجة السورانية التي يتحدث بها عدد اقل من مناطق واقضية محافظة السليمانية في العراق وقسم من منطقة كردستان الإيرانية، وتستعمل كذلك في الكتابة والادب، وهنالك لهجة رابعة هي لهجة الـ (زازا) وهي لهجة (الدوملي، الدونبلي) في تركيا وتسود إقليم درسيم تحديداً، وهناك لهجات اخرى اقل منها انتشاراً اللورية وغيرها

ورغم تعدد لهجاتها، والتي ما زالت تكتب بالاحرف العربية، الا ان اللغة الكردية تبقى في كل الاحوال متميزة عن اللغات العربية والتركية والفارسية، فالكرد ليسوا عربا ًولا اتراكاً ولا فرساً، انما هم جماعة مميزة تجد في لغتها دليلاً على ثباتها القومي، ومع هذا فثبات الكرد القومي لا يعني وجود حالة من الاندماج أو التماسك الاجتماعي، فالكرد ومنذ السبعينيات لديهم علاقات واسعة مع الغرب، وتزايد احتكاك الاجيال الكردية الناشئة بالثقافات الغربية تحديدا بعد عام 1992، وتم خلالها نقل الكثير من مظاهر المدنية إلى كردستان، وعلى الرغم من قوة تأثير العامل الديني والقبلي على الكرد، إلا ان فكرة القبلية قد تراجعت نسبياً سيما بعد عام 2003 و حتى فيما قبلها، الا ان الامر لم ينفِ ان القبلية انتهت انما الروح القبلية ما زالت قوية للغاية بين الكرد، ومن الصعب اليوم على اي كردي ان يؤدي دوراً سياسياً بارزاً ان لم يكن في اصوله من شيوخ القبائل او ممن تربطه علاقة بهم، وربما ستشهد السنين القادمة مزيد من الاتجاه نحو فك هذه العلاقة بسبب نمو التيارات المدنية العلمانية، فمعضلة الكرد التاريخية هي انقساماتهم القبلية، إذ ادت دوراً في بقاء المجتمع الكردي مفككاً عبر التاريخ ومنعت قيام كيان كردي موحد بينهم، كما شكلت ميداناً خصباً لاستغلال القوى الخارجية التي كان لدورها تلك الانقسامات لمنع الكرد من التوحد وتشكيل كيانهم الخاص، قبل العام 1992

ويتميز المجتمع الكردي العراقي بتنوعه القبلي وانقسامه العشائري، إذ كانت القبائل الكوردية في منتصف القرن التاسع عشر تشكل ثلث سكان كردستان، اغلبهم يمتلكون الاراضي، اما الرحل منهم فيمتلكون المراعي، وهذه الاراضي والمراعي مخصصة للقبيلة (الملك) صاحب السلطة على القبيلة، فالقبيلة في كردستان تتألف من العشائر والطوائف، وهذه بدورها تتألف من رئيس القبيلة أو العشيرة ويطلف عليها تسميات كثيرة كالشيخ والمير والبك، أما رئيس العشيرة فهو الاغا، الذي يمتلك البك والاغا كل الحقوق القانونية والادارية، فضلاً عن ان وضعهما في الوجاهة والترفيه لا يضاهيه اخر في القبيلة او في العشيرة، حيث يتمتعون بامتيازات كبيرة، وتضم القبيلة رجال الدين والعلماء اي السلالي والسادة وهم من سلالة الرسول (ص) *، مقارنة بالفلاحين والرعاة، وتعد مؤسسة القبيلة والعشيرة من اهم مقومات تكوين المجتمع الكردي تاريخياً وحتى وقتنا الحاضر، ولهذه الحقيقة التاريخية جذور عميقة في تكوين نفسية الفرد الكردي، وقد اسهمت في تسيير دفة نمطية الهيمنة الفكرية على مجمل اعراف وتقاليد المجتمع الكردي المعاصر ([1])، وانعكس ذلك على اتجاهات اندماجه بالنظام السياسي منذ تاسيس الدولة العراقية، بمعنى ان اتجاهات الافراد فيه اتجهت نحو الهويات القبلية اكثر منه نحو الهويات السياسية، فالكردي العراقي لم يتعود الخضوع لنظام سياسي واداري منظم، وكثيراً ما ادى العرف والدين والعشيرة دوراً رئيساً في تشكيل رؤية المواطن الكردي لمدى التزامه أو عدم التزامه بالتنظيم الاداري والسياسي الذي يخضع له، وهكذا فكثير من كرد العراق هم افراد القبائل والعشائر، ويدينون بولائهم لزعماء قبائلهم، فالكردي يلبي رغبة زعيمه ليس فقط قياماً بواجب أو تكليف، وانما في احيان كثيرة عن ايمان راسخ، ولهذا يلاحظ الكثير ممن عرف الشخصية الكردية العراقية ان الكردي العراقي يكن الولاء والاحترام لزعيمه العشائري اكثر من رجال السلطة السياسية أو العسكرية التي كثيراً ما تمرد عليها سواء في عهد السلطة العثمانية أو في زمن الدولة العراقية المستقلة ([2])، بل ولم يستطع ان يلتزم تجاه الهوية العراقية التي اطرته من الناحية الرسمية، ولعل جزء من مبعث عدم التزام الكردي بالهوية العراقية انه لم يكن هناك من الانظمة السياسية في العهد الجمهوري منذ 1958 ولليوم من كان راغبا بجعلها اطارا يمثل كل ابناء الوطن فيها، وانما حاولت الانظمة السياسية ان تجعلها تتنناغم وما يمثل هوى القوى الرئيسية الماسكة بالسلطة

أما عن اهم العشائر الكردية العراقية، فيمكن الاشارة إلى الكثير من العشائر التي ادت دوراً في الحياة الكردية والعراقية على السواء، وقدمت شخصيات سياسية وعسكرية ادت دورها في تاريخ العراق المعاصر، ولعل اهم تلك العشائر هي عشيرة البارزانيين، التي تعد من اهم قبائل كردستان العراق، وتستقر في قضاء الزيبار، شمال نهر الزاب الكبير، وجنوب جبل شيرين. ومن اهم زعمائها الشيخ احمد البارزاني الذي اعدمه الانكليز، وشقيقه الملا مصطفى البارزاني الذي قاد الحركة الكردية المسلحة منذ الاربعينيات من القرن الفائت وحتى انهيارها عام 1975. وهناك قبائل الطالبانية التي تستقر بين مدينة كركوك وقضاء خانقين في ديالى، ومنهم جلال الطالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ومكرم الطالباني، وزير الزراعة العراقي زمن حكم البعث في السبعينيات من القرن الفائت. وهناك قبائل الجاف التي تستقر في مناطق سهل شهرزور، ومدينة حلبجة، وخورمال. وقبائل البرزنجي التي تتواجد في قضاء خانقين في ديالى، وفي مدينة كركوك، وتدعي هذه القبائل انتسابها لآل البيت العلوي، وهذه القبائل دخلت في علاقات مواجهة مع كل القوى المحلية وحتى مع الدولة العراقية عندما تم التعرض الى مصالحها

وهناك قبائل اخرى اقل حجماً وتأثيراً، منها قبائل الهركية الذين يستقرون في شمال شرق اربيل، وفي مثلث الحدود العراقية الإيرانية التركية، وهذه القبائل تعتنق المذهب العلي الهي، وقبائل زنكنة جنوب مدينة كركوك وفي اطراف مدينة كفري، وقبائل الهماوند الذين يتمركزون في مركز مدينة جمجمال وبازيان، وقبائل السورجي في شرق الموصل وجنوب بارزان، وغيرها من القبائل الاخرى

ما يهمنا هنا، ان البعد القبلي بقي واحد من أهم الابعاد التي شكلت الهوية الكردية، وطالما ان كردستان العراق لا يوجد فيها قبيلة واحدة، انما هي تتألف من العديد من القبائل، لهذا كان الاتجاه القبلي واحد من اهم العوامل التي اخرت تشكيل الوعي القومي الكردي في كل كردستان، ولم يتشكل بسببها الوعي القومي الكردي الا تحت تأثير عاملين اثنين:

  • سياسات الحكومات العراقية والتركية والإيرانية في محاربة الكرد، والدفع بأنظمتهم السياسية إلى اكتساب صفة العربية أو التركية أو الفارسية، واستبعاد امكانية استيعاب المكون الكردي داخلها.
  • وجود دعم دولي بسبب الحرب الباردة، ورغبات باثارة مشكلة الاقليات غير المندمجة بدولها في الشرق الاوسط، وواحدة منها الاستغلال السوفيتي والأمريكي وغيرهما لهذه المشكلة في الضد من العراق تحديدا في الخمسينات ووصولا إلى انتهاء الحرب الباردة، ثم اعقبها استغلال الولايات المتحدة ودول إقليمية مهمة ومنها إيران وتركيا لهذه المشكلة إلى الضد من العراق بعد العام 1991.

واتيحت للكرد بعد عام 2003 فرصة سياسية تاريخية لإعلاء الوعي القومي الكردي، بسبب انشغال المحيط الإقليمي بحدث الاحتلال الأمريكي للعراق، وعدم الرغبة بالمواجهة مع الولايات المتحدة مباشرة، وهو ما سمح للكرد ان يؤسسوا علانية لإقليمهم القومي بصيغ سياسية عراقية رسمية ثبتت في الدستور الدائم، وهذا الامر اي (تشكيل الإقليم) انتهى إلى ان يدفع السياسيين إلى استثمار الخطاب السياسي القومي الذي يجعل من تجربة كردستان العراق تجربة انموذجية يمكن عن طريقها ان تعيد الوعي لكل الكرد في دول الجوار إلى صياغة خياراتهم اما باتجاه انماء الوعي القومي أو الضغط على دولهم من اجل اعادة صياغة هويتها الوطنية ليكون الكرد فيها اكثر اندماجا بالانظمة السياسية فيها.

الا ان النقطة التي يجب ان لا نغفلها الا وهي ان الكرد رغم اتجاههم نحو الخيار القومي الواسع بعد العام 2003 الا ان ذلك لم ينف ان هناك نمط آخر للهوية بقي نشطاً، وهو نمط موجود منذ قرون عدة بين المواطنين الكرد، الا وهو الهوية الدينية، فالغلبة الإسلامية أسهمت بنمو هوية إسلامية مميزة للكرد، ولهذا نجد ان الكرد كانوا من اكثر القوميات اندماجا في اطار الدولة العثمانية، تحت العنوان الإسلامي الجامع الذي احتضنته تلك الدولة، وما ان آلت الأمور داخل الدولة العثمانية نحو التتريك، حتى اصبح هناك فاصل بينهم وبين الكرد، بدأ يتسع وصولا إلى انتهاء الخلافة العثمانية واتجاه تركية لفرض التتريك على مواطنيها، واتجاه العراق إلى فرض الخيارات العربية على مواطنيه، ومع ذلك فهذا الموقف لم يثن الكرد للانشغال بغير هويتهم الإسلامية، التي استمرت تسير إلى جنب الهويات القبلية، واستمرت تسير إلى جنب الهوية القومية لليوم، ومرجع التعلق بهذه الهوية ان الكرد دخلوا الإسلام عن قناعة وليس جراء حرب كما حدث مع الفرس. ويمكن ان نتلمس وجود هذه الهوية اليوم من قوة التيارات الدينية في كردستان وتحديداً بعد انتخابات برلمان الإقليم عام 2013، اذ اشرت الانتخابات ان الإسلاميين الكرد يشكلون واحد من القوى الفاعلة في الإقليم.

المحور الثاني / القوى الداخلية المؤثرة وخيارات الهوية والاتجاه في كردستان

كانت القوى الكردستانية في العام 1992 امام تحدي لم تألفه، فالنظام السياسي العراقي اتجه فعلياً إلى ترك الكرد بلا غطاء دولة، في ظرف ان تلك القوى ناضلت من اجل توسيع سقف المطالب التي يمكن للكرد ان يحصلوا عليها، الا انهم وجدوا أنفسهم انهم أمام حاجة سريعة لبناء مشروع سياسي بديل يجمع الكرد حوله، فاتجهوا بسرعة إلى تشكيل حكومة للإقليم واعلانه إقليماً فيدرالياً في اطار الدولة العراقية، ولا يجمعهم هذا الكيان الا لكونهم كورد، وهذا الامر احتاج إلى نحو عقد من الزمن ليؤكدوا خلاله الكرد انهم قادرين على ادارة إقليمهم بطرق ديمقراطية، الا ان مخرجات تلك الادارة كانت تغيب عنها رؤية الهدف لما يمكن ان ينتهي اليه الإقليم، ولدينا مؤشرين على ذلك:

  • الحرب التي دخلها الحزبان الكرديان (الاتحاد والوطني لكردستاني) ضد بعض قبل العام 2003.
  • الغموض في العام 2003 عندما سقطت الدولة العراقية بفعل أمريكي، إذ ان الكرد لم يسرعوا الخطى باعلان دولتهم القومية بسبب تأثيرات إقليمية وأمريكية محسوبة، الا ان ما يجب عدم اغفاله هو ان الكرد لم يكونوا بعد متفقين على هويتهم الجامعة في اطار نظام سياسي متفق عليه، فخيار الاتجاه نحو اعلان الدولة الكردية كان سيجهض من الهويات الموجودة داخل الكيان السياسي الكردي غير المقتنعة بالرؤية السياسية للكيان قبل ان يتم اجهاضه من القوى الخارجية، فانتهى الحال إلى وضعهم في اطار الدولة العراقية الجديدة بهامش استقلال اكبر عما كان موجودا قبل نيسان 2003.

ولعل اهم ما واجهه قادة الإقليم ان كردستان ما زالت تتصارعها الاتجاهات التقليدية للهوية الا وهي الخيارات القبلية وهي بعيدة عن ان تجتمع في اطار هوية واحدة متفق عليها، وبين الهوية الإسلامية التي يعتقد اصحابها ضرورة سحب الإقليم اليها، وبين الخيارات القومية التي وجدت صدى لدى الساسة ولدى الشرائح التي انقطع تواصلها عن العراقيين العرب منذ 1992، وهناك هويات سياسية في اطر كل من الهويات السابقة، بعضها تريد ان تسحب الاقليم نحو اليسار وبعضها نحو المحافظة في اقصى اليمين، وتزداد التيارات المدنية العلمانية انتشارا بين اجيال الشباب بحكم رغبة الزعامات السياسية بسحب الكرد من واقعهم القبلي الى المجتمع المدني من خلال التعليم والتنمية والديمقراطية، ولكل من هذه التيارات اهداف فيما يخص الإقليم وفيما يجب ان ينتهي اليه.

إن التحديات التي تمثلها الانماط المختلفة في إقليم كردستان، والتي تقف حجر عثرة امام توحيد الرؤية الكردية الموحدة حول علاقة العراق وإقليم كردستان، في مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، يمكن تقسيمها حسب الرؤى المطروحة والتي يمكن تحديدها من خلال الاتهامات التي توجهها القوى السياسية إلى بعضها البعض، ومن ابرزها  الاتهامات الموجهة من قبل الاحزاب المتمثلة بـ (حركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية) إلى الحزبين في سلطة إقليم كردستان (الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني)، بكونهم يدفعون بالإقليم نحو الاطار القومي في إطار بعيد عن الحوار الكردي الجامع

واليوم، لكل من تلك القوى رؤيتها فيما يخص الهوية الكردية، وما يتوجب على الكرد القيام به خلال الاعوام القادمة، وهم على عمومهم يريدون الدفع بهذه الرؤى إلى التفاعل عبر مقترب العملية الديمقراطية، الا ان هذا الدفع لم يمر دون معوقات، انما كانت هناك تحديات اثرت على مدى استعداد الكرد للتعامل مع هذه النقطة المهمة في حياتهم، ويمكن ابراز هذه التحديات بالرؤى المختلفة الموجودة في الإقليم والتي يمكن تلخيصها على النحو الآتي :

  1. اهداف الحزبين الرئيسيين الماسكين بالسلطة ديمقراطياً (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني): وهذه الاهداف تظهر بصورة جلية في سلوك الحزبين وسياسة الحكم في الإقليم، والتي أهم مؤشراتها لليوم: استمرار سيطرة الحزبين على بعض مؤسسات الدولة في إقليم كردستان وتحديدا الامنية منها، وتبني سياسات تقلص من درجة المشاركة في الحكم (على الاقل من وجهة نظر المعارضة)، وما حصل من اشراك المعارضة في الحكم على اساس المحاصصة، انما جاء من قبيل الرغبة باضعاف دورها في مساءلة الحكومة، وتحميلها جزء من أي نقد قد يوجه إلى السياسة العامة في الإقليم، كما ان اغلب علاقات الاقليم مع حكومة بغداد او مع دول الجوار او مع الولايات المتحدة، انما يحتكرها الحزبان الرئيسان في الاقليم.
  2. اهداف المعارضة في إقليم كردستان (حركة التغيير والاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية)، وهذه القوى تنطلق في احيان من منظور مختلف مع منظور وأهداف الحزبين الكبيرين في الاقليم، ومنها: الدعوة الى اصلاح المؤسسات القائمة لتكون اكثر ملائمة للمعارضة، كما انها تدعو الى اطلاق حوار كوردي بشان قضايا عدة في علاقة كردستان بحكومة بغداد الاتحادية، ناهيك عن غياب وجود فاعل لقوى المعارضة الكردية في بغداد، الا انه مما يقتضي التنويه اليه ان نقاط الاتفاق بين أحزاب المعارضة، لا تنف ان هناك صعوبة في التلاقي أو التوافق بين مشروع حركة التغيير العلمانية والمشروع الديني لحزبي المعارضة الإسلامية، وبالتالي لهوية السياسية للدولة الكردية، والتقارب الحالي هو ليس حباً من حركة التغيير للأحزاب الدينية، بل رد فعل على سياسات الأحزاب الموجودة في قمة السلطة في الإقليم، لذلك فعدم الثقة موجود بين أحزاب المعارضة نفسها وخاصة من الأهداف الخفية في تعامل الأحزاب الإسلامية مع القضايا الداخلية والعراقية والدولية.
  3. اهداف الأحزاب الأخرى في الإقليم، والتي تجاوزت الثلاثون حزباً مجازاً، لكنها بشكل عام تكاد تكون احزاب غير فاعلة، يغلب عليها طابع المصالح الشخصية لقادة الأحزاب الصغيرة.
  4. ان هناك اشكالية حقيقية التوافق حول صيغة الدولة الكردية القادمة وسواء أكانت صيغتها ضمن ابعاد النموذج الديمقراطي العلماني ام ضمن الاطار الاسلامي الديني.

إن الرؤى السابقة وتنوعها واختلافها، في منطلقاتها وفي اطروحاتها وفي غاياتها، انما صار يؤسس لاختلاف سياسي في الإقليم، اذا ترك بلا حوار يؤسس على اسس الديمقراطية بكل تفاصيلها فانه سيتسع ليدفع الإقليم في هذه المرحلة التاريخية إلى عدم الاستقرار الكلي أو الجزئي.

لكن، اذا ما نظرنا إلى ما اسسه الكورد من نظام سياسي وتحديداً التطورات التي شهدها الإقليم بعد العام 2005 انما نجد ان هناك بوادر نحو توسيع سقف المشاركة السياسية، ان لم يكن في الحكم فهو موجود في البرلمان الذي يعد البوابة الرئيسة للتشريع ولتقييم السياسات العامة لحكومة الإقليم والرقابة عليها.

إن النظام الديمقراطي في إقليم كردستان رغم ما وصل اليه من قبول للتداول السلمي بين القوى المشاركة فيه، الا انه ما زال حديث تجربة، وتحديداً في مناقشة مسألة بالغة الاهمية للإقليم الا وهي المتعلقة بالرؤى المتعارضة حول الاهداف الاستراتيجية داخل الإقليم وخارجه، وان ذلك يظهر بصورة جلية في الصراعات المعلنة والكامنة في العملية السياسية ، وغياب اواصر الثقة عن القوى الفاعلة، وحتى ان التحالفات الموجودة على الساحة السياسية شبيهة بالهدنة بين اطراف تواجه ازمات مشتركة، كالاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، فالذي يجمعهم هو الدفع بالخيار القومي للاقليم ليكون الاطار الجامع في اي علاقة مع حكومة بغداد او في اي احتمال لتحول الكيان السياسي الى دولة، وكذلك يجمعهم تقاسم السلطة ومصادر القوة في المجتمع الكردي، فضلاً عن الخوف من المعارضة، فعلاقات القوى، وفي اطار الثقافة السياسية الشرقية عامة، يتم النظر اليها انها تخضع لمنطق العلاقة الصفرية في السياسة، الربح فيها يفيد بخسارة الاخرين، وما زال النظر الى كون الديمقراطية هي وسيلة لتداول السلطة سلمياً أمراً غير مستساغ، وهو بالمحصلة يعد عامل شك بالنظام الديمقراطي. ومبعث الشك هنا، ان قوى الاقليم الفاعلة اندفعت لتشكيل الاقليم عام 1992 وهي لم تتفق على الاهداف العامة الا الرغبة بخلق اطار بديل عن اطار الدولة العراقية الغائب، يمكن ان ينظم الكرد فيه تحت شروط الحد الادنى من التنظيم. لكن بعد العام 2005، واتجاه الكرد الى تثبيت واقعة انهم اقليم فيدرالي لاسباب قومية وتاريخية، الا انهم لم يحسموا الاتفاق على ان الديمقراطية هي اطار منظمة لقواعد اللعبة الديمقراطية، وللحوار بين القوى السياسية، التي يفترض المنطق التاريخي والسياسي ان وجودها وقوتها وضعفها، انما يخضع للمزاج الشعبي العام في الاقليم، وربما تستمر او تتصاعد قوتها او ربما تضعف وتنتهي بين دورة انتخابية واخرى. ومبعث هذا القول، ان الشرعية يجب ان تحاكي القناعات الشعبية، لكي تبقى موجودة ومستمرة والا لحكمنا على كيان الدولة بالجمود، وما يمكن ان يبقى مستمراً نسبياً انما هو هياكل مؤسسات الدولة او الكيان السياسي. ولا ننسى هنا ان واحدة من اسباب استمرار الرؤى المتعارضة هو ان المجتمع القبلي ما زال قوياً، وما زال اغلبه غير منخرط في المناقشات التي تدور حول مستقبل الاقليم وهويته السياسية، ومن ثم فان الاتجاه الى الادعاء بتمثيل تلك التيارات والاتجاهات غير المصرح بها انما هو من قبيل المجازفة السياسية حتى اليوم.

ووفقاً لهذا التفاعل بين الاهداف المتعارضة للقوى الفاعلة في إقليم كردستان، نجد أنه من الصعوبة الاتفاق على رؤية موحدة ليس فقط على مستقبل الدولة العراقية، وعلاقة الإقليم بها، بل على مستقبل الكيان السياسي في إقليم كردستان واعادة تشكيله، والتعامل مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، وسيبقى الصراع الأهم هو المتعلق بالاتجاهات العامة التي على القوى الكردستانية ان تدفع النظام السياسي الكردي إلى التشكل في ضوئها دون ان تسبب عزوف عن الاعتراف به من قبل بعض الكرد، واعطاءه اكبر قدر من الشرعية.

 

المحور الثالث / القوى الخارجية المؤثرة وخيارات الهوية والاتجاه في كردستان

تحتل موضوع المسألة الكردية في العراق باهتمام دولي وإقليمي واسع، وذلك لعوامل عدة، ومنها:

  1. ان كردستان على قائمة اولويات الدول الكبرى، ولاسيما الولايات المتحدة، إذ تعد الجسر الرابط للشعوب المختلفة (العرب، الفرس، الترك، الكرد) في موقعها الجغرافي، وهي مكان قريب من الخليج العربي والبحر المتوسط، لأن اهميتها الاستراتيجية نابعة من الاهمية الاستراتيجية لكل من العراق وإيران وسورية وتركيا والمنطقة عموماً.
  2. تحتوي كردستان على كميات من الثروات الاستراتيجية المهمة وامثلتها النفط والمياه.
  3. ان الشعب الكردي يؤلف نسبة سكانية لا بأس بها تمكنه من ان يؤسس دولة قومية مؤثرة مقاربة للقوة السكانية لإيران وتركيا والدول العربية،، ونسبه السكانية مرتفعة في الدول التي يتوزع عليها، ففي تركيا يوجد قرابة 15 مليون كردي، وفي إيران قرابة 12 مليون نسمة، وفي العراق قرابة 6 مليون نسمة، وفي سورية حوالي مليون ونصف المليون نسمة، وهناك قرابة المائة الف كردي في ارمينيا.
  4. ان المنطلقات الفكرية للأحزاب والقوى الكردية تتسم بالتنوع، إلا ان وحدتها تتضح في المحور الرئيس لعملها السياسي يرتكز على سعيها في اقرار الحقوق القومية للكرد. وطالما ان الهدف الذي تسعى اليه كل القوى الكردية السياسية يتمحور حول وجود تمايز للكرد قومياً ولغوياً عن دول الجوار، المنتشرين فيها، وطالما ان جميع دول الجوار لم تعمل على ايجاد رابط وطني يجمع الكورد بالدول التي يتواجدون فيها، فان هذا الامر يعطي للقوى الدولية فرصة للنفوذ بين الكرد للتأثير في القرار السياسي لكل من إيران وتركيا والعراق وسوريا.
  5. تمثل المسألة الكردية محور نقاش لدى كل من صناع السياسة في تركيا وايران والعراق، فالدول الثلاث لم تؤسس دول وطنية بالمعنى المتعارف عليه، انما اسسوا دول لانظمة سياسية تحكم شعوبها، والهوية السياسية للانظمة الحاكمة اصبحت هوية للدولة، ولهذا رفض الكرد هذه الهوية غير المندمجين بها طالما انها لا تمثلهم ولا تستوعبهم، ولهذا بقت النظرة الاقليمية للكرد انهم مشكلة تتطلب القسر في التعامل معها، اما بالنسبة لعراق ما بعد 2005 فان القوى الفاعلة في الحكومة فانها كانت قد تحالفت مع الحزبين الكرديين الرئيسيين ضمن منطق: اعطاء الفيدرالية التي تقترب من حدود الاستقلال، مقابل تمكين تلك القوى من فرض هيمنتها على الحكومة الاتحادية، ولما تمكنت تلك القوى من السيطرة على الحكومة الاتحادية ورغبت بتوسيع دائرة سيطرتها وجدت ان كردستان العراق كان قد كون اقليما قادرا على ادارة نفسه، وكان منطق تلك القوى يقترب من الحكم المركزي وهو ما كان مبعث تقاطع طيلة المدة اللاحقة على خروج القوات الامريكية من العراق، ومنها قضايا النفط والبيشمركة وحدود اقليم كردستان.

إذن، تثير كردستان ومواضيعها قضايا ومواقف من عدة دول، اهمها تركيا وايران والعراق،.. فضلاً عن الولايات المتحدة.

ففي تركيا، لقد كانت المسألة الكردية واحدة من المشكلات التي استعصت على نظام الحكم، ويبدو من العمق التاريخي للمشكلة بأنها رافقت التاريخ المعاصر لتركيا الحديثة، وقمع النظام لمطالب القومية الكردية بالقوة العسكرية الذي افضى إلى تعقيدها، وانتفاء امكانية بلورة وحدة وطنية في البلاد يسعى إليها النظام التركي في إطار السعي للمحافظة على وحدة تركيا من الناحيتين السياسية والجغرافية. أما فيما يتعلق بالتوزيع الديمغرافي للكرد، فان تركيا تمثل اليوم اكبر تجمع في المساحة والعدد، إذ ينتشر الكرد على مايقارب (194) الف كم2، الذين يتركزون في مدن اهمها ديار بكر، وان، وهكاري، وتبليس، ودرسيم، وفي ظل استمرار الوضع القائم في تركيا لا يمكن تصور التوصل إلى حل يحفظ الحقوق القومية للشعب الكردي، بل أن جميع الوقائع تدل على ان الصراع سيستمر إلى حين تحقيق احدى النتائج الآتية :

  1. قد تتمكن السلطة المركزية من سحق الحركة القومية الكردية بالقوة، كما فعلت ونجحت في السابق، وإذا ما تم ذلك فأنه سيكون مقابل ثمن باهظ ستدفعه تركيا داخلياً وخارجياً، مفاده استمرار عدم اقتناع الكرد ان الدولة التركية هي اطار شرعي جامع لهم مع الاتراك.
  2. استمرار الحركة الكردية المسلحة المتمثلة بحزب العمل الكوردستاني الذي بدأ يستعيد نشاطه أو أي مجموعة قد تنشط في المستقبل وتجبر السلطة المركزية على القبول بأحد الحلول:
  • اجبار النظام التركي على الاعتراف بالقومية الكوردية ومنحها حق تقرير المصير، وهذا امر قد يصعب على السلطات التركية اتخاذه خلال المستقبل المنظور، والعقبة الأساسية التي تحكم موقف النظام السياسي التركي في هذا المجال أنها لا تعترف بالأقليات القومية، وأن جميع المواطنين اتراك بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الطبقية، ويعد النظام التركي أن اي اعتراف بسيط بالحقوق القومية لهذه الاقليات على أنه انشقاق في وحدة الامة التركية أو انفصال يحفز على تجزئة الدولة.
  • منح الكرد الحكم الذاتي أو الاعتراف ببعض الحقوق الثقافية والقومية الكردية.
  • تشكيل فيدرالية تركية ـ كردية.

والخيار الاكثر قبولاً في ظل ما جرى في العراق، نحو تنشيط الخيار القومي للكرد، واتجاه العراق الواضح نحو التفكك، ووجود اتجاهات قوية داخل الولايات المتحدة نحو اعادة صياغة الكيانات السياسية في الشرق الاوسط وتشكيل خريطة سياسية جديدة تقوم على اساس مراعاة العامل القومي وتنشيط التيارات المذهبية لتكون بمستوى دول جديدة في المنطقة، وهنا لن يكون امام تركيا الا القبول بوجود حقوق قومية للكرد، وعندها يتوقع ان يكون خيار الحقوق الكردية قد وصل إلى مراحل متقدمة جداً، وتدرك تركيا هذه النقطة لهذا هي اتجهت بقوة الى الاستثمار في العلاقة مع كردستان العراق في كل الميادين.

أما في إيران فان مساحة المنطقة التي تقطنها القبائل الكردية تبلغ نحو (125) الف كم2، يتركزون في ولايات كرمنشاه واردلان ولورستان. وفي ظل استمرار الوضع القائم في إيران لا يمكن تصور التوصل إلى حل يحفظ الحقوق القومية للشعب الكوردي، فالنظام الموجود لا يعترف بوجود قوميات مختلفة داخل إيران، انما يشير إلى ان (الإسلام) هو من يجمع الإيرانيين حوله، وجميع الوقائع تدل على ان الصراع سيستمر إلى حين تحقيق احدى النتيجتين: أما ان تتمكن السلطة المركزية من سحق الحركة القومية الكردية بالقوة، وهذا امر صعب نتيجة لطبيعة المنطقة ولوجود العامل الخارجي المساند للمطالب الكردية والمعارض للنظام الإيراني الحالي، أو ان تستمر الحركة الكردية المسلحة في نشاطها وصولاً إلى المساهمة في اسقاط النظام واستبداله بنظام آخر، على امل ان يكون النظام الجديد اقدر على استيعاب وتحقيق المطالب القومية المشروعة. ونحن نرى ان اتجاه إقليم كردستان في العراق نحو تعزيز قدرات الكرد ككيان سياسي ونحو اظهار العامل القومي كرابط قومي يجمع كل الكرد من شانه ان يحفز كورد إيران لاحقاً على تنشيط خيارهم القومي في مواجهة النظام السياسي الإيراني.

وفي ارمينيا يوجد اهم تجمع للكرد خارج تركيا وإيران والعراق وسورية، ولاسيما في مدينة آريفان، إذ يبلغ عددهم قرابة المائة الف نسمة. اما في سورية فيبلغ عددهم وفقا للاحصائيات المتوافرة ما يزيد على المليون نسمة ينتشرون في ولايات مثل حلب ودير الزور والقامشلي ودمشق وغيرها).

ومهما يكن من تعداد الكرد وانتشارهم الجغرافي، فان الامر الواضح، ان العامل الدولي كان وما يزال واحد من اهم العوامل السلبية في اتجاه الكرد نحو الوصول بذاتهم القومية إلى مستوى اظهار الكيان السياسي الممثل لحقوقهم ولإرادتهم في نطاق انتشارهم الجغرافي.

المحور الرابع / صراع الهويات وتأثيره على كردستان: احتمالات خيار الدولة

صارت القوى الكردية في العام 1992 مع انسحاب الادارة الحكومية العراقية من كردستان العراق، امام محك حقيقي لإدارة المناطق الكردية والا كانت الفوضى ستضرب المنطقة التي يسكنون بها، وبالفعل استطاع الكرد بجهودهم وارادتهم ونضالهم، مع قليل من الدعم الأمريكي، من التأسيس لكيان فيدرالي، وما ان حل العام 2003 ونجاح الولايات المتحدة في اسقاط الدولة العراقية، حتى وجد الكرد أنفسهم امام حقيقة انهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة الاتفاق على معنى ما سيكونون عليه: هل سيكونون كياناً سياسياً مستقلاً ؟ ام سيبقون في اطار الدولة العراقية؟ وفي حالة الخيار الاول، فما هو مضمون خيار الدولة التي ستجمعهم؟ هل هي الدولة القبلية على غرار امارات الخليج؟ ام الدولة الدينية؟ ام الدولة القومية؟ ام الدولة المدنية؟ وازاء الفشل النسبي في الوصول إلى مناقشة مفضية إلى تبلور كيان كردي في كوردستان، انتهى الامر إلى إقرار صيغة العلاقة الفيدرالية في علاقة الكرد مع العراق.

ومع تصاعد اعمال العنف في العراق بعد العام 2005، استمر الكرد بطرح فرض انهم سيتجهون للاستقلال عن العراق، الا ان هذا الخيار لم يكن جدياً بسبب الظروف الإقليمية والدولية، الا انه اليوم، وبسبب من نجاح الكرد في مهادنة كل من تركيا وإيران، وغياب الحكومة العراقية بسبب غرقها في ملفات الفساد والعنف السياسي وغيرها من القضايا الخلافية التي تكاد تفرق العراقيين ولا تجمعهم، فان الكرد نجحوا في التاسيس لكيانهم السياسي الذي يمكن ان يتحول إلى دولة سريعا، الا انه يبقى ينقصهم معنى الهوية التي سيتحدون ويتحددون في اطارها.

فالمعروف، ان الهوية التي يمكن ان تعلن الدولة ونظامها السياسي تبنيها فانه في حالة ظهور من لا يؤمن بها، فان خياره عندها هو عدم الاعتراف بشرعية النظام السياسي، وانما العمل على زعزعة ليس فقط النظام انما قد يصل به الأمر إلى هدم الدولة نفسها، ولنا في العراق ومشكلة الهوية فيه منذ عام 1921 ولليوم واحدة من ابرز المشكلات الموجودة، لأن النظام السياسي تبنى هوية لا يؤمن بها بعضا من افراد الشعب.

وبالرغم من تقاطع الهويات داخل كردستان، إلا أنها لها هدف واحد ومشترك هو اقامة دولة كردية منفصلة عن العراق، حتى وان لم تصرح بذلك، وذلك استناداً إلى اسباب عدة أهمها:

  1. اللغة المشتركة وهي اللغة الكردية التي يتكلم بها الغالبية الساحقة لإقليم كردستان (وتكاد الاختلافات في اللهجات الموجودة غير المؤثرة وهي لها تاثير حاسم في ما يجمع الكرد)، وهذا الأمر طبيعي جداً حتى عند العرب انفسهم.
  2. الغالبية العظمى من الكرد في إقليم كردستان تدين بالديانة الإسلامية والمذهب السني، وهذا الامر لم يمنع معتنقي الديانات الاخرى من ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية في الإقليم.
  3. الكرد ينحدرون من اصل واحد، هندو اوروبي، وهم مختلفين في اصولهم عن العرب والفرس والاتراك.
  4. الحجم السكاني الذي يساعد على تأسيس الدولة، ويمكن ان تكون كردستان العراق نواة لدولة كردستان الكبرى.
  5. الإقليم الجغرافي المحدد المعالم، ذلك ان كرد العراق يعيشون منذ الاف السنين على بقعة الارض التي نعرفها الآن، والتي اصبحت جزءاً لا يتجزأ من التراث والعادات والتقاليد الكردية، وهي رقعة جغرافية غير منفصلة.
  6. السلطة السياسية المنظمة والمتكونة من الهيئات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي استطاع الكرد بنائها بعد العام 1992 ونظموها بشكل اكبر بعد عام 2005.
  7. القدرة الكاملة على الدخول في علاقات دولية مع الدول الاعضاء في المجتمع الدولي، لاسيما إذا عرفنا ان الإقليم يحتضن اكثر من عشرين قنصلية لدول مختلفة، كما ان لحكومة الإقليم ممثليات في العديد من الدول بعد فتح دائرة العلاقات الخارجية المرتبطة مباشرة برئاسة حكومة إقليم كردستان، وفي اطار نصوص دستورية تتيح ذلك للأقاليم الموجودة في الدولة العراقية.
  8. الامكانات والموارد التي تحققت لهم خلال الفترة السابقة سيما وقد بدأوا في تصدير النفط والغاز وتوظيف نفط كركوك خلال المرحلة القادمة والتأسيس لمنظور الدولة .
  9. ويوجد سبب آخر لاحتمالات توجه الكرد نحو الدولة الا وهو انهم قد وصلوا الى مرحلة من الوعي التاريخي بان استمرارهم في اطار دول مختلفة معهم في الطابع القومي انما سيبقي الكرد في حلقة المعاناة المستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الاولى، فلم يظهر اي نظام سياسي لليوم في الدول الثلاث تركيا وايران والعراق يعرف الدولة ونظامها السياسي بانها دولة جامعة لكل شعبها، يرافقه ان الكرد قد وسعوا من نطاق التعليم والانشطة السياسية التي تؤكد اختلافهم عن باقي القوميات الثلاث الكبرى المجاورة لهم، وحققوا بناءاً مقبولاً للقدرات البشرية تعينهم لاحقاً على الانطلاق بمشروع الدولة.

بمعنى اخر، ان كردستان مؤهلة سياسياً ومؤسساتياً لان تعلن عن نفسها كياناً سياسياً، الا انها تحتاج فقط إلى مسالتين:

  • قرار من المجتمع الدولي بوجودها في حالة صدور ذلك الاعلان. اي توافر الظرف الدولي الذي يمكن الكورد من اعلان الدولة والقبول بها.
  • وان تتفق القوى الكوردية على معنى الهوية الكوردية، اي معنى الهوية للدولة الكردية.

وفيما يخص المسألة الثانية، فان ذلك سيكون واحدة من اكثر القضايا التي تحتاج إلى الديمقراطية المطبقة في كردستان، لإعلان حوار كردي هادف في تحديد مستقبل الإقليم، ومستقبل كيانه السياسي وبعيداً عن اي عملية فرض لهوية محددة من اي جهة كانت.

 

المحور الخامس / خيار الدولة الكردية والتعامل مع فرضيات الهوية

تطرح احتمالات إعلان قيام دولة كردية مسالة في غاية الأهمية، وهي إلى أي مدى ستدفع تلك الدولة بالكرد نحو هوية محددة؟

كان واضحاً منذ البداية ان الكرد خططوا بعد الاحتلال الأمريكي لتحقيق طموحاتهم عن طريق هدفين هما :

  1. الخروج من تهميش الماضي، والاسهام في قيادة الدولة العراقية مزيلين بذلك واقع وعقدة نفسية آلمتهم مدة طويلة.
  2. إحياء الأمل في بناء الدولة الكردية، من خلال الحصول على اقليم له معنى الدولة فعلياً في نطاق الفيدرالية العراقية ليكون اللبنة الاولى في بناء الدولة الكردية المستقلة مستقبلاً.

وبقدر تعلق الأمر بالهدف الأول انطلق الخطاب السياسي للكرد بعد عام 2003 للقول بأنهم لا يسعون إلى تقسيم العراق، وبأنهم اتخذوا قراراً استراتيجياً استند إلى رؤية وقراءة عقلانية للواقع وهو البقاء داخل عراق فيدرالي موحد، والتعاون مع القوى السياسية العراقية للحصول على دعمها في تحقيق المصالح الكردية، متخذين في سبيل ذلك وسائل متعددة ابرزها:

  • استخدام اسلوب القوة الناعمة في التعامل مع جميع الاطراف وتجنب التصعيد والمواجهات، فالقوى الكردية وجدت ارضية ملائمة لتكون لها حضوة داخل العراق الاتحادي لأن القوى الفاعلة في بغداد ركزت على مسائل الهيمنة على الثروة والسلطة والفساد وتوسيع دائرة الامتيازات الشخصية واعمال العنف السياسية ضد الخصوم، وهو ما كان فرصة لانشغالها واشغال الحكومة الاتحادية عن الاوضاع التي تسير اليها كل مناطق العراق، وبضمنه عدم مناقشة المدى الذي يشترك فيه الكرد في صنع السياسة العراقية، واندفعت قوى عديدة الى تلمس الدعم الكردي ضد بعضهم البعض الاخر، لاسيما في ظرف انساق قادة العراق الاتحادي نحو خيار المحاصصة والتوافققات السياسية. واكثر ما يمكن ملاحظته حول هذه النقطة هو وضع القوى الكردية لشروطها في مواد الدستور العراقي الدائم بما يضمن تحقيق هدف الحصول على مكاسب كبيرة لبناء الكيان الكردي، وانجاز استقلالهم على المدى البعيد مقابل الموافقة على تمرير الدستور وإخراجه إلى النور بالطريقة التي ارادتها القوى الماسكة للسلطة بعد العام 2005. وطرق ادارة القوى الكردية للملفات التي تجمعهم مع الحكومة الاتحادية في بغداد جعل الكرد في اقصى درجات الاستقلال الذاتي، ولنا اليوم في الخلافات بين حكومتي بغداد وكردستان بشان بعض القضايا ومنها النفط ما يدل على وجود قدر من التخبط لدى حكومة بغداد، لانها تريد توسيع دائرة الصلاحيات الاتحادية خارج دائرة ما نص عليه الدستور الاتحادي من تحديد صلاحيات الحكومة الاتحادية واطلاق صلاحيات الاقاليم.
  • ترتيب البيت الداخلي الكردي على جميع المستويات لضمان قدرة الدولة مستقبلاً في التصدي للتهديدات والتحديات التي تواجهها. ومنها إسراعهم في بناء مؤسسات كيانهم السياسي، ومنها المؤسسات الثلاث والبيشمركة والتمثيل الخارجي، خشية الطعن في الدستور العراقي مستقبلاً على انه تم صياغته وقت الاحتلال.
  • وجود قبول لسياسات القوى الكردية دوليا، ومثاله وجود طرح داخل الولايات المتحدة الامريكية ان العراق لا يمكنه ان يستمر كدولة واحدة بسيطة، ومثاله فكرة نائب الرئيس الأمريكي (جوزيف بايدن) الخاصة بالتقسيم الناعم للعراق، والقائمة على أساس حقائق التكوين الديمغرافي، وان امكانية استمرار العراق الواحد غير ممكن لعدم قدرة مكوناته على التعايش سلميا، ويبقى الحل الانسب هو الذهاب للفيدراليات.

إن هذه السياسات، انتهت إلى جعل الكرد كياناً سياسياً شبه مستقل عن العراق، الا انه كيان لم يعلن عن نفسه لليوم، واذا ما اعلن اليوم ومن دون تحديد الهوية، فان على القوى الفاعلة في الإقليم ان تتفق لاحقاً على مسالة التعامل مع الهوية التي ستؤطر الكيان السياسي، وفي ذلك مخاطر غير محسوبة.

إن لإقليم كردستان اليوم امكانات اقتصادية وسياسية واجتماعية تسهم في توحيد الرؤية الاستراتيجية بين القوى السياسية الفاعلة، والتيارات الرئيسة الثلاث (القومية والقبلية والدينية) في الإقليم، بمعنى انها يمكن ان تجعل كل التيارات والقوى تتفق على مضمون ليس السياسات التي يمكن ان تعتمدها كردستان انما حتى بشان الهوية التي ستؤطر الاقليم لاحقاً، وهذه الامكانات يمكن بيانها بالاتي:

  1. نمو الموارد البشرية المؤهلة في إقليم كردستان، وذلك عبر سياسات ناجحة تبناها زعماء الاقليم بتأسيس الجامعات وابتعاث الكفاءات الكردية للخارج، واجتذاب الكفاءات العراقية لداخل الاقليم، وجلب الاستثمارات التي تهيئ لبناء قاعدة من البنى التي يمكن لتلك الموارد ان تنمو في ظلها.
  2. بروز المعارضة كجهة ضاغطة لكسر احتكار السلطة واحتكار صياغة الاهداف الاستراتيجية، بمعنى ان الديمقراطية قد اسست لنواة تجربة ناجحة الا وهي ان هناك معارضة يمكن ان تتطور باتجاه جعل العمل السياسي ككل بطريق يسمح باجراء حوار اوسع بشان كل القضايا التي تشغل الكرد، وبضمنها مسالة هوية الكيان السياسي القادم.
  3. نشوء ثقافة سياسية تعتمد المشاركة، ورفض هيمنة الأحزاب على السلطة خارج دائرة ما تفرزه الديمقراطية، وما يدعم هذا الاتجاه هو ظهور طبقة وسطى ناشئة، ووعي المواطنين بخطورة الاستمرار باحتكار السلطة، ومثال ذلك مظاهرات السليمانية في 17 شباط 2011، واحداث زاخو،.. على الرغم من التفسيرات المختلفة حول دوافع هذه المظاهرات، الا انها تبقى بعيدة عن امكانية وضعها بانها ازمات تهدد استمرار التعايش السلمي أو السياسي داخل الإقليم، انما شكلت دعوات لتصحيح مسار العملية الديمقراطية في الاقليم.
  4. تمسك ابناء إقليم كردستان والقوى السياسية ببعض الثوابت المتعلقة بحدود إقليم كردستان وتقسيم الثروات، وحدود السلطات التي لا يمكن للحكومة العراقية الاتحادية التدخل فيها في الإقليم، فضلاً عن ضرورة الاستقرار السياسي وتعزيز النظام الديمقراطي في كردستان.
  5. وجود القناعة لدى النخب السياسية الكردية وقسم كبير من الشعب الكردي بأن إقليم كردستان يمثل بيضة القبان في القضايا العراقية، وهذا يفسر بروز المبادرات الوطنية لـ (البارزاني والطالباني واخيراً أحزاب المعارضة)، ومحاولة اعادة التوازن بين القوى السياسية المتصارعة في العراق، واعتماد الكرد هم جزء من الحل في العراق ككل. والجزء المكمل لهذه الامكانية هو اعتراف الكثير من الاطراف العراقية والإقليمية والدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الامريكية بهذا الدور الكردي.

وان هذه المقدمات، يمكن ان تكون عامل يقوي أي ظهور لاحق للكيان الكردي. وقد عمد الكرد بالفعل إلى الانطلاق منها نحو تحقيق تنمية مهمة في الإقليم، وتشكيل مؤسسات تكون قادرة على ادارة كيان منفصل عن الدولة العراقية، والاتجاه ايضا نحو تعزيز علاقات الكرد ككيان سياسي متمايز في اطار الدولة العراقية مع كل من تركيا وإيران ومع الدول العربية، فضلا عن الاتجاه نحو تطوير الثقافة القومية الكردية، والسماح لكل التيارات الكردية بالتعبير عن نفسها في اطار ديمقراطي حر

الخاتمة

ختاماً، يمكن القول ان المجتمع الكردي يعاني من حالة انقسامات وتشرذمات حزبية، فالبحث تطرق إلى فرضيات عدة، يمكن ان تواجه الكرد مستقبلاً، يتوجب على النظام الديمقراطي ان يكون اكثر وعياً لها، وهذه الفرضيات يقف في أعلاها مسالة العلاقة بين الكيان السياسي الكردي والهوية السياسية التي سيعتمدها هذا الكيان، وذلك في اطار حوار لا يمكن ان يبتعد عن الاطر الديمقراطية، التي انطلق الكرد في اعتمادها وتطويرها بتجربتهم منذ العام 1992 ولليوم، فضلاً عن ان أي تحديد للهوية التي سيجتمع الكرد عليها في تحديد مضمون كيانهم السياسي سينعكس لاحقاً على مستقبل التجربة الديمقراطية وتطبيقاتها في الاقليم.

*  وهم من القبائل التي تصاهرت مع العرب منذ فتح الاسلام، ولاسيما عند نشر الاسلام في المناطق الكردية، إذ توجد عوائل كردية تسمى بالسادة يعترفون بأصولهم العربية، أنهم متصاهرون مع العرب منذ مدة طويلة ويعترفون انهم من اصول عربية، للمزيد من التفصيل ينظر : سايكس مارك، القبائل الكوردية في الامبراطورية العثمانية، ط1، تقديم ومراجعة : د. عبد الفتاح بوتتني، ترجمة : هه وراز سوار علي، مطبعة هاوار، دهوك، 2002، ص ص37 ـ 40.

([1]) للتفصيل ينظر : سوزان ابراهيم حاجي امين، مصدر سبق ذكره، ص ص67 ـ 68 .

([2]) د. دهام محمد العزاوي، مصدر سبق ذكره، ص ص19 ـ 20.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button